صفحة:الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالعرب (1951) ج.1.pdf/115

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

الإسكندري وسعيه بالفساد؛ فإن يوحنا الذهبي الفم سِيمَ أسقفًا على العاصمة، ورقي الكرسي البطريركي في السنة ٣٩٨.

وبدأ يوحنا الذهبي الفم عمله البطريركي باهتمام بالغ بشئون الفقراء والمساكين، فأنفق على المعوزين والجياع والمرضى ما كان بعض أسلافه يبذخون به بذخًا، فأحبه البؤساءُ وتَعَلَّقُوا به، وآثروا الإصغاءَ إلى عِظَاتِهِ البليغة على الذهاب إلى دور التسلية، وميادين الألعاب، لِمَا كان عليه مِن طلاقة اللسان، وسُرعة الخاطر، وحضور الذهن، إذا تكلم تحدَّر كالسيل، وكُلَّمَا أفاض مَلَكَ أعنة القلوب. وهذه عظاتُهُ لا تزال محفوظةً حتى يومنا هذا، وفيها من الرقة، والطلاوة، والتفنُّن في التشبيه، والاستعارة، ما يسبغ على مواضيعها العادية سحرًا وجاذبيةً لا حَدَّ لهما.

وكان البطريرك الجديد مثاليًّا، يأخذ نفسه وغيرَه بتطبيق هذه المثالية أخذًا صارمًا، فحمل الرهبان على العمل المثمر، وحقق في بعض التُّهَم التي وُجِّهَتْ إلى بعض الأساقفة، فعزل ثلاثة عشر منهم، وكان متحرجًا يستنكر البذخ واللهو، فندَّد برجال البلاط ونسائهم، ولم تَنْجُ حتى الإمبراطورة إفذوكسيَّة من هذا التنديد. وكان ثيوفيلوس بطريرك الإسكندرية قد بدأ يضطهد مَنْ قال برأيِ أوريجانيوس، ففر من وجهه الإخوة الأربعة الطوال ولجئوا إلى الذهبي الفم (٤٠١)، فقبلهم متلطفًا، ولكنه اعتبرهم محكومًا عليهم، وإذا ببعض الرهبان — وغايتهم إثارة الشغب على الذهبي الفم — يستشفعون الإمبراطورة لَدَى زوجها أن يأمر ثيوفيلوس بالحضور إلى القسطنطينية، فقدمها ثيوفيلوس على رأس عددٍ مِن أَسَاقِفَة مصر. وهكذا تَجَمَّعَ في القسطنطينية رهطٌ من حسَّاد الذهبي الفم، وممن نقموا عليه لتشديده عليهم في المحاسبة، فعقد ثيوفيلوس مجمعًا ضد يوحنا بالقُرب من خلقدونية (٤٠٣) عرض بمجمع البلوطة، واتهم يوحنا الذهبي الفم بأقوال أوريجانيوس وبخيانة المملكة، وطلب هذا المجمع يوحنا الذهبي

١١٤