كانت تُنفق على الألعاب السنوية إلى ترميم الأقنية وجَرِّ المياه، وأَسْعَفَهُ الحَظُّ بأن تُوُفي زينون زعيم الإسُّوريين، وكان هؤلاء قد عاثوا في البلاد فسادًا منذ السنة ٤٤١ فسكنوا بموت زعيمهم واستتب الأمنُ في آسية الصغرى، وضرب مرقيانوس مناذرة الحيرة أحلاف الساسانيين ضربةً قاضيةً، فنعمت سورية بالراحة والطمأنينة، وسار هذه السيرة في مصر فوقَّف هجمات أهل النوبة ودَفَعَ شَرَّهُمْ.
وفي فلسطين وسورية ولبنان اعتنق عددٌ من الرهبان بدعة ديوسقوروس، وهاجوا وماجوا؛ احتجاجًا على مُقَرَّرات مجمع خلقيدونية، فعمد مرقيانوس إلى إخضاعهم بالقوة المسلحة، وكذلك وافقه الحظُّ بأنْ تُوُفي أتيلا زعيم الهون، فتَمَكَّنَ مرقيانوس من استبقاء المال الذي كان يُدفع سنويًّا لهؤلاء.
لاوون الأول (٤٥٧–٤٧٤)
وتُوُفيت بلشيرية في السنة ٤٥٣، وتبعها مرقيانوس في السنة ٤٥٧ ولم يكن لهما وارث، فاتجهت الأنظارُ إلى قائد الجيش الأعلى أَسبار، على أنه لم يكن باستطاعته أَنْ يَتَبَوَّأَ العرش؛ لأنه كان آلانيًّا آريوسيًّا، فوقع الاختيارُ على وكيل خرجه لاوون، فتربع على عرش القسطنطينية. وكان لاوون إداريًّا قديرًا وسياسيًّا محنكًا، فاصطنع منافسًا ينافس أَسبار هو زينون الإسُّوري، وذلك بأن أنشأ حرسًا إمبراطوريًّا من الإسوريين الجبليين الأشداء، وأتي بزعيمهم وأزوجه من بنته أرياذنة (٤٦٧)، وبطش زينون ورجاله البسلاء بأسبار وحرسه (٤٧١)، فنجت بذلك رومة الجديدة من حكم البرابرة.
ونشب خلافٌ بين لاوون وبين فيروز ملك الفرس حول مصير دويلة مسيحية على شاطئ البحر الأسود بين الإمبراطورية الرومانية وبين القوقاس، هي إمارة «لازقة» خلقيس القديمة، ولكنه خلافٌ لم يُؤَدِّ إلى حرب أو قتال، وكان أهم منه تدفق القوط الشرقيين على إيليرية واحتلالهم ديراتزو،