الفرق بين المراجعتين لصفحة: «تذكرة الحفاظ/الطبقة السادسة عشرة»

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obaydb (نقاش | مساهمات)
استيراد تلقائي للمقالات
 
Obayd (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
سطر 387: سطر 387:
(تمت الطبقة السادسة عشرة.)
(تمت الطبقة السادسة عشرة.)


==الطبقة السابعة عشرة==

وعدتهم أربع وعشرون نفسًا:

1097- 117/17

===ابن بشكوال===

الحافظ الإمام المتقن، أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشْكُوال بن يوسف بن داحة الأنصاري الأندلسي محدث الأندلس ومؤرخها.

ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة، وسمع أباه وأبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب فأكثر، وأبا بحر بن العاص وأبا الوليد بن رشد الفقيه وأبا الوليد بن طريف وأبا القاسم بن بقي وشريح بن محمد والقاضي أبا بكر بن العربي وطبقتهم، وأجاز له أبو علي بن سكرة الصدفي وأبو القاسم بن منظور، ومن بغداد هبة الله بن أحمد الشبلي وآخرون، وصنف معجمًا لنفسه. قال أبو عبد الله الأبار: كان متسع الرواية شديد العناية بها عارفًا بوجوهها حجة مقدمًا على أهل وقته حافظًا حافلًا أخباريًّا تاريخيًّا ذاكرًا لأخبار الأندلس، سمع العالي والنازل وأسند عن شيوخه أزيد من أربعمائة كتاب بين صغير وكبير، ورحل إليه الناس وأخذوا عنه وحدثنا جماعة عنه ووصفوه بصلاح الدخلة وسلامة الباطن وصحة التواضع وصدق الصبر للطلبة وطول احتمال، ألف خمسين تأليفًا في أنواع العلم، وولي بإشبيلية قضاء بعض جهاتها نيابة لابن العربي وعقد الشروط ثم اقتصر على إسماع العلم وعلى هذه الصناعة وهي كانت بضاعته؛ والرواة عنه لا يحصون، منهم الحافظ أبو بكر بن خير وأبو القاسم القنطري وأبو بكر بن سمحون وأبو الحسن بن الضحاك وكلهم مات قبله.

قلت: ومنهم أبو القاسم أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد وأحمد بن عبد المجيد المالقي وأحمد بن محمد بن الأصلع وأبو القاسم أحمد بن يزيد بن بقي وأحمد بن عياش المرسي وأحمد بن أبي حجة القيسي وثابت بن محمد الكلاعي ومحمد بن إبراهيم بن صلتان ومحمد بن عبد الله بن الصفار وموسى بن عبد الرحمن الغرناطي وأبو الخطاب بن دحية وأخوه أبو عمرو؛ وممن روى عنه بالإجازة أبو الفضل الهمذاني وأبو القاسم سبط السلفي.

====ذكر تصانيفه====

"صلة تاريخ ابن الفرضي" في مجلدين، "غوامض الأسماء المبهمة" عشرة أجزاء، كتاب "معرفة العلماء الأفاضل" في مجلدين، "طرق حديث المغفر" ثلاثة أجزاء، كتاب "الحكايات المستغربة" مجلد، كتاب "القربة إلى الله بالصلاة على نبيه، {{صلل}} "، "ذكر من روى الموطأ عن مالك" في جزأين، "أخبار الأعمش" في ثلاثة أجزاء، "ترجمة النسائي" جزء، "أخبار المحاسبي" جزء، "أخبار إسماعيل القاضي" جزء، "أخبار ابن وهب" جزء، "أخبار أبي المطرف القنازعي" جزء، "قضاة قرطبة" ثلاثة أجزاء، "المسلسلات" جزء، "حديث من كذب عليّ بطرقه"، "أخبار ابن المبارك" جزءان، "أخبار ابن عيينة" جزء ضخم، وغير ذلك.

وقد استوعب ترجمته ابن الزبير ومنها: كان {{رحمه ى}} يؤثر الخمول والقنوع بالدون من العيش ولم يتدنس بخطة تحطّ من قدره حتى لم يجد أحد إلى كلام فيه من سبيل، إلى أن قال: وآخر من روى عنه بسماع شيخنا أبو الحسين بن السراج، وبإجازة مجردة أبو القاسم أحمد بن محمد البلوي. توفي في ثامن شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة عن أربع وثمانين سنة ودفن بمقبرة الإمام يحيى بن يحيى الليثي.

وفيها: توفي زاهد العراق الشيخ أحمد بن علي بن الرفاعي بالبطائح عن تسع وسبعين سنة، والشيخ أبو طالب الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاوس بدمشق، ومسند الوقت خطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي في شهر رمضان عن اثنتين وتسعين عامًا، وعالم دمشق قطب الدين مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري الشافعي.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عطاء الله بن المظفر الإسكندراني بها أنا عبد الرحمن بن مكي سنة ست وأربعين وستمائة عن خلف بن عبد الملك الحافظ أنا أبو بكر المعافري أنا أحمد بن علي الحلواني أنا طاهر بن عبد الله القاضي ثنا أبو أحمد الغطريفي ثنا أبو خليفة ثنا عبد الرحمن بن سلام ثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق الهمداني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله، {{صلل}}: "أكثروا الصلاة عليّ؛ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشرًا". <ref> رواه النسائي في الأذان باب 27. وأحمد في مسنده: "2/ 168، 372".</ref>

أخبرنا إسحاق ابن الوزير أنا الحافظ عبد العظيم أنا محمد بن الحسن بن أبي علي المالقي أنا خلف بن عبد الملك قال: قرأت على عبد الرحمن بن محمد بن عتاب أنا حاتم بن محمد التميمي أنا أحمد بن إبراهيم بن فراس أنا إبراهيم بن رحمون السنجاري أنا محمد بن مسلمة أنا موسى الطويل ثنا مولاي أنس قال: قال رسول الله، {{صلل}}: "طوبى لمن رآني ومن رأى من رآني ومن رأى من رأى من رآني". <ref> رواه أحمد في مسنده "5/ 248، 257، 264".</ref>

1098- 2/17

===ابن الجوزي===

الإمام العلامة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي الواعظ المفسر صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم.

وعرف جدهم بالجوزي بجوزة كانت في داره بواسط لم يكن بواسط جوزة سواها. ولد تقريبًا سنة عشر وخمسمائة أو قبلها، وأول سماعه في سنة ست عشرة.

سمع أبا القاسم بن الحصين وعلي بن عبد الواحد الدينوري وأبا عبد الله الحسين بن محمد البارع وأبا السعادات أحمد بن أحمد المتوكلي وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن والفقيه أبا الحسن بن الزاغوني وهبة الله بن الطبر وأبا غالب بن البناء وأبا بكر محمد بن الحسين المزرفي وأبا غالب محمد الحسن الماوردي وخطيب أصبهان أبا القاسم عبد الله بن محمد وابن السمرقندي وأبا الوقت السجزي وابن ناصر وعدة، جملتهم سبع وثمانون نفسًا، وكتب بخطه ما لا يوصف كثرة ووعظ في حدود سنة عشرين وخمسمائة وإلى أن مات. حدث عنه ابنه الصاحب محيي الدين وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن فرغلي والحافظ عبد الغني وابن الدبيثي وابن النجار وابن خليل والتقي اليلداني وابن عبد الدائم والنجيب عبد اللطيف وخلق سواهم، وبالإجازة الشيخ شمس الدين بن أبي عمرو الفخر علي وأحمد بن سلامة الحداد والقطب أحمد بن عبد السلام العصروني والخضر بن حمويه الجويني ولي من خمستهم إجازة وهو آخر من حدث عن الدينوري والمتوكلي.

====ومن تصانيفه====

كتاب "المغني" في علوم القرآن كبير جدًّا، وكتاب "زاد المسير" أربع مجلدات، و"تذكرة الأريب" في اللغة، و"الوجوه والنظائر" مجلد، و"فنون الأفنان" مجلد، "جامع المسانيد" سبع مجلدات، "الحدائق" مجلدان، "نقي النقل" مجلد كبير، "عيون الحكايات" مجلدان، "التحقيق في مسائل الخلاف" مجلدان، "مشكل الصحاح" أربع مجلدات، "الموضوعات" مجلدان، "الواهيات" ثلاث مجلدات، "الضعفاء" مجلد، "تلقيح فهوم أهل الأثر" مجلد، "المنتظم في التاريخ" عشر مجلدات كبار، "المذهب في المذهب" مجلد، "الانتصار في مسائل الخلاف" مجلدان، "الدلائل في مشهور المسائل" مجلدان، "المواقيت في الخطب الوعظية" مجلد، "نسيم السحر" مجلد، "المنتخب" مجلد، "المدهش في المحاضرة" مجلد، "صفوة الصفوة" أربع مجلدات، "أخبار الأخيار" مجلد، "أخبار النساء" مجلد، "مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن" مجلد، "المقعد المقيم" مجلد، "ذم الهوى" مجلد، "تلبيس إبليس" مجلد، "صيد الخاطر" ثلاث مجلدات، "الأذكياء" مجلد، "المغفلين" مجلد، "منافع الطب" مجلد، "صبا نجد" مجلد، "المزعج" مجلد، "المطرب" مجلد، "الملهب" مجلد، "منتهى المشتهى" مجلد، "فنون الألباب" مجلد، "الظرفاء" مجلد، "سلوة الأحزان" مجلد، "منهاج القاصدين" مجلدان، "الوفا بفضائل المصطفى" مجلدان، "مناقب الصديق" مجلد، "مناقب عمر" مجلد، "مناقب علي" مجلد، "مناقب عمر بن عبد العزيز" مجلد، "مناقب سعيد بن المسيب" مجلد، "مناقب الحسن" جزءان، "مناقب الثوري" مجلد، "مناقب أحمد" مجلد، "مناقب الشافعي" مجلد، "مناقب جماعة" في أجزاء، "موافق المرافق" مجلد، وأشياء كثيرة يطول شرحها كاختصاره فنون ابن عقيل في بضعة عشر مجلدًا وما علمت أحدًا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل، مات أبوه وله ثلاث سنين فربته عمته، وأقاربه تجار في النحاس وربما كتب اسمه في السماع عبد الرحمن بن علي الصفار لذلك.

ولما ترعرع حملته عمته إلى الحافظ ابن ناصر فاعتنى به وأسمعه الكثير، حصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحد قط وحضر مجالسه ملوك ووزراء بل وخلفاء من وراء الستر، ويقال: في بعض المجالس حضره مائة ألف فيما قيل، والظاهر أنه كان يحضره نحو العشرة الآلاف مع أنه قد قال غير مرة: إن مجلسه حزر بمائة ألف، فلا ريب إن كان هذا قد وقع فإن أكثرهم لا يسمعون مقالته.

قال سبطه: سمعت جدي يقول على المنبر: كتبت بإصبعي ألفي مجلد وتاب على يدي مائة ألف وأسلم على يدي عشرون ألفًا. قال: وكان يختم في كل أسبوع ختمة ولا يخرج من بيته إلا إلى الجمعة أو المجلس. ثم سرد سبطه مصنفاته فذكر منها "درة الإكليل" في التاريخ أربع مجلدات و"فضائل العرب" مجلد "شذور العقود" مجلد "الأمثال" مجلد "المنفعة في المذاهب الأربعة" مجلدان "المختار من الأشعار" عشر مجلدات "التبصرة" في الوعظ ثلاثة مجلدات "رءوس القوارير" مجلدان، إلى أن قال: ومجموع تصانيفه مائتان ونيف وخمسون كتابًا.

====ومن بدائع كلامه====

عقارب المنايا تلسع، وخدران جسم الأمل يمنع الإحساس، وماء الحياة في إناء العمر يرشح بالأنفاس. وقال لوليّ أمر: اذكر عند القدرة عدل الله فيك وعند العقوبة قدرة الله عليك، وإياك أن تشفي غيظك بسقم دينك. وقال لصاحب له: أنت في أوسع العذر من التأخير عني لثقتي بك وفي أضيقه من شوقي إليك. وقال رجل: ما نمت البارحة من شوقي إلى المجلس قال: لأنك تريد الفرجة وإنما ينبغي الليلة ألا تنام. وقام إليه رجل فقال: يا سيدي تريد كلمة ننقلها عنك، أيما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال له: اقعد فقعد، ثم قام فأعاد مسألته فأقعده، ثم قام فقال: اقعد فأنت أفضل من كل رجل. وسأله آخر هذه المسألة وكان للشيعة ظهور فقال: أفضلهما من كانت ابنته تحته، فألقى هذا القول في أودية الاحتمال ورضي الفريقان بجوابه. وسأله آخر: أيما أفضل أُسبح أم أستغفر؟ فقال: الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور. وذكر في حديث: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين"؛ فقال: إنما طالت أعمار الأوائل لطول البادية، فلما شارف الركب بلدًا لإقامة قيل: حثوا المطيّ.

ومن كلامه: من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه. وقال في وعظه: يا أمير المؤمنين، إن تكلمت خفت منك وإن سكت خفت عليك، فأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك، أقول قول الناصح: اتق الله، خير من قول القائل: أنتم أهل بيت مغفور لكم. وقال: يفتخر فرعون بملك مصر بنهر ما أجراه، ما أجراه. وإليه المنتهى في النثر والنظم الوعظي.

وقد سقت كراسًا من أخباره في تاريخ الإسلام وقد نالته محنة في أواخر عمره؛ وشوا إلى الخليفة عنه بأمر اختلف في حقيقته فجاءه من شتمه وأهانه وختم على داره وشتت عياله ثم أخذ في سفينة إلى واسط فحبس بها في بيت وبقي يغسل ثوبه ويطبخ، ودام على ذلك خمس سنين وما دخل فيها حمامًا.

قام عليه الركن عبد السلام بن عبد الوهاب الجيلي تجاه الوزير ابن القصاب وكان الركن سيئ النحلة أحرقت كتبه بإشارة ابن الجوزي وأعطي مدرسة الجيلي فعمل الركن عليه وقال لابن القصاب الشيعي: أين أنت من ابن الجوزي فإنه ناصبي ومن أولاد أبي بكر؛ فمكن الركن من الشيخ فجاء وسبه وأنزل معه في سفينة لا غير وعلى الشيخ غلالة بلا سراويل وعلى رأسه تجفيفة وكان ناظر واسط شيعيًّا فقال له الركن: مكني من عدوي هذا لأرميه في مطمورة فزجره وقال: يا زنديق أفعل هذا بمجرد قولك؟ هات خط الخليفة والله لو كان على مذهبي لبذلت نفسي في خدمته فرد الركن إلى بغداد ثم كان السبب في خلاص الشيخ أن ابنه يوسف نشأ واشتغل وعمل وتوصل فشفعت أم الخليفة في الشيخ فأطلق.

وقد قرأ بواسط وهو ابن ثمانين سنة بالعشر على ابن الباقلاني وتلا معه ولده يوسف، نقل ذلك ابن نقطة عن القاضي محمد بن أحمد بن الحسن.

قال الموفق عبد اللطيف: كان ابن الجوزي لطيف الصورة حلو الشمائل رخيم النغمة موزون الحركات والنغمات لذيذ المفاكهة يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون لا يضيع من زمانه شيئًا يكتب في اليوم أربعة كراريس، وله في كل علم مشاركة، ولكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كافٍ، وأما السجع الوعظي فله فيه ملكة قوية.

وله في الطب "كتاب اللقط" مجلدان وكان يراعي حفظ صحته وتلطيف مزاجه وما يفيد عقله قوة وذهنه حدة، جل غذائه الفراريج والمزاوير ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات، ولباسه أفضل لباس الأبيض الناعم الطيب وله ذهن وقاد وجواب حاضر ومجون ومداعبات حلوة ولا ينفك من جارية حسناء. قرأت بخط الموقاني أن ابن الجوزي شرب البلاذر فسقطت لحيته فكانت قصيرة جدا وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات.

وكان كثير الغلط فيما يصنفه فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره. قلت: نعم، له وهم كثير في تواليفه يدخل عليه الداخل من العجلة والتحويل إلى مصنف آخر ومن أن جُل علمه من كتب صحف ما مارس فيها أرباب العلم كما ينبغي.

وكانت جنازته مشهودة شيّعه الخلائق يوم الجمعة ثالث عشر شهر رمضان إلى مقبرة باب حرب سنة سبع وتسعين وخمسمائة وقد قارب التسعين.

'''وفيها مات''' مسند أصبهان القاضي المعمر أبو المكارم أحمد بن عيسى محمد بن محمد بن اللبان الأصبهاني وقد نيف على التسعين، ومفيد بغداد المحدث المكثر أبو القاسم تميم بن أحمد بن أحمد بن كرم البندنيجي ثم الأزجي عن اثنتين وخمسين سنة سمع من أبي الوقت، والمسند أبو محمد عبد الله بن المبارك بن هبة الله بن الطويل الدارقزّي، والمسند عبد الرحمن بن أبي الكرم محمد بن ملاح الشط عن بضع وتسعين سنة، والمسند الواعظ عمر بن علي بن عمر أبو علي الحربي عن أربع وثمانين سنة، والمسند الكبير أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن حمد الكراني الأصبهاني الخباز وله مائة سنة كاملة، والعلامة الوزير البليغ عماد الدين محمد بن محمد بن حامد الكاتب بدمشق عن ثمان وسبعين سنة، وشيخ القراء أبو عبد الله محمد بن محمد بن هارون الحلبي ويعرف بابن الكمال عن بضع وثمانين سنة، ومقرئ العراق أبو شجاع محمد بن أبي محمد بن أبي المعالي بن المقرون، وقد نيف على الثمانين.

أنبأني جماعة عن أبي الفرج الحافظ وأنا أبو بكر بن عباس أنا يوسف الواعظ أنا جدي لأمي أبو الفرج أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد الله الأصبهاني سنة عشرين وخمسمائة أنا عبد الرزاق بن شمة أنا أبو بكر بن المقرئ أنا أبو يعلى وعبد الله بن محمد قالا: ثنا علي بن الجعد أنا شعبة وهشيم وحماد بن سلمة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: كان رسول الله {{صلل}} إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". صحيح رواه مسلم وغيره.

1099- 3/17

===السهيلي===

الحافظ العلامة البارع أبو القاسم وأبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ بن حسين بن سعدون، ويكنى أيضًا أبا الحسن.

ولد الخطيب أبي محمد ابن الإمام الخطيب أبي عمر الخثعمي الأندلسي المالقي الضرير صاحب التصانيف المؤنقة، مولده سنة بضع وخمسمائة.

أخذ القراءات عن أبي داود الصغير سليمان بن يحيى وأخذ بعضها عن أبي منصور بن الخير، وسمع من أبي عبد الله بن معمر والقاضي أبي بكر بن العربي وشريح بن محمد وأبي عبد الله بن مكي وأبي عبد الله بن نجاح الذهبي وطائفة، وأجاز له أبو عبد الله ابن أخت غانم وناظر في كتاب سيبويه على أبي الحسين بن الطراوة وسمع منه كثيرًا من كتب الأدب، عُمِي وهو ابن سبع عشرة سنة حمل الناس عنه، وصنف كتاب "الروض الأنف" كالشرح للسيرة النبوية فأجاد وأفاد وذكر أنه استخرجه من مائة وعشرين مصنفًا، وله كتاب "الإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام"، وله "كتاب الفرائض" وغير ذلك وكان إمامًا في لسان العرب يتوقد ذكاء وقد استدعي من مالقة إلى مراكش ليأخذوا عنه، سمع منه أبو الخطاب بن دحية وجماعة، قال ابن دحية: كان يتسوغ بالعفاف ويتبلغ بالكفاف حتى نما خبره إلى صاحب مراكش فطلبه وأحسن إليه وأقبل عليه وأقام بها نحوًا من ثلاثة أعوام.

وأما سهيل المنسوب إليها فقرية قريبة من بلد مالقة سميت بالكوكب سهيل؛ لأنه لا يرى في جميع بلاد الأندلس إلا من جبل مطل على هذه القرية يرتفع نحو درجتين ويغيب، وبلغنا أن السهيلي ولي قضاء الجماعة فحمدت سيرته. كذا وجدت على ظهر كتاب فرائضه وأنه ولد بإشبيلية سنة ثمان وخمسمائة. توفي بمراكش في الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، {{رحمه ى}}.

قال أبو جعفر بن الزبير: كان السهيلي واسع المعرفة غزير العلم نحويا متقدما لغويا عالما بالتفسير وصناعة الحديث عارفا بالرجال والأنساب عارفا بعلم الكلام وأصول الفقه حافظا للتاريخ القديم والحديث ذكيا نبيها صاحب اختراعات واستنباطات مستغربة.

روى عنه أبو الحجاج ابن الشيخ والحافظ أبو محمد القرطبي وابنا حوط الله وأبو محمد بن غلبون وأبو عمرو بن عيشون وأبو الحسين بن السراج وأبو محمد بن عطية وأبو الحسن الشاري وأبو الخطاب بن خليل، وهو آخر من حدث عنه وله شعر كثير.

أخبرنا محمد بن جابر أنا يحيى بن إبراهيم المعافري بقراءتي أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن السراج أنا الحافظ أبو القاسم السهيلي أنا الحافظ أبو بكر بن العربي ثنا سعيد بن عبد الله بن أبي الرجاء عن أبي نعيم الحافظ أنا أحمد بن يوسف العطار ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن عقيل عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد حدثني أبي أن رسول الله {{صلل}} أول ما أوحي إليه أتاه جبريل فعلمه الوضوء، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه. وبه قال السهيلي وحدثنا به أبو بكر محمد بن طاهر عن أبي علي الغساني عن أبي عمر النمري عن أحمد بن قاسم عن قاسم بن أصبغ عن الحارث بن أبي أسامة.

1100- 4/17

===عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين بن سعيد===

الحافظ العلامة الحجة أبو محمد الأزدي الإشبيلي، ويعرف أيضًا بابن الخراط.

روى عن شريح بن محمد وأبي الحكم بن برجان وعمر بن أيوب وأبي بكر بن مدير وأبي الحسن طارق بن يعيش وطاهر بن عطية وجماعة، كتب إليه بالإجازة الحافظ أبو بكر ابن عساكر وجماعة سكن بجاية وقت الفتنة التي زالت منها الدولة اللمتونية فنشر بها علمه، وصنف التصانيف واشتهر اسمه وبعُد صيته ولي خطابة بجاية.

ذكره الحافظ أبو عبد الله الأبار فقال: كان فقيهًا حافظًا عالمًا بالحديث وعلله عارفًا بالرجال موصوفًا بالخير والصلاح والزهد والورع ولزوم السنة والتقلل من الدنيا مشاركًا في الأدب وقول الشعر، صنف في الأحكام نسختين كبرى وصغرى، سبقه إلى مثل ذلك أبو العباس بن مروان الشهير بلبلة فحظي عبد الحق دونه، وله في الجمع بين الصحيحين مصنف، وله مصنف كبير جمع فيه بين الكتب الستة، وله كتاب "المعتل من الحديث" وكتاب في الرقائق، ومصنفات أخرى، إلى أن قال: وله في اللغة كتاب حافل ضاهى به "كتاب الغريبين" للهروي حدثنا عنه جماعة من شيوخنا، ولد سنة عشر وخمسمائة. وقال ابن الزبير: سنة أربع عشرة وخمسمائة وتوفي ببجاية بعد محنة نالته من قِبَل الدولة في ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. قلت: وممن روى عنه خطيب القدس أبو الحسن علي بن محمد المعافري وأبو الحجاج ابن الشيخ وأبو عبد الله بن يقيمش وآخرون.

أخبرنا محمد بن عبد الكريم المقرئ أنا علي بن محمد شيخنا في سنة خمس وثلاثين وستمائة أنا مجد الدين محمد بن أحمد بن غالب الأزدي سنة ست وثمانين وخمسمائة أنا أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد أنا أبو علي الصدفي أنا عبد الله بن طاهر التميمي أنا أبو بكر محمد بن عبد الله النيسابوري المقرئ وغيره قالوا: أنا علي بن أحمد الخزاعي أنا الهيثم بن كليب ببخارى ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود ثنا شعبة عن قتادة، سمعت عبد الله بن أبي عتبة يحدث عن أبي سعيد قال: كان رسول الله {{صلل}} أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه.

