الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء الثالث»

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
 
لا ملخص تعديل
سطر 323: سطر 323:
في البعض متكامل وكذلك مذهب أبى يوسف ان كان قوله كقول محمد وان كان قوله كقول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فعذره أن القسمة تنبنى على الملك فأما وجوب الصدقة فينبنى على الولاية لا على الملك حتى تجب الصدقة عن الولد الصغير وليس لواحد منهما ولاية متكاملة على شئ من هذه الرؤس (قال) فان كان بينهما جارية فجاءت بولد فادعياه ثم مر يوم الفطر فلا صدقة على واحد منهما عن الام لما بينا فأما على الولد يجب على كل واحد منهما صدقة كاملة في قول أبى يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى تجب عليهما صدقة واحدة عنه ولا رواية فيه عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فمحمد يقول الاب أحدهما في الحقيقة وصدقة الفطر عليه وليس أحدهما بأولى من الآخر فجعلناها عليهما نصفين ألا ترى أنهما يرثانه ميراث ابن واحد وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول هو ابن لكل واحد منهما بكماله لان البنوة لا تحتمل التجزى ألا ترى أنه يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل فكذلك يجب على كل واحد منهما عنه صدقة كاملة (قال) وليس على الرجل صدقة الفطر في مماليك التجارة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجب وهو بناء على الاصل الذى بينا فان عنده الوجوب على العبد وزكاة التجارة على المولى فلا يمنع ذلك وجوب زكاة الفطر على العبد وعندنا الوجوب على المولى كزكاة التجارة فلا يجتمع زكاتان على ملك واحد على رجل واحد (قال) وله أن يجمع صدقة نفسه ومماليكه فيعطيها مسكينا واحدا لقوله صلى الله عليه وسلم اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم والاغناء يحصل بصرف الكل إلى واحد فوق ما يحصل بالتفريق ولان المعتبر القدر المنصوص عليه وصفة الفقر في المصروف إليه وذلك لا يختلف بالتفريق والجمع فجاز الكل وهذا بخلاف الكفارة فانه لو صرف الكل إلى مسكين واحد جملة لا يجوز لان العدد في المصروف إليه منصوص عليه فلابد من وجوده صورة ومعنى (قال) فان أعطى قيمة الحنطة جاز عندنا لان المعتبر حصول الغنى وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالحنطة وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز وأصل الخلاف في الزكاة وكان أبو بكر الاعمش رحمه الله تعالى يقول أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة لانه أقرب إلى امتثال الامر وأبعد عن اختلاف العلماء فكان الاحتياط فيه وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقول أداء القيمة أفضل لانه أقرب إلى منفعة الفقير فانه يشترى به للحال ما يحتاج إليه والتنصيص على الحنطة والشعير كان لان البياعات في ذلك الوقت بالمدينة يكون بها فاما في
في البعض متكامل وكذلك مذهب أبى يوسف ان كان قوله كقول محمد وان كان قوله كقول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فعذره أن القسمة تنبنى على الملك فأما وجوب الصدقة فينبنى على الولاية لا على الملك حتى تجب الصدقة عن الولد الصغير وليس لواحد منهما ولاية متكاملة على شئ من هذه الرؤس (قال) فان كان بينهما جارية فجاءت بولد فادعياه ثم مر يوم الفطر فلا صدقة على واحد منهما عن الام لما بينا فأما على الولد يجب على كل واحد منهما صدقة كاملة في قول أبى يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى تجب عليهما صدقة واحدة عنه ولا رواية فيه عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فمحمد يقول الاب أحدهما في الحقيقة وصدقة الفطر عليه وليس أحدهما بأولى من الآخر فجعلناها عليهما نصفين ألا ترى أنهما يرثانه ميراث ابن واحد وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول هو ابن لكل واحد منهما بكماله لان البنوة لا تحتمل التجزى ألا ترى أنه يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل فكذلك يجب على كل واحد منهما عنه صدقة كاملة (قال) وليس على الرجل صدقة الفطر في مماليك التجارة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجب وهو بناء على الاصل الذى بينا فان عنده الوجوب على العبد وزكاة التجارة على المولى فلا يمنع ذلك وجوب زكاة الفطر على العبد وعندنا الوجوب على المولى كزكاة التجارة فلا يجتمع زكاتان على ملك واحد على رجل واحد (قال) وله أن يجمع صدقة نفسه ومماليكه فيعطيها مسكينا واحدا لقوله صلى الله عليه وسلم اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم والاغناء يحصل بصرف الكل إلى واحد فوق ما يحصل بالتفريق ولان المعتبر القدر المنصوص عليه وصفة الفقر في المصروف إليه وذلك لا يختلف بالتفريق والجمع فجاز الكل وهذا بخلاف الكفارة فانه لو صرف الكل إلى مسكين واحد جملة لا يجوز لان العدد في المصروف إليه منصوص عليه فلابد من وجوده صورة ومعنى (قال) فان أعطى قيمة الحنطة جاز عندنا لان المعتبر حصول الغنى وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالحنطة وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز وأصل الخلاف في الزكاة وكان أبو بكر الاعمش رحمه الله تعالى يقول أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة لانه أقرب إلى امتثال الامر وأبعد عن اختلاف العلماء فكان الاحتياط فيه وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقول أداء القيمة أفضل لانه أقرب إلى منفعة الفقير فانه يشترى به للحال ما يحتاج إليه والتنصيص على الحنطة والشعير كان لان البياعات في ذلك الوقت بالمدينة يكون بها فاما في

[ 108 ]
== [ 108 ] ==
ديارنا البياعات تجرى بالنقود وهي أعز الاموال فالاداء منها أفضل (قال) ومن مات من مماليكه وولده ليلة العيد فلا صدقة عليه عنهم ومن مات بعد الصبح فالصدقة واجبة عنهم ولا خلاف ان وجوب الصدقة يتعلق بالفطر من رمضان وانما الخلاف في وقت الفطر من رمضان عندنا وقت الفطر عند طلوع الفجر من يوم الفطر وعنده وقت غروب الشمس من الليلة التى يهل بها هلال شوال حجته لاثبات هذا الاصل ان حقيقة الفطر عند غروب الشمس وكذلك انسلاخ شهر رمضان يكون عند رؤية هلال شوال وذلك عند غروب الشمس وحجتنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال أنها كم عن صوم يومين يوم تفطرون فيه من صومكم ويوم تأكلون فيه لحم نسككم ولان حقيقة الفطر عند غروب الشمس كما يكون في هذا اليوم كذلك فيما قبله والفطر من رمضان انما يتحقق بما يكون مخالفا لما تقدم وذلك عند طلوع الفجر لان فيما تقدم كان يلزمه الصوم في هذا الوقت وفى هذا اليوم يلزمه الفطر وهذا اليوم يسمى يوم الفطر فينبغي ان يكون الفطر من رمضان فيه ليتحقق هذا الاسم كيوم الجمعة تجب فيه الجمعة وتؤدى فيه ليتحقق هذا الاسم فيه إذا عرفنا هذا فنقول كل من أسلم من الكفار ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا لان وقت الوجوب جاء وهو مسلم وكل من يولد ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا لانه جاء وقت الوجوب وهو منفصل ومن مات من أولاده ومماليكه ليلة الفطر فليس عليه الصدقة عنه لانه جاء وقت الوجوب وهو ميت ومن مات بعد طلوع الفجر منهم فعليه الصدقة عنه لان وقت الوجوب جاء وهو حي وصدقة الفطر بعد ما وجبت لا تسقط بموت المؤدى عنه بخلاف الزكاة فان الواجب هناك جزء من المال وبهلاكه يفوت محل الواجب وهنا الصدقة تجب في ذمة المؤدى فبموت المؤدى عنه لا يفوت محل الواجب فلهذا لا تسقط حتى روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى في الامالى ان من قال لعبده إذا جاء يوم الفطر فأنت حر فعليه صدقة الفطر عنه لانه انما عتق بعد طلوع الفجر فلا تسقط به الصدقة الواجبة عنه والدليل على ان وقت الوجوب عند طلوع الفجر حديث ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا باداء صدقة الفطر قبل الخروج إلى المصلى والمقصود بهذا الامر المسارعة إلى الاداء لا التأخير عن وقت الوجوب (قال) وإذا مر يوم الفطر وفي يد الرجل مملوك قد اشتراه وفى البيع خيار لاحد المتبايعين فانما الصدقة على من يستقر له الملك عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى
ديارنا البياعات تجرى بالنقود وهي أعز الاموال فالاداء منها أفضل (قال) ومن مات من مماليكه وولده ليلة العيد فلا صدقة عليه عنهم ومن مات بعد الصبح فالصدقة واجبة عنهم ولا خلاف ان وجوب الصدقة يتعلق بالفطر من رمضان وانما الخلاف في وقت الفطر من رمضان عندنا وقت الفطر عند طلوع الفجر من يوم الفطر وعنده وقت غروب الشمس من الليلة التى يهل بها هلال شوال حجته لاثبات هذا الاصل ان حقيقة الفطر عند غروب الشمس وكذلك انسلاخ شهر رمضان يكون عند رؤية هلال شوال وذلك عند غروب الشمس وحجتنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال أنها كم عن صوم يومين يوم تفطرون فيه من صومكم ويوم تأكلون فيه لحم نسككم ولان حقيقة الفطر عند غروب الشمس كما يكون في هذا اليوم كذلك فيما قبله والفطر من رمضان انما يتحقق بما يكون مخالفا لما تقدم وذلك عند طلوع الفجر لان فيما تقدم كان يلزمه الصوم في هذا الوقت وفى هذا اليوم يلزمه الفطر وهذا اليوم يسمى يوم الفطر فينبغي ان يكون الفطر من رمضان فيه ليتحقق هذا الاسم كيوم الجمعة تجب فيه الجمعة وتؤدى فيه ليتحقق هذا الاسم فيه إذا عرفنا هذا فنقول كل من أسلم من الكفار ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا لان وقت الوجوب جاء وهو مسلم وكل من يولد ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا لانه جاء وقت الوجوب وهو منفصل ومن مات من أولاده ومماليكه ليلة الفطر فليس عليه الصدقة عنه لانه جاء وقت الوجوب وهو ميت ومن مات بعد طلوع الفجر منهم فعليه الصدقة عنه لان وقت الوجوب جاء وهو حي وصدقة الفطر بعد ما وجبت لا تسقط بموت المؤدى عنه بخلاف الزكاة فان الواجب هناك جزء من المال وبهلاكه يفوت محل الواجب وهنا الصدقة تجب في ذمة المؤدى فبموت المؤدى عنه لا يفوت محل الواجب فلهذا لا تسقط حتى روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى في الامالى ان من قال لعبده إذا جاء يوم الفطر فأنت حر فعليه صدقة الفطر عنه لانه انما عتق بعد طلوع الفجر فلا تسقط به الصدقة الواجبة عنه والدليل على ان وقت الوجوب عند طلوع الفجر حديث ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا باداء صدقة الفطر قبل الخروج إلى المصلى والمقصود بهذا الامر المسارعة إلى الاداء لا التأخير عن وقت الوجوب (قال) وإذا مر يوم الفطر وفي يد الرجل مملوك قد اشتراه وفى البيع خيار لاحد المتبايعين فانما الصدقة على من يستقر له الملك عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى


[ 109 ]
[[تصنيف:مبسوط السرخسي]]
على من له الخيار وعند الشافعي رحمه الله تعالى على من له ملك العبد وقت الوجوب هو يقول هذه مؤنة بسبب الملك فتكون نظير النفقة والنفقة تجب على من له الملك وقت الوجوب فكذلك الصدقة وزفر رحمه الله تعالى يقول الولاية لمن له الخيار على المشترى ووجوب الصدقة باعتبار الولاية على الرأس (ولنا) ان البيع بشرط الخيار إذا تم يثبت الملك للمشترى من وقت العقد حتى يستحق الزوائد المتصلة والمفصلة وإذا فسخ عاد إلى قديم ملك البائع فحكم الملك والولاية موقوف فيه فكذلك ما ينبنى عليه وما يجب عليه بسبب الملك مقابل بما يستحقه بسبب الملك وهو الزوائد فكما توقف حكم استحقاقه فكذلك حكم الاستحقاق عليه إلا ان النفقة لا تحتمل التوقف لانها تجب لحاجة المملوك للحال فإذا جعلناها موقوفة مات المملوك جوعا فلاجل الضرورة اعتبرنا فيه النفقة للحال بخلاف الصدقة وكذلك الخلاف في زكاة التجارة ان كان اشتراه للتجارة (قال) فان لم يكن البيع خيار الا ان المشترى لم يقبضه حتى مر يوم الفطر فان قبضه بعد ذلك فصدقته عليه لانه كان مالكا له وقت الوجوب وقد تقرر ملكه بقبضه وان تلف قبل ان يقبضه فلا صدقة على واحد منهما اما البائع فلانه لم يكن مالكا وقت الوجوب لان البيع البات يزيل ملكه واما المشترى فلان البيع انفسخ من الاصل بهلاك المعقود عليه قبل القبض فينعدم به ملكه من الاصل ووجوب الصدقة بحكم الملك ولم يبق لملكه حكم حين انفسخ البيع من الاصل وان لم يمت ورده قبل القبض بعيب أو خيار رؤية فصدقته على البائع ولا شئ على المشترى لان البيع انفسخ من الاصل بالرد قبل القبض بهذه الاسباب وعاد إلى قديم ملك البائع فكأنه لم يخرج عن ملكه بخلاف الاول فان انفساخ البيع هناك بعد الهلاك كفوات القبض المستحق بالعقد فلا يظهر حكم ملك البائع في حال قيامه فان رده بعد القبض بعيث أو خيار رؤية فصدقته على المشترى لان ملكه وولايته كانت تامة وقت الوجوب لكونه قابضا فوجبت الصدقة عليه ثم لا تسقط عنه بزوال ملكه عن العين كما لا يسقط بهلاكه في يده (قال) فان كان اشتراه شراء فاسدا فمر يوم الفطر قبل أن يقبضه فصدقته على البائع سواء قبضه المشترى بعد ذلك أو لم يقبضه وفسخ البيع لان البيع الفاسد لا يزيل الملك بنفسه فبقى ملك البائع بعده كما كان قبله وإذا قبضه المشتري بعد ذلك فزوال ملك البائع كان مقصورا على الحال لان السبب انما تم الآن والموهوب في هذا نظير المشترى
[ 110 ]
شراء فاسدا (قال) فان مر يوم الفطر وهو مقبوض فان أعتقه المشترى فصدقته عليه لانه كان مالكا وقت الوجوب وتقرر ملكه بتعذر فسخ البيع وان رده فصدقته على البائع لانه عاد إلى قديم ملكه فان المشترى وان كان قابضا مالكا وقت الوجوب ولكن يده وملكه مستحق الرفع عنها شرعا فإذا رفع صار كأن لم يكن بخلاف الرد بالعيب وخيار الرؤية فانه غير مستحق الرفع عليه ولكنه يرفعه باختياره (قال) وإذا عجز المكاتب فليس على المولى فيه زكاة السنين الماضية لفطر ولا تجارة اما زكاة الفطر فلان السبب رأس يمونه بولايته عليه وذلك لم يكن موجودا فيما مضى واما زكاة التجارة فلانه ما كان متمكنا من التصرف فيه بل كان كالخارج من ملكه وكذلك إذا كان العبد آبقا فوجده لانه كان تاويا في السنين الماضية فليس عليه عنه زكاة الفطر ولا التجارة وكذلك ان كان مغصوبا مجحودا أو مأسورا لان ملكه في حكم التاوى ويده مقصورة عنه (قال) وإذا عجز المكاتب وقد كان قبل الكتابة للتجارة لم يعد إلى مال التجارة لان بعقد الكتابة صار فاسخا لنية التجارة فيه فانه أخرجه من أن يكون محلا لتصرفاته فلا يصير للتجارة بعد ذلك الا بفعل هو تجارة وعليه زكاة الفطر عنه إذا مر يوم الفطر لان المملوك في الاصل للخدمة حتى يجعله للتجارة بخلاف ماذا أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه وقد كان اشتراه للتجارة لانه ما صار فاسخا لنية التجارة فيه فانه بالاذن لم يخرجه من أن يكون محلا لتصرفاته (قال) وإذا لم يخرج الرجل صدقة الفطر فعليه اخراجها وان طالت المدة الا على قول الحسن بن زياد فانه يقول يسقط بمضي يوم الفطر لانها قربة اختصت باحد يومى العيد فكانت قياس الاضحية تسقط بمضي أيام النحر (ولنا) ان هذه صدقة مالية فلا تسقط بعد الوجوب الا بالاداء كزكاة المال ولا نقول الاضحية تسقط بل ينتقل الواجب إلى التصدق بالقيمة لان اراقة الدم لا تكون قربة الا في وقت مخصوص أو مكان مخصوص فاما التصدق بالمال قربة في كل وقت ولم يذكر في الكتاب جواز التعجيل في صدقة الفطر الا في بعض النسخ فانه قال لو أدى قبل يوم الفطر بيوم أو بيومين جاز والصحيح من المذهب عندنا أن تعجيله جائز لسنة ولسنتين لان السبب متقرر وهو الرأس فهو نظير تعجيل الزكاة بعد كمال النصاب وعلى قول الحسن بن زياد لا يجوز تعجيله أصلا كالاضحية وكان خلف بن أيوب يقول يجوز تعجيله بعد دخول شهر رمضان لا قبله لانه صدقة الفطر ولا فطر قبل الشروع في الصوم وكان نوح بن أبى مريم يقول يجوز
[ 111 ]
تعجيله في النصف الاخير من رمضان ومنهم من قال في العشر الاواخر منه قال ويجوز أن يدفع صدقة الفطر إلى أهل الذمة وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى ثلاث روايات في رواية قال كل صدقة مذكورة في القرآن لا يجوز دفعها إلى أهل الذمة فعلى هذه الرواية يجوز دفع صدقة الفطر إليهم وفى رواية قال كل صدقة واجبة بايجاب الشرع ابتداء من غير سبب من العبد لا يجوز دفعها إلى أهل الذمة فعلى هذا لا يجوز دفع صدقة الفطر إليهم ويجوز دفع الكفارات والنذور إليهم وفى رواية قال كل صدقة هي واجبة لا يجوز دفعها إليهم فعلى هذا لا يجوز دفع الكفارات وانما يجوز دفع التطوعات والشافعي رحمه الله تعالى يقيس هذا بزكاة المال بعلة أنها صدقة واجبة فان الصدقة المالية صلة واجبة للمحاويج المناسبين له في الملة فلا يملك صرفها إلى غيرهم والمقصود منه أن يتقوى به على الطاعة ويتفرغ عن السؤال لاقامة صلاة العيد ولا يحصل هذا المقصود بالصرف إلى أهل الذمة كما لا يحصل الصرف إلى المستأمنين فكما لا يجوز صرفها إليهم فكذلك إلى أهل الذمة (ولنا) ان المقصود سدخلة المحتاج ودفع حاجته بفعل هو قربة من المؤدى وهذا المقصود حاصل بالصرف إلى أهل الذمة فان التصدق عليهم قربة بدليل التطوعات لانا لم ننه عن المبرة لمن لا يقاتلنا قال الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين الآية بخلاف المستأمن فانه مقاتل وقد نهينا عن المبرة مع من يقاتلنا قال الله تعالى انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين الآية والقياس ان يجوز صرف الزكاة إليهم انما تركنا القياس فيه بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم والمراد به الزكاة لا صدقة الفطر والكفارات إذ ليس للساعي فيها ولاية الاخذ فبقى على أصل القياس (قال) وفقراء المسلمين أحب إلى لانه ابعد عن الخلاف ولانهم يتقون بها على الطاعة وعبادة الرحمن والذمى يتقوى بها على عبادة الشيطان (قال) وإذا كان للرجل دار وخادم ولا مال له غير ذلك فليس عليه صدقة الفطر لانه يحل له أخذ الصدقة ولانه محتاج فان الدار تسترم والخادم يستنفق ولابد له منهما فهما يزيد ان في حاجته ولا يغنيانه وقد بينا ان الصدقة لا تجب الا على الغنى لان وجوبها للاغناء كما قال أغنوهم ولا يخاطب بالاغناء من ليس بغنى في نفسه (قال) وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة فتعلقت رقبته بالدين ومولاه موسر فعليه صدقة الفطر لانه يمونه بولايته عليه وبسبب الدين تستحق ماليته ومالية من يؤدى عنه
[ 112 ]
صدقة الفطر غير معتبرة للوجوب كما في ولده وأم ولده وبسبب الاذن في التجارة لم يخرج من أن يكون للخدمة لان شغله بنوع من خدمته وهذا بخلاف ما إذا كان الدين المستغرق على المولى فانه لا يلزمه صدقة الفطر لان الدين عليه ينفي غاه ولا صدقة الا على الغنى (قال) فان اشترى العبد المأذون له عبيدا فليس على المولى عنهم صدقة الفطر لانه انما اشتراهم للتجارة وفي الامالى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى ان كان اشتراهم للخدمة فان أذن له المولى في ذلك فان لم يكن على المأذون دين فعلى المولى صدقة الفطر عنهم لانه مالك لرقابهم وان كان على العبد دين مستغرق لكسبه ورقبته فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا تجب على المولى صدقة الفطر عنهم بناء على أصله أنه لا يملك رقابهم وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجب على المولى صدقة الفطر عنهم بناء على أصلهما ان دين العبد لا يمنع ملك المولى في كسبه كما لا يمنع ملكه في رقبته (قال) وزكاة الفطر في العبد الموصى بخدمته على مالك الرقبة وارثا كان أو موصى له لانه تقرر السبب في حقه فاما الموصى له بالخدمة فحقه في المنفعة لا في الرقبة وكذلك العبد المستعار والمؤاجر تجب الصدقة على المالك دون المستعير والمستأجر وكذلك عبد الوديعة تجب الصدقة عنه على المودع فان يد المودع كيده وكذلك ان كان في عنقه جناية عمدا أو خطأ لان ملكه وولايته لا يزول بهذا السبب وكذلك العبد المرهون تجب الصدقة عنه على الراهن إذا كان عنده وفا بالدين وفضل مائتي درهم لان الرهن لا يزيل ملك الرقبة ولا يوجب فيها حقا للمرتهن انما حق المرتهن في المالية وذلك غير معتبر لايجاب الصدقة وفى الاملاء عن أبى يوسف رحمه الله تعالى ليس على الراهن ان يؤدى الصدقة عنه حتى يفكه فإذا فكه أعطاها لما مضى وان هلك قبل أن يفكه فلا صدقة عنه على الراهن وجعله كالبيع بشرط الخيار بقى الكلام في بيان القدر الواجب من الصدقة وذلك من البر نصف صاع في قول علمائنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى صاع واستدل بحديث ابن عمر رضى الله عنه فانه ذكر فيه صاعا من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير والتقدير بنصف صاع شئ أحدثه معاوية برأيه على ما قاله أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام حتى قدم معاوية من الشام فقال لا أرى الا مدين من سمراء الشام يعدل صاعا من طعامكم هذا وأكثر ما في الباب أن الآثار فيه قد اختلفت والاخذ بالاحتياط في باب العبادات واجب والاحتياط في اتمام الصاع وقاسه بالشعير والتمر لعلة
[ 113 ]
أنه أحد الانواع التى تتأدى به صدقة الفطر (ولنا) حديث عبد الله بن ثعلبة بن صعير كما روينا في أول الباب وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم وعن كل اثنين صاعا من بر فالذي روى الصاع كانه سمع آخر الحديث لا أوله وهو قوله وعن كل اثنين والتقدير من البر بنصف صاع مذهب أبى بكر وعمر وعلي وجماعة من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين حتى قال أبو الحسن الكرخي أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه لا يجوز أداء نصف صاع من بر وبهذا يندفع دعواه أنه رأى معاوية ونقيسه على كفارة الاذى لعلة أنها وظيفة المسكين ليوم وفى كفارة الاذى نص فان كعب بن عجرة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما الصدقة فقال ثلاثة آصع على ستة مساكين وليس البر نظير التمر والشعير فان التمر والشعير يشتمل على ما ليس بمأكول وهو النوى والنخالة وعلى ما هو مأكول فأما البر مأكول كله فان الفقير يمكنه أكل دقيق الحنطة بنخالته بخلاف الشعير وقد بينا تفسير الصاع فيما تقدم وانما يعتبر نصف صاع من بر وزنا هكذا رواه أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى وقال ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى كيلا حتى قال قلت له لو وزن الرجل منوين من الحنطة وأعطاها الفقير هل تجوز من صدقته فقال لا فقد تكون الحنطة ثقيلة الوزن وقد تكون خفيفة فانما يعتبر نصف الصاع كيلا وجه قوله ان الآثار جاءت بالتقدير الصاع وهو اسم للمكيال ووجه الرواية الاخرى ان العلماء حين اختلفوا في مقدار الصاع انه ثمانية ارطال أو خمسة ارطال وثلث فقد اتفقوا على التقدير بما يعدل بالوزن فانما يقع عليه كيل الرطل فهو وزنه (قال) ودقيق الحنطة كالحنطة ودقيق الشعير كعينه عندنا وعند الشافعي لا يجوز الاداء من الدقيق بناء على أصله ان في الصدقات يعتبر عين المنصوص عليه (ولنا) حديث أبى هريرة رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أدوا قبل خروجكم زكاة فطركم فان على كل مسلم مدين من قمح أو دقيقه ولان المقصود سدخلة المحتاج وأغناؤه عن السؤال كما قال صاحب الشرع وحصول هذا بأداء الدقيق أظهر لانه أعجل لوصول منفعته إليه وعلى هذا روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال أداء الدقيق أفضل من أداء الحنطة وأداء الدرهم أفضل من أداء الدقيق لانه أعجل لمنفعته وأما من الزبيب يتقدر الواجب بنصف صاع عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ذكره في الجامع الصغير وعلى قول أبى يوسف ومحمد يتقدر بصاع وهو
[ 114 ]
رواية أسد بن عمرو والحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ووجهه ان الزبيب نظير التمر فانهما يتقاربان في المقصود والقيمة فكما يتقدر من التمر بصاع فكذلك من الزبيب وقد روى في بعض الآثار أو صاعا من زبيب وجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان الزبيب نظير البر فانه مأكول فكما يتقدر من البر بنصف صاع لهذا المعنى فكذلك من الزبيب والاثر فيه شاذ وبمثله لا يثبت التقدير فيما تعم به البلوى ويحتاج الخاص والعام إلى معرفته لانه لو كان صحيحا لاشتهر لعلمهم به وان أراد الاداء من سائر الحبوب أعطى باعتبار القيمة وقد بينا جواز اداء القيمة عندنا وهذا لانه ليس في سائر الحبوب نص على التقدير فالتقدير بالرأى لا يكون وكذا من الاقط يؤدى باعتبار القيمة عندنا. وقال مالك رضى الله عنه يتقدر من الاقط بصاع وقال الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه لا أحب له الاداء من الاقط وان أدى فلم يتبين لى وجوب الاعادة عليه وهذا الحديث روى أو صاعا من أقط وبه أخذ مالك رحمه الله تعالى وقال الا قط كان قوتا لاهل البادية في ذلك الوقت كما ان الشعير والتمر كانا قوتا في أهل البلاد وأصحابنا قالوا الحديث شاذ لم ينقل في الآثار المشهورة وبمثله لا يجوز أثبات التقدير فيما تعم به البلوى فيبقي بالقيمة فان كانت قيمته قيمة نصف صاع من بر أو صاع من شعير جاز والا فلا والحاصل ان فيما هو منصوص لا تعتبر القيمة حتى لو أدى نصف صاع من تمر تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من بر لا يجوز لان في اعتبار القيمة هنا ابطال التقدير المنصوص في المؤدى وذلك لا يجوز فاما ما ليس بمنصوص عليه فانه ملحق بالمنصوص باعتبار القيمة إذ ليس فيه ابطال التقدير المنصوص وسويق الحنطة كدقيقها لان التقدير منه نصف صاع لما بينا في الدقيق والله تعالى أعلم بالصواب باب الاعتكاف الاعتكاب قربة مشروعة بالكتاب والسنة اما الكتاب فقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد فالاضافة إلى المساجد المختصة بالقرب وترك الوطئ المباح لاجله دليل على أنه قرب والسنة حديث أبى هريرة وعائشة رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الاواخر من رمضان منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله تعالى وقال الزهري عجبا من الناس كيف تركوا الاعتكاف ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان
[ 115 ]
يفعل الشئ ويتركه وما ترك الاعتكاف حتى قبض وفي الاعتكاف تفريغ القلب عن أمور الدنيا وتسليم النفس إلى بارئها والتحصن بحصن حصين وملازمة بيت الله تعالى (قال) عطاء مثل المعتكف كمثل رجل له حاجة إلى عظيم فيجلس على بابه ويقول لا أبرح حتى تقضي حاجتي والمعتكف يجلس في بيت الله تعالى ويقول لا أبرح حتى يغفر لى فهو أشرف الاعمال إذا كان عن إخلاص ثم جوازه يختص بمساجد الجماعات وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى قال كل مسجد له امام ومؤذن معلوم وتصلى فيه الصلوات الخمس بالجماعة فانه يعتكف فيه وكان سعيد بن المسيب يقول لا اعتكاف الا في مسجدين مسجد المدينة والمسجد الحرام ومن العلماء من قال لا اعتكاف الا في ثلاثة مساجد وضموا إلى هذين المسجدين المسجد الاقصى لقوله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام ومسجد ايليا يعنى مسجد بيت المقدس والدليل على الجواز في سائر المساجد قوله تعالى وأنتم عاكفون في المساجد فعم المساجد في الذكر واختلفت الروايات عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان رضى الله عنهما فروى أن حذيفة قال لابن مسعود عجبا من قوم عكوف بين دارك ودار أبى موسى وأنت لا تمنعهم فقال ابن مسعود ربما حفظوا ونسيت وأصابوا وأخطأت كل مسجد جماعة يعتكف فيه وروى أن ابن مسعود مر بقوم معتكفين فقال لحذيفة وهل يكون الاعتكاف الا في المسجد الحرام فقال حذيفة رضى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مسجد له امام ومؤذن فانه يعتكف فيه وفي الكتاب ذكر عن حذيفة قال لا اعتكاف الا في مسجد جماعة هذا بيان حكم الجواز فأما الافضل فالاعتكاف في المسجد الحرام أفضل منه في سائر المساجد وروى محمد عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه كان يكره الجوار بمكة ويقول إنها ليست بدار هجرة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر منها إلى المدينة وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا بأس بذلك وهو أفضل وعليه عمل الناس اليوم ثم الاعتكاف غير واجب بايجاب الشرع ابتداء الا ان يوجبه العبد بنذره فيلزمه لحديث عمر رضى الله عنه انه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اني نذرت ان أعتكف يوما في الجاهلية أو قال ليلة أو قال يومين فقال أوف بنذرك ومن شرط الاعتكاف الواجب الصوم عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ليس بشرط ومذهبنا مروى عن ابن عباس وعائشة رضى الله عنهما انهما
[ 116 ]
قالا لا اعتكاف الا بصوم ومذهبه مروى عن ابن مسعود وعن على فيه روايتان احدى الروايتين مثل قولنا والثانى ما روى عنه قال ليس على المعتكف صوم الا أن يوجب ذلك على نفسه فالشافعى رحمه الله تعالى استدل بهذا وبحديث عمر رضى الله عنه في سؤاله انى نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالنذر والليل لا يصام فيه ولان ابتداء الاعتكاف من وقت غروب الشمس في حق من نذر أن يعتكف شهرا وما يكون شرط العبادة اقترانه بأوله كالطهارة للصلاة وكذلك الاعتكاف بدوام الليل والنهار ولا صوم بالليل فتبين بهذا انه ليس شرط الاعتكاف ولا هو ركنه لان الصوم أحد أركان الدين والاعتكاف نفل زائد فلا يكون الاقوى ركنا للاضعف بل هو زائد في معنى القربة على ما يتم به الاعتكاف فيلزمه التنصيص عليه كالتتابع في الصوم والقران في الحج (ولنا) ان النبي صلى الله عليه وسلم ما اعتكف الا صائما والافعال المتفقة في الاوقات المختلفة لا تجرى على نمط واحد الا لداع إليه وليس ذلك الا بيان انه من شرائط الاعتكاف والمعنى فيه انه لو قال لله على ان أعتكف صائما يلزمه الجمع بينهما وبقوله صائما ولا يصح ان يجعل نصبا على المصدر كما يقال ضربته وجيعا أي ضربا وجيعا فانه حينئذ يصير كأنه قال اعتكف اعتكافا صائما والصوم لا يكون صفة للاعتكاف فالاعتكاف لبث في مقام لتعظيم ذلك المقام والصوم كف النفس عن اقتضاء الشهوات اتعابا للبدن فكيف يكون صفة للاعتكاف فعرفنا انه نصب على الحال كما يقال دخل الدار راكبا والحال خلو عن الايجاب لانه صفة الموجب لا الواجب ومع ذلك يلزمه الجمع بينهما فعرفنا أنه انما لزمه لانه شرط الاعتكاف كمن يقول اصلى طاهرا وشرط الشئ يتبعه فيثبت بثبوته سواء ذكر أو لم يذكر بخلاف قوله أصوم متتابعا فانه نصب على المصدر لان التتابع صفة الصوم وبخلاف قوله أصلى قائما فانه ينصب قائما على المصدر يقال صلاة قائمة وبخلاف قوله أحج قارنا فان العمرة بالانضمام إلى الحج يزداد فيها معنى القربة ولهذا لزمه دم القران وهو دم نسك وعن كلامه جوابان أحدهما ان الصوم شرط الاعتكاف والشرائط انما تثبت بحسب الامكان ولا يمكن اشتراط الصوم ليلا فسقط للتعذر وجعل الليل تبعا للايام كما ان الشرب والطريق يجعل تبعا في بيع الارض والثانى ان شرط الاعتكاف ان يكون مؤدى في وقت الصوم وبوجود الصوم في النهار يتصف جميع الشهر بأنه وقت الصوم ودليله شهر رمضان
[ 117 ]
فصار الشرط به موجودا كما ان من شرط الصلاة ان يقوم إليها طاهرا وذلك يحصل في جميع البدن بغسل الاعضاء الاربعة وحديث عمر رضى الله عنه دليلنا فان النبي صلى الله عليه وسلم قال له اعتكف وصم وبلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين ان الصحيح من الرواية إنى نذرت ان اعتكف يوما فاما التطوع من الاعتكاف في رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى لا يكون الا بصوم ولا يكون أقل من يوم فجعل الصوم للاعتكاف كالطهارة للصلاة وفى ظاهر الرواية يجوز التنفل بالاعتكاف كالطهارة للصلاة وفى ظاهر الرواية يجوز التنفل بالاعتكاف من غير صوم فانه قال في الكتاب إذا دخل المسجد بنية الاعتكاف فهو معتكف ما أقام تارك له إذا خرج وهذا لان مبنى النفل على المساهلة والمسامحة حتى تجوز صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام وراكبا مع القدرة على النزول والواجب لا يجوز تركه (قال) ولا ينبغى للمعتكف أن يخرج من المسجد الا لجمعة أو غائط أو بول أما الخروج للبول والغائط فلحديث عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج من معتكفه الا لحاجة الانسان ولان هذه الحاجة معلوم وقوعها في زمان الاعتكاف ولا يمكن قضاؤها في المسجد فالخروج لاجلها صار مستثنى بطريق العادة وكان مالك رحمه الله تعالى يقول إذا خرج لحاجة الانسان لا ينبغى أن يدخل تحت سقف فان آواه سقف غير سقف المسجد فسد اعتكافه وهذا ليس بشئ فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل حجرته إذا خرج لحاجة وإذا خرج للحاجة لم يمكث في منزله بعد الفراغ من الطهر لان الثابت للضرورة يتقدر بقدرها وأما إذا خرج للجمعة فلا يفسد اعتكافه عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يفسد اعتكافه فان كان اعتكافه دون سبعة أيام اعتكف في أي مسجد شاء وان كان سبعة أيام أو أكثر اعتكف في المسجد الجامع قال لان ركن الاعتكاف هو المقام والخروج ضده فيكون مفسدا له الا بقدر ما تحققت الضرورة فيه ولا ضرورة في الخروج للجمعة لانه يمكنه أن يعتكف في الجامع فلا يحتاج إلى هذا الخروج فهو والخروج لعيادة المريض وتشييع الجنائز سواء (ولنا) أن الخروج للجمعة معلوم وقوعه في زمان الاعتكاف فصار مستثنى من نذره كالخروج للحاجة والخروج لعيادة المريض ليس بمعلوم وقوعه في زمان الاعتكاف لا محالة وهذا لان الناذر يقصد التزام القربة لا المعصية والتخلف عن الجمعة معصية فيعلم يقينا
[ 118 ]
انه لم يقصده بنذره فإذا اعتكف في الجامع كان خروجه أكثر لانه يحتاج في الخروج لحاجة الانسان إلى الرجوع إلى بيته وإذا كان بيته بعيدا عن الجامع يزداد خروجه إذا اعتكف في الجامع على ما إذا اعتكف في مسجد حيه فإذا أراد الخروج للجمعة قال في الكتاب يخرج حين تزول الشمس فيصلى قبلها أربعا وبعدها أربعا أو ستا قالوا هذا إذا كان معتكفه قريبا من الجامع بحيث لو انتظر زوال الشمس لا تفوته الخطبة ولا الجمعة فإذا كان بحيث تفوته لم ينتظر زوال الشمس ولكنه يخرج في وقت يمكنه ان يأتي الجامع فيصلى أربع ركعات قبل الاذان عند المنبر وفي رواية الحسن ست ركعات ركعتان تحية المسجد وأربع سنة وكذلك بعد الجمعة يمكث مقدار ما يصلى أربع ركعات أو ستا بحسب اختلافهم في سنة الجمعة ولا يمكث أكثر من ذلك لان الخروج للحاجة والسنن تبع للفرائض ولا حاجة بعد الفراغ من السنة فان مكث أكثر من ذلك لم يضره ذكره ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى قال الا ترى انه لو بداله أن يتم اعتكافه في الجامع جاز وهذا لان المفسد للاعتكاف الخروج من المسجد لا المكث في المسجد الا انه لا يستحب له ذلك لانه التزم أداء الاعتكاف في مسجد واحد فلا ينبغى له ان يتمه في مسجدين (قال) ولا يعود المعتكف مريضا ولا يشهد جنازة الا على قول الحسن البصري فانه يروى حديثا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يعود المعتكف المريض ويشهد الجنازة (ولنا) حديث عائشة رضى الله عنهان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في اعتكافه إذا خرج لحاجة الانسان يمر بالمريض فيسأل عنه ولا يعرج عليه ولان هذا لم يكن معلوما وقوعه في مدة اعتكافه فالخروج لاجله لم يكن مستثنى كالخروج لتلقى الحاج وتشييعهم وما كان من أكل أو شرب فانه يكون في معتكفه إذ لا ضرورة في الخروج لاجله فان هذه الحاجة يمكن قضاؤها في معتكفه (قال) وإذا مرض المعتكف في اعتكاف واجب فان أفطر يوما استقبل الاعتكاف لان من شرط الاعتكاف الصوم وقد فات والعبادة لا تبقى بدون شرطها كما لا تبقى بدون ركنها (قال) وإذا خرج من المسجد يوما أو أكثر من نصف يوم فكذلك الجواب لان ركن الاعتكاف قد فات فأما إذا خرج ساعة من المسجد فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يفسد اعتكافه وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يفسد ما لم يخرج أكثر من نصف يوم وقول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أقيس وقولهما أوسع قالا اليسير من الخروج عفو لدفع الحاجة
