انتقل إلى المحتوى

صفحة:الأنيس المطرب بروض القرطاس (طبعة أوبسالا، 1259هـ ).pdf/226

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢٢٥ 

قد لبسوا الحديد وأظهروا العدة والعديد واكبر جفن من أجفان المسلمين وهو الغراب ترتقع عليه القرقورة ارتفاع الجبل الشاهق واذا نشرت شراعها صبرته لها أرضا وجرت عليه جري الجواد السابق، فالتحم الحرب بين الفريقين، وتشهد المسلمون وقالوا لا اثر بعد عين، واقبلت سهام المسلمين عليهم صائبة كانها القطر الواكف، أو الريح العاصف، تنفذ التراس والدروع، وتفرق الكتائب والجموع، ونصر الله تعالى عباده المؤمنين، فخرجوا بثلاث قطع من اجفان الكفار، ووكثر فيما بقي من الاجفان بالقتل والجراج، وتوالى رشق السهام وطعن الرماح، فلما رأى الكفرة ما نالهم من البوار، ولوا الادبار، واخذوا فى الفرار، وقالوا هذه سفرة دائرة وكرة خاسرة، فترامى المسلمون معهم في الاجفان فقتلوا منهم عددا لا يحصى، وترامى أكثرهم في البحر يعومون كالضفادع ويتساقطلون فيه تساقط الفراش في الشهاب الساطع، فقتلهم المسلمون بالرماح الذوابل والسيوف القواطع، حتى لم تبق منهم باقية، واضحت أجفانهم خالية خاوية، فملكها المسلمون واحتووا على ما فيها من العدد والازواد، وفرح المجاهدون واستبشر المسلمون الذين بداخل الجزيرة الخضراء بفساد الافروطة وهلاكها وقتل جماعتها وأخذها، وأيقنوا بالحياة بعدما أشرفوا على الوفاة، واتاهم من الله تعالى الامان بعدالذعر، واليسر بعد العسر، والنصر بعد الصبر، والرخاء بعد الشدة، والسراء بعد الضراء، والضياء بعد الظلام، والصحو بعد الغمام، ودخلت اجفان المسلمين الجزيرةالخضراء على من بها من الروم عنوة بالسيف وقتلوا جميع من وجدوه بها واسر قائدهم الملتد وجماعة من قواد الروم منهم ولد اخت الفونسو وكبير بيوته واحتوى المسلمون على جميع ماكان بالجزيرة وفى الأجفان من العدد والسلاح والاسلاب والدخائر التي جاء بها التجار من الحلى والثياب والجواهر والعدد، فاحتملوا من ذلك ما لا يصفه لسان ولا يحويه عدد.

ولما رأى اهل المحلة التي في البر محاصرين للجزيرة الخضراء ما أصاب أهل البحر من الأسر والقتل والفساد خافوا من فجأة جواز الامير يوسف إليهم، إذ كان مقيما بساحل طنجة مستعدا للجهاد فاخذوا فى الرحيل والفرار وخلفوا جميع ما كان معهم من الاثقال والازواد فى تلك الدار، فخرج الناس من الجزيرة الخضراء رجالا ونساء فاننشروا في مضاربهم، وجالوا في منازلهم يقتلون ويغنمون، فوجدوا بها من الاسلاب والاموال والفواكه والادام والشعير والدقيق ما لا يحصى كثرة، فنهبوا ذلك كله وادخلوه المدينة فبيع الدقيق القرطبي بالجزيرة في عشي ذلك اليوم ربعا بدرهم، بعد ان كان في غدوته معدما بالكلية لا يوجد غاليا ولا رخيصا ، ومن فضل االله تعالى وتأييده لأوليائه في هذه الغزوة أن أجفان المسلمين كانت نيفا وسبعين جفنا، وافروطة الروم