تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ٨ -
جلوساً وركوباً. قال ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية: «كان الخليفة يلبسها يوم العيد على كتفيه ويأخذ القضيب المنسوب إليه صلى الله عليه وسلم في إحدى يديه، فيخرج وعليه من السكينة والوقار ما يصدع القلوب ويبهر الأبصار» اهـ. وبلغ من عنايتهم بهذين الأثرين الشريفين أنهم كانوا كلما قام منهم خليفة اهتم بهما اهتمامه بالبيعة، فإذا كان غائباً بعثوا بهما إليه مع بشير الخلافة الذي يبردونه، وما زالت الشعراء تذكرها في مدائح الخلفاء العباسيين إلى انقراض دولتهم من العراق تنويهاً بانفرادهم عن سائر الدول بهذه المنقبة، كقول البحتري من قصيدة يصف فيها خروج المتوكل للصلاة والخطبة يوم عيد الفطر:
أُيِّدْتَ من فصل الخطاب بحكمة
تُنبي عن الحق المبين وتخبر
ووقفت في برد النبي مذكراً
بالله تُنذرُ تارةً وَتُبشِّر
حتى لقد علم الجهول وأخلصت
نفس المُرَوّى وَاهتدى المتحيّر1
- ↑ هذه القصيدة من أجود شعر البحتري ولكن قضى عليها سوء الحظ أن يختارها اليسوعيون لكتابهم مجاني الأدب (ج ٥ ص ١٦١ طبع سنة ١٨٨٤م) فيغيروا فيها ما شاء لهم الهوى أن يغيروه، فإنهم لما ذكروا قوله في وصف احتشاد الناس والجند وخروج الخليفة عليهم في ذهابه إلى المصلى:
فالخيل تصهل والفوارس تدعىوالبيض تلمع والأسـنة تزهروالأرض خاشعة تميد بثقلهاوالجو معتكر الجوانب أغبروالشمس ماتعـة توقد بالضـحىطوراً ويطفئها العجاج الأكدرحتى طلعت بضوء وجهك فانجلتتلك الدجى وانجاب ذاك العثيروافتن فيك الناظرون فإصبعيومى إليك بها وعين تنظر
والجوهر يكون بيد الخليفة في المواكب العظام» انتهى. وكأنهم أرادوا به محاكاة شعار العباسيين، وشتان ما بين التكحل والكحل.