[ 119 ]
فانه إذا خرج لحاجة الانسان لا يؤمر بان يسرع المشى وله أن يمشى على التؤدة فظهر أن القليل من الخروج عفو والكثير ليس بعفو فجعلنا الحد الفاصل أكثر من نصف يوم فان الا قل تابع للاكثر فإذا كان في أكثر اليوم في المسجد جعل كأنه في جميع اليوم في المسجد كما قلنا في نية الصوم في رمضان إذا وجدت في أكثر اليوم جعل كوجودها في جميع اليوم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ركن الاعتكاف هو المقام في المسجد والخروج ضده فيكون مفوتا ركن العبادة والقليل والكثير في هذا سواء كالاكل في الصوم والحدث في الطهارة (قال) ولا تعتكف المرأة الا في مسجد بيتها وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا اعتكاف الا في مسجد جماعة الرجال والنساء فيه سواء قال لان مسجد البيت ليس له حكم المسجد بدليل جواز بيعه والنوم فيه للجنب والحائض وهذا لان المقصود تعظيم البقعة فيختص ببقعة معظمة شرعا وذلك لا يوجد في مساجد البيوت (ولنا) أن موضع أداء الاعتكاف في حقها الموضع الذي تكون صلاتها فيه أفضل كما في حق الرجال وصلاتها في مسجد بيتها أفضل فان النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل صلاة المرأة فقال في أشد مكان من بيتها ظلمة وفى الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الاعتكاف أمر بقبة فضربت في المسجد فلما دخل المسجد رأى قبابا مضروبة فقال لمن هذه فقيل لعائشة وحفصة فغضب وقال البر يردن بهن وفى رواية يردن بهذا وأمر بقبته فنقضت فلم يعتكف في ذلك العشر فإذا كره لهن الاعتكاف في المسجد مع انهن كن يخرجن إلى الجماعة في ذلك الوقت فلان يمنعن في زماننا أولى وقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انها إذا اعتكف في مسجد الجماعة جاز ذلك واعتكافها في مسجد بيتها أفضل وهذا هو الصحيح لان مسجد الجماعة يدخله كل أحد وهى طول النهار لا تقدر ان تكون مستترة ويخاف عليها الفتنة من الفسقة فالمنع لهذا وهو ليس لمعنى راجع إلى عين الاعتكاف فلا يمنع جواز الاعتكاف وإذا اعتكفت في مسجد بيتها فتلك البقعة في حقها كمسجد الجماعة في حق الرجل لا تخرج منها الا لحاجة الانسان فإذا حاضت خرجت ولا يلزمها به الاستقبال إذا كان اعتكافها شهرا أو أكثر ولكنها تصل قضاء أيام الحيض لحين طهرها وقد بينا هذا في الصوم المتتابع في حقها ومسجد بيتها الموضع الذى تصلى فيه الصلوات الخمس من بيتها (قال) وإذا قال الرجل لله على ان اعتكف شهرا فعليه اعتكاف شهر متتابع في قول علمائنا
[ 120 ]
وقال زفر رحمه الله تعالى هو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق قال لان الاعتكاف فرع عن الصوم فان مالا أصل له في الفرائض لا يصح التزامه بالنذر ولا أصل للاعتكاف في الفرائض سوى الصوم ثم التتابع في الصوم لا يجب بمطلق النذر فكذلك في الاعتكاف والدليل على التسوية ان تعيين الوقت إليه ولا يتعين لادائه الشهر الذى يعقب نذره فيهما بخلاف الايمان والاجال والاجارات فانه يتعين لها الشهر الذى يعقب السبب (ولنا) ان الاعتكاف يدوم بالليل والنهار جميعا فبمطلق ذكر الشهر فيه يكون متتابعا كاليمين إذا حلف لا يكلم فلانا شهرا والآجال والاجارات بخلاف الصوم فانه لا يدوم بالليل والنهار وتأثيره ان ما كان متفرقا في نفسه لا يجب الوصل فيه الا بالتنصيص وما كان متصل الاجزاء لا يجوز تفريقه الا بالتنصيص ثم الاعتكاف من حيث الابتداء يشبه الصوم فان أداءه يستدعى فعلا من جهته وكل وقت لا يصلح له كاليوم الذى أكل فيه بخلاف الايمان فان موجب اليمين لا يستدعى فعلا من جهته وكل وقت يصلح له فيتعين له الوقت الذي يعقب السبب ومن حيث الدوام الاعتكاف يشبه الايمان والآجال دون الصوم فصار الحاصل ان الايمان والآجال والاجارات عامة في الوقت ابتداء ودواما والصوم خاص بالوقت ابتداء ودواما والاعتكاف خاص بالوقت ابتداء عام بالوقت دواما فمن حيث الابتداء ألحقتاه بالصوم فكان تعيين الوقت إليه ومن حيث الدوام ألحقناه بالآجال والايمان فكان متتابعا وكذلك لو قال في نذره ثلاثين يوما فهذا وقوله شهرا سواء لان ذكر أحد العددين من الايام والليالي بعبارة الجمع يقتضى دخول ما بازائه من العدد الآخر قال الله تعالى ثلاث ليال سويا وفى تلك القصة قال في موضع آخر ثلاثة أيام الا رمزا فقوله ثلاثين يوما أي بلياليها فكان متتابعا (قال) وإذا قال لله على اعتكاف شهر بالنهار فهو كما قال ان شاء تابع وان شاء فرق لان وجوب التتابع لاتصال بعض الاجزاء بالبعض وقد انقطع ذلك بتنصيصه على النهار دون الليالى وان لم يقل بالنهار ونواه فنيته باطلة لان الشهر اسم لقطعة من الزمان من حين يهل الهلال إلى ان يهل الهلال فليس في لفظه الشهر ولا الليالى فانما نوى تخصيص ما ليس في لفظه وذلك باطل كمن قال لا آكل ونوى مأكولا دون مأكول ولان هذا استثناء لبعض الوقت الذى سماه والاستثناء بالنية لا يحصل كما لو قال شهرا ونوى نصف شهر بخلاف ما لو قال ثلاثين يوما ونوى النهار دون الليل لان هنا انما نوى حقيقة كلامه فان اليوم في الحقيقة هو بياض النهار
[ 121 ]
فلهذا أعملنا نيته أو لانه نوى تخصيص ما في لفظه (قال) وان قال لله على اعتكاف شهر كذا فمضى ولم يعتكفه فعليه قضاؤه لان اضافة النذر بالاعتكاف إلى زمان بعينه كاضافة النذر بالصوم إليه فيلزمه أداؤه وإذا فوت الاداء فعليه قضاؤه وهذا في شهر سوى رمضان مجمع عليه فأما إذا قال لله على اعتكاف شهر رمضان فمضى ولم يعتكف فان كان لم يصم في الشهر لمرض أو سفر قضى اعتكافه بقضاء صوم الشهر وان كان صام الشهر فعليه اعتكاف شهر بصوم وعند زفر والحسن بن زياد رحمهما الله تعالى لا شئ عليه وهو احدى الروايتين عن أبى يوسف رحمه الله تعالى ووجهه أن اعتكافه تعلق بصوم رمضان فإذا صام رمضان ولم يعتكف بقى الاعتكاف بغير صوم والاعتكاف الواجب لا يكون الا بصوم وجه ظاهر الرواية ان نذره قد صح وتعلق بالزمان الذي عينه فإذا لم يعتكف فيه انقطع هذا التعيين وصار دينا في الذمة فكأنه قال لله على اعتكافه شهر والتزام الاعتكاف يكون التزاما لشرطه وهو الصوم ولهذا قلنا لو اعتكف في رمضان القابل قضاء عما التزمه لا يجوز وعليه كفارة اليمين ان كان أراد يمينا لوجود شرط حنثه وان اعتكف ذلك الشهر الذى سماه الا أنه أفطر منه يوما قضي ذلك اليوم لان الشهر المتعين متجاور الايام لا متتابع فصفة التتابع في الاعتكاف لا ثبت إلا إذا أضافه إلى شهر بعينه (قال) وإذا نذرت المرأة اعتكاف شهر فحاضت فيه فعليها ان تقضى أيام حيضها وتصلها بالشهر فان لم تصلها به فعليها ان تستقبله لان هذا القدر من التتابع في وسعها وما سقط عنها معلوم بأنه ليس في وسعها ولهذا قلنا لو نذرت اعتكاف عشرة أيام فحاضت فيها فعليها الاستقبال (قال) وإذا اعتكف الرجل من غير ان يوجبه على نفسه فهو معتكف ما أقام في المسجد وان قطعه فلا شئ عليه لانه لبث في مكان مخصوص فلا يكون مقدرا باليوم كالوقوف بعرفة وهذا لان المقصود تعظيم البقعة وذلك يحصل ببعض اليوم وقد بينا في هذا رواية الحسن (قال) وإذا اعتكف في مسجد فانهدم فهذا عذر ويخرج منه إلى مسجد آخر لان المسجد المهدوم لا يمكن المقام فيه ولانه خرج من ان يكون معتكفا فالمعتكف مسجد تصلى فيه الصلوات الخمس بالجماعة ولا يتأتى ذلك في المسجد المهدوم فكان عذرا في التحول إلى مسجد آخر (قال) ولا بأس بان يشترى المعتكف ويبيع في المسجد ويتحدث بما بداله بعد ان لا يكون مأثما فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث مع الناس في اعتكافه وصوم الصمت ليس بقربة في
[ 122 ]
شريعتنا والبيع والشراء من جنس الكلام المباح فلا بأس به للمعتكف قالوا وهذا إذا لم يحضر السلعة إلى المسجد فاما احضار السلعة إلى المسجد للبيع والشراء في المسجد مكروه فان النبي صلى الله عليه وسلم قال جنبوا مساجدكم إلى قوله وبيعكم وشراءكم ولان بقعة المسجد تحررت عن حقوق العناد وصارت خالصة لله تعالى فيكره شغلها بالبيع والتجارة بخلاف ما إذا لم يحضر السلعة فقد انعدم هناك شغل البقعة (قال) وإذا أخرجه السلطان من المسجد مكرها في اعتكاف واجب فان دخل مسجد آخر كما تخلص استحسنا ان يكون على اعتكافه وفي القياس عليه الاستقبال وكذلك لو أخذه غريم فحبسه وقد خرج لغائط أو بول من أصحابنا من قال هذا القياس والاستحسان على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والاصح ان عند أبى حنيفة يلزمه الاستقبال وهذا الاستحسان والقياس على قولهما فيما إذا كان خروجه أكثر من نصف يوم وجه القياس ان ركن الاعتكاف وهو اللبث قد فات فيستوى فيه المكره والطائع كما إذا فات ركن الصوم بالاكراه على الاكل وجه الاستحسان انه معذور فيما صنع فانه لا يمكنه مقاومة السلطان ولا دفع الغريم عن نفسه الا بايصال حقه إليه فلم يصر بهذا تاركا تعظيم البقعة ولم يذكر القياس والاستحسان فيما إذا انهدم المسجد فقال بعض مشايخنا الجواب فيهما سواء والاصح ان هناك لا يفسد اعتكافه قياسا واستحسانا لان العذر كان ممن له الحق إذ لا صنع للعباد في انهدام المسجد وهنا العذر كان من جهة العباد فلهذا كان القياس فيه ان يستقبل (قال) وإذا أوجب على نفسه الاعتكاف يوما دخل المسجد قبل طلوع الفجر فأقام فيه إلى أن تغرب الشمس لانه التزم الاعتكاف في جميع اليوم واليوم اسم للوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بدليل الصوم (قال) وان أوجب على نفسه اعتكاف شهر دخل المسجد قبل غروب الشمس لما بينا ان الشهر اسم لقطعة من الزمان وذلك يشتمل على الايام والليالي ومتى دخل في اعتكافه الليل مع النهار فابتداؤه يكون من الليل لان الاصل أن كل ليلة تتبع اليوم الذي بعدها الا ترى انه يصلى التراويح في أول ليلة من رمضان ولا يفعل ذلك في أول ليلة من شوال واليوم الذى بعد ليلته زمان الاعتكاف فكذلك الليلة وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال في شهر بعينه كذلك يدخل في المسجد قبل غروب الشمس فأما في شهر بغير عينه فالخيار إليه ان شاء دخل المسجد قبل طلوع الفجر وان شاء قبل غروب الشمس وهو أفضل (قال) وان أوجب اعتكاف
[ 123 ]
يومين دخل المسجد قبل غروب الشمس فأقام فيه ليلة ويومها والليلة الاخرى ويومها إلى إلى أن تغرب الشمس وكذلك هذا في الايام الكثيرة أما إذا ذكر ثلاثة أيام أو أكثر فالجواب في قولهم جميعان ذكر أحد العددين بعبارة الجمع يقتضى دخول ما بازائه من العدد الآخر فأما إذا ذكر يومين فقد روى عن أبى يوسف أنه يلزمه اعتكاف يومين بليلة نتخللهما فانما يدخل المسجد قبل طلوع الفجر قال لان التثنية غير الجمع فهذا والمذكور بلفظ الفرد سواء الا أن الليلة المتوسطة تدخل بضرورة اتصال بعض الاجزاء بالبعض وهذه الضرورة لا توجد في الليلة لاولى وجه ظاهر الرواية أن في المثنى معنى الجمع قال صلى الله عليه وسلم الاثنان فما فوقهما جماعة فكان هذا والمذكور بلفظ الجمع سواء ألا ترى أنه لو قال ليلتين صح نذره بخلاف ما إذا قال ليلة واحدة (قال) وإذا جامع المعتكف امرأته في الفرج فسد اعتكافه سواء جامعها ليلا أو نهارا ناسيا كان أو عامدا أنزل أو لم ينزل لقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد فصار الجماع بهذا النص محظور الاعتكاف فيكون مفسدا له بكل حال كالجماع في الاحرام لما كان محظورا كان مفسدا للاحرام وقد ذكر ابن سماعة في روايته عن بعض أصحابنا أنه إذا كان ناسيا لا يفسد اعتكافه قال الاعتكاف فرع عن الصوم والفرع بلحق بالاصل في حكمه فان باشرها فيما دون الفرج فان أنزل فسد اعتكافه وان لم ينزل لم يفسد اعتكافه وقد أساء فيما صنع وللشافعي رحمه الله تعالى ثلاثة أقاويل قول مثل قولنا وقوله الآخر انه لا يفسد اعتكافه وان أنزل كما لا يفسد الاحرام بالمباشرة فيما دون الفرج وان أنزل فانهما متقاربان على معنى ان كل واحد منهما يدوم بالليل والنهار والقول الثالث انه يفسد اعتكافه وان لم ينزل لظاهر الآية فان اسم المباشرة يتناول الجماع فيما دون الفرج كما يتناول الجماع في الفرج فصار ذلك محظور الاعتكاف بالنص وجه قولنا ان المباشرة فيما دون الفرج إذا اتصل به الانزال مفسد للصوم والاعتكاف فرع عليه وهو في معنى الجماع في الفرج فيما هو المقصود فيفسد اعتكافه فاما إذا لم يتصل به الانزال فهو ليس في معنى الجماع في الفرج ولا ملحق به حكما في إفساد العبادة ألا ترى أنه لا يفسد به الصوم فكذلك الاعتكاف وهذا كله إذا لم يخرج من المسجد فان خرج لهذا الفعل فسد اعتكافه بالخروج في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى على ما بينا (قال) فإذا أوجب على نفسه اعتكافا ثم مات قبل ان يقضيه أطعم عنه لكل يوم نصف صاع من حنطة وهذا إذا أوصى لان الاعتكاف
[ 124 ]
فرع عن الصوم وقد بينا في الصوم حكم الفدية فكذلك في الاعتكاف. فان قيل الفدية عن الصوم غير معقول ولا هو ثابت بطريق القياس فكيف قستم الاعتكاف عليه والعجب ان في الصلاة قلتم مثل هذا ولا مدخل للقياس فيه. قلنا اما في الاعتكاف فالجواب عن هذا السؤال سهل لان صحة النذر بالاعتكاف باعتبار الصوم فان مالا اصل له في الفرائض لا يصح التزامه بالنذر فكان التنصيص على الفدية في الصوم تنصيصا عليه في الاعتكاف واما في الصلاة فلم يطلق الجواب في شئ من الكتب على الفدية مكان الصلاة ولكن قال في موضع من الزيادات يجزيه ذلك ان شاء الله تعالى فبتقييده بالاستثناء بيان انه لا يثبت الجواب فيه إذ لا مدخل للقياس فيه (قال) وان كان مريضا حين نذر الاعتكاف فلم يبرأ حتى مات فلا شئ عليه لانه ليس للمريض ذمة صحيحة في وجوب أداء الصوم والاعتكاف بناء عليه الا ترى انه لا يلزمه أداء صوم رمضان بشهوده الشهر فكذلك لا يلزمه الاداء بالنذر والفدية تنبنى على وجوب الاداء وان صح يوما ثم مات أطعم عنه عن جميع الشهر في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما لله وفي قول محمد رحمه الله تعالى يطعم عنه بعدد ما صح من الايام وأبو حنيفة وأبو يوسف قالا لما صح فقد صارت له ذمة صحيحة في التزام الاداء فيجعل كالمجدد للنذر في هذا الوقت والصحيح لو نذر اعتكاف شهر ثم مات بعد يوم أطعم عنه لجميع الشهر ان أوصى يجبر الوارث عليه من الثلث وان لم يوص لم يجبر الوارث عليه ولكنه ان أحب فعل فكذلك هذا (قال) وان نذر اعتكاف ليلة لم يلزمه شئ وروى عن أبى يوسف انه ان نوى ليلة بيومها يلزمه وليس بينهما اختلاف في الحقيقة ولكن جواب محمد رحمه الله تعالى فيما إذا لم تكن له نية فاسم الليل خاص بزمان لا يقبل الصوم وشرط الاعتكاف الواجب الصوم فإذا نوى ليلة بيومها عملت نيته اعتبارا للفرد بالجمع فصار شرط الاعتكاف وهو الصوم بنيته موجودا فصح نذره (قال) ولو أصبح في يوم ثم قال لله على أن أعتكف هذا اليوم فان كان قد أكل فيه أو كان بعد الزوال لم يلزمه شئ لانه أضاف النذر بالاعتكاف إلى وقت لا يقبل الصوم في حقه وان كان قبل الزوال ولم يكن أكل شيئا فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يصح نذره وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يصح نذره وهو بناء على ما تقدم بيانه ان القليل من الخروج يفسد الاعتكاف عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما الخروج فيما دون نصف اليوم لا يفسد
[ 125 ]
الاعتكاف وما هو الشرط وهو الصوم يصح منه في هذا اليوم (قال) وان نذر اعتكاف وقت ماض وهو يعلم أولا يعلم فلا شئ عليه لان ما يوجبه على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى ولم يتعبد الله بشئ من العبادات في الزمان الماضي وصحة الاداء باعتبار امكان الاداء وذلك لا يتحقق في الزمن الماضي (قال) وان أحرم المعتكف بحج أو عمرة لزمه الاحرام لانه لا منافاة بين الاعتكاف والاحرام ثم يتم اعتكافه ويشرع فيه واداء المناسك يحتمل التأخير عن الاحرام فإذا فرغ منه مضى في احرامه الا أن يخاف فوت الحج فحينئذ يدع الاعتكاف ويحج لان ما يخاف فوته يكون أهم فيبدأ به ثم يستقبل الاعتكاف لانه قد لزمه بالنذر متتابعا فإذا انقطع التتابع لخروجه كان عليه ان يستقبله (قال) وان أوجب على نفسه اعتكافا ثم ارتد والعياذ بالله ثم أسلم سقط عنه الاعتكاف اعتبارا لما التزمه بما أوجب الله تعالى وشئ من العبادات التى كانت واجبة عليه لحق لله تعالى خالصا لا يبقى بعد الردة لانه بالردة خرج من ان يكون أهلا للعبادة فان الاهلية للعبادة بكونه أهلا لثوابها والمرتد ليس بأهل لثواب العبادة ولانه بالردة التحق بكافر أصلي فان الردة تحبط عمله والكافر الاصلى إذا أسلم لم يكن عليه اعتكاف ما لم يلتزمه بنذره بعد الاسلام فهذا مثله (قال) وإذا نذر المملوك اعتكافا صح نذره لان له ذمة صحيحة في التزام الاداء الا أن لمولاه ان يمنعه منه لان منافعه مستحقة للمولى الا ما صار مستثنى شرعا وذلك مقدار ما تتأدى به الفرائض فلا يدخل فيه ما يلتزمه من الاعتكاف باختياره فكان للمولى منعه فإذا اعتق قضاه وكذلك الزوج له ان يمنع امرأته من الاعتكاف الذى التزمته بنذرها لان منافعها مستحقة للزوج بعقد النكاح وأما المكاتب فليس لمولاه منعه لانه صار أحق بنفسه ومنافعه والذى بينا في النذر كذلك في الشروع فان كان باذن المولى والزوج فليس للزوج منع زوجته من الاتمام وللمولى منع عبده وان كان لا يستحب له ذلك لان الزوج بالاذن ملكها منافعها وهي من أهل الملك والمولى بالاذن ما ملك العبد منافعه لانه ليس من أهل الملك ولكنه وعد فالوفاء له وخلف الوعد مذموم فلا يستحب له منعه فان فعل لم يكن عليه شئ غير أنه قد أساء وأثم وهو قياس الاحرام فان المرأة إذا أحرمت باذن زوجها لم يكن للزوج أن يحللها والعبد إذا أحرم باذن مولاه كان للمولى أن يحلله وان كره له ذلك (قال) وإذا أكل المعتكف نهارا ناسيا لم يضره الاكل لان حرمة الاكل لاجل الصوم لا لاجل الاعتكاف حتى اختص
[ 126 ]
بوقت الصوم والاكل ناسيا لا يفسد الصوم بخلاف ما إذا جامع ناسيا فحرمة الجماع لاجل الاعتكاف حتى يعم الليل والنهار جميعا وقد بينا ان ما كانت حرمته لاجل الاعتكاف يستوى فيه الناسي والعامد بالقياس على الاحرام ومعنى الفرق أنه متى اقترن بحاله ما يذكره لا يبتلى فيه بالنسيان عادة فيعذر لاجله ففى الاحرام هيئة المحرمين مذكرة له وفى الاعتكاف كونه في المسجد مذكرا له فأما في الصوم لم يقترن بحاله ما يذكره لانه غير ممنوع عن التصرف في الطعام في حالة الصوم ألا ترى أن في الاكل في الصلاة سوى بين النسيان والعمد لانه ليس من جنس أركان الصلاة (قال) وإذا أغمى على المعتكف أياما أو أصابه لمم فعليه إذا برء أن يستقبل الاعتكاف لان ما هو شرط الاداء وهو الصوم قد انعدم بتطاول الاغماء فعليه الاستقبال فان صار معتوها ثم أفاق بعد سنين ففى القياس ليس عليه قضاء الاعتكاف كما لا يلزمه قضاء الفرائض لسقوط الخطاب عنه بالعته وفي الاستحسان عليه القضاء لان سبب الالتزام تقرر قبل العته فكان بمنزلة الفرائض التى لزمته بتقرر السبب قبل العته وهذا لانه بالعته لم يخرج من أن يكون أهلا للعبادة فانه أهل لثوابها فبقيت ذمته صالحة للوجوب فيها فيما تقرر سببه (قال) ويلبس المعتكف وينام ويأكل ويدهن ويتطيب بما شاء فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك كله في اعتكافه (قال) ولا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال فان حرمة هذه الاشياء ليس لاجل الاعتكاف الا ترى انه كان محرما قبل الاعتكاف ولا يفوت به ركن الاعتكاف وهو اللبث ولا شرطه وهو الصوم وكذلك ان سكر ليلا لما بينا ان حرمة السكر ليست لاجل الاعتكاف فلا يكون مؤثرا فيه (قال) وصعود المعتكف على المئذنة لا يفسد اعتكافه اما إذا كان باب المئذنة في المسجد فهو والصعود على سطح المسجد سواء وان كان بابها خارج المسجد فكذلك من أصحابنا من يقول هذا قولهما فاما عند أبى حنيفة رضى الله عنه فينبني ان يفسد اعتكافه للخروج من المسجد من غير ضرورة والاصح انه قولهم جميعا واستحسن أبو حنيفة هذا لانه من جملة حاجته فان مسجده انما كان معتكفا لاقامة الصلاة فيه بالجماعة وذلك انما يتأتى بالاذان وهو بهذا الخروج غير معرض عن تعظيم البقعة أصلا بل هو ساع فيما يزيد في تعظيم البقعة فلهذا لا يفسد اعتكافه (قال) ولا بأس بان يخرج رأسه من المسجد إلى بعض أهله ليغسله لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه كان يخرج رأسه إلى عائشة فكانت تغسله وترجله ولانه باخراج رأسه لا يصير خارجا من المسجد فان من حلف
[ 127 ]
لا يخرج من هذه الدار فأخرج رأسه منها لم يحنث وان غسل رأسه في المسجد في اناء فلا بأس بذلك إذ ليس فيه تلويث المسجد. وذكر حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدار ان يعتكف أصبح في المكان الذى يريد أن يعتكف فيه ففي هذه دليل على ان من أراد اعتكاف يوم أو نذر ذلك ينبغي أن يدخل المسجد قبل طلوع الفجر وقد بينا هذا (قال) وان نذر اعتكاف يوم العيد قضاه في وقت آخر وكفر عن يمينه ان كان أراد يمينا وان اعتكف فيه اجزأه وقد اساء وهذا عندنا اعتبارا للاعتكاف بالصوم وقد بينا هذه الاحكام في النذر بصوم يوم العيد فكذلك الاعتكاف وذكر محمد رحمه الله في الاصل حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الاوسط من رمضان فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال ان ما تطلبت وراءك فقال عليه السلام من كان معتكفا معنا فليعد إلى معتكفه وانى أرانى أسجد في ماء وطين فقال أبو سعيد فمطرنا وكان عريش المسجد من جريد فوكف فو الذى بعثه بالحق لقد صلى بنا المغرب ليلة الحادى والعشرين وانى أرى جبهته وأرنبة أنفه في الماء والطين وانما أورد هذا الحديث لبيان ليلة القدر وفيه اختلاف بين الصحابة والعلماء بعدهم فأما أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه كان مذهبه ان ليلة القدر الحادى والعشرون لهذا الحديث ولم يأخذ به علماؤنا لما صح في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من فاته ثلاث ليال فقد فاته خير كثير ليلة التاسع عشر والحادي والعشرين وآخرها ليلة فقيل سوى ليلة القدر يا رسول الله فقال سوى ليلة القدر وليس في حديث أبى سعيد كبير حجة فانه لم يقل أراني أسجد في ماء وطين في ليلة القدر وكان علي بن أبى طالب رضى الله عنه يقول انها ليلة الخامس والعشرين فانه صح في الحديث أن نزول القرآن كان لاربع وعشرين مضين من رمضان. وقال الله تعالى انا أنزلناه في ليلة القدر والهاء كناية عن القرآن باتفاق المفسرين فإذا جمعت بين الآية والحديث تبين أنها ليلة الخامس والعشرين وأكثر الصحابة على أنها ليلة السابع والعشرين فقد ذكر عاصم عن ذر بن حبيش قال قلت لابي بن كعب يا أبا المنذر أخبرني عن ليلة القدر فان ابن مسعود كان يقول من يقم الحول يدركها فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن قد كان يعلم انها ليلة السابع والعشرين ولكنه أراد حث الناس على الجهد في جميع الحول قلت بم عرفت ذلك قال بالعلامة التى أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتبرناها فوجدناها قلت وما تلك
[ 128 ]
العلامة قال تطلع الشمس من صبيحتها كأنها طست لا شعاع لها وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول إنها ليلة السابع والعشرين فقيل له ومن أين تقول ذلك قال لان سورة القدر ثلاثون كلمة وقوله هي الكلمة السابعة والعشرون وفيها اشارة إلى ليلة القدر وذكر الفقيه أبو جعفر ان المذهب عند أبى حنيفة رضى الله عنه أنها تكون في شهر رمضان ولكنها تتقدم وتتأخر وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تكون في شهر رمضان لا تتقدم ولا تتأخر وفائدة الاختلاف ان من قال لعبده أنت حر ليلة القدر فان قال ذلك قبل دخول شهر رمضان عتق إذا انسلخ الشهر وان قال ذلك بعد مضى ليلة من الشهر لم يعتق حتى ينسلخ شهر رمضان من العام القابل في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لجواز أنها كانت في الشهر الماضي في الليلة الاولى وفى الشهر الآتى في الليلة الاخيرة وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا مضت ليلة من الشهر في العام القابل فجاء مثل الوقت الذى حلف فيه عتق لان ؟ ؟ هما لا تتقدم ولا تتأخر بل هي في ليلة من الشهر في كل وقت فإذا جاء مثل ذلك الوقت فقد تيقنا بمجئ الوقت المضاف إليه العتق بعد يمينه فلهذا عتق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب (بسم الله الرحمن الرحيم) كتاب نوادر الصوم (قال) الشيخ الامام شمس الائمة أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى املاء اعلم بأن موجب النذر الوفاء. قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم والناذر معاهد لله تعالى بنذره فعليه الوفاء بذلك وقد ذم الله تعالى قوما تركوا الوفاء بالنذر فقال تعالى ومنهم من عاهد الله الآية وانما يذم المرء بترك الواجب ومدح قوما بالوفاء بالنذر فقال تعالى يوفون بالنذر ويخافون الآية ثم النذر انما يصح بما يكون قربة مقصودة فأما ما ليس بقربة مقصودة فانه لا يصح التزامه بالنذر لقوله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه ولان الناذر لا يجعل ما ليس بعبادة عبادة وانما يجعل العبادة المشروعة نفلا واجبا بنذره وما فيه معنى القربة ولكن ليس بعبادة مقصودة بنفسها كتشييع الجنازة وعيادة المريض لا يصح التزامه بالنذر الا في رواية الحسن بن أبى مالك عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهم الله قال ان نذر أن يعود مريضا اليوم صح نذره وان نذر أن
[ 129 ]
يعود فلانا لا يلزمه شئ لان عيادة المريض قربة شرعا قال صلى الله عليه وسلم عائد المريض يمشى على محارف الجنة حتى يرجع وعيادة فلان بعينه لا يكون معنى القربة فيها مقصودا للناذر بل معنى مراعاة حق فلان فلا يصح التزامه بالنذر وفى ظاهر الرواية قال عيادة المريض وتشييع الجنازة وان كان فيه معنى حق الله تعالى فالمقصود حق المريض والميت والناذر انما يلتزم بنذره ما يكون مشروعا حقا لله تعالى مقصودا إذا عرفنا هذا فنقول النذر اما ان يكون بالصدقة أو بالصوم أو الصلاة أو الاعتكاف فنبدأ بالنذر بالصدقة فنقول اما ان يعين الوقت بنذره فيقول لله على ان أتصدق بدرهم غدا أو يعين المكان فيقول في مكان كذا أو يعين المتصدق عليه فيقول على فلان المسكين أو يعين الدرهم فيقول لله على ان تصدق بهذا الدرهم وفى الوجوه كلها يلزمه التصدق بالمنذور عندنا ويلغو اعتبار ذلك التقييد حتى لو تصدق به قبل مجئ ذلك الوقت أو في غير ذلك المكان أو على غير ذلك المسكين أو بدرهم غير الذى عينه خرج عن موجب نذره وعلى قول زفر لا يخرج عن موجب نذره الا بالا ؟ ؟ كما التزمه قال لان في الفاظ العباد يعتبر اللفظ ولا يعتبر المعنى الا ترى ان من قال لغيره طلق امرأتي للسنة فطلقها لغير السنة لم يقع ولو امره ان يتصدق بدرهم على فلان الفقير فتصدق على غيره كان مخالفا وهذا لان أوامر العباد قد تكون خالية عن فائدة حميدة فلا يمكن اعتبار المعنى فيها وانما يعتبر اللفظ فلا يحصل الوفاء الا بالتصدق على الوجه الذى التزمه وعلماؤنا رحمهم الله قالوا ما يوجبه المرء على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى عليه الا ترى ان مالله تعالى من جنسه واجبا على عباده صح التزامه بالنذر وما ليس لله تعالى من جنسه واجبا على عباده لا يصح التزامه بالنذر ثم ما أوجب الله تعالى من التصدق بالمال مضافا إلى وقت يجوز تعجيله قبل ذلك الوقت كالزكاة بعد كمال النصاب قبل حولان الحول وصدقة الفطر قبل مجئ يوم الفطر فكذلك ما يوجبه العبد على نفسه وهذا لان صحة النذر باعتبار معنى القربة وذلك في التزام الصدقة لا في تعيين المكان والزمان والمسكين والدرهم وانما يعتبر من التعيين ما يكون مفيدا فيما هو المقصود لا ما ليس بمفيد ومعنى العبادة في التصدق باعتبار سدخلة المحتاج إذ أخرج المتصدق ما يجرى فيه الشح والضنة عن ملكه ابتغاء مرضاة الله تعالى وهذا المعنى حاصل بدون مراعاة تعيين المكان والزمان وبهذا يتبين الجواب عما اعتمد عليه من اعتبار اللفظ فان صحة النذر لم تكن باعتبار اللفظ
[ 130 ]
بل باعتبار معنى القربة كما بينا وبه فارق الوصية فان صحة الوصية لم يكن باعتبار معنى القربة فلهذا اعتبرنا تعيين المصروف إليه فصار فلان موصى له بما سمى فإذا دفعه إلى غيره كان مخالفا أمر الموصى وهذا بخلاف ما إذا قال قدم فلان فلله على أن أتصدق بدرهم فتصدق به قبل قدوم فلان لم يجزه وكذلك لو قال إذا جاء غد لان هناك علق النذر بالشرط والمعلق بالشرط معدوم قبل وجود الشرط وانما يجوز الاداء بعد وجود السبب والسبب هو النذر فإذا علقه بالشرط كان معدوما قبله وهنا أضاف النذر إلى وقت والاضافة إلى وقت لا يخرجه من أن يكون سببا في الحال فيجوز التعجيل بمنزلة أداء الزكاة قبل كمال الحول وعلى قول الشافعي رضى الله عنه يجوز التعجيل قبل قدوم فلان بناء على مذهبه في جواز التكفير بالمال بعد اليمين قبل الحنث وقد بينا المسألة في كتاب الايمان وأما النذر بالعبادات البدنية فاما أن يضيفه إلى مكان أو زمان أما إذا أضافه إلى زمان بأن قال لله على أن أصوم رجب فصام شهرا قبله أجزأه عن المنذور في قول أبى يوسف وهو رواية الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى وفى قول محمد وزفر لا يجزئه وكذلك لو قال لله على أن أعتكف رجب فاعتكف شهرا قبله أو قال لله على أن أصلى ركعتين غدا فصلى اليوم فهو على هذا الخلاف وجه قول محمد وزفر رحمهما الله ان ما يوجبه العبد على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى عليه وما أوجب الله تعالى عليه من الصوم في وقت بعينه لا يجوز تعجيله على ذلك الوقت كصوم رمضان وكذلك ما أوجب الله تعالى عليه من الصلاة في وقت بعينه كصلاة الظهر لا يجوز تعجيلها قبل الزوال فكذلك ما يوجبه على نفسه وبه فارق الصدقة ولان بالنذر بالصوم جعل ما هو المشروع في الوقت نفلا واجبا بنذره ولهذا لا يصح اضافة النذر بالصوم إلى الليل لان الصوم غير مشروع فيه نفلا والمشروع من الصوم في وقت غير المشروع في وقت آخر ونذره تعلق بالصوم المشروع في الوقت المضاف إليه حتى يتأدى فيه بمطلق النية وبالنية قبل الزوال ولو لم يتعين صوم ذلك الوقت بنذره لما تأدى الا بالنية من الليل كما لو أطلق النذر بالصوم وجه قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ان الناذر يلتزم بنذره الصوم دون الوقت لان معنى القربة في الصوم باعتبار انه عمل بخلاف هوى النفس وانما يلزم بالنذر ما هو قربة وتعيين الوقت غير مفيد في هذا المعنى فلا يكون معتبرا كما في الصدقة ولا يقال الصوم في بعض الاوقات قد يكون أعظم في الثواب كما ورد به الاثر في صوم الايام البيض وفى صوم بعض الشهور
[ 131 ]
والايام لان بالاجماع النذر لا يتقيد بالفضيلة التى في الوقت المضاف إليه حتى لو نذر ان يصوم يوم عرفة أو يوم عاشوراء فصام بعد مضى ذلك اليوم يوما دونه في الفضيلة فانه يخرج عن موجب نذره وهذا بخلاف صوم رمضان وصلاة الظهر لان الشرع جعل شهود الشهر سببا لوجوب الصوم قال الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومثل هذا لبيان السبب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه ومن ملك ذارحم محرم فهو حر وكذلك الشرع جعل زوال الشمس سببا لوجوب صلاة الظهر قال الله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس فإذا أدى قبل ذلك الوقت كان مؤديا قبل وجود سبب الوجوب فلهذا لا يجوز اما هنا الناذر لم يجعل الوقت بنذره سببا للوجوب لانه ليس للعباد ولاية نصب الاسباب فيكون السبب متقررا قبل مجئ الوقت المضاف إليه وان كان وجوب الاداء متأخرا فلهذا جاز التعجيل وهو نظير المسافر في شهر رمضان إذا صام كان مؤديا للفرض وان كان وجوب الاداء متأخرا في حقه إلى عدة من أيام أخر والحرف الثاني انه أدى العبادة بعد وجود سبب وجوبها قبل وجوبها فيجوز كما لو كفر بعد الجرح قبل زهوق الروح في قتل المسلم أو في قتل الصيد وبيان الوصف ان هذه عبادة تضاف إلى النذر لا إلى الوقت يقال صوم النذر والواجبات تضاف إلى أسبابها والاضافة إلى وقت لا يمنع كونه نذرا في الحال بدليل ان التعجيل في النذر بالصدقة يجوز بالاتفاق وما لم يوجد السبب لا يجوز الاداء هناك كما لو علق النذر بالشرط وبعد وجود السبب يجوز التعجيل ماليا كان أو بدينا كما في كفارة القتل وكما لو صام المسافر في شهر رمضان يجوز لوجود السبب وهو شهود الشهر فإذا ثبت هنا ان السبب وهو النذر متقرر قلنا يجوز تعجيل الاداء وفى جواز التعجيل هنا منفعة للناذر فربما لا يقدر على الاداء في الوقت المضاف إليه لمرض أو غيره وربما تخترمه المنية قبل مجئ ذلك الوقت الا انه بالاضافة إلى ذلك الوقت قصد التخفيف على نفسه حتى لو مات قبل مجئ ذلك الوقت لا يلزمه شئ فأعطيناه مقصوده واعتبرنا تعيينه في هذا الحكم وجوزنا التعجيل لتوفير المنفعة عليه كما في الصدقة إذا عين الدراهم فهلكت تلك الدراهم لم يلزمه شئ ولو تصدق بمثلها وأمسكها خرج عن موجب نذره وإذا ثبت اعتبار التعيين من هذا الوجه قلنا يجوز الاداء بمطلق النية وبالنية قبل الزوال لان تعيينه معتبر فيما يرجع إلى النظر له وفى التأدى بمطلق النية قبل الزوال معنى النظر له فاعتبرنا تعيينه في هذا الحكم وأما إذا عين
[ 132 ]
المكان بان قال لله علي ان أصوم شهرا بمكة أو أعتكف فصام أو اعتكف في غير ذلك المكان خرج عن موجب نذره عندنا وقال زفر لا يخرج عن موجب نذره وكذلك لو قال لله على ان أصلى ركعتين بمكة فصلاهما هنا أجزأه عندنا خلافا لزفر والاصل عنده انه لا يخرج عن موجب نذره الا بالاداء في المكان الذى عينه أو في مكان هو أعلى من المكان الذى عينه وأفضل البقاع لادء الصلاة فيها المسجد الحرام ثم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم مسجد بيت المقدس على ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجد بيت المقدس تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجدي هذا وصلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في مسجد بيت المقدس وصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي هذا فإذا نذر أن يصلى في المسجد الحرام ركعتين لا يجوز أداؤهما الا في ذلك الموضع عنده وان نذر أن يصلى ركعتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أداؤهما الا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في المسجد الحرام وإذا نذر الصلاة في مسجد بيت المقدس لا يجوز أداؤها الا في احد هذه المساجد الثلاثة ولا يجوز أداؤها في غير هذه المساجد في سائر البلاد وإذا نذر الصلاة في المسجد الجامع لا يجوز أداؤها في مسجد المحلة وإذا نذر الصلاة في مسجد المحلة يجوز أداؤها في المسجد الجامع ولا يجوز أداؤها في بيته واعتمد في ذلك ما روى أن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم انى نذرت ان فتح الله عليك مكة أن أصلى ركعتين في البيت فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها وأدخلها الحطيم وقال صلي ههنا فان الحطيم من البيت الحديث فهذا دليل اعتبار تعيينه المكان في النذر بالصلاة وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى نذرت أن أصلى ركعتين في مسجد بيت المقدس فقال من صلى في مسجدي هذا فكانما صلى في بيت المقدس فهو دليل على جواز الاداء في مكان هو أعلى من المكان الذى عينه ولان المذهب عند أهل السنة والجماعة ان لبعض الا مكنه فضيلة على البعض وكذلك لبعض الازمنة فإذا عين لنذره مكانا ثم أدى في مكان دون ذلك المكان في الفضيلة فانما يقيم الناقص مقام الكامل مع قدرته على الاداء بصفة الكمال كما التزمه فلا يجوز وان أدى في مكان هو أفضل من المكان الذى عينه فقد أدى اتم مما التزمه فيجزيه ذلك الا ترى أنه لو نذر ان يصوم يوما فصام بالنية قبل الزوال لا يخرج عن موجب نذره لان المؤدى
[ 133 ]
