بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم وطاقتهم وسمحت نفوسهم بإنفاق أموالهم فلم يشح في ذلك الوقت أحد بشيء يملكه، ولكن لم يسعفهم الدهر وخرجت الفقراء وأرباب الأشائر بالطبول والزمور والأعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرون بأذكار مختلفة، وصعد السيد عمر أفندي نقيب الأشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقاً كبيراً سمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأَمامه وحوله ألوف من العامة بالنبابيت والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح ومعهم الطبول والزمور وغير ذلك». اهـ.
قلنا: وما زال في عوام المصريين من يعتقد بأن العلم العثماني ذا الهلال والنجم متخذ على مثال العلم النبوي، ولهذا تضاعف تألمهم لما غير في مصر بالعلم ذي الأهلة والأنجم الثلاثة بعد إعلان انفصالها من الدولة العثمانية إبان الحرب الكبرى الواقعة أواخر سنة ١٣٣٢هـ، ولعلّ منشأ هذا الاعتقاد ظنهم أن شارات دولة الخلافة تقتبس عادة من شارات نبوية، على أنهم في ذلك ليسوا بأوغل في الوهم من كثير من خاصة المسلمين وعامتهم في عدهم الهلال رمزاً دينياً له عند المسلمين ما للصليب عند النصارى، وما كَان قط كذلك، وإنما حبب إلى مسلمي العُصور الأخيرة وعظم لديهم لكونه شارة للعلم في آخر دولة أدركوها من دول الخلافة.