قال أبو العباس بن فرتون: ثنا أبو العباس العزفي بسبتة قال: أنبأنا عبد الحق ثنا عبد العزيز بن خلف بن مدير ثنا أبو العباس بن دلهاث العذري ثنا محمد بن نوح بمكة أنا أبو القاسم الطبراني، فذكره حديثًا ومن شعره:

إن في الموت والمعاد لشغلًا وادكارًا لذي النهى وبلاغا

فاغتنم خطتين قبل المنايا صحة الجسم يا أخي والفراغا

وله:

واهًا لدنيا ولمغرورها كم شابت الصفو بتكديرها

أي امرئ أمن في سربه ولم ينله سوء مقدورها

وكان في عافية جسمه من مس بلواها وتغييرها

وعنده بلغة يوم فقد حيزت إليه بحذافيرها

وقد سمع عبد الحق من أبي القاسم بن عطية صحيح مسلم، قال: أنا محمد بن بشر أنا أبو علي الصدفي أنا ابن دلهاث العذري عن الرازي، فالصدفي والمؤيد الطوسي سواء، فنحن في إسناد الصحيح أعلى من الحافظ عبد الحق بدرجة؛ وقد كتب إليّ بالأحكام الصغرى له من تونس أبو محمد بن هارون الطائي قال: أنا بها أبو الحسن بن أبي نصر بسماعه من المصنف. قال ابن الزبير: كان يزاحم فحول الشعراء ولم يطلق عنانه في نطقه.

1101- 5/17

===ابن حبيش===

القاضي الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن يوسف الأنصاري الأندلسي المربي نزيل مرسية وحُبَيْش هو خاله نسب إليه.

ولد بالمريّة سنة أربع وخمسمائة، وقرأ بالروايات على أحمد بن عبد الرحمن القصبي وأبي القاسم بن أبي رجاء البلوي والأصبغ بن أليسع، وتفقه بأبي القاسم بن وردان وأبي الحسن بن نافع، وسمع منهما ومن أبي عبد الله بن وضاح وعبد الحق بن غالب وعلي بن إبراهيم الأنصاري وأبي الحسن بن موهب، وارتحل إلى قرطبة فلحق بها يونس بن مغيث فسمع منه ومن جعفر بن محمد بن مكي وقاضي الجماعة محمد بن أصبغ والقاضي أبي بكر بن العربي، وأخذ الأدب عن محمد بن أبي زيد النحوي فبرع في النحو، ولما تغلبت الروم على المريّة سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة خرج إلى مرسية ثم سكن جزيرة شقر وولي القضاء والخطابة بها ثنتي عشرة سنة ثم نقل إلى خطابة مرسية وولي القضاء بها عام خمسة وسبعين وخمسمائة فحمدت أحكامه مع ضيق في خلقه، وكان من أعلام الحديث بالأندلس بارعًا في معرفة غريبه، ولم يكن أحد يجاريه في معرفة الرجال قال الأبار: سمعت أبا سليمان بن حوط الله يقول: سمعت أبا القاسم بن حبيش يقول: إنه مر عليه وقت يذكر فيه تاريخ أحمد بن أبي خيثمة أو أكثره، ولهُ خطب حسان. وقال ابن الزبير: هو أعلم أهل طبقته بصناعة الحديث وأبرعهم في ذلك مع مشاركته في علوم، وكان من العلماء العاملين أمعن الناس في الأخذ عنه.

قال أبو عبد الله بن عباد: كان عالمًا بالقراءات إمامًا في علم الحديث عارفًا بعلله واقفًا على رجاله لم يكن بالأندلس من يجاريه فيه، أقرّ له بذلك أهل عصره، مع تقدمه في اللغة والأدب واستقلاله بغير ذلك من جميع الفنون، قال: وكان له حظ من البلاغة والبيان صارمًا في أحكامه جزلا في أموره، تصدر للإقراء والتسميع والعربية، وكانت الرحلة إليه في زمانه، وطال عمره، وله "كتاب المغازي" في عدة مجلدات حمله عنه الناس.

قال الأبار: مات بمرسية في رابع عشر صفر سنة أربع وثمانين وخمسمائة عن ثمانين سنة، وكاد يهلك أناس من الزحمة على نعشه. قلت: حمل عنه خلق كثير منهم أحمد بن محمد الطرسوسي وأبو سليمان بن حوط الله ومحمد بن وهب الفهري ومحمد بن الحسن اللخمي الداني ومحمد بن إبراهيم بن صلتان ومحمد بن أحمد بن حيون المرسي ومحمد بن محمد بن أبي السداد ونذير بن وهب وعبد الله بن الحسن المالَقي بن القُرطبي وعمر بن دحية وأخوه وعلي بن يوسف بن الشريك وعلي بن أبي العافية القسطلي؛ وروى عنه بالإجازة الأستاذ أبو علي الشلوبين.

ومات معه في العام الأمير الكبير مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الشيرازي حامل لواء الأبطال وشاعر الشام عن سبع وتسعين سنة، والمحدث المفيد أبو محمد عبد الله بن علي بن سويدة التكريتي وقد شاخ، والمعمر أبو القبائل عشير بن علي بن أحمد الجبلي ثم المصري عن مائة سنة وسنتين، وشيخ الحنفية ببخارى عماد الدين أبو جعفر عمر بن أبي بكر بن محمد الأنصاري الزَّرَنجري ولد العلامة شمس الأئمة وله سبعون عامًا، والإمام المحدث الجوال تاج الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد المسعودي الخراساني الصوفي بدمشق عن اثنين وستين عامًا، وشاعر العراق أبو الفتح محمد بن عبيد الله بن التعاويذي، والمسند أبو عبد الله محمد بن علي بن صدقة الحَرّاني التاجر، والمسند العالم أبو الفرج يحيى بن محمود بن سعد الثقفي الأصبهاني، رحمة الله عليهم.

أخبرنا ابن جابر أنا قاضي الجماعة أحمد بن محمد بن حسن الخزرجي حدثني أبو الربيع الكُلاعي الحافظ ثنا عبد الرحمن بن محمد بن حبيش أنا يونس بن مغيث ومحمد بن الأصبغ القاضي قالا: قرأنا على محمد بن الفرج الفقيه "ح" وكتب إلينا عاليًا أبو محمد هارون بن يونس أنا أحمد بن يزيد أنا محمد بن عبد الحق ثنا محمد بن الفرج أنا يونس بن عبد الله عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن يحيى عن أبي مروان عبيد الله بن يحيى بن يحيى عن أبيه عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله {{صلل}} قال: "إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقّلة، إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت".

1102- 6/17

===ابن الفخار===

الحافظ الإمام الأوحد أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن خلف الأندلسي المالقي.

ولد سنة إحدى عشرة وخمسمائة، سمع أبا بكر بن العربي ولازمه واختص به وأبا جعفر البطروجي وأبا عبد الله بن الأحمر وشريح بن محمد وأبا مرود بن مسرّة ومحمد بن محمد بن عبد الرحمن القرشي وطبقتهم، قال الأبار: كان صدرًا في الحفاظ مقدمًا معروفًا يسرد المتون والأسانيد مع معرفة بالرجال وحفظ للغريب، سمع منه جُلة وحدث عنه أئمة، سمعت أبا سليمان بن حوط الله يقول عن ابن الفخار: إنه حفظ في شبيبته سنن أبي داود فأما في مدة لقائي إياه فكان يذكر صحيح مسلم، وكان موصوفًا بالورع والفضل مسلمًا له في جلالة القدر ومتانة العدالة، استدعي إلى حضرة السلطان بمراكش ليسمع عليه بها فتوفي هناك في شعبان سنة تسعين وخمسمائة.

قلت: '''وفيها توفي''' الإمام أبو الخير أحمد بن إسماعيل الطالقاني ثم القزويني الواعظ ببغداد عن ثمان وسبعين سنة، والمحدث الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الأنصاري البَلنسي الزاهد صاحب السلفي كتب شيئًا كثيرًا، وأبو المظفر عبد الخالق بن فيروز الهمذاني الجوهري الواعظ، والمحدث المفيد أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن الحبقبق القرشي الزبيري الدمشقي الشروطي والد كريمة، وشيخ القراء الإمام أبو محمد القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي بمصر عن اثنتين وخمسين سنة، والفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني المعروف بالمصلح من أصحاب الحداد، رحمة الله عليهم أجمعين.

هؤلاء المغاربة لا يكاد يقع لنا حديثهم إلا بنزول ثم هم نازلون في الإسناد فيبقى نزول على نزول، وبالله الاستعانة.

1103- 7/17

===الشيرازي===

الإمام الحافظ الرحال أبو يعقوب يوسف بن أحمد بن إبراهيم الصوفي مفيد بغداد وشيخ الصوفية بالرباط الأرجواني وصاحب الأربعين البلدية.

ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة ببغداد، وأسمعه أبوه من إسماعيل بن السمرقندي ويحيى بن الطراح وأبي الحسن بن عبد السلام والحافظ أبي سعد بن البغدادي وطلب بنفسه فسمع من الكروجي وابن ناصر وطبقتهما، وبالكوفة من أبي الحسن بن غبرة، وبكرمان من أبي الوقت عبد الأول، وبالبصرة من عبد الله بن عمر بن سليخ، وبواسط من القاضي أحمد بن بختيار المندّائي، وبهراة من عبد الجليل بن أبي سعيد، وبنيسابور من أبي بكر محمد بن علي الطوسي، وببلخ من أبي شجاع البسطامي، وبأصبهان من المعمر إسماعيل بن علي الحمامي، وبهمذان من نصر بن المظفر البرمكي، وبدمشق من أبي المكارم بن هلال. أجاد تصنيف الأربعين وأبان عن حفظ، وله رحلة واسعة وكان صدوقًا موثقًا؛ كتب عنه أبو المواهب الحافظ ووثقه ابن الدبيثي؛ وكان ظريفًا حلو المحاضرة توصل إلى الدولة وذهب رسولا عن الخليفة إلى الأطراف وارتفعت رتبته وكثر ماله، روى شيئًا يسيرًا تقع لنا روايته بالإجازة. توفي في شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة كهلا في مبدأ سن الشيخوخة.

'''وفيها توفي''' مسند أصبهان أبو العباس أحمد بن أبي منصور أحمد بن محمد بن ينال الترك شيخ الصوفية عن نيف وتسعين سنة، تفرد بالرواية عن أبي مطيع الصحاف، ومحدث دمشق أبو الحسين أحمد بن حمزة بن أبي الحسن علي الموازيني السلمي الدمشقي عن ثمانين سنة، والفقيه أبو الفضل أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحضرمي الإسكندراني أخو القاضي محمد، وشيخ الإسلام قاضي القضاة شرف الدين أبو سعد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون التميمي الموصلي الشافعي بدمشق. كتب إلينا محمد بن محمد بن مناقب أن محمد بن أبي جعفر أخبرهم قراءة عليه عن يوسف بن أحمد الحافظ أنا عبد الله بن عمر بن سليخ بمربد البصرة عند قبر الزبير {{عنه}} ثنا جعفر بن محمد القرشي لفظًا أنا أبو عمر الهاشمي ثنا علي بن إسحاق ثنا علي بن حرب ثنا سفيان عن عمرو سمع جابر بن عبد الله {{عنهما}} قال: لما نزلت: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}، قال النبي، {{صلل}}: "أعوذ بوجهك" {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال: "أعوذ بوجهك" {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال: "هذا أهون أو أيسر". هذا حديث صحيح هو عندي أعلى من هذا في الثقفيات وغيرها، أخرجه البخاري عن علي بن عبد الله عن ابن عيينة.

أنبأنا أبو اليمن ابن عساكر أنا محمد بن أبي جعفر أنا يوسف بن أحمد بمكة أنا إسماعيل بن أحمد الأشعثي وعلي بن هبة الله قالا: أنا أحمد بن محمد البزاز ثنا عبيد الله بن حبابة ثنا أبو القاسم البغوي ثنا هدبة ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن النبي {{صلل}} عاد رجلا قد صار مثل الفرخ فقال له: "هل دعوت بشيء؟" قال: نعم، قلت: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدنيا؛ فقال رسول الله، {{صلل}}: "سبحان الله، هلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". رواه مسلم.

1104- 8/17

===أبو المواهب===

محدث دمشق ومفيدها الحافظ الإمام الحسن بن أبي الغنائم هبة الله بن محفوظ بن حسن بن محمد بن حسن بن أحمد بن الحسين بن صصرى الربعي التغلبي البلدي الأصل، الدمشقي المعدل.

ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وكان اسمه نصر الله فغيره.

سمع جده أبا البركات ونصر الله بن محمد المصيصي وهو أعلى شيخ له وعبدان بن رزين وعلي بن حيدرة وأبا القاسم بن البن الأسدي ونصر بن أحمد السوسي وأبا يعلى حمزة بن الحبوبي وأبا يعلى حمزة بن كرّوس وأبا يعلى حمزة بن أسد التميمي وصحب الحافظ ابن عساكر وتخرّج به وأكثر عنه وعني بهذا الشأن وكتب العالي والنازل وجمع وصنف، وارتحل فسمع بحماة من ابن ظفر، وبحلب من أبي طالب بن العجمي، وبالموصل من الحسن بن علي الكعبي وسليمان بن محمد بن خميس، وببغداد هبة الله الدقاق وابن البطي، وبهمذان الحافظ أبا العلاء العطار، وبأصبهان محمد بن أحمد بن ماشاذة، وبتبريز محمد بن أسعد حفدة.

حدث عنه ولده أمين الدين سالم وآحاد الطلبة فقل ما روى لأنه لم يعمر، عمل معجمه في ستة عشر جزءًا، وصنف كتاب "فضائل الصحابة" و"فضائل بيت المقدس" و"عوالي ابن عيينة" و"رباعيات التابعين"، ولما وقع الحريق في الكلاسة احترقت له جملة كتب. وثقه أبو عبد الله الدبيثي وغيره، وكان حسن الطريقة لين الجانب سمحًا كريمًا نبيلًا مليح الخط عاش تسعًا وأربعين سنة، ارتحل ثاني مرة إلى بغداد بابنه سالم فأسمعه من ابن شاتيل وطبقته.

أنبئت عن أبي الغنائم سالم بن أبي المواهب أنا أبي أنا أبو طالب عبد الرحمن بن الحسن بحلب أنا علي بن أحمد العمري أنا طلحة بن علي ثنا أحمد بن سلمان ثنا أحمد بن ملاعب ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ثنا إبراهيم بن الزبرقان عن الشيباني عن المغيرة بن عبد الله اليشكُري عن قزعة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله، {{صلل}}: "لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد بيت المقدس". <ref> رواه البخاري في الصلاة في مسجد مكة باب 1، 6. ومسلم في الحج 415، 511. والترمذي في الصلاة باب 126.</ref> أنبأنا عاليًا أحمد بن سلامة عن عبد المنعم بن كليب أنا علي العمري إجازة إن لم يكن سماع، فذكره.

أخبرنا أبو محمد بن أبي بداس الحافظ أنا إسماعيل بن إسحاق بن الحسين أنا جدي أنا أخي أبو المواهب الحافظ أنا أبو الفتح المصيصي أنا محمد بن أحمد أنا محمد بن إبراهيم اليزدي ثنا محمد بن الحسين القطان ثنا إبراهيم بن الحارث ثنا يحيى بن أبي بكر ثنا زهير ثنا أبو إسحاق عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله {{صلل}} أخي جويرية قال: والله ما ترك رسول الله {{صلل}} عند موته دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمة ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضًا جعلها صدقة. أخرجه "خ" عن إبراهيم بن الحارث.

توفي سنة ست وثمانين وخمسمائة.

'''وفيها مات''' العلامة أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن غالب الأنصاري القرطبي المقرئ بن الشراط عن خمس وسبعين سنة، والإمام المقرئ أبو الطيب عبد المنعم بن يحيى بن خلف الحميري الغرناطي المعروف بابن الخلوف، والمقرئ أبو عبد الله محمد بن جعفر بن أحمد بن حميد بن مأمون البلنسي، والمسند الفقيه أبو عبد الله محمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد الأنصاري الإشبيلي الملكي المعروف بابن زرقون عن أربع وثمانين سنة، والعلامة المعمر أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد الفهري الإشبيلي المقرئ، الفقيه الحافظ عن تسعين سنة وأشهر، والمحدث أبو الفضل مسعود بن علي بن النادر البغدادي عن سبعين سنة.

1105- 9/17

===الزيدي===

الإمام القدوة الحافظ العابد أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن عمر بن سالم بن عبيد الله بن الحسن العلوي الحسيني، من ولد زيد بن علي البغدادي الشافعي المحدث، أحد الأئمة الزهّاد.

قطع أوقاته في العبادة والعلم والكتابة والدرس والطلب حتى مكن الله منزلته في القلوب وأحبه الخاص والعام حتى كان يقصده الكبار للزيارة والتبرك كان ربانيا متألها متواضعا حسن الخلق والخلق حلو العبارة جوادا مفضلا.

سمع الكثير وكتب وحصل الأصول الكثيرة حتى صار له من المصنفات والمسانيد والأجزاء شيء كثير فوقفه بمسجده الذي استجده وشاركه في وقفه رفيقُه صليح البصري وكانا على طريقة جميلة من حسن الصحبة، سمع ابن ناصر وابن الزاغوني ونصر بن نصر العُكبري ومحمد بن عبيد الله الرطبي وأبا الوقت السجزي وخلائق حتى كتب عن أصحاب ابن الحصين والقاضي أبي بكر حتى عن أقرانه وعمن هو دونه، وقل ما روى، سمع منه إبراهيم بن الشعار وأبو الخطاب العليمي وعمر بن أحمد بن بكرون وداود بن علي بن المسلمة.

وقال عبد الواحد بن مسعود بن الحصين: سمعت الشريف الزاهد علي بن أحمد الزيدي يقول: اجعل النوافل كالفرائض والمعاصي كالكفر والشهوات كالسم ومخالطة الناس كالنار والغذاء كالدواء.

وقال أبو البركات عمر بن أحمد: ولد أخي أبو الحسن سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وبخط أبي المحاسن عمر بن علي القرشي قال: وممن مات في شوال سنة خمس وسبعين وخمسمائة في هذا الطاعون الشريفُ الزاهد وليّ الله أبو الحسن علي بن أحمد الزيدي وكان عالمًا حافظًا عارفًا له المجاهدات الكثيرة والمعرفة التامة والأحوال والكرامات مما حدثني به الثقات وشاهدته فلو أثبته لقام من ذلك كراريس، ومات عن قريب من سبع وأربعين سنة، وكان رفيقي في السماع سنين كثيرة، مات يوم الثلاثاء سادس عشر من الشهر ودفن ليلا بموضع وقفه جوار مسجده. قال ابن الدبيثي: سمعت شيخنا ابن الأخضر يعظم شأنه ويثني عليه ويصف زهده ودينه، مات وأبواه حيان، وقيل: إن الوزير عضد الدين بن المسلمة لما عاد إلى الوزارة بعث إلى أبي الحسن الزيدي بألف دينار كان نذرها إن عاد إلى الوزارة، فلما سمع بذلك المستضىء الخليفة بعث إلى الشريف بألف دينار أخرى. وبعثت إليه بنفشا أم الخليفة بألف أخرى، فلم يتصرف في ذلك واشترى كتبًا كثيرة فوقفها وبنى مسجدًا.

أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ في كتابه عن محمد بن محمود الحافظ أنا داود بن علي بن المسلمة أنا علي بن الزيدي أنا أبو المظفر محمد بن أحمد العباسي ومحمد بن أحمد التميمي قالا: أنا أبو نصر الزينبي أنا محمد بن عمر ثنا عبد الله البغوي ثنا أحمد بن حنبل، وحدثنا زهير وسريج بن يونس وابن المقرئ قالوا: ثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: مر رسول الله {{صلل}} برجل يعظ أخاه في الحياء، فقال النبي، {{صلل}}: "الحياء من الإيمان". متفق على صحته.

1106- 10/17

===الحازمي===

الإمام الحافظ البارع النسابة أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان بن حازم الهمذاني.

ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع من أبي الوقت السجزي حضورًا ومن شهردار بن شيرويه الديلمي وأبي زرعة المقدسي والحافظ أبي العلاء الهمذاني ومعمر بن الفاخر، وقدم بغداد فسمع من أبي الحسين عبد الحق بن يوسف وعبد الله بن عبد الصمد العطار، وبالموصل من الخطيب أبي الفضل الطوسي، وبواسط من أبي طالب المحتسب، وبالبصرة محمد بن طلحة المالكي، وبأصبهان أبا الفتح الخرقي وأبا العباس الترك وأبا موسى الحافظ، وبالحرمين والشام والجزيرة، وكتب الكثير وصنف وجوده. قال الدبيثي: قدم بغداد وسكنها وتفقه بها في مذهب الشافعي وجالس العلماء وتميز وفهم وصار من أحفظ الناس للحديث وأسانيده ورجاله مع زهد وتعبّد ورياضة وذكر. صنف في الحديث عدة مصنفات، وأملى عدة مجالس وكان كثير المحفوظ حلو المذاكرة يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام، أملى طرق الأحاديث التي في "المهذب" وأسندها ولم يتمه. وذكره ابن النجار فقال: كان من الأئمة الحفاظ العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله، ألف كتاب "الناسخ والمنسوخ" وكتاب "عجالة المبتدئ في الأنساب" و"المؤتلف والمختلف" في أسماء البلدان وأسند أحاديث "المهذب" لأبي إسحاق، وكان ثقة حجة نبيلًا زاهدًا عابدًا ورعًا ملازمًا للخلوة والتصنيف وبث العلم، أدركه أجله شابا، سمعت محمد بن محمد بن محمد بن غانم الحافظ يقول: كان شيخنا الحافظ أبو موسى يفضل أبا بكر الحازمي على عبد الغني المقدسي ويقول: ما رأيت شابا أحفظ منه.

مات في جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وخمسمائة. قال ابن النجار: سمعت بعض الأئمة يذكر أن الحازمي كان يحفظ كتاب "الإكمال" في المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة وكان يكرر عليه، وبخط أبي الخير القزويني يسأل الحازمي: ما يقول سيدنا الإمام الحافظ في كذا وكذا؟ وقد أجاب الحازمي بأحسن جواب.

قال ابن النجار: سمعت أبا القاسم المقرئ جارنا يقول، وكان صالحًا: كان الحازمي في رباط البديع وكان يدخل بيته في كل ليلة يطالع ويكتب إلى الفجر فقال البديع للخادم: لا تدفع إليه الليلة بزرًا للسراج فلعله يستريح الليلة، فلما جنّ الليل اعتذر إليه الخادم لانقطاع البزر فدخل بيته وصف قدميه ولم يزل يصلي ويتلو إلى أن طلع الفجر وكان الشيخ خرج ليعلم خبره فوجده في الصلاة.

أخبرنا أبو الحمد الوراق أنا عبد الله بن الحسن الخطيب سنة اثنتين وأربعين وستمائة أنا محمد بن موسى الحافظ قرأت على محمد بن ذاكر أخبرك حسن بن أحمد القارئ أنا محمد بن أحمد الكاتب أنا علي بن عمر ثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز ثنا العباس بن يزيد ثنا غسان بن مضر ثنا أبو سلمة سألت أنس بن مالك: أكان رسول الله {{صلل}} يستفتح بالحمد لله رب العالمين؟ فقال: إنك لتسألني عن شيء لم أحفظه، وما سألني عنه أحد قبلك. قلت: أكان رسول الله {{صلل}} يصلي في النعلين؟ قال: نعم.

1107- 11/17

===أبو المحاسن القرشي===

القاضي الإمام الحافظ عمر بن علي بن الخضر بن عبد الله بن علي الزبيري الدمشقي محدث بغداد.

سمع بدمشق أبا الدر ياقوت بن عبد الله الرومي، وأبا القاسم بن البن، وأبا طالب عبد الرحمن بن الحسن بن العجمي بحلب، وأبا الوقت السجزي وأبا جعفر العباس وأبا المظفر بن التريكي وأبا محمد بن المادح وخلائق ببغداد، حتى نزل إلى أصحاب القاضي أبي بكر وابن السمرقندي، وصحب الشيخ أبا النجيب السهروردي وقاضي القضاة روح بن الحديثي واستنابه على قضاء الحريم الطاهري، ونفذ رسولا عن الديوان العزيز إلى صاحب الشام نور الدين وما كان له ثلاثون سنة؛ سمع منه القاضي أبو بكر الباقداري وأحمد بن أحمد البندنيجي وأبو الفتوح بن الحصري وابنه أبو بكر عبد الله بن عمر.

ذكره ابن الدبيثي في تاريخه فقال: ثقة حافظ عني بطلب الحديث وبالسماع والكتابة وكتب ببلده، وبحلب وحرّان والموصل والحرمين وبغداد، ورزق الفهم في الحديث وأجاز لي مروياته؛ مولده بدمشق في سنة ست وعشرين وخمسمائة، وتوفي في ذي الحجة سنة خمس وسبعين وخمسمائة.