انقص مما التزمه وهذا بخلاف ما إذا أضاف النذر إلى وقت فاضل فمضى ذلك الوقت لان هناك قد تحقق العجز عن الاداء بالصفة التى التزمه ولهذا لم يجوز زفر التعجيل على ذلك الوقت لان العجز لا يتحقق قبل مجئ ذلك الوقت وحجتنا في ذلك ان صحة النذر باعتبار معنى القربة وذلك في الصلاة لا في المكان لان الصلاة تعظيم لله تعالى بجميع البدن وفي هذا المعنى الامكنة كلها سواء وان كان الاداء في بعض الامكنة أفضل فذلك لا يدل على ان الواجب لا يتأدى بدون ذلك كما في اداء المكتوبات ولا شك ان أداء الصلاة بالجماعة في المسجد أفضل وقد أمر شرعا بالاداء بهذه الصفة ومع ذلك إذا أداها في بيته وحده سقط عنه الواجب ولما بين النبي صلى الله عليه وسلم ثواب المتطوع بالصلاة في هذه المساجد قال وأفضل ذلك كله صلاة الرجل في بيته في جوف الليل الآخر ثم عنده لو التزم صلاة في بعض هذه البقاع فصلاها في بيته لم يجز ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل صلاة المرأة فقال في أشد مكان من بيتها ظلمة فعلى هذا ينبغي أنها إذا التزمت الصلاة في المسجد الحرام فصلت في أشد مكان من بيتها ظلمة أن تخرج عن موجب نذرها وعند زفر رحمه الله تعالى لا تخرج والذى يوضح ما قلنا ان الناذر انما يلتزم بنذره ما هو من فعله لا ما ليس من فعله والمكان ليس من فعله فيكون هو بالنذر ملتزما للصلاة دون المكان وفى أي موضع صلي فقد أدى ما التزمه فيخرج عن موجب نذره وان كان الاداء في الموضع الذى عينه أفضل (قال) وان قال لله على أن أصوم شهرا متتابعا فأفطر يوما في الشهر استقبل الشهر من أوله لان ما يوجبه على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى عليه وما أوجب الله تعالى عليه من الصوم متتابعا إذا أفطر فيه يوما لزمه الاستقبال كصوم الظهار والقتل فكذلك ما يوجبه على نفسه بخلاف ما إذا أطلق النذر بالصوم فان ما أوجب الله تعالى عليه من الصوم مطلقا وهو قضاء رمضان إذا أفطر فيه يوما لا يلزمه الاستقبال فكذلك ما يوجبه على نفسه (قال) ولو قال لله على أن أصوم رجب متتابعا فأفطر فيه يوما فعليه قضاء ذلك اليوم وحده لان ما يوجبه على نفسه من الصوم في وقت بعينه معتبر بما أوجب الله عليه من الصوم في وقت بعينه وهو صوم رمضان وهذا لان ذكر التتابع في شهر بعينه غير معتبر لان المعين لا يعرف الا بصفته وانما ذكر الصفة لتعريف ما ليس بمعين فيعتبر ذلك عند اطلاق لفظ الشهر ولا يعتبر عند التعيين ولان أيام الشهر المعين تكون متجاورة لا متتابعة فذكر التتابع
[ 134 ]
في الشهر المعين وجوده كعدمه وكذلك لو قال لله على أن أصوم شهرا وهو يعنى رجب بعينه لان المنوي من محتملات لفظه فيجعل كالمصرح به وفى الكتاب أشار إلى فرق آخر فقال في الشهر المعين إذا أفطر يوما فقد عجز عن أداء الصوم على الوجه الذى التزمه لانه لو استقبل الصوم لم يكن مؤديا في ذلك الوقت الذى أوجبه على نفسه وعند اطلاق الشهر بعد ما أفطر يوما هو قادر على أن يصوم شهرا متتابعا كما التزمه فلهذا أوجبنا عليه الاستقبال (قال) وان أراد بقوله لله على يمينا كفر عن يمينه مع قضاء ذلك اليوم في الشهر المعين لان المنوي من محتملات لفظه فان في النذر معنى اليمين قال صلى الله عليه وسلم النذر يمين وكفارته كفارة اليمين وقد حنث حين أفطر يوما فعليه الكفارة والقضاء لان ظاهر كلامه نذر وهذا قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وأما عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ان أراد به اليمين فعليه الكفارة دون القضاء وان أراد النذر أو أرادهما فعليه القضاء دون الكفارة لان لفظه للنذر حقيقة ولليمين مجازا ولا يجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد ولكنا نقول قوله لله على يمين فان اللام والباء يتعاقبان قال الله آمنتم به وفي موضع آخر قال آمنتم له فقوله لله بمنزلة قوله بالله وقال ابن عباس رضى الله عنه دخل آدم الجنة فلله ما غربت الشمس حتى خرج معناه بالله وقوله على نذر فانما أثبتنا كل واحد من الحكمين بلفظ آخر ثم الحالف يلتزم البر حقا لله تعالى والناذر يلتزم الوفاء حقا لله تعالى فكان اللفظ محتملا لكل واحد منهما لا أن يكون حقيقة لاحدهما مجازا للآخر فيكون بمنزلة اللفظ العام الا ان عند الاطلاق يحمل على النذر لغلبة الاستعمال فإذا نوى اليمين مع ذلك كان اللفظ متناولا لهما بمنزلة اللفظ العام في كونه متناولا لجميع محتملاته (قال) ولو قال لله على صوم يوم فأصبح من الغد لا ينوى صوما فلم تزل الشمس حتى نوى ان يصومه عن نذره لم يجزه ذلك بخلاف ما إذا قال لله على صوم غد لان ما يوجبه على نفسه في الوجهين معتبر بما أوجب الله تعالى عليه من الصوم في وقت بعينه وهو صوم رمضان يتأدى بالنية قبل الزوال وما كان في وقت بغير عينه لا يتأدى الا بنية من الليل نحو قضاء رمضان فكذلك ما يوجب على نفسه في الوجهين وهذا المعنيين أحدهما ان عند تعيين اليوم امساكه في أول النهار يتوقف على الصوم المنذور عند وجود النية فإذا وجدت النية قبل الزوال استندت إلى أول النهار لتوقف الامساك عليه وذلك لا يوجد فيما إذا أطلق النذر والثانى أن في النذر المعين إذا ترك النية من الليل فقد تحقق عجزه
[ 135 ]
عن أدائه بصفة الكمال كما التزمه فجوزناه بضرب نقصان بطريق اقامة النية في أكثر النهار مقام النية في جميع النهار لاجل العجز وذلك لا يوجد فيما إذا لم يعين الوقت فانه قادر على أن يصوم يوما آخر بصفة الكمال كما التزمه ثم هنا ذكر النية قبل الزوال وفي كتاب الصوم قبل انتصاف النهار وهو الصحيح لان الشرط وجود النية في أكثر وقت الصوم وذلك لا يوجد إذا نوى قبل الزوال لان ساعة الزوال نصف النهار من طلوع الشمس ووقت الصوم من طلوع الفجر فانما يشترط وجود النية في وقت الضحوة على وجه تكون النية موجودة في أكثر وقت الصوم فإذا نوى بالنهار في النذر المطلق لم يجزه عن المنذور وكان صائما عن التطوع والمستحب له أن يتمه فان أفطر فلا قضاء عليه عندنا. وقال زفر رحمه الله الله تعالى عليه القضاء وأصل المسألة فيما إذا شرع في الصوم على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس عليه وقد بينا ذلك في كتاب الصوم وانما شبهنا هذه المسألة بتلك المسألة لان في الموضعين جميعا انما قصد اسقاط الواجب عن نفسه وما قصد التنفل بالصوم وانما جعل شارعا في النفل من غير قصده على سبيل النظر له لكيلا يضيع سعيه لا على سبيل الايجاب عليه فإذا أفطر لم يلزمه القضاء (قال) ولو قال لله على أن أصوم غدا ثم أصبح فنوى أن يصوم تطوعا فانه يكون صومه مما أوجبه على نفسه بخلاف ما إذا أطلق النذر وهذا للاصل الذى بيناه أن ما أوجب الله في وقت بعينه وهو صوم رمضان يتأدى بمطلق النية وبنية النفل وما أوجب الله تعالى عليه من الصوم في وقت بغير عينه لا يتأدى الا بتعيين النية فكذلك ما أوجبه على نفسه وهذا لان الناذر لا يجعل بنذره ما ليس بمشروع مشروعا ولكن يجعل ما كان مشروعا نفلا في الوقت واجبا على نفسه ففي النذر المعين انما التزم الصوم المشروع في هذا الزمان وقد أصابه بمطلق النية وبنية النفل الا ترى أنه قبل النذر كان مصيبا له بهذه النية فكذلك بعد النذر وعند اطلاق النذر الواجب في ذمته والمشروع في هذا اليوم غير متعين لما هو الواجب في ذمته فانما يكون بمطلق النية وبنية النفل مصيبا للمشروع في هذا الوقت وهو التطوع فلا يكون محولا عن ذمته ما التزمه فيها إلى المشروع في هذا الوقت بدون تعيين النية (قال) ولو قال لله على ان أصوم رجب ثم ظاهر من امرأته فصام شهرين متتابعين أحدهما رجب اجزاه من الظهار كما نواه وعليه قضاء المنذور بخلاف ما إذا صام عن ظهاره شهرين أحدهما رمضان وهو مقيم فان صومه
[ 136 ]
يكون عن فرض رمضان وأشار إلى الفرق بينهما في الكتاب فقال لان صوم الظهار مثل صوم المنذور من حيث ان كل واحد منهما وجب بسبب من جهته فعن ايهما نواه كان عن ذلك واما صوم رمضان أقوى من صوم الظهار لانه واجب بايجاب الله تعالى ابتداء وصوم الظهار انما وجب بسبب من جهة العبد والضعيف لا يظهر في مقابلة القوى فلهذا كان صومه عن فرض رمضان على كل حال ولكن هذا ليس بقوى فانه لا مساواة بين صوم الظهار وصوم المنذور لان المنذور هو المشروع في رجب نفسه وصوم الظهار واجب في ذمته فينبغي ان يترجح المنذور باعتبار السبق لان صوم الظهار انما يتحول من ذمته إلى المشروع في الوقت بنيته وقد كان النذر سابقا على هذه النية ولان المشروع في الوقت لما صار واجبا عليه بنذره لا يبقى صالحا لصوم الظهار لان ما في ذمته انما يتأدى بما كان مشروعا في الوقت له لا عليه فالفرق الصحيح بينهما ان قبل نذره كان الصوم المشروع في رجب صالحا لاداء صوم الظهار فلا يتغير ذلك بنذره لانه يوجب على نفسه بنذره ما لم يكن واجبا عليه ولكن لا ينفى صلاحيته لغيره إذ ليس ذلك تحت ولاية العبد فإذا بقى بعد نذره صالحا لاداء صوم الظهار به تأدى بنيته وأما صوم رمضان فقد جعله الشرع فرضا عليه ومن ضرورته أن لا ينفي صالحا لاداء صوم الظهار به وللشرع هذه الولاية فإذا لم يبق صالحا لاداء صوم الظهار به تلغو نيته عن الظهار به وانتفاء الصلاحية من ضرورة وجوب الاداء عن فرض رمضان حتى ان في حق المسافر لما لم يكن الاداء في الشهر واجبا عليه فإذا نواه عن الظهار كان عن الظهار في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ومسألة النذر بمنزلة المسافر في صوم رمضان ثم في مسألة النذر إذا كان نوى اليمين لم تلزمه الكفارة لان شرط بره أن يكون صائما في رجب لا أن يكون صومه عن المنذور وقد وجد ذلك وان صامه عن الظهار (قال) والمجنونة والنائمة إذا جامعهما زوجهما وهما صائمتان في رمضان فعليهما القضاء دون الكفارة لان وجوب الكفارة يستدعى جناية متكاملة فانها ستارة للذنب ولم يوجد ذلك في حقهما ووجوب القضاء لانعدام اداء الصوم في الوقت وقد وجد ذلك في حقهما فان الصوم لا يتأدى مع فوات ركنه وقد انعدم ركن الصوم في حقهما مع قيام العذر وقد بينا خلاف زفر رحمه الله تعالى في هذه المسألة في كتاب الصوم (قال) هنا ألا ترى انهما لو قتلا رجلا خطأ لم يكن عليهما في ذلك كفارة ولا تحرمان الميراث (قال) رحمه
[ 137 ]
الله تعالى وهذا صحيح في حق المجنونة غلط في حق النائمة فالرواية محفوظ ان النائم إذا انقلب على مورثه فقتله تلزمه الكفارة ويحرم الميراث ثم هذا الاستشهاد ضعيف فان كفارة القتل لا تستدعى جناية متكاملة ولهذا تجب علي الخاطئ بخلاف كفارة الفطر (قال) وإذا خاف الرجل وهو صائم ان هو لم يفطر تزداد عينه وجعا أو تزداد حماه شدة فينبغي ان يفطر لان الله تعالى رخص للمريض في الفطر بقوله فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وهذا مريض لان وجع العين نوع مرض والحمى كذلك ثم إن الله تعالى بين المعنى فيه فقال يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وفى ايجاب أداء الصوم مع هذا الخوف عسر فينبغي له ان يأخذ باليسر فيه ويترخص بالفطر قال صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى يحب ان تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى كل من كان له أن يفطر في يوم فأفطر فيه بعد ما صام فلا كفارة عليه وهذا قول أصحابنا جميعا لان صوم اليوم الواحد لا يتجزى وجوبا كما لا يتجزى أداء فإذا لم يكن الاداء واجبا في جزء من النهار لا تتكامل الجناية بالفطر فيه ولان الكفارة في رمضان تسقط بالشبهة ولهذا لا تجب على المتسحر الذى لا يعلم بطلوع الفجر وعلى المفطر الذي يرى ان الشمس قد غابت ولم تغب واباحة الفطر له في جزء من اليوم يكون شبهة قوية في المحل فانه ينعدم بها استحقاق الاداء ولا شبهة أقوى من ذلك والشبهة في المحل مسقطة للكفارة سواء علم بها أو لم يعلم الا ترى ان من وطئ جارية ابنه لا يلزمه الحد سواء علم بالحرمة أو لم يعلم لشبهة في المحل باعتبار ان مال الولد مضاف إلى والده شرعا وبيان هذا الاصل انه إذا أصبح مريضا أو مسافرا في أول النهار ونوى الصوم ثم برئ من مرضه أو صار مقيما ثم أفطر فلا كفارة عليه لانه كان له أن يفطر في أول النهار وكذلك لو كان صحيحا مقيما في أول النهار ثم مرض في آخره فأفطر لانه لما عجز عن الصوم بسبب المرض صار الفطر مباحا له ولو سافر في آخر النهار ثم أفطر لم يكن عليه الكفارة لا لان الفطر صار مباحا له فانه إذا شرع في الصوم وهو مقيم ثم سافر لا يباح له الفطر ولكن لان السفر في الاصل مبيح للفطر فإذا اقترن بالسبب الموجب للكفارة يكون مورثا شبهة مسقطة للكفارة وان لم يصر الفطر مباحا له بمنزلة النكاح الفاسد يكون مسقطا للحد وان لم يكن مبيحا للوطئ وخرج على هذا الاصل ما إذا أصبحت المرأة صائمة ثم أفطرت ثم حاضت أو أصبح الرجل صائما ثم أفطر ثم مرض وقد بينا هذه
[ 138 ]
المسائل في كتاب الصوم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصوب (باب ما يجب فيه القضاء والكفارة وما يجب فيه القضاء دون) (الكفارة وما يجوز من الشهادة على رؤية الهلال وما لا يجوز) (قال) رضى الله عنه ومن ابتلع جوزة رطبة وهو صائم فعليه القضاء ولا كفارة عليه وان ابتلع لوزة رطبة أو بطيخة صغيرة فعليه القضاء والكفارة والاصل في هذا أنه متى حصل الفطر بما لا يتغذى به أو يتداوى به عادة فعليه القضاء دون الكفارة لان وجوب الكفارة يستدعى كمال الجناية والجناية تتكامل بتناول ما يتغذى به أو يتداوى به لانعدام الامساك صورة ومعنى ولا تتكامل الجناية بتناول ما لا يتغذى به ولا يتداوى به لان الامساك ينعدم به صورة لا معنى ولان الكفارة مشروعة للزجر والطباع السليمة تدعو إلى تناول ما يتغذى به وما يتداوى به لما فيه من اصلاح البدن فتقع الحاجة إلى شرع الزاجر فيه ولا تدعو الطباع السليمة إلى تناول ما لا يتغذى به ولا يتداوى به فلا حاجة لشرع الزاجر فيه إذا عرفنا هذا فنقول الجوزة الرطبة لا تؤكل كما هي عادة واللوزة الرطبة تؤكل كما هي عادة وهذا إذا ابتلع الجوزة فأما إذا مضغها وهي رطبة أو يابسة فعليه الكفارة ذكره الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى لانه تناول لبها ولب الجوز مما يتغذى به وأكثر ما فيه انه جمع بين ما يتغذى به وبين ما لا يتغذى به في التناول وذلك موجب للكفارة عليه وإذا ابتلع أهليلجة فعليه القضاء والكفارة أراد به الدواء أو لم يرد هكذا ذكره ابن سماعة وهشام عن محمد رحمهم الله تعالى وذكر بان رستم عن محمد رحمهما الله تعالى ان عليه القضاء دون الكفارة قال لانها لا تؤكل كما هي للتداوي عادة والاصح ما ذكره هنا فان الهليلجة مما يتداوى به فسواء أكلها على الوجه المعتاد أو على غير الوجه المعتاد قلنا انه تجب عليه الكفارة وكذلك ان أكل مسكا أو غالية أو زعفرانا فعليه القضاء والكفارة لان هذه الاشياء تؤكل عادة للتغذي أو للتداوي وذكر الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انه لو أكل عجينا لا تلزمه الكفارة لان العجين لا يؤكل عادة قبل الطبخ ولا يدعو الطبع إلى تناوله وهكذا ذكر ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى وقال لو أكل الدقيق أيضا لا تلزمه الكفارة لانه يصير عجينا في فمه قبل ان يصل إلى جوفه (قال) ولو أكل حنطة يجب عليه القضاء
[ 139 ]
والكفارة لان الحنطة تؤكل كما هي عادة فانها مادامت رطبة تؤكل وبعد اليبس تغلى فتؤكل وتقلى فتؤكل (قال) ولو أكل طينا أرمنيا فعليه الكفارة ذكره ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى قال لانه بمنزلة الغاريقون يتداوى به قال ابن رستم فقلت له فان أكل من هذا الطين الذى يأكله الناس قال لا أعرف أحدا يأكله. وفى رواية أخرى عن محمد رحمه الله تعالى انه لا تلزمه الكفارة في الطين الارمني أيضا إذا أكله كما هو الا أن يسويه على الوجه المعتاد الذى يتداوى به والاول أصح (قال) ومن أفطر في شهر رمضان بعذر والشهر ثلاثون يوما فقضى شهرا بالاهلة وهو تسعة وعشرون يوما فعليه قضاء يوم آخر لقوله تعالى فعدة من أيام أخر ففي هذا بيان أن المعتبر في القضاء اكمال العدة بالايام (قال) ولو شهد رجل واحد برية هلال رمضان وبالسماء علة قبلت شهادته إذا كان عدلا وقد بينا هذه المسألة في كتاب الصوم والاستحسان وشرط في الكتاب ان يكون الشاهد عدلا والطحاوى يقول عدلا كان أو غير عدل قيل مراده انه يكتفي بالعدالة الظاهرة ولا يشترط ان يكون الشاهد عدلا في الباطن وقيل انما لا تشترط العدالة في هذا الموضع لانتفاء التهمة لانه يلزمه من الصوم ما يلزم غيره وانما لا يقبل خبر الفاسق لتمكن التهمة والاصح اشتراط العدالة فيه لان هذا من أمور الدين ولهذا يكتفي فيه بخبر الواحد وخبر الفاسق في باب الدين غير مقبول بمنزلة رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) واما على الفطر فلا تقبل الا شهادة رجلين إذا كان بالسماء علة وأشار في بعض النوادر إلى الفرق فقال المتعلق بهلال رمضان هو الشروع في العبادة وخبر الواحد فيه مقبول كما لو أخبر باسلام رجل والمتعلق بهلال شوال الخروج من العبادة وذلك لا يثبت الا بشهادة رجلين كما في الشهادة على ردة المسلم وأشار هنا إلى فرق آخر فقال المتعلق بهلال شوال فيه منفعة للناس وهو الترخص بالفطر فيكون هذا نظير الشهادة على حقوق العباد والمتعلق بهلال رمضان محض حق الشرع وهو الصوم الذى هو عبادة يؤخذ فيها بالاحتياط فلهذا يكتفى فيه بخبر الواحد إذا كان بالسماء علة وهذا صحيح على ما روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انهم يصومون بخبر الواحد ولا يفطرون إذا لم يروا الهلال وان أكملوا العدة ثلاثين يوما بدون التيقن بانسلاخ رمضان للاخذ بالاحتياط في الجانبين فاما ابن سماعة يروى عن محمد رحمه الله تعالى انهم يفطرون إذا أكملوا العدة ثلاثين يوما لان صوم الفرض في رمضان لا يكون
[ 140 ]
أكثر من ثلاثين يوما وقال ابن سماعة فقلت لمحمد كيف يفطرون بشهادة الواحد قال لا يفطرون بشهادة الواحد بل يحكم الحاكم لانه لما حكم بدخول رمضان وأمر الناس بالصوم فمن ضرورته الحكم بانسلاخ رمضان بعد مضى ثلاثين يوما. والحاصل أن الفطر هنا مما تفضى إليه الشهادة لا أنه يكون ثابتا بشهادة الواحد وهو نظير شهادة القابلة على النسب فانها تكون مقبولة ثم يفضى ذلك إلى استحقاق الميراث والميراث لا يثبت بشهادة القابلة ابتداء ويستوى ان شهد رجل أو امرأة على شهادة نفسه أو على شهادة غيره حرا كان أو عبدا محدودا في القذف أو غير محدود بعد أن يكون عدلا في ظاهر الرواية بمنزلة رواية الاخبار فان الصحابة كانوا يقبلون رواية أبى بكرة بعد ما أقيم عليه حد القذف. وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى لا تقبل شهادة المحدود في القذف على رؤيه لهلال وان حسنت توبته لانه محكوم بكذبه شرعا قال الله تعالى فان لم يأتوا بالشهادة فأولئك عند الله هم الكاذبون فإذا كان المتهم بالكذب وهو الفاسق غير مقبول الشهادة هنا فالمحكوم بكذبه كان أولى فاما إذا لم يكن بالسماء علة فلا تقبل شهادة الواحد والمثنى حتى يكون أمر مشهورا ظاهرا في هلال رمضان وهكذا في هلال الفطر في رواية هذا الكتاب وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى قال تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين بمنزلة حقوق العباد والاصل ما ذكر هنا فان في حقوق العباد انما تقبل شهادة رجلين إذا لم يكن هناك ظاهر يكذبهما وهنا الظاهر يكذبهما في هلال رمضان وفى هلال شوال جميعا لانهما أسوة سائر الناس في الموقف والمنظر وحدة البصر وموضع القمر فلا تقبل فيه الشهادة الا أن يكون أمرا مشهورا ظاهرا وقد بينا اختلاف الاقاويل في ذلك في كتاب الصوم (قال) ولو أن رجلا جامع امرأته ناسيا في رمضان فتذكر ذلك وهو مخالطها فقام عنها أو جامعها ليلا فانفجر الصبح وهو مخالطها فقام عنها من ساعته فلا قضاء عليه في الوجهين جميعا وقال زفر رحمه الله تعالى عليه القضاء في الوجهين لوجود جزء من المجامعة بعد التذكر وانفجار الصبح إلى أن نزع نفسه منها وذلك يكفي لا فساد الصوم ولكنا نقول ذلك مما لا يستطاع الامتناع عنه ومما لا يمكن التحرز عنه فهو عفو وأصل هذه المسألة فيما إذا حلف لا يلبس هذه الثوب وهو لابسه فنزعه من ساعته فهو حانث في القياس وهو قول زفر رحمه الله تعالى بوجود حرمة من اللبس بعد اليمين وفى الاستحسان لاحنث لان
[ 141 ]
مالا يستطاع الامتناع عنه فهو عفو يوضحه ان نزع النفس كف عن المجامعة والكف عن المجامعة ركن الصوم فلم يوجد منه بعد انفجار الصبح ولا بعد التذكر الا ما هو ركن الصوم وذلك غير مفسد لصومه. ألا ترى أن اللقمة لو كانت في فيه فألقاها بعد التذكر أو بعد انفجار الصبح لم يفسد صومه الا أن زفر رحمه الله تعالي يفرق فيقول الموجود هناك جزء من امساك اللقمة في فيه إلى أن يلقيها وذلك غير مفسد للصوم والموجود هنا جزء من الجماع وذلك مفسد للصوم. وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال في الناسي لا يفسد صومه إذا نزع نفسه كما تذكر وإذا انفجر الصبح فعليه القضاء وان نزع نفسه لان آخر الفعل من جنس أوله وأول الفعل من الناسي غير مفسد للصوم مع مصادفته وقت الصوم فكذلك آخره وأول انفعل في حق الذى انفجر له الصبح عمد مفسد للصوم إذا صادف وقت الصوم فكذلك آخره يوضحه ان الشروع في الصوم يكون عند طلوع الفجر فاقتران المجامعة بطلوع الفجر يمنع صحة الشروع في الصوم فيلزمه القضاء وفى حق الناسي شروعه في الصوم صحيح ولم يوجد بعده ما يفسد الصوم فلهذا لا يلزمه القضاء ولم يذكر في الكتاب أنه بعد ما نزع نفسه لو امني هل يلزمه القضاء أم لا قال رضى الله عنه والصحيح انه لا يفسد صومه لان مجرد خروج المنى لا يفسد الصوم وان كان على وجه الشهوة كما لو احتلم ولم يوجد بعد التذكر وطلوع الفجر الا ذلك وإذا أتم الفعل بعد التذكر وطلوع الفجر فعليه القضاء دون الكفارة عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى عليه القضاء والكفارة لوجود المجامعة بعد التذكر وطلوع الفجر والموجب للكفارة عنده الجماع المعدم للصوم وقد وجدنا فاما عندنا الموجب للكفارة هو الفطر على وجه تتكامل به الجناية وذلك لم يوجد فيما إذا طلع الفجر وهو مخالط لاهله فداوم على ذلك لان شروعه في الصوم لم يصح مع المجامعة والفطر انما يكون بعد الشروع في الصوم ولم يوجد ولئن كان الموجب للكفارة الجماع المعدم للصوم فالجماع هو ادخال الفرج في الفرج ولم يوجد منه بعد التذكر ولا بعد طلوع الفجر ادخال الفرج في الفرج وانما وجد منه الاستدامة وذلك غير الادخال الا ترى ان من حلف لا يدخل دار فلان وهو فيها لم يحنث وان مكث في الدار ساعة فهذا مثله ولو انه نزع نفسه ثم أولج ثانيا فعليه الكفارة بالاتفاق لانه وجد منه ابتداء المجامعة بعد صحة الشروع في الصوم مع التذكر فيكون عليه القضاء والكفارة وهذا على الرواية الظاهرة فيما إذا جامع ثانيا وهو يعلم ان
[ 142 ]
صومه لم يفسد به ثم أفطر بعد ذلك متعمدا فانه تلزمه الكفارة فاما على الرواية التى رويت عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه لا يلزمه الكفارة وان كان عالما لشبهة القياس فهنا أيضا يقول لا تجب الكفارة (قال) ولو ان صائما ابتلع شيئا كان بين اسنانه فلا قضاء عليه سمسمة كانت أو أقل منها لان ذلك مغلوب لاحكم له كالذباب يطير في حلقه وان تناول سمسمة وابتلعها ابتداء فهو مفطر لان هذا يقصد ابطال صومه ومعنى هذا انه إذا أدخل سمسمة في فمه فابتلعها فقد وجد منه القصد إلى ايصال المفطر إلى جوفه وذلك مفسد لصومه فاما إذا كان باقيا بين اسنانه فلم يوجد منه القصد إلى ايصال المفطر إلى جوفه والذى بقى بين اسنانه تبع لريقه ولو ابتلع ريقه لم يفسد صومه فهذا مثله بوضح الفرق انه لا يمكنه التحرز عن اتصال ما بقى بين اسنانه إلى جوفه خصوصا إذا تسحر بالسويق وما لا يمكنه التحرز عنه فهو عفو الا ترى ان الصائم إذا تمضمض فانه يبقى في فمه بلة ثم تدخل بعد ذلك حلقه مع ريقه وأحد لا يقول بان ذلك يفطره وذكر الحسن بن أبي مالك عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى انه لو بقى لحم بين أسنان الصائم فابتلعه فعليه القضاء قال وهذا إذا كان قدر الحمصة أو أكثر فان كان دون ذلك فلا قضاء عليه فبهذه الرواية يظهر الفرق بين القليل الذى لا يستطاع الامتناع عنه وبين الكثير الذى يستطاع الامتناع عنه ثم في قدر الحمصة أو أكثر إذا ابتلعه فعليه القضاء دون الكفارة عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وهو قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أيضا وعند زفر رحمه الله تعالى عليه القضاء والكفارة لان ذلك مما يتغذى به ولو أدخله في فميه وابتلعه كان عليه القضاء والكفارة فكذلك إذا كان باقيا بين اسنانه فابتلعه وليس فيه أكثر من انه متغير وذلك لا يمنع وجوب الكفارة عليه كما لو أفطر بلحم منتن ولكنا نقول ما بقى بين الاسنان مما لا يتغذى به ولا يتداوى به في العادة مقصودا فالفطر به لا يوجب الكفارة كالفطر بتناول الحصاة يوضحه انه لم يوجد منه ابتداء الاكل في حالة الصوم لان ابتداء الاكل بادخال الشئ في فيه واتمامه بالاتصال إلى جوفه وحين أدخل هذا في فيه لم يكن فعله جناية على الصوم فتتمكن الشبهة في حقه في فعله والكفارة تسقط بالشبهة ولو أن مسافرا صام في رمضان عن واجب آخر اجزأه من ذلك الواجب في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعليه قضاء رمضان وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يقع صومه عن رمضان ولا يكون عن غيره بنيته مريضا كان أو مسافرا ولم يذكر قول أبى
[ 143 ]
حنيفة رحمه الله تعالى في المريض نصا ولكن أطلق الجواب في حق من كان مقيما أنه يكون صومه عن فرض رمضان وهو الصحيح لانه لا فرق في ذلك بين المريض والصحيح لان المريض انما يباح له الترخص بالفطر إذا كان عاجزا عن الصوم فاما إذا كان قادرا على الصوم فهو والصحيح سواء فيكون صومه عن فرض رمضان واما المسافر إذا نوى التطوع في رمضان فلا إشكال في قولهما انه يكون صومه عن فرض رمضان وعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان وجه قولهما ان المسافر انما يفارق المقيم في الترخص بالفطر فإذا ترك هذا الترخص كان هو والمقيم سواء وصوم المقيم لا يكون الا عن رمضان لانه لم يشرع في هذا الزمان الا هذا الصوم فنيته جهة أخرى تكون لغوا فكذلك في حق المسافر ولابي حنيفة رحمه الله تعالى حرفان أحدهما ان اداء صوم رمضان غير مستحق على المسافر في هذا الوقت ولكنه مخير بين الصوم والفطر مع قدرته على الصوم كالمقيم في شعبان ثم هناك يتأدى صومه عما نوى فكذلك هنا وعلى هذا الطريق يقول إذا نوى التطوع يكون صومه عن التطوع والطريق الآخر انه ما ترك الترخص حين نوى واجبا آخر كان مؤاخذ به ولكنه صرف صومه إلى ما هو أهم عليه لان الواجب الآخر دين في ذمته لو مات قبل ادراك عدة من أيام أخر كان مؤاخذا به فيكون هو مترخصا بصرف الصوم إلى ما هو الاهم فانه في رمضان لو مات قبل ادراك عدة من أيام أخر لم يكن مؤاخذا به وعلى هذا الطريق يقول إذا نوى التطوع كان صائما عن الفرض لانه ترك الترخص حين لم يصرف الصوم إلى ما هو الاهم عنده وإذا ترك الترخص كان هو والمقيم سواء فيكون صومه عن رمضان ولو قال لله على أن أصوم هذا اليوم شهرا فعليه ان يصوم ذلك اليوم كلما دار إلى تمام ثلاثين يوما منذ قال هذا القول فيكون صومه في أربعة أيام أو خمسة أيام من الشهر لان معنى كلامه لله على ان أصوم هذا اليوم كلما دار في شهر ويتعين له الشهر الذى يعقب نذره بمنزلة ما لو أجر داره شهرا ولو قال لله على ان أصوم هذا الشهر يوما كان عليه ان يصوم ذلك الشهر متى شاء وهو في سعة ما بينه وبين ان يموت لان معنى كلامه لله على ان أصوم هذا الشهر وقتا من الاوقات فيكون موسعا عليه في مدة عمره وحقيقة الفرق ان اليوم قد يكون بمعنى الوقت قال الله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره والمراد منه الوقت والرجل يقول انتظر يوم فلان أي وقت اقباله أو ادباره وقد يكون عبارة عن بياض النهار
[ 144 ]
على ضد الليل وهذا ظاهر فإذا قرنه بذكر الصوم عرفنا ان المراد بياض النهار لانه وقت للصوم ومعيار له ففي المسألة الاولى قرن اليوم بالصوم فقال أصوم هذا اليوم فحملناه على بياض النهار ثم ذكر الشهر لبيان مقدار الايام التى تناولها نذره وفى المسألة الثانية قرن الشهر بذكر اليوم فصار مقدار الصوم بذكر الشهر معلوما ثم ذكر اليوم بعد ذلك من غير ان جعله معيارا للصوم فعرفنا ان المراد به الوقت فجعلنا كانه قال أصوم هذا الشهر وقتا (قال) ولو قال لله على صوم هذا اليوم غدا فان قال هذا قبل الزوال ولم يكن أكل فيه شيئا فعليه صوم هذا اليوم وان قال بعد الزوال أو بعد ما أكل فلا شئ عليه ولو قال لله على صوم غد اليوم كان عليه الصوم غدا لانه ذكر الوقتين من غير أن ذكر بينهما حرف العطف فيكون المعتبر من كلامه أول الوقتين ذكرا ويلغو آخر الوقتين ذكرا وقد بينا هذا الاصل في الطلاق إذا قال لامرأته أنت طالق اليوم غدا فهى طالق اليوم ولو قال غدا اليوم تطلق غدا ففي المسألة الاولى المعتبر من كلامه ذكر اليوم فكأنه اقتصر على قوله لله على صوم هذا اليوم فان كان قبل الزوال ولم يكن أكل صح نذره والا فلا وفي المسألة الثانية المعتبر من كلامه قوله غدا فيكون ملتزما صوم الغد بنذره وذلك صحيح فان أفطر في الغد فعليه القضاء (قال) ولو قال لله على صوم الايام ولا نية له ففى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى عليه صوم عشرة أيام وفي قولهما عليه صوم سبعة أيام لان حرف اللام حرف العهد والمعهود هي الايام السبعة التى تدور عليها الشهور والسنون كلما مضت عادت فإليها ينصرف مطلق لفظه وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ذكر الالف واللام دليل الكثرة فانما ينصرف كلامه إلى أكثر ما يتناوله اسم الايام في اللغة مقرونا بالعدد وذلك عشرة أيام لانه يقال لما بعد العشرة أحد عشر يوما وانما قلنا ان الالف واللام دليل الكثرة لانهما لاستغراق الجنس وقد بينا هذا في كتاب الايمان وعلى هذا الاصل إذا قال لله على صيام الشهور فعليه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى عشرة أشهر لانه أكثر ما يتناوله لفظ الجمع مقرونا بالعدد فانه يقال عشرة أشهر أو شهور ثم يقال لما بعده أحد عشر شهرا وعندهما يلزمه صوم اثنى عشر شهرا باعتبار المعهود قال الله تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا وهى التى تدور عليها السنون وان قال لله على صيام شهور فعليه صيام ثلاثة أشهر لانه أدنى ما يتناوله اسم الجمع لانه ليس في كلامه حرف العهد ولا ما يدل على الكثرة ولو قال لله على صوم الجمع فعند أبى حنيفة رحمه الله
[ 145 ]
تعالي هذا على عشر جمع وعندهما على جمع العمر ولو قال لله على صوم جمع هذا الشهر فعليه أن يصوم كل جمعة تمر عليه في ذلك الشهر لان الجمع جمع جمعة وهو اسم لليوم الذى تقام فيه صلاة الجمعة وقد روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه يلزمه صوم جميع ذلك الشهر لان الجمعة تذكر بمعنى الاسبوع في العادة يقول الرجل لغيره لم القك منذ جمعة وانما يريد به الاسبوع قال رضى الله عنه والاصح ما ذكر في ظاهر الرواية لانه لا يلزمه بالنذر الا القدر المتيقن به وكل واحد من هذين المعنيين من محتملات كلامه فيلزمه المتيقن ولو قال لله على صوم أيام الجمعة كان عليه صوم سبعة أيام لان الايام اسم جمع فيه يتبين أن مراده الاسبوع دون اليوم الذى تقام فيه الجمعة خاصة ولو قال لله على صوم جمعة فهذا على وجهين قد يقع على أيام الجمعة السبعة وقد يقع على الجمعة بعينها فأى ذلك نوى عملت نيته وان لم تكن له نية فهذا على أيام الجمعة سبعة أيام وهذا يؤيد رواية أبى يوسف رحمه الله تعالى في الفصل الاول فانه لم يعتبر المتيقن هنا واعتبر ما تعارفه الناس ولكن الفرق بينهما في ظاهر الرواية أن هنا ذكر الجمعة مطلقا ولو كان المراد بهذا اللفظ اليوم الذى تقام فيه الجمعة لقيد بذكر اليوم فترك التقييد هنا دليل على ان مراده الايام السبعة وفى الفصل الاول وان لم يذكر اليوم ففي لفظه ما يدل على أنه هو المراد لانه أضاف الجمع إلى الشهر فذلك دليل على أن مراده أيام الجمعة التى تدور في الشهر (قال) ولو قال لله على صوم كذا كذا يوما فان نوى عددا هو من محتملات لفظه كان على ما نوى وان لم يكن له نية فهو على أحد عشر يوما لان كذا اسم لعدد مبهم فقد ذكر عددين مبهمين ليس بينهما حرف العطف وأقل عددين مفسرين ليس بينهما حرف العطف أحد عشر فعلى ذلك يحمل ما ذكر من العددين المبهمين ولو قال كذا وكذا يوما لزمه صوم احد وعشرين يوما لانه ذكر حرف العطف بين العددين المبهمين وأقل عددين مفسرين بينهما حرف العطف احد وعشرون فعلى ذلك يحمل مبهم كلامه إذا لم ينو شيئا آخر (قال) ولو قال لله على صوم بضعة عشر يوما لزمه صيام ثلاثة عشر يوما لان البضع أدناه الثلاثة على ما روى انه لما نزل قوله تعالى وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين خاطر أبو بكر مع قريش على ان الروم تغلب فارس في ثلاث سنين إلى ان قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تعدون البضع فيكم فقال من الثلاث إلى سبع فقال عليه الصلاة والسلام زد في الخطر وأبعد في الاجل فقد بين ان أدنى ما
[ 146 ]
يتناوله اسم البضع ثلاثة فانما يلزمه القدر المتيقن فلهذا كان عليه صيام ثلاثة عشر يوما (قال) ولو قال لله على صوم السنين فهو على عشر سنين في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى للاصل الذي بينا له وفى قولهما ان نوى شيئا فهو على ما نوى وان لم يكن له نية فهو على جميع العمر لانه ليس في السنين شئ معهود فيحمل لفظه على استغراق الجنس وذلك جميع عمره في حقه (قال) ولو قال لله على صوم زمان أو صوم الزمان فهذا على ستة أشهر لان الزمان والحين يستعملان استعمالا واحدا فان الرجل يقول لغيره لم ألقك منذ زمان لم ألقك منذ حين ولفظ الحين يتناول ستة أشهر سواء قرن به الالف واللام أو لم يقرن فكذلك لفظ الزمان وانما حملنا لفظ الحين على ستة أشهر لقوله تعالى تؤتى أكلها كل حين باذن ربها. قال ابن عباس رضى الله تعالى عنه المراد ستة أشهر ثم لفظ الحين في كتاب الله تعالى ورد بمعنى أشياء بمعنى الوقت قال الله تعالى حين تمسون وحين تصبحون والمراد وقت الصلاة وبمعنى أربعين سنة. قال الله تعالى هل أتى على الانسان حين من الدهر والمراد أربعون سنة وبمعنى قيام الساعة قال الله تعالى فذرهم في غمرتهم حتى حين يعنى قيام الساعة وقد علمنا أنه لم يرد بنذره ساعة واحدة ولا أربعين سنة لان بقاء الآدمى إلى هذه المدة الطويلة للصوم فيها نادر فعرفنا أن المراد ستة أشهر وهو المتوسط في هذه الاعداد وخير الامور أوسطها ولو قال لله على صوم أبد أو الابد فهو على جميع العمر لان الابد مالا غاية له ولكن علمنا أنه لم يرد به زيادة على مدة عمره وان قال صوم الدهر فأبو حنيفة رحمه الله تعالى لم يوقت فيه شيئا وقال لا أدري ما الدهر وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى جعلا لفظ الدهر كلفظ الحين والزمان وقد بينا ذلك في كتاب الايمان والنذور والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (بسم الله الرحمن الرحيم) (كتاب الحيض) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى املاء اعلم بأن ما اختصره الحاكم من تصنيف محمد بن الحسن في الحيض قاصر مبهم لا يتم المقصود به فوقعت الحاجة لهذا إلى الاستعانة بما خرجه المشايخ وما
[ 147 ]
