علَّمت منذ البدء أن المسيح إلهٌ كاملٌ وإنسانٌ كاملٌ، فلما أنكر آريوس عليها الاعتقادَ بأن للكلمة المتأنس طبيعةٌ لاهوتيةٌ أيضًا عقدت المجمع المسكوني الأول، وأقرت كمال لاهوت المخلِّص، وحكمتْ بضلال آريوس وبُطلان تعاليمه. ثم ظهر أبوليناريوس أسقف اللاذقية الذي اشتهر بدفاعه عن النصرانية في أيام يوليانوس الجاحد، وبتمسُّكه بتعاليمِ المجمعِ المسكونيِّ الأول، فعلَّم أن اللاهوت في المسيح قام مقام العقل في الإنسان، وبالتالي أن المسيح كان الكلمة في جسم الإنسان، وأنه لم يكن بإمكانه أن يختبر الضعف البشري ولا أَنْ يكون معرضًا للتجربة، فقررت الكنيسة في مجمعها المسكوني الثاني كمال «ناسوت» المخلِّص. وكان من الطبيعي جدًّا أن تهتم أنطاكية للأمر؛ خصوصًا لأن أبوليناريوس كان أَحَدَ أساقفتها، فأصر رؤساؤُها على كمال طبيعة المسيح البشرية، واشتهر بين هؤلاء ديودوروس الطرسوسي وثيودوروس الموبسوستي.
وكان نسطوريوس سوري الموطن أَنْطَاكِيَّ المذهب، فأَصَرَّ مع أساتذته على كمال طبيعةِ المسيح البشرية، فما إن تَبَوَّأَ الكرسي البطريركي في القسطنطينية حتى بدأ يعلم ضد اتحاد الطبيعتين اتحادًا طبيعيًّا وجوهريًّا، ونهى عن تسمية العذراء بوالدة الإله «ثيوتوكوس» ويستبدلها بالتسمية «والدة المسيح» مدعيًا أنها لم تلد إلهًا بل إنسانًا آلة للاهوت، وأنها «قابلة» الإله لا والدة الإله، وما إِنْ ذهب هذا المذهب حتى هاج الشعبُ في القسطنطينية وتَظَاهَرَ ضده في الشوارع وفي الكنائس، فقابل نسطوريوس هذا التظاهُر بالشدة، وعَقَدَ مجمعًا محليًّا في السنة ٤٢٩، وحرم كل من اعتقد غير تعاليمه1.
- ↑ Socrates, Hist. Eccl. 7: 29, 32.