قلت: '''وفيها توفي''' أمير المؤمنين المستضىء بأمر الله حسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي العباسي، ومسندة بغداد أم عتب تجني الوهبانية، والمحدث أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق اليوسفي، والمسند الواعظ أبو المعالي بن خلدون بدمشق.

1108- 12/17

===ابن خير===

الإمام الحافظ شيخ القراء، أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللمتوني الإشبيلي.

أتقن القراءات على شريح بن محمد واختص به حتى ساد أهل بلده وسمع منه ومن أبي مروان الباجي والقاضي أبي بكر بن العربي، وبقرطبة من أبي جعفر بن عبد العزيز وابن عمه أبي بكر وأبي القاسم بن بقي وابن مغيث وابن أبي الخصال وطائفة سواهم، قال الأبار: كان مكثرًا إلى الغاية بحيث إنه سمع من رفاقه وشيوخه أكثر من مائة نفس، لا نعلم أحدًا من طبقته مثله، وتصدر بإشبيلية للإقراء والإسماع وحمل الناس عنه كثيرًا وكان مقرئًا مجودًا ومحدثًا متقنًا وأديبًا نحويًّا لغويًّا واسع المعرفة رضيًّا مأمونًا، لما مات بِيعت كتبه بأغلى الأثمان لصحتها ولم يكن له نظير في هذا الشأن مع الحظ الأوفر من علم اللسان، توفي في ربيع الأول من سنة خمس وسبعين وخمسمائة وكانت جنازته مشهودة وعاش ثلاثًا وسبعين سنة.

1109- 13/17

===أبو عمر بن عياد يوسف بن عبد الله بن سعيد بن أبي زيد===

الأستاذ المحدث الحافظ أبو عمر الأندلسي الريي المقرئ أحد الأعلام.

أخذ القراءة عن أبي عبد الله بن أبي إسحاق وقدم بلنسية سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ولقي بها أعلام المقرئين أبا مروان بن الصيقل وأبا الحسن بن هذيل وأبا الحسن بن النعمة وسمع من أبي الوليد الدباغ وطارق بن نفيس وعدة.

وأجاز له أبو القاسم بن وردان وأبو محمد بن عطية وكان معنيًّا بصناعة الحديث جماعة للأجزاء والدواوين معدودًا في الأثبات المكثرين كتب العالي والنازل ولقي الكبار ولو اعتنى بهذا من أوائل عمره لبذ الأقران وفاق الأصحاب وكان يحفظ أخبار المشايخ وينقب عنهم ويضبط وفياتهم ويدون قصصهم أنفق عمره في ذلك.

وكان قد شرع في تذييل "صلة ابن بشكوال" وصنف "كتاب الكفاية في مراتب الرواية" و"كتاب المرتضى في شرح المنتقى" لابن الجارود وشرح "الشهاب" والأربعين في الحشر والأربعين في العبادات وغير ذلك، روى عنه ابنه أبو محمد وأبو الحجاج بن عبدة وأبو محمد بن غلبون وغيرهم، وكان من أهل التواضع والخير والعلم، استشهد عند كبسة العدولرية يوم العيد سنة خمس وسبعين أيضًا وعاش سبعين سنة، ذكره الأبار.

1110- 14/17

===القاسم===

ابن الحافظ الكبير أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ المحدث الفاضل بهاء الدين أبو محمد ابن عساكر الدمشقي، مصنف "فضائل القدس".

ولد سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وسمع أباه وعمه الضياء بن هبة الله وجد أبويه أبا الفضل يحيى بن علي القرشي وجمال الإسلام علي بن المسلم السلمي ويحيى بن بطريق الطرسوسي وأبا طالب علي بن عبد الرحمن الصوري وأحمد بن محمد الهاشمي صاحب السميساطي وهبة الله بن طاوس وأبا الدر ياقوت الرومي وأبا الفتح نصر الله بن محمد المصيصي وخلقًا كثيرًا وأجاز له أبو عبد الله الفراوي والحسن بن عبد الملك الخلال وطبقتهما.

وكان محدثًا صدوقًا متوسط المعرفة مكرمًا للغرباء له أنسة بالحديث وخطه ضعيف رديء، قال الحافظ المنذري: قلت لشيخنا ابن المفضل أقول: ثنا القاسم بن علي الحافظ -بالكسر- صفة لأبيه؛ فقال: قل بالضم، اجتمعت به بالمدينة فأملى عليّ أحاديث من حفظه ثم بعث إلي أصوله فقابلتها فوجدتها سواء. وقيل: كان كيسًا ظريفًا مزاحًا.

قال العز النسابة: كان أحب ما إليه المزاح؛ وقال ابن نقطة: ثقة لكن خطه لا يشبه خط أهل الضبط. وقال الحافظ عبد الرحمن بن مقرن: حدثني المحدث بدي الحنفي قال: قرأت على القاسم ابن عساكر: ثنا ابن لهيعة؛ فردّ بالضم فراجعته فلم يرجع. قلت: من ضم مثل هذا ضمه إلى الشيوخ لا إلى الحفاظ ولكن بقيت الحافظ عليه لقبًا له، وقد نسخ بخطه تاريخ أبيه.

وصنف كتابًا في الجهاد، وأملى مجالس وخرج لنفسه الأبدال العالية نقاها من مصنف والده، وكان يبالغ في التعصب لمقالة أبي الحسن الأشعري من غير أن يحققها، ولي مشيخة الديار النورية بعد أبيه وإلى أن مات فما أخذ من الجامكية شيئًا بل جعله مرصدًا لمن يقدم عليه من الطلبة.

روى عنه أبو المواهب بن صصرى وأبو الحسن بن المفضل وأبو محمد الرّهاوي واليلداني وابن خليل والشيخ عز الدين عبد السلام والتاج عبد الوهاب بن زين الأمناء وعبد الغني بن بنين القتالي والقاضي عماد الدين بن عبد الكريم بن الحرستاني والحافظ زين الدين خالد وفراس العسقلاني ومجد الدين محمد ابن عساكر وتقي الدين بن أبي اليسر وأبو بكر بن النشبي والكمال عبد العزيز بن عبد وأجاز لأحمد بن سلامة والمسلم بن علان.

مات في تاسع صفر سنة ستمائة.

'''وفيها مات''' الإمام منتخب الدين أبو الفتوح أسعد بن محمود بن خلف العجلي الأصبهاني الشافعي عن خمس وثمانين سنة، والمسند أبو المعمر بقاء بن عمر بن حند الأزجي الدقاق، والمسند أبو القاسم شجاع بن معالي بن شدفيني القصباني عن بضع وثمانين سنة، والعلامة المسند أبو سعد عبد الله بن عمر بن أحمد الصفار النيسابوري الشافعي عن اثنتين وتسعين سنة، والحافظ الكبير عبد الغني المقدسي، والعلامة ركن الدين الطاوسي صاحب الطريقة واسمه العراقي بن محمد بن العراقي، مات بهمذان وكان يضرب به المثل في المناظرة، والمسندة أم عبد الكريم فاطمة بنت سعد الخير بن محمد الأنصارية بمصر، وأبو المعالي محمد بن صافي النقاش عن اثنتين وثمانين سنة، والمسند أبو طاهر لاحق بن أبي الفضل بن فيدرة الحريمي الصوفي عن ثمان وثمانين سنة، عنده المسند كله عن ابن الحصين.

أخبرنا المسلم بن محمد وأحمد بن سلامة إذنًا عن القاسم ابن الحافظ أنا أبو القاسم يحيى بن بطريق أنا محمد بن مكي الأزدي أنا ميمون بن حمزة العلوي ثنا أبو بكر أحمد بن عبد الوارث العسالي ثنا عيسى بن حماد نا الليث عن يزيد بن أبي حبيب أنا خالد بن كثير الهمداني حدثه أن السري بن إسماعيل الكوفي حدثه أن الشعبي حدثه سمع النعمان بن بشير يقول: قال رسول الله، {{صلل}}: "إن من الحنطة خمرًا، ومن الشعير خمرًا، ومن الزبيب خمرًا، ومن العسل خمرًا، وأنا أنهى عن كل مسكر". غريب جدا، أخرجه ابن ماجه عن محمد بن رمح عن الليث، وهو مخرج في السنن الأربعة من طريق أخرى.... وإبراهيم بن مهاجر وغيرهما عن الشعبي كذلك، وقد رواه أيضًا جماعة عن الشعبي فقال: عن ابن عمر عن عمر قوله، وهذا هو المعروف.

1111- 15/17

===ابن عبيد الله===

الحافظ المتقن المقرئ شيخ المغرب أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الحجري حجر ذي رعين الأندلسي المريي نزيل سبتة.

ولد سنة خمس وخمسمائة وسمع من أبي عبد الله بن زعينة صحيح مسلم وسمع من أبي القاسم بن ورد وأبي الحسن بن اللوان وأبي الحسن بن موهب الحداني، ولقي بقرطبة أبا القاسم بن بقي وأبا الحسن بن مغيث وابن مكي والحافظ أبا جعفر البطروجي وأبا بكر بن العربي، وأخذ بإشبيلية عن أبي الحسن شريح وأحمد بن عبد الله بن صالح المقرئ.

وقرأ الصحيح في سنة أربع وثلاثين على شريح فحضره ثلاثمائة نفر، عن أبيه وابن منظور عن أبي ذر الحافظ، وسمع أيضًا من محمد بن عبد العزيز الكلابي وجعفر بن محمد البرجي ويحيى بن خلف بن الخلوف وإبراهيم بن مروان ويوسف بن علي القضاعي، وعني بهذا الشأن، وكان غاية في الورع والصلاح والعدالة، قاله الأبار.

ثم قال: ولي الصلاة والخطبة بجامع المرسية وكان يعرف القراءات ودعي إلى القضاء فأبى وانتقل بعد تغلب العدو إلى مرسية ثم تحول إلى فاس واستقر في سبتة يقرئ فيها ويحدث حتى بعُد صيته وعلا ذكره وارتحلوا إليه، إلى أن قال: وكان له بصر بصناعة الحديث موصوفًا بجودة الفهم، استدعي إلى مراكش وسمع منه السلطان، ثنا عنه عالم بن الجلة.

قلت: روى عنه أبو عمر ومحمد بن محمد بن عيشون ومحمد بن أحمد الأندرشي بن اليتيم ومحمد بن محمد اليحصبي ومحمد بن عبد الله بن الصفار القرطبي والشرف محمد بن عبد الله المَرَسي ومحمد بن أحمد بن محرز وعبد الرحمن بن القاسم السراج وأبو الخطاب بن دحية وأخوه عثمان وعلي بن الفخار الشريشي ويوسف بن محمد الأندي وأبو الحسن علي بن محمد الشاري وإبراهيم بن عامر الطوسي ومحمد بن الجرج نزيل الثغر ومحمد بن عبد الله الأزدي، وهذا الأزدى بقي إلى سنة ستين وستمائة وأظنه آخر أصحابه.

قال أبو الربيع بن سالم الحافظ: كان وقت وفاة أبي محمد بن عبيد الله قحط مضر فلما وضع على شفير القبر توسلوا به إلى الله في إغاثتهم فسقوا في تلك الليلة مطرًا وابلًا وما اختلف الناس إلى قبره مدة الأسبوع إلا في الوحل والطين.

قلت: كان قرأ بالسبع على شريح ويحيى بن الخلوف وأبي جعفر بن الباذش؛ تلا عليه بالروايات أبو الحسن الشاري. قال ابن فرتون: وظهرت له كرامات. قال غيره: مات في آخر المحرم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.

'''وفيها مات''' أبو العباس أحمد بن أبي منصور محمد بن محمد بن الزبرقان الأصبهاني عن إحدى وتسعين سنة، والمسند أبو القاسم ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف، ومقرئ مصر أبو الحسن شجاع بن محمد بن سيدهم المدلجي، ومقرئ العراق أبو جعفر عبد الله بن أحمد الواسطي صاحب أبي عبد الله البارع، والمسند أبو المحاسن محمد بن الحسن الأصبهاني التاجر المعروف بالأصفهبذ وقد قارب الثمانين، ومقرئ الغرب أبو الحسن نجبة بن يحيى الرعيني الإشبيلي صاحب شريح. أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ أنا محمد بن إبراهيم الأنصاري أنا أبو محمد عبد الله بن محمد الحافظ أنا أحمد بن محمد بن أحمد بن بقي وأبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن البطروجي قالا: ثنا محمد بن الفرج الفقيه ثنا يونس بن عبد الله القاضي أنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله أنا عم أبي عبيد الله بن يحيى بن يحيى الليثي ثنا أبي ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله {{صلل}} قال: "الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله".

1112- 16/17

===عبد الغني بن عبد الواحد===

بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر الحافظ الإمام محدث الإسلام، تقي الدين أبو محمد المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب التصانيف.

ولد في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة هو وابن خالته الشيخ الموفق بجماعيل، واصطحبا مدة في أول اشتغالهما ورحلتهما. سمع أبا المكارم بن هلال بدمشق، وهبة الله بن هلال وابن البطي وطبقتهما ببغداد، وأبا طاهر السلفي بالثغر، وأقام عليه ثلاثة أعوام ولعله كتب عنه ألف جزء، وأبا الفضل الطوسي بالموصل، وعبد الرزاق بن إسماعيل القومساني بهمذان، والحافظ أبا موسى المديني وأقرانه بأصبهان، وعلي بن هبة الله الكاملي بمصر؛ وكتب ما لا يوصف كثرة وما زال ينسخ ويصنف ويحدث ويعبد الله حتى أتاه اليقين.

روى عنه ولداه أبو الفتح وأبو موسى وعبد القادر الرّهاوي والشيخ موفق الدين والضياء وابن خليل والفقيه اليونيني وابن عبد الدائم وعثمان بن مكي الشارعي وأحمد بن حامد الأرتاحي وإسماعيل بن عزون وعبد الله بن علاق ومحمد بن مهلهل الجيتي، وهو آخر من سمع منه، بقي إلى سنة أربع وسبعين، وبقي بعده بالإجازة أحمد بن أبي الخير شيخنا.

قال ابن النجار: حدث بالكثير وصنف في الحديث تصانيف حسنة وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد قيمًا بجميع فنون الحديث، إلى أن قال: وكان كثير العبادة ورعًا متمسكًا بالسنة على قانون السلف، تكلم في الصفات والقرآن بشيء أنكره أهل التأويل من الفقهاء وشنعوا عليه، فعقد له مجلس بدار السلطان بدمشق فأصر وأباحوا قتله فشفع فيه أمراء الأكراد على أن يبرح من دمشق فذهب إلى مصر وأقام بها خاملا إلى حين وفاته.

قرأت بخط الحافظ أبي موسى المديني: يقول أبو موسى، عفا الله عنه: قل من قدم علينا من الأصحاب من يفهم هذا الشأن كفهم الإمام ضياء الدين عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي زاده الله توفيقًا وقد وفق لتبيين هذه الغلطات، يعني التي في كتاب معرفة الصحابة لأبي نعيم، إلى أن قال: ولو كان الدارقطني في الأحياء وأمثاله لصوبوا فعله، وقل من تفهم في زماننا لما فهمه.

قال الحافظ الضياء: ثم سافر الحافظ إلى أصبهان وكان خرج وليس معه إلا قليل فلوس فسهل الله تعالى من حمله وأنفق عليه فأقام بأصبهان مدة وحصل بها الكتب الجيدة، وكان ليس بالأبيض الأمهق يميل إلى سمرة حسن الثغر كث اللحية واسع الجبين عظيم الخلق تام القامة كأن النور يخرج من وجهه ضعف بصره من كثرة الكتابة والبكاء.

وصنف "المصباح" في ثمانية وأربعين جزءًا، مشتملًا على أحاديث الصحيحين، وكتاب "نهاية المراد" في السنن نحو مائتي جزء لم يبيضه، كتاب "المواقيت" مجلد، كتاب "الجهاد" مجلد، "الروضة" أربعة أجزاء، "فضائل خير البرية" مجلد، "الذكر" جزءان، "الإسراء" جزءان، "التهجد" جزءان، "المحنة" ثلاثة أجزاء "صلات الأحياء إلى الأموات" جزءان، "الصفات" جزءان، "الفرح" جزءان، "فضل مكة" أربعة أجزاء وتصانيف كثيرة، جزء "غنية الحفاظ في مشكل الألفاظ" مجلدان، "الحكايات" أزيد من مائة جزء.

ومما ألفه بلا إسناد "العمدة" جزءان، "الأحكام" ستة أجزاء "درر الأثر" تسعة أجزاء، "الكمال" عشر مجلدات، إلى أن قال: وكان لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا ذكره له وبيّنه، ولا يسأل عن رجل إلا قال: هو فلان ابن فلان، وبين نسبته، فأقول: كان أمير المؤمنين في الحديث، سمعته يقول: نازعني رجل في حديث بحضرة أبي موسى فقال: هو في البخاري؛ قلت: ليس هو فيه، فكتب الحديث في رقعة ورفعها إلى أبي موسى يسأله فناولني أبو موسى الرقعة وقال: ما تقول؟ فقلت: ما هو في البخاري؛ فخجل الرجل.

وقال الضياء: سمعت إسماعيل بن ظفر يقول: جاء رجل إلى الحافظ عبد الغني فقال: رجل حلف بالطلاق: إنك تحفظ مائة ألف حديث؛ فقال: لو قال أكثر لصدق. وشاهدت الحافظ غير مرة بجامع دمشق يسأله بعض الحاضرين وهو على المنبر يقول: اقرأ لنا أحاديث من غير الجزء فيقرأ الأحاديث علينا بأسانيدها عن ظهر قلبه، وقيل له: لم لا تقرأ دائمًا من غير كتاب؟ فقال: أخاف العجب؛ وسمعت أبا محمد عبد العزيز الشيباني يقول: سمعت التاج الكندي يقول: لم يكن بعد الدارقطني مثل الحافظ عبد الغني المقدسي.

قال الفقيه محمود بن همام: سمعت الكندي يقول: لم ير الحافظ عبد الغني مثل نفسه. وقال ربيعة اليمني: قد رأيت أبا موسى المديني، وهذا الحافظ عبد الغني أحفظ منه. وقال الضياء: كل من رأيت من المحدثين يقول: ما رأينا مثل عبد الغني؛ وهو الذي حرضني على السفر إلى مصر وبعث معنا ابنه عبد الرحمن وهو ابن عشر سنين وهو سفّر إسماعيل بن ظفر وأعطاه فسار إلى أصبهان وإلى خراسان، وحرض يوسف بن خليل على الرحلة؛ وكان يقرأ الحديث ليلة الخميس وبعد الجمعة بجامع دمشق ويجتمع خلق ويبكي الناس كثيرًا ثم يطوّل لهم الدعاء، سمعت الواعظ أبا الحسن بن نجا على المنبر بالقرافة يقول: قد جاء الحافظ وهو يريد أن يقرأ الحديث فاشتهى أن تحضروا مجلسه ثلاث مرات وبعدها أنتم تعرفونه وتحصل لكم الرغبة فيه؛ فجلس أول يوم بجامع القرافة وحضرت فقرأ أحاديث بأسانيدها حفظًا وقرأ أخرى ففرح الناس به، ثم سمعت ابن نجا يقول: حصل مرادي في أول مجلس، إلى أن قال: وكان لا يضيع شيئًا من زمانه، كان يصلي الفجر ويلقن القرآن وربما لقن الحديث ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثلاثمائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبيل الظهر فينام نومة فيصلي الظهر ويشتغل بالتسميع أو النسخ إلى المغرب فيفطر إن كان صائمًا ويصلي إلى العشاء ثم ينام إلى نصف الليل أو بعده ثم يتوضأ ويصلي ثم يتوضأ ويصلي إلى قريب الفجر، وربما توضأ سبع مرات أو أكثر ويقول: تطيب لي الصلاة ما دامت أعضائي رطبة، ثم ينام نومة يسيرة قبل الفجر وهذا دأبه.

قال الشيخ الموفق: كان رفيقي وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وقيامهم عليه ورزق العلم وتحصيل الكتب الكثيرة إلا أنه لم يعمر حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها. قال الضياء: وكان لا يرى منكرًا إلا غيره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم رأيته مرة يريق خمرًا فسل صاحبه السيف فلم يخف وكان قويًّا فأخذ السيف من يد الرجل وكان يكسر الشبابات والطنابير.

وشاهدت بخطه يقول: والملك العادل ما رأيت منه إلا الجميل أقبل عليّ وقام لي والتزمني ودعوت له فقلت: عندنا قصور يوجب التقصير؛ فقال: ما عندك تقصير ولا قصور، وذكر أمر السنة فقال: ما عندك شيء يعاب في أمر الدين والدنيا، ولا بد للناس من حاسد؛ وبلغني عنه بعد ذلك أنه ذكر عنده العلماء فقال: ما رأيت مثل فلان، دخل علي فخيل لي أنه أسد قد دخل علي.

قال الضياء: وكان المبتدعة قد أوغروا صدر العادل على الحافظ وتكلموا فيه عنده وكان بعضهم يقول: ربما يقتله إذا دخل عليه، فسمعت أن بعضهم بذل في قتل الحافظ خمسة آلاف دينار. قال الضياء: سمعت أبا بكر بن أحمد الطحان يقول: جعلوا الملاهي عند درج جيرون فجاء الحافظ فكسر كثيرًا منها وصعد المنبر، فجاءه رسول القاضي يطلبه ليناظره في الدف والشبابة فقال: ذاك حرام ولا أمشي إليه إن كان له حاجة يجيء هو؛ قال: فعاد الرسول فقال: لا بد من مجيئك قد عطلت هذه الأشياء على السلطان، فقال: ضرب الله رقبته ورقبة السلطان؛ فمضى الرسول فخفنا من فتنة فما أتى أحد بعد؛ سمعت محمود بن سلامة الحراني بأصبهان يقول: كان الحافظ بأصبهان يخرج فيصطف الناس في السوق ينظرون إليه؛ ولو أقام بأصبهان مدة وأراد أن يملكها لملكها، يعني: من حبهم له ورغبتهم فيه. قال الضياء: وكنا بمصر نخرج معه للجمعة فلا نقدر نمشي معه من زحمة الناس يتبركون به ويجتمعون حوله، وكان جوادًا كريمًا لا يدخر شيئًا ولا درهمًا، وقيل: كان يخرج في الليل بقفات الدقيق فإذا فتحوا ترك ما معه ومضى لئلا يعرف، وربما كان عليه ثوب مرقع.

سمعت بدر بن محمد الجذري يقول: ما رأيت أحدًا أكرم من الحافظ، لقد أوفى عني غير مرة. وسمعت سليمان الأشعري يقول: بعث الأفضل إلى الحافظ بنفقة وقمح كثير ففرق الجميع.

وحكى رجل أنه شاهد الحافظ في الفلاء بمصر ثلاث ليالٍ يؤثر بعشائه ويطوي. قال الضياء: فتح له بمصر أشياء كثيرة من الذهب وغيره. سمعت الرضى عبد الرحمن بن محمد أنه سمع الحافظ يقول: سألت الله أن يرزقني حال الإمام أحمد، فقد رزقني صلاته، قال: ثم ابتلي بعد ذلك وامتحن. سمعت الإمام أبا عبد الله بن أبي الحسن الجبائي يقول: أخذ الحافظ عبد الغني على أبي نعيم في مائتين وتسعين موضعًا فطلبه الصدر بن الخجندي وأراد هلاكه فاختفى الحافظ.

وسمعت محمود بن سلامة يقول: ما أخرجناه إلا في إزار. وسمعت الحافظ يقول: كنا نسمع بالموصل كتاب الضعفاء للعقيلي فأخذني أهل الموصل وحبسوني وأرادوا قتلي من أجل ذكر رجل فيه فجاءني رجل طويل بسيف فقلت: لعله يقتلني وأستريح، قال: فلم يصنع شيئًا ثم أطلقت. وكان يسمعه معه ابن البرني فأخذ الكراس الذي فيه ذكر الرجل ففتشوا الكتاب فلم يجدوا شيئًا فأطلق.