اختاروا من الاقاويل فيه فذكرت ذلك في شرح الكتاب فوقع في البيان بعض البسط لهذا فنقول وبالله التوفيق الحيض في اللغة هو الدم الخارج ومنه يقال حاضت الارنب وحاضت الشجرة إذا خرج منها الصمغ الاحمر وفى الشريعة اسم لدم مخصوص وهو أن يكون ممتدا خارجا من موضع مخصوص وهو القبل الذى هو موضع الولادة والمباضعة بصفة مخصوصة فان وجد ذلك كله فهو حيض والا فهو استحاضة والاستحاصة استفعال من الحيض قالت فاطمة بنت قيس رضى الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم انى أستحاض فلا أطهر فقال صلى الله عليه وسلم ليس ذلك دم حيض انما هو عرق امتد أو داء اعترض توضئي لكل صلاة أشار إلى انه فاسد لا يتعلق به ما يتعلق بالصحيح والفرق بين الصحيح والفاسد من الدماء من أهم ما يحتاج إلى معرفته في هذا الكتاب فنقول الفاسد من الدماء أنواع فمنها ما نقص عن أقل مدة الحيض لان التقدير الشرعي يمنع ان يكون لما دون المقدر حكم المقدر وينبنى على هذا اختلاف العلماء في أقل مدة الحيض عندنا ثلاثة أيام ولياليها وقال ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى يومان والاكثر من اليوم الثالث وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ثلاثة أيام بما يتخللها من الليالى وذلك ليلتان وقال الشافعي رحمه الله تعالى يوم وليلة وقال مالك رحمه الله تعالى بقدر ما يوجد ولو ساعة احتج بأن هذا نوع حدث فلا يتقدر أقله بشئ كسائر الاحداث أقربها دم النفاس لكنا نقول في الفرق بينهما ان دم النفاس يخرج عقيب خروج الولد فيستدل بما تقدمه على انه من الرحم فلا حاجة إلى التقدير فيه بالمدة. فاما الحيض فليس يسبقه علامة يستدل بها على انه من الرحم فجعلنا العلامة فيه الامتداد ليستدل به على انه ليس بدم عرق ثم قدره الشافعي رحمه الله تعالى بيوم وليلة تحرزا عن الكبر فقال لما استوعب السيلان جميع الساعات عرفنا انه من الرحم فلا حاجة إلى الاستظهار بشئ آخر ونحن قدرنا بثلاثة أيام بالنص وهو ما روى أبو أمامة الباهلى رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام وهو مروي عن عمر وعلى وابن مسعود وابن عباس وعثمان بن أبى العاص الثقفي وأنس بن مالك رضى الله عنهم والمقادير لا تعرف قياسا فما نقل عنهم كالمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابي يوسف رحمه الله تعالى أن الاكثر من اليوم الثالث يقام مقام الكمال لمعنى وهو أن الدم من المرأة لا يسيل على الولاء لان ذلك يضنيها ويجحفها ولكنه يسيل تارة وينقطع أخرى. وجه رواية
[ 148 ]
الحسن رحمه الله تعالى أن في الآثار ذكر التقدير بالايام فجعلنا الثلاثة من الايام أصلا وما يتخللها من الليالى يتبعها ضرورة ومن الدماء الفاسدة أن يتجاوز أكثر مدة الحيض فان أكثره مقدر شرعا فلا يكون لما زاد عليه حكمه إذ يفوت به فائدة التقدير الشرعي واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله المستحاضة تدع الصلاة أيام اقرائها وعلى هذا ينبنى اختلافهم في أكثر مدة الحيض فعندنا عشر أيام ولياليها لما روينا من الآثار. وقال الشافعي رحمه الله تعالى خمسة عشر يوما لقوله صلى الله عليه وسلم في نقصان دين المرأة تقعد احداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلى والمراد زمان الحيض والحيض والطهر يجتمعان في الشهر عادة ولهذا جعل الله تعالى عدة الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر مكان ثلاثة قروء فيتعين شطر كل شهر للحيض وذلك خمسة عشر يوما ولكنا نقول ليس المراد حقيقة الشطر ففى عمرها زمان الصغر ومدة الحبل وزمان الاياس ولا تحيض في شئ من ذلك فعرفنا أن المراد ما يقارب الشطر وإذا قدرنا بالعشرة فقد جعلنا ما يقارب الشطر حيضا فأما أقل مدة الطهر خمسة عشر يوما عندنا والشافعي رحمه الله تعالى. وقال عطاء تسعة عشر يوما قال لان الشهر يشتمل على الحيض والطهر عادة وقد يكون الشهر تسعة وعشرين يوما فإذا كان أكثر الحيض عشرة بقى الطهر تسعة عشر ولكنا نقول ان مدة الطهر نظير مدة الاقامة من حيث انها تعيد ما كان سقط من الصوم والصلاة قد ثبت بالاخبار ان أقل مدة الاقامة خمسة عشر يوما فكذلك أقل مدة الطهر ولهذا قدرنا أقل مدة الحيض بثلاثة أيام اعتبارا بأقل مدة السفر فان كل واحد منهما يؤثر في الصوم والصلاة وقد ثبت لنا ان أقل مدة السفر ثلاثة أيام ولياليها فكذلك هذا فأما أكثر مدة الطهر فلا غاية له الا إذا ابتليت بالاستمرار حتى ضلت أيامها ووقعت الحاجة إلى نصب العادة لها فحينئذ فيه اختلاف قال أبو عصمة سعد بن معاذ المروزى لا يتقدر أكثر طهرها بشئ ولا تنقضي عدتها أبدا لان نصب المقادير بالتوقيف لا بالرأى وكان محمد بن ابراهيم الميداني يقول يتقدر أكثر الطهر في حقها بستة أشهر الا ساعة قال لان الطهر المتخلل بين الدمين دون مدة الحبل عادة وأدنى مدة الحبل ستة أشهر فقدرنا أكثر مدة الطهر بستة أشهر الا ساعة فإذا طلقها زوجها تنقضي عدتها بتسعة عشر شهرا وعشرة أيام الا ثلاث ساعات لجواز أن يكون الطلاق في أول الحيض وهذه الحيضة لا تحسب من العدة فتحتاج إلى عشرة أيام وثلاثة أطهار كل طهر ستة
[ 149 ]
أشهر الا ساعة وثلاث حيض كل حيضة عشرة أيام وكان الزعفراني يقول أكثر الطهر يتقدر في حقها بسبعة وعشرين يوما لان الشهر يشتمل على الحيض والطهر وأقل الحيض ثلاثة فبقى الطهر سبعة وعشرين يوما وكان أبو سهل الغزالي يقول بأنه يتقدر أكثر الطهر في حقها بشهرين فقد لا ترى المرأة الحيض في كل شهر عادة. ومن الدماء الفاسدة ما جاوز أكثر مدة النفاس وينبني عليه اختلاف العلماء في أكثر مدة النفاس فعندنا أربعون يوما. وقال الشافعي رحمه الله تعالى ستون يوما. وقال مالك رحمه الله تعالى سبعون يوما وانما قدرنا بالاربعين لحديث عبد الله بن باباه رضي الله عنه وكان من التابعين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تقعد النفساء ما بينها وبين أربعين يوما الا ان ترى طهرا قبل ذلك وفى حديث أم سلمة رضى الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تنتظر النفساء ما بينها وبين أربعين صباحا الا ان ترى طهرا قبل ذلك وفي الحقيقة بيننا وبين الشافعي رحمه الله تعالى اتفاق لان أكثر النفاس أربعة أمثال أكثر الحيض الا ان عنده أكثر الحيض خمسة عشر يوما فأربعة أمثاله ستون يوما وعندنا أكثر الحيض عشرة فأربعة أمثاله أربعون يوما. ومن الدماء الفاسدة ما تراه الحامل فقد ثبت لنا ان الحامل لا تحيض وذلك مروى عن عائشة رضى الله عنها وعرف انها إذا حبلت انسد فم رحمها فالدم المرئى ليس من الرحم فيكون فاسدا. ومن الدماء الفاسدة ما تراه الصغيرة جدا لانه سبق أو انه فلا يعطى له حكم الصحة إذ لو جعلناه حيضا حكمنا ببلوغها به ضرورة وذلك محال في الصغيرة جدا واختلف مشايخنا في أدنى المدة التى يجوز الحكم فيها ببلوغ الصغيرة فكان محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله تعالى يقدر ذلك بتسع سنين لان النبي صلى الله عليه وسلم بني بعائشة رضى الله عنها وهي بنت تسع سنين والظاهر انه بني بها بعد البلوغ وكان لابي مطيع البلخى ابنة صارت جدة وهي بنت تسعة عشرة سنة حتى قال فضحتنا هذه الجارية ومن مشايخنا من قدر ذلك بسبع سنين لقوله صلى الله عليه وسلم مروهم بالصلاة إذا بلغوا سبعا والامر حقيقة للوجوب وذلك بعد البلوغ وسئل أبو نصر محمد بن سلام رحمهما الله تعالى عن ابنة ست سنين إذا رأت الدم هل يكون حيضا فقال نعم إذا تمادى بها مدة الحيض ولم يكن نزوله لآفة وأكثر المشايخ على ماله محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى لان رؤية الدم فيما دون ذلك نادر ولا حكم للنادر. ومن الدماء الفاسدة ما تراه الكبيرة جدا الا ان محمدا رحمه الله تعالى ذكر في نوادر الصلاة ان العجوز الكبيرة إذا رأت الدم مدة
[ 150 ]
الحيض كان حيضا وكان محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله تعالى يقول هذا إذا لم يحكم باياسها أما إذا انقطع عنها الدم زمانا حتى حكم باياسها وكانت بنت تسعين سنة أو نحو ذلك فرأت الدم بعد ذلك لم يكن حيضا وكان محمد بن ابراهيم الميداني رحمه الله تعالى يقول ان رأت دما ساثلا كما تراه في زمان حيضها فهو حيض وان رأت بلة يسيرة لم يكن ذلك حيضا بل ذلك بلل من فم الرحم فكان فاسدا لا يتعلق به حكم الحيض فهذا بيان أنواع الدماء الفاسدة. (فصل ألوان ما تراه المرأة فم أيام الحيض) ستة السواد والحمرة والصفرة والكدرة والخضرة والتربية أما السواد فغير مشكل انه حيض لقوله صلى الله عليه وسلم دم الحيض اسود عبيط محتدم والحمرة كذلك فهو اللون الاصلى للدم الا ان عند غلبة السوداء يضرب إلى السواد وعند غلبة الصفراء يرق فيضرب إلى الصفرة ويتبين ذلك لمن افتصد والصفرة كذلك حيض لانها من ألوان الدم إذا رق وقيل هو كصفرة السن أو كصفرة التبن أو كصفرة القز واما الكدرة فلون كلون الماء الكدر وهو حيض في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى سواء رأت في أول أيامها أو في آخر أيامها وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ان رأت الكدرة في أول أيامها لم يكن حيضا وان رأت في آخر أيامها يكون حيضا قال لان الكدرة من كل شئ تتبع صافيه فإذا تقدمه دم أمكن جعل الكدرة حيضا تبعا فاما إذا لم يتقدمها دم لو جعلناه حيضا كان مقصودا لا تبعا وهما يقولان ما يكون حيضا إذا رأته المرأة في آخر أيامها يكون حيضا إذا رأته في أول أيامها كالسواد والحمرة لان جميع مدة الحيض في حكم وقت واحد وما قاله أبو يوسف رحمه الله تعالى فيما إذا كان النقب من أعلى الظرف فأما إذا كان النقب من أسفله فالكدرة يسبق خروجها الصافى وهنا النقب من أسفل فجعلنا الكدرة حيضا وان رأته ابتداء وأما الخضرة فقد أنكر بعض مشايخنا وجودها حتى قال أبو نصر بن سلام حين سئل عن الخضرة كأنها أكلت قصيلا على طريق الاستبعاد وذكر أبو على الدقاق ان الخضرة نوع من الكدرة والجواب فيها على الاختلاف الذى بينا وأما التربية فهو ما يكون لونه كلون التراب وهو نوع من الكدرة. وقد روى عن أم عطية وكانت غزت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتى عشرة غزوة قالت كنا نعد التربية حيضا والاصل فيه قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى وجميع هذه الالوان في حكم
[ 151 ]
الاذى سواء. وروى أن النساء كن يبعثن بالكرسف إلى عائشة رضى الله عنها لتنظر فكانت إذا رأت كدرة قالت لا حتى ترين القصة البيضاء يعنى البياض الخالص والقصة الطين الذى يغسل به الرأس وهو أبيض يضرب لونه إلى الصفرة فانما أرادت أنها لا تخرج من الحيض حتى ترى البياض الخالص والله سبحانه وتعالى أعلم (فصل) اعلم بأن حكم الحيض والنفاس والاستحاضة لا يثبت الا بظهور الدم وبروزه وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى في غير الاصول أن حكم الحيض والنفاس يثبت إذا أحست بالبروز وان لم يظهر وحكم الاستحاضة لا يثبت الا بالظهور وفرق بينهما فقال للحيض والنفاس وقت معلوم فيمكن اثبات حكمهما باعتبار وقتهما إذا أحسنت بالبروز والاستحاضة حدث كسائر الاحداث ليس له وقت معلوم لاثبات حكمه فلا يثبت حكمه الا بالظهور والفتوى على القول الاول لما روى أن امرأة قالت لعائشة رضى الله تعالى عنا إن فلانة تدعو بالمصباح ليلا لتنظر إلى نفسها فقالت ما كانت احدانا تتكلف لذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها تعرف ذلك بالمس فهو اشارة منها إلى الظهور ولان ما لم يظهر فهو في معدنه والشئ في معدنه لا يعطى له حكم الظهور ما لم يظهر إذا عرفنا هذا فنقول للمرأة فرجان داخل وخارج فالفرج الخارج بمنزلة الاليتين من الدبر فإذا وضعت الكرسف فاما أن تضعه في الفرج الداخل أو في الفرج الخارج فإذا وضعته في الفرج الخارج فابتل الجانب الداخل من الكرسف كان ذلك حيضا وان لم ينفذ إلى الجانب الخارج لانه صار ظاهرا بهذا القدر من الخروج وان وضعته في الفرج الداخل فابتل الجانب الداخل من الكرسف لم يكن حيضا فان نفذت البلة إلى الجانب الخارج نظر فان كانت القطنة عالية أو محاذية لحرف الفرج كان حيضا لظهور البلة وان كانت متسفلة لم يكن حيضا وعلى هذا لو حشى الرجل احليله بقطنة فابتل الجانب الداخل من القطنة لم ينتقض وضوءه وان تعدت ابلة إلى الجانب الخارج نظرنا فان كانت القطنة عالية أو محاذية لرأس الاحليل انتقض وضوءه وان كانت متسفلة لم ينتقض وضوءه وهذا كله ما لم تسقط القطنة فان سقطت فهو حيض وحدث سواء ابتل الخارج أو الداخل لظهور البلة ولو أن حائضا وضعت الكرسف في أول الليل ونامت فلما أصبحت نظرت إلى الكرسف فوجدت البياض الخالص فعليها صلاة العشاء لانا تيقنا بطهرها من حين وضعت الكرسف فلو كانت طاهرة حين وضعت الكرسف ونامت ثم انتبهت بعد طلوع الفجر
[ 152 ]
فوجدت البلة على الكرسف فانه يجعل حيضا من أقرب الاوقات وذلك بعد طلوع الفجر أخذا باليقين والاحتياط حتى يلزمها قضاء العشاء ان لم تكن صلت (فصل) وأما الاحكام التى تتعلق بالحيض عشرة أو أكثر. منها أن الحائض لا تصوم ولا تصلى لقوله صلى الله عليه وسلم تقعد احداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي يعنى زمان الحيض. ومنها أنه يلزمها قضاء الصوم دون الصلاة لما روى أن امرأة قالت لعائشة رضى الله عنها ما بال احدانا تقضى صيام أيام الحيض ولا تقضي الصلاة فقالت أحرورية أنت كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نقضي صيام أيام الحيض ولا نقضى الصلاة أنكرت عليها السؤال لشهرة الحال ونسبتها إلى حرور وهى قرية كان أهلها يسألون سؤال التعنت في الدين. ومنها أنه لا يأتيها زوجها لقوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض الآية فذلك تنصيص على حرمة الغشيان في أول الحيض وآخره قال صلى الله عليه وسلم من أتى امرأته الحائض أو أتاها في غير مأتاها أو أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم ومراده إذا استحل ذلك الفعل. ومنها أنها لا تمس المصحف ولا اللوح المكتوب عليه آية تامة من القرآن لقوله تعالى لا يمسه الا المطهرون وهذا وان قيل في تأويله لا ينزله الا السفرة الكرام البررة فظاهره يفيد منع غير الطاهر من مسه وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض القبائل لا يمس القرآن حائض ولا جنب. ومنها أنها لا تقرأ القرآن إلا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه كان يجوز للحائض قراءة القرآن دون الجنب قال لان الجنب قادر على تحصيل صفة الطهارة بالاغتسال فيلزمه تقديمه على القراءة والحائض عاجزة عن ذلك فكان لها أن تقرأ (ولنا) حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى الحائض والجنب عن قراءة القرآن ثم عجزها عن تحصيل صفة الطهارة يدل على تغلظ ما بها من الحدث فلا يدل على اطلاق القراءة لها وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى انها انما تمنع عن قراءة آية تامة ولا تمنع عن قراءة ما دون ذلك. وقال الكرخي رحمه الله تعالى تمنع عن قراءة ما دون الآية أيضا على قصد قراءة القرآن كما تمنع عن قراءة الآية التامة لان الكل قرآن. وجه قول الطحاوي رحمه الله أن المتعلق بالقرآن حكمان جواز الصلاة ومنع الحائض عن قراءته ثم في حق أحد الحكمين يفصل بين الآية وما دونها وكذلك في الحكم الآخر. ومنها أنها لا تطوف بالبيت لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها حين
[ 153 ]
حاضت بسرف اصنعي جميع ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت. ومنها أن لا تدخل المسجد لان ما بها من الاذى أغلظ من الجنابة والجنب ممنوع من دخول المسجد فكذلك الحائض وهذا لان المسجد مكان الصلاة فمن ليس من أهل اداء الصلاة ممنوع من دخوله. ومنها انه يلزمها الاغتسال إذا انقطع عنها الدم لقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن والاطهار بالاغتسال. ومنها أنه يتقرر به الاستبراء قال صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس ألا لا توطأ الحبالى حتي يضعن ولا الحيالى حتى يستبر أن بحيضة. ومنها أن العدة تنقضي به لقوله تعالى ثلاثة قروء والقرء الحيض بيانه قوله تعالى واللائى يئسن من المحيض من نسائكم نقل الحكم إلى الاشهر عند عدم الحيض وذلك دليل على ان أصل ما تنقضي به العدة الحيض والنفاس كالحيض فيما ذكرنا من الاحكام الا في حكم الاستبراء وانقضاء العدة حتى لو اشترى جارية بعد ما ولدت فإذا طهرت من نفاسها لم يكن له أن يطأها حتى يستبرئها بحيضة وكذلك النفاس لم يعتبر من أقراء العدة (فصل) مراهقة رأت الدم فجاءت تستفتي قبل أن يتمادى بها الدم هل تؤمر بترك الصوم والصلاة كان الشيخ الامام أبو حفص ومحمد بن سلمة رحمهما الله تعالى يقولان بأنها تؤمر بذلك. وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى في غير رواية الاصول انها لا تؤمر بذلك حتى يستمر بها الدم ثلاثة أيام وهو اختيار بشر بن غياث ووجهه انها على يقين من الطهارة وفي شك من الحيض لجواز أن ينقطع فيما دون الثلاث فلا يكون حيضا واليقين لا يزال بالشك فتؤمر بالصوم والصلاة فان استمر بها الدم ثلاثة أيام علم بأنها كانت حائضا فعليها قضاء الصيام إذا طهرت والاصح هو الاول فان الله تعالى وصف الحيض بأنه اذى وقد تيقنت به في وقته فيتعلق به حكمه وانما يخرج المرئى من أن يكون حيضا إذا انقطع لما دون الثلاث وفي هذا الانقطاع شك فحكمنا بهذا الظاهر وتركنا المشكوك وجعلناها حائضا لا تصوم ولا تصلى فإذا انقطع دمها لتمام عشرة أيام فهو حيض كله فان جاوز العشرة واستمر بها الدم فحيضها عشرة أيام من أول ما رأت الدم وطهرها عشرون يوما لان أمر الحيض مبنى على الامكان لتأيده بسبب ظاهر وهو رؤية الدم والى العشرة الامكان موجود فجعلناها حيضا وإذا انقطع لتمام العشرة كان الكل حيضا فبزيادة السيلان لا ينتقص الحيض وإذا كانت العشرة حيضا فبقية الشهر وذلك عشرون يوما طهرها لان الشهر
[ 154 ]
يشتمل على الحيض والطهر عادة. وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنها تأخذ بالاحتياط فتغتسل بعد ثلاثة أيام ثم تصوم وتصلى سبعة أيام بالشك ولا يقربها زوجها حتى تغتسل بعد تمام العشرة وتقضى صيام الايام السبعة لان الاحتياط في باب العبادات واجب ومن الجائز ان حيضها أقل الحيض فتحتاط لهذا وهو ضعيف فانا قد عرفناها حائضا ودليل بقائها حائضا ظاهر وهو سيلان الدم فلا معنى لهذا الاحتياط وكان ابراهيم النخعي رحمه الله تعالى يقول ترد إلى عادة نسائها يعنى نساء عشيرتها وهذا ضعيف أيضا لان طباع النساء مختلفة حتى لا تجد أختين أو أما وابنة على طبع واحد وكذلك المرأة يختلف طبعها في كل فصل فكيف يستقيم اعتبار حال نسائها في معرفة مدة حيضها وللشافعي قولان أحدهما ان حيضها يوم وليلة أقل مدة الحيض أخذا باليقين والثانى ان حيضها سبعة أيام بناء على العادة الظاهرة واليه أشار رسول الله عليه صلى الله في قوله تحيضي يعلم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء في كل شهر وتطهر وهذا ضعيف أيضا فان اعتبار العادة عند عدم ظهور ما يخالفها وقد ظهر هنا ما يضاد الطهر وهو سيلان الدم فكان الحكم له الا إذا تعذر الامكان هذا إذا كانت مبتدأة فاما صاحبة العادة إذا استمر بها الدم فحيضها أيام عادتها عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يحكم لون الدم فما دام على لون واحد من السواد والحمرة فهو حيض واستدل بالحديث الذى روينا دم الحيض اسود عبيط محتدم والمراد به البيان عند الاشتباه (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم المستحاضة تدع الصلاة أيام اقرائها وهذه مستحاضة فترد إلى أيام اقرائها وبهذا اللفظ تبين ان أقل مدة الحيض ثلاثة أيام لان الايام اسم جمع وأقله ثلاثة ومراده صلى الله عليه وسلم من الحديث الآخر بيان لون الدم في أصل الخلقة وقد يختلف ذلك باختلاف الاغذية والطباع كما بينا وقال مالك رحمه الله تعالى المستحاضة تستظهر بثلاثة أيام بعد أيامها للاختبار فان طهرت والا اغتسلت وصلت وما روينا من الحديث حجة عليه فقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام اقرائها من غير زيادة وقال لفاطمة بنت أبى حبيش حين استحيضت انتظري الايام التي كنت تحيضين فيها فإذا مضت فاغتسلي وصلى ولم يأمرها بالاستظهار بعدها بشئ (فصل هو دائرة الكتاب) الاصل عند أبى يوسف وهو قول أبى حنيفة رحمهما الله تعالى الآخر ان الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من خمسة عشر يوما لا يصير
[ 155 ]
فاصلا بل يجعل كالدم المتوالى ومن أصله أنه يجوز بداية الحيض بالطهر ويجوز ختمه به بشرط أن يكون قبله وبعده دم فان كان بعده دم ولم يكن قبله دم يجوز ختم الحيض بالطهر ولا يجوز بدايته به وان كان قبله دم ولم يكن بعده دم يجوز بداية الحيض بالطهر ولا يجوز ختمه به ومن أصله انه يجعل زمانا هو طهر كله حيضا باحاطة الدمين به وحجته في ذلك أن الطهر الذى هو دون خمسة عشر يوما لا يصلح للفصل بين الحيضتين فكذلك للفصل بين الدمين وبيانه ان أقل مدة الطهر الصحيح خمسة عشر يوما فما دونه فاسد وبين صفة الصحة والفساد منافاة والفاسد لا تتعلق به أحكام الصحيح شرعا فكان كالدم المتوالى وبيانه من المسائل مبتدأة رأت يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما فالعشرة من أول ما رأت عنده حيض يحكم ببلوغها به وكذلك إذا رأت يوما دما وتسعة طهرا ويوما دما واحتج محمد رحمه الله تعالى في الكتاب على أبى يوسف رحمه الله تعالى فقال الدم المرئى في اليوم الحادى عشر لما كان استحاضة كان بمنزلة الرعاف فلو جاز أن تجعل أيام الطهر حيضا بالدم الذى ليس بحيض لجاز بالرعاف ولان ذلك الدم ليس بحيض بنفسه فكيف يجعل باعتباره زمان الطهر حيضا والجواب لابي يوسف رحمه الله تعالى انه خارج من الفرج فلا يكون كالرعاف الا ترى ان المرأة إذا كانت عادتها في الحيض خمسة فرأت ستة دما ثم أربعة طهرا ثم يوما دما فانها تصير مستحاضة في اليوم السادس باعتبار المرئى في اليوم الحادى عشر ولو كان ذلك كالرعاف ما صارت به مستحاضة في اليوم السادس وكذلك لو أرت بعد ستة دما أربعة عشر طهرا ثم ثلاثة دما فهذه الثلاثة تكون استحاضة فلو كان الدم المرئى في اليوم السادس الذى هو استحاضة بمنزلة الرعاف لكانت الثلاثة حيضا لتمام الطهر خمسة عشر قال أبو يوسف رحمه الله تعالى وقد يجوز ان يجعل الزمان الذى هو حيض كله صورة طهرا حكما فكذلك يجوز ان يجعل الزمان الذى هو طهر كله صورة حيضا باحاطة الدمين به وإذا ثبت جواز هذا في جميع المدة ثبت في أوله وآخره بطريق الاولى لكن إذا وجد شرطه وهو ان يكون قبله دم وبعده دم ليكون الدم محيطا بالطهر وبيان هذا الاصل من المسائل على قوله في امرأة عادتها في أول كل شهر خمسة فرأت قبل أيامها بيوم دما ثم طهرت خمستها ثم رأت يوما دما فعنده خمستها حيض إذا جاوز المرئى عشرة لاحاطة الدمين بزمان عادتها وان لم تر فيه شيئا وكذلك لو رأت قبل خمستها يوما دما ثم طهرت أول يوم من خمستها ثم رأت ثلاثة دما ثم
[ 156 ]
طهرت آخر يوم من خمستها ثم استمر الدم فحيضها خمستها عنده وان كان ابتداء الخمسة وختمها بالطهر لوجود الدم قبله وبعده وروى محمد عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان الشرط ان يكون الدم محيطا بطرفي العشرة فان كان كذلك لم يكن الطهر المتخلل فاصلا بين الدمين والا كان فاصلا وعلى هذه الرواية لا يجوز بداية الحيض ولا ختمه بالطهر قال لان الطهر ضد الحيض فلا يبدأ الشئ بما يضاده ولا يختم به ولكن المتخلل بين الطرفين يجعل تبعا لهما كما قلنا في الزكاة ان كمال النصاب في أول الحول وآخره شرط لوجوب الزكاة ونقصانه في خلال الحول لا يضر وبيان هذا من المسائل لو رأت يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما أو رأت ساعة دما وعشرة أيام غير ساعتين طهرا وساعة دما فالعشرة كلها حيض لاحاطة الدم بطرفي العشرة ولو رأت يوما دما وسبعة طهرا ويوما دما لم يكن شئ منه حيضا على هذه الرواية بخلاف الرواية الاولى. وروى ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى مع هذا شرطا آخر وهو أن يكون المرئى في أكثر الحيض مثل أقله فان وجد هذا الشرط فالطهر المتخلل لا يكون فاصلا وان لم يوجد كان فاصلا ولم يكن شئ منه حيضا وهو قول زفر رحمه الله تعالى ووجه ان الحيض لا يكون أقل من ثلاثة أيام وهو اسم للدم فإذا بلغ المرئى هذا المقدار كان قويا في نفسه فجعل أصلا وما يتخلله من الطهر تبعا له وان كان الدم دون هذا كان ضعيفا في نفسه لا حكم له إذا انفرد فلا يمكن جعل زمان الطهر حيضا تبعا وبيان هذا من المسائل لو رأت يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما لم يكن شئ منه حيضا على هذه الرواية لان المرئى من الدم دون الثلاث ولو رأت يومين دما وسبعة طهرا ويوما دما فالعشرة حيض لان المرئى بلغ أقل مدة الحيض وكذلك ان رأت يوما دما وأربعة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما فالعشرة حيض على ما بينا والاصل عند محمد رحمه الله تعالى وهو الاصح وعليه الفتوى ان الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان دون ثلاثة أيام لا يصير فاصلا فإذا بلغ الطهر ثلاثة أيام أو أكثر نظر فان استوى الدم بالطهر في أيام الحيض أو كان الدم غالبا لا يصير فاصلا وان كان الطهر غالبا يصير فاصلا فحينئذ ينظر ان لم يكن أن يجعل واحد منهما بانفراده حيضا لا يكون شئ منه حيضا وان أمكن أن يجعل أحدهما بانفراده حيضا إما المتقدم أو المتأخر يجعل ذلك حيضا وان أمكن أن يجعل كل واحد منهما بانفراده حيضا يجعل الحيض أسرعهما امكانا ولا يكون كلاهما حيضا إذ لم يتخللهما طهر تام وهو
[ 157 ]
لا يجوز بداية الحيض بالطهر ولا ختمه به سواء كان قبله وبعده دم أو لم يكن ولا يجعل زمان الطهر زمان الحيض باحاطة الدمين به ووجهه ان الطهر معتبر بالحيض فكما ان ما دون الثلاث من الحيض لا حكم له ويجعل كحال الطهر فكذلك ما دون الثلاث من الطهر لا حكم له فيجعل كالدم المتوالى وإذا بلغ ثلاثة أيام فصاعدا فان كان الدم غالبا فالمغلوب لا يظهر في مقابلة الغالب وان كان سواء فكذلك لوجهين أحدهما قياس وهو ان اعتبار الدم يوجب حرمة الصوم والصلاة واعتبار الطهر يوجب حل ذلك فإذا استوى الحلال والحرام يغلب الحرام الحلال كما في التحرى في الاواني إذا كانت الغلبة للنجاسة أو كانا سواء لا يجوز التحرى فهذا مثله والثانى وهو الاستحسان ان المرأة لا ترى الدم على الولاء لان ذلك يضنيها فيقتلها فباعتبار هذه القاعدة لابد ان يجعل بعض الزمان الذى لم يكن فيه الدم معتبرا بالحيض وعند ذلك يغلب الدم على الطهر عند التساوى فلهذا جعلناه كالدم المتوالى فاما إذا غلب الطهر الدم يصير فاصلا لان حكم الغالب ظاهر شرعا وإذا صار فاصلا بقى كل واحد من الدمين منفردا عن صاحبه فيعتبر فيه امكان جعله حيضا كانه ليس معه غيره وان وجد الامكان فيهما جعل المتقدم حيضا لانه أسرعهما امكانا وأمر الحيض مبنى على الامكان ثم لا يجعل المتأخر حيضا لانه ليس بينهما طهر خمسة عشر يوما ولابد ان يتخلل بين الحيضتين طهر تام وأقل الطهر التام خمسة عشر يوما وبيان مذهبه من المسائل مبتدأة رأت يوما دما ويومين طهرا ويوما دما فالاربعة حيض لان الطهر المتخلل دون الثلاث ولو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما لم يكن شئ منه حيضا لان الطهر بلغ ثلاثة أيام وهو غالب على الدمين فصار فاصلا وكذلك ان زادت في الطهر فان رأت يوما وثلاثة طهرا ويومين دما فالستة كلها حيض لان الدم استوى بالطهر في طرفي الستة فصار غالبا ولو رأت يوما دما وأربعة طهرا ويوما دما لم يكن شئ منه حيضا لان الطهر غالب وكذلك لو رأت يومين دما وخمسة طهرا ويوما دما لم يكن شئ منه حيضا لان الطهر غالب ولو رأت ثلاثة دما وأربعة طهرا أو يوما دما فالثمانية حيض لاستواء الدم بالطهر ولو رأت ثلاثة دما وخمسة طهرا ويوما دما فحيضا الثلاثة الاولى لان الطهر غالب فصار فاصلا والمتقدم يمكن ان يجعل بانفراده حيضا فجعلناه حيضا ولو رأت يوما دما وخمسة طهرا وثلاثة دما فحيضها الثلاثة الاخيرة لما بينا فان رأت ثلاثة دما وستة طهرا وثلاثة دما فحيضها الثلاثة الاولى لانه أسرعها امكانا فان قيل قد استوى الدم بالطهر هنا فلما إذا لم يجعل كالدم المتوالى قلنا استواء الدم بالطهر انما يعتبر في مدة الحيض وأكثر مدة الحيض
[ 158 ]
عشرة والمرئي في العشرة ثلاثة دم وستة طهر ويوم دم فكان الطهر غالبا فلهذا صار فاصلا والاصل عند الحسن بن زياد رحمه الله تعالى ان الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان دون ثلاثة أيام لا يصير فاصلا فإذا بلغ الطهر ثلاثة أيام كان فاصلا على كل حال ثم ينظر ان أمكن ان يجعل أحدهما بانفراده حيضا يجعل ذلك حيضا كما بينا قبل من مذهب محمد وانما خالفه في حرف واحد وهو انه لم يعتبر غلبة الدم ولا مساواة الدم بالطهر وبيانه من المسائل مبتدأة رأت يوما دما ويومين طهرا ويوما دما فالاربعة حيض وكذلك لو رأت ساعة دما وثلاثة أيام غير ساعة طهرا وساعة دما فالكل حيض فان رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما لم يكن شئ منه حيضا على قوله لان الطهر المتخلل بلغ ثلاثة أيام وواحد منهما بانفراده لا يمكن ان يجعل حيضا وان رأت يوما دما وثلاثة طهرا وثلاثة دما فعنده الثلاثة الاخيرة حيض ولو كانت رأت أولا ثلاثة دما كان الحيض هذه الثلاثة وان رأت ثلاثة دما وثلاثة طهرا وثلاثة دما فالحيض عنده الثلاثة الاولى لانه أسرعهما امكانا والله أعلم (فصل) أشكل فيه مذهب محمد رحمه الله تعالى من هذه الجملة مبتدأة رأت يومين دما وخمسة طهرا ويوما دما ويومين طهرا ويوما دما فجواب محمد رحمه الله تعالى أنه يلغي اليومين والخمسة ويجعل الاربعة المتأخرة حيضها لانا لو اعتبرنا حيضها من أول اليومين كان ختم العشرة بالطهر وذلك لا يجوز عنده وطعنوا عليه في هذا الجواب فقالوا ينبغى أن يلغى أحد اليومين الاولين ويجعل العشرة بعده حيضا لان الطهر الثاني قاصر فهو كالدم المتوالى فإذا جعلناه كالدم استوى الدم بالطهر في العشرة فيكون الكل حيضا لان ابتداءه وختمه بالدم قالوا وليس لاحد أن يعيب علينا في الغاء أحد اليومين لانكم ألغيتم اليومين والخمسة بعده وما قلناه أولى لان أمر الحيض مبنى على الامكان فإذا أمكن جعل العشرة حيضا بهذا الطريق ينبغى أن يجعل. والجواب عن هذا الطعن أن اليومين كشئ واحد لاتصال بعضهما ببعض فلا يجوز الغاء أحدهما واعتبار الآخر مع ان جهات الالغاء بهذا الطريق تكثر فانك إذا ألغيت ربع اليوم الاول أو ثلثه أو نصفه يحصل به هذا المقصود وعند كثرة الجهات لا يترجح البعض على البعض من غير دليل فلم يبق الا القول بالغاء اليومين والخمسة وجعل الاربعة حيضا (فصل) من هذه الجملة اختلف فيه المشايخ على قول محمد رحمه الله تعالى وهو أنه إذا
[ 159 ]
اجتمع طهران معتبران وصار أحدهما حيضا مغلوبا كالدم المتوالى هل يتعدى حكمه إلى الطهر الآخر قال أبو زيد الكبير يتعدى وقال أبو سهل الغزالي لا يتعدى وبيان ذلك مبتدأة رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما فعلى قول أبى زيد رضى الله عنه كلها حيض عند محمد رحمه الله تعالى لان في الثلاثة الاول الدم في طرفيه استوى بالطهر فيجعل كالدم المتوالى فكأنها رأت ستة دما وثلاثة طهرا ويوما دما وعلى قول ابى سهل حيضها الستة لاولى لانه تخلل العشرة طهران كل واحد منهما تمام ثلاثة أيام فإذا لم يميز أحدهما عن الآخر كان الطهر غالبا فلم يمكن جعله حيضا فلهذا ميزنا وجعلنا الستة الاولى حيضا لاستواء الدم بالطهر فيها وكذلك لو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما على قول أبى زيد العشرة حيض وعلى قول أبى سهل حيضها الستة الاولى وكذلك لو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ويومين دما فعلى قول أبى زيد العشرة حيض وعلى قول أبى سهل حيضها الستة الاخيرة بعد اليوم والثلاثة فان رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول أبى زيد يضاف يومان من أول الاستمرار إلى ما سبق فتكون العشرة كلها حيضا وعلى قول أبى سهل حيضها عشرة بعد اليوم والثلاثة لاولى فمن أول الاستمرار ستة حيض على قوله ولو رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول أبى زيد حيضها من أول ما رأت عشرة فيكون أول يوم من الاستمرار من جملة حيضها وبه تتم العشرة وعلى قول أبى سهل حيضها ستة أيام من أول ما رأت فلا يكون شئ من أول الاستمرار حيضا لها فيصل إلى موضع حيضها الثاني وكذلك لو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويومين دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب فصل في بيان الاوقات والساعات وأجزاء النهار (اعلم) بأن الوقت الواحد لا يتكرر في يوم واحد وذلك كطلوع الفجر وطلوع الشمس فان كان ابتداء الوقت من عند طلوع الشمس فتمام اليوم والليلة قبيل طلوع الشمس من الغد لان قبيل اسم لوقت يتصل به الوقت المذكور بخلاف قبل بيانه فيمن قال لامرأته وقت
[ 160 ]
الضحوة أنت طالق قبيل غروب الشمس لم تطلق حتى تغرب الشمس إذا عرفنا هذا فنقول إذا قيل امرأة رأت الدم عند طلوع الشمس ثم انقطع قبل طلوع الشمس من اليوم الرابع فالجواب أن الثلاثة كلها حيض لان الكل ثلاثة أيام والطهر فيه قاصر فهو كالدم المتوالى وكذلك لو رأت في اليوم الرابع عند طلوع الشمس فالجملة ثلاثة أيام وساعة والطهر فيه قاصر عن الثلاثة فكان الكل حيضا وان رأت من اليوم الرابع بعد طلوع الشمس لم يكن شئ منه حيضا لان الطهر ثلاثة أيام فصار فاصلا بين الدمين فان رأت عند طلوع الشمس ثم رأت من اليوم الرابع عند طلوع الشمس أيضا ثم رأت من اليوم السابع بعد طلوع الشمس فالكل حيض لان الطهر الاول لما كان دون الثلاث فهو كالدم المتوالى فيصير الدم غالبا حكما فان رأت عند طلوع الشمس ثم رأت من اليوم الرابع قبل طلوع الشمس ثم من اليوم السابع عند طلوع الشمس ثم من العاشر بعد طلوع الشمس فعلى قول أبى زيد رحمه الله تعالى الكل حيض لان الطهر الاول دون الثلاث فهو كالدم المتوالى فصار الطهر الثاني مغلوبا به فيتعدى أثره إلى الطهر الثالث كما بينا وعند أبي سهل رحمه الله تعالى الستة الاولى حيض لان الطهر الثاني كان ثلاثة أيام وان صار مغلوبا بالدم فلا يتعدى أثره إلى الطهر الثالث. وأما الساعة ففى لسان الفقهاء اسم لجزء من الزمان بخلاف ما يقوله المتجمون انه وقت ممتد حتى يشتمل اليوم والليلة عندهم على أربعة وعشرين ساعة فتارة ينتقص الليل حتى يكون تسع ساعات ويزداد النهار حتى يكون خمس عشرة ساعة وتارة ينتقص النهار حتى يزداد الليل ويثبتون ذلك بطريقهم فاما في لسان الفقهاء الساعة عبارة عن جزء من الزمان فإذا قيل مبتدأة رأت ساعة دما وثلاثة أيام غير ساعتين طهرا وساعة دما فالكل حيض لان الكل ثلاثة أيام والطهر قاصر وان رأت ساعة دما وثلاثة أيام غير ثلاث ساعات طهرا وساعة دما لم يكن شئ منه حيضا لان الكل دون ثلاثة أيام الا على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى فانه يقول الكل حيض لان الاكثر من اليوم الثالث بمنزلة كما له عنده وان رأت ساعة دما وثلاثة أيام غير ساعة طهرا وساعة دما فالكل حيض لان الكل ثلاثة أيام وساعة والطهر فيه قاصر وان رأت ساعة دما وثلاثة أيام طهرا وساعة دما لم يكن شئ من ذلك حيضا عند محمد رحمه الله تعالى لان الطهر لما بلغ ثلاثة أيام صار فاصلا فان رأت ساعة دما وثلاثة أيام غير ساعتين طهرا وساعة دما وثلاثة أيام طهرا وساعة دما وثلاثة أيام طهرا وساعة
[ 161 ]
