شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الثاني/الفصل الثامن عشر
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما القضيب فإنه عضو... إلى قوله: ولا بد من أن يتقدم خروجه خروجها.
الشرح
إن التكوين بالتوالد في الإنسان ونحوه إنما يتم في عضو مخصوص وذلك هو الرحم على ما تعرفه في موضعه، وإنما يمكن ذلك بأن يجتمع في الرحم المنى الذي يمكن معه هذا التوليد، فلذلك يحتاج أن يكون لهذا المنى طريق ينفذ فيه من الأنثيين إلى داخل الرحم، وهذا الطريق يسمى أيضاً وعاء المنى وموضع الرحم لا يمكن أن يكون في ظاهر بدن الأم وإلا كان يبرد بالهواء الخارجي فلا يكون فيه من السخونة ما بها يصلح لأن يتكون الجنين فلذلك لا بد من أن يكون موضع الرحم داخل البدن، ولا بد أيضاً من أن يكون بقرب أسفله ليكون حيث تندفع إليه فضول الأم الممدة للجنين بالغذاء مدة كونه وتلك الفضول هي دم الطمث. واندفاع الفضول من شأنه أن يكون إلى أسفل البدن فلذلك موضع الرحم لا بد من أن يكون في داخل البدن وبقرب أسفله فلذلك إنما يتمكن مجرى المنى من صب المنى في داخله إذا كان له امتداد يصل به إلى هناك فلذلك احتيج إلى القضيب يشمل على مجرى المنى ويتمكن ذلك المجرى بسببه من صب المنى إلى داخل الرحم فلذلك حاجة القضيب إنما هو للتمكن من إيصال المنى إلى داخل الرحم، وأما البول فليس به حاجة إلى القضيب بما هو بول بل ليتمكن به انزراق البول إلى حيث يبعد عن البدن فلا يسيل عليه فإن ذلك مستقذر ولذلك فإن من لا قضيب له يتمكن من البول، ولا يتمكن من صب المنى في داخل الرحم، فلذلك القضيب يجب أن يشتمل على ثلاثة مجارٍ: مجرى للبول، ومجرى للمنى، ومجرى آخر للمذي بينهما.
وإنما وجب ذلك لأن مجرى البول لا يمكن أن يكون هو مجرى المنى، وإلا كان المنى يفسد بما قد يبقى في ذلك المجرى من آثار البول، فلذلك لا بد من تغاير هذين المجريين خاصة ومجرى البول يحتاج أن يكون جرمه إلى صلابة لئلا ينفعل ويتألم بحدة البول وبلذعه فإن البول لا بد فيه من مرار حار يخالطه لينبيه على وقت وجوب إخراجه. وذلك المرار يؤلم المجرى اللين ويؤذيه فلذلك مجرى البول لا بد فيه من صلابة ومجرى المنى لا بد من أن يكون ليناً لينفعل عن حدة المني فيغرض فيه حينئذٍ شبه تفرق اتصال مؤلم ألماً ما ثم بعد ذلك يلتحم ذلك التفرق بما في المني من الغروية واللزوجة فيعود بذلك الاتصال الذي كان قد تفرق وعود هذا الاتصال يكون دفعة لأجل سرعة حركة المني كما تعرفه بعد، وعود الاتصال دفعة لذيذة فلذلك يكون خروج المني لذيذاً، وإذ يجري يحتاج أن يكون ليناً فهولا محالة يحدث له الانطباق والتضيق وخروج المادة من المجرى المنطبق الضيق عسر لا محالة وبطئ وخروج المني لينصب في داخل الرحم يجب أن يكون سريعاً جداً وفي زمان قصير وذلك لأن المني يفيد في الإحبال إذا كان باقياً على مزاجه وطول زمان خروجه مما يفسد مزاجه ويبرده فلا يصلح التوليد فلذلك يجب أن يكون مجرى المني عند سيلان المني فيه سهل الانفتاح غير معاوق له عن سرعة الخروج وإنما يمكن ذلك بأن تسيل عليه رطوبة متلينة تليناً يسهل معه اتساعه وهذه الرطوبة لا بد من أن يكون سيلانها على ذلك المجرى قبيل سيلان المني للخروج قبل تحريكه له إلى ذلك تحرك تلك الرطوبة وسيلانها لتليين مجرى المني، وسيلان المني وخروجه إنما سببه قوى الشهوة. وهذه الشهوة قبل قوتها تكون ضعيفة فلذلك الرطوبة الملينة لمجرى المني لا بد من أن يكون سيلانها عند ابتداء شهوة الجماع، وقبل قوتها وتلك الرطوبة هي المذي. فإن المذي من شأنه السيلان عند شهوة الجماع إذا لم تكن بعد اشتدت فإذا اشتدت