أخبرنا عبد الحميد بن أحمد، سمعت الضياء يقول: كان الحافظ يقرأ الحديث بدمشق ويجتمع الخلق عليه فحسد وشرعوا يعملون لهم وقتًا في الجامع ويقرأ عليهم الحديث فهذا ينام وهذا قلبه غير حاضر فلم تشتف قلوبهم فشرعوا في مكيدة فأمروا الناصح أن يعظ بعد الجمعة تحت قبة النسر وقت جلوس الحافظ، فأخر الحافظ معتاده إلى العصر، فلما كان في بعض الأيام والناصح قد فرغ فدسوا رجلا ناقض العقل من بني عساكر فقال للناصح ما معناه؟ إنك تقول الكذب على المنبر فضرب الرجل وهرب وخبئ في الكلاسة ومشوا إلى الوالي وقالوا: هؤلاء الحنابلة ما قصدهم إلا الفتنة، وهم، وهم، واعتقادهم، ثم جمعوا كبراءهم ومضوا إلى القلعة وقالوا للوالي: نشتهي أن يحضر عبد الغني. وسمع مشايخنا فانحدروا، خالي الموفق وأخي الشمس والفقهاء وقالوا: نحن نناظرهم، وقالوا للحافظ: اقعد لا تجئ فإنك حاد ونحن نكفيك، فاتفق أنهم أخذوا الحافظ ولم يعلم أصحابنا فناظروه وكان أجهلهم يغري به، فاحتد وكانوا قد كتبوا شيئًا من اعتقادهم وكتبوا فيه خطوطهم ثم قالوا له: اكتب خطك، فلم يفعل؛ فقالوا للوالي: قد اتفق الفقهاء كلهم وهذا يخالف؛ فبعث الأسارى فرفعوا منبره وخزانه ودرابزين وقالوا: نريد أن لا تجعل في الجامع صلاة إلا للشافعية وكسروا منبر الحافظ ومنعنا من صلاة الظهر، فجمع الناصح السوقة وغيرهم وقال: إن لم يخلونا نصلي صلينا بغير اختيارهم؛ فبلغ ذلك القاضي وكان صاحب الفتنة فأذن لهم وحمت الحنفية مقصورتهم بجماعة من الجند، ثم إن الحافظ ضاق صدره ومضى إلى بعلبك فأقام بها مدة وتوجه إلى مصر فبقي بنابلس مدة، إلى أن قال: وجاء الملك الأفضل وأخذ مصر ثم رد إلى دمشق فصادف الحافظ وأكرمه ونفذ يوصي به بمصر

فتلقى بالبشر والإكرام وكان بمصر كثير من المخالفين لكن رائحة السلطان كانت تمنعهم، ثم جاء العادل وأخذ مصر وأكثروا عنده على الحافظ فطلب ثم أكرمه العادل وبقي الحافظ بمصر وهم لا يتركون الكلام فيه، فلما أكثروا عزم الكامل على إخراجه ثم اعتقل في داره سبع ليالٍ، فسمعت التقي أحمد بن محمد بن عبد الغني يقول: حدثني الشجاع بن أبي ذكري الأمير قال: قال لي الكامل: هنا فقيه قالوا: إنه كافر؛ قلت: ما أعرفه؛ قال: بلى، هو محدث؛ فقلت: لعله الحافظ عبد الغني؟ فقال: هو هو؛ فقلت: أيها الملك، العلماء أحدهم يطلب الآخرة والآخر يطلب الدنيا، وأنت هنا باب الدنيا فهل جاء إليك؟ أو أرسل إليك ورقة؟ قال: لا؛ قلت: والله هؤلاء يحسدونه؛ فقال: جزاك الله خيرًا كما عرفتني. قال الضياء: بلغني أن الحافظ أمر أن يكتب اعتقاده فكتب: أقول كذا لقول الله كذا، وأقول كذا لقول النبي {{صلل}} كذا، حتى فرغ من المسائل؛ فلما وقف عليها الكامل قال: أيش أقول في هذا؟ يقول: بقول الله ورسوله؛ فخلى عنه.

وسمعت أحمد بن محمد بن عبد الغني يقول لي: رأيت أخاك الكمال عبد الرحيم في النوم فقلت: أين أنت؟ فقال: في جنة عدن، فقلت: أيما أفضل الحافظ عبد الغني أو الشيخ أبو عمر؟ فقال: ما أدري، أما الحافظ فكل ليلة جمعة ينصب له كرسي تحت العرش يقرأ عليه الحديث وينثر عليه الدر وهذا نصيبي منه؛ وأشار إلى كمه.

سمعت أبا موسى يقول: مرض والدي أيامًا ووضأته وقت الصباح فقال لي: يا عبد الله صل بنا وخفف؛ فصليت بالجماعة وصلى معنا جالسًا ثم قال: اقرأ عند رأسي يس فقرأتها وقلت: هنا دواء تشربه؛ فقال: ما بقي إلا الموت؛ فقلت: ما تشتهي شيئًا؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه الله الكريم؛ فقلت: ما أنت عني راض؟ قال: بلى؛ وجاءوا يعودونه وجعلوا يتحدثون ففتح عينه وقال: ما هذا؟ اذكروا الله، قولوا: لا إله إلا الله ثم دخل درع النابلسي فقمت لأناوله كتابًا من جانب المسجد، فرجعت وقد توفي {{رحمه ى}} يوم الاثنين الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ستمائة.

قلت: '''وفيها توفي''' المذكورون في ترجمة القاسم. وترجمه الحافظ الضياء أربع كراريس بسماعنا من ابن خولان عنه.

أنبأنا أحمد بن سلامة الدمشقي عن عبد الغني بن عبد الواحد في كتابه أنا حيدرة بن عمر بن إبراهيم العلوي أنا طراد بن محمد أنا أحمد بن محمد بن حسنون ثنا أبو جعفر محمد بن عمرو إملاء ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا أبو سنان حدثني حبيب بن أبي ثابت عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله، إني أعمل العمل سرًّا فإذا اطلع عليه أعجبني؟ قال رسول الله، {{صلل}}: "لك أجران: أجر السر وأجر العلانية". رواه الأعمش عن حبيب وأرسله، أخرجه أبو عيسى في جامعه عن محمد بن المثنى عن أبي داود.

1113 - 17/17

===الباقداري===

الحافظ العالم المحدث أبو بكر محمد بن أبي غالب بن أحمد بن مرزوق البغدادي الضرير.

قدم من باقدار في صباه وتلا على جماعة وسمع الحديث من أبي محمد سبط الخياط وأبي بكر بن الزاغوني وابن ناصر وطبقتهم فأكثر، قال ابن الدبيثي: انتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه وكان المعتمد عليه فيه.

وقال أبو الفتوح بن الحصري: كان آخر من بقي من حفاظ الحديث من الأئمة. قال ابن الدبيثي: سمعت غير واحد من شيوخنا يذكرون أبا بكر الباقداري ويصفونه بالحفظ ومعرفة الرجال والمتون مع كونه ضريرًا مقصورًا إلا أنه كان حفظة حسن الفهم، بلغني أن ابن ناصر كان يراجعه في أشياء ويصير إلى قوله. وقال أبو محمد المنذري: كان أحد حفاظ بغداد المشهورين بمعرفة الرجال والتقدم مع ضرره. قلت: توفي في آخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة كهلا، وقد انتهى علو الرواية إلى ابنته عجبيبة في وقتها.

أنبأنا أبو حامد بن الصابوني وعدة عن محمد بن سعيد الحافظ أنا عبد الله بن عمر الوكيل أنا أبو بكر محمد بن أبي غالب الحافظ أنا أبو بكر بن الزاغوني وسعيد بن البناء وابن المادح قالوا: أنا أبو نصر الزينبي أنا محمد بن عمر الوراق أنا عبد الله بن أبي داود ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا سعد -وهو ابن الصلت- ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن أنس بن مالك قال: توفيت زينب بنت رسول الله {{صلل}} فخرج بجنازتها وخرجنا معه فرأيناه كئيبًا حزينًا ثم دخل قبرها فخرج ملتمع اللون، فسألناه عن ذلك فقال: "إنها كانت امرأة مسقامة، فذكرت شدة الموت وضغطة القبر فدعوت الله فخفف عنها". قرأته على أبي المعالي الزهري الزاهد عن أكمل بن أبي الأزهر سماعًا أنا سعيد بن البناء، مثله.

1114- 18/17

===ابن الحضري===

الإمام الحافظ المفيد شيخ القراء برهان الدين أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج محمد بن علي البغدادي الحنبلي، نزيل مكة وإمام الحطيم.

تلا بالروايات على ابن الشهرزوري ولعله آخر من قرأ عليه، وسمع من أبي الوقت وابن الزاغوني وأبي طالب العلوي وأبي محمد بن المادح وهبة الله بن السبل وابن البطي وأبي زرعة المقدسي وخلق كثير، وعني بالفن أتم عناية ونسخ الكثير، وكان يفهم ويفيد مع الثقة والدين.

قال ابن النجار: قرأ بالروايات على جماعة -وسماهم- وكان حافظًا حجة نبيلًا من أعلام الدين جم العلم كثير المحفوظ كثير التعبد والتهجد. وقال المنذري: حصل من الأدب طرفًا حسنًا، وكان يسمع ويقرأ ويفيد الغرباء وغيرهم، جاور عشرين سنة.

قال الدبيثي: كان ذا معرفة بهذا الشأن ونعم الشيخ كان عبادة وثقة. وقال ابن نقطة: حافظ ثقة مكثر متقن. قلت: روى عنه الثلاثة والبرزالي وابن خليل وتاج الدين علي بن القسطلاني وخلق والحافظ ضياء الدين، وقال: توفي شيخنا الحافظ الإمام -إمام الحرم- أبو الفتوح بالمهجم في المحرم سنة تسع عشرة وستمائة، {{رحمه ى}}.

قال ابن مسدي: قصد اليمن فأدركه الأجل بالمهجم في ربيع الآخر، كذا قال. وقال: وكان أحد الأئمة الأثبات مشارًا إليه بالحفظ. قلت: آخر من بقي من أصحابه شيخنا المقداد القيسي سمع منه سنن أبي داود وغير ذلك.

أخبرنا المقداد إجازة أنا نصر بن محمد الحافظ أنا أبو طالب العلوي أنا أبو علي التستري أنا أبو عمر الهاشمي أنا أبو علي اللؤلؤي ثنا أبو داود ثنا محمد بن كثير ثنا همام عن علي بن زيد عن أم محمد عن عائشة أن النبي {{صلل}} كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا يتسوك قبل أن يتوضأ.

1115- 19/17

===ابن الأخضر===

الإمام الحافظ المسند محدث العراق، أبو محمد عبد العزيز بن محمود بن المبارك الجنابذي ثم البغدادي.

ولد سنة أربع وعشرين وخمسمائة وسمع باعتناء والده من القاضي أبي بكر الأنصاري وأبي القاسم بن السمرقندي ويحيى بن الطراح وعبد الوهاب الأنماطي، ثم طلب بنفسه وسمع من الأرموي وابن ناصر وأبي الوقت وابن البطي ومن بعدهم، ونسخ وحصل الأصول الثمينة، وصنف وجمع وأفاد ونفع وحدث نحوًا من ستين عامًا، وكان ذا حلقة بجامع القصر؛ وتواليفه تدل على معرفته وحفظه، وكان ثقة صالحًا عفيفًا دينًا. قال ابن الدبيثي: لم أر في شيوخنا أوفر شيوخًا منه ولا أغزر سماعًا، حدث بجامع القصر دهرًا.

قلت: وكان والده قد سمع من إسماعيل بن ملة وحج سنة خمس وثلاثين وعمره أربعون سنة فعدم في الطريق. قال ابن نقطة: كان شيخنا ثقة ثبتًا مأمونًا كثير السماع واسع الرواية صحيح الأصول منه تعلمنا واستفدنا، ما رأينا مثله. قال ابن النجار: بالغ شيخنا أبو محمد حتى قرأ على شيوخنا وصنف في كل فن، وكانت له حلقة بجامع القصر يقرأ به كل جمعة بعد الصلاة، وكان أول سماعه في سنة ثلاثين بإفادة أبيه وأبي الحسن بن بكردوس، كتب لنفسه وتوريقًا للناس في شبابه، وكان له حانوت للبزبخان الخليفة، كنت أقرأ عليه به، حدث بجميع مروياته به، سمع منه عمر بن علي القرشي وكتب عنه في معجمه، كان ثقة حجة نبيلًا ما رأيت في شيوخنا سفرًا ولا حضرًا مثله في كثرة مسموعاته ومعرفته لمشايخه وحسن أصوله وحفظه وإتقانه وكان أمينًا ثخين الستر دينًا عفيفًا أريد على أن يشهد عند القضاة فامتنع، وكان من أحسن الناس خلقًا وألطفهم طبعًا من محاسن البغداديين وظرفائهم ما يمل جليسه منه.

قلت: حدث عنه ابن الدبيثي وابن نقطة وابن النجار والضياء والبرزالي وابن خليل والزين النابلسي وأحمد بن محمد بن بنيمان الهمذاني ومحمد بن نصر بن الجيلي وعلي بن مهران سبط العاقولي وعلي بن عدلان الموصلي وعلي بن زريق وأحمد بن الحسين الخليلي ومحمد بن سعيد النشف والفقيه يحيى بن الصيرفي والنجيب عبد اللطيف وأخوه العز والنجيب مقداد القيسي والعلم قاسم بن أحمد الأندلسي وولده علي بن الأخضر وآخرون، وآخر من روى عنه بالإجازة الكمال عبد الرحمن بن المكبر. توفي سادس شوال سنة إحدى عشرة وستمائة هو والحافظ ابن المفضل.

أخبرنا المقداد بن أبي القاسم المعدل كتابة أنا عبد العزيز بن محمود الحافظ سنة إحدى عشرة ببغداد أنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري أنا أبو إسحاق البرمكي حضورًا أنا أبو محمد بن ماسي أنا أبو مسلم الكجي ثنا الأنصاري وأبو عاصم قالا: أنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله، {{صلل}}: "ويل للذي يحدث ليضحك منه القوم فيكذب، ويل له، ويل له". هذا حديث صالح الإسناد من العوالي، أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي في كتبهم من حديث عبد الله بن المبارك وإسماعيل بن علية ويحيى بن سعيد القطان عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده، {{عنه}}. قال الترمذي: هذا حديث، هذا حسن قلت: وهو نص في تحريم الكذب، فإن حدث القوم مما يضحكهم من غير كذب فلا بأس بالقليل منه.

1116- 20/17

===عبد الرزاق===

ابن الشيخ القدوة أبي محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي الإمام المحدث الحافظ الزاهد، أبو بكر الحنبلي، محدث بغداد.

ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وسمع الكثير بإفادة أبيه، ثم طلب بنفسه وعني بهذا الشأن وحصل الأصول، سمع من محمد بن صرما وأبي الفضل الأرموي وأبي القاسم بن البناء والحافظ أبي الفضل بن ناصر وأبي بكر بن الزغواني وأبي الكرم بن الشهرزوري وطبقتهم وكان يقال له: الحلبي، نسبه إلى الحلبة وهي محلة شرقي بغداد، ذكره الحافظ محمد بن عبد الواحد الحنبلي فقال: لم أر ببغداد أحدًا في تيقظه وتحريه مثله. وذكره الإمام شهاب الدين أبو شامة في تاريخه فقال: كان زاهدًا عابدًا ثقة مقتنعًا باليسير.

قلت: حدث عنه أبو عبد الله بن الدبيثي وأثنى عليه، ومجد الدين بن النجار والضياء المقدسي والنجيب عبد اللطيف والتقي اليلداني وابنه قاضي القضاة أبو صالح وآخرون. وأجاز للشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمرو الفخر علي وابن شيبان وطائفة. مات في شوال سنة ثلاث وستمائة.

'''وفيها مات''' المسند أبو إسماعيل داود بن محمد بن ماشاذة الأصبهاني، والمسند أبو القاسم سعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاف المؤدب ببغداد، ومسند الوقت أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصيدلاني بأصبهان عن أربع وتسعين سنة، والمسند مخلص الدين محمد بن معمر الفاخر القرشي بأصبهان، رحمهم الله تعالى.

قرأت على محمد بن إسحاق أخبركم أبو صالح نصر بن عبد الرزاق القاضي ببغداد قال: قرأت على والدي أبي بكر وأمة الكريم أخبركما جدي الشيخ عبد القادر بن أبي صالح "ح" وأخبرنا أبو جعفر بن المقير وجماعة قالوا: أنا يحيى بن أبي السعود أخبرتنا شهدة بنت الأبري قالا: ثنا أبو غالب محمد بن الحسن ثنا الحسن بن أحمد ثنا عثمان بن السماك ثنا محمد بن الحسين بن أبي الحنين ثنا ابن الأصبهاني أنا شريك عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن صعصعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، {{صلل}}: "أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن تمت قبل منه سائر عمله، وإن نقصت قال: انظروا هل له من تطوع فأكملوها به". <ref> رواه الترمذي في المواقيت باب 188. والنسائي في الصلاة باب 9. وابن ماجه في الإقامة باب 202.</ref> فهذا النقص في الصلاة يشتمل على نقص عدد الصلوات ونقص ذاتها وماهيتها، فيكمل الله هذا وهذا بالنوافل بلطفه وكرمه فله الحمد.

1117- 21/17

===عبد القادر بن عبد الله===

الحافظ الإمام الرحال أبو محمد '''الرهاوي''' الحنبلي محدث الجزيرة.

ولد بالرهاء سنة ست وثلاثين وخمسمائة ونشأ بالموصل وكان مملوكًا لبعض المواصلة السفارين فأعتقه فطلب العلم وأقبل على الحديث فسمع من مسعود بن الحسن الثقفي والحسن بن العباس الرستمي وأبي جعفر محمد بن الحسن الصيدلاني ورجاء بن حامد ومحمود فورجة وإسماعيل بن شهريار ومعمر بن الفاخر وعبد الرحيم بن أبي الوفاء وعلي بن عبد الصمد بن مردويه وأقرانهم بأصبهان، والحافظ أبي العلاء ومحمد بن بنيمان بهمذان، وأبي زرعة المقدسي، ولحق بهراة عبد الجليل بن أبي سعد خاتمة أصحاب بيبي الهرثمية، وبمرو من مسعود بن محمد المروزي، وبنيسابور من أبي بكر محمد بن علي بن محمد الطوسي وطبقته، وبسجستان من أبي عروبة عبد الهادي بن محمد بن عبد الله الزاهد، وببغداد من أبي علي أحمد بن محمد الرحبي وأبي محمد الخشاب وخلق، وبواسط من هبة الله بن مخلد الأزدي وأبي طالب المحتسب، وبالموصل من أبي الفضل الطوسي ويحيى بن سعدون القرطبي، وبدمشق من أبي القاسم الحافظ ومحمد بن بركة الصلحي، وبمصر من محمد بن علي الرحبي وابن بري، وبالإسكندرية من السلفي؛ وعمل الأربعين المتباينة الأسانيد في مجلد كبير يدل على تبحره وسعة علمه.

قال ابن نقطة: كان عالمًا ثقة مأمونًا صالحًا إلا أنه كان عسرًا في الرواية لا يكثر عنه إلا من أقام عنده. قال يوسف بن خليل: كان حافظًا ثبتًا كثير السماع كثير التصنيف متقنًا ختم به علم الحديث. قال أبو محمد المنذري: كان حافظًا ثقة راغبًا في الانفراد عن أرباب الدنيا. وقال أبو شامة: كان صالحًا مهيبًا زاهدًا ناسكًا خشن العيش ورعًا.

قلت: حدث عنه ابن نقطة والزكي البرزالي والضياء وابن خليل والصريفيني وإسماعيل بن ظفر والشهاب القوصي وعبد الرحمن بن سالم الأنباري وأبو العباس بن عبد الدائم وأبو زكريا بن الصيرفي وعامر القلعي وعبد العزيز بن الصيقل والفقيه أبو عبد الله بن حمدان وغيرهم، وله أوهام نبهت على مواضع منها في الأربعين له، ومع حفظه ومعرفته فغيره أتقن، وتكرر في تباين الأسانيد أربعة مواضع.

توفي الحافظ الرهاوي بحران في ثاني جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وستمائة.

'''وفيها توفي''' المسند أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب البغدادي السباك الصوفي في شوال فجأة، سمع عبد الوهاب الأنماطي، والمسند أبو العباس أحمد بن يحيى بن بركة بن الديبقي البغدادي البزاز، والمسند أبو الفضل سليمان بن محمد بن علي الموصلي، والمسند الرحلة أبو محمد عبد العزيز بن معالي بن غنيمة بن منينا، والشريف أبو الفضل عبيد الله بن أحمد بن هبة الله الهاشمي المنصوري، وشيخ الصعيد القدوة أبو الحسن علي بن حميد بن الصباغ، والشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي بن موهوب بن البناء الصوفي، وكمال الدين أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك بن الحلاحلي السفار، والمسند أبو القاسم موسى بن سعيد بن هبة الله بن الصيقل الهاشمي عنده إسماعيل بن السمرقندي، والمسند يحيى بن ياقوت بن الفراش المجاور.

أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه ثنا عبد القادر بن عبد الله الحافظ أنا مسعود بن الحسن الأصبهاني بها أنا إبراهيم بن محمد الطيار ومحمد بن أحمد السمسار قالا: أنا إبراهيم بن عبد الله التاجر ثنا الحسين بن إسماعيل القاضي ثنا ابن أبي مذعور ثنا يزيد بن زريع ثنا روح بن القاسم ثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال: أتيت أبا بكر أسأله فمنعني، ثم أتيته أسأله فمنعني، ثم أتيته أسأله فمنعني، فقلت: إما أن تبخل وإما أن تعطيني، فقال: أتبخلني وأي داء أدوأ من البخل؟ ما أتيتني من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك ألفًا، قال: فأعطاني ألفًا وألفًا وألفًا.

1118- 22/17

===ابن عات===

الحافظ الإمام الثقة، أبو عمر أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النفزي الشاطبي.

ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة كان من حفاظ الأندلس، ذكره الأبار فقال: سمع العلامة أبا محمد وأبا الحسن بن هذيل وعلم بن عبد العزيز وطبقتهم، وبالإسكندرية من أبي طاهر السلفي وابن عوف الزهري. قال أبو محمد المنذري: سمع أيضًا محمد بن يوسف بن سعادة وعاشر بن محمد ومخلوف بن جارة، وكان شيخنا ابن المفضل يذكره بكثرة الحفظ والميل إلى تحصيل المعارف. قال الأبار: كان أحد الحفاظ يسرد المتون ويحفظ الأسانيد عن ظهر قلب لا يخل منها بشيء موصوفًا بالدراية والرواية، يغلب عليه الورع والزهد على منهاج السلف يأكل الخشن ويلبس الخشن وربما أذن في المساجد، له تواليف دالة على سعة حفظه مع حظ من النثر والنظم، حدثونا عنه وأجاز لي مروياته، توجه غازيًا فشهد وقعة العقاب التي أفضت إلى خراب الأندلس بالدائرة على المسلمين فيها، فعدم {{رحمه}} في صفر سنة تسع وستمائة. قلت: وقع لي من مروياته نازلا.

ومات بعده في العام شيخ القراء بالأندلس أبو جعفر أحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الداني الحصار، والمحدث المفيد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هراة القفصي الشافعي وقفصة بلدة بقرب القيروان، والإمام المحدث الجوال أبو نزار ربيعة بن الحسن بن علي الحضرمي اليمني الذماري الشافعي عن أربع وثمانين سنة، والمقرئ المحدث المسند أبو شجاع زاهر بن رستم البغدادي الشافعي بمكة، ومسند همذان أبو الفضل عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن أبي زيد بن المعزم الهمذاني، وإمام العربية أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن خروف الحضرمي الإشبيلي، والمحدث المسند أبو الفرج محمد بن علي بن حمزة بن فارس الحراني ثم البغدادي بن القبيطي.

1119- 23/17

===علي الإسكندراني===

بن المفضل بن علي بن مفرج بن حاتم بن حسن بن جعفر الحافظ العلامة المفتي شرف الدين أبو الحسن ابن القاضي الأنجب أبي المكارم المقدسي، ثم الإسكندراني المالكي.

ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتفقه بالثغر على الإمام الصالح ابن بنت معافى وأبي الطاهر بن عوف وعبد السلام بن عتيق السفاقسي وأبي طالب اللخمي وسمع منهم ومن الحافظ السلفي فأكثر عنه وانقطع إليه وتخرج به وبطلبته، وسمع أيضًا من القاضي أبي عبيد نعمة بن زيادة الله الغفاري شيخ معمر حدثه عن عيسى بن أبي ذر الهروي ثم السروي سمع منه في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة صحيح البخاري سوى قطعة يسيرة من آخره، وسمع من بدر الخداداذي وعبد الرحمن بن خلف الله المقرئ، وعبد الله بن بري النحوي وعلي بن هبة الله الكاملي ومحمد بن علي الرحبي وخلق بالثغر والفسطاط والحرمين، وناب في الحكم بالإسكندرية مدة، ودرس بمدرسته ثم تحول إلى القاهرة ودرس بالمدرسة التي أنشأها الصاحب ابن شكر إلى أن مات، وكان من أئمة المذهب العارفين به ومن حفاظ الحديث.