دما فعلى قول أبى زيد الكل حيض لان الطهر الاول لقصوره عن الثلاث كالدم المتوالى فصار الطهر الثاني مغلوبا به ثم يتعدى أثره إلى الطهر الثالث وعلى قول أبى سهل حيضها ستة أيام وساعة لان الطهر الثاني كامل وان صار مغلوبا فلا يتعدى أثره إلى الطهر الثالث كما هو أصله. وأما أجزاء النهار فبحسب ما يذكر من ثلث أو ربع أو غيره فإذا قيل مبتدأة رأت ربع يوما دما ثم يومين وثلث يوم طهرا ثم ربع يوم دما لم يكن شئ منه حيضا لان الكل قاصر عن الثلاث بسدس يوم وان قيل رأت يوم ربع دما ويومين ونصف يوم طهرا وربع يوم دما فالكل حيض لانها بلغت ثلاثة أيام والطهر قاصر وان رأت ربع يوم دما وثلاثة أيام طهرا وربع يوم دما لم يكن شئ منه حيضا لان الطهر كامل فصار فاصلا بين الدمين وعلى هذا فقس ما تسأل عنه من هذا النوع فان هذا النوع لا يدخل في الواقعات انما وضعوه لتشحيذ الخواطر وامتحان المتبحرين في العلم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب نصب العادة للمبتدأة) (قال) رضى الله عنه اعلم بأن بلوغ المرأة قد يكون بالسن وقد يكون بالعلامة والعلامة اما الحيض واما الحبل فنبتدئ بالحيض فنقول إذا رأت المبتدأة دما صحيحا وطهرا صحيحا مرة واحدة ثم ابتليت بالاستمرار يصير ذلك عادة لها في زمان الاستمرار بخلاف ما يقوله أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى في صاحبة العادة أنها لا تنتقل عادتها برؤية المخالف مرة واحدة لان هنا الانتقال عن حالة الصغر وذلك عادة في النساء فيحصل بالمرة فأما في صاحبه العادة الانتقال عن العادة الثابتة إلى ما ليس بعادة فلا يحصل بالمرة حتى يتأكد بالتكرار يوضح الفرق أن الحاجة هناك إلى نسخ العادة الاولى واثبات الثانية فلا يحصل بالمرة فأما هنا الحاجة إلى اثبات العادة دون النسخ فيحصل بالمرة. وبيان هذا مبتدأة رأت خمسة دما وخمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فانه تترك من أول الاستمرار خمسة وتصلى خمسة عشر يوما وذلك دأبها ثم تفسير الدم الصحيح أنه لا ينتقص عن ثلاثة أيام ولا يزاد على عشرة أيام ولا يصير مغلوبا بالطهر وتفسير الطهر الصحيح أن لا يكون دون خمسة عشر يوما ولا تصلى المرأة في شئ منه بدم من أوله أو وسطه أو آخره وكان بين الحيضتين
[ 162 ]
ثم بعد هذا أربعة فصول إما أن يفسد الدم والطهر جميعا أو يفسد الدم ويصح الطهر أو يصح الدم ويفسد الطهر أو يكون الدم صحيحا والطهر صحيحا في الظاهر ولكنه يفسد بطريق الضرورة فلا يصلح لنصب العادة أما بيان الفصل الاول مبتدأة رأت أربعة عشر يوما دما وأربعة عشر يوما طهرا ثم استمر بها الدم فهنا الدم والطهر فاسدان فكأنها ابتليت بالاستمرار ابتداء فكان حيضها من أول ما رأت عشرة وطهرها بقية الشهر عشرون ومعنا ثمانية وعشرون فمن أول الاستمرار تصلى يومين ثم تدع عشرة وتصلى عشرين فان كان الدم خمسة عشر والطهر أربعة عشر فكذلك الجواب تصلى من أول الاستمرار يوما واحدا تمام عشرين وان كان الدم ستة عشر فأول الاستمرار يوافق ابتداء حيضها فتدع عشرة وتصلي عشرين ثم نسوق المسألة هكذا إلى ان يكون الدم ثلاثة وعشرين والطهر أربعة عشر ثم استمر بها الدم فالعشرة من أول ما رأت حيض وقد صلت ثلاثة عشر يوما بالدم ثم طهرت أربعة عشر ثم من أربعة عشر طهر سبعة تمام الطهر وسبعة من موضع حيضها الثاني لم تر فيه ثم جاء الاستمرار وقد بقى من موضع حيضها الثاني ثلاثة فالثلاثة حيض كامل فتدع من أولا الاستمرار ثلاثة ثم تصلى عشرين ثم تدع عشرة وتصلى عشرين وذلك دأبها فان كان الدم أربعة وعشرين والمسألة بحالها فنقول ستة من طهر أربعة عشر بقية طهرها بقى ثمانية أيام من موضع حيضها الثاني لم تر فيه ثم جاء الاستمرار وقد بقى من موضع حيضها يومان ويومان لا يكون حيضا فهذه لم تر مرة فتصلى إلى موضع حيضها الثاني وذلك اثنان وعشرون يوما من أول الاستمرار ثم تدع عشرة وتصلى عشرين وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فأما قول أبى يوسف رحمه الله تعالى بخلاف هذا فانه ينقل العادة بعد الرؤية مرة وكذلك قول محمد رحمه الله تعالى بخلاف هذا فانه يرى الابدال على ما نذكره في باب الانتقال وبيان الفصل الثاني مبتدأة رأت أحد عشر يوما دما وخمسة عشر يوما طهرا ثم استمر بها الدم فنقول الدم هنا فاسد لانه زاد على العشرة وبفساده يفسد الطهر لانها صلت في أول يوم منه بالدم فأما على قول محمد بن ابراهيم الميداني رحمهما الله تعالى حيضها عشرة أيام وطهرها عشرون فجاء الاستمرار وقد بقى من طهرها أربعة فتصلى أربعة أيام ثم تدع عشرة وتصلى عشرين وعلى قول أبى على الدقاق طهرها ستة عشر فتدع من أول الاستمرار عشرة وتصلى ستة عشر لان فساد الدم في اليوم الحادى عشر لما لم يؤثر في الدم حتى كانت
[ 163 ]
العشرة حيضا فلان لا يؤثر في الطهر أولى والاصح ما قاله محمد بن ابراهيم الميداني رحمه الله تعالى لان اليوم الحادى عشر من الطهر لا من الحيض فرؤية الدم الفاسد فيه تؤثر في الطهر وبيان الفصل الثالث وهو ان يكون الدم صحيحا والطهر فاسدا بان نقول مبتدأة رأت خمسة أيام دما وأربعة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فحيضها خمسة وطهرها بقية الشهر وذلك خمسة وعشرون يوما فجاء الاستمرار وقد بقى من طهرها احد عشر يوما فتصلى احد عشر يوما ثم تدع خمسة وتصلى خمسة وعشرين وكذلك دأبها وبيان الفصل الرابع مبتدأة رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهرا ويوما دما ويومين طهرا ثم استمر بها الدم فهنا الدم في الثلاثة صحيح والطهر خمسة عشر صحيح في الظاهر ولكنها لما رأت بعده يوما دما ويومين طهرا فهذه الثلاثة لا يمكن ان تجعل حيضا لان ختمها بالطهر ولا وجه إلى الابدال فتصلى في هذه الايام ضرورة فيفسد به ذلك الطهر ويخرج من ان يكون صالحا لنصب العادة فيكون حيضها ثلاثة وطهرا بقية الشهر سبعة وعشرون يوما وقد مضى ثمانية عشر فتصلى تسعة من أول الاستمرار ثم تترك ثلاثة أيام وتصلى سبعة وعشرين يوما ولو رأت في الابتداء أربعة دما وخمسة عشر طهرا ثم يوما دما ويومين ثم استمر بها الدم فهنا الطهر صحيح صالح لنصب العادة لان بعده دم يوم وطهر يومين ثم يوم من أول الاستمرار تمام الاربعة فابتداء الحيض الثاني وختمه بالدم فلهذا كان الطهر خمسة عشر خالصا فتدع من أول الاستمرار يوما وتصلى خمسة عشر ثم تدع أربعة وتصلى خمسة عشر وذلك دأبها فان رأت الدم عشرة والطهر خمسة عشر ثم الدم يوما والطهر ثلاثة أيام والدم يوما والطهر ثلاثة ثم استمر الدم فعلى قول أبي زيد رحمه الله تعالى الطهر خالص هنا صالح لنصب العادة لانه يجر من أول الاستمرار يومين إلى ما رأت بعد خمسة عشر فتجعل العشرة كلها حيضا فكان الطهر خمسة عشر خالصا فاما على قول أبى سهل رحمه الله تعالى اليوم والثلاثة بعد الخمسة عشر لا يكون حيضا وانما حيضها سبعة أيام بعد ذلك فيفسد طهرا خمسة عشر لانها صلت في شئ منه بدم فكان حيضها عشرة وطهرها عشرون وقد مضى خمسة عشر يوما ثم يوم دم وثلاثة طهر قد صلت فيه فذلك تسعة عشر ثم يوم دم قد صلت فيه وذلك عشرون ثم ثلاثة أيام طهر ولا يبتدئ الحيض بالطهر فقد جاء الاستمرار. والباقي من أيام حيضها سبعة فتدع سبعة وتصلى عشرين وعلى هذا فقس ما يكون من هذا النوع من المسائل
[ 164 ]
(فصل) في نصب العادة أيضا وإذا ابتليت المبتدأة بالاستمرار بعد ما يكون منها الصحاح من الدماء والاطهار فهو على خمسة أوجه. أحدها أن ترى دمين وطهرين متفقين على الولاء ثم الاستمرار. والثانى أن يكونا مختلفين ثم الاستمرار. والثالث أن ترى ثلاثة دما وثلاثة اطهار مختلفة ثم الاستمرار. والرابع أن ترى متفقين بعدهما مخالف لهما ثم الاستمرار والخامس أن ترى متفقين بينهما ما يخالفهما ثم الاستمرار. فصورة الفصل الاول إذا رأت الدم ثلاثة والطهر خمسة عشر والدم ثلاثة والطهر خمسة عشر ثم استمر بها الدم فالجواب أنها تدع من أول الاستمرار ثلاثة وتصلى خمسة عشر لان ما رأت صار عادة قوية بالتكرار وقد بينا أنه لو رأته مرة صار عادة لها فإذا رأته مرتين أولى. وبيان الفصل الثاني مبتدأة رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وأربعة دما وستة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن ابراهيم الميداني رحمه الله تعالى تبنى ما رأت في المرة الثانية على ما رأته في المرة الاولى وعلى قول ابى عثمان سعيد بن مزاحم السمرقندى لا تبنى ولكنها تستأنف من أول الاستمرار وتفسير قول محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى أنها لما رأت أربعة دما فثلاثة منها مدة حيضها واليوم الرابع من حساب طهرها ولكنها تترك الصلاة فيه لرؤية الدم فلما طهرت ستة عشر فأربعة عشر منها تمام طهرها ويومين من مدة حيضها ولكنها لم تر فيه فلا تترك الصوم والصلاة لان بداية الحيض لا يكون بالطهر ثم جاء الاستمرار وقد بقى من مدة حيضها يوم وذلك لا يكون حيضا فتصلى إلى موضع حيضها الثاني وذلك ستة عشر يوما ووجهه ان ما رأت في في المرة الاولى صار عادة لها بالمرة الواحدة لما بينا وصاحبة العادة تبنى ما ترى على عادتها ما لم يوجد ما ينقضها ألا ترى أنها لو أرت ذلك مرتين بنت عليه ما ترى بعدهما فكذلك إذا رأته مرة وجه قول أبى عثمان ان ما رأت ثانيا في صفة الصحة مثل ما رأته أولا وانما تبنى الفاسد على الصحيح فأما الصحيح لا يبنى على الصحيح لان البناء للحاجة والضرورة وانما أثبتنا العادة للمبتدأة بالمرة الواحدة لاجل الضرورة فأما العادة في الاصل مشتقة من العود وذلك لا يحصل بالمرة ولا ضرورة في بناء الصحيح على الصحيح لما بينهما من المعارضة والمساواة بخلاف إذا ما رأت أولا مرتين متفقتين لان ذلك تأكد بالتكرار وترجح به ثم على قول أبي عثمان رحمه الله تعالى إذا استأنفت من أول الاستمرار تبنى على أقل المدتين لانها عائدة إليها فالاقل موجود في الاكثر فتترك من أول الاستمرار ثلاثة وتصلى خمسة عشر
[ 165 ]
وذلك دأبها وبيان الفصل الثالث مبتدأة رأت الدم ثلاثة والطهر خمسة عشر والدم أربعة والطهر ستة عشر والدم خمسة والطهر سبعة عشر ثم استمر بها الدم فهنا لا خلاف بينهما أنه لا تبنى بعض الصحاح على البعض ومحمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى يفرق بين هذا وبين ما سبق فيقول هنا رأت مرتين خلاف ما رأت أولا والعادة تنتقل برؤية المخالف مرتين فلهذا لا تبنى على الاول وهناك انما رأت خلاف العادة مرة واحدة فلا تنتقل به العادة فلهذا تبنى الثاني على الاول ثم في هذه المسألة يقول محمد بن ابراهيم تبنى على أوسط الاعداد وهو قول أبى عبد الله بن أبى حفص رحمه الله تعالى وعبد الله بن النجم رحمه الله تعالى فاما على قول أبى عثمان رحمه الله تعالى تبنى على أقل المرتين الاخيرتين فلا يظهر هذا الخلاف فيما ذكرنا من الصورة فان أوسط الاعداد أربعة وستة عشر وهكذا أقل المرتين الاخيرتين انما يظهر الخلاف فيما إذا قلبت الصورة فقلت رأت في الابتداء خمسة وسبعة عشر ثم أربعة وستة عشر ثم ثلاثة وخمسة عشر فعلى قول من يقول باوسط الاعداد تدع من أول الاستمرار أربعة وتصلى ستة عشر يوما وذلك دأبها وعلى قول من يقول بأقل المرتين الاخيرتين تدع من أول الاستمرار ثلاثة وتصلى خمسة عشر وذلك دأبها وجه قول محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى ان عند التعارض العدل هو الوسط قال صلى الله عليه وسلم خير الامور أوسطها ولهذا قلنا إذا تزوج امرأة على عبد يلزمه عبد وسط وكذلك هنا عند التعارض تبنى في زمان الاستمرار على أوسط الازمان وجه قول أبي عثمان ان أقل المرتين الاخيرتين تأكد بالتكرار لان القليل موجود في الكثير فيصير ذلك عادة لها في زمان الاستمرار والفتوى على قول أبى عثمان رحمه الله تعالى لانه أيسر على النساء فان على ما قاله محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى تحتاج إلى حفظ جميع ما ترى ليتبين الاوسط من ذلك وعلى ما قاله أبو عثمان لا تحتاج الا إلى حفظ مرتين لتبني على أقلهما ولليسر أخذوا بهذا القول في الفتوى كما ان في مسائل الانتقال أفتوا بقول أبى يوسف رحمه الله تعالى في ان العادة تنتقل برؤية المخالف مرة لان ذلك أيسر على النساء وبيان الفصل الرابع مبتدأة رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وأربعة دما وستة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى تصلى من أول الاستمرار ستة عشر لانهما يقولان العادة لا تنتقل برؤية المخالف مرة فكان البناء باقيا فحين رأت أربعة فثلاثة من
[ 166 ]
ذلك مدة حيضها ويوم من حساب طهرها ومن ستة عشر أربعة عشر تمام طهرها ويومان من حساب حيضها لم ترفيه فتصلى إلى موضع حيضها الثاني وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى العادة تنتقل برؤية المخالف مرة فتترك من أول الاستمرار أربعة وتصلى ستة عشر وذلك دأبها وبيان الفصل الخامس مبتدأة رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وأربعة دما وستة عشر طهرا وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فالجواب أنها تدع من أول الاستمرار ثلاثة وتصلى خمسة عشر وذلك عادة جعلية لها فانها لو رأت متفقين على الولاء كانت عادة أصلية لها فإذا كان بينهما مخالف صار ما رأت مرتين متفقتين عادة جعلية لها ومعنى هذه التسمية انا جعلنا ما رأته آخرا كالمضموم إلى ما رأته أولا لما بينهما من الموافقة في العدد فتأكد بالتكرار وصار عادة لها تبنى عليه في زمان الاستمرار (فصل) مبتدأة بلغت بالحبل بأن حبلت من زوجها قبل أن تحيض فولدت واستمر بها الدم فنفاسها أربعون يوما. وقال الشافعي رحمه الله تعالى نفاسها ساعة وهو بناء على ما بيناه في الحيض أن المعتبر هناك أكثر الحيض عند الامكان فكذلك هنا المعتبر أكثر النفاس وعنده هناك المعتبر أقل الحيض يوم وليلة فكذا نفاسها أقل النفاس وذلك ساعة ثم بعد الاربعين يجعل طهرها عشرون لانه كما لا يتوالى حيضتان ليس بينهما طهر لا يتوالى حيض ونفاس ليس بينهما طهر وانما قدرنا طهرها بعشرين يوما لان حيض المبتدأة إذا ابتليت بالاستمرار أكثر الحيض وذلك عشرة وطهرها بقية الشهر وذلك عشرون فلا فرق بين ان تكون البداءة من الحيض أو من الطهر في مقدار العدد فلهذا جعلنا طهرها عشرين وحيضها بعد ذلك عشرة وذلك دأبها وكذلك لو طهرت بعد الاربعين أربعة عشر يوما فهذا طهر قاصر لا يصلح للفصل بين الحيض والنفاس فكان كالدم المتوالى فان طهرت بعد الاربعين خمسة عشر يوما ثم استمر بها الدم فانها تترك من أول الاستمرار عشرة لان طهرها خمسة عشر طهر صحيح فيصير عادة لها بالمرة الواحدة ولا عادة لها في الحيض فيكون حيضها عشرة فلهذا تدع من أول استمرار عشرة وتصلى خمسة عشر فدورها في كل خمسة وعشرين يوما ثم نسوق المسألة إلى أن نقول طهرت بعد الاربعين احدا وعشرين يوما ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى تدع من أول الاستمرار تسعة ثم تصلى احدا وعشرين يوما وذلك دأبها لانها لما طهرت في الحادى والعشرين فلا يمكن جعل
[ 167 ]
ذلك حيضا بل هو طهر صحيح وعادتها بالطهر والحيض يجتمع في الشهر فإذا صار احدا وعشرين طهرا لها لم يبق لحيضها الا تسعة فجعلنا حيضها تسعة ألا ترى أنها لو حاضت خمسة في الابتداء ثم طهرت أربعة عشر واستمر بها الدم جعلنا حيضها خمسة وطهرها بقية الشهر وذلك خمسة وعشرون فهذا مثله. وقال أبو عثمان رحمه الله تعالى تدع من أول الاستمرار عشرة وتصلى احدا وعشرين وذلك دأبها فيكون دورها في كل احد وثلاثين يوما قال لانا انما قدرنا الطهر بما بقى من الشهر لانه ليس لاكثره غاية معلومة وذلك لا يوجد في الحيض فأكثره معلوم وهو عشرة فكان طهرها احدا وعشرين يوما كما رأت وحيضها عشرة ثم نسوق هذه المسألة إلى أن نقول طهرت سبعة وعشرين ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى حيضها من أول الاستمرار ثلاثة لانه هو الباقي من الشهر ويمكن أن يجعل حيضها وعلى قول أبى عثمان رحمه الله تعالى حيضها من أول الاستمرار عشرة ودورها في كل سبعة وثلاثين يوما فان طهرت ثمانية وعشرين يوما ثم استمر بها الدم فهنا حيضها من أول الاستمرار عشرة بالاتفاق ودورها في كل ثمانية وثلاثين يوما لانه لم يبق من الشهر ما يمكن أن يجعل حيضا لها فلاجل التعذر رجعنا إلى اعتبار أكثر الحيض وتركنا معنى اجتماع الحيض والطهر في شهر واحد فان رأت احدا وأربعين يوما دما كما ولدت ثم خمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى نفاسها أربعون وطهرها عشرون لانها صلت في اليوم الحادى والاربعين بالدم فيفسد به طهر خمسة عشر ولا يصلح لنصب العادة فلهذا كان طهرها عشرين فمن أول الاستمرار تصلى أربعة تمام طهرها ثم تدع عشرة وعلى قول أبى على الدقاق طهرها ستة عشر كما بينا فمن أول الاستمرار تدع عشرة وتصلى ستة عشر يوما وذلك دأبها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب باب الاستمرار (قال) رضى الله عنه اعلم بأن الاستمرار نوعان متصل ومنقطع فالمتصل أن يستمر الدم بالمرأة في جميع الاوقات وحكم هذا ظاهر انها ان كانت مبتدأة فحيضها من أول ما رأت عشرة وطهرها عشرون إلى أن تموت أو تطهر وان كانت صاحبة عادة فأيام عادتها في الحيض
[ 168 ]
تكون حيضا لها وأيام عادتها في الطهر تكون مستحاضة فيها فأما الاستمرار المنقطع وهو مقصود هذا الباب ان نقول مبتدأة رأت يوما دما ويوما طهرا واستمر بها كذلك أشهرا فعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الجواب في جنس هذه المسائل ظاهر لانه يرى ختم الحيض بالطهر وبدايته بالطهر فحيضها عشرة من أول ما رأت وطهرها عشرون وهو والاستمرار المتصل سواء فاما على قول محمد رحمه الله تعالى فحيضها من أول ما رأت تسعة وطهرها احد وعشرون لان اليوم العاشر كان طهرا وهو لا يرى ختم الحيض بالطهر ويحتاج على قوله إلى معرفة ختم العشرة والى معرفة الشهر ليتبين به حكم بداية الحيض في الشهر الثاني وفى معرفته طريقان أحدهما ان الاوتار من أيامها حيض والشفوع طهر واليوم العاشر من الشفوع فعرفنا انه كان طهرا وكذلك اليوم الثلاثين ختم الشهر من الشفوع فكان طهرا وتستقبلها في الشهر الثاني مثل ما كان في الشهر الاول والثانى طريق الحساب وعليه تخرج المسائل لانه أقرب إلى الفهم فنقول السبيل ان يأخذ يوما دما ويوما طهرا وذلك اثنان فيضربه فيما يوافق العشرة وذلك خمسة واثنان في خمسة يكون عشرة وآخر المضروب طهر ومعرفة ختم الشهر ان يأخذ دما وطهرا وذلك اثنان يضربه فيما يوافق الشهر وذلك خمسة عشر فيكون ثلاثين وآخر المضروب طهر ويستقبلها في الشهر الثاني مثل ما كان في الشهر الاول فكان دورها في كل شهر تسعة حيضا واحدا وعشرين طهرا فان رأت يومين دما ويوما طهرا واستمر كذلك فالعشرة من أوله حيض لان ختم العشرة بالدم وإذا أردت معرفة ذلك فالسبيل أن تأخذ دما وطهرا وذلك ثلاثة فتضربه فيما يقارب العشرة لانك لا تجد الموافق وذلك ثلاثة وثلاثة في ثلاثة تسعة وآخر المضروب طهر ثم بعده يوم دم فعرفت ان ختم العشرة كان بالدم ومعرفة ختم الشهران تأخذ دما وطهرا وذلك ثلاثة فتضربه فيما يوافق الشهر وذلك عشرة فيكون ثلاثين وآخر المضروب طهر ثم استقبلها في الشهر الثاني مثل ذلك فيكون دورها في كل شهر عشرة حيضا وعشرين طهرا وكذلك ان رأت يوما دما ويومين طهرا فهو على هذا التخريج فان رأت يومين دما ويومين طهرا واستمر كذلك فحيضها من أول ما رأت عشرة لان ختم العشرة بالدم ومعرفة ذلك ان تأخذ دما وطهرا وذلك أربعة فتضربه فيما يوافق العشرة وذلك اثنان فيكون ثمانية وآخر المضروب طهر ثم بعده يومان دم تمام العشرة فعرفنا ان ختم العشرة كان بالدم إلى ان ينظر ان ختم
[ 169 ]
الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك أربعة فتضربه فيما يقارب الشهر وذلك سبعة فيكون ثمانية وعشرين وآخر المضروب طهر ثم بعده يومان دم تمام الشهر واستقبلها في الشهر الثاني يومان طهر ويومان دم فهذه الستة تكون حيضا لها في الشهر الثاني لان ختم العشرة في الشهر الثاني بيومين طهر ولا يختم الحيض بالطهر إلى ان ينظر ان ختم الشهر الثاني بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك أربعة فيضربه فيما يوافق الشهرين وذلك خمسة عشر فيكون ستين وآخر المضروب طهر ثم استقبلها في الشهر الثالث يومان دم فاستقام أمرها فكان دورها في كل شهرين في الشهر الاول عشرة حيض ثم اثنان وعشرون طهر ثم ستة حيض ثم اثنان وعشرون طهر فان رأت ثلاثة دما ويومين طهرا واستمر كذلك فحيضها من أول ما رأت ثمانية لان ختم العشرة بالطهر إلى ان ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك خمسة فيضربه فيما يوافق الشهر وذلك ستة فيكون ثلاثين وآخر المضروب طهر فكان دورها في كل شهر ثمانية حيضا واثنين وعشرين طهرا وكذلك ان قلبت وقلت رأت يومين دما وثلاثة طهرا فهو على هذا التخريج الا أن حيضها هنا من أول كل شهر سبعة فان رأت ثلاثة دما وثلاثة طهرا واستمر كذلك فحيضها من أول ما رأت تسعة إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك ستة فيضربه فيما يوافق الشهر وذلك خمسة فيكون ثلاثين وآخر المضروب طهر فاستقام أمرها وكان دورها في كل شهر الحيض تسعة والطهر واحد وعشرون فان رأت أربعة دما وثلاثة طهرا واستمر كذلك فحيضها من أول ما رأت عشرة لان ختم العشرة بالدم إلى أن ينظر إلى ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يقارب الشهر وذلك أربعة فيكون ثمانية وعشرين وآخر المضروب طهر ثم بعده دم أربعة يومان تمام الشهر الاول ويومان من أول الشهر الثاني فيكون حيضا وفى الشهر الثاني حيضها تسعة لان اليوم العاشر كان طهرا إلى أن ينظر ان ختم الشهرين بما ذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يقارب الشهرين وذلك تسعة فيكون ثلاثة وستين وآخر المضروب طهر فقد مضى من أيام حيضها في الشهر الثالث ثلاثة كان طهرا وبداءة الحيض بالطهر لا يكون ثم بعده أربعة دم وثلاثة طهر فما وجدت في الشهر الثالث من أيام الحيض الا اربعة فذلك حيضها إلى أن ينظر ان ختم الشهر الثالث بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يقارب تسعين يوما
[ 170 ]
وذلك ثلاثة عشر فيكون احدا وتسعين وآخر المضروب طهر فقد مضى من الشهر الرابع يوم لم ترى فيه ثم بعده أربعة دم وثلاثة طهر ويومان تمام العشرة دم فوجدت تسعة أيام في الشهر الرابع فذلك حيضها إلى أن ينظر ان ختم الشهر الرابع بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يقارب مائة وعشرين يوما وذلك سبعة عشر فيكون مائة وتسعة عشر وآخر المضروب طهر ثم بعده يوم دم تمام الشهر الرابع وفى الشهر الخامس ثلاثة دم وثلاثة طهر وأربعة دم فهذه العشرة حيضها إلى أن ينظر أن ختم الشهر الخامس بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يقارب مائة وخمسين يوما وذلك احد وعشرون فيكون مائة وسبعة وأربعين وآخر المضروب طهر ثم بعده أربعة دم ثلاثة من ذلك تمام الشهر الخامس تصلى فيه ثم في الشهر السادس رأت يوما دما وثلاثة طهرا وأربعة دما فهذه الثمانية تكون حيضا لها لان ختم العشرة في الشهر السادس كان بالطهر إلى أن ينظر ان ختم الشهر السادس بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يقارب مائة وثمانين وذلك ستة وعشرون فيكون مائة واثنين وثمانين وآخر المضروب طهر فقد مضى من الشهر السابع يومان من أيام حيضها لم تر فيه ثم بعده أربعة دم وثلاثة طهر وأربعة دم فختم العشرة في الشهر السابع كان بالدم فيكون حيضها ثمانية أيام بعد يومين مضت من الشهر السابع إلى أن ينظر أن ختم الشهر السابع بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يوافق سبعة أشهر وذلك ثلاثون فتكون مائتين وعشرة وآخر المضروب طهر فاستقام وكان دورها في كل سبعة أشهر حيضها وطهرها في كل شهر ما ذكرنا لانه استقبلها في الشهر الثامن مثل ما كان في الشهر الاول أربعة دم وثلاثة طهر وكذلك ان قلبت فقلت رأت ثلاثة دما وأربعة طهرا فهو في التخريج مثل ما سبق واستقام دورها في كل سبعة أشهر الا أنه ربما يزداد وينقص في هذه المدة بعض أيام حيضها ويتبين ذلك إذا خرجت فان رأت أربعة دما وأربعة طهرا واستمر كذلك أشهرا فحيضها من أول ما رأت عشرة لان ختمها بالدم والدم غالب على الطهر فيها إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك ثمانية ويضربه فيما يقارب الشهر وذلك أربعة فيكون اثنين وثلاثين وآخر المضروب طهر فقد مضي من أيام حيضها في الشهر الثاني يومان لم ترفيها ثم استقبلها أربعة دم وأربعة طهر فحيضها في هذا الشهر أربعة لانها لم تجد في العشرة الا هذا إلى ان ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا
[ 171 ]
وذلك ثمانية فيضربه فيما يقارب الشهرين وذلك ثمانية فيكون أربعة وستين يوما وآخره طهرا فقد مضى من الشهر الثالث أربعة أيام لم تر فيها ثم استقبلها دم أربعة فهذه الاربعة حيضها في الشهر الثالث لان ختم العشرة بالطهر إلى ان ينظر ان ختم الشهر الثالث بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك ثمانية فيضربه فيما يقارب ثلاثة أشهر وذلك احد عشر فيكون ثمانية وثمانين وآخره طهر ثم استقبلها أربعة دم يومان تمام الشهر الثالث تصلى فيهما وفى الشهر الرابع وجدت عشرة يومان دم وأربعة طهر وأربعة دم فهذه العشرة حيضها إلى ان ينظر ان ختم الشهر الرابع بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك ثمانية فيضربه فيما يوافق أربعة أشهر وذلك خمسة عشر فيكون مائة وعشرين يوما وآخره طهر فاستقام أمرها واستقبلها في الشهر الخامس أربعة دم كما كان في الشهر الاول فيكون دورها في كل أربعة الشهر في الشهر الاول عشرة حيض وفى الشهر الثاني أربعة بعد يومين مضيا حيض وفى الشهر الثالث أربعة حيض بعد أربعة مضت منه وفى الشهر الرابع عشرة حيض فان رأت خمسة دما وأربعة طهرا واستمر كذلك فحيضها في الشهر الاول عشرة لان ختم العشرة بالدم إلى أن ينظر ان ختمه بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك تسعة فيضربه فيما يقارب الشهر وذلك ثلاثة فيكون سبعة وعشرين وآخره طهر ثم بعده دم خمسة ثلاثة منها تمام الشهر وتصلى فيها ثم يومان من أول الشهر الثاني رأت فيهما وبعدهما طهر أربعة ودم خمسة فالعشرة من أول الشهر الثاني حيض إلى أن ينظر ان ختمه بماذا يكون فيضرب تسعة فيما يقارب الشهر وذلك سبعة فيكون ثلاثة وستين وآخره طهر فقد مضى من الشهر الثالث ثلاثة لم تر فيها ثم استقبلها دم خمسة فهذا حيضها في الشهر الثالث لان ختم العشرة بالطهر إلى أن ينظر ان ختم الشهر الثالث بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك تسعة فيضربه فيما يوافق ثلاثة أشهر وذلك عشرة فيكون تسعين وآخره طهر فاستقام أمرها لانه استقبلها في الشهر الرابع مثل ما كان في الشهر الاول فعلمنا أن دورها في كل ثلاثة أشهر كما بينا وكذلك ان قلبت فقلت رأت أربعة دم وخمسة طهرا فهو في التخريج كما بينا فإذا رأت خمسة دما وخمسة طهرا واستمر كذلك فحيضها خمسة من أول ما رأت لان ختم العشرة بالطهر إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك عشرة ويضربه فيما يوافق الشهر وذلك ثلاثة فيكون ثلاثين وآخره طهر فاستقام أمرها في كل شهر الحيض خمسة والطهر خمسة وعشرون فان رأت خمسة دما وستة طهرا
[ 172 ]
واستمر كذلك فحيضها من أول ما رأت خمسة لان ختم العشرة بالطهر وتصير هذه الخمسة عادة لها بالمرة الواحدة لانها مبتدأة إلى أن ينظر ان ختم الشهر الثاني بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك أحد عشر ويضربه فيما يقارب الشهر وذلك ثلاثة فيكون ثلاثة وثلاثين آخر المضروب طهر فقد مضى في الشهر الثاني من أيام عادتها ثلاثة وبقى يومان ويومان لا يكون حيضا ومن أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان العادة لا تنتقل بالمرة الواحدة وتخرج هذه المسألة على قولهما دون قول أبى يوسف رحمه الله تعالى كما بينا في أول الكتاب فأما على قول من لا يرى البدل وهو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فانها لا تترك الصلاة في شئ من الشهر الثاني إلى أن ينظر أنها هل ترى في الشهر الثالث في أيام عادتها فتأخذ دما وطهرا وذلك أحد عشر فتضربه فيما يقارب الشهرين وذلك ستة فيكون ستة وستين وآخره طهر فقد مضى من أيام عادتها في الشهر الثالث لم تر فيه شيئا وصاحبة العادة ان لم تر مرتين على الولاء يستأنف لها في موضع الرؤية لان العادة كما تنتقل برؤية المخالف مرتين تنتقل بعدم الرؤية في أيامها مرتين وإذا استأنف في موضع الرؤية كان حيضها خمسة واستقام أمرها على أن يكون دورها في كل ستة وستين يوما الحيض خمسة والطهر احد وستون يوما وأما على قول من يرى البدل وهو قول محمد رحمه الله تعالى فانه يقول يبدل لها خمسة بعد ثلاثة مضت من الشهر الثاني لوجود شرط الابدال لانه يبقى بعده طهر تام وهو ثمانية وعشرون على ما نثبته في بابه فتيرك هذه الخمسة إلى أن ينظر ان ختم الشهرين بماذا يكون فيأخذ احد عشر ويضربه فيما يقارب الشهرين وذلك ستة فيكون ستة وستين فلم تر مرتين على الولاء فيستأنف لها من موضع الرؤية واستقام دورها في كل ستة وستين تدع خمسة وتصلى ثمانية وعشرين ثم تدع خمسة بحساب البدل ثم تصلى ثمانية وعشرين وهذا دأبها وان استمر بها الدم بعد شهور استمرارا متصلا فكان محمد بن ابراهيم الميداني رحمه الله تعالى يقول حيضها في أيام الاستمرار خمسة وطهرها بقية الشهر خمسة وعشرون لانها كانت تصلى في ثمانية وعشرين لاجل الضرورة لا لانه كان طهرا صحيحا يصلح لنصب العادة فإذا ارتفعت الضرورة باتصال الاستمرار عادت إلى ما هو الاصل وهو أن يكون باقي الشهر بعد أيام عادتها في الحيض طهرا لها وذلك خمسة وعشرون وكان أبو عثمان يقول حيضها عشرة في زمان الاستمرار وطهرها عشرون لان الطهر لما فسد فسد الدم أيضا وانما كنا لا نجعل العشرة حيضا لان ختمها بالطهر وقد
[ 173 ]
زال ذلك المعنى فحيضها عشرة وطهرها عشرون كما لو ابتليت بالاستمرار ابتداء وكان أبو سهل يقول حيضها خمسة وطهرها ثمانية وعشرون لانها قد رأت كل واحد منهما مرات وحكمنا بأن الخمسة حيض وطهرها ثمانية وعشرون فعلى ذلك تبنى في زمان الاستمرار لان المحكوم بصحته شرعا بمنزلة ما هو صحيح حقيقة فان رأت ستة دما وخمسة طهرا واستمر كذلك فحيضها من أول ما رأت ستة وباقي الشهر طهر إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك احد عشر ويضربه فيما يقارب الشهر وذلك ثلاثة فيكون ثلاثة وثلاثين وآخر المضروب طهر فقد مضى من أيامها في الشهر الثاني ثلاثة لم تر فيها ثم رأت سنة دما وقد بقى من أيام حضيها ثلاثة وذلك يكفيها فكان حيضها في الشهر الثاني هذه الثلاثة إلى أن ينظر ان ختمه بما ذا يكون فيأخذ احد عشر ويضربه فيما يقارب الشهرين وذلك ستة فيكون ستة وستين وآخره طهر فقد مضت أيامها في الشهر الثالث لم ترفيها فتصلى إلى موضع حيضها الآخر على قول من لا يرى البدل وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يبدل لها ستة بعد ستة مضت من الشهر الثالث لانه يبقى بعدها من الشهر الثالث ثمانية عشر وذلك طهر تام إلى أن ينظر ان ختم الشهر الثالث بما ذا يكون فيضرب احد عشر فيما يقارب ثلاثة أشهر وذلك ثمانية فيكون ثمانية وثمانين يوما وآخره طهر ثم رأت ستة دما يومان تمام الشهر الثالث تصلى فيهما وأربعة وجدته في أيامها فذلك حيضها في الشهر الرابع إلى أن ينظر ان ختمه بماذا يكون فيأخذ أحد عشر ويضربه فيما يقارب أربعة أشهر وذلك احد عشر فيكون مائة واحدا وعشرين وآخره طهر ثم الدم بعده ستة وجدتها في أيامها فذلك حيضها في الشهر الخامس إلى أن ينظر أن ختمه بماذا يكون فيضرب أحد عشر في أربعة عشر فيكون مائة وأربعة وخمسين وآخره طهر فقد مضى من أيامها في الشهر السادس أربعة بقى يومان وذلك لا يكون حيضا فتصلى إلى موضع حيضها الآخر عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ويبدل لها عند محمد رحمه الله تعالى ستة بعد أربعة مضت من الشهر السادس إلى أن ينظر أن ختم الشهر بماذا يكون فيضرب أحد عشر فيما يقارب ستة أشهر وذلك ستة عشر فيكون مائة وستة وسبعين وآخر المضروب طهر ثم بعده دم ستة أربعة تمام الشهر السادس تصلى فيه وانما رأت في الشهر السابع يومين في أيامها وذلك لا يكون حيضا فتبين أنها لم تر مرتين على الولاء فيستأنف لها من وقت الابدال وتجعل تلك الستة يعنى الستة التى جعلت
[ 174 ]
بدلا عند محمد رحمه الله تعالى حيضا لها بطريق انتقال العادة إليه حتى إذا كانت لم تصل فيها أخذا بقول محمد رحمه الله تعالى فليس عليها قضاء تلك الصلوات أيضا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى واستقام أمرها على أن يكون دورها في كل ستة أشهر على ما بينا فتنتقل عادتها من حيث المكان والعدد على حاله فان رأت ستة دما وستة طهرا واستمر كذلك فحيضها من أول ما رأت ستة إلى أن ينظر أن ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك اثنى عشر ويضربه فيما يقارب الشهر وذلك ثلاثة فيكون ستة وثلاثين وآخره طهر فقد مضت أيامها في الشهر الثاني لم تر فيها فتصلى إلى موضع حيضها الثاني عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ويبدل لها ستة بعد ستة مضت من الشهر الثاني عند محمد رحمه الله تعالى تترك فيها الصلاة إلى أن ينظر أن ختم الشهر بماذا يكون فيضرب اثنى عشر فيما يوافق الشهرين وذلك خمسة فيكون ستين وآخره طهر فاستقام أمرها واستقبلها في الشهر الثالث مثل ما كان في الشهر الاول فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى تترك ستة من أول كل شهرين وتصلى أربعة وخمسين وعند محمد رحمه الله تعالى تترك ستة من أول الشهر وتصلى ثلاثين ثم تترك ستة بحساب البدل ثم تصلى ثمانية عشر وذلك دأبها وعلى هذا الطريق يخرج ستة وسبعة وقلبها وثمانية وثمانية وثمانية وقلبها وتسعة وتسعة وتسعة وعشرة وقلبها إلى أن يقول رأت في الابتداء عشرة دما وعشرة طهرا واستمر كذلك فحيضها من أول ما رأت عشرة إلى ان ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك عشرون ويضربه فيما يقارب الشهر وذلك اثنان فيكون أربعين وآخره طهر فقد مضت أيامها في الشهر الثاني لم تر فيها شيئا والابدال غير ممكن الا على قول من يقول بالجر أو الطرح على ما نبينه في بابه لان بعد الابدال لا يبقى إلى موضع حيضها الثاني طهر تام فتصلى إلى موضع حيضها الثاني حتى ينظر إلى ان ختم الشهرين بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك عشرون ويضربه فيما يوافق الشهرين وذلك ثلاثة فيكون ستين وآخره طهر فاستقام أمرها واستقبلها في الشهر الثالث مثل ما كان في الشهر الاول فيكون دورها في كل شهرين تترك عشرة وتصلى خمسين يوما وذلك دأبها والله أعلم (باب الانتقال) قال رحمه الله تعالى الانتقال على ضربين انتقال موضع وانتقال عدد ولا يحصل الانتقال
[ 175 ]
بالمرة الواحدة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ما لم تر مرتين وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى بالمرة الواحدة يحصل انتقال العادة قال لان ابتداء العادة يحصل بالمرة فيكون كذلك انتقالها لان المرأة صاحبة بلوى وفي الانتقال بالمرة الواحدة تيسير عليها فكان القول به أولى لقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولان المرة الاخيرة متصلة بالاستمرار والبناء على العادة في زمان الاستمرار فترجح ما كان متصلا بالاستمرار على ما كان قبله لان هذه المرة لصحتها صارت فاصلة بين زمان الاستمرار وما تقدم وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا العادة مشتقة من العود ولن يحصل العود بدون التكرار ولان الشئ لا ينسخه الا ما هو مثله أو فوقه قال الله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها والاول متأكد بالتكرار فلا ينسخه الا ما هو مثله في التأكد وقد بينا الفرق بين ابتداء العادة وانتقالها ثم نبدأ ببيان انتقال الموضع فنقول هو نوعان تارة يكون بالرؤية في غير موضع عادتها مرتين وتارة يكون بعدم الرؤية مرتين وبيان ذلك امرأة حيضها عشرة وطهرها خمسة عشر طهرت مرة خمسة وعشرين يوما ثم رأت الدم عشرة فهذه العشرة حيض عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وتنتقل عادتها في الحيض إلى موضع الرؤية وفي الطهر إلى خمسة وعشرين وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا تكون هذه العشرة حيضا لها ولكن يتوقف أمرها على الرؤية في أيام عادتها في الثاني فان رأت تبين أن ما سبق لم يكن حيضا وان لم تر بان طهرت خمسة وعشرين بعد هذه العشرة ثم رأت الدم الدم عشرة تبين أن العشرة الاولى كانت حيضا لانها رأت خلاف عادتها في الموضع مرتين والعدد بحاله فانتقلت عادتها إلى موضع الرؤية ولو كانت عادتها في الحيض ثلاثة وفي الطهر خمسة عشر فطهرت ستة عشر يوما فهذه لم تر مرة لانه لم يبق من أيام عادتها ما يمكن ان يجعل حيضا لها فتصلى إلى موضع حيضها وموضع حيضها الاول من خمسة عشر إلى ثمانية عشر وموضع حيضها الثاني من ثلاثة وثلاثين إلى ستة وثلاثين حتى إذا طهرت ثلاثة وثلاثين ثم استمر بها الدم فقد وافق الاستمرار ابتداء حيضها الثاني فيجعل ثلاثة حيضا وخمسة عشرا طهرا وان طهرت أربعة وثلاثين فلم تر مرتين على الولاء لان الباقي من أيامها الثاني لا يمكن ان يجعل حيضا فانتقلت عادتها إلى أول الاستمرار لعدم الرؤية مرتين فتكون الثلاثة من أول الاستمرار حيضا لها ألا ترى ان امرأة عادتها في الحيض في أول كل شهر عشرة وفى الطهر عشرين فحبلت ثم
