انتقل إلى المحتوى

صفحة:الأنيس المطرب بروض القرطاس (1917).pdf/58

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٥٧ 


به فبعت اليهم قائد مثير وصاحب حروبه غالبا مولاه، وكان غالب على غاية الحزم والنجدة والشهامة والدهاء والاقدام، فاعطاه الحاكم أموالا جليلة وعددا كثيرة وجيوشا وافرة، وأمر بقتال العلويّين واستنزالهم من معاقلهم، وقال له: عند وداعه يا غالب سر مسیّر من لا أذن له بالرجوع حيا الا منصوراً أو ميتا معذوراً، ولا تشح بالمال وأبسط يدك به يتبعك الناس، فخرج غالب بالعساكر والجيوش والعدد والاموال من قرطبة في اخر شوّال من سنة اثنتين وستّين وثلاث مائة فاتّصل خبر قدومه بالحسن بن کنّون، فخاف منه واخلى مدينة البصرة، وحمل منها حرمه وجميع امواله و دخائره الى حصن حجر النسر القريب من سبتة، وأخذ معقلا ليتحصّن فيه لمنعته، فجاز غالب البحر من الخضرا الى قصر مصمودة، فتلقاه الحسن بن كنّون هنالك بجيوشه فقاتله أياما وأخرج غالب الأموال. فبعث بها الى رؤساء البربر الذين مع الحسن بن كنّون ووعدهم وامنهم ففرّوا عن الحسن، واسلموا حتّى لم يبق معه ألاّ خاصّته ورجاله، فلمّا راء ذلك، سار إلى حصن حجر النسر، قحصّن فيه وأتبعه غالب فحاصره به، ونزل بجميع جيوشه عليه وقطع عنه المواد، وامدّ الحاكم بالعرب الذين ببلاد الاندلس كافّة ورجال التغوير، فوصل المدد الى غالب في غرّة محرّم؛ سنة ثلاث وستّين وثلاث مائة، فاشتدّ الحصار على الحسن بن كنّون، فطلب من غالب الأمان على نفسه واهله وماله ورجاله، وينزل الله فيسير معه الى قرطبه، فيكون بها، فاجابه غالب الى ذلك وعاهده عليه، فنزل الحسن باهله وماله ورجاله، واسلم الحصن إلى غالب فلكه، واستنزل غالب جميع العلويّين الذين بارض العدوة من معاقلهم واخرجهم عن أوطانهم، ولم يترك في العدوة رئيسا منهم، وسار إلى مدينة فاس فلكها، واستعمل عليها محمّد بن علىّ بن قشوش في عدوة القرويّين وعبد الكريم بن ثعلبه على عدوة الاندلس، فلم تزل بایدی عمال بني أميّة الى ان غلب عليها زيرى بن عطية الزناتيّ المغراويّ، وانصرف غالب الى الاندلس، وحمل معه الحسن بن كنّون وجميع ملوك الادارسة، وقد وطأ جميع بلاد المغرب، وفرّق العمال في جميع النواحي، وقطع دعوة بني عبيد من جميع افاقه، وردّ الدعوة الى الاموية الحاكمية، فخرج بهم غالب من مدينة فاس في ءاخر شهر رمضان؛ سنة ثلاث وستّين وثلاث مائة، فوصل إلى سبتة، فركب البحر منها واستقرّ بالخضراء، وكتب الى الحاكم المستنصر بالله يعلمه بقدومه وبمن قدم به من العلويّين، فلمّا وصل كتابه الى الحاكم، أمر الناس بالخروج الى لقائهم، وركب هو في جمع عظيم من وجوه اهل دولته، فتلقاهم فكان يوم دخوله قرطبة؛ بوما عظيما مشهورا. وكان دخولهم قرطبة أوّل يوم من شهر المحرّم سنة أربع وستّين وثلاث مئة، وسلّم الحسن