الفم أربع مرات للحضور فلم يحضر فقطعه، وحكم ثيودوسيوس عليه بالنفي.
ولكن الشعب لم يسلِّم بنفيه، فتَدَخَّلَ الجيش، فهدَّأ يوحنا الشعب ونصح لهم بالخضوع وخرج منفيًّا، وكان أَنْ حدثتْ في اليوم التالي زلزلةٌ عظيمةٌ، فاضطرب ضميرُ إفذوكسية ودَاخَلَها الشكُّ فطالبت زوجها بِأَنْ يُعاد القديس حالًا إلى كرسيه، فدخل القسطنطينية في موكبٍ شعبيٍّ عظيمٍ، فخجل ثيوفيلوس وعاد إلى الإسكندرية، وما كاد البطريرك القسطنطيني يستقرُّ في كرسيه حتى أثاره التبجيلُ الذي أُحيط به شخصُ الإمبراطورة لمناسبة إقامة تمثال لها في جوار كنيسة الحكمة، فندَّد بها مرة أُخرى تنديدًا شديدًا، وقيل لها إنه استهلَّ عظتَه بالقول: «لقد عادت هيروديَّة إلى حنقها، إلى رقصها، وها هي تطلب رأس يوحنا.» فاغتاظت إفذوكسية واستدعت ثيوفيلوس، ولفَّق هذا ما لفق فقطع المجمع يوحنا مرة ثانية، فنفي إلى نيقية (٤٠٤) ثم إلى كوكيسوس في ثنايا جبال طوروس؛ لعله يقع طعمةً في أيدي الإسُّوريين الثائرين، ولكنه بلغها سالمًا وأقام فيها ثلاث سنوات يكتب ويؤلف، وبقي فيها على اتصال برعيته فكان يعزيهم بقوله: «إن الذي لا يظلم نفسه لا يستطيع أحدٌ أن يَضُرَّ به.»
وناصره بابا رومة اينوشنسيوس، ولكن البلاط قرر إبعادَه إلى صحراء بتيُّوس في حدود البحر الأسود، فرحل إليها، ولَدَى وُصُوله إلى قومانة في بلاد البونط تُوُفي فيها في السنة ٤٠٨ ونُقل جثمانُهُ إلى القسطنطينية في السنة ٤٣٨1.
وأشهر ما كتبه يوحنا الذهبي الفم، في أثناء تَنَسُّكه، في السنوات العشر الأُولى من حياته الفكرية: رسالته في الكهنوت، وأَحْلَى ما جاء من آثار يراعه، في عهد رئاسته، ميامره القسطنطينية، وتعليقه على
- ↑ وأفضل ما صُنِّفَ في يوحنا الذهبي الفم كتاب الأب خريسوستموس بوَّر البنديكتيني الذي ظهر في مونشن في السنة ١٩٢٩-١٩٣٠:
Baur, Chrysostomus, Der Heilige Johannes Chrysostomus und seine Zeit.
راجع أيضًا ترجمته وترجمة مؤلفاته إلى الإفرنسية في كتاب: Jeannin, M., Oeuvres Complètes de Saint Jean Chrysostome.