شفها السير وقتحام البوادي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

شفّها السيرُ وقتحامُ البوادي

​شفّها السيرُ وقتحامُ البوادي​ المؤلف صفي الدين الحلي


شفّها السيرُ وقتحامُ البوادي،
ونزولي في كلّ يومٍ بوادٍ
ومقيلي ظلُّ المطيّةِ، والتُّرْ
بُ فِراشي، وساعداها وسادي
وضَجيعي ماضي المَضاربِ عَضْبٌ
أصلحتهُ القيونُ من عهدِ عادِ
أبيضٌ أخضرُ الحديدةِ ممّا
شقّ قدماً مرائرَ الآسادِ
وقميصي درعٌ كأنّ عُراها
حبكُ النّملِ أو عيونُ الجرادِ
ونَديمي لَفظي، وفكري أنيسي،
وسروري مائي، وصبريَ زادي
ودليلي من التوسّمِ في البيـ
ـدِ لِبادي الأعلامِ والأطوادِ
وإذا ما هدَى الظّلامُ، فكَمْ لي
من نُجومِ السّماءِ في السبل هادي
ذاكَ أنّي لا تَقبَلُ الضّيمَ نَفسي،
ولو أنّي افترشتُ شوكَ القتادِ
هذه عادّتي، وقد كُنتُ طِفلاً،
وشَديدٌ عليّ غَيرُ اعتِيادي
فإذا سرتُ أحسبُ الأرضَ ملكي،
وجَميعَ الأقطارِ طوعَ قِيادي
وإذا ما أقَمتُ، فالنّاسُ أهلي،
أينَما كنتُ، والبلادُ بلادي
لا يَفوتُ القُبولُ مَن رُزِقَ العَقـ
ـلَ وحُسنَ الإصدارِ والإيراد
وإذا صَيّرَ القَناعة دِرْعاً
كانَ أدعى غل بلوغِ المُرادِ
لَستُ ممّنْ يَدِلُّ مَع عَدَمِ الجَـ
ـدّ بفِعْلِ الآباءِ والأجداد
ما بَنيتُ العَلياءَ إلاّ بجَديّ،
وركوبي أخطارَها واجتهادي
وبلَفظي، إذا ما نَطَقتُ، وفَضلي،
وجدالي عن منصبي وجلادي
غَيرَ أنّي، وإنْ أتَيتُ منَ النّظْـ
ـمِ بلَفْظٍ يُذيبُ قَلبَ الجَماد
لَستُ كالبحتريّ أفخَرُ بالشّعْـ
ـرِ وأَثني عِطفَيّ في الأبراد
وإذا ما بَنَيتُ بَيتاً تَبَختَرْ
تُ كأنّي بنيتُ ذاتَ العِمادِ
إنّما مَفخَري بنفسي، وقَومي،
وقناتي، وصارمي، وجوادي
معشرٌ أصبحتْ فضائلُهم في الأرْ
ضِ تُتلَى بألسُنِ الحُسادِ
ألبسوا الآملينَ أثوابَ عزِّ،
وأذلّوا أعناقَ أهلِ العِنادِ
كم عَنيدٍ أبدى لنا زُخرُفَ القَوْ
لِ وأخفَى في القلبِ قدحَ الزّنادِ
ورمانا من غدرهِ بسهامٍ،
نَشِبَتْ في القُلُوبِ والأكباد
فسرينا إليهِ في أجمِ السُّمْـ
ـرِ بغابٍ يسيرُ بالآسادِ
وأتَينا مِن الخُيولِ بسَيْلٍ
سالَ فوقَ الهِضابِ قبلَ الوِهاد
وبرزنا منَ الكماةِ بأطوا
دِ حُلومٍ تَسري على أطواد
كلّما حاولوا الهوادَةَ منّا
شاهدوا الخيلَ مُشرفاتِ الهَوادي
وأخذنا حقوقنا بسيوفٍ
غنيتْ بالدّما عنِ الأغمادِ
فكأنّ السيوفَ عاصِفُ ريحٍ
وهُمُ في هبوبِها قومُ عادِ
حاولتْ رؤوسهمْ صعوداً فنالتـ
ـهُ ولكنْ من رؤوسِ الصِّعادِ
فَلَئِنْ فَلّتِ الحَوادِثُ حَدّي
بعدَما أخلصَ الزّمانُ انتقادي
فلقد نلتُ من مُنى النّفسِ ما رُمْـ
ـتُ وأدركتُ منهُ فوقَ مُرادي
وتحَقّقتُ انّما العَيشُ أطوا
رٌ كلٌّ مصيرُهُ لنفادِ