راقصة الحانة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

راقصة الحانة

​راقصة الحانة​ المؤلف علي محمود طه


سرت بين أعينهم كالخيال
تعانق آلهة في الخيال
مجرّدة حسبت أنها
من الفنّ في حرم لا ينال
فليست تحسّ اشتهاء النّفوس
و ليست تحسّ عيون الرّجال
و ليست ترى غير معبودها
على عرشه العبقريّ الجلال
دعاها الهوى عنده للمثول
و ما الفنّ إلاّ هوى و امتثال
فخفّت له شبه مسحورة
علت وجهها مسحة من خبال
و في روحها نشوة حلوة
كمهجورة منّيت بالوصال
تراها و قد طوّفت حوله
جلاها الصّبا و زهاها الدّلال
تضمّ الوشاح و تلقي به
و في خطوها عزّة و اختيال
كفارسة حضنت سيفها
و ألقت به بعد طول النّضال
تمدّ يديها و تثنيها
و ترتّد في عوج و اعتدال
كحوريّة النّبع تطوي الرّشاء
و تخذب ممتلئات السّجال
مجيّرة الطّيف في مائج
من النّور يغمرها حيت جال
تخيّل للعين فيما ترى
فراشة روض جفنها الظّلال
و زنبقة وسط بلّورة
على رفرف الشّمس عند الزّوال
تنقّل كالحلم بين الجفون
و كالبرق بين رؤوس الجبال
على إصبعي قدم ألهمت
هبوب الصّبا و وثوب الغزال
و تجري ذراعين منسابتين
كفرعين من جدول انثيال
كأنّهماحولها ترسمان
تقاطيع جسم فريد المثال
أبت تمسّاه بالرّاحتين
و يرضى الهوى، و يريد الجمال!
و من عجب و عي مفتونة
تريك الهدى و تريك الضّلال
و تلوّى و تسهر كلهّابة
تراقص الجنوب به و الشّمال
و تعدو كأنّ يدا خلفها
تعذّبها بسياط طوال
و تزحف رافعة و جهها
ضراعة مستغقر في ابتهال
و تسقط عانية للجبين
كقمريّة و قعت في الجبال
تبضّ ترائبها لوعة
و تخفق لا عن ضنى أو كلال
و لكّنه بعض أشواقها
و بعض الذي استودعتها اللّيال!!