[ 176 ]
ولدت وقد بقى من الشهر عشرة واستمر بها الدم فهذه العشرة والشهر الذى يليها نفاسها ثم بعده عشرون طهرها ثم عشرة حيضها فقد انتقلت عادتها في الحيض من أول الشهر إلى آخره لعدم الرؤية مرارا في زمان الحبل فعرفنا ان العادة تنتقل بعدم الرؤية مرتين والله أعلم بالصواب (فصل) في بيان البدل على قول محمد رحمه الله تعالى صاحبة العادة المعروفة إذا لم ترفى أيامها ما يصلح ان يكون حيضا ورأت بعد أيامها ما يصلح ان يكون حيضا فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يتوقف حكم ما رأت على ما ترى في المرة الثانية فان رأت في موضع عادتها تبين ان ما سبق لم يكن حيضا وان رأت في الشهر الثاني مثل ما رأت في الشهر الاول تبين ان ما سبق كان حيضا وانتقلت عادتها وكان لا يجوز الابدال لان في الابدال ايهام نقل العادة بالمرة الواحدة وذلك لا يجوز فاما محمد قال إذا رأت بعد أيامها ما يمكن ان يجعل حيضا جعل حيضا بدلا عن أيامها إذا أمكن الابدال والامكان بان يبقى إلى موضع حيضها الثاني بعد الابدال اقل مدة الطهر وذلك خمسة عشر يوما أو أكثر سواء كان الطهر خالصا أو فيه استمرار فان كان الباقي بعد الابدال من طهرها دون خمسة عشر نظر فان أمكن ان يجر من موضع حيضها الثاني ما يضم إلى ما في الطهر فيكون ذلك خمسة عشر ويبقى بعد الجر من موضع حيضها الثاني ما يمكن ان يجعل حيضا يبدل لها أيضا وان كان الباقي دون ذلك فحينئذ لا يبدل لها وتصلى إلى موضع حيضها الثاني لان الحيض مبنى على الامكان والامكان موجود إذا بقي بعد الابدال مدة طهر تام أو أمكن تتميمه بالجر لان عادة المرأة لا تبقى على صفة واحدة ولكنها تتقدم تارة وتتأخر أخرى وكان أبو حفص الكبير ومحمد بن مقاتل يقولان بالبدل على قول محمد رحمه الله تعالى بطريق الطرح لا بطريق الجر وبيانه إذا كان الباقي بعد الابدال أقل من خمسة عشر يوما فان أمكن ان يطرح من أيام البدل ما يضم إلى باقي الطهر فيتم خمسة عشر يوما ويبقى من موضع البدل ما يمكن ان يجعل حيضا يبدل لها وان كان الباقي دون ذلك لا يبدل لها وقالا هذا الوجه أولى لان التغيير فيه في موضع واحد وفي الجر التغيير في موضعين وجواز التغيير لاجل الضرورة فإذا كان يرتفع ذلك بالمرة لا يجوز اثباته في موضعين وعدد البدل دون عدد الاصل وبيانه في التيمم مع الوضوء وكان أبو زيد الكبير وأبو يعقوب الغزال يقولان بالبدل إذا كان
[ 177 ]
يبقى بعد الابدال إلى موضع حيضها الثاني خمسة عشر يوما فان كان الباقي دون ذلك لا يبدل لها لان اثبات البدل ليكون الدم المرئى بين طهرين تامين فإذا وجد بهذه الصفة يبدل لها وإلا فلا وبيانه من المسائل امرأة عادتها في الحيض خمسة وطهرها عشرون طهرت مرة اثنين وعشرين يوما ثم استمر بها الدم يجعل حيضها من أول الاستمرار ثلاثة لانها رأت في أيامها ما يمكن ان يجعل حيضا فان طهرت ثلاثة وعشرين ثم استمر بها الدم فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى تصلى إلى موضع حيضها الثاني وذلك اثنان وعشرون يوما وعند محمد رحمه الله تعالى يبدل لها خمسة من أول الاستمرار لان الباقي بعد الابدال إلى موضع حيضها الثاني سبعة عشر يوما وكذلك ان طهرت أربعة وعشرين يوما أو خمسة وعشرين ثم استمر بها الدم فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى تصلى إلى موضع حيضها الثاني وذلك اثنان وعشرون يوما وعند محمد رحمه الله تعالى يبدل لها خمسة من أول الاستمرار لان الباقي بعد الابدال إلى موضع حيضها الثاني سبعة عشر يوما وكذلك ان طهرت أربعة وعشرين يوما أو خمسة وعشرين واستمر بها الدم يبدل لها خمسة لان الباقي بعد خمسة عشر يوما فتدع خمسة وتصلي خمسة عشر ثم تدع خمسة وتصلي عشرين فان طهرت ستة وعشرين يوما ثم استمر بها الدم فعلى قول أبى زيد وأبى يعقوب لا يبدل لها لان الباقي بعد الابدال أربعة عشر يوما ولكنها تصلى من أول الاستمرار تسعة عشر يوما ثم تدع خمسة وتصلى عشرين وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يبدل لها خمسة لان الابدال بطريق الجر ممكن فيجر من موضع حيضها الثاني يوما إلى بقية طهرها ليتم خمسة عشر فتدع من أول الاستمرار خمسة بطريق البدل ثم تصلى خمسة عشر ثم تدع أربعة ثم تصلى عشرين ثم تدع خمسة وتصلى عشرين وعلى قول أبى حفص ومحمد بن مقاتل رحمهما الله تعالى يبدل لها بطريق الطرح فتدع من أول الاستمرار أربعة ثم تصلى خمسة عشر ثم تدع خمسة وتصلى عشرين وكذلك ان طهرت سبعة وعشرين ثم استمر بها الدم فهو في التخريج كما بينا وان طهرت ثمانية وعشرين ثم استمر بها الدم لا يبدل لها بالاتفاق لان بعد الابدال يبقى من الطهر اثنى عشر فان جررت إليه ثلاثة لا يبقى من موضع حيضها الثاني ما يمكن ان يجعل حيضا وان ضممت من أيام البدل ثلاثة لا يبقى ما يمكن أن يجعل حيضا فلا يبدل لها ولكنها تصلى إلى موضع حيضها الثاني وذلك سبعة عشر يوما ثم تدع خمسة وتصلي عشرين وكما يجوز الابدال بعد أيامها عند
[ 178 ]
محمد رحمه الله تعالى يجوز قبل أيامها بشرط أن يكون دما عقيب طهر صحيح لا استمرار فيه حتى إذا صلت في شئ من الطهر المتقدم بالدم لا يبدل لها قبل أيامها بيانه امرأة حيضها خمسة وطهرها عشرون طهرت خمسة عشر ثم رأت خمسة دما ثم طهرت أيامها فعند محمد رحمه الله تعالى تجعل الخمسة المتقدمة حيضا بدلا عن أيامها ولو طهرت أربعة عشر ثم رأت ستة دما ثم طهرت أيامها لم يبدل لها شئ من المتقدم لانها صلت في يوم منه بالدم وهو اليوم الخامس عشر وعند محمد رحمه الله تعالى يبدل لها مثل أيامها أو أقل من أيامها بقدر الممكن ولا يجوز أن يبدل لها أكثر من أيامها الا بشرط أن يكون بين طهرين صحيحين لا استمرار فيهما لان الحاجة إلى جعل الزيادة حيضا ابتداء فما لم يكن مرئيا بين طهرين صحيحين لا يمكن جعله حيضا ابتداء فان أمكن الابدال قبل أيامها وبعد أيامها يبدل لها قبل أيامها لانه أسرعهما امكانا وبيانه إذا كانت عادتها في الحيض ثلاثة وفي الطهر سبعة وعشرون فطهرت خمسة عشر يوما ثم رأت الدم ثلاثة ثم طهرت اثنى عشر يوما ثم رأت الدم فانها لم تر في أيامها شيئا فتبدل لها الثلاثة التي رأتها بعد خمسة عشر لانها مرئية بعد طهر صحيح فكان امكان البدل فيه قائما فلهذا يبدل لها تلك الثلاثة دون ما رأته بعد أيامها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب الزيادة والنقصان) في أيام الحيض (قال) رحمه الله تعالى اعلم بأن صاحبة العادة المعروفة إذا رأت الدم زيادة على عادتها المعروفة يجعل ذلك حيضا ما لم يجاوز أكثر الحيض فان جاوز ردت إلى أيام عادتها فيجعل ذلك حيضها وما سواه استحاضة لان طبع المرأة لا يكون على صفة واحدة في جميع الاوقات فيزداد حيضها تارة باعتبار قوة طبعها وينقص أخري بضعف طبعها وأمر الحيض مبنى على الامكان فإذا لم تجاوز العشرة فالامكان قائم في الكل وان جاوز العشرة فقد صارت مستحاضة لما رأت زيادة على العشرة قال صلى الله عليه وسلم المستحاضة تدع الصلاة أيام اقرائها ولان ما رأته بعد معروفها تبع لمعروفها إذا لم يجاوز العشرة وحكم التبع حكم المتبوع فأما بعد المجاوزة تجاذبه جانبان فان اعتباره بأيامها يجعله حيضا واعتباره بما زاد على العشرة يجعله استحاضة فيترجح هذا الجانب لان ما ظهر الا عند ظهور هذه الاستحاضة فالظاهر انه
[ 179 ]
كان لداء في باطنها فان جاءت المرأة تستفتى فقالت كانت عادتي في الحيض خمسة والآن أرى الدم في اليوم السادس فقد اختلف فيه مشايخنا قال أئمة بلخ انها تؤمر بالاغتسال والصلاة لان حال الزيادة متردد بين الحيض والاستحاضة فلا تترك الصلاة مع التردد ولان هذه الزيادة لا تكون حيضا الا بشرط وهو الانقطاع قبل ان يجاوز العشرة وذلك موهوم فلا تترك الصلاة باعتبار أمر موهوم وكان محمد بن ابراهيم الميداني رحمه الله تعالى يقول لا تؤمر بالاغتسال والصلاة وهو الاصح لانها عرفناها حائضا بيقين وفى خروجها من الحيض شك ودليل بقائها حائضا ظاهر وهو رؤية الدم وهذه الزيادة لا تكون استحاضة الا بشرط الاستمرار حتى تجاوز العشرة وذلك الشرط غير ثابت فتيقناها حائضا لا تؤمر بالاغتسال والصلاة حتى يتبين أمرها فان جاوز العشرة فحينئذ تؤمر بقضاء ما تركت من الصلوات بعد أيام عادتها واعتبر هذا بالمبتدأة لا تؤمر بالاغتسال والصلاة مع رؤية الدم ما لم تجاوز العشرة ومما ذكر محمد رحمه الله تعالى في هذا الباب من المسائل امرأة عادتها في الحيض خمسة في أول كل شهر فرأت ثلاثة أيام دما في أيامها ثم انقطع سبعة أيام أو ستة أيام ثم رأته يوما أو أكثر فخمستها المعروفة هي الحيض في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى بناء على جواز ختم الحيض بالطهر وان طهر ما دون خمسة عشر كالدم المتوالى عنده وعلى قول محمد رحمه الله تعالى الثلاثة الاولى هي الحيض لانه لا يرى ختم الحيض بالطهر ولو انها رأت في أول العشرة يومين دما وفي آخرها يومين دما فذكر الشيخ الامام برهان الدين رحمه الله تعالى ان قوله خمستها حيض إذا كان اليومان الآخران هما اليوم العاشر والحادي عشر اما إذا كان اليومان التاسع والعاشر فالكل حيض عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ولم يكن شئ من ذلك حيضا في قول محمد رحمه الله تعالى لان الطهر غالب فصار فاصلا بين الدمين وواحد منهما بانفراده لا يمكن ان يجعل حيضا فان لم تر في أولها يومين دما لم يكن شئ من ذلك حيضا عندهم جميعا وان رأت في أولها يومين دما ورأت اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر دما كانت خمستها هي الحيض في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لان الطهر قاصر فهو كالدم المتوالى وعند محمد الثلاثة الاخيرة هي الحيض بطريق البدل فان الابدال ممكن لانه يبقى بعده إلى مدة حيضها الثاني مدة طهر كامل فان رأت في أول خمستها يوما دما ويوما طهرا حتى جاوز العشرة كانت خمستها حيضا في قولهم جميعا لان ابتداء الخمسة
[ 180 ]
وختمها كان بالدم والطهر المتخلل قاصر فان طهرت أول يوم من الشهر ثم رأت يوما دما ويوما طهرا حتى جاوز العشرة فاليوم الاول ليس بحيض عندهم جميعا لانه لم يسبقه دم وهو في نفسه طهر وانما جوز أبو يوسف رحمه الله تعالى ابتداء الحيض بالطهر بشرط ان يتقدمه دم الاستحاضة والاربعة الباقية من أيامها حيض في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لانه لا يرى ختم الحيض بالطهر الا إذا تعقب دما وعلى قول محمد حيضها ثلاثة وهى الثاني والثالث والرابع من أيامها فان الخامس كان طهرا وهو لا يرى ختم الحيض بالطهر وان وقف على العشرة كان ما بعد اليوم الاول حيضا كله وان رأت يوما دما قبل رأس الشهر ومن أول الشهر يوما طهرا ويوما دما إلى تمام العشرة فاليوم الاول وجميع ذلك حيض إلى اليوم العاشر فانها لم تر فيه دما ولا بعده وما سوى ذلك وجد فيه شرط الامكان فجعل حيضا وان جاوز العشرة فخمستها المعروفة هي الحيض في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وقال محمد حيضها ثلاثة أيام وهي الثاني والثالث والرابع من معروفها لانها طهرت في اليوم الاول والخامس وهو لا يرى بداية الحيض ولا ختمه بالطهر وبعض هذه المسائل يأتي بيانه في فصل يفرض له (باب في تقديم الحيض وتأخيره) اعلم أن صاحبة العادة إذا رأت قبل عادتها دما فهو على ثلاثة أوجه في وجه هو حيض بالاتفاق وفى وجه اختلفوا فيه وفي وجه روايتان عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أما الوجه الاول وهو انها إذا رأت قبل أيامها ما لا يمكن أن يجعل حيضا بانفراده ورأت في أيامها ما يمكن أن يجعل حيضا بانفراده ولم يجاوز الكل عشرة فالكل حيض بالاتفاق لان ما رأته قبل أيامها غير مستقل بنفسه فيجعل تبعا لما رأته في أيامها وذكر في نوادر الصلاة عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى مطلقا ان المتقدم لا يكون حيضا ولكن تأويله إذا كان بحيث لا يمكن أن يجعل حيضا بانفراده وبعض أئمة بلخ أخذوا بالظاهر فقالوا المتقدم عنده لا يكون حيضا على حال لانه مستنكر مرئى قبل وقته واما الوجه الذي اختلفوا فيه فثلاثة فصول. أحدها أن ترى قبل خمستها المعروفة خمسة أو ثلاثة أو لا تري في خمستها شيئا أو رأت قبل خمستها يوما أو يومين ومن أول خمستها يوما أو يومين بحيث لا يمكن جعل كل واحد منهما بانفراده حيضا ما لم يجتمعا ففي كتاب الصلاة قال الكل حيض وهو قول أبى يوسف ومحمد
[ 181 ]
رحمهما الله تعالى ولم يذكر قول أبى حنيفة وقد نص على الخلاف في نوادر الصلاة ان عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يكون شئ من ذلك حيضا وجه قولهما ان الحيض مبنى على الامكان والمتقدم قياس المتأخر فكما جعل المتأخر عند الامكان حيضا فكذلك المتقدم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المتقدم دم مستنكر مرئى قبل وقته فلا يكون حيضا كالصغيرة جدا إذا رأت الدم وهذا لان الحاجة إلى اثبات الحيض لها ابتداء ولا يحصل ذلك بما ليس بمعهود لها ما لم يتأكد بالتكرار لان الدلالة قامت على ان العادة لا تنتقل بالمرة الواحدة بخلاف المتأخر فان الحاجة هناك إلى إبقاء ما ثبت من صفة الحيض والا بقاء لا يستدعى دليلا موجبا والوجه الثالث إذا رأت قبل أيامها ما يكون حيضا بانفراده ورأت أيامها مع ذلك فعلى قولهما لا يشكل ان الكل حيض إذا لم يجاوز العشرة اعتبارا للمتقدم بالمتأخر وعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى روايتان فيه روى المعلى عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان الكل حيض وما رأت في أيامها يكون أصلا لكونه مستقلا بنفسه فيستتبع ما تقدم كما لو كان المتقدم يوما أو يومين وروي محمد عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان أيامها حيض فأما المتقدم فحكمه موقوف على ما ترى في الشهر الثاني فان رأت مثل ما رأته في الشهر الاول تبين انه كان حيضا وانتقلت عادتها بالتكرار وان رأت في الشهر الثاني في أيامها ولم تر قبل أيامها تبين ان المتقدم لم يكن حيضا لانه مستنكر مرئى قبل وقته وهو في نفسه مستقل فلا يمكن جعله تبعا لايامها بخلاف اليوم واليومين فإذا جاءت المرأة تستفتى انها ترى الدم قبل أيامها فعند هما تؤمر بترك الصلاة إذا كان الباقي من أيام طهرها ما لو ضم الي أيامها لم يجاوز العشرة لانها ترى الدم عقيب طهر صحيح فكان حيضا للامكان وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان كان الباقي من طهرها ثلاثة أيام أو أكثر لم تؤمر بترك الصلاة لان هذا المتقدم ليس بحيض لكونه مستقلا في نفسه فلا تستتبعه أيام حيضها وان كان يوما أو يومين فعلى قول أئمة بلخ تؤمر بترك الصلاة وعلى قول أئمة بخارى لا تؤمر به عند أبى حنيفة لان هذا المتقدم عنده لا يكون حيضا الا بشرط ان ترى في أيامها ما يمكن ان يجعل حيضا بانفراده ولم يثبت هذا الشرط بعد فلا تؤمر بترك الصلاة وهو نظير الاختلاف الذى بيناه في الباب المتقدم فاما في المتأخر ان رأت أيامها ورأت بعد أيامها أيضا ولم يجاوز العشرة فالكل حيض بالاتفاق لان ما بعد أيامها في حكم التبع لايامها ويستقيم اثبات التبع بعد ثبوت الاصل بخلاف
[ 182 ]
المتقدم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وان لم تر في أيامها ورأت بعد أيامها ما يمكن ان يجعل حيضا أو رأت في أيامها يوما أو يومين وبعد أيامها مثل ذلك بحيث لا يمكن جعل كل واحد منهما بانفراده حيضا ويمكن جعل ذلك كله حيضا ففى ظاهر الرواية ان ذلك حيض عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى للامكان وذكر أبو سهل الفرائضي رحمه الله تعالى رواية أخرى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه موقوف على ما ترى في الشهر الثاني فان رأت في الشهر الثاني في أيامها تبين ان ذلك لم يكن حيضا وانتقلت به عادتها وان رأت قبل أيامها وفى أيامها وبعد أيامها فعلى أصل أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حكم المتقدم والمتأخر سواء لا يفصل البعض عن البعض ولكن ان لم يجاوز الكل عشرة فالكل حيض وان جاوز كان حيضها أيام عادتها دون ما تقدم وما تأخر روي الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان أيامها تصير فاصلة بين المتقدم والمتأخر ومعنى هذا انه لا يعتبر المتقدم انما تعتبر أيامها وما تأخر فان لم يجاوز العشرة فالكل حيض وان جاوز فحيضها أيامها وظاهر المذهب عن أبى حنيفة انه ينظر إلى قدر المتقدم فان كان يوما أو يومين لا يفصل عن أيامها والجواب فيه كما قالا ان لم يجاوز الكل العشرة فالكل حيض وان كان المتقدم ثلاثة أيام أو أكثر يصير فاصلا فينظر إلى أيامها وما تأخر خاصة وهذا بناء على أصله ان المتقدم إذا كان لا يستقل بنفسه يجعل حيضا تبعا لها بخلاف ما إذا استقل بنفسه واما إذا رأت قبل أيامها ولم تر في أيامها شيئا ورأت بعد أيامها فعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى إذا جاوز الكل العشرة فحيضها أيامها لانه يجعل زمان الطهر حيضا باحاطة الدمين به وعلى قول محمد رحمه الله تعالى حيضها ما تقدم ان أمكن وان لم يمكن فحيضها ما تأخر وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان في ظاهر الرواية يجعل المتأخر حيضا وعلى ما ذكر أبو سهل الفرائضى رحمه الله تعالى يكون موقوفا على ما ترى في الشهر الثاني وعلى هذا بنى محمد رحمه الله تعالى أول الباب فقال امرأة كان حيضها خمسة أيام من أول كل شهر فرأت قبلها خمسة دما وطهرت أيامها ثم رأت بعد ذلك يوما أو يومين أو ثلاثة فايامها المعروفة هي الحيض في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى المتقدم هو الحيض وكذلك ان كانت رأت يومين دما من أول أيامها مع ذلك أو من آخر أيامها لان ما رأته في أول أيامها لا يمكن ان يجعل حيضا بانفراده وان رأت ثلاثة دما في أيامها مع ذلك من أولها أو من آخرها كانت هذه الثلاثة هي الحيض في
[ 183 ]
قول محمد رحمه الله تعالى لانها رأت في أيامها ما يمكن ان يجعل حيضا بانفراده وان كان حيضها ثلاثة أيام من أول كل شهر فتقدم حيضها قبل ذلك احد عشر يوما ثم طهرت أيامها فلم تر فيها ولا فيما بعدها دما فعلى قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان ذلك استحاضة الا أن يعاودها لدم في مثل تلك الحالة احد عشر يوما أخر فان عاودها كانت ثلاثة أيام من الايام الاول من أولها حيضا وثلاثة أيام من هذه الاحد عشر يوما الاخرى حيضا من أولها لانه لا يرى الابدال فجعل حكم ذلك موقوفا فان تأكد بالتكرار انتقلت به العادة لما بينا ان انتقال العادة يحصل بعدم الرؤية في أيامها مرتين فاما عند محمد رحمه الله تعالى ثلاثة أيام من أول الاحد عشر يوما الاول حيض بطريق البدل لانه مرئى عقيب طهر صحيح وحكم انتقال العادة به يكون موقوفا على ما ترى في الشهر الثاني كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى فان كان حيضها خمسة أيام من أول الشهر فحاضتها ثم استمر بها الدم إلى تمام الشهر ثم انقطع في خمستها ثم استمر بعدها ففي قول أبى يوسف رحمه الله تعالى حيضها خمستها لاحاطة الدم بجانبيها وقال محمد رحمه الله تعالى حيضها خمسة أيام بعد أيامها لان شرط الابدال في المتقدم ان يكون مرئيا عقيب طهر صحيح لا استمرار فيه ولم يوجد فكان الابدال بعد أيامها لانه يبقي بعد الابدال إلى موضع حيضها الثاني مدة طهر تام وان كان فيه استمرار وان لم تر كذلك ولكنها رأت خمسة قبل أيامها دما وطهرت أيامها فتلك الخمسة هي الحيض في قول محمد رحمه الله تعالى لوجود شرط الابدال في المتقدم فان رأت في المرة الثانية تلك الخمسة وأيامها المعروفة وزيادة يوم دما فحيضها الخمسة المعروفة لان انتقال العادة لا يحصل بالمرة الواحدة فان لم تر في المرة الثانية كذلك ولكنها رأت الخمسة التى قبل أيامها وطهرت أيامها وطهرت بعد أيامها ثم رأت في المرة الثالثة تلك الخمسة وخمستها وزيادة يوم فحيضها هي الخمسة الاولى لان انتقال العادة حصل بعدم الرؤية في أيامها مرتين وكذلك ان طهرت في أيامها مرتين ولم تر في غيرها دما ثم رأت الدم خمسة قبل أيامها وفى أيامها وزيادة يوم فحيضها خمسة من أول ما رأت لانتقال العادة في الموضع لعدم الرؤية مرتين وان كانت طهرت في أيامها مرة واحدة فحيضها هي الخمسة المعروفة لان الانتقال لا يحصل بعدم الرؤية مرة الا في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى فان كانت لم تر قبل أيامها ولا في أيامها ورأت بعدها خمسة دما ثم في المرة الثانية طهرت خمستها وهذه الخمسة ثم استمر بها الدم فأيامها خمسة
[ 184 ]
من حين استمر بها الدم لانتقال العادة إلى موضع الرؤية بعدم الرؤية في أيامها مرتين (قال) في الكتاب وما بعدها طهر إلى تمام الشهر من حين استمر بها الدم ثم تكون حائضا وأكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى على أن هذا الجواب غلط والصحيح أن بعد ما تترك خمسة من أول الاستمرار تصلى ثلاثين يوما لان عادتها في الطهر قد انتقلت إلى ثلاثين يوما برؤيته مرتين على الولاء ففي الشهر الاول طهرت خمستها بعد ما مضى من طهرها خمسة وعشرون فذلك ثلاثون يوما ثم رأت خمسة ثم طهرت بقية الشهر وذلك عشرون يوما وطهرت خمستها وخمسة بعد خمستها في الشهر الثالث فذلك ثلاثون يوما فعلمنا أنها طهرت مرتين على الولاء ثلاثين فانتقلت عادتها في الطهر إلى هذا فعليه تبنى في زمان الاستمرار (قال) الحاكم رحمه الله تعالى ويحتمل أن يكون وجه جواب محمد رحمه الله تعالى أنها لما طهرت أيامها المعروفة مرتين كان حيضها منتقلا إلى حيث ترى الدم فلما رأته في الخمسة الثالثة من الشهر صار ذلك الموضع وقتها وكان حكمها كالتى تدرك فحيضها من أول الادراك أو كالتى انتقلت عادتها بالحبل عن عادتها فإذا استمر بها الدم حتى ينتهي إلى هذه الخمسة من الشهر الآخر فقد انتهت إلى معروفها وهي ترى الدم فلا بد من أن يجعل ذلك حيضا ولم يحصل بين هذه الخمسة وبين الخمسة الاولى من حساب الطهر الا خمسة وعشرون يوما فلذلك أجاب بما أجاب به وهذا الذى قاله ضعيف لان في حق المبتدأة ليس لها في الطهر عادة تبنى على تلك العادة ولهذه في الطهر عادة متأكدة بالتكرار وذلك ثلاثون يوما فلا يجوز النقصان عنه في زمان الاستمرار ومن أصحابنا من قال مراده مما قال وما بعدها طهر إلى تمام الشهر خمسة عشر يوما لانه انما استمر بها الدم بعد ما مضى عشرة أيام من الشهر فان تركت خمسة بقى إلى تمام الشهر خمسة عشر يوما فتصلى فيها ثم تدع خمسة من أول الشهر وهذا أيضا ضعيف فقد قال في الكتاب وما بعدها طهر إلى تمام الشهر من حين استمر بها الدم فانما جعل أول الشهر في حقها من وقت الاستمرار والاصح انه غلط لما بينا (فصل في بيان أصول مسائل انتقال العدد) اعلم بأن العادة نوعان أصلية وجعلية فصورة العادة الاصلية ان ترى المرأة دمين وطهرين
[ 185 ]
متفقين صحيحين على الولاء أو أكثر من ذلك وصورة العادة الجعلية ان ترى المرأة دمين وطهرين متفقين بينهما مخالف لهما أو ترى اطهارا مختلفة أو دماء مختلفة فينصب أوسط الاعداد لها عادة على قول من يقول باوسط الاعداد وأقل المرتين على قول من يقول بأقل المرتين الاخيرتين فتكون هذه عادة جعلية لها في زمان الاستمرار سميت جعلية لانه جعل عادة لها للضرورة ولم يوجد فيها دليل ثبوت العادة حقيقة فان رأت العاده الجعلية بعد العادة الاصلية قال أئمة بلخ رحمهم الله تعالى لا تنتقض به العادة الاصلية لانها دونها والشئ لا ينقضه ما هو دونه انما ينقضه ما هو مثله أو فوقه ولان ما ثبت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة وقد تحققت الضرورة في اثبات عادة لها ولا ضرورة في نقض العادة التى كانت لها ومشايخ بخارى رحمهم الله تعالى يقولون تنقض العادة الاصلية بالعادة الجعلية لانه لابد من التكرر في العادة الجعلية بخلاف ما كان في العادة الاصلية مثاله إذا كانت العادة الاصلية في الحيض خمسة لا تثبت الجعلية الا برؤية ستة أو سبعة أو ثمانية فالتكرار فيها خلاف العادة الاصلية مرارا لان سبعة وثمانية يتكرر فيها ستة فبالتكرار بخلاف العادة الاصلية تنتقض تلك العادة ولكن لكونها متفاوتة في نفسها تكون العادة الثانية جعلية لا أصلية ثم قد بينا ان العادة الاصلية لا تنتقض برؤية المخالف مرة واحدة الا على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى حتى إذا كانت عادتها في الحيض خمسة وفى الطهر عشرين فطهرت خمسة عشر ثم استمر بها الدم فعلى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى تصلى من أول الاستمرار خمسة تمام عادتها في الطهر وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تدع من أول الاستمرار خمسة وقد انتقلت عادتها في الطهر إلى خمسة عشر بالرؤية مرة واحدة فاما العادة الجعلية تنتقض برؤية المخالف مرة واحدة بالاتفاق لانها أضعف من العادة الاصلية وثبوتها ما كان بسبب التكرار فكذلك انتقاضها لا يتوقف على وجود التكرار فيما يخالفها بخلاف العادة الاصلية ثم المبتدأة إذا رأت اطهارا مختلفة ودماء مختلفة فوقعت الحاجة إلى نصب العادة لها فالبناء على أوسط الاعداد عند محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى وعلى أقل المرتين الاخيرتين عند أبي عثمان رحمه الله تعالى وصاحبة العادة والمتبدأة في هذا الحكم سواء وقد تكون عادة المرأة في الحيض والطهر جميعا أصلية وقد تكون جعلية فيهما وقد تكون أصلية في أحدهما جعلية في الآخر بحسب ما يتفق وذلك كله ينبنى على معرفة الاطهار الصحيحة والدماء الصحيحة
[ 186 ]
فالطهر الصحيح على الاطلاق ان لا ينتقص عن أدني مدته وان لا تصلى المرأة في شئ منه بالدم فان صلت في أول يوم منه بالدم ثم كان الطهر بعده خمسة عشر أو أكثر فهذا صالح لجعل ما بعده من الدم حيضا غير صالح لنصب العادة به وان صلت في شئ منه بالدم ثم كان الطهر بعده دون خمسة عشر فهو غير صالح لنصب العادة ولا يجعل ما بعده حيضا والدم الصحيح ان لا ينتقص عن أدني مدته وان يكون بين طهرين كاملين وبيان هذا انه لو كانت عادتها في الحيض عشرة وفي الطهر عشرين فرأت الدم أحد عشر يوما ثم طهرت خمسة عشر يوما ثم استمر بها الدم فنقول عشرة من أول ما رأت حيضها واليوم الحادى عشر أول طهرها فتصلى فيه بالدم ثم الطهر خمسة عشر فقد جاء الاستمرار وقد بقى من زمان طهرها أربعة فتصلى هذه الاربعة ثم تترك عشرة وتصلى عشرين وان كان بعد طهر خمسة عشر رأت خمسة دما ثم طهرت خمسة عشر فهذه الخمسة تكون حيضا لها لانه مرئى عقيب طهر خمسة عشر فيمكن جعله حيضا ولكن لا تنتقل عادتها في الطهر إلى خمسة عشر لان الطهر الاول قد صلت في أول يوم منه بالدم فلا يصلح لنصب العادة ولو كانت رأت الدم احد عشر ثم الطهر أربعة عشر ثم الدم خمسة ثم الطهر خمسة عشر ثم استمر فان الخمسة لا تجعل حيضا لها لانها غير مرئية عقيب طهر كامل بل بتلك الخمسة يتم طهرها ثم طهرت خمسة عشر فعشرة من ذلك مدة حيضها لم تر فيه ثم جاء الاستمرار وقد بقى من طهرها خمسة عشر فتصلى من أو ل الاستمرار خمسة عشر ثم تدع عشرة وتصلى عشرين وأما بيان البناء على أوسط الاعداد أو على أقل المرتين الاخيرتين ان نقول امرأة حيضها خمسة وطهرها عشرون رأت الدم سبعة والطهر خمسة عشر والدم ستة والطهر سبعة عشر ثم استمر بها الدم فعلى قول من يقول بأوسط الاعداد تبنى على ستة في الحيض وعلى سبعة عشر في الطهر لان المعتبر أوسط الاعداد فيما رأت لا أوسط ما ترى وأوسط الاعداد في الحيض ستة لان قبله كان خمسة وبعده كان سبعة وأوسط الاعداد في الحيض لان الطهر سبعة عشر فانه كانت عادتها في الطهر عشرين وقد رأت مرة خمسة عشر فأوسط الاعداد سبعة عشر وعلى قول من يقول بأقل المرتين الاخيرتين انما تبنى على ستة في الحيض وخمسة عشر في الطهر لانها أقل المرتين الاخيرتين فقد رأت مرة سبعة ومرة ستة وفى الطهر مرة سبعة عشر ومرة خمسة عشر فلهذا بنت في زمان الاستمرار على أقل المرتين الاخيرتين وأصل آخر انه
[ 187 ]
متى كان لها عادة أصلية فوقعت الحاجة إلى نصب العادة لها برؤية أطهار مختلفة أو دماء مختلفة فينصب لها أوسط الاعداد على قول من يقول به وأقل المرتين على قول من يقول به مما يوافق العادة الاصلية فانه يطرح المأخوذ ثم ينظر إلى أوسط الاعداد من الباقي أو إلى أقل المرتين فان كان يوافق العادة الاصلية عرفت أنها باقية فتبنى عليها الفساد وان لم تكن موافقة للعادة الاصلية عرفت ان العاده الاصلية قد انتقضت والمطروح يصير عادة جعلية لها فتبنى على ذلك في زمان الاستمرار وبيانه امرأة عادتها في الحيض عشرة وفى الطهر عشرون طهرت ثلاثين يوما ثم رأت الدم عشرة ثم الطهر أربعين ثم الدم عشرة ثم الطهر خمسة عشر ثم الدم عشرة ثم الطهر عشرين ثم استمر فنقول أوسط الاعداد في الطهر عشرون لانها رأت مرة ثلاثين ومرة أربعين ومرة خمسة عشر فأوسط الاعداد عشرون وهو موافق للعادة الاصلية فيطرح ذلك يبقى بعده خمسة عشر وثلاثون وأربعون فأوسط الاعداد ثلاثون فلم يكن موافقا للعادة الاصلية فعرفنا ان العادة الاصلية قد انتقضت به وانما تبنى في زمان الاستمرار على ما هو المطروح وهو دم عشرة وطهر عشرين ولو رأت الدم عشرة والطهر ثلاثين والدم عشرة والطهر خمسة عشر والدم عشرة والطهر عشرين ثم استمر فأوسط الاعداد في الطهر عشرون فيطرح ذلك يبقى بعده خمسة عشر وثلاثون وما كان في الاصل عادة لها وذلك عشرون فأوسط الاعداد من ذلك عشرون فلما وافق أوسط الاعداد من الباقي بعد الطرح العادة الاصلية عرفنا أنها لم تنتقض فتبنى عليها ما بعدها فحين طهرت ثلاثين فعشرون منها زمان طهرها وعشرة من حساب حيضها ثم رأت الدم عشرة وهو ابتداء طهرها ثم الطهر خمسة عشر عشرة تمام مدة طهرها وخمسة من حساب حيضها ثم الدم عشرة خمسة بقية مدة حيضها وخمسة من حساب طهرها ثم الطهر عشرين خمسة عشر بقية مدة طهرها وخمسة من حساب حيضها فجاء الاستمرار وقد بقى من مدة حيضها خمسة فتدع خمسة من أول الاستمرار ثم تصلى عشرين ثم تدع عشرة ثم تصلى عشرين وذلك دأبها والمسائل المخرجة على هذا الاصل كثيرة في السؤالات ومن أحكم الاصول فهما ودراية تيسر عليه تخريجها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
[ 188 ]
(باب في التقدم والتأخر بالافراد والشفوع) (قال) رضى الله عنه الاصل ان التقدم متى كان بفرد فانها لا ترى في أيامها الاول ولا في أيامها الثواني ومتى كان التقدم بشفع فانها ترى في أيامها الاول والثواني والتأخر متى كان بفرد فانها لا ترى في أيامها الاول ولا الثواني ومتى كان بشفع فانها لا ترى في أيامها الاول وترى في أيامها الثواني وبيان هذا امرأة حيضها ثلاثة من أول الشهر وطهرها سبعة وعشرون فرأت من أول الشهر يوما دما ويوما طهرا واستمر كذلك فانها من أول الشهر حيض لان ابتداءه وختمه كان بالدم إلى أن ينظر ان ختم هذا الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا ذلك اثنان فيضربه فيما يوافق الشهر وذلك خمسة عشر فيكون ثلاثين وآخر المضروب طهر فعرفنا أنها وجدت أيامها في الشهر الثاني كما وجدت في الشهر الاول وهكذا في كل مرة فان تقدم بيوم بأن طهرت ستة وعشرين ثم رأت يوما دما ويوما طهرا فاليوم الاول تمام طهرها ثم كان أيامها ابتداؤه وختمه بالطهر فلم تجد أيامها في هذا الشهر فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يتوقف حكمها على ما ترى في الشهر الثاني وعند محمد رحمه الله تعالى تجعل ثلاثة من أول ما رأت حيضا لها بدلا عن أيامها وحكم انتقال العادة موقوف علي ما ترى في المرة الثانية فانظر ان ختم الشهر الثاني بماذا يكون فخذ دما وطهرا وذلك اثنان فاضربه فيما يقارب أحدا وثلاثين وذلك خمسة عشر فيكون ثلاثين وآخره طهر ثم يوم دم تتم به مدة طهرها ثم استقبلها في المرة الثانية يوم طهر ويوم دم ويوم طهر فلم تجد في هذه المرة أيضا فانتقلت عادتها إلى موضع الابدال لعدم الرؤية في أيامها مرتين فان تقدم بشفع بأن طهرت خمسة وعشرين ثم رأت يوما دما ويوما طهرا واستمر كذلك فقدم طهرها بيومين واستقبلها زمان الحيض يوم دم ويوم طهر ويوم دم فقد وجدت في هذه المدة إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فتأخذ دما وطهرا وذلك اثنان فيضرب فيما يوافق اثنين وثلثين وذلك ستة عشر فيكون اثنين وثلاثين وآخره طهر ثم استقبلها في أيامها في الشهر الثاني دم يوم وطهر يوم ودم يوم فقد وجدت أيامها وهكذا تجد في كل مرة ثم تسير والمسألة في التقدم فردا أو شفعا إلى ان تقول طهرت ستة عشر يوما ثم رأت يوما دما ويوما طهرا كذلك فقد بقى من زمان طهرها احد عشر فخذ دما وطهرا وذلك اثنان فاضربه فيما يقارب احد عشر وذلك خمسة فتكون عشرة
[ 189 ]
وآخره طهر ثم دم يتم به طهرها ثم استقبلها في أيامها طهر يوم ودم يوم وطهر يوم فلم تجد في أيامها في هذه المرة أيضا وانتقلت عادتها إلى موضع الابدال لعدم الرؤية في أيامها مرتين ثم تجد ذلك في كل مرة فان طهرت خمسة عشر ثم رأت يوما دما ويوما طهرا فقد بقى من طهرها اثنى عشر فخذ دما وطهرا وذلك اثنان فاضربه فيما يوافق اثنى عشر وذلك ستة فيكون اثنى عشر وآخر المضروب طهر فاستقبلها في أيامها يوم دم ويوم طهر ويوم دم فقد وجدت في أيامها إلى أن ينظر انها هل تجد في المرة الثانية فخذ دما وطهرا واضربه فيما يوافق اثنين وأربعين وذلك احد وعشرون فيكون اثنين وأربعين وآخره طهر ثم استقبلها في أيامها دم يوم وطهر يوم ودم يوم فقد وجدت وهكذا تجد في كل مرة فان تأخر بيوم بأن طهرت ثمانية وعشرين ثم رأت يوما دما ويوما طهرا فنقول انها لم تجد في هذه المرة أيامها فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى تصلي إلى موضع حيضها الثاني وحكمها موقوف على ما ترى في المرة الثانية وعند محمد رحمه الله تعالى تجعل الثلاثة من أول ما رأت حيضا لها بدلا وحكم انتقال العادة موقوف على ما ترى في الشهر الثاني فخذ دما وطهرا واضربه فيما يقارب تسعة وعشرين وذلك أربعة عشر فيكون ثمانية وعشرين وآخره طهر ثم يوم دم به يتم طهرها فيستقبلها في الشهر الثاني طهر يوم ودم يوم وطهر يوم فلم تجد وانتقلت عادتها لعدم الرؤية مرتين إلى موضع الابدال فتجد بعد ذلك في كل مرة فان تأخر بيومين بأن طهرت تسعة وعشرين ثم رأت يوما دما ويوما طهرا فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى تصلى إلى موضع حيضها الثاني وعند محمد رحمه الله تعالى تدع من أول ما رأت ثلاثة بطريق البدل إلى أن ينظر أنها هل ترى في الشهر الثاني فيأخذ دما وطهرا وذلك اثنان ويضربه فيما يوافق ثمانية وعشرين وذلك أربعة عشر فيكون ثمانية وعشرين وآخره طهر ثم استقبلها في الشهر الثاني دم يوم وطهر يوم ودم يوم فقد وجدت في هذه المرة وهكذا تجد في كل مرة فان رأت بعد طهرها سبعة وعشرين يومين دما ويوما طهرا واستمر كذلك فعند أبى يوسف رحمه الله تعالى حيضها من أول ما رأت ثلاثة لانه يرى ختم الحيض بالطهر وعلى قول محمد رحمه الله تعالى حيضها من أول ما رأت خمسة وطهرها خمسة وعشرون (قال) الحاكم رحمه الله تعالى وهذا غير مطرد على أصل محمد رحمه الله تعالى غير أنه اضطر إلى هذا الجواب ومعنى هذا أن الابدال زيادة على أيام عادتها لا يجوز عنده الا أن يكون بين طهرين صحيحين لا استمرار فيهما ولم
[ 190 ]