له تصانيف مفيدة، رأيت له في سنة ست وثمانين وستمائة كتابًا في الصيام بأسانيده، وكان ذا ورع ودين مع أخلاق رضية ومشاركة في الفضائل.

روى عنه الزكيان المنذري والبرزالي والرشيد الآمدي والعلم عبد الحق بن الرصاص والشرف عبد الملك بن نصر الفهري اللغوي والمجد علي بن وهب القشيري المالكي وإسحاق بن بلكويه الصوفي والحسن بن عثمان القابسي محتسب الثغر والجمال محمد بن سليمان الواري ومحمد بن مرتضى بن حاتم والشهاب القوصي والقاضي الشرف أبو حفص السبكي والنجيب أحمد بن محمد السفاقسي ومحمد بن عبد الخالق بن طرخان والمحيي عبد الرحيم بن الدميري وآخرون. ذكره الحافظ المنذري فقال: كان {{رحمه}} جامعًا لفنون من العلم حتى قال بعض الفضلاء لما مر به على السرير ليدفن: رحمك الله يا أبا الحسن، قد كنت أسقطت عن الناس فروضًا. قال: وتوفي في مستهل شعبان سنة إحدى عشرة وستمائة ودفن بسفح المقطم.

'''وفيها مات''' مسند الأندلس أبو القاسم أحمد بن محمد بن أبي المطرف بن جرج الفرضي عن اثنين وسبعين عامًا، عنده سنن النسائي بكماله سماعًا من البطروجي، وشيخ الحنابلة في زمانه ببغداد أبو بكر محمد بن معالي بن غنيمة بن الحلاوي عن ثمانين سنة وله سماع من الكروجي ونحوه.

أخبرنا العدل المعمر أبو المحاسن يوسف بن حسن بن القابسي أنا علي بن المفضل الحافظ إجازة وأبو القاسم الصفراوي سماعًا قالا: أنا أبو طاهر السلفي أنا أبو عبد الله الثقفي ثنا محمد بن الفضل بمكة ثنا عبد الله بن جعفر بن محمد بمصر ثنا يحيى بن أيوب العلاف ثنا يحيى بن بكير حدثني الليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن أيوب بن موسى أن عبد الله بن عبيد بن عمير أخبره أن ثابتًا البناني أخبره أن أنس بن مالك قال: إن رسول الله {{صلل}} قال: "لبيك بحجة وعمرة معًا". هذا حديث غريب جدًّا من حديث هؤلاء بعضهم عن بعض، وقع لي عاليًا جدًّا في كتاب أحمد بن سلامة عن أحمد بن محمد التيمي: أنا أبو علي المقرئ أنا أبو نعيم الحافظ نا أبو بكر بن خلاد نا محمد بن الفرج نا عبد الله بن بكر السهمي نا حميد عن أنس أن النبي {{صلل}} قال: "لبيك بحجة وعمرة".

1120- 24/17

===ربيعة بن الحسن بن علي===

الحافظ المحدث الرحال اللغوي، أبو نزار الحضرمي الصنعاني الذماري الشافعي.

ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة وتفقه باليمن وركب البحر إلى جزيرة كيش فسمع بأصبهان وهمذان وبغداد وأتقن الفقه بأصبهان، وسمع القاسم بن الفضل الصيدلاني وأبا الفضل محمد بن سهل المقرئ ورجاء بن حامد المعداني وعبد الله بن علي الطامذي وإسماعيل بن شهريار وعبد الجبار بن الصالحاني ومعمر بن الفاخر وأبا مسعود وعبد الرحيم الحاجي وعدة، وأخذ ببغداد عن ابن الخشاب وشهدة، وبالثغر عن أبي طاهر السلفي، وبدمشق ومصر والحرمين وكتب الكثير.

روى عنه الزكيان البرزالي والمنذري والضياء المقدسي وابن خليل الأدمي والتقي اليلداني والشهاب القوصي ومحمد بن النشبي وخلق، قال المنذري: كتبت عنه قطعة صالحة وكانت أصوله أكثرها باليمن، وهو أحد من لقيته ممن يفهم هذا الشأن، وكان عارفًا باللغة معرفة حسنة، كثير التلاوة والتعبد والانفراد. وقال عمر بن الحاجب فيما قرأت بخطه: كان ربيعة إمامًا عالمًا حافظًا ثقة أديبًا شاعرًا حسن الخط ذا دين وورع، ولد بشبام من قرى حضرموت. قال القوصي في معجمه: أنشدنا أبو نزار لنفسه:

ببيت لهيا بساتين مزخرفة كأنها سرقت من دار رضوان

أجرت جداولها ذوب اللجين على حصى من الدر مخلوط بعقيان

والطير تهتف وفي الأغصان صادحة كضاربات مزامير وعيدان

وبعد هذا لسان الحال قائلة ما أطيب العيش في أمن وإيمان

مات في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة تسع وستمائة.

أخبرنا أحمد بن سلامة عن الحافظ أبي نزار إجازة بمروياته. وأخبرنا إسحاق الوزيري ثنا أبو محمد المنذري أنا أبو نزار الصنعاني أنا رجاء بن حامد بأصبهان ثنا سليمان بن إبراهيم أبو مسعود وعبد الرزاق بن عبد الكريم قالا: أنا محمد بن إببراهيم بن جعفر ثنا محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا سليمان بن بلال ثنا يحيى بن سعيد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي {{صلل}} كان على جبل حراء فتحرك فقال: "اسكن حراء، فما عليك إلا نبيّ أو صديق أو شهيد". وكان عليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص، {{عنهم}}. وفي هذه السنة معه توفي جماعة ذكروا مع ابن عات.

1121- 25/17

===التجيبي===

الحافظ الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن سليمان المرسي، محدث تلمسان.

أخذ القراءات عن أبي أحمد بن معطي وأبي الحجاج الثغري وأبي عبد الله بن الفرس وسمع منهم ومن أبي محمد بن عبيد الله، ورحل وحج وأطال الغيبة فأكثر عن السلفي والناس، وذكر أن السلفي دعا له بطول العمر وقال له: تكون محدث المغرب إن شاء الله؛ وقد سمع بمكة من علي بن حميد الطرابلسي، وببجاية من الحافظ عبد الحق؛ وأخذوا عنه بسبتة في حياة شيوخه سنة أربع وسبعين، ثم استوطن تلمسان وخرج وصنف وعمل معجم شيوخه في مجلد ورحل إليه المحدثون.

قال الأبار في تاريخه: كان عدلًا خيرًا حافظًا للحديث ضابطًا، وغيره أضبط منه، روى عنه أكابر أصحابنا وبعض شيوخنا لعلو سنده وعدالته، وأجاز لي من مروياته. ألف أربعين حديثًا في المواعظ، وأربعين حديثًا في القضاء وفضله، وأربعين حديثًا في الحب لله، وأربعين في الصلاة على رسول الله، {{صلل}}، وأشياء سوى ذلك.

مات في جمادى الأولى سنة عشر وستمائة عن سبعين سنة.

قلت: '''وفيها توفي''' تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن ابن عساكر والد العز النسابة عن ثمان وستين سنة وقد خرج لنفسه مشيخة حسنة، وشيخ الأندلس خطيب قرطبة أبو جعفر يحيى بن الحميري واسمه أحمد بن إبراهيم، لقي الكبار ونيف على الثمانين، وشيخ الحنابلة الفخر إسماعيل بن علي غلام ابن المنى ببغداد، والمعمر أبو عبد الله الحسين بن سعيد بن شنيف الدارقزي عن خمس وثمانين سنة، والمسند عبد الجليل بن أبي غالب بن مندويه الأصبهاني نزيل دمشق، ومسند الموصل مهذب الدين علي بن أحمد بن علي بن هبل الطبيب، والمعمرة عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الثقفية الأصبهانية عن تسعين سنة، والمفيد محدث أصبهان أبو عبد الله محمد بن مكي بن أبي الرجاء الحنبلي.

(تمت الطبقة السابعة عشرة.)
{{هامش}}
{{هامش}}
{{تذكرة الحفاظ}}
{{تذكرة الحفاظ}}

نسخة 15:41، 25 مايو 2009



الطبقة السادسة عشرة

من كبار الحفاظ، والجملة خمس عشرة نفسًا:

1079- 1/16

محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر

الحافظ الإمام محدث العراق أبو الفضل السلامي.

توفي أبوه شابا وهذا صغير فكفله جده لأمه الفقيه أبو حكيم الخبري وأسمعه الحديث وأحفظه الختمة، مولده في سنة سبع وستين وأربعمائة، وسمع من أبي القاسم علي بن البسري وأبي طاهر بن أبي الصقر وعاصم بن الحسن ومالك البانياسي وأبي الغنائم بن أبي عثمان ورزق الله التميمي وطراد الزينبي وأبي عبد الله النعالي وابن البطر فمن بعدهم إلى أن ينزل إلى أصحاب الجوهري وابن المهتدي بالله، وعني بهذا الفن وبالغ في الطلب بعد أن برع في اللغة وحصل الفقه والنحو.

قال بن الجوزي: كان ثقة حافظًا ضابطًا من أهل السنة لا مغمز فيه تولى تسميعي وسمعت بقراءته مسند أحمد والكتب الكبار، وعنه أخذت علم الحديث وكان كثير الذكر سريع الدمعة. قال السمعاني: كان يحب أن يقع في الناس فردّ بن الجوزي على السمعاني وقبح قوله وقال: صاحب الحديث يجرح ويعدل أفلا يفرق بين الجرح والغيبة؟ ثم هو قد احتج بكلامه في كثير من التراجم في التاريخ. ثم أخذ بن الجوزي يحط على أبي سعد وينسبه إلى التعصب البارد على الحنابلة، وليس الأمر كذلك، ولا ريب أن بن ناصر متعصب في الحط على بعض الشيوخ فدع الانتصار، فأبو سعد أعلم بالتاريخ وأحفظ منك ومن شيخك، وقد قال في بن ناصر: إنه ثقة حافظ دين متقن ثبت لغوى عارف بالمتون والأسانيد كثير الصلاة والتلاوة غير أنه يحب أن يقع في الناس وهو صحيح القراءة والنقل. وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين من أبي طاهر الأنباري. قال بن النجار: كانت له إجازات قديمة من جماعة كابن النقور وابن هزارمرد الصريفيني والحافظ بن ماكولا وغيرهم أخذها له بن ماكولا في رحلته.

قرأت بخط الحافظ الضياء: أجاز لابن ناصر، أبو القاسم علي بن عبد الرحمن بن عليك في سنة ثمان وستين وأربعمائة، وأبو صالح المؤذن وفاطمة بنت الدقاق والفضل بن المحب، وسرد جماعة. قال بن النجار: كان ثقة ثبتًا حسن الطريقة متدينًا فقيرًا متعففًا نظيفًا نزهًا، وقف كتبه وخلف ثيابًا خليعة وثلاثة دنانير، ولم يعقب، سمعت بن سكينة وابن الأخضر وغيرهما يكثرون الثناء عليه ويصفونه بالحفظ والإتقان والديانة والمحافظة على السنن والنوافل، وسمعت جماعة من شيوخي يذكرون أن بن ناصر وابن الجواليقي كانا يقرآن الأدب على أبي زكريا التبريزي ويطلبان الحديث فكان الناس يقولون: يخرج بن ناصر لغوي بغداد، وابن الجواليقي محدثها، فانعكس الأمر وانقلب. قلت: قد كان بن ناصر أيضًا رأسًا في اللغة. قال: وسمعت بن سكينة يقول: قلت لابن ناصر: أريد أن أقرأ عليك ديوان المتنبي وشرحه لأبي زكريا، فقال: إنك دائمًا تقرأ علي الحديث مجانًا وهذا شعر ونحن نحتاج إلى نفقة. فأعطاني أبي خمسة دنانير فدفعتها إليه وقرأت عليه الكتاب.

وقال السلفي: سمع بن ناصر معنا كثيرًا وهو شافعي أشعري، ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع ومات عليه، وله جودة حفظ وإتقان وحسن معرفة وهو ثبت إمام. وقال أبو موسى المديني: هو مقدم أصحاب الحديث في وقته ببغداد. بن النجار: قرأت بخط بن ناصر وأخبرنيه يحيى بن الحسين عنه سماعًا قال: بقيت سنين لا أدخل مسجد أبي منصور الخياط واشتغلت بالأدب على التبريزي فجئت يومًا لأقرأ الحديث فقال: يا بني تركت قراءة القرآن واشتغلت بغيره عُدْ واقرأ عليّ ليكون لك إسناد؛ فعدت عليه في سنة اثنتين وتسعين ولبثت أقول كثيرًا: اللهم بين لي أي المذاهب خير؛ وكنت مرارًا قد مضيت إلى القيرواني المتكلم في كتاب التمهيد للباقلاني وكأن من يردني عن ذلك فرأيت في المنام كأني قد دخلت المسجد إلى أبي منصور وبجنبه رجل عليه ثياب بيض ورداء على عمامته يشبه الثياب الريقية دُري اللون عليه نور وبهاء فسلمت عليه وجلست بين يديهما، ووقع في نفسي للرجل هيبة وإنه رسول الله فلما جلست التفت إليَّ وقال لي: عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ، ثلاث مرات، فانتبهت مرعوبًا وجسمي يرجف فقصصت ذلك على والدتي وبكرت إلى الشيخ لأقرأ عليه فقصصت عليه الرؤيا فقال: يا ولدي ما مذهب الشافعي إلا حسن ولا أقول لك اتركه، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشعري؛ فقلت: ما أريد أن أكون نصفين، وأنا أشهدك وأشهد الجماعة أنني اليوم على مذهب أحمد بن حنبل في الأصول والفروع؛ فقال لي: وفقك الله؛ ثم أخذت في سماع كتب أحمد ومسائله والتفقه على مذهبه، وذلك في رمضان سنة ثلاث وتسعين.

قلت: روى عنه السلفي وابن عساكر وأبو موسى والسمعاني وابن الجوزي وابن سكينة وابن الأخضر وعبد الرزاق ويحيى بن الربيع الفقيه والكندي ومحمد بن البناء الصوفي ومحمد بن غنيمة الفقيه وداود بن ملاعب وعبد العزيز بن أحمد الناقد وموسى بن عبد القادر وأحمد بن ظفر بن هبيرة وأحمد بن صرما وأبو منصور بن عفيجة والحسن بن الأمير السيد وخلائق؛ وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن بن المقير؛ ومما تخبط فيه بن مسدي المجاور أنه قرأ على بن المقير عن بن ناصر قال: أنبأنا أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد المليحي، فذكر من الجعديات. والمليحي فقد مات قبل مولد بن ناصر بأربع سنين.

توفي بن ناصر في ثاني عشر شعبان سنة خمسين وخمسمائة. وقال بن الجوزي: حدثني الفقيه أبو بكر بن الحضرمي قال: رأيت بن ناصر فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وقال: قد غفرت لعشرة من أصحاب الحديث في زمانك؛ لأنك رئيسهم وسيدهم.

قلت: وفي سنة خمسين مات أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن العصائدي بنيسابور في عشر التسعين، والمعمر الخطيب أبو الحسن علي بن محمد المشكاني راوي التاريخ الصغير للبخاري، والمسند أبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب ببغداد، ومقرئ العراق أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري مصنف "المصباح" ومفتى خراسان الفقيه محمد بن يحيى صاحب الغزالي بل قبلها، وقاضي مصر أبو المعالي محمد بن جميع القرشي الشافعي مصنف كتاب "الذخائر" في المذهب، والواعظ أبو زكريا يحيى بن إبراهيم السلماسي بها.

أخبرتنا زينب بنت عمر ببعلبك عن أحمد بن ظفر أنا محمد بن ناصر الحافظ أنا محمد بن أحمد بن أبي الصقر سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة أنا الحسين بن ميمون الصدفي بمصر أنا محمد بن عبد الله النيسابوري ثنا أحمد بن شعيب الحافظ ثنا قتيبة ثنا الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة". 1

1080- 2/16

البطروجي

العلامة الحافظ الثقة أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الباري الأندلسي.

حمل عن أبي علي الغساني ومحمد بن فرج الطلاعي وأبي الحسن القيسي وخازم بن محمد وخلف بن إبراهيم المقرئ وابن النخاس وطبقتهم، وتفنن في العلوم، روى عنه خلف بن بشكوال وأبو محمد بن عبيد الله الحجري وأبو الحسن محمد بن عبد العزيز الشقوري ومحمد بن إبراهيم بن الفخار ويحيى بن محمد الفهري وآخرون.

قال ابن بشكوال: كان من أهل الحفظ للحديث والفقه والرجال والتواريخ مقدمًا في ذلك على أهل عصره وقال غيره: له مصنفات مشهورة وكان عارفًا بالرجال وتراجمهم، وكان إذا سئل عن شيء فكأنما الجواب على طرف لسانه يورد المسألة بنصها لقوة حافظته، لم يكن في الأندلسيين في وقته مثله لكنه كان نزر العربية خاملا لخفة فيه.

قال ابن بشكوال: مات لثلاث بقين من المحرم سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.

قلت: مات فيها الفقيه أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن علي الآبنوسي الشافعي الوكيل ببغداد وله تصانيف وعلو إسناد، والمسند أبو بكر أحمد بن علي بن الأشقر البغدادي الدلال، وشيخ القراء بالعراق أبو محمد دعوان بن علي بن حماد الجبي الضرير، والعلامة أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي المفسر، والمسند أبو القاسم علي ابن الإمام أبي نصر عبد السيد بن محمد بن الصباغ البغدادي، ومحدث بغداد أبو حفص عمر بن ظفر المغازلي الملقن عن إحدى وثمانين سنة، والمسند أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حسن الطرائفي في عشر المائة، ومحدث واسط القاضي أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن محمد بن الطيب بن الجلابي، ومفيد بغداد أبو البقاء محمد بن محمد بن معمر بن طبرزذ، ومسند الشام العلامة أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي عن أربع وتسعين سنة ومحدث همذان أبو بكر هبة الله بن الفرج ابن أخي الطويل، ونحوي بغداد الشريف أبو السعادات هبة الله بن علي بن الشجري العلوي.

1081- 3/16

ابن العربي

العلامة الحافظ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي.

ولد سنة ثمان وستين وأربعمائة، ورحل مع أبيه إلى المشرق، وسمع أبا عبد الله بن طلحة النعالي وطراد بن محمد الزينبي ونصر بن البطر وطبقتهم ببغداد، وأبا الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبا الفضل بن الفرات وطبقتهما بدمشق، وخاله الحسن بن عمر الهوزني وطائفة بالأندلس، والقاضي أبا الحسن الخلعي ومحمد بن عبد الله بن أبي داود الفارسي وعدة بمصر، والحافظ مكي بن عبد السلام الرميلي ببيت المقدس؛ وتخرج بالإمام أبي حامد الغزالي والعلامة أبي زكريا التبريزي والفقيه أبي بكر الشاشي، وجمع وصنف وبرع في الأدب والبلاغة وبعد صيته.

روى عنه عبد الخالق بن أحمد اليوسفي وابن صابر الدمشقي وأخوه وأحمد بن خلف الإشبيلي القاضي والحسن بن علي القرطبي وأبو بكر محمد بن عبد الله ابن الجد الفهري ومحمد بن إبراهيم بن الفخار ومحمد بن يوسف بن سعادة ومحمد بن علي الكتامي ومحمد بن جابر الثعلبي ونخبة بن يحيى الرعيني والحافظ أبو القاسم السهيلي وعبد المنعم بن يحيى بن الحلوف الغرناطي وعلي بن أحمد بن لبال الشريشي وخلق كثير، وآخر من روى عنه بالإجازة في سنة ست عشرة وستمائة أبو الحسن علي بن أحمد الشقوري وأحمد بن عمر الخزرجي التاجر، وقد سمع بمكة من أبي عبد الله الحسين الطبري وأدخل الأندلس علمًا شريفًا وإسنادًا منيفًا، وكان متبحرًا في العلم ثاقب الذهن عذب العبارة موطأ الأكناف كريم الشمائل كثير الأموال، ولي قضاء إشبيلية فحمد وأجاد السياسة وكان ذا شدة وسطوة ثم عزل فأقبل على التصنيف ونشر العلم، أثنى عليه ابن بشكوال بأكثر من هذا وقال: أخبرني أنه رحل إلى المشرق سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وسمعت بإشبيلية منه وقرطبة كثيرًا.

وقال غيره: كان أبوه من علماء الوزراء فصيحًا مفوهًا شاعرًا ماهرًا اتفق موته بمصر في أول سنة ثلاث وتسعين فرجع ولده أبو بكر إلى الأندلس وكان أبو بكر أحد من بلغ رتبة الاجتهاد فيما قيل. قال ابن النجار: حدث ببغداد بيسير، وصنف في الحديث والفقه والأصول وعلوم القرآن والأدب والنحو والتواريخ، واتسع حاله وكثر إفضاله ومدحته الشعراء وعلى إشبيلية سور أنشأه من ماله.

وذكره أبو يحيى أليسع بن حزم وبالغ في تعظيمه وتقريظه قال: فولي القضاء فمحن، وجرى في إعراض الإمارة فلحق وأصبح تتحرك بآثاره الألسنة، ويأتي بما أجراه القدر عليه النوم والسنة، وما أراد إلا خيرًا نصب الشيطان عليه شباكه وسكن الإدبار حراكه، فأبداه للناس صورة تذم وسوءة تبلى لكونه تعلق بأذيال الملك ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السلاطين وحربهم بل داهن، ثم انتقل إلى قرطبة معظمًا مكرمًا حتى حول إلى العدوة فقضى نحبه.

قرأت بخط ابن مسدي في معجمه: أنا أحمد بن محمد بن مفرج البناني سمعت الحافظ ابن الجد وغيره يقولون: حضر فقهاء إشبيلية أبو بكر بن المرجي وفلان وفلان حضر معهم ابن العربي فتذاكروا حديث المغفر فقال ابن المرجي: لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري؛ فقال ابن العربي: قد رويته من ثلاث عشرة طريقًا غير طريق مالك؛ فقالوا: أفدنا هذا؛ فوعدهم ولم يخرج لهم شيئًا وفي ذلك يقول خلف بن حبر الأديب:

يا أهل حمص ومن بها أوصيكم بالبر والتقوى وصية مشفق

فخذوا عن العربي أسمار الدجى وخذوا الرواية عن إمام متقي

إن الفتى حلو الكلام مهذب إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق

قلت: هذه حكاية ساذجة لا تدل على جرح صحيح، ولعل القاضي وهم وسرى فكره إلى حديث فظنه هذا والشعراء يخلقون الإفك.

قال ابن بشكوال: توفي ابن العربي بالعدوة بفاس في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. وفيها أرخه الحافظ ابن المفضل والقاضي ابن خلكان، وفي تاريخ ابن النجار في نسخة نقلت منها: سنة ست وأربعين؛ والأول الصحيح.

وفي سنة ثلاث مات المعمر أبو تمام أحمد بن أبي العز محمد بن المختار ابن المؤيد بالله العباسي التاجر السفار المعروف بابن الخص بنيسابور وهو راوي "صفة المنافق" بتلك الديار، والفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقي، والمحدث الرحال أبو علي الحسن بن مسعود ابن الوزير الدمشقي كهلا بمرو، والمسند أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان الدمشقي، وقاضي القضاة الأكمل أبو القاسم علي بن نور الهدى أبي طالب الحسين بن محمد الزينبي الهاشمي، وأبو غالب محمد بن علي ابن الداية صاحب ابن المسلمة، ومفيد بغداد المكثر الجماعة أبو بكر المبارك بن كامل بن أبي غالب الظفري الخفاف عن ثلاث وخمسين سنة، والمسند أبو الدر ياقوت الرومي السفار الراوي عن الصريفيني، والزاهد الشهيد أبو الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي المالكي المقبور بمقبرة باب الصغير.

