٥٦
الزناتيّ الذي ولاّه الناصر الأمويّ عليها، حين بايعه اهلها وقتل حماتها وأشياخها، ولهب المدينة وسبا أهلها، وهدم اسوارها، وكان الحادث بها عظيما، وكان دخول جوهر اياها ضحوة يوم الخميس الموفّى عشرين لشهر رمضان المعظم سنة تسع وأربعين وثلاث مائة. ثم سار جوهر في بلاد المغرب يقتل أولياء المروانيّين ويفتح البلاد والمعاقل، وفرّت أمامه القبائل من زناتة وغيرهم، فانفذ الأمر فى المغرب ثلاثين شهرا، ثم انصرف إلى مولاه معد بن اسمعيل العبدىّ، بعد أن دوّخ بلاد المغرب، وأثخن فيها وقتل حماتها وقطع الدعوة به للمروانيّين وردّها العبيديّين، فخطب لهم على جميع منابر المغرب، فوصل القائد جوهر إلى المهدية، وحمل معه احمد بن ابى بكر اليغرنىّ أمير فاس وخمسة عشر رجلا من أشيخها، ومحمّد بن الفتح امير سجلماسة، أُسّارا بين يديه في أقفاص من خشب على ظهور الجمال، وجعل على رؤسهم قلانسا من لبد مستطيلة مثبتة بالقرون، فطوّف بهم في أسواق القيروان ثم حملهم الى المهدية، فادخلهم المدينة بين يديه ثم حبسهم بها حتى ماتوا في سجنها، وكان الامير الحسن بن كنون قد بايع العبيديين فيمن بايعهم عند غلبة جوهر على المغرب، فلمّا انصرف جوهر الى افريقية في آخر سنة تسع وأربعين وثلاث مائه، نكث الحسن بن كنّون بيعة العبيديّين، وعاد إلى بيعة المرونيّين، وتمسّك بدعوة الناصر ودعوة ولده الحاكم المستنصر من بعد؛ خوفا منهم لا محبّة فيهم، لقرب بلاده منهم، فلم يزل في طاعتهم قائما بدعوتهم الى أن قدم بلقين بن زيرى بن مناد الصنهاجيّ من افريقية قاصداً إلى المغرب؛ لاخذ ثار أبيه، فقتل زناتة واستاصلهم وملك المغرب بأسره، وقطع أيضا منه دعوة الأمويّين، وقتل اولياءهم، وأخذ البيعة على جميع بلاد المغرب لمعد بن اسمعيل كما فعل جوهر قبله، فكان أوّل من سارع الى بيعته ونصرته وقتل أولياء المروانيّين، وقطع دولتهم من امراء المغرب الحسن بن کنّون صاحب مدينة البصرة وكشف وجهه فى ذلك، وعمل فيه جهده، فاتّصل خبره بالحاكم المستنصر، فحقد له ذلك، فلمّا انصرف بلقّين بن زيرى الى افريقيّة، بعث الحاكم قائده محمّد بن القاسم في جيش كثيف إلى قتال الحسن بن كنّون، فجاز اليه من الجزيرة الخضراء إلى سبتة فى خلق عظيم وعدد كثير وقوّة وعدّة كاملة؛ وذلك في شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتين وستّين وثلاث مائة، فزحف إلى قتاله؛ الحسن بن كنّون في قبايل البربر، والتقى الجمعان باحواز طنجة بموضع يعرف؛ بفحص بنی مصرخ. فكانت بينهما حروب عظيمة، قتل فيها محمّد بن القاسم؛ قايد الحاكم المستنصر، وقتل معه خلق كثير من أصحابه، وفرّ الباقون، فدخلوا سبتة، فتحصنوا بها وكتبوا الى الحاكم يستغيثون به.