صفحة:الأمثال العامية- مشروحة ومرتبة على الحرف الأول من المثل (الطبعة الثانية).pdf/12

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.

والعمران في الإسلام، واللغة والصرف والنحو والبلاغة. وكان في كل ذلك علم الأعلام، ومرجع الخاص والعام، بل يكاد يكون علماً مفرداً بِأساليب العُوم العربيَّة الأولى على عهد الخليل وسيبويه وأبي علي وابن جني، وبطرائق المُتأخرين إلى زمن الحواشي.

وكان في مطالعاته، إذا وقف على شيء. لم يكن له سبيل إلى العثور عليه بالبحث والتنقيب، قيده ليجمع إليه نظائره فيما بعد، ويستعين بذلك على التأليف، في الفُنُون التي هي من اختصاصه. فاجتمع عنده من ثمرات هذه المطالعة، ما لو استمدت منه الصحف والمجلات، لكان مادة ثمينة. لما في هذه الفنون، حتى إذا اجتمع لديه من هذه التقييدات القدر الكافي لتحرير كتاب في موضوع ما يبدأ حينئذٍ في الاستعداد لهذا الكتاب، بما لا يوجد له نظير عند المشتغلين بالتأليف.

وهكذا جعل من مكتبته، التي بدأها صغيرة، مكتبة شرقية عامة، جمع فيها نوادر الأسفار، ونفائس المُؤلَّفات. فقد ضم إليها الكتب النادرة، ولا سيما المخطوطة منها. وكان يدفع أثمانها بسخاء و كرم. إذ يرى أن المال يذهب ويعود، أما الكتاب النادر النفيس إذا ذهب فهيهات أن يعود. لهذا تمكن من جمع أنفس الكُتُب وأحسنها وقد ساعده في بُلُوغه هذه الغاية، كثيرٌ من الفُضلاء في الآستانة وسوريا والعراق والغرب وغيرها.

ووجه الفقيد العظيم كذلك كل عنايته إلى هذه المكتبة الفريدة في نوعها فرتبها على أحدث النظم، وقسَّمها عدَّة أقسام، ونوع كل قسم إلى فنون، وعمل لكُلَّ فنٍّ فهارس مُتنوِّعة، تُهدي من اطلع عليها إلى موضوعٍ ما يطلبه من الكُتُب في أقرب زمنٍ مُمكن.

ومن حميد خلقه، التي تميز بها الفقيد الكريم، أنه كان يبسط يده بإهداء كتبه لمن يطلبها، ولم يضنِ بها على أحد، كما يفعل في المادة أرباب الكتب بكتبهم، وذلك لأن غايته نشر العلم وإحياء آثار السلف.

وكان صلباً في الحق، كما كان صلباً في أخلاقه الدينية والقومية، ومن ذلك أنه كان لا يؤرخ تحاويله المالية (الشيكات) إلَّا بالتاريخ الهجري وحده دون سواه. فرضي منه ذلك، بنك «الكريدي ليونيه» والذي كان يتعامل معه ولم يعترض عليه.