أخبرنا محمد بن جابر أنا أبو العباس أحمد بن الغماز بقراءتي أنا أبو الربيع بن سالم الحافظ أنا عبد الرحمن بن محمد بن خنيس ثنا الحافظ أبو بكر محمد بن العربي أنا طراد بن محمد ثنا هلال بن محمد ثنا الحسين بن يحيى ثنا أبو الأشعث ثنا بشر بن المفضل ثنا شعبة عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر عن النبي قال: "من جر ثوبًا من ثيابه من مخيلة، فإن الله لا ينظر إليه". وأخبرناه عاليًا إسماعيل بن عبد الرحمن أنا أبو محمد بن قدامة أنا خطيب الموصل وشهدة وتجني الوهبانية قالوا: أنا طراد.

1082- 4/16

السلفي

الحافظ العلامة شيخ الإسلام أبو طاهر عماد الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواآني.

وجرواآن من محال أصبهان، وسلفة لقب لجده أحمد، ومعناه الغليظ الشفة، كان أبو طاهر لا يحرر عام مولده، وقد قال: كتبوا عني بأصبهان في أول سنة اثنتين وتسعين وأنا ابن سبع عشرة سنة أو نحوها، ليس في وجهي شعرة. وقال أيضًا: أذكر قتل نظام الملك في سنة خمس وثمانين وكنت ابن عشر.

قلت: أول سماعه في سنة ثمانين، سمع الرئيس القاسم بن الفضل الثقفي عبد الرحمن بن محمد بن يوسف القصري وسعيد بن محمد الجوهري ومكي بن منصور السلار ومحمد بن محمد بن عبد الوهاب المديني وأبا مطيع الصحاف وأبا العباس بن أشتة وخلائق بأصبهان، ورحل إلى بغداد سنة ثلاث وتسعين فسمع من نصر بن البطر، وفرح بلقيه، ومن أبي بكر الطوسي والحسين بن علي بن البسري وطبقتهم، وبالكوفة من أبي البقاء الحبال، وبمكة من الحسين بن علي الطبري، وبالمدينة أبا الفرج القزويني، وبالبصرة من محمد بن جعفر العسكري، وبزنجان من أبي بكر أحمد بن محمد بن زنجويه، وبهمذان من أبي غالب أحمد بن محمد العدل، وبالري من صاحب البحر أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الشافعي، وبقزوين من إسماعيل بن عبد الجبار المالكي، وبمراغة من سعد بن علي المصري، وبدمشق من أبي طاهر الحنائي، وبنهاوند من أبي منصور محمد بن عبد الرحمن بن غزو، وبأبهر من أبي سعيد عبد الرحمن بن ملكان الشافعي، وبواسط من أبي نعيم بن زيزب، وبسلماس من محمد بن سعادة الهلالي، وبالحلة من محمد بن الحسن بن فدويه الكوفي، وبشهرستان من أبي الفتح أحمد بن محمد بن رشيد الأدمي، وبالإسكندرية من أبي القاسم بن الفحام الصقلي؛ وبقي في الرحلة بضع عشرة سنة، وسمع ما لا يوصف كثرة، ونسخ بخطه الصحيح السريع وهو في غضون ذلك يقرأ القرآن والفقه والعربية وغير ذلك وكان متقنًا متثبتًا دينًا خيرًا حافظًا ناقدًا مجموع الفضائل انتهى إليه علو الإسناد.

وروى الحفاظ عنه في حياته؛ وله ثلاثة معاجم؛ معجم لمشيخة أصبهان في مجلد يكونون أزيد من ستمائة شيخ، ومعجم لمشيخة بغداد وهو كبير، ومعجم لباقي البلاد سماه معجم السفر؛ ركب من بلد صور في البحر إلى الإسكندرية في سنة إحدى عشرة فاستوطنها خمسًا وستين سنة إلى أن مات ما خرج منها سوى خرجته إلى القاهرة للسماع من أبي الصادق مرشد بن يحيى المديني وطبقته.

سمع منه أبو علي البرداني الحافظ والكبار، وحدث عنه الحافظ محمد بن طاهر ومات قبله بستين عامًا والمحدث سعد الخير الأندلسي وأبو العز محمد بن علي المُلقاباذي والضياء بن هبة الله ابن عساكر ويحيى بن سعدون القُرطُبي وخلق مثلهم ممن مات قبله، وقد روى عنه القاضي عياض بالإجازة ومات قبله بدهر؛ وممن روى عنه الحافظ عبد الغني المقدسي وعلي بن المفضل وربيعة اليمني وعبد القادر الرهاوي؛ والشيوخ، ابن راحج المقدسي وعبد القوي بن الجباب وعبد الغافر المحلي والفخر الفارسي والحسن بن أحمد الأوقي ومحمد بن عماد ومرتضى بن حاتم وأبو القاسم الصفراوي وأبو الفضل الهمذاني وعبد الرحيم بن الطفيل ويوسف بن المخيلي ومنصور بن الدماغ والعلم بن الصابوني وعبد الوهاب بن رواح ويوسف الساوي وأبو الحسين بن الجميزي وأبو القاسم بن رواحة وأبو القاسم عبد الرحمن بن مكي سبط السلفي وخلائق، وأبو بكر محمد بن السفاقسي وعاش في حضور....... المسلسل بالأولية إلى سنة أربع وخمسين، وبقي بعدهم طائفة كعثمان ابن خطيب القرافة وغير واحد بالإجازة.

قال الأوقي: سمعته يقول: لي ستون سنة ما رأيت منارة الإسكندرية إلا من هذه الطاقة.

قال ابن المفضل: عدة شيوخ الحافظ بأصبهان فوق الستمائة شيخ، وخرج إلى بغداد وله عشرون سنة أو أقل أو أكثر فمشيخته في بغداد في خمسة وثلاثين جزءًا؛ قال: وله تصانيف كثيرة، وكان ينظم الشعر ويثيب من يمدحه، إلى أن قال: ولقي في القراءات ابن سوار وأبا منصور الخياط وأبا الخطاب بن الجراح، سمعته يقول: متى لم يكن الأصل بخطي لم أفرح به.

وكان جيد الضبط كثير البحث عما يشكل، وكان أوحد زمانه في علم الحديث وأعرفهم بقوانين الرواية والتحديث، جمع بين علو الإسناد وعلو الانتقاد وبذلك تفرد عن أبناء جنسه؛ قال السمعاني في الذيل: أبو طاهر ثقة ورع متقن ثبت فهم حافظ له حظ من العربية كثير الحديث حسن البصيرة فيه.

أنبأنا جماعة عمن سمع أبا سعيد عبد الكريم بن محمد الحافظ ثنا أبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الحافظ، سمعت محمد بن طاهر المقدسي، سمعت أبا طاهر الأصبهاني وكان من أهل الصنعة يقول: كان أبو حازم العبدوي إذا روى عن أبي سعد الماليني يقول: ثنا أحمد بن حفص الحدثي، هذا أو نحوه.

قال أبو سعد: وقد صحب السلفي والدي ببغداد مدة ثم ركب من صور في البحر إلى مصر وأجاز لي. وعن ابن ناصر قال: كان السلفي ببغداد كأنه شعلة نار في التحصيل. قال عبد القاهر الرهاوي: كان له عند ملوك مصر الجاه والقوة والكلمة النافذة مع مخالفته لهم في المذهب، وكان لا يبدو منه جفوة لأحد ويجلس للحديث ولا يشرب ماء ولا يبزق ولا يتورك ولا يبدو له قدم وقد جاوز المائة، بلغني أن سلطان مصر حضر عنده ليسمع فشرع يتحدث مع أخيه فزبرهما وقال: أيش هذا؟ نقرأ الحديث وأنتما تتحدثان. وبلغني أنه مدة مقامه بالإسكندرية ما خرج إلى فرجة إلا مرة واحدة، وما تكاد تدخل إلا تراه مطالعًا في شيء وكان حليمًا.

ولما دخل الثغر رآه الفضلاء والكبراء فاستحسنوا علمه وأخلاقه وآدابه فأكرموه وخدموه. وحدثني بعض رفقائي عن ابن شافع قال: السلفي شيخ العلماء. وسمعت بعض فضلاء همذان يقول: السلفي أحفظ الحفاظ. قال ابن عساكر: سمعت بقراءة السلفي من جماعة ولم أظفر بالسماع منه.

تزوج في الإسكندرية امرأة ذات بستان وحصلت له ثروة بعد فقر وتصوف وصارت له بالثغر وجاهة وبنى له العادل علي بن إسحاق بن السلار أمير مصر مدرسة ووقف عليها. قال عبد القادر: كان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر أزال من جواره منكرات كثيرة، رأيته منع القراء بالألحان وقال: هذه القراءة بدعة، اقرءوا ترتيلا، فقرءوا.

نقلت من خط الحافظ عبد الغني نقل خطوط المشايخ للسلفي بالقراءات وأنه قرأ بحرف عاصم على أبي سعد المطرز، وقرأ لحمزة والكسائي على أبي محمد بن أبي نصر القصار، وقرأ لقالون على نصر بن محمد الشيرازي، ولقنبل على عبد الله بن أحمد الخرقي، وقد قرأ عليهم في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وبعدها. وقال ابن نقطة: كان السلفي جوالا في الآفاق حافظًا ثقة متقنًا أحضروا له نسخة سعد الخير بالمجتبى للنسائي ليرويه فاجتذبها من يد القارئ بغيظ وقال: لا أحدث إلا من أصلي.

قال ابن المفضل: حفظت أسماء وكنى ثم ذاكرت السلفي فجعل يذكرها حفظًا، وقال: ما هذا مليح، أنا شيخ كبير في هذه البلدة لا يذاكرني أحد وحفظي هكذا. قال العماد في الخريدة: طوف السلفي بلادًا وشدت إليه الرحال وتبرك به الملوك والأقيال وله شعر ورسائل ومصنفات.

قال الحافظ عبد العظيم: كان السلفي مغرى بجمع الكتب وما حصل له من المال يخرجه في ثمنها، كان عنده خزائن كتب لا يتفرغ للنظر فيها فعفنت وتلصقت لنداوة البلد فكانوا يخلصونها بالفأس فتلف أكثرها. ومما شوهد بخطه: مولدي سنة اثنتين وسبعين تخمينًا لا يقينًا. قال حماد بن هبة الله: سمعت السلفي يقول: دخلت بغداد في شوال سنة ثلاث وتسعين، فساعة دخولي لم يكن لي هم إلا ابن البطر فذهبت إليه وكان شيخًا عسرًا فقلت: قد جئت من أصبهان لأجلك، فقال: اقرأ، وجعل الراء غينًا، فقرأت عليه وأنا متكئ من دماميل، فقال: أبصر ذا الكلب، فاعتذرت بالدماميل وبكيت من قوله وقرأت سبعة عشر حديثًا وخرجت ثم قرأت عليه نحوًا من خمسة وعشرين جزءًا، ولم يكن بذاك.

أخبرنا ابن علان إجازة عن القاسم بن علي ابن عساكر أنا أبي أنشدنا أبو سعد السمعاني بدمشق أنشدنا أبو العز محمد بن علي أنشدنا أبو طاهر أحمد بن محمد الحافظ لنفسه بميافارقين:

إن علم الحديث علم رجال تركوا الابتداع للاتباع

فإذا جن ليلهم كتبوه وإذا أصبحوا غدوا للسماع أنشدنا بعلو أبو الحسين اليونيني أنا جعفر بن علي أنشدنا السلفي، فذكرهما. قال الوجيه عيسى بن عبد العزيز اللخمي: توفي السلفي صبيحة الجمعة خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة وله مائة وست سنين وحدث ليلة موته، وهو يرد اللحن الخفي على القارئ وصلى الصبح ومات فجأة. قلت: لم يبلغ مائة وست سنين بل مائة وسنتين أو نحو ذلك مع الجزم بأنه كمل المائة.

قال ابن خلكان القاضي: كانت ولادته سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة تقريبًا.

ومات معه في العام الشريف أبو المفاخر سعيد بن الحسين الهاشمي العباسي المامرني النيسابوري راوي صحيح مسلم بمصر، والمسند أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن صابر الأزدي الدمشقي بها، والمسند أبو الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن أبي العجائز الأزدي بدمشق، والعلامة حجة العرب أبو الحسن علي بن عبد الرحيم بن الحسين العصار السلمي ببغداد وآخرون.

أخبرنا علي بن محمد الحافظ أنا أحمد بن محمد البصري أنا أحمد بن محمد الحافظ أنا القاسم بن الفضل أنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد القاضي إملاء أنا عبد الله بن جعفر بن أحمد ثنا أحمد بن عصام ثنا أبو عامر العقدي ثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله، : "طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية". أخرجه مسلم من حديث الثوري.

1083- 5/16

عياض

بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض القاضي العلامة عالم المغرب، أبو الفضل اليحصبي السبتي الحافظ: مولده بسبتة في سنة ست وسبعين وأربعمائة وأصله أندلسي، تحول جده إلى فاس ثم سكن سبتة، أجازه القاضي الحافظ أبو علي الغساني، وكان يمكنه السماع منه وهو ابن عشرين سنة وإنما دخل القاضي إلى الأندلس بعد موته فأخذ عن محمد بن حمدين وأبي علي بن سكرة وأبي الحسين بن سراج وأبي محمد بن عتاب وهشام بن أحمد وأبي بحر بن العاص وخلق وتفقه بأبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي والقاضي أبي عبد الله محمد بن عبد الله المسيلي، وصنف التصانيف التي سارت بها الركبان واشتهر اسمه وبعد صيته.

قال ابن بشكوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم استقضى بسبتة مدة طويلة حمدت سيرته فيها ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة فلم تطل مدته فيها وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه.

قال الفقيه محمد بن حمادة السبتي: جلس القاضي للمناظرة وله نحو من ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة، فسار بأحسن سيرة، كان هينًا من غير ضعف صليبًا في الحق، تفقه على أبي عبد الله التميمي وصحب أبا إسحاق بن جعفر الفقيه ولم يكن أحد بسبتة في عصره أكثر تواليف منه.

وله كتاب "الشفاء في شرف المصطفى" وكتاب "ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك" وكتاب "العقيدة" وكتاب "شرح حديث أم زرع" وكتاب "جامع التاريخ" الذي أربى على جميع المؤلفات جمع فيه أخبار ملوك الأندلس والمغرب واستوعب فيه أخبار سبتة وعلماءها، وله كتاب "مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار" من الموطأ والصحيحين، إلى أن قال: وحاز من الرياسة في بلده ومن الرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعًا وخشية لله، وله من المؤلفات الصغار أشياء لم نذكرها.

قال القاضي شمس الدين بن خلكان: هو إمام الحديث في وقته وأعرف الناس بعلومه وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، قال: ومن تصانيفه كتاب "الإكمال في شرح مسلم" كمل به كتاب "المعلم" للمازري ومنها كتاب "مشارق الأنوار" في تفسير غرائب الحديث، وكتاب "التنبيهات" فيه فوائد وغرائب، وكل تواليفه بديعة، وله شعر حسن، فمنه ما رواه عنه ابنه قاضي دانية أبو عبد الله محمد بن عياض:

انظر إلى الزرع وخاماته تحكى وقد ماست أمام الرياح

كتيبة خضراء مهزومة شقائق النعمان فيها جراح قلت: روى عنه خلق كثير منهم عبد الله بن محمد الأشيري وأبو جعفر بن القصير الغرناطي وأبو القاسم خلف بن بشكوال وأبو محمد بن عبيد الله الحجري ومحمد بن الحسن الجابري. قال ابن بشكوال: توفي القاضي عياض مغربًا عن وطنه في وسط سنة أربع وأربعين وخمسمائة. قال ولده محمد: توفي في ليلة الجمعة نصف الليلة التاسعة من جمادى الآخرة ودفن بمراكش.

قلت: وفيها مات العلامة أبو جعفر أحمد بن علي بن أبي جعفر البيهقي صاحب التصانيف، وقاضي تُستر القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن حسين الأرجاني شاعر وقته، والمسند أبو المحاسن سعد بن علي بن الموفق الهروي، والإمام أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المرادي القُرطُبي محدث حلب.

أخبرنا القاضي معين الدين علي بن أحمد بن أبي الحسن بالإسكندرية أنا محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري بقراءتي عن عبد الله بن محمد بن عبيد الله الحافظ "ح" وأنا أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد بن عمران الحضرمي أنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الغافقي مرارًا أنا محمد بن عبد الله الأزدي أنا محمد بن الحسن بن عطية الجابري قالا: أنا عياض بن موسى الحافظ قال: ثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي وأبو الوليد هشام بن أحمد الفقيه قالا: ثنا أبو علي الغساني ثنا أبو عمر النمري ثنا ابن عبد المؤمن ثنا أبو بكر التمار ثنا أبو داود ثنا محمد بن سلمة ثنا ابن وهب عن حيوة وابن لهيعة وسعيد بن أبي أيوب عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ؛ فإنه من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة". 2

1084- 6/16

الرشاطي

عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن أحمد الحافظ النسابة أبو محمد اللخمي المري المعروف بالرشاطي.

قال أبو جعفر بن الزبير: روى عن أبي علي الغساني وأبي الحسن ابن أخي الدش وأبي علي الصدفي وابن فتحون وجماعة وألف كتابه الحافل المسمى ب "اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب رواة الآثار" وكتاب "الإعلام لما في المختلف والمؤتلف للدارقطني من الأوهام" وانتصاره من القاضي أبي محمد بن عطية وغير ذلك وكان ضابطًا محدثًا متقنًا إمامًا مفيدًا ذاكرًا للرجال حافظًا للتاريخ والأنساب فقيهًا بارعًا أحد الجلة المشار إليهم، روى عنه أبو محمد عبيد الله وأحمد بن حبر وابن مضا وابن خالد بن رفاعة وأبو محمد عبد الرحيم وأبو بكر بن أبي حمزة، واستشهد عند دخول العدو المرية في جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وكان مولده في سنة ست وأربعمائة، وقال ابن عاف: في سنة خمس وستين وأربعمائة؛ والأول أصح.

1085

الجوزقاني

الحافظ الإمام أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن حسين بن جعفر الهمذاني مصنف كتاب "الأباطيل".

وهو محتوٍ على أحاديث موضوعة وواهية طالعته واستفدت منه مع أوهام فيه، وقد بين بطلان أحاديث واهية بمعارضة أحاديث صحاح لها، سمع عبد الرحمن بن حمد الدوني وهو أكبر شيخ له ويحيى بن أحمد الغضائري ومحمد بن طاهر المقدسي وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن وشيرويه بن شهردار الديلمي وأحمد بن عباد البروجردي وأبا زكريا يحيى بن منده وعبد الملك بن بنجير وحمد بن نصر وطائفة سواهم، ومن صغار شيوخه عبد الخالق بن أحمد اليوسفي، روى هذا الكتاب عنه ابن أخته نجيب بن غانم الطيان فحدث به نجيب في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.

وأما الجوزقاني صاحب الترجمة فلا أعلم متى توفي، ثم رأيته في تاريخ ابن النجاروان بن مشق ضبط وفاته في سادس عشر رجب سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. قال ابن النجار: وجوزقان ناحية من همذان كتب وحصل وصنف عدة كتب في علم الحديث منها كتاب "الموضوعات" أجاد تصنيفه روى لنا عنه عبد الرزاق الجيلي.

1086- 8/16

الفامي

الحافظ أبو النصر عبد الرحمن بن عبد الجبار بن عثمان بن منصور الهروي محدث هراة.

ولد سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة بهراة، وسمع أبا عبد الله محمد بن علي العميري ونجيب بن ميمون الواسطي وأبا عامر محمود بن القاسم الأزدي وشيخ الإسلام أبا إسماعيل الأنصاري وعدة، وفي الرحلة من أبي القاسم بن الحصين وهبة الله بن علي البخاري، ذكره السمعاني في تاريخه فقال: كان ببغداد حسن السيرة جميل الطريقة دمث الأخلاق كثير الصدقة والصلاة دائم الذكر متوددًا متواضعًا، له معرفة بالحديث والأدب يكرم الغرباء ويفيدهم عن الشيخ وكان ثقة مأمونًا كتبت عنه بهراة ونواحيها، مات في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة ست وأربعين وخمسمائة. قلت: لقبه ثقة الدين، وروى عنه الحافظان ابن عساكر والسمعاني وأبو روح عبد المعز الهروي، وله تاريخ صغير.

وفيها مات المسند أبو المعالي أحمد بن محمد بن عثمان المذاري ببغداد سمع أبا علي بن البناء، والمسند الفقيه أبو سعد عمر بن علي بن الحسين المحمودي البلخي صاحب الوخشى، والمسند نوشتكين بن عبد الله الرضواني البغدادي، ومسند خراسان الخطيب أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن أبي القاسم القشيري.

أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء عن عبد المعز بن محمد أنا الحافظ ثقة الدين أبو النضر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي أنا زيد بن الفضل أنا علي بن أبي طالب الخوارزمي أنا أبو علي الرفاء ثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد ثنا سفيان عن الزهري عن أنس أن النبي نهى عن الدباء والمزفت أن ينتبذ فيه.

1087- 9/16

ابن الدباغ

الحافظ أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز بن يوسف بن عمر بن فيرة، وقيل: إبراهيم بدل عمر، اللخمي الأندلسي الأندي محدث مرسية، لا بل محدث الأندلس.

استوعب أخباره ابن الزبير فقال: هو أحد الأئمة المهرة المتقنين في صناعة الحديث وجهابذة النقاد اعتمد أبا علي بن سكرة وأكثر عنه وعن أبي عبد الله أحمد بن محمد الخولاني وابن عتاب وخلف بن إبراهيم بن النحاس وعبد القادر بن محمد الصدفي، واعتمده الناس فيما قيد لإمامته وإتقانه، وعول عليه الجُلة، وكان من آخر أئمة المحدثين بالأندلس وكان سمحًا مؤثرًا على قلة ذات يده، نزه النفس، ولي خطابة مرسية وقتًا ثم ولي قضاء دانية.

قال أبو العطاء وهب بن نذير: هو خاتمة أئمة المحدثين، وله تواليف، أكثر عنه ابن بشكوال وأبو بكر بن أبي جمرة، وقال ابن بشكوال: روى عن أبي علي الصدفي كثيرًا ولازمه طويلا، وأخذ عنه جماعة من شيوخنا وكان من أنبل أصحابنا وأعرفهم بطريقة الحديث وأسماء الرجال وأزمانهم وضعفائهم وثقاتهم وأعمارهم وآثارهم، من أهل العناية الكاملة بتقييد العلم ولقاء الشيوخ، لقي منهم كثيرًا وكتب عنهم، شُوور في الأحكام ببلده ثم خطب به وقتًا، وقال لي: إن مولده سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.

قلت: حدث عنه ابن بشكوال والوزير أبو عبد الملك مروان بن عبد العزيز التجيبي البلنسي وأحمد بن أبي المطرف البلنسي وأحمد بن سلمة اللورقي ومحمد بن أبي الحسن بن هذيل وآخرون. وله جزء لطيف في أسماء الحفاظ، عاش خمسًا وستين سنة رأيت برنامجه وفيه كتب كبار كثيرة من مروياته.

أخبرنا أبو الحسين اليونيني أنا أبو الخطاب عمر بن حسين الكلبي أنا القاضي أبو عبد الملك مروان بن عبد العزيز التجيبي ثنا الحافظ أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز اللخمي قال: الطبقة الأولى من أئمة المحدثين محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. قلت: فبدأ به إلى أن ختم الجزء بأبي طاهر السلفي. توفي ابن الدباغ في سنة ست وأربعين وخمسمائة كالذي قبله، وأعلى شيء عنده الموطأ قرأه على الخولاني في حدود سنة إحدى وخمسمائة بسماعه من عثمان بن أحمد القشطالي صاحب أبي عيسى بن عبد الله الليثي وسمع من ابن سكرة الصحيحين وسنن الدارقطني والموطأ وسنن أبي داود والعلل للدارقطني ومائة جزء من مسند يعقوب السدوسي ومسند البزار في تسعين جزءًا وجامع الترمذي وغير ذلك، الجميع سمعه من أبي علي حتى إنه سمع منه كتاب الغريبين للهروي والسنن للباجي ومعجم ابن قانع ومعظم تاريخ ابن أبي خيثمة، وسمع النسائي من ابن عتاب ومسند أبي بكر بن أبي شيبة سمعه من يونس بن مغيث. فأنبأني أحمد بن سلامة عن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي قال: أنا أبو الوليد بن الدباغ سماعًا لجميع الموطأ بقراءة أبي قال: قرأته على الخولاني بسنده، والكتاب سماع التاج بن أبي جعفر سمعه منه المحدث أبو محمد الحرائري.