أسالت المني وأخرجته فلذلك لا بد من أن يكون سيلان المذي متقدماً على سيلان المني لكنه قد يكون السائل منه بقدر تلين مجرى المني فقط ولا يسيل إلى خارج فلا يجس سيلانه، وسيلان المذي لا يمكن أن يكون في مجرى المني، وإلا كان المني يختلط به فيفسد، فلا بد من أن يكون في مجرى آخر. ويجب أن يكون ذلك المجرى فوق مجرى المني حتى يكون نفوذ قوته إلى مجرى المني أكثر فإنه يلين الرطوبة لما يسيل فوقه أزيد من تلينها لما يسيل من تحته وكيفية خروج هذا المذي وتحركه أن تكون شهوة الجماع إذا اشتدت حركت أجزاء القضيب لأجل التهيئة للجماع ويلزم ذلك انضغاط غدة موضوعة في ابتداء مجرى المذي ويلزم انضغاطها سيلان الرطوبة منها وأما مجرى البول فيجب أن يكون فوق هذين المجريين ليكون له فائدة في تلينها والبول لا يخلو من حدة فلذلك طول زمان مروره بالمجرى مما يلزمه تألم ذلك المجرى وانسحاجه، فلذلك لا بد من رطوبة أخرى تسيل عند إرادة البول لتلين مجراه ولا بد أيضاً من رياح تنفذ معه لتعين على انفتاح ذلك المجرى لئلا يعسر خروج البول، وهذه الرطوبة هي الودي، ولا يحتاج إلى مجرى آخر بل نفوذها في مجرى البول أولى لأن تلينها له حينئذٍ يكون مع أن مخالطة البول لها لا ضرر فيه كما يضر اختلاط المني بغيره فلذلك كان سيلان الودي في مجرى البول، وذلك بأن جعل في ابتدائه غدة إذا تحرك البول للخروج ضغط تلك الغدة فسالت منها تلك الرطوبة.
ولقائل أن يقول: لو كان الأجود في البول أن يكون خروجه بسرعة لكان يجب أن يكون مجراه مستقيماً، فإن قطع المسافة المستقيمة أسرع لا محالة من قطع المعوجة. ولمجرى البول في الرجال ثلاثة تعاريج، وفي النساء تعريج واحد? وجوابنا: أن هذه التعاريج ليست لإطالة زمان خروج البول فإن ضرر ذلك ظاهر بل تلك التعاريج الغرض منها تمكن القضيب من الانتشار فإن مجرى البول كما بيناه أو لاً لا بد من أن يكون إلى صلابة، والأجسام الصلبة ليس يسهل تمددها عند انتشار القضيب فإنه حين يخرج لا بد من أن يزداد طوله. فلو لم يكن هذه التعاريج لما أمكن انتشار القضيب لأن المجرى إذا استقام طال ما بين طرفيه وإنما كانت هذه التعاريج في الرجال كثيرة ليتمكن القضيب من الطول الكبير الذي لا بد منه في الانتشار.
وأما التعريج الذي للنساء فليمكن الفرج من البروز عند الجماع، ولما كان هذا البروز يسيراً لا جرم كفى من تعريج واحد، والمجاري الثلاثة تتحد عند رأس القضيب لأنها لو بقيت نافذة إلى طرفه لبقي له ثلاثة أبخاش ظاهرة وكان ذلك معرضه لكثرة التضرر بنفوذ ما عسى أن ينفذ فيها، فلذلك احتيج إلى اجتماع تلك المجاري جميعها عند رأس القضيب فلا يدرك فيه هناك سوى منفذ واحد، والقضيب في جميع الماشية يبرز عند الانتشار ويختفي عند الاسترخاء إلا في الإنسان فإنه يطول ويغلظ عند الانتشار ويقصر ويدق عند الاسترخاء وسبب ذلك أن جميع الماشية فإن المسافة ما بين صلبها وظاهر بطنها أكثر كثيراً مما بين جوانبها فتجد القضيب ما بين الصلب ومقابله مسافة كثيرة ويتسع له عند الاسترخاء فلذلك بقيت في تلك المسافة لأن ذلك أو فى له.
وأما في الإنسان فإن المسافة بين صلبه ومقدم بدنه أقل كثيراً مما بين جانبيه فتقصر مسافة ما بين خلفه وقدامه عن اختفاء القضيب فيها، وانتشار القضيب هو لأجل ما ينفذ في عروقه وأعصابه وأربطته من الروح الشهو أني والرياح التي تكون في العروق وأرواح كثيرة حيوانية، ولأجل نفوذ هذه الروح إليه ينفذ فيه دم كثر شرياني فإن هذه لروح لا تخلو عن مصاحبة الدم الشرياني لها ولأجل كثرة الدم وكثرة الأرواح يعرض له أن يسخن كثيراً. وألفاظ الكتاب غنية عن الشرح. والله ولي التوفيق.