يوجد ذلك الشرط هنا ولكنه قال انها لم تجد أيامها في المرة الاولى لان ختم الثلاثة بالطهر وهكذا لا تجد في كل مرة وإذا أردت معرفة ذلك فخذ دما وطهرا وذلك ثلاثة واضربه فيما يوافق الشهر وذلك عشرة فيكون ثلاثين وآخره طهر ثم استقبلها في الشهر الثاني يومان دم ويوم طهر فلم تجد وهكذا لا تجد في كل مرة فلو لم نزد في أيامها أدى ذلك لا ان لا تكون حائضا في شئ من عمرها مع رؤيتها الدم في أكثر عمرها وذلك الا يجوز فلهذه الضرورة زدنا في أيامها فجعلناها خمسة من أول ما رأت يومان دم ويوم طهر ويومان دم فهذه الخمسة حيضها وباقى الشهر طهرها خمسة وعشرون فتجد بعد ذلك في كل مرة وكان أبو سهل الفرائضى رحمه الله تعالى يقول الاصح عندي ان يجعل حيضها أربعة لان الزيادة على أيامها لاجل الضرورة وهذه الضرورة تندفع بزيادة يوم واحد ليكون ابتداء حيضها وختمه بالدم فلا يزاد أكثر من يوم واحد فكان حيضها أربعة وكان أبو عبد الله الزعفراني رحمه الله تعالى يقول الاصح عندي ان يجعل حيضها ثلاثة أيام وساعة فان الزيادة للضرورة فتتقدر بقدر الضرورة وترتفع هذه الضرورة بزيادة ساعة من أيام الدم فلا يزاد أكثر من ذلك فيكون حيضها ثلاثة أيام وساعة ولم يعتبر محمد رحمه الله تعالى شيئا من هذا لان كل دور من الدم وذلك يومان في حكم شئ واحد لاتصال بعضه بالبعض فإذا وجب زيادة شئ منه يزاد كله فيجعل حيضها خمسة أيام من أول كل شهر فان رأت يومين دما ويوما طهرا واستمر بها الدم فثلاثة أيام من حين استمر بها الدم حيض وما قبله استحاضة في قول محمد رحمه الله تعالى لانا لو اعتبرنا من أول الرؤية كان ختم أيامها بالطهر فلا يجد بدا من أن يزيد في أيامها حيضها وإذا اعتبرنا من أو ل الاستمرار أمكن جعل الثلاثة حيضا لها من غير حاجة إلى الزيادة والغاء يومي دم ويوم طهر قبل الاستمرار أهون من الزيادة في أيامها فلهذا يلغي ذلك ويجعل حيضها من أول الاستمرار ثلاثة وكان الزعفراني رحمه الله تعالى يقول انما يلغي من أول اليومين ساعة فيبقى يومان الا ساعة دم ويوم طهر فيضم إليه ساعة من أول الاستمرار حتى تتم ثلاثة أيام ويمكن جعل هذه الثلاثة حيضا لان ابتداءه وختمه بالدم والالغاء لاجل الضرورة فإذا ارتفعت الضرورة بالغاء ساعة لا يجوز الغاء ثلاثة أيام فان رأت بعد طهر سبعة وعشرين يوما دما ويومين طهرا واستمر كذلك فنقول انها لم تجد أيامها في المرة الاولى لان ختم الثلاثة كان بالطهر وهكذا لا تجد في كل مرة لما بينا أنه يستقبلها في الشهر الثاني مثل ما كان
[ 191 ]
يستقبلها في الشهر الاول يوم دم ويومان طهر فلا بد من الزيادة في مدة حيضها فيجعل حيضها من أول ما رأت أربعة ليكون ابتداؤه وختمه بالدم والطهر في خلاله قاصر ثم طهرها بقية الشهر وذلك ستة وعشرون وعلى قول الزعفراني رحمه الله تعالى انما يزاد ساعة واحدة من اليوم الرابع لان الضرورة به ترتفع كما بينا والمسائل المخرجة على هذا الاصل كثيرة وفيما بيناه كفاية فان كان حيضها عشرة أيام من أول الشهر وطهرها عشرين فطهرت ثلاثين يوما ثم استمر بها الدم فعشرة من أول الدم المستمر حيض عند محمد رحمه الله تعالى بطريق البدل لانها لم تر في أيامها شيئا والابدال بطريق الجر ممكن فانا إذا أبدلنا هذه العشرة يبقى من زمان طهرها عشرة فيجر خمسة من أيام الحيض إلى باقى الطهر ليتم خمسة عشر فلهذا أبدل لها وقال تترك من أول الاستمرار عشرة ثم تصلى خمسة عشر ثم تترك خمسة ثم تصلى عشرين ثم تترك عشرة وتصلى عشرين وكذلك ان طهرت اثنين وثلاثين يوما لانا إذا ابدلنا لها من أول الاستمرار عشرة يبقى من الطهر ثمانية فيجر من أيامها الثاني سبعة إليه ليتم خمسة عشر فانه يبقى بعده ثلاثة أيام وذلك حيض تام فأما إذا طهرت ثلاثة وثلاثين فالآن لا يبدل لها من أول الاستمرار لانا لو أبدلنا لها عشرة يبقى من زمان طهرها سبعة فلا يمكن ان يجر من الحيض الثاني إليه ما يتم به الطهر خمسة عشر لان ذلك ثمانية والباقى بعدها يومان ويومان لا يمكن ان يجعل حيضا فلهذا لم يبدل لها ولكنه قال تصلى إلى موضع حيضها الثاني والله أعلم بالصواب (فصل في بيان التاريخ) امرأة كان أيام حيضها عشرة وأيام طهرها عشرين ثم استمر بها الدم يوم الاحد لاربع عشرة ليلة خلت من جمادى الاولى سنة أربع وسبعين وأربعمائة ثم جنت وبقيت كذلك مدة طويلة ثم أفاقت والدم مستمر كذلك فجاء اليوم وهو يوم الخميس السابع والعشرين من ذى القعدة سنة سبع وسبعين واربعمائة إلى فقيه تستفتيه انها حائض اليوم أم طاهر فان كانت حائضا فهذا أول حيضها أو آخره وان كانت طاهرا فكذلك فالسبيل لذلك الفقيه ان ينظر من تاريخ الاستمرار إلى يوم السؤال فيأخذ السنين الكوامل والشهور الكوامل والايام التي لم تبلغ شهرا فيجعل السنين شهورا والشهور أياما ثم يطرح من الجملة العدد
[ 192 ]
الناقص من الشهور فنقول من تاريخ الاستمرار إلى وقت السؤال ثلاث سنين وستة أشهر وثلاثة عشر يوما فاجعل السنين شهورا بأن تضرب ثلاثة في اثنى عشر فيكون ستة وثلاثين وتضم إليه ستة أشهر فيكون اثنين وأربعين يضرب ذلك في ثلاثين فيكون ألفا ومائتين وستين يضم إليه ثلاثة عشر يوما فيكون ألفا ومائتين وثلاثة وسبعين الا أن في الاشهر كوامل ونواقص فاجعل النصف كوامل والنصف نواقص واطرح بعدد نصف الشهور من الجملة وذلك احد وعشرون يوما يبقي ألف ومائتان واثنان وخمسون ثم انظر إلى ماله ثلث صحيح وعشر صحيح فاطرحه لان دورها في كل ثلاثين عشرة حيض وعشرون طهر فألف وماتان وثلاثون تطرح من هذه الجملة يبقى اثنان وعشرون وليس له ثلث صحيح ولا عشر صحيح فعرفت ان عشرة من أول هذا الباقي حيضها واثنى عشر طهرها فيقال لها قد بقى من مدة طهرك ثمانية فتصلى ثمانية الا أنه يبقى فيه شبهة وهو أنه من الجائز ان عدد الكوامل من الشهور كان أقل وعدد النواقص كان أكثر فان أردت ازالة هذه الشبهة فاحسبه بالاسابيع لان كل أسبوع سبعة أيام من غير زيادة فان وافق العدد بالاسابيع ما كان معك علمت أن النواقص والكوامل كانا سواء فان فضل يوم علمت أن النواقص كان أكثر بشهر وان انتقص يوم علمت أن الكوامل أكثر بشهر فانظر إلى ماله سبع صحيح فاطرحه من أصل الحساب ولالف ومائة وتسعين سبع صحيح يبقى اثنان وستون ولستة وخمسين سبع صحيح فاطرحه من الباقي بقى معك ستة فابتداء الاستمرار كان يوم الاحد ومنه إلى وقت السؤال خمسة أيام لانها سألت يوم الخميس وقد فضل يوم فعلمت أن النواقص كان أكثر بشهر فاطرح من الباقي معك وذلك اثنان وعشرون واحدا بقى احد وعشرون حيضها من ذلك عشرة وطهرها أحد عشر فيقال لها هذا يوم الحادى عشر من طهرك فصلى تسعة أيام تمام طهرك ثم اتركى عشرة وصلى عشرين وما كان من هذا الجنس تخرجه على هذا الوجه والله سبحانه وتعالى أعلم (فصل) امرأة جاءت إلى فقيه فأخبرته عن طهر خمسة عشر يوما ولا تحفظ شيئا سوى ذلك فهذا لا يكفيها لنصب العادة ولا الاستئناف لتوهم الاستحاضة قبلها أو بعدها فيقال لها تذكري فان لم تتذكر شيئا فحكمها حكم الضالة على ما يأتي بيانه في بابه فان أخبرته عن طهر صحيح ودم صحيح ولا تحفظ شيئا آخر فهذا أيضا لا يكفيها لنصب العادة لتوهم
[ 193 ]
الاستحاضة قبلها أو بعدها فان قالت اعلم أنى لم أكن مستحاضة فعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يكفيها لنصب العادة لانه يرى انتقال العادة بالمرة الواحدة وعلى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يكفيها لنصب العادة لان عندهما لا تنتقل العادة بالمرة الواحدة فان أخبرت عن دمين صحيحين وطهرين صحيحين متفقين وعلمت أنها لم تكن مستحاضة قبلهما ولا بعدهما فهذا يكفيها لنصب العادة ولا يكفيها للاستئناف لان العادة تنتقل بوؤية المخالف مرتين ولكن لا يكفيها للاستئناف لتوهم الطهر الطويل قبلهما أو بعدهما فان أخبرت عن دمين صحيحين مختلفين في العدد وعن طهرين صحيحين مختلفين في العدد فعلى قول من يقول باقل المرتين هذا يكفيها لنصب العادة ولكن لا يكفيها للاستئناف لتوهم الطهر الطويل وعلى قول من يقول باوسط الاعداد هذا لا يكفيها لنصب العادة فان أخبرت عن ثلاثة أطهار ودماء مختلفة فان لم تعلم انها هل كانت مستحاضة قبلها أو بمدها فهذا لا يكفيها لنصب العادة على قول من يقول باوسط الاعداد لان الخالص من هذه الثلاثة دمان وطهران وان علمت انها لم تكن مستحاضة قبلها ولا بعدها فهذا يكفيها لنصب العادة بالبناء على أوسط الاعداد ولا يكفيها للاستئناف لتوهم الطهر الطويل وعلى هذا القياس يخرج ما كان من هذا الوجه والله أعلم (باب الاضلال) (قال) وإذا كانت امرأة تحيض في كل شهر حيضة فاستحيضت وطبقت بين الفريقين ونسيت عدد أيامها وموضعها فانها تبني على أكبر رأيها لان الطهارة شرط لصحة الصلاة كاستقبال القبلة فكما ان عند اشتباه أمر القبلة عليها تتحرى فكذا اشتباه حالها في الحيض والطهر عليها تتحرى فكل زمان يكون أكبر رأيها انها حائض فيه تترك الصلاة وكل زمان أكثر رأيها علي انها فيه طاهرة تصلى فيه بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك وكل زمان لم يستقر رأيها فيه على شئ بل تردد بين الحيض والطهر والدخول في الحيض فانها تصلى فيه بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك وكل زمان لم يستقر رأيها على شئ بل تردد رأيها فيه بين الحيض والطهر والخروج عن الحيض فانها تصلى فيه بالغسل لكل صلاة بالشك والقياس فيما إذا لم يكن لها رأى ان تغتسل في كل ساعة لانه ما من ساعة الا ويتوهم انه وقت خروجها من
[ 194 ]
الحيض ولكن لو أخذنا بهذا كان فيه حرج بين فانها لا تتفرغ عن الاغتسال لشغل آخر ديني أو دنيوي فأمرناها بالاغتسال لكل صلاة لهذا وكان أبو على الدقاق رحمه الله تعالى يقول هذا قياس أيضا والاستحسان انها تغتسل لوقت كل صلاة وزعم ان هذا هو قول محمد رحمه الله تعالى لان في أمرنا اياها بالاغتسال لكل صلاة من الحرج مالا يخفي فكما أن في المستحاضة التي تعرف أيامها يقام الوقت مقام الصلاة حتى يكفيها في كل وقت وضوء واحد فكذلك في الاغتسال ولكن الاصح ما ذكر في الكتاب انها تغتسل لكل صلاة لان اعتبار الحرج فيما لا نص فيه بخلافه والاثر جاء هنا بالاغتسال لكل صلاة فان حمنة بنت جحش رضى الله تعالى عنها لما استحيضت سبع سنين أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل لكل صلاة فان كانت فيه قد نسيت أيامها فهو نص وان كانت تحفظ أيامها فلما أمرنا بالاغتسال لكل صلاة من حفظت أيامها فلمن نسيت أولى وبه أمر حمنة بنت جحش وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه وبه أمر سلمة بنت سهيل وكانت تحت أبى حذيفة رضى الله تعالى عنه فشق عليها ذلك فأمرها أن تؤخر الصلاة إلى آخر الوقت ثم تصلى الظهر في آخر الوقت والعصر في أول الوقت بغسل واحد ثم تؤخر المغرب إلى آخر الوقت فتغتسل وتصلى المغرب في آخر الوقت والعشاء في أول الوقت بغسل واحد ثم تغتسل للفجر وبه أخذ ابراهيم النخعي رحمه الله تعالى وتأويله عندنا انها تذكرت ان خروجها من الحيض كان يكون في آخر هذه الاوقات. وقال سعيد ابن جبير رحمه الله تعالى رفع فتوى إلى ابن عباس رضى الله عنهما بعد ما كف بصره فدفعه إلى فقرأته عليه فإذا فيه انى امرأة من المسلمين ابتليت بالدم وقد سألت عليا رضى الله تعالى عنه فأمرني أن أغتسل لكل صلاة فقال وأنا أرى لها مثل ما رأى على رضى الله تعالى عنه فلهذه الآثار أمرناها بالاغتسال لكل صلاة وكان أبو سهل رحمه الله تعالى يقول تغتسل في وقت وتصلى ثم تغتسل في الوقت الثاني لاداء صلاة الوقت وتعيد ما صلت قبل هذا الوقت لتتيقن أداء أحدهما بصفة الطهارة لان الاحتياط في باب العبادات واجب وانما تصلى المكتوبات والسنن المشهورة لانها تبع للمكتوبات شرعت لجبر النقصان المتمكن فيها وكذلك تصلى الوتر لانها واجبة أو سنة مؤكدة ولا تصلى شيئا من التطوعات سوى هذا لان أداء التطوع في حالة الطهر مباح وفي حاله الحيض حرام
[ 195 ]
وما تردد بين المباح والبدعة لا يؤتى به فان التحرز عن البدعة واجب وفيما تصلى تقرأ في كل ركعة آية واحدة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وثلاث آيات عندهما قدر ما يتم به فرض القراءة ومن مشايخنا رحمهم الله تعالى من يقول تقرأ الفاتحة في الاوليين من المكتوبة وفي السنن في كل ركعة لان الفاتحة تعينت واجبة في حق العمل فلا تترك قراءتها ولا تقرأ السورة معها كما لا تقرأ خارج الصلاة آية تامة من القرآن لان ما ترد بين السنة والبدعة لا يؤتى به وكذلك لا تمس المصحف ولا تدخل المسجد لانها في كل وقت على احتمال انها حائض وليس للحائض مس المصحف ولا دخول المسجد ولا قراءة آية تامة من القرآن فان سمعت سجدة فسجدت كما سمعت سقطت عنها لانها ان كانت طاهرة فقد أدت ما لزمها وان كانت حائضا فلا تجب السجدة على الحائض بالسماع وان سجدت بعد ذلك يلزمها ان تعيدها بعد عشرة أيام لجواز ان سماعها كان في حالة الطهر فلزمتها السجدة ثم أدت في حالة الحيض فلا تسقط عنها فإذا اعادت بعد عشرة أيام تيقنت ان أحداهما كانت في حالة الطهر وان حجت فلا تأتى بطواف التحية أصلا لانه سنة وما تردد بين السنة والبدعة لا يؤتي به فاما طواف الزيارة فركن الحج لابد أن تأتى به ثم تعيده بعد عشرة أيام لتتيقن أن احدهما حصل في حالة الطهر فتتحلل به بيقين وتأتى بطواف الصدر ثم لا تعيده لان طواف الصدر واجب على الطاهر دون الحائض فان كانت حائضا فليس عليها ذلك وان كانت طاهرة فقد أتت به ولا يطؤها زوجها لان الوطئ لا تتحقق فيه الضرورة ولكنه اقتضاء للشهوة وهو حرام في حالة الحيض. وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى للزوج أن يتحرى ويطأها بالتحرى لانه حقه في حالة الطهر وزمان الطهر أكثر من زمان الحيض وعند غلبة الحلال يجوز التحرى كالمساليخ إذا اختلطت والحلال غالب على الميتة ولكن هذا غير صحيح فان التحرى في باب الفروج لا يجوز نص عليه في كتاب التحرى في الجوارى وانما التحرى فيما يحل تناوله بالاذن دون الملك ولا تفطر في شئ من شهر رمضان ثم بعد مضي شهر رمضان يلزمها قضاء أيام الحيض وأكثر ما كان حيضها في الشهر عشرة أيام سواء كان الشهر كاملا أو ناقصا لان باقى الشهر بعد أيام الحيض طهر فان انتقص الشهر فظهور ذلك النقصان في الطهر لا في الحيض ثم المسألة على ثلاثة أوجه اما أن تعلم أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل أو تعلم أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار أو لا تتذكر
[ 196 ]
شيئا من ذلك فان علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل فعليها قضاء عشرين يوما لان أكثر ما فسد صومها فيه في الشهر عشرة وربما وافق ابتداء حيضها ابتداء القضاء فلا يجزيها صومها في عشرة أيام ثم يجزيها في عشرة أخرى فإذا صامت عشرين يوما خرجت مما عليها من القضاء بيقين وان علمت ان ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فعليها ان تصوم اثنين وعشرين يوما احتياطا لان أكثر ما فسد صومها فيه في الشهر أحد عشر يوما فان ابتداء الحيض إذا كان من عند طلوع الشمس فتمام عشرة أيام في مثل هذا الوقت من اليوم الحادى عشر فيفسد صومها فيه ثم عليها قضاء ضعف ذلك لجواز ان ابتداء القضاء وافق أول يوم من حيضها فلا يجزيها الصوم في احد عشر ثم يجزيها في أحد عشر أخرى وان كانت لا تدرى ان ابتداء حيضها كان يكون بالليل أو بالنهار فاكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى يقولون يلزمها قضاء عشرين يوما لان الحيض لا يكون اكثر من عشرة وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقول تقضى اثنين وعشرين يوما لتوهم أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار والاحتياط في باب العبادات واجب ويستوى ان قضت موصولا بالشهر أو مفصولا عنه وهذا كله إذا علمت ان دورها كان يكون في كل شهر وان لم تعرف ذلك أيضا فعليها الاخذ بالاحتياط فلا تفطر في شئ من الشهر وعليها ان كانت تعرف ان ابتداء حيضها كان يكون بالليل قضاء خمسة عشر يوما لان من الجائزان حيضها كان عشرة وطهرها خمسة عشر يوما فانما فسد صومها في خمسة عشر يوما إما عشرة من أول الشهر وخمسة من آخره أو خمسة من أول الشهر بقية حيضها وعشرة من آخر الشهر فإذا عرفنا ان عليها قضاء خمسة عشر يوما فاما ان تقضى موصولا بالشهر أو مفصولا عنه فان قضت موصولا فعليها ان تقضى خمسة وعشرين يوما لانه ان كان فسد صومها من أول الشهر عشرة ومن آخر الشهر خمسة فيوم الفطر هو السادس من حيضها لا تصوم فيه ثم تصوم بعده تسعة عشر يوما فلا يجزيها في أربعة أيام بقية حيضها ثم يجزيها في خمسة عشر وان كان انما فسد من آخر الشهر عشرة فيوم الفطر أول يوم من طهرها لا تصوم فيه ثم يجزيها الصوم في أربعة عشر يوما ثم لا يجزيها في عشرة ثم يجزيها في يوم آخر فمن هذا الوجه عليها ان تصوم خمسة وعشرين يوما ومن الوجه الاول تسعة عشر فتحتاط وتصوم خمسة وعشرين وكذلك ان قضت مفصولا فانما تقضى خمسة وعشرين يوما لتوهم ان ابتداء القضاء وافق أول يوم من حيضها فلا يجزيها الصوم في عشرة أيام ثم يجزيها في خمسة عشر
[ 197 ]
يوما وان علمت ان ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فاكثر ما فسد من صومها في الشهر ستة عشر يوما إما أحد عشر من أوله وخمسة من آخره أو خمسة من أول الشهر بقية الحيض وأحد عشر من آخره واما أن تقضى ذلك موصولا برمضان أو مفصولا عنه فان قضت موصولا فعليها أن تصوم اثنين وثلاثين يوما لانه ان كان أول الشهر ابتداء حيضها فيوم الفطر هو السادس من حيضها لا تصوم فيه ثم لا يجزئها الصوم بعده في خمسة أيام ويجزئها في أربعة عشر يوما ثم لا يجزئها في أحد عشر يوما ثم يجزئها في يومين فتكون الجملة اثنين وثلاثين وان كان ابتداء شوال أول طهرها بأن كان ختم حيضها في آخر رمضان فلا تصوم في يوم العيد ثم يجزئها الصوم بعده في ثلاثة عشر يوما ثم لا يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في ثلاثة فتكون الجملة سبعة وعشرين فمن هذا الوجه عليها قضاء سبعة وعشرين يوما ومن الوجه الاول عليها قضاء اثنين وثلاثين فتأخذ بالاحتياط وتصوم اثنين وثلاثين لتخرج مما عليها بيقين وان قضت مفصولا فعليها قضاء ثمانية وثلاثين لانه يتوهم أن يوافق ابتداء القضاء أول يوم من حيضها فلا يجزئها الصوم في أحد عشر يوما ثم يجزئها في أربعة عشر ثم لا يجزئها في احد عشر ثم يجزئها في يومين فتكون الجملة ثمانية وثلاثين يوما فإذا صامت هذا المقدار تيقنت بجواز صومها في ستة عشر يوما وذلك القدر كان واجبا عليها وان كانت لا تدرى أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار أو بالليل فعلى قول عامة مشايخنا رحمهم الله تعالى تصوم خمسة وعشرين يوما وعلى قول الفقيه أبى جعفر رحمه الله تعالى تأخذ بأحوط الوجهين فان قضت موصولا بالشهر صامت اثنين وثلاثين يوما وان قضت مفصولا عن الشهر صامت ثمانية وثلاثين يوما وهذا كله إذا كان شهر رمضان كاملا فان كان ناقصا فالواجب عليها قضاء خمسة عشر يوما لانا تيقنا بجواز صومها في أربعة عشر فيتعين للفساد خمسة عشر فإذا أرادت القضاء صامت سبعة وثلاثين يوما لان من الجائز أن يوافق ابتداء صومها ابتداء حيضها فلا يجزئها في أحد عشر يوما بأن كان حيضها بالنهار ويجزئها في أربعة عشر ثم لا يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في يوم فجملة ذلك سبعة وثلاثون يوما فلهذا صامت هذا القدر لتخرج مما عليها بيقين ولو وجب على هذه المرأة صوم شهرين متتابعين في كفارة القتل أو في كفارة الفطر بأن كانت أفطرت قبل هذه الحالة إذ في هذه الحالة لا تلزمها الكفارة لتمكن الشبهة في كل يوم بالتردد بين الحيض والطهر ثم هذا على وجهين اما ان كانت
[ 198 ]
تعلم أن حيضها كان يكون في كل شهر أولا تعلم ذلك وكل وجه على وجهين أما ان كانت تعلم أن ابتداء حيضها بالليل أو بالنهار أو لا تعلم ذلك فأما الفصل الاول وهو ما إذا كان دورها في كل شهر فان علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل فعليها أن تصوم تسعين يوما لان الواجب عليها صوم ستين يوما متتابعة فمن كل ثلاثين يتيقن بجواز صومها في عشرين فإذا صامت تسعين يوما تيقنت بجواز صومها في ستين يوما فتسقط به الكفارة عنها وان علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فعليها أن تصوم مائة يوم وأربعة أيام لجواز أن يكون ابتداء صومها يوافق ابتداء حيضها فلا يجزئها في أحد عشر يوما ثم يجزئها في تسعة عشر يوما ثم لا يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في تسعة عشر ثم في الشهر الثالث كذلك فيبلغ العدد تسعين يوما وانما جاز صومها منه في سبعة وخمسين ثم لا يجزئها في احد عشر ثم يجزئها في ثلاثة تتمة ستين فبلغ عدد الجملة مائة يوم وأربعة أيام فلهذا صامت هذا المقدار وان كانت لا تدرى أن حيضها كان يكون بالليل أو بالنهار فعلى قول أكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى تصوم تسعين يوما وعلى ما ذكره الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى تأخذ بأحوط الوجهين فتصوم مائة وأربعة أيام وأما الفصل الثاني وهو ما إذا كانت لا تدرى ان دورها في كم يكون فان علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل فعليها أن تصوم مائة يوم لان من كل خمسة وعشرين يتيقن بجواز صومها في خمسة عشر بأن كان حيضها عشرة وطهرها خمسة عشر فإذا صامت مائة يوم جاز صومها في ستين يوما بيقين فتسقط عنها الكفارة به وان كانت تعلم أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فعليها أن تصوم مائة وخمسة عشر يوما لان من الجائز أن يوافق ابتداء الصوم ابتداء الحيض فلا يجزئها في احد عشر ثم يجزئها في أربعة عشر ثم لا يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في أربعة عشر فيبلغ العدد مائة وانما جاز صومها في ستة وخمسين يوما لا يجزئها في أحد عشر يوما ثم يجزئها في أربعة من أربعة عشر يوما تتمة ستين فبلغ مائة وخمسة وعشرين وانما جاز صومها فيه في ستين يوما وان كانت لا تدرى كيف كان ابتداء حيضها فهو على الاختلاف الذى بينا ولو وجب عليها صوم ثلاثة أيام في كفارة يمين فان كانت تعلم أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل فعليها أن تصوم خمسة عشر يوما لانه ان وافق ابتداء صومها ابتداء الحيض لم يجزئها في عشرة ثم يجزئها في ثلاثة بعدها وذلك ثلاثة عشر فان كانت حين افتتحت الصوم بقى من طهرها يوم أو يومان جاز
[ 199 ]
صومها فيهما ثم لم يجز في عشرة وانقطع به التتابع فان صوم ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعة وعذر الحيض فيه لا يكون عفوا لانها تجد ثلاثة أيام خالية عن الحيض بخلاف الشهرين وقد بينا هذا في كتاب الصوم فعليها أن تحتاط بصوم خمسة عشرين يوما حتى إذا كان الباقي من طهرها يومين حين افتتحت الصوم لم يجزها صومها فيهما عن الكفارة لانقطاع التتابع في العشرة بعدهما لعذر الحيض وجاز صومها في ثلاثة بعدها فكانت الجملة خمسة عشر يوما وان شاءت صامت ثلاثة أيام ثم بعد عشرة أيام تصوم ثلاثة أيام أخرى فتيقن ان إحدى الثلاثتين وافقت زمان طهرها وجاز صومها فيها عن الكفارة وان كانت تعلم ان ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فعليها ان تصوم ستة عشر يوما لان من الجائز ان الباقي من طهرها حين افتتحت الصوم يومان فلا يجزيها الصوم فيهما عن الكفارة لانقطاع التتابع ثم لا يجزيها في أحد عشر يوما بسبب الحيض ثم يجزيها في ثلاثة أيام فتكون الجملة ستة عشر يوما صامت ثلاثة أيام ثم أفطرت أحد عشر ثم صامت ثلاثة أيام فتيقن ان احدى الثلاثتين في زمان طهرها فيجزيها وعلى هذا قال في قضاء رمضان أيضا إذا كان الواجب عليها قضاء عشرة أيام بان كان دورها في كل شهر فان شاءت صامت عشرين يوما كما بينا وان شاءت صامت عشرة أيام في شهر ثم في شهر آخر عشرة أخرى سوى العشرة الاولى لتتيقن ان احدى العشرتين موافق زمان طهرها وكذلك ان كانت تعلم ان ابتداء حيضها كان يكون في كل شهر ثلاثة أو أربعة فعليها بعد مضى رمضان قضاء ضعف عدد أيامها وان شاءت صامت عدد أيامها في عشر من شهر ثم في الشهر آخر صامت مثل ذلك في عشر آخر لتتيقن ان احداهما موافق زمان طهرها فيجزيها من القضاء الا انا لم نشتغل بهذا في قضاء رمضان لانه ليس فيه تخفيف عليها بنقصان العدد وبيناه في صوم كفارة اليمين لان التخفيف فيه يتحقق ولو وجب عليها قضاء صلاة تركتها في زمان طهرها صلت تلك الصلاة بعد الاغتسال ثم اعادتها بعد عشرة أيام لتخرج مما عليها بيقين فان احد الوقتين زمان طهرها بيقين ولو أن هذه المرأة طلقها زوجها بعد الدخول بها فعلى قول أبى عصمة سعد بن معاذ رضى الله عنه لا تنقضي عدتها في حكم التزوج بزوج آخر ابدا لما بينا أنه لا يقدر أكثر الطهر بشئ فان التقدير بالرأى لا يجوز وعلى قول محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى إذا مضى من وقت الطلاق تسعة عشر شهرا وعشرة أيام غير أربع ساعات يجوز لها ان تتزوج لانه يقدر أكثر مدة الطهر بستة أشهر غير ساعة كما بينا
[ 200 ]
ومن الجائز ان الطلاق كان بعد مضى ساعة من حيضها فلا تحتسب هذه الحيضة من العدة وذلك عشرة أيام غير ساعة ثم بعد ثلاثة اطهار كل طهر ستة أشهر غير ساعة وثلاثة حيض كل حيضة عشرة أيام فإذا جمعت الكل بلغ تسعة عشر شهرا وعشرة أيام غير أربع ساعات فيحكم بانقضاء عدتها بهذه المدة ولها ان تتزوج بعدها وعلى قول من يقدر مدة الطهر في حقها بتسعة وعشرين يوما كما بينا تتزوج بعد أربعة أشهر ويوم واحد غير ساعة لان من الجائز أن الطلاق كان بعد مضى ساعة من حيضها فلا تحسب هذه الحيضة من العدة وهو عشرة أيام غير ساعة ثم بعد ثلاثة اطهار كل طهر سبعة وعشرين يوما وثلاث حيض كل حيضة عشرة فيبلغ عدد الجملة مائة واحدا وعشرين يوما غير ساعة فلهذا كان لها ان تتزوج بعد هذه المدة فاما في حكم انقطاع الرجعة فإذا مضى تسعة وثلاثون يوما من وقت الطلاق انقطعت الرجعة لان بابها مبنى على الاحتياط ومن الجائز ان حيضها كان ثلاثة وطهرها خمسة عشر وكان وقوع الطلاق في آخر جزء من أجزاء طهرها فتنقضى عدتها بتسع وثلاثين يوما فلهذا حكمنا بانقطاع الرجعة بهذا القدر احتياطا وهو نظير ما قلنا في امرأة تحفظ أيامها طهرت من الحيضة الثالثة وأيامها دون العشرة فاغتسلت بسؤر الحمار انقطعت به الرجعة ولا تحل للازواج ما لم تتيمم معه أو تصلى بعد التيمم ولو ان هذه المبتلاة كانت أمة فاشتراها انسان فمدة استبرائها على قول أبي عصمة رحمه الله تعالى لا تقدر بشئ لما بينا وعلى قول محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى تقدر بستة أشهر وعشرين يوما غير ساعتين لجواز ان الشراء كان بعد ما مضى من حيضها ساعة فلا تحسب هذه الحيضة من الاستبراء وهو عشرة أيام الا ساعة ثم بعده طهر ستة أشهر الا ساعة ثم بعده الحيض عشرة أيام فتكون الجملة ستة أشهر وعشرين يوما غير ساعتين يستبرئها بها وانما هذا كالبناء على قول من يجوز وطأها بالتحرى لان المقصود من الاستبراء استباحة الوطئ فاما على قول من لا يبيح وطأها أصلا وهو الاصح فلا حاجة إلى هذا التكلف وما كان من أحكامها فعلى هذا الوجه تخريجه والله أعلم (فصل في اضلال عدد في عدد) فان سأل سائل عن امرأة أضلت أيامها فيما هو دونها من العدد فهذا محال بان قال أيامها
[ 201 ]
عشرة فاضلت ذلك في أسبوع لان العشرة لا توجد في الاسبوع فكيف تضل فيه وكذلك لو قال أضلت في مثلها من العدد فهو محال أيضا بأن قال أيامها سبعة فأضلت ذلك في أيام الجمعة لانها واجدة عالمة بحالها وان قال أضلت أيامها فيما هو فوقها من العدد فالسؤال مستقيم ثم الاصل فيه ان كل زمان يتيقن فيه بالحيض تترك الصلاة والصوم ولا يأتيها زوجها فيه بيقين وكل زمان تيقنت فيه بالطهر تصلى فيه بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين ولا يأتيها زوجها فيه وكل زمان تردد بين الحيض والطهر تصلى فيه بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها فيه وكل زمان تردد بين الحيض والطهر والخروج من الحيض تصلى فيه بالاغتسال لكل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها فيه وأصل آخر انها متى أضلت أيامها في ضعفها من العدد أو أكثر من الضعف فلا يتيقن بالحيض في شئ منه نحو ما إذا كانت أيامها ثلاثة فضلت ذلك في ستة أو ثمانية لانها لا تتيقن بالحيض في شئ من أوله وآخره ومتى ضلت أيامها فيما دون ضعفه يتيقن بالحيض في بعضه نحو ما إذا كانت أيامها ثلاث فضلت ذلك في خمسة فانها تتيقن بالحيض في اليوم الثالث فانه أول الحيض أو آخره أو الثاني منه بيقين فتترك الصلاة فيه لهذا إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل فنقول ان كانت تعلم أن أيامها كانت ثلاثة في العشر الآخر من الشهر ولا تدرى في أي موضع من العشر كانت ولا رأى لها في ذلك فهذه أضلت أيامها في أكثر من ضعفها فتصلى ثلاثة أيام من أول العشر بالوضوء لوقت كل صلاة لانه تردد حالها في هذه المسألة بين الحيض والطهر ثم بعد ذلك تغتسل لكل صلاة إلى آخر العشر لانه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض الا أنها ان كانت تذكر أن خروجها من الحيض في أي وقت من اليوم كان يكون تغتسل في كل يوم في ذلك الوقت مرة وان كانت لا تعرف ذلك تغتسل لكل صلاة فان كانت أيامها أربعة فأضلت ذلك في العشرة فانها تتوضأ أربعة أيام من أول العشرة لوقت كل صلاة لانه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم بعد ذلك تغتسل لكل صلاة إلى آخر العشرة لانه تردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض وان كانت أيامها خمسة فاضلت ذلك في عشرة فانها تصلى خمسة أيام من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة لانه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تصلى إلى آخر العشرة بالاغتسال لكل صلاة لانه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من
[ 202 ]
الحيض فان كانت أيامها ستة فاضلت ذلك في عشرة فانها تصلي من أول العشرة أربعة أيام بالوضوء لوقت كل صلاة ثم تدع يومين ثم تصلي في أربعة أيام بالاغتسال لكل صلاة لان الاربعة الاولى ترددت بين الحيض والطهر فأما اليوم الخامس والسادس فهو حيض بيقين لانه ان كانت أيامها من أول العشر فهذا آخر حيضها وان كانت من آخر العشر فهذا أول حيضها فلهذا تركت الصلاة فيهما بيقين ثم في الاربعة الاواخر تردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض فتصلى فيه بالاغتسال لكل صلاة وان كانت أيامها سبعة فأضلت ذلك في عشرة فانها تصلى ثلاثة من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع أربعة بيقين لان هذه الاربعة فيها يقين الحيض فانها آخر الحيض ان كانت البداية من أول العشرة وأول الحيض ان كانت أيامها في آخر العشرة ثم تصلى ثلاثة أيام بالاغتسال لكل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض وان كانت أيامها ثمانية فأضلت ذلك في عشرة فانها تصلى في يومين من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع الصلاة ستة لان فيها يقين الحيض ثم تصلى في اليومين الآخرين بالاغتسال لكل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض فان كانت أيامها تسعة فأضلتها في عشرة فانها تصلى في يوم من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع الصلاة ثمانية أيام لان فيها يقين الحيض ثم تصلى في اليوم الآخر بالاغتسال لكل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض فان كانت أيامها عشرة فهى واجدة لان اضلال العشرة لا يتحقق فان كانت تذكر انها كانت تطهر في آخر الشهر ولا تدرى كم كانت أيامها توضأت إلى تمام سبعة وعشرين يوما من الشهر ثم أمسكت عن الصلاة ثلاثة أيام ثم اغتسلت غسلا واحدا وهذا الجواب صحيح لكن فيه بعض الابهام فانه لم يميز وقت التيقن بالطهر من وقت الشك وتمام الجواب في أن نبين ذلك فنقول إلى عشرين من الشهر لها يقين الطهر فتتوضأ فيها لوقت كل صلاة ويأتيها زوجها ثم في سبعة أيام بعد ذلك تردد حالها بين الحيض والطهر فان كان حيضها ثلاثة فهذه السبعة من جملة الطهر وان كان حيضها عشرة فهذه السبعة من جملة حيضها فتصلى فيها بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها ثم في ثلاثة أيام تتيقن بالحيض فتترك الصلاة فيها ووقت الخروج من الحيض معلوم
[ 203 ]
لها وهو انسلاخ الشهر فاغتسلت عند ذلك غسلا واحدا فان كانت تذكر أنها كانت ترى الدم إذا جاوزت عشرين يوما ولا تدرى كم كانت أيامها فانها تدع بعد العشرين الصلاة ثلاثة أيام بيقين لان الحيض لا يكون أقل منها ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر الشهر لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض وتعيد صوم هذا العشر في عشر آخر من شهر آخر لان فيها يقين الطهر وهذا الجواب مستقيم إذا كانت تعلم أن ابتداء رؤية الدم كان بعد مجاوزة العشرين فأما إذا كانت تعلم أنها كانت ترى الدم يوم الحادى والعشرين ولا تتذكر سوى ذلك شيئا فالجواب أنها تتيقن بالطهر إلى الحادى والعشرين من الشهر فتصلى فيها بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين ويأتيها زوجها ثم تصلى في تسعة أيام بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لانه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر فمن الجائز أن اليوم الحادى والعشرين آخر حيضها وأيامها عشرة ولا يأتيها زوجها فيه لتردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض وان كانت تستيقن أنها كانت ترى الدم بعد ما مضى سبعة عشر من الشهر ولا تدرى كم كانت أيامها فقد ذكر في بعض نسخ الحيض أنها تدع ثلاثة أيام بعد ستة عشر لان فيها يقين الحيض والطهر والخروج من الحيض ثم تصلى في سبعة أيام بالاغتسال لكل صلاة بالشك لان فيه تردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض ولكن تأويل هذا أنها كانت تذكر أن ابتداء حيضها كان يكون بعد سبعة عشر وفى عامة النسخ قال انها تصلى بالوضوء ثلاثة أيام ثم بالاغتسال سبعة أيام وهذا الذى ذكره الحاكم في المختصر وقال انما خالف بين الجواب في هذه والجواب في الاولى لانها لا تعلم ان حيضها كان متصلا بمضي سبعة عشر من الشهر وانما تعلم كونه في العشرة التي بعدها فإذا كان موضوع المسألة هذا فهذه امرأة أضلت أيامها في العشرة بعد سبعة عشر من الشهر ولا تدرى كم كانت أيامها فأقلها ثلاثة بيقين وقد بينا فيمن أضلت ثلاثة في عشرة انها تتوضأ لوقت كل صلاة وإذا كان على المستحاضة صلوات فائتة ولا تذكر شيئا من أمرها فانها تقضى ما عليها في يوم ان قدرت عليه وان لم تقدر ففي يومين بالاغتسال لكل صلاة ثم تعيدها بعد مضى عشرة أيام في اليوم الحادى عشر والثانى عشر لتتيقن بالاداء في زمان الطهر في احدى المرتين فان كانت تذكر أنها ترى الدم يوم الحادى عشر في الشهر ولا تذكر أوله وآخره فانها تتوضأ إلى الحادى عشر بيقين الطهر ويأتيها زوجها فيه ثم تتوضأ لوقت كل
[ 204 ]
صلاة في تسعة أيام بالشك لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع اليوم الحادى والعشرين ثم تغتسل في تسعة أيام لكل صلاة بالشك لا يأتيها زوجها فيه لتردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض وان كانت تعلم أنها كانت تحيض في كل شهر مرة في أوله أو في آخره ولا تدرى كم كان حيضها ولا تدخل شهرا في شهر فانها تتوضأ من أول الشهر ثلاثة أيام لوقت كل صلاة لتردد حالها في هذه الثلاثة بين الحيض والطهر ولا يأتيها زوجها ثم تغتسل سبعة أيام لكل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض ولا يأتيها زوجها أيضا ثم تتوضأ إلى آخر الشهر ولم يميز في هذا الجواب الزمان الذى فيه يقين الطهر ولابد من ذلك فنقول في العشر الاوسط تتوضأ لوقت كل صلاة لانها تتيقن بالطهر فيها ويأتيها زوجها وفى العشر الاواخر تتوضأ لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ولا يحتمل الخروج من الحيض في هذه العشرة انما تردد حالها بين الحيض والطهر والدخول في الحيض لانه لو تصور الخروج من الحيض في هذه العشرة كان فيه ادخال شهر في شهر وقد نصت على انها كانت لا تدخل شهرا في شهر فلهذا تتوضأ في العشرة لوقت كل صلاة ثم تغتسل مرة واحدة لاحتمال خروجها من الحيض لتمام الشهر ان كان حيضها في هذه العشرة الاخيرة فان كانت تعرف انها كانت ترى الدم عشرة أيام من الشهر ولا تدرى أوله وآخره فانها تتوضأ من أول الشهر إلى تمام العشرة لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل مرة ثم تتوضأ وتصلى إلى آخر الشهر ولكن في العشر الاوسط يقين الطهر فتتوضأ لوقت كل صلاة بيقين ويأتيها زوجها وفى العشر الآخر تتوضأ لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل مرة واحدة لاحتمال خروجها من الحيض عند تمام الشهر ان كان حيضها العشر الآخر فان كانت تعلم ان أيامها خمسة وانها كانت ترى الدم في اليوم العشرين من الشهر ولا تحفظ شيئا سوى هذا فمن أول الشهر إلى تمام خمسة عشر تصلى بالوضوء لوقت كل صلاة باليقين ويأتيها زوجها لانها تتيقن بالطهر فيها ثم في أربعة أيام تتوضأ لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها لتردد حالها بين الحيض والطهر وفى اليوم العشرين تترك بيقين وتغتسل بعدها أربعة أيام بالشك لان كل ساعة من هذه الاربعة الايام فيها توهم خروجها من الحيض (قال) وإذا كانت لها أيام معلومة من
