٩
يانس به و يستريح اليه غيره و ذلك بجهل اهل المغرب فى ذلك الوقت و جفاء طباعهم و لما ظهر له ايضا من سليمان بن جرير من النبل و الادب و الظرف و البلاغة فحلّ منه محلاّ رفيعا فكان سليمان بن جرير اذا قعد الامام ادريس بين رؤساء البربر و وجوه القبائل يتكلّم سليمان فيذكر فضائل اهل البيت و عظم بركتهم و يقيم الدليل على امامة ادريس و انه الامام لا امام غيره و ياتى على ذلك بالحجج البينة و البراهين القاطعة و باحاديث تعجب ادريس فكان ادريس يتعجّب من فصاحته و بلاغته و معرفته بالجدال و يستظرفه و يحبّه، فلم يزل سليمان بن جرير عند ادريس يرتقب فيه الفرصة و يعمل فى قتله الحيلة فلا يجد الى ذلك سبيلا من اجل مولاه راشد الذى لا يزايله و لا يفارقه الى ان غاب راشد ذات يوم فى بعض شونه فدخل عليه سليمان
بن جرير فوجده وحده و جلس بين يديه على عادته فتحدّث معه قليلا فلم يرّ لراشد اثرا فانتهز الفرصة و اغتنم الخلوة فقال له يا سيدى جعلت فداك انى جئت من المشرق بقارورة الطيب ثم انى رايت هذه البلاد ليس بها طيب فرايت ان الامام أولى بها منّى فخذها تطيب بها فقد ءاثرتك بها على نفسى و هو من بعض ما يجب لك علىّ ثم اخرجها من وعاء و وضعها بين يديه فشكره ادريس على ذلك ثم اخذ القارورة ففتحها و شمّها فلما راى سليمان بن جرير الامام ادريس قد فتح القارورة و شمّها و تحصل به مراده منه و تمّت حيلته فيه جعل يده فى الارض و خرج كانّه يريد قضاء حاجة الانسان فسار الى منزله و ركب فرسا له من عناق الخيل و سبّاقها كان قد اعدّها لذلك و خرج من مدينة وليلى يطلب النجاة، و كانت القارورة مسمومة فلما استنشق ادريس الطيب صعد السمّ فى خيشومه و انتهى الى دماغه فغشى عليه و سقط بالارض على وجهه لا بفهم و لا يعقل و لا يعلم احد ما به و لا ما اصابه فاتّصل خبر غشيته بمولاه راشد فاقبل اليه مسرعا فدخل عليه فوجده يحرّك نفسه و قد اشرف على الموت لا يقدر ان يبين الكلام فقعد عند راسه متحيرا فى امره لا يعلم ما به حتى قطع سليمان بن جرير مسافة من الارض و اقام ادريس فى غشيته الى عشى النهار فتوفّى رحمه الله و كانت وفاته فى مستفتح ربيع الاخر سنة سبع و سبعين و مائة فكانت امارته بالمغرب خمسة اعوام و سبعة اشهر، و اختلف فى سبب وفاته فقيل سمّه فى طيب كما تقدّم و قيل سمّه فى حوت من الشابل و قيل سمّه فى سنون لانه كان يشتكى باسترخاء لثاته و الله اعلم بصحّة ذلك، فلما توفّى ادريس نظر راشد الى سليمان بن جرير فلم يجده فسأل عنه فاخبر انه قد لقى على اميال كثيرة من البلاد فعلم حينئذ انه هو الذى سمّه فركب فى جمع كثير من البربر و خرج فى طلبه و جدّ السير طول ليلته و تقضّعت الخيل فى اثره فلم يلحق به احد من