1088- 10/16

السبحي

الحافظ الإمام محدث مرو وخطيبها أبو طاهر محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله بن أبي سهل المروزي السبحي.

مولده بقرية سبح الكبيرة في حدود سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وسمع الكثير ورحل وتفقه أولا على العلامة أبي المظفر السمعاني وعبد الرحمن الزاز؛ قال أبو سعد السمعاني: كان إمامًا ورعًا متهجدًا متواضعًا سريع الدمعة، سمع إسماعيل بن محمد الزاهري ومحمد بن علي الشاشي الفقيه وعلي بن أحمد المديني الأخرم ونصر الله بن أحمد الخشنامي والشريف محمد بن عبد السلام الأنصاري وثابت بن بندار البقال وجعفر بن أحمد السراج وأبا البقاء المعمر بن محمد الحبال والحافظ أحمد بن محمد بن أحمد بن مردويه الأصبهاني وأبا سعد المطرز وعبد الرحمن بن أحمد الدوني وطبقتهم بخراسان وبغداد والكوفة والحجاز وأصبهان، وكان رفيق والدي في الرحلة ومن أخص أصحابه نسخ لنفسه ولغيره، وله معرفة بالحديث وهو ثقة دين قانع بما هو فيه كثير التلاوة حج مع والدي وسمعت من لفظه الكثير وكان يلي الخطابة في الجامع الأقدم.

قلت: سمع منه عبد الرحيم بن أبي سعد مع والده "صحيح مسلم" و"النسائي" و"الرقاق" لابن المبارك و"الحلية" لأبي نعيم والأحاديث الألف لشيخه أبي المظفر السمعاني، مات في شوال سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.

وفيها مات شيخ الصوفية بمرو الخطيب أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن بن محمد الكشميهني خاتمة من روى عن أبي الخير محمد بن عمران الروزي صحيح البخاري، وشيخ بغداد القدوة المعمر أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن أحمد بن الطلاية، ومفيد بغداد الإمام أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي عن أربع وثمانين سنة، والمحدث الصادق أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الكروجي الهروي المجاور، والمسند أبو المعالي الفضل ابن المحدث سهل بن بشر الأسفراييني ثم الدمشقي الملقب بالأثير، والمسند أبو طالب محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحيري الكنجرودي النيسابوري الجزباراني عن ست وثمانين سنة، ومسند بغداد أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أبي شريك الحاسب صاحب ابن النقور، وبركة والشام القدة أبو الحسين بن أبي عبد الله بن حمزة الزاهد المقدسي بحلب، والمسند أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل بن مطكود السوسي بدمشق، وشاعر العصر العلامة أبو عبد الله محمد بن نصر بن صغير بن خالد القيسراني، والأديب البارع أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد الطرابلسي الرفاء الشاعر المحسن، والعلامة أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني صاحب الملل والنحل ومفتي خراسان الإمام أبو سعد محمد بن يحيى بن أبي منصور الشافعي النيسابوري ميحي الدين تلميذ الغزالي، فسبحانه ورث الأرض ومن عليها.

أخبرنا أحمد بن هبة الله بقراءتي عن عبد الرحيم بن عبد الكريم أنا أبو طاهر السبحي أنا فقيه الشاش أبو بكر محمد بن علي بن حامد قدم علينا أنا أبو الفضل الكاغذي أنا الهيثم بن كليب ثنا أبو قلابة ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله، : "من سألكم فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه".

1089- 11/16

كوتاه

الحافظ الإمام المفيد أبو مسعود عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد الأصبهاني الملقب بكوتاه.

سمع أبا بكر بن ماجه الأبهري ورزق الله التميمي والرئيس أبا عبد الله الثقفي وأحمد بن عبد الرحمن الذكواني وطبقتهم فأكثر.

قال أبو موسى المديني: أوحد وقته في علمه مع حسن طريقته وتواضعه، حدثنا لفظًا وحفظًا على منبر وعظه سنة سبع عشرة، وقال لي: ولدت سنة ست وسبعين وأربعمائة.

قال السمعاني: هو من أولاد المحدثين حسن السيرة مكرم للغرباء فقير قنوع صحب والدي مدة مقامه بأصبهان وسمع بقراءته الكثير، وله معرفة بالحديث وهو من مقدمي أصحاب شيخنا إسماعيل الحافظ حضرت مجلس أماليه، وسمعت أبا القاسم الحافظ بدمشق يثني عليه ثناء حسنًا ويفخم أمره ويصفه بالحفظ والإتقان. قلت: وسمع بنيسابور من عبد القاهر الشيروي، وببغداد من طائفة، وكان يقول: ينزل بذاته فهجره شيخه إسماعيل لإطلاق هذه العبارة، وقد روى عنه الحافظ ابن عساكر والحافظ يوسف الشيرازي، وبالإجازة كريمة الزبيرية.

أنبئونا عمن سمع أبا سعد الحافظ ثنا عبد الخالق بن زاهر ثنا صاعد بن سنان الحافظ ثنا عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد بمدينة النبي أنا روح بن محمد أنا أبو الحسن الجرجاني أنا ابن خُرَّزاد ثنا علي بن روحان ثنا أحمد بن سنان سمعت شيبان بن يحيى يقول: ما أعلم طريقًا إلى الجنة أقصد ممن يسلك طريق الحديث. وقد بقيت كريمة بعد صاعد مائة وعشرين سنة، وهذا يدخل في فن السابق واللاحق.

أخبرنا محمد بن الحسن الفقيه أخبرتنا كريمة أنا عبد الجليل بن محمد في كتابه أنا رزق الله بن عبد الوهاب أنا الحسن بن أحمد أنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب ثنا صالح بن موسى ثنا يحيى بن يحيى قرأت على مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة المغرب، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون". 3

توفي كوتاه الحافظ بأصبهان في شعبان سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة.

وفيها مات مسند زمانه الإمام أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي ببغداد عن خمس وتسعين سنة، والمسند أبو الحسن علي ابن عساكر بن سرور الدمشقي الخشاب بدمشق، والعلامة أبو حفص عمر بن أحمد بن منصور بن الصفار النيسابوري، ومقرئ واسط وإمام جامعها أبو الفتح المبارك بن أحمد بن زريق الحداد الواسطي، والمسند الأديب أبو المحاسن مسعود بن محمد بن غانم الهروي وله إجازة القشيري.

1090- 12/16

السمعاني

الحافظ البارع العلامة تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم ابن الحافظ تاج الإسلام معين الدين أبي بكر محمد ابن العلامة المجتهد أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر التميمي السمعاني المروزي، صاحب التصانيف.

ولد في شعبان سنة ست وخمسمائة وحمله والده إلى نيسابور في آخر سنة تسع فلحق بحضوره المعمر عبد الغفار بن محمد الشيرازي، وعبيد بن محمد القشيري وعدة، وحضر بمرو على أبي منصور محمد بن علي نافلة الكراعي، فمات أبوه سنة عشر وتربى مع أعمامه وأهله وحفظ القرآن والفقه ثم حبب إليه هذا الشأن وعني به ورحل إلى الأقاليم النائية؛ وسمع من أبي عبد الله الفراوي وزاهر الشحامي وطبقتهما بنيسابور، والحسين بن عبد الملك الخلال وسعيد بن أبي الرجاء وطبقتهما بأصبهان، وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وطبقته ببغداد، وعمر بن إبراهيم العلوي بالكوفة، وأبي الفتح المصيصي بدمشق، وببخارى وسمرقند وبلخ؛ وعمل المعجم في عدة مجلدات، وكان ذكيًّا فهمًا سريع الكتابة مليحها درس وأفتى ووعظ وأملى وكتب عمن دب ودرج، وكان ثقة حافظًا حجة واسع الرحلة عدلًا دينًا جميل السيرة حسن الصحبة كثير المحفوظ.

قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ وهذا شيء لم يبلغه أحد، وكان مليح التصانيف كثير النشوار والأناشيد لطيف المزاح ظريفًا حافظًا واسع الرحلة ثقة صدوقًا دينًا سمع منه مشايخه وأقرانه وحدثنا عنه جماعة. قلت: روى عنه ولده عبد الرحيم مفتي مرو وأبو القاسم ابن عساكر وابنه القاسم وعبد الوهاب ابن سكينة وعبد الغفار بن منينا وأبو روح عبد العزيز بن محمد الهروي وأبو الضوء شهاب الشذباني والافتخار عبد المطلب الحلبي وأبو الفتح محمد بن محمد الصائغ وخلق.

ذكر تصانيفه: نقل أسماءها ابن النجار من خطه، منها "الذيل" على تاريخ الخطيب أربعمائة طاقة، "تاريخ مرو" خمسمائة طاقة، "أدب الطلب" مائة وخمسون طاقة، "الإسفار عن الأسفار" خمس وعشرون طاقة، "الإملاء والاستملاء" خمس عشرة طاقة، "معجم البلدان" خمسون طاقة، "معجم الشيوخ" ثمانون طاقة، "تحفة المسافر" مائة وخمسون طاقة، "الهداية" خمس وعشرون طاقة، "عز العزلة" سبعون طاقة، "الأدب واستعمال الحسب" خمس طاقات، "المناسك" ستون طاقة، "الدعوات" أربعون طاقة، "الدعوات النبوية" خمس عشرة طاقة، "غسل اليدين" خمس طاقات، "أفانين البساتين" خمس عشرة طاقة، "دخول الحمام" خمس عشرة طاقة، "صلاة التصبيح" عشر طاقات، "التحايا" ست طاقات، "تحفة العيد" ثلاثون طاقة، "فضل الديك" خمس طاقات، "الرسائل والوسائل" خمس عشرة طاقة، "صوم البيض" خمس عشرة طاقة، "سلوة الأحباب" خمس طاقات، "التحبير في المعجم الكبير" ثلاثمائة طاقة، "فرط الغرام إلى ساكني الشام" خمس عشرة طاقة، "مقام العلماء بين يدي الأمراء" إحدى عشرة طاقة، "المسارات والمصافحة" ثلاث عشرة طاقة، "ذكرى حبيب رحل، وبشرى مشيب نزل" عشرون طاقة، "الأمالي الخمسمائة" مائتا طاقة، ""فوائد الموائد" مائتا طاقة، "فضل الهر" ثلاث طاقات"، "ركوب البحر" سبع طاقات، "الهريسة" ثلاث طاقات، "وفيات المتأخرين" خمس عشرة طاقة، ""الأنساب" ثلاثمائة وخمسون طاقة"، "الأمالي" ستون طاقة، "بخار بخور البخاري" عشرون طاقة، "تقديم الجفان إلى الضيفان" سبعون طاقة، "صلاة الضحى" عشر طاقات، "الصدق في الصداقة"، "الريح في التجارة"، "رفع الارتياب عن كتابة الكتاب" أربع طاقات، "النزوع إلى الأوطان" خمس وثلاثون طاقة، "تخفيف الصلاة" في طاقتين، "لفتة المشتاق إلى ساكن العراق" أربع طاقات، "من كنيته أبو سعد" ثلاثون طاقة، "فضائل الشام" في طاقتين، "فضل ياسين" في طاقتين.

وقد ذهب أبو سعد إلى بيت المقدس وزاره والنصارى يومئذ ولاته، وذكر في كتاب التحبير تراجم شيوخه فأفاد وأجاد طالعته، مات في ربيع الأول في أوله سنة اثنتين وستين وخمسمائة بمرو، وله ست وخمسون سنة.

وفيها مات مسند هراة أبو محمد عبد الجليل بن أبي سعد المعدل راوي جزء بيبي الهرثمية عنها، وخطيب دمشق وفقيهها أبو البركات الخضر بن شبل بن عبد الحارثي الشافعي عن ست وسبعين سنة، ومسند سجستان الإمام أبو عروية عبد الهادي بن محمد بن عبد الله بن عمر بن مأمون السجستاني الذي ارتحل إليه عبد القادر الرهاوي، وفقيه دمشق وفرضيها جمال الأئمة علي بن الحسين بن الحسن بن الماسح الكلابي عن أربع وسبعين سنة، ومحدث المشرق المعمر أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي ثم البلخي الفقيه عن سبع وثمانين سنة، والشيخ أبو عاصم قيس بن محمد السويقى بأصبهان لقي في حجه أبا الحسن بن العلاف، وواعظ مصر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ثابت الكيزاني، ومسند بغداد أبو المعالي محمد بن محمد بن محمد بن الحباب اللحاس الحريمي العطار وله سماع في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، والشيخ أبو طالب المبارك بن علي بن خضير الصيرفي ببغداد، والمسند أبو الفضل المبارك بن المبارك بن صدقة السمسار سمع من طراد، والمسند أبو محمد عبد الواحد بن الحسين بن البارزي ببغداد سمع النعالي وعدة، والمسند أبو الحسن علي بن مهدي الهلالي الطيب بدمشق، ومسند العراق أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن هلال الدقاق عن إحدى وتسعين سنة، ومسند الوقت الرئيس أبو الفرج مسعود بن الحسن بن القاسم بن الفضل الثقفي الأصبهاني في رجب عن مائة سنة.

أخبرنا أحمد بن هبة الله أنا عبد المعز بن محمد إجازة أنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد أنا عبد الغافر بن محمد حضورًا أنا أبو بكر الحيري ثنا أبو العباس المعقلي ثنا زكريا بن يحيى ثنا ابن عيينة عن الزهري عن أنس قال: قال رجل: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: "ما أعددتَ لها؟" فلم يذكر كبيرًا إلا أنه يحب الله ورسوله، قال: "فأنت مع من أحببتَ".

1091- 13/16

معمر بن عبد الواحد

بن رجاء بن عبد الواحد بن محمد بن الفاخر الحافظ الإمام مفيد أصبهان، أبو أحمد القرشي العبشمي السمري الأصبهاني المعدل الواعظ.

ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة، وسمع أبا الفتح أحمد بن محمد الحذاء وأبا المحاسن الروياني الفقيه وغانمًا البرجي وأبا علي الحداد وطبقتهم، وارتحل إلى بغداد فسمع أبا القاسم بن الحصين وأبا العز بن كادش وقاضي المرستان، وارتحل إلى بغداد سبع مرات وأسمع بها أولاده.

حدث عنه أبو سعد السمعاني وابن الجوزي والحافظ عبد الغني وابن قدامة والسهروردي وعمر بن جابر وابن الأخضر وأبو الحسن بن المقير وآخرون؛ وروى عنه بالإجازة الرشيد بن مسلمة؛ قال السمعاني: شاب كيس حسن العشرة سخي النفس متودد قاضٍ للحوائج أكثر ما سمعت بأصبهان كان بإفادته يدور معي من بكرة إلى الليل، شكر الله سعيه، ثم كان ينفذ إلي الأجزاء لأكتبها ويكتب لي وفاة الشيوخ وحدثني بجزء انتقاه لي عن شيوخه.

قال ابن الجوزي: كان معمر من الحفاظ الوعاظ له معرفة حسنة بالحديث كان يخرج ويملي سمعت منه بالمدينة النبوية. وقال ابن النجار: كان سريع الكتابة موصوفًا بالحفظ والمعرفة والصلاح والثقة والورع والمروءة، صنف كثيرًا في الحديث والتواريخ والمعاجم وكان معظمًا بأصبهان ذا قبول ووجاهة، مات ببادية الحجاز في ذي القعدة سنة أربع وستين وخمسمائة.

وفيها مات الواعظ أبو الحسن سعد الله بن نصر بن الدجاجي البغدادي المقرئ، والعالم المحدث الجوال أبو محمد عبد الخالق بن أسعد الدمشقي الحنفي صاحب المعجم، ومسند قرطبة أبو مروان عبد الرحمن بن محمد بن قزمان الفقيه عن خمس وثمانين سنة، وشيخ القراء العلامة القدوة أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن هذيل البلنسي عن ثلاث وتسعين سنة، وقاضي دمشق الإمام زكي الدين علي ابن القاضي المنتخب محمد بن الزكي بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي الشافعي عن سبع وخمسين سنة ببغداد بعد حجه، ومسند بغداد أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد البطي الحاجب عن سبع وثمانين سنة، وزاهد العراق أبو عبد الله محمد بن عبد الملك الفارقي العارف.

أخبرنا العز بن الفراء بدمشق والعماد عبد الحافظ بنابلس قالا: ثنا الإمام أبو محمد بن قدامة سنة ست عشرة وستمائة أنا معمر بن عبد الواحد أنا أبو الفتح الحداد أنا ابن عبدكويه أنا الطبراني ثنا علي بن عبد العزيز ثنا القعنبي ثنا مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، : "لله أشد فرحًا بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها". 4

1092- 14/16

أبو الخير

الحافظ المتقن عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمدان بن موسى الأصبهاني.

قال ابن النجار: كان من حفاظ الحديث، سمعت جماعة من أصبهان يقولون: إنه كان يحفظ الصحيحين، وكانوا يفضلونه على الحافظ أبي موسى بالحفظ. قال ابن النجار: سمع الكثير وقرأ بنفسه وكتب، وكان موصوفًا بالفضل ومعرفة الحديث قدم بغداد في شبابه وفي كبره، حدث عن غانم بن محمد البرجي وأبي علي الحداد وجعفر الثقفي ومحمد بن عبد الواحد الدقاق وعبد الواحد بن محمد الدشنج وهبة الله بن الحصين وأبي العز بن كادش وخلق، أملى بجامع القصر باستملاء شيخنا ابن الأخضر وسألته عنه فأثنى عليه ووصفه بالحفظ والمعرفة وقال: كانوا يفضلونه على معمر بن الفاخر. قلت: وحدث عنه الحافظ عبد الغني والشيخ الموفق.

قال ابن النجار: أخرج لي شيخنا أبو عبد الله الحنبلي بأصبهان محضرًا في أبي الخير بن موسى وطلب من المشايخ أن يكتبوا حاله فيه، ففيه خط إسماعيل بن محمد الحافظ وأبي نصر الغازي ومحمد بن أبي نصر اللفتواني وأبي مسعود كوتاه وغيرهم كلهم شهدوا أنه لا يحتج بنقله ولا يقبل قوله ولا يوثق به في ديانته وسوء سيرته.

وقرأت في جزء بخط عبيد الله بن محمد بن عبد اللطيف الخُجندي سؤالا سأله الحافظ أبو موسى المديني عن إجازات البغداديين لمسعود بن الحسن الثقفي وهم ابن المأمون وأبو الحسين بن المهتدي بالله وأبو بكر الخطيب وابن النقور وتمام العشرة الذين نقلهم عبد الرحيم بن موسى وأحال على مواضع فطلبت فلم توجد وتكلم الناس في ذلك وسأله أيضًا عن إجازات ابن هاجر، وكتب أبو موسى الجواب: اغترت الأغرار بهذه الإجازات وضيعوا أوقاتهم في القراءة بها وبتسويف المدعي لها بإظهارها إلى أن تحقق بطلانها بعد طول المدة، والرجوع إلى الحق أولى، فمن قرأ بإجازة هؤلاء على الرئيس فقد ضل سعيه وخاب أمله وبطل عمله، وقد أشهد الرئيس على نفسه ببطلان بعضها. قرأت بخط الحافظ الضياء سمعت الإمام عبد الله الجبائي يقول: كان أبو الخير يحفظ البخاري ويقول: من أراد أن يقرأ الإسناد حتى أقرأ المتن ومن أراد أن يقرأ المتن حتى أقرأ أنا الإسناد. ولد أبو الخير في صفر سنة خمسمائة، ومات في شوال سنة ثمان وستين وخمسمائة.

وفيها مات مسند القراء أبو الفضل أحمد بن محمد بن سنيف الدارقزي، وجعفر بن عبد الله ابن قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وملك النجاة أبو نزار الحسن بن صافي؛ ومسند أصبهان أبو جعفر محمد بن الحسن بن الحسين الصيدلاني.

قرأت على عبد الحافظ بن بدران أخبركم عبد الله بن أحمد الفقيه أنا أبو الخير عبد الرحيم بن محمد أنا أبو علي الحداد أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر النردي أنا محمد بن إسحاق الحافظ وعلي بن أحمد بن هارون قالا: أنا محمد بن يعقوب أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا ابن وهب أخبرني سفيان الثوري سمع أيمن بن نابل يحدث أن قدامة بن عبد الله قال: رأيت رسول الله يرمي الجمرة لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك لفظ على الأردستاني.

وقرأت بخط الشيخ الضياء: سمعت الإمام أبا عبد الله محمد بن سعيد بأصبهان يقول: أرسل إليّ ابن الحافظ أبي العلاء من همذان يسألني عن أبي الخير بن موسى: أيش صح عندك فيه من أجل الجرح؟ فأرسلت: عندي درج فيه تعديله، والتعديل والله أعلم أقرب. ثم قال: لأنه تكلم فيه أبو موسى الحافظ من أجل إجازات الرئيس مسعود فحسب، وقال: جاء الحافظ أبو موسى إلى جدي يعني المصلح فقال: تتكلم في أبي الخير؟ قال: لا أفعل، أو قال: لم يتبين لي جرحه، إنه يتتبع أمالي يعني غلطه.

1093- 15/16

أبو العلاء الهمذاني

الحافظ العلامة المقرئ شيخ الإسلام الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل العطار شيخ همذان.

مولده سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، قرأ بالروايات على أبي علي الحداد وأكثر عنه ولازمه مدة، وعلى مقرئ واسط أبي العز القلانسي وأبي عبد الله البارع وأبي بكر المزرفي وطائفة، وسمع من أبي القاسم بن بيان وأبي علي بن نبهان وابن الحصين وخلائق ببغداد، وأبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي وطائفة بنيسابور؛ ثم رحل ثاني مرة إلى بغداد فأسمع ابنه، ثم قدم بعد الثلاثين وخمسمائة فأكثر، ثم بعد عام أربعين؛ قرأ عليه بالروايات أبو أحمد ابن سكينة وأبو الحسن بن الدباس ومحمد بن محمد بن الكيّال؛ وحدث عنه أبو المواهب بن صصرى والحافظ عبد القادر والحافظ يوسف بن أحمد الشيرازي ومحمد بن محمود الحمامي، ومحمد والقاضي علي والقاضي عبد الحميد بنو ابن بنيمان، وهم أسباطه، وآخرون وخاتمة أصحابه بالإجازة أبو الحسن بن المقير.

قال أبو سعد السمعاني: حافظ متقن ومقرئ فاضل حسن السيرة مرضي الطريقة عزيز النفس سخي بما يملكه مكرم للغرباء يعرف القراءات والحديث والأدب معرفة حسنة سمعت منه.

وقال عبد القادر الحافظ: شيخنا أبو العلاء أشهر من أن يعرف بل تعذر وجود مثله في أعصار كثيرة على ما بلغنا من السير، أربى على أهل زمانه في كثرة السماعات مع تحصيل أصول ما سمع، وجودة النسخ وإتقان ما كتبه بخطه، ما كان يكتب شيئًا إلا منقطًا معربًا، وأول سماعه من عبد الرحمن بن محمد الدوني في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، برع على حفاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير، ولقد كان يومًا في مجلسه فجاءته فتوى في عثمان رضي الله عنه فكتب من حفظه ونحن جلوس درجًا طويلًا في إخباره، وله تصانيف منها "زاد المسافر" في خمسين مجلدًا، وكان إمامًا في القرآن وعلومه وحصل من القراءات ما أنه صنف فيه العشرة، والمفردات، وصنف في الوقف والابتداء وفي التجويد والماءات والعدد ومعرفة القراء وهو نحو من عشر مجلدات، استحسنت تصانيفه وكتبت ونقلت إلى خوارزم وإلى الشام. وبرع عنده جماعة كثيرة في القراءات، وكان إذا جرى ذكر القراء يقول: فلان مات عام كذا، مات فلان في سنة كذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا.

وكان إمامًا في النحو واللغة، سمعت أن من جملة ما حفظ "كتاب الجمهرة" وخرج له تلامذة في العربية أئمة يقرءون بهمذان، وبعض أصحابه رأيته، فكان من محفوظاته كتاب "الغريبين" للهروي، إلى أن قال: وكان مهينًا للمال باع جميع ما ورثه وكان من أبناء التجار فأنفقه في طلب العلم حتى سافر إلى بغداد وأصبهان مرات ماشيًا يحمل كتبه على ظهره.

سمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد وآكل خبز الدخن. وسمعت أبا الفضل بن بنيمان الأديب يقول: رأيت أبا العلاء في مسجد من مساجد بغداد يكتب وهو قائم؛ لأن السراج كان عاليًا، إلى أن قال: فعظم شأنه في القلوب حتى إن كان يمر في همذان فلا يبقى أحد رآه إلا قام ودعا له حتى الصبيان واليهود.

وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان يصلي بها الجمعة فيتلقاه أهلها خارج البلد، المسلمون على حدة واليهود على حدة يدعون له إلى أن يدخل البلد، وكان يفتح عليه من الدنيا جمل فلم يدخرها بل ينفقها على تلامذته وكان عليه رسوم لأقوام وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدين مع كثرة ما كان يفتح عليه.

وكان يطلب لأصحابه من الناس ويعز أصحابه ومن يلوذ به ولا يحضر دعوة حتى يحضر جماعة أصحابه، وكان لا يأكل من أموال الظلمة ولا يقبل منهم مدرسة قط ولا رباطًا وإنما كان يقرئ في داره ونحن في مسجده سكان، وكان يقرئ نصف نهاره الحديث ونصفه القرآن والعلم، وكان لا يغشى السلاطين ولا تأخذه في الله لومة لائم ولا يمكن أحدًا يعمل في مجلس منكر ولا سماعًا فكان ينزل كل إنسان منزلته حتى تألفت القلوب على محبته وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلية.

وكان حسن الصلاة ولم أر أحدًا من مشايخنا أحسن صلاة منه، وكان متشددًا في أمر الطهارة لا يدع أحدًا يمس مداسه، وكان ثيابه قصارًا وأكمامه قصارًا وعمامته نحو سبع أذرع، وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقادًا وفعلًا بحيث إنه كان إذا دخل مجلسه رجل فقدم رجله اليسرى كلفه أن يرجع فيقدم اليمنى، لا يمس الأجزاء إلا على وضوء، ولا يدعو شيئًا قط إلا مستقبل القبلة تعظيمًا لها، إلى أن قال: سمعت من أثق به عن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي أنه قال في الحافظ أبي العلاء لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك.

وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول، وذكر رجلا من أصحابه رحل: إن رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته.

مات أبو العلاء في جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة.

وفيها مات المسند النقيب أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر العلوي ببغداد، وأبو الحسن دهبل بن علي بن كارة الحريمي الحنبلي سمع الحسين بن البُسري، وشيخ العربية أبو محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي، والمسند أبو محمد عبد الله بن هبة الله بن محمد بن النرسي، ومسند المغرب أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر بن حنين الكتاني القرطبي ثم الفاسي عن ثلاث وتسعين سنة وملك الشام العادل نور الدين محمود بن زنكي التركي.

أخبرنا أبو سعيد صبيح بن عبد الله فنى صواب بمصر أنا علي بن أبي عبد الله النجاد أنا أبو العلاء الهمذاني مكاتبة أنا أبو علي المقرئ أنا أبو نعيم الحافظ ثنا أحمد بن خلاد ثنا محمد بن غالب ثنا القعنبي عن مالك عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد أو عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، : "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل..." 5 وذكر الحديث.

أخبرنا أحمد بن إسحاق أنا نصر بن عبد الرزاق ببغداد أنبأنا الحافظ أبو العلاء الهمذاني أنا أبو علي محمد بن محمد الهاشمي أنا عبد الله بن عمر أنا أبو بحر محمد بن الحسن أنا علي بن الفضل الواسطي أنا يزيد بن هارون أنا أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله، : "المعروف كله صدقة، وإن آخر ما تعلق به الجاهلية من كلام النبوة: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت". 6

1094- 16/16

ابن عساكر

الإمام الحافظ الكبير محدث الشام فخر الأئمة ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي الشافعي، صاحب التصانيف والتاريخ الكبير.

ولد في أول سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وسمع في سنة خمس وخمسمائة باعتناء أبيه وأخيه الإمام ضياء الدين هبة الله؛ فسمع أبا القاسم النسيب وقوام بن زيد وسبيع بن قيراط وأبا طاهر الحنائي وأبا الحسن بن الموازيني وطبقتهم بدمشق، ورحل في سنة عشرين فسمع أبا القاسم بن الحصين وأبا الحسن الدينوري وأبا العز بن كادش وأبا غالب بن البناء وأبا عبد الله البارع وقاضي المرستان وطبقتهم ببغداد، وعبد الله بن محمد الغزال بمكة، وعمر بن إبراهيم الزيدي بالكوفة، وأبا عبد الله الفراوي وهبة الله ابن السيدي وعبد المنعم بن القشيري وطبقتهم بنيسابور، وسعيد بن أبي الرجاء والحسين عبد الملك الخلال وطبقتهما بأصبهان، ويوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد بمرو، وتميم بن أبي سعيد الجرجاني وطبقته بهراة؛ وعمل الأربعين البلدانية، وعدد شيوخه ألف وثلاثمائة شيخ، ونيف وثمانون امرأة.

سمع منه معمر بن الفاخر وأبو العلاء الهمذاني وأبو سعد السمعاني والكبار وحدث عنه ولده القاسم وأبو جعفر القرطبي وزين الأمناء أبو البركات ابن عساكر وأخوه الشيخ فخر الدين وابن أخيه عز الدين النسابة والحافظ عبد القادر الرهاوي وأبو القاسم بن صصرى ويونس بن محمد الفارقي الخطيب وأبو نصر الشيرازي ومحمد ابن أخي أبي البيان وأبو إسحاق إبراهيم بن الخشوعي وعبد العزيز أخوه ويونس بن منصور السقباني ومحمد بن رومي الجرداني ومحمد بن غسان الحمصي والمسلم بن أحمد المازني وذاكر الله الشعيري وعبد الرحمن بن راشد البيت سوائي وعمر بن عبد الوهاب بن البراذعي وعتيق السلماني والشيخ بهاء الدين علي بن الجميزي ورشيد الدين بن مسلمة وسديد الدين مكي بن علان وخلق كثير.

وقد روى عنه أبو سعد السمعاني ومات قبل ابن علان بسبعين سنة. عمل "تاريخ دمشق" في ثمانين مجلدًا، و"الموافقات" في ست مجلدات، و"الأطراف الأربعة" أربع مجلدات، و"عوالي مالك" في خمسين جزءًا، و"غرائب مالك" عشرة أجزاء، و"المعجم" مجلد، و"مناقب الشبان" خمسة عشر جزءًا، و"فضل أصحاب الحديث" مجلد، و"السباعيات" سبعة أجزاء، و"تبيين كذب المفتري" مجلد، و"فضل الجمعة" أربعة أجزاء، و"الأربعين الطوال" ثلاثة أجزاء، و"عوالي شعبة" مجلد، و"الزهادة في الشهادة" مجلد، و"عوالي الثوري" مجلد، و"أربعي الجهاد"، و"أربعي البلدان"، و"أربعي المساواة"، و"مسند أهل داريا" مجلد، و"من وافقت كنيته كنية زوجته" مجيليد، و"شيوخ النبل" مجلد، و"حديث أهل صنعاء الشام" مجيليد، و"حديث أهل البلاط" كذلك، و"فضل عاشوراء" ثلاثة أجزاء، و"كتاب الزلازل" ثلاثة أجزاء، و"المصاب بالولد" جزءان، و"قبض العلم" جزء، و"فضل مكة"، و"فضل المدينة"، و"فضل القدس"، و"فضل عسقلان"، "وتاريخ المزة"، و"فضل الربوة" و"فضل مقام إبراهيم"، و"جزء الحميريين" و"جزء كفر سوسية"، و"جزء كفر بطنا"، و"جزء المنيحة"، و"سعد"، و"عدة أجزاء القرى" هكذا، و"جزء حديث الهبوط"، و"الجواهر في الأبدال" ثلاثة أجزاء؛ وأملى في أبواب العلم أربعمائة مجلس وثمانية، وخرج لجماعة منهم رفيقه أبو سعد السمعاني، خرج له "أربعين المصافحات"، وللفراوي "أربعين مساواة" وعمل بعض "كتاب الأبدال" لنفسه ولو تم لجاء في عشرين مجلدًا.

قال السمعاني: أبو القاسم حافظ ثقة متقن دين خير حسن السمت جمع بين معرفة المتن والإسناد وكان كثير العلم غزير الفضل صحيح القراءة متثبتًا رحل وتعب وبالغ في الطلب وجمع ما لم يجمعه غيره وأربى على الأقران، دخل نيسابور قبلي بشهر، سمعت معجمه والمجالسة للدينوري، كان قد شرع في التاريخ الكبير لدمشق.

قال ابن الحاجب فيما قرأت بخطه: حدثني زين الأمناء قال: حدثني ابن القزويني عن والده مدرس النظامية أبي الخير قال: حكى لنا الفراوي قال: قدم ابن عساكر فقرأ علي ثلاثة أيام فأكثر وأضجرني وآليت على نفسي أن أغلق بابي، فلما أصبحنا قدم علي شخص فقال: أنا رسول رسول الله إليك؛ قلت: مرحبًا بك، فقال: قال لي في النوم: "امض إلى الفراوي وقل له: قدم بلدكم رجل شامي أسمر اللون يطلب حديثي، فلا تمل منه".

قال القزويني: فوالله ما كان الفراوي يقوم حتى يقوم الحافظ. وقال المحدث بهاء الدين القاسم: كان أبي رحمه الله مواظبًا على الجماعة والتلاوة، يختم كل جمعة ويختم في رمضان كل يوم ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، ويحيي ليلة النصف والعيدين بالصلاة والذكر، وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب.

قال لي: لما حملت بي أمي قيل لها في منامها: تلدين غلامًا يكون له شأن. وحدثني أن أباه رأى رؤيا معناها يولد لك ابن يحيي الله به السنة، وحدثني أنه كان يقرأ على شيخ فقال: قدم علينا أبو علي ابن الوزير فقلنا: ما رأينا مثله. ثم قدم علينا ابن السمعاني فقلنا: ما رأينا مثله، حتى قدم علينا هذا فلم نر مثله.

قال سعد الخير: ما رأيت في سن ابن عساكر مثله.

قال القاسم ابن عساكر: سمعت التاج المسعودي يقول: سمعت أبا العلاء الهمذاني يقول لرجل استأذنه في الرحلة قال: إن عرفت أحدًا أفضل مني فحينئذ آذن لك أن تسافر إليه، إلا أن تسافر إلى ابن عساكر فإنه حافظ كما يجب.

وحدثني أبو المواهب بن صصرى قال: لما دخلت همذان قال لي الحافظ أبو العلاء: أنا أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما أصنع إذًا لاجتمع عليه الموافق والمخالف. وقال لي يومًا: أي شيء فتح له؟ وكيف الناس له؟ قلت: هو بعيد من هذا كله لم يشتغل منذ أربعين سنة إلا بالجمع والتسميع حتى في نزهته وخلواته. قال: الحمد لله، هذا ثمرة العلم، إلا أنا حصل لنا هذا المسجد والدار والكتب، هذا يدل على قلة حظ أهل العلم في بلادكم ثم قال لي: ما كان يسمى أبو القاسم إلا شعلة نار ببغداد من ذكائه وتوقده وحسن إدراكه.

قال أبو المواهب: كنت أذاكر أبا القاسم الحافظ عن الحفاظ الذين لقيهم فقال: أما بغداد فأبو عامر العبدري، وأما أصبهان فأبو نصر اليونارتي، لكن إسماعيل بن محمد الحافظ كان أشهر. فقلت: فعلى هذا ما كان رأى سيدنا مثل نفسه؛ قال: لا تقل هذا، قال الله: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} قلت: فقد قال الله تعالى: {أَمَّا بنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} فقال: لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق.

ثم قال أبو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة، من لزوم الصلوات في الصف الأول إلا من عذر والاعتكاف في شهر رمضان وعشر ذي الحجة وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة وأباها بعد أن عرضت عليه، وأخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم.

قال لي: لما عزمت على التحديث والله المطلع أني ما حملني على ذلك حب الرياسة والتقدم بل قلت: متى أروي كل ما سمعت؟ وأي فائدة في كوني أخلفه صحائف؟ فاستخرت الله واستأذنت أعيان شيوخي ورؤساء البلد وطفت عليهم فكلهم قالوا: من أحق بهذا منك؟ فشرعت في ذلك منذ ثلاث وثلاثين وخمسمائة.

قال القاسم: حدثني أبي قال: قال لي جدي القاضي أبو المفضل يحيى بن علي القرشي: اجلس إلى سارية حتى يجلس إليك؛ فلما عزمت على ذلك مرض وعجز عن المجيء. سمعت أبا الحسين علي بن محمد الحافظ، سمعت الحافظ أبا محمد المنذري يقول: سألت شيخنا أبا الحسن علي بن المفضل الحافظ عن أربعة تعاصروا: أيهم أحفظ؟ فقال: من؟ قلت: الحافظ ابن ناصر وابن عساكر؟ فقال: ابن عساكر. فقلت: الحافظ أبو موسى المديني وابن عساكر؟ قال: ابن عساكر؛ فقلت: الحافظ أبو طاهر السلفي وابن عساكر؟ فقال: السلفي شيخنا. قلت: يعني أنه ما أحب أن يصرح بتفضيل ابن عساكر بل لوّح بتفضيل شيخه بأنه شيخه، ثم أبو موسى أحفظ من السلفي مع أن السلفي من بحور الحديث وعلمائه؛ وكان شيخنا أبو الحجاج المزي يميل إلى أن ابن عساكر ما رأى حافظًا مثل نفسه.

قال الحافظ عبد القادر: ما رأيت أحفظ من ابن عساكر. وقال ابن النجار: أبو القاسم إمام المحدثين في وقته، انتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان والثقة والمعرفة التامة وبه ختم هذا الشأن. فقرأت بخط الحافظ معمر بن الفاخر في معجمه أنا أبو القاسم الدمشقي الحافظ بمنى، وكان أحفظ من رأيت من طلبة الحديث والشبان وكان شيخنا إسماعيل بن محمد الإمام يفضله على جميع من لقيناهم، قدم أصبهان ونزل في داري، وما رأيت شابا أورع ولا أحفظ ولا أتقن منه، وكان مع ذلك فقيهًا أديبًا سنيًّا جزاه الله خيرًا وكثر في الإسلام مثله وإني كثيرًا سألته عن تأخره عن المجيء إلى أصبهان فقال: لم تأذن لي أمي.

قال القاسم: توفي أبي في حادي عشر رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، ورئي له منامات حسنة ورثي بقصائد وقبره يزار بباب الصغير.

قلت: وفيها توفي شيخ شيزر العلامة مجد الدين أبو منصور محمد بن أسعد بن محمد حفدة الطوسي العطاري الشافعي الأصولي الواعظ صاحب محيي السنة والغزالي، والمسند أبو حنيفة محمد بن عبيد الله الخطيبي الأصبهاني عن ثلاث وثمانين سنة، وفقيه واسط أبو جعفر هبة الله بن يحيى بن البوقي الواسطي العطار.

قرأت على أحمد بن هبة الله ابن تاج الأمناء أخبركم الفقيه أبو محمد عبد الجبار بن عبد الغني بن محمد الحرستاني سنة ثلاث وعشرين وستمائة أنا أبو القاسم الحافظ أنا زاهر بن طاهر أنا أبو بكر أحمد بن الحسين أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل الصفار ثنا عبد الله بن محمد بن شاكر ثنا عفان أنا شعبة ثنا أبو إسحاق قال: اتقوا الله واعملوا خيرًا، فإنى سمعت عبد الله بن معقل يقول: سمعت عدي بن حاتم يقول: سمعت رسول الله يقول: "اتقوا النار ولو بشق تمرة". متفق عليه من حديث شعبة وزهير بن معاوية.

1095- 17/16

أبو موسى المديني

الحافظ الكبير شيخ الإسلام محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي عيسى أحمد بن عمر الأصبهاني صاحب التصانيف.

ولد في ذي القعدة سنة إحدى وخمسمائة وسمع حضورًا باعتناء أبيه، ثم سمع الكثير ورحل وعني بهذا الشأن، وحضوره عند أبي سعيد المطرز وهو ابن سنتين، وسمع من أبي منصور محمد بن عبد الله بن مندويه وغانم البرجى وأبي علي الحداد وأبي الفتح محمد بن عبد الله بن خوردست ومحمد بن عبد الله الشرابي بليزة وأبي الرجاء محمد بن أبي زيد ومحمد بن طاهر المقدسي الحافظ وأبي زكريا بن منده وهبة الله بن الحسن الأبرقوهي وهبة الله بن الحصين البغدادي وطبقتهم وتخرج بأبي القاسم التيمي وغيره؛ له التصانيف النافعة الكثيرة والمعرفة التامة والرواية الواسعة انتهى إليه تقدم في هذا الشأن مع علو الإسناد؛ حدث عنه أبو سعد السمعاني وأبو بكر محمد بن موسى الحازمي وعبد الغني بن عبد الواحد وعبد القادر بن عبد الله الرهاوي ومحمد بن مكي الأصبهاني وأبو نجيح محمد بن معاوية المقرئ والناصح عبد الرحمن بن الحنبلي وآخرون، وروى عنه بالإجازة عبد الله بن بركات الخشوعي وطائفة.

قال الدبيثي: عاش أبو موسى حتى صار أوحد وقته وشيخ زمانه إسنادًا وحفظًا. قال السمعاني: سمعت منه وكتب عني، وهو ثقة صدوق. وقال عبد القادر: حصل من المسموعات بأصبهان ما لم يحصل لأحد في زمانه وانضم إلى ذلك الحفظ والإتقان، وله التصانيف التي أربى فيها على المتقدمين مع الثقة والعفة له شيء يسير يترقح به وينفق منه ولا يقبل من أحد شيئًا قط، أوصى إليه غير واحد بمال فرده ويقال له: فرقه على من ترى، فيمتنع. وكان فيه من التواضع بحيث إنه يقرئ الصغير والكبير ويرشد المبتدئ، رأيته يحفظ الصبيان القرآن في الألواح، وكان يمنع من يمشي معه فعلت ذلك مرة معه فزبرني، وترددت إليه نحوًا من سنة ونصف فما رأيت منه ولا سمعت عنه سقطة تعاب عليه، وكان أبو مسعود كوتاه يقول: أبو موسى كنز مخفي.

ومن تصانيفه: كتاب "معرفة الصحابة" الذي استدرك به على أبي نعيم الحافظ، وكتاب "الطوالات" جودها ولم يسبق إلى مثلها مع كثرة ما فيها من الواهي والموضوع، وكتاب "تتمة الغريبين" يدل على براعته في لسان العرب، وكتاب "اللطائف"، وكتاب "عوالي التابعين"، وأشياء وفنون وقد عرض من حفظه كتاب "علوم الحديث" للحاكم على إسماعيل الحافظ.

قال الحسين بن بوحز الباوري: كنت في مدينة الخان فسألني سائل عن رؤيا فقال: رأيت كأن رسول الله توفي؛ فقلت: إن صدقت رؤياك يموت إمام لا نظير له في زمانه، فإن مثل هذا المنام رئي حال وفاة الشافعي والثوري وأحمد بن حنبل. قال: فما أمسينا حتى جاءنا الخبر بوفاة الحافظ أبي موسى. وعن عبد الله بن محمد الخجندي قال: لما مات أبو موسى لم يكادوا أن يفرغوا حتى جاء مطر عظيم في الحر الشديد، وكان الماء قليلًا بأصبهان.

قال محمد بن محمود الرويدشتي: توفي الحافظ أبو موسى في تاسع جمادى الأولى في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.

قلت: وفيها توفي الحافظ السهيلي، والحافظ عبد الحق الأزدي، والحافظ أبو سعد محمد بن عبد الواحد الأصبهاني الصائغ عن أربع وثمانين سنة، والإمام أبو طاهر إسماعيل بن مكي بن إسماعيل بن عيسى بن عوف الزهري العوفي الإسكندراني المالكي عن ست وتسعين سنة، والقدوة شيخ أهل حران حيوة بن قيس بن رحال الأنصاري الزاهد، والمسند أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن الحسين السبي ثم المصري الجيار ويعرف بابن نخيسة بمصر، والمسند أبو محمد عبد الرزاق بن نصر بن المسلم الدمشقي النجار عن أربع وثمانين سنة، ومسند العراق أبو الفتح عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا بن شاتيل البغدادي الدباس عن اثنتين وتسعين سنة، ومقرئ مصر أبو الجيوش عساكر بن علي بن إسماعيل الشافعي النحوي، والمحدث الإمام أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي الميانشي المجاور، ومسند دمشق أبو المجد الفضل بن الحسين بن إبراهيم الحميري المعروف بالبانياسي عن ست وثمانين سنة، والشيخ الزاهد أبو الفتح محمود بن أحمد بن علي المحمودي بن الصابوني بمصر.

أخبرنا محمد بن علي الصالحي أنا عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي سنة ثمان وعشرين وستمائة أنا أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ أنا أبو علي الحداد أنا أبو نعيم الحافظ أنا أبو إسحاق بن حمزة أنا عبدان. "ح" وبه إلى أبي نعيم؛ وثنا الحسين بن محمد بن رزيق الخياط ثنا محمد بن محمد بن سليمان قالا: أنا هشام بن عمار أنا صدقة بن خالد أنا عبد الرحمن بن جابر أنا عيطة بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري أخبرني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، والله ما كذبني، أنه سمع رسول الله يقول: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم سارحة فيأتيهم رجل لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدًا، فيبيتهم الله تعالى ويضع العلم عليهم ويمسخ آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة" أخرجه البخاري عن هشام عن غير سماع، وأخرجه أبو داود من طريق بشر بن بكر التنيسي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بنحوه. والمعازف اسم لكل ما يعزف به، كالطنبور والزمر والشبابة وغير ذلك من آلات الملاهي.

1096- 18/16

الزاغولي

الحافظ البركة أبو عبد الله محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن يعقوب المروزي الأرزي.

وزاغول قرية أو محلة من بنجدية، ذكره أبو سعد السمعاني وأنه تفقه على أبي بكر السمعاني والموفق بن عبد الكريم الهروي، وسمع من أبي الفتح نصر بن إبراهيم الحنفي ومحيي السنة البغوي وعيسى بن شعيب السجزي وغيرهم، حدث عنه أبو سعد وولده أبو المظفر.

قال أبو سعد: كان صالحًا خشن العيش قانعًا باليسير عارفًا بالحديث وطرقه اشتغل بطلبه وجمعه طول عمره وجمع وصنف، وكان عارفًا باللغة كتب الكثير ورحل إلى هراة وسمعت منه وبقراءته وجمع كتابًا كبيرًا أكثر من أربعمائة مجلد يشتمل على التفسير والحديث والفقه واللغة سماه "قيد الأوابد". مولده بعد السبعين وقبل الثمانين وأربعمائة. وقال أبو سعد في معجم ولده: ولد سنة اثنتين وسبعين ومات في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وخمسمائة.

أنبأنا أحمد بن هبة الله فيما حدث به عن عبد الرحيم بن أبي سعد أنا عبد الله الأرزي لفظًا أنا أبو الفتح الحنفي بهراة أنا محمد بن عبد الرحمن الدباس ثنا أبو علي الرفاء أنا علي بن عبد العزيز ثنا داود بن عمرو ثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله يجنب وينام ولا يمس ماءً.

(تمت الطبقة السادسة عشرة.)


هامش

  1. رواه البخاري في الاعتصام باب 1. ومسلم في الإيمان حديث 239.
  2. رواه البخاري في الأذان باب 7. ومسلم في الصلاة حديث 10، 11. والترمذي في الصلاة باب40. والنسائي في الأذان باب 35-37.
  3. رواه البخاري في المواقيت باب 16. ومسلم في المساجد حديث 210. والنسائي في الصلاة باب 21. والموطأ في السفر حديث 82.
  4. رواه البخاري في الدعوات باب 3. ومسلم في التوبة حديث 1-8. والترمذي في القيامة باب 49.
  5. رواه البخاري في الأذان باب 26. ومسلم في الزكاة حديث 91. والترمذي في الزهد باب 53. والموطأ في الشعر حديث 14.
  6. انظر البخاري في الأدب باب 78. وسنن أبي داود في الأدب باب 6. وابن ماجه في الزهد باب 17. والموطأ في السفر حديث 14.


تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي
مقدمة | الطبقات: الأولى | الثانية | الثالثة | الرابعة | الخامسة | السادسة | السابعة | الثامنة | التاسعة | العاشرة | الحادية عشرة | الثانية عشرة | الثالثة عشرة | الرابعة عشرة | الخامسة عشرة | السادسة عشرة | السابعة عشرة | الثامنة عشرة | التاسعة عشرة | العشرون | الحادية والعشرون | شيوخ صاحب التذكرة