[ 205 ]
كل شهر فانقطع عنها الدم أشهرا ثم عاودها واستمر بها وقد نسيت أيامها فانها تمسك عن صلاة ثلاثة أيام من أول الاستمرار لانها يتيقن فيها بالحيض فان عادتها في الموضع قد انتقلت بعدم الرؤية مرتين أو أكثر فاول عادتها من وقت الاستمرار وتتيقن بالحيض في ثلاثة أيام فتترك الصلاة فيها ثم تغتسل لكل صلاة في سبعة أيام لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض وتتوضأ عشرين يوما لوقت كل صلاة لانها تتيقن فيها بالطهر ويأتيها زوجها وذلك دأبها وتأويل هذه المسألة إذا كانت تعلم ان دورها في كل شهر وانها كانت لا تدخل شهرا في شهر فان كانت لا تعرف ذلك فلم يتعرض لهذا الفصل في الكتاب ولابد من بيانه فنقول هو على ثلاثة أوجه اما ان كانت لا تدرى كم كان حيضها وطهرها أو كانت تذكر مقدار طهرها ولا تذكر مقدار حيضها أو كانت تذكر مقدار حيضها ولا تذكر مقدار طهرها فاما الفصل الاول فنقول انها تدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثة أيام بيقين ثم تصلى سبعة أيام بالاغتسال لكل صلاة بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض ولا يأتيها زوجها في هذه العشرة ثم تصلى ثمانية أيام بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين ويأتيها زوجها فيها لانها بيقين الطهر في هذه الثمانية فانه ان كان حيضها ثلاثة أيام فهذا آخر طهرها وان كان حيضها عشرة فهذا أول طهرها ثم تصلى ثلاثة أيام بالوضوء بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ولا يأتيها زوجها فبلغ الحساب احدا وعشرين ثم تصلى بعد ذلك بالاغتسال لكل صلاة بالشك لانه لم يبق لها يقين بالطهر ولا بالحيض بعد هذا فما من ساعة بعد هذا الا ويتوهم أنه وقت خروجها من الحيض اما بالزيادة في حيضها على الثلاثة أو في طهرها على خمسة عشر واما الفصل الثاني وهو إذا علمت ان طهرها خمسة عشر ولا تدرى كم حيضها فانها تترك الصلاة من أول الاستمرار ثلاثة أيام ثم تغتسل سبعة أيام بالشك ثم تصلى ثمانية أيام بالوضوء بيقين ثم تصلى ثلاثة أيام بالوضوء بالشك فبلغ الحساب احدا وعشرين ولو كان حيضها ثلاثة فابتداء طهرها بعد احد وعشرين وان كان حيضها عشرة فابتداء طهرها الثاني بعد خمسة وثلاثين ففي هذه الاربعة عشر تصلى بالاغتسال لكل صلاة بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض ثم تصلى يوما واحدا بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين وذلك بعد ما تغتسل عند تمام خمسة وثلاثين يوما لان في هذا اليوم يقين الطهر ثم تصلى ثلاثة أيام بالوضوء بالشك
[ 206 ]
لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة أبدا لانه لم يبق لها يقين في شئ بعدها فما من ساعة الا ويتوهم أنه وقت خروجها من الحيض وأما الفصل الثالث وهو ما إذا كانت تعلم ان حيضها ثلاثة ولا تدرى كم كان طهرها فانها تدع ثلاثة من أول الاستمرار بيقين ثم تصلى خمسة عشر يوما بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين ويأتيها زوجها تصلي ثلاثة أيام بالوضوء بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر فإذا بلغ الحساب احدا وعشرين فبعد ذلك تغتسل لكل صلاة أبدا لانه لم يبق لها يقين في شئ وما من ساعة الا ويتوهم أنه وقت خروجها من الحيض فتغتسل لكل صلاة ولا يأتيها زوجها وان كانت تذكر ان طهرها خمسة عشر وتردد رأيها في الحيض بين الثلاثة والاربعة فانها تترك من أول الاستمرار ثلاثة ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تصلى في اليوم الرابع بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ثم تغتسل عند مضى اليوم الرابع مرة أخرى ثم تصلى بالوضوء أربعة عشر يوما باليقين فبلغ الحساب ثمانية عشر ثم تصلى في اليوم التاسع عشر بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع اليوم العشرين والحادي والعشرين بيقين ثم تغتسل وتصلى اليوم الثاني والعشرين بالوضوء بالشك ولا تغتسل في اليوم الثالث والعشرين وتغتسل عند تمام الثالث والعشرين لانه ان كان حيضها ثلاثة فأوان خروجها من الحيضة الثانية عند تمام الحادى والعشرين وان كان حيضها أربعة فأوان خروجها من الحيضة الثانية عند تمام الثالث والعشرين فلهذا تغتسل عند ذلك ثم تصلى ثلاثة عشر يوما بالوضوء لوقت كل صلاة باليقين فبلغ الحساب ستة وثلاثين ثم تصلى في يومين بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ثم تدع يوما واحدا لان هذا اليوم آخر حيضها ان كان حيضها ثلاثة وأول حيضها ان كان حيضها أربعة فتتيقن فيه بالحيض فبلغ الحساب تسعة وثلاثين ثم تغتسل لجواز أن هذا وقت خروجها من الحيض ثم تصلى ثلاثة أيام بالوضوء بالشك لتردد حالها بين الحيض والطهر فبلغ الحساب اثنين وأربعين ثم تغتسل لان هذا أوان خروجها من الحيض إذا كانت أيامها أربعة ثم تصلى اثنى عشر يوما بالوضوء لوقت كل صلاة باليقين لانها تتيقن بالطهر فيها فبلغ الحساب أربعة وخمسين ثم تصلى بعد ذلك ثلاثة أيام بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ثم تغتسل مرة أخرى ولم يبق لها يقين الترك في شئ بعد أربعة وخمسين فنسوق المسألة هكذا ونأمرها
[ 207 ]
بالاغتسال في كل وقت يتوهم أنه وقت خروجها من الحيض الا أن لا يبقى لها يقين الطهر في شئ أيضا فحينئذ تغتسل لكل صلاة أبدا وعلى هذا النحو يخرج ما إذا علمت ان حيضها ثلاثة وتردد رأيها في الطهر بين خمسة عشر وستة عشر فمن فهم الفصل الاول تيسر عليه تخريج الثاني (قال) وإذا كانت المستحاضة لا تذكر أيامها غير أنها تتيقن بالطهر يوم العاشر ويوم العشرين ويوم الثلاثين فانها تتوضأ من أول الشهر ثلاثة أيام ثم تغتسل لكل صلاة ستة أيام لاحتمال خروجها من الحيض في كل ساعة منها ثم تصلى اليوم العاشر بالوضوء بيقين الطهر ثم تصلى اليوم الحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ثم تغتسل ستة أيام إلى تمام تسعة عشر ثم تتوضأ وتصلى يوم العشرين بيقين ثم ثلاثة أيام بعده تصلى فيها بالوضوء بالشك ثم تغتسل ستة أيام إلى تمام تسعة وعشرين يوما لكل صلاة ثم تصلى اليوم الثلاثين بالوضوء بيقين الطهر ولا يجزيها صومها في تسعة أيام من شهر رمضان فلتصم ضعفها ثمانية عشر يوما لما بينا قال الحاكم رحمه الله تعالى فان قضت الصوم في هذه الايام الثلاثة العاشر والعشرين والثلاثين كفاها تسعة أيام وهو صحيح لانها تتيقن بالطهر في هذه الايام فيصح صومها فيها عن القضاء والتتابع في صوم القضاء ليس بشرط وما قضت من الفوائت في غير هذه الايام الثلاثة اعادتها في هذه الايام الثلاثة ولا يقربها زوجها الا في هذه الايام لانها تتيقن فيها بالطهر وان كانت تعلم ان أيام حيضها كانت ثلاثة في العشر الآخر من الشهر ولا تدرى إذا مضى عشرون من الشهر أو إذا بقى ثلاثة من الشهر فانها إلى تمام العشرين تصلى بالوضوء بيقين ثم تصلى ثلاثة أيام بالوضوء بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ إلى آخر الشهر ولكن في أربعة أيام لها يقين الطهر فيأتيها زوجها فيها وفى الثلاثة تردد حالها بين الحيض والطهر فتتوضأ فيها بالشك ولا يأتيها زوجها ثم تغتسل غسلا واحدا وان كانت أيامها ثلاثة في وسط العشر الآخر ولا تدرى غير ذلك فانها تصلى بالوضوء إلى تمام ثلاثة وعشرين بيقين الطهر ثم تصلى في اليوم الرابع والعشرين بالوضوء بالشك لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع الصلاة يوم الخامس والعشرين والسادس والعشرين لانها تتيقن بالحيض وتغتسل يوم السابع والعشرين لكل صلاة لتوهم خروجها من الحيض فيه وفي الحقيقة هذه المرأة أضلت أيامها الثلاثة في أربعة أيام وقد بينا حكمها فيما سبق والله سبحانه وتعالى أعلم
[ 208 ]
باب حل الوطئ بانقطاع الدم قبل وقته (قال) رضى الله عنه إذا انقطع دم المرأة دون عادتها المعروفة في حيض أو نفاس اغتسلت حين تخاف فوت الصلاة وصلت وتجنبها زوجها احتياطا حتى تأتى على عادتها لان حيض المرأة لا يبقى على صفة واحدة في جميع عمرها بل يزداد تارة وينقص أخرى فالانقطاع قبل تمام عادتها طهر ظاهر على احتمال أن لا يكون طهرا بأن يعاودها الدم فان الدم لا يسيل في زمان الحيض على الولاء فينبغي لها أن تأخذ بالاحتياط فتنتظر آخر الوقت لانها لا يفوتها بهذا القدر من التأخير شئ فإذا خافت فوت الوقت اغتسلت وصلت احتياطا لان الانقطاع طهر ظاهرا ومضى الوقت على الطاهر يجعل الصلاة دينا في ذمتها وذلك لا يكون الا بتفويت منها بترك الاداء في الوقت فعليها أن لا تفوت ولانه يفحش أن يمضي عليها وقت صلاة وليس فيها مانع من أداء الصلاة ظاهرا ولا تصلى فيه ويجتنبها زوجها احتياطا لاحتمال أنها حائض بعد بأن يعاودها الدم وتأثير هذا الاحتمال بعادتها المعروفة ولكن لا تتزوج بزوج آخر ان كان هذا آخر عدتها احتياطا لتوهم أنها حائض بعد وكذلك ان كانت مستبرأة لا يطؤها المولى حتى تمضى أيام عادتها احتياطا وان كانت استكملت عادتها في الدم ثم انقطع اغتسلت في آخر الوقت وصلت وهذا أظهر من الاول لان الاعتبار بما سبق يدل على أن هذا الانقطاع طهر لانها تنتظر آخر الوقت إذا كانت أيامها دون العشرة لاحتمال أن يعاودها الدم وليس في هذا التأخير تفويت شئ وانما تؤخر إلى آخر الوقت المستحب دون المكروه نص عليه محمد رحمه الله تعالى في آخر الكتاب فقال إذا انقطع الدم عنها في وقت العشاء فانها تؤخر الصلاة إلى وقت يمكنها أن تغتسل فيه وتصلى قبل انتصاف الليل ووقت العشاء يبقى إلى طلوع الفجر ولكن التأخير إلى ما بعد نصف الليل مكروه وكذلك لو انقطع عنها الدم في وقت العصر فانها تؤخر إلى وقت يمكنها أن تغتسل فيه وتصلى قبل تغير الشمس لان تأخير الصلاة إلى ما بعد تغير الشمس مكروه وبالتوهم لا يحل لها ارتكاب المكروه ولا بأس لزوجها أن يطأها هنا لان انقطاع الدم طهر من حيث الظاهر والاستدلال بما قبله واحتمال توهم العود لم يتأيد بدليل هنا فلا يمنعه من الوطئ وكذلك لها أن تتزوج ان كان هذا آخر عدتها لانها قد طهرت ظاهرا والمعلوم الظاهر لا يترك العمل
[ 209 ]
به بالمحتمل وهذا إذا كانت أيامها دون العشرة فان كانت أيامها عشرة فكما تمت العشرة اغتسلت وصلت ولا تؤخر سواء انقطع عنها الدم أو لم ينقطع لانا تيقنا بخروجها من الحيض فان الحيض لا يكون أكثر من عشرة وان لم يكن لها قبل ذلك عادة وكانت مبتدأة وانقطع دمها على الخمس أو في النفاس وانقطع دمها على العشرين وسعها ان تمكن زوجها من نفسها وان تتزوج لان في حق المبتدأة العادة تحصل بالمرة الواحدة فالتحقت بصاحبة العادة غير ان قوله وان تتزوج ان لم يكن لها زوج كلام مختل لانها ان لم تكن معتدة فقد كان لها ان تتزوج في حالة الحيض والنفاس وان كانت معتدة فلا يتصور انقضاء عدتها بالحيضة الاولى لان الصغيرة إذا اعتدت شهرين ثم حاضت يلزمها استئناف العدة لقدرتها على الاصل قبل حصول المقصود بالبدل فدل انه كلام مختل ذكره بالقياس على ما سبق من غير تأمل فيه ولو كانت نصرانية تحت مسلم فانقطع عنها الدم فيما دون العشرة وسع الزوج ان يطأها ووسعها ان تتزوج لانه لا اغتسال عليها فانها لا تخاطب قبل الاسلام بأحكام الشرع وكذلك لو كانت مطلقة رجعية فانقطع عنها الدم قبل تمام العشرة في الحيضة الثالثة فانه لا اغتسال عليها فان أسلمت بعد انقطاع الدم فليس للزوج ان يراجعها أيضا ولها ان تتزوج لانا حكمنا بطهارتها بنفس انقطاع الدم فلا تعود فيه بالاسلام بخلاف ما إذا عاودها الدم فرؤية الدم مؤثر في إثبات الحيض به ابتداء فكذلك يكون مؤثرا في البقاء بخلاف الاسلام وان كانت أيامها عشرة فكما انقطع الدم عند تمام العشرة انقطعت الرجعة ولها ان تتزوج لانها خرجت من الحيض بيقين ولكنها لا تقرأ القرآن ما لم تغتسل وهي بمنزلة الجنب في وجوب الاغتسال عليها وللجناية تأثير في المنع من قراءة القرآن دون بقاء العدة (قال) عجوز كبيرة حكم باياسها ثم رأت الدم بعد ذلك فقد ذكر الزعفراني رحمه الله تعالى في كتاب الحيض انها لا تكون حائضا ولو كانت اعتدت بالشهور وتزوجت لم يبطل نكاحها لان الظاهر ان الدم في هذه الحالة من فساد الرحم أو الغذاء فلا يبطل به ما تقدم من الحكم باياسها وكان محمد بن ابراهيم الميداني رحمه الله تعالى يقول ان رأت حمرة وتمادى بها إلى مدة الحيض كان حيضا استدلالا بما ذكر محمد رحمه الله تعالى في نوادر أبى سلمان رحمه الله تعالى فانه قال بنت ثمانين أو تسعين إذا رأت الدم فهو حيض فان كانت كدرة لم يكن حيضا لان الظاهر انه من فساد الرحم أو الغذاء ثم المعتبر في اللون في حقها عند رفع
[ 210 ]
الخرقة فان الرطوبة على الخرقة قد تتغير من الحمرة إلى الكدرة أو من الكدرة إلى الخضرة قبل الرفع أو بعد الرفع ولا معتبر بواحد من الحالين انما المعتبر عند الرفع لان الظهور عند ذلك يحصل وكذلك في حق الحائض إذا تغير اللون من الحمرة إلى البياض أو من البياض إلى الحمرة فالعبرة بحالة الرفع فان رأت البياض عند الرفع ثم تغير إلى الحمرة بعد ذلك أو إلى الخضرة أو إلى الصفرة فهذا انقطاع وان كانت كدرة عند الرفع ثم تغيرت إلى البياض فهى حائض بعد لان الخروج عند رفع الخرقة يكون فيعتبر اللون في تلك الحالة وان كان حيضها مرة ستا ومرة خمسا فانقطع عنها الدم لتمام الخمسة فانها تغتسل وتصلى احتياطا ولا يأتيها زوجها حتى يمضى اليوم السادس لتوهم معاودة الدم وقد تأيد هذا التوهم بدليل معتبر كان قبل هذا ولو كانت معتدة انقطعت الرجعة بمضي خمسة أيام من الحيضة الثالثة وليس لها ان تتزوج حتى يمضى اليوم السادس وعند مضيه يلزمها ان تغتسل فتأخذ بالاحتياط في كل حكم وانما يتصور لزوم الاغتسال عند مضى اليوم السادس فاما إذا انقطع دمها التمام الخمسة ولم تبتل بالاستمرار فانها تغتسل لتمام الخمسة ولا يلزمها ان تغتسل لتمام الستة إذا لم يعاودها الدم هذا في حق من ليست لها عادة معروفة ولكنها ابتليت بالاستمرار وتردد رأيها في الحيض بين الخمس والست وقد بينا هذا فيما سبق والله أعلم بالصواب (باب النفاس) (قال) رضي الله عنه النفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة قيل أنه مشتق من تنفس الرحم به وقيل هو من النفس الذى هو عبارة عن الدم وقيل هو من النفس التى هي الولد فخروجه لا ينفك عن دم يتعقبه وأكثر مدته أربعون يوما عندنا وقد بينا اختلاف العلماء فيه واعتمادنا فيه على السنة فقد روى عن أم سلمة رضى الله عنها قالت كانت النفساء يقعدن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما وكنا نطلى وجوهنا بالورس من الكلف وفى حديث أبى الدرداء وأبى هريرة رضى الله عنهما قالا وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم للنفساء أربعين صباحا الا أن ترى الطهر قبل ذلك ولا غاية لا قلة لعموم قوله الا أن ترى الطهر قبل ذلك حتى إذا رأت الدم يوما ثم طهرت فذلك اليوم نفاس لها بخلاف الحيض فان أقله مقدر لان دم الحيض والنفاس ما يكون من الرحم ولدم النفاس دليل
[ 211 ]
يستدل به على أنه من الرحم وهو تقدم خروج الولد فلا حاجة إلى الاستدلال عليه بالامتداد بخلاف دم الحيض والذى ذكره أبو موسى رحمه الله تعالى في مختصره ان أقل النفاس عند أبى حنفية رحمه الله تعالى خمسة وعشرون يوما وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى احد عشر يوما ليس المراد به أنه إذا انقطع فيما دون ذلك لا يكون نفاسا ولكن المراد به إذا وقعت الحاجة إلى نصب العادة لها في النفاس لا ينقص ذلك من خمسة وعشرين يوما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى إذا كانت عادتها في الطهر خمسة عشر لانه لو نصب لها دون هذا القدر أدى إلى نقض العادة فمن أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان الدم إذا كان محيطا بطرفي الاربعين فالطهر المتخلل لا يكون فاصلا طال أو قصر فلو قدر نفاسها باقل من خمسة وعشرين يوما فعاودها الدم قبل تمام الاربعين كان الكل نفاسا فلهذا قدر بخمسة وعشرين في الاخبار بانقضاء العدة قدر مدة نفاسها بخمسة وعشرين على ما سنبينه وكذلك أبو يوسف رحمه الله تعالى انما قدر باحد عشر يوما في الاخبار بانقضاء العدة فأما إذا انقطع الدم دون ذلك فلا خلاف في أنه نفاس ثم أبو حنيفة رحمه الله تعالى مر على أصله فقال الاربعون للنفاس كالعشرة للحيض ثم الطهر المتخلل في العشرة عنده لا يكون فاصلا وإذا كان الدم محيطا بطرفي العشرة يجعل الكل كالدم المتوالى فكذلك في النفاس إذا أحاط الدم بطرفي الاربعين وأبو يوسف رحمه الله تعالى مر على أصله ان الطهر المتخلل إذا كان أقل من خمسة عشر لا يصير فاصلا ويجعل كالدم المتوالى فإذا بلغ خمسة عشر يوما صار فاصلا بين الدمين فهذا مثله ومحمد رحمه الله تعالى فرق بين النفاس وبين ما تقدم في الحيض فقال هناك إذا كانت الغلبة للطهر يصير فاصلا بين الدمين وان كان دون الخمسة عشر وهنا لا يصير فاصلا لانه لا يتصور هنا في مدة الاربعين طهر ما دون خمسة عشر وهو غالب على الدم انما يتصور ذلك في مدة الحيض ثم هناك الدم قد يتقدم وقد يتأخر فلو لم يعتبر غلبة احدهما على الآخر أدي إلى القول يجعل زمان هو طهر كله حيضا وذلك لا يجوز بخلاف النفاس وانما قال ان الطهر خمسة عشر هنا يصير فاصلا بين الدمين لان طهر خمسة عشر صالح للفصل بين الحيضتين فكذلك للفصل بين الحيض والنفاس فكان المتقدم نفاسا والمتأخر حيضا وبيان هذا إذا رأت الدم يوما بعد الولادة ثم طهرت ثمانية وثلاثين يوما ثم رأت الدم يوما فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى الاربعون كلها نفاس وعندهما النفاس هو اليوم الاول فقط ثم
[ 212 ]
يخرج على هذا الاصل المسائل إلى ان يقول رأت الدم خمسة بعد الولادة والطهر خمسة عشر يوما والدم خمسة والطهر خمسة عشر ثم استمر بها الدم فعندهما نفاسها الخمسة الاولى وعادتها في الطهر خمسة عشر لانها رأت مرتين وحيضها الخمسة التى بعد العشرين وصار ذلك عادة لها بالمرة الواحدة لانها مبتدأة وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى نفاسها خمسة وعشرن والطهر الاول غير معتبر لاحاطة الدم بطرفيه في مدة الاربعين فاما الطهر الثاني فهو صحيح معتبر لان به تتم الاربعون فيصير ذلك عادة لها في الطهر بالمرة الواحدة ولا عادة لها في الحيض فيجعل أول الاستمرار حيضها عشرة وطهرها خمسة وعندهما يجعل حيضها من أول الاستمرار خمسة وطهرها خمسة عشر وعادتها في النفاس عندهما تكون خمسة وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى خمسة وعشرون لان العادة في النفاس في حق المبتدأة تثبت بالمرة الواحدة كالعادة في الحيض ويختلفون في أول وقت النفاس فقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى وقت الولادة أول وقت النفاس وقال محمد زفر رحمهما الله تعالى وقت فراغ رحمها أول وقت النفاس وانما يتبين ذلك فيما إذا ولدت ولدا وفى بطنها ولد آخر فعند أبى حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى تصير نفساء وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى لا تصير نفساء ما لم تضع الولد الثاني قالا لانها حامل بعد والحامل كما لا تحيض فكذلك لا تصير نفساء لان النفاس أخو الحيض واستدلا بحكم انقضاء العدة فانه لا يثبت الا بوضع آخر الولدين فكذلك حكم النفاس وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قال النفاس هو الدم الخارج عقب الولادة وقد تحقق ذلك وانما لا يجعل لما تراه المرأة الحامل من الدم حكم الحيض لانه ليس من الرحم فان الله تعالى أجرى العادة ان المرأة إذا حبلت انسد فم رحمها وهذا المعنى غير موجود هنا لان فم الرحم قد انفتح بوضع أحد الولدين فالدم المرئي من الرحم كان نفاسا وهذا بخلاف حكم انقضاء العدة لانه متعلق بفراغ الرحم ولا فراغ مع بقاء شئ من الشغل وهنا حكم النفاس للدم الخارج من الرحم بعد الولادة وقد تحقق ذلك فان كان بعين الولدين عشرة أيام واستمر بها الدم وهي مبتدأة في النفاس فعند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى تترك الصوم والصلاة بعد ولادة الولد الاول ونفاسها بعد وضع الولد الثاني ثلاثون يوما وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى لا تترك الصوم والصلاة ما لم تضع الولد الثاني ونفاسها بعد ذلك أربعون يوما وحكى أن أبا يوسف قال لابي حنيفة رحمه الله تعالى أرأيت لو كان بين الولدين
[ 213 ]
أربعون يوما قال هذا لا يكون قال فان كان قال لا نفاس لها من الولد الثاني وان رغم أنف أبى يوسف ولكنها تغتسل كما تضع الولد الثاني وهذا صحيح لانه لا يتوالى نفاسان ليس بينهما طهر كما لا تتوالى حيضتان ليس بينهما طهر (قال) فان خرج بعض الولد ثم رأت الدم فروى خلف بن أيوب عن أبى يوسف وهو قول أبى حنيفة رحمهم الله تعالى أنه ان خرج الاكثر منه فهي نفساء لان بقاء الاقل لا يمنع خروج الدم من الرحم وكذلك لو انقطع الولد فيها فإذا خرج الاكثر كانت نفساء لان للاكثر حكم الكمال فاما إذا أسقطت سقطا فان كان قد استبان شئ من خلقه فهى نفساء فيما ترى من الدم بعد ذلك وان لم يستبن شئ من خلقه فلا نفاس لها ولكن ان أمكن جعل المرئى من الدم حيضا يجعل حيضا وان لم يمكن بان لم يتقدمه طهر تام فهو استحاضة وقال الشافعي رحمه الله تعالى يمتحن السقط بالماء الحار فان ذاب فيه فليس بولد فلا نفاس لها وان لم يذب فهو ولد وتصير به نفساء وهذا من باب الطب ليس من الفقه في شئ فلم نقل به لهذا ولكن حكمنا السيما والعلامة فان ظهر فيه شئ من آثار النفوس فهو ولد والنفاس هو الدم الخارج بعقب خروج الولد وان لم يستبن فيه شئ من الآثار فهذه علقة أو مضغة فلم يكن للدم المرئى بعدها حكم النفاس ثم المسألة على وجهين اما ان ترى الدم قبل إسقاط السقط أولا تراه فان رأت الدم قبل اسقاط السقط فان كان السقط مستبين الخلق لا تترك الصلاة والصوم بالدم المرئى قبله وان كانت تركت الصلاة فعليها قضاؤها لانه تبين انها كانت حاملا حين رأت الدم وليس لدم الحامل حكم الحيض وهي نفساء فيما تراه بمد السقط وان لم يكن السقط مستبين الخلق فما رأته قبل السقط حيض ان أمكن ان يجعل حيضا بان وافق أيام عادتها وكان مرئيا عقيب طهر صحيح لانه تبين انها لم تكن حاملا ثم ان كان ما رأت قبل السقط مدة تامة فما رأت بعد السقط استحاضة وان لم تكن مدة تامة تكمل مدتها مما رأت بعد السقط ثم هي مستحاضة بعد ذلك فان كانت أيامها ثلاثة فرأت قبل السقط ثلاثة دما ثم استمر بها الدم بعد السقط فحيضها الثلاثة التى رأتها قبل السقط وهى مستحاضة فيما رأت بعد السقط وان كان ما رأت قبل السقط يوما أو يومين تكمل مدتها ثلاثة أيام مما تراه بعد السقط ثم هي مستحاضة بعد ذلك وان لم ترد ما قبل السقط ورأته بعده فان كان السقط مستبين الخلق فهى نفساء وان لم يكن مستبين الخلق فان أمكن جعل ما تراه بعد السقط حيضا يجعل حيضا لها بعدل
[ 214 ]
أيام عادتها وان لم يمكن جعله حيضا فهى مستحاضة في ذلك فان أسقطت في بئر المخرج سقطا لا تدرى أنه كان مستبين الخلق أو لم يكن فهذا أيضا على وجهين اما أن ترى الدم قبل السقط أولا تراه الا بعد السقط فان لم تر الدم الا بعد السقط وايامها في الحيض عشرة وفى الطهر عشرون فنقول إذا كان السقط مستبين الخلق فلها نفاس أربعين لانها مبتدأة في النفاس وقد استمر بها الدم فيكون نفاسها أكثر النفاس كالمبتدأة بالحيض إذا استمر بها الدم وان لم يكن السقط مستبين الخلق فحيضها عشرة فتترك الصلاة عقيب السقط عشرة أيام بيقين لانها في هذه العشرة اما حائض واما نفساء ثم تغتسل وتصلى عشرين يوما بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لانه تردد حالها فيها بين الطهر والنفاس ثم تترك عشرة بيقين لانها في هذه العشرة اما حائض أو نفساء ثم تغتسل لتمام مدة النفاس والحيض ثم بعده طهرها عشرون وحيضها عشرة وهكذا دأبها أن تغتسل في كل وقت تتوهم انه وقت خروجها من الحيض والنفاس فان كانت قد رأت قبل اسقاط السقط دما فان كان ما رأت قبل الاسقاط مستقلا لا تترك الصلاة بعد الاسقاط وان لم يكن مستقلا تركت بعد الاسقاط قدر ما تتم به مدة حيضها ولا تترك الصلاة فيما رأت قبل الاسقاط على كل حال ولو تركت فعليها قضاؤها لانه ان كان السقط مستبين الخلق لم يكن ما رأت قبله حيضا وان لم يكن مستبين الخلق كان ذلك حيضا فتردد حالها فيما رأت قبل السقط بين الحيض والطهر فلا تترك الصلاة بالشك ثم ان كان حيضها عشرة وطهرها عشرون فان رأت قبل الاسقاط عشرة ثم أسقطت اغتسلت وصلت عشرين يوما بعد السقط لانه تردد حالها فيه بين الطهر والنفاس ثم تترك عشرة بيقين لانها فيه نفساء أو حائض ثم تغتسل وتصلى عشرين يوما عشرة بالشك لانه تردد حالها فيها بين النفاس والطهر ثم تغتسل عشرة أخرى بيقين الطهر ثم تصلى عشرة بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل وهكذا دأبها وان كانت رأت قبل السقط خمسة أيام دما ثم أسقطت كما بينا فانها تترك الصلاة خمسة أيام بعد السقط لان السقط ان لم يكن مستبين الخلق فهذه الخمسة تتمة مدة حيضها وان كان مستبين الخلق فهذا أول نفاسها فتترك الصلاة في هذه الخمسة بيقين ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لتردد حالها فيه بين النفاس والطهر ثم تترك عشرة بيقين لانها في هذه العشرة إما حائض أو نفساء فبلغ الحساب خمسة
[ 215 ]
وثلاثين ثم تغتسل وتصلى خمسة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل لتمام الاربعين لانه وقت خروجها من النفاس ان كان السقط مستبين الخلق ثم تصلى خمسة عشر يوما بالوضوء بيقين لانه طهرها فبلغ الحساب خمسة وخمسين ثم تصلى خمسة أيام بالوضوء بالشك لتردد حالها فيها بين أول الحيض ان لم يكن السقط مستبين الخلق وبين آخر الطهر ان كان السقط مستبين الخلق فبلغ الحساب ستين ثم تترك خمسة لانها تتيقن بأن هذه الخمسة إما أول حيضها أو آخر حيضها ثم تغتسل وتصلى خمسة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل مرة أخرى لان هذا آخر حيضها ان كان السقط مستبين الخلق ثم تصلى خمسة عشر يوما بالوضوء بيقين وهكذا دأبها ان تترك في كل مرة الصلاة في كل خمسة فيها يقين الحيض وأن تغتسل في كل وقت تتوهم أنه وقت خروجها من الحيض. وان ولدت ولدا أو أسقطت سقطا مستبين الخلق واستمر بها الدم وشكت في حيضها أو طهرها فهذه المسألة على ثلاثة أوجه إما ان شكت في حيضها أنه خمسة أو عشرة وتيقنت بأن طهرها عشرون أو شكت في طهرها أنه خمسة عشر أو عشرون وعلمت أن حيضها عشرة أو شكت فيهما جميعا فان شكت في الحيض انه خمسة أو عشرة ولم تشك في الطهر فانها بعد الاربعين التى هي نفاسها تغتسل وتصلي عشرين يوما باليقين لانها عالمة بمدة طهرها ثم تدع خمسة بيقين لانها حائض فيها ثم تغتسل فبلغ الحساب خمسة وعشرين ولها حسابان الاقصر والاطول ففى الحساب الاقصر استقبلها طهر عشرين وفي الحساب الاطول بقى من حيضها خمسة فتصلى خمسة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل وتصلى خمسة عشر بالوضوء بيقين الطهر فبلغ الحساب خمسة وأربعين وفى الحساب الاقصر استقبلها الحيض خمسة وفي الاطول بقى من طهرها خمسة فتصلى خمسة بالوضوء بالشك فبلغ الحساب خمسين ثم تغتسل وفى الحساب الاقصر استقبلها الطهر عشرون وفي الاطول الحيض عشرة فتصلى عشرة بالوضوء بالشك ثم تغتسل فبلغ الحساب ستين ثم في الحساب الاقصر بقى من طهرها عشرة وفي الاطول استقبلها طهر عشرين فتصلى عشرة بيقين فبلغ الحساب سبعين ثم في الحساب الاقصر استقبلها الحيض خمسة وفي الاطول بقى من طهرها عشرة فتصلى خمسة بالوضوء بالشك فبلغ الحساب خمسة وسبعين فتغتسل ثم في الحساب الاقصر استقبلها طهر عشرين وفي الاطول بقى من طهرها خمسة فتصلى خمسة بالوضوء بيقين فبلغ الحساب ثمانين ثم في
[ 216 ]
الحساب الاقصر بقى من طهرها خمسة عشر وفي الاطول استقبلها عشرة فتصلى عشرة بالوضوء بالشك فبلغ الحساب تسعين فتغتسل ثم في الحساب الاقصر بقى من طهرها خمسة وفى الاطول استقبلها طهر عشرين فتصلى بالوضوء بيقين خمسة فبلغ خمسة وتسعين ثم في الاقصر استقبلها الحيض خمسة وفى الاطول بقى من طهرها خمسة عشر فتصلى خمسة بالوضوء بالشك ثم تغتسل فبلغ الحساب مائة ثم في الاقصر لستقبلها طهر عشرين وفى الاطول بقى من طهرها عشرة فتصلى عشرة بيقين فبلغ الحساب مائة وعشرة ثم في الاقصر بقى من طهرها عشرة وفي الاطول استقبلها الحيض عشرة فتصلي عشرة ثم تغتسل فبلغ الحساب مائة وعشرين ثم في الاقصر استقبلها الحيض خمسة وفى الاطول استقبلها طهر عشرين فتصلى خمسة بالوضوء بالشك فبلغ الحساب مائة وعشرين ثم في الاقصر استقبلها الطهر عشرين وفى الاطول بقى من طهرها خمسة عشر فتصلى خمسة عشر بالوضوء بيقين فبلغ الحساب مائة وأربعين ثم في الاقصر بقى من طهرها خمسة وفى الاطول استقبلها الحيض عشرة فتصلى خمسة بالوضوء بالشك بلغ الحساب ومائة وخمسة وأربعين ثم في الاطول بقى من حيضها خمسة وفي الاقصر استقبلها الحيض خمسة فتترك هذه الخمسة بيقين ثم تغتسل فبلغ الحساب مائة وخمسين واستقام دورها في ذلك وعلى هذا النحو يخرج ما إذا كان الشك في الطهر أنه خمسة عشر أو عشرون واستقام دورها فيه أيضا في مائة وخمسين ثم تخرج على هذا النحو ما إذا شكت فيهما في الحيض أنه خمسة أو عشرة وفي الطهر أنه خمسة عشر أو عشرون وانما يستقيم دورها في هذا الفصل في ثلثمائة يوم (قال) امرأة ولدت وانقطع دمها بعد يوم أو يومين أو ثلاثة انتظرت إلى آخر الوقت ثم اغتسلت وصلت فالانتظار لتوهم أن يعاودها الدم والاغتسال في آخر الوقت لانها طاهرة ظاهرا وقد بينا نظيره في الحيض فان كانت طلقت حين ولدت صدقت على انقضاء العدة في أربعة وخمسين يوما وزيادة ما في قول محمد رحمه الله تعالى وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لا تصدق في أقل من خمسة وستين يوما وفي قول أبى حنيفة في رواية محمد رحمهما الله تعالى لا تصدق في أقل من خمسة وثمانين يوما وفى رواية الحسن رحمه الله تعالى لا تصدق في أقل من مائة يوم وذكر أبو سهل الفرائضى رحمه الله تعالى في كتاب الحيض رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انها لا تصدق في أقل من مائة وخمسة عشر يوما وهذه المسألة تنبنى
[ 217 ]
على فصلين أحدهما ما بينا أن عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان الدم محيطا بطرفي الاربعين فالطهر المتخلل لا يكون فاصلا وان طال والثانى أن المطلقة إذا كانت تعتد بالاقراء في كم تصدق إذا أخبرت بانقضاء العدة فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا تصدق في أقل من ستين يوما. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تصدق في تسعة وثلاثين يوما وتخريج قولهما أنه يجعل كانه طلقها في آخر جزء من أجزاء الحيض وحيضها أقل الحيض ثلاثة وطهرها أقل الطهر خمسة عشر فثلاث مرات ثلاثة يكون تسعة وطهران كل واحد منهما خمسة عشر يكون ثلاثين فلهذا صدقت في تسعة وثلاثين يوما لانها أمينة فإذا أخبرت بما هو محتمل يجب قبول خبرها وقيل على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ينبغى أن تصدق في سبعة وثلاثين يوما ونصف وأربع ساعات لانا قد بينا أن أقل الحيض عنده يومان والاكثر من اليوم الثالث فيجعل كل حيضة يومان ونصف وساعة فذلك سبعة ونصف وثلاث ساعات وساعة الاخبار والاغتسال فتصدق في سبعة وثلاثين يوما ونصف وأربع ساعات للاحتمال فاما تخريج قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فعلى ما ذكره محمد رحمه الله تعالى يجعل كأنه طلقها من أول الطهر تحرزا عن ايقاع الطلاق في الطهر بعد الجماع وطهرها خمسة عشر لانه لا غاية لاكثر الطهر فيقدر بأقله وحيضها خمسة لان من النادر أن يكون حيضها أقل أو يمتد إلى أكثر الحيض فيعتبر الوسط من ذلك وذلك خمسة فثلاثة أطهار كل طهر خمسة عشر يكون خمسة وأربعين وثلاث حيض كل حيضة خمسة يكون خمسة عشر فذلك ستون يوما وعلى ما رواه الحسن رحمه الله تعالى يجعل كأنه طلقها في آخر جزء من الطهر لان التحرز عن تطويل العدة واجب وايقاع الطلاق في آخر الطهر أقرب إلى التحرز عن تطويل العدة ثم الحيض لها عشرة لانا لما قدرنا طهرها بأقل المدة نظر إليها يقدر حيضها بأكثر الحيض نظرا للزوج فثلاث حيض كل حيضة عشرة يكون ثلاثين وطهران كل طهر خمسة عشر يوما يكون ثلاثين فذلك ستون قال ولا معنى لما قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لانه لا احتمال لتصديقها في تلك المدة الا بعد أمور كلها نادرة منها أن يكون الايقاع في آخر جزء من أجزاء الطهر ومنها أن يكون حيضها أقل مدة الحيض ومنها أن يكون طهرها أقل مدة الطهر ومنها أن لا تؤخر الاخبار عن ساعة الانقضاء والامين إذا أخبر بما لا يمكن تصديقه فيه الا بأمور هي نادرة لا يصدق كالوصي إذا قال أنفقت على الصبي في يوم مائة درهم لا يصدق
[ 218 ]
وما قاله محتمل بأن يشترى له نفقة فتسرق ثم مثلها فتحرق ثم مثلها فتتلف فلا يصدق لكون هذه الامور نادرة فكذلك هنا فان كانت المطلقة أمة فعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تصدق في احد وعشرين يوما لان حيضها ثلاثة وطهرها خمسة عشر فحيضتان تكون ستة وطهرها بينهما يكون خمسة عشرة فذلك احد وعشرون يوما وعند أبى حنيفة في رواية محمد رحمهما الله تعالى تصدق في أربعين يوما ويجعل كأنه طلقها في أول الطهر فطهران كل واحد منهما خمسة عشر يكون ثلاثين وحيضتان كل واحدة منهما خمسة يكون عشرة فذلك أربعون وعلى رواية الحسن رحمه الله تعالى تصدق في خمسة وثلاثين يوما ويجعل كأنه طلقها في آخر الطهر فحيضتان كل واحدة منهما عشرة وطهرها خمسة عشر بينهما يكون خمسة وثلاثين يوما إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان مسألة الكتاب إذا قال لامرأته الحامل إذا ولدت فأنت طالق فاما تخريج قول أبى حنيفة على رواية محمد رحمهما الله تعالى أن يجعل نفاسها خمسة وعشرين يوما تحرزا عن معاودة الدم بعد الطهر قبل كمال الاربعين وطهرها خمسة عشر فذلك أربعون ثم حيضها خمسة وطهرها خمسة عشر فثلاث حيض كل حيضة خمسة وطهران بينها كل واحد منهما خمسة عشر يكون خمسة وأربعين فإذا ضممته إلى الاربعين يكون خمسة وثمانين فتصدق في هذا القدر وعلى رواية الحسن رحمه الله تعالى التخريج هكذا الا أن حيضها بعد الاربعين عشرة فثلاث حيض كل حيضة عشرة وطهران بينها يكون ستين يوما إذا ضممتها إلى الاربعين يكون مائة يوم وعلى رواية أبى سهل الفرائضى رحمه الله تعالى قال يجعل نفاسها أربعين يوما لان أكثر مدة النفاس معلوم كاكثر مدة الحيض وكما قدرنا حيضها بأكثر المدة كذلك قدرنا نفاسها باكثر المدة ثم بعد النفاس طهر خمسة عشر فذلك خمسة وخمسون إذا ضممت إليه ستين يوما كما بينا كان مائة يوم وخمسة عشر يوما فلهذا لا تصدق فيما دون هذا القدر فاما على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يجعل نفاسها احد عشر يوما لان أدنى مدة النفاس هذا وذلك لان العادة ان مدة النفاس تزيد على مدة الحيض والساعات لا يمكن ضبطها وكذلك الايام لا غاية لاكثرها فقدرنا الزيادة بيوم واحد فكان نفاسها احد عشر يوما وعابه محمد رحمه الله تعالى في ذلك فقال هو يقول إذا انقطع عن النفساء دمها في أقل من احد عشر يوما اغتسلت وصلت فهذا ينقض قوله في المعتدة ولكن أيو يوسف رحمه الله تعالى في هذا الحرف اعتبر
[ 219 ]
العادة دون الاحتمال ثم طهرها خمسة عشر فذلك ستة وعشرون ثم بعده تسعة وثلاثون يوما لثلاث حيض كما بينا فذلك خمسة وستون يوما فلهذا صدقها في هذا القدر وعلى قول محمