سقى الله نجدا كلما ذكروا نجدا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

سقى اللَّه نجداً كلما ذكروا نجداً

​سقى اللَّه نجداً كلما ذكروا نجداً​ المؤلف بديع الزمان الهمذاني


سقى اللَّه نجداً كلما ذكروا نجداً
وقلَّ لنجد أن أهيم به وَجْدا
طربت وهاجتني شمال بليلة
وجَدت لمسراها على كبدي بَردا
ويا حبذا نجد وبرد أصيله
وعيشاً تركناه بساحته رغْدا
لياليَ شملي بالأحبة جامعٌ
وإذ غصني الريان لا يسع الجلدا
لعمر ظباء بالعقيق أوانس
لقد صدن باللوى أسداً وردا
ولو لم يُساقطن الحديث كأنما
يشعشعن بالخمر المعتقة الشهدا
منعت فؤادي أن يباح له حمى
وصنت دموعي أن أفض لها عقدا
وعزم إذا خيمت سافر وحده
شققت به لليلي عن منكبي بردا
فطمت عليه العزم قبل رضاعه
إليه وأعملت المسوَّمة الجردا
ولا غَرَرٌ إلا شمِمْتُ له يداً
ولا خطر إلا قدحت له زندا
ولا قفرة إلا وأمسيت صلّها
ولا حَضَرٌ إلا وظلْتُ له وَفْدا
كحلت بهمّي عين كل كريهة
إليها تخطّيت الأساوِدَ والأُسدا
بهمة مستحْلٍ من المجد مُرة
وعزمة مستدنٍ من الشرف البعدا
وطئت بها بسط الملوك مبجلاً
وما وصلت لي منهم رحم عهدا
وأصبحت للباب المحجب والجاً
ويُوسَعُ غيري أن يمرَّ به طردا
ولست بهياب إذا لم تطل يد
تميمته ذم الزمانَ أو الْجَدا
أبى اللَّه لي دار الهون وهمة
موكَّلة والواخدات بنا وخدا
غدا الدهر مني حالياً بمفاخر
ورحت كنصل السيف يحملني فردا
وقد علم الأقوام أن شريعتي
من المجد لم تسهل على أحد وِردا
ولست فتى إن شمت برق سحابة
لغير كريم أو سمعت لها رعدا
متى أتتِ الشيخ الجليل مطيتي
فقدت يدي إن لم أقدّ لها جلدا
تزر ملكاً يعطي الجزيل إذا صحا
ويضرب هاماتِ الملوك إذا شدَّا
يُحكّم إلا في محارمه الندا
ويعمل إلا في مكارمه القصدا
ألم ترني قيدت في طوس عزمتي
ولولاه ما كانت على كبدي تندى
وكنت امرأ لا أرتضي المجد خادماً
ذهاباً بنفسي فکتسمت له عبدا
قصدناك لا إن الضلال أجارنا
ولكننا جرنا لنلقاكم عمدا
فلا أملي أعيا ولا صارمي نبا
ولا منزعي أشوى ولا مطلبي أكدا
فلو كنت غيثاً لم شم برق خلب
ولو كنت بحراً لم يزل أبداً مدّا
أملء فمي فخراً ووسع يدي ندا
وحسب المنى وقدر الْجدَا جَدّا
أعرني يداً تمي دنانير في الندا
كما تنثر الأغصان يوم الصبا وردا
أعرك ثناء لا تغبّ وفوده
كما تنشر الأمطار فوق الربا برد ا
وأُلبسك مدحاً لا يعاد فريده
كما ينفح الند الذكي إذا ندا
تعيد المساعي غضة بعد يبسها
وشِيب المعاني بعد كبرتها مردا
هلم العطايا فاللّها تفتح اللها
وسح الندا يستنجز الخاطرَ الوعدا
جلبت إليك المدح مغلّى بسومه
أرغبةَ مبتاع لمدحيّ أم زهدا
أشم مدحي كفا بها تبتني العلى
ولا تعدني رأياُ به تعمر المجد ا
فما العمر إلا ما اقتنى لك ذكرة
وما المال إلا ما اشتريت به الحمدا
وما دولة أنت المدبر أمرها
بمنشب ظفر ما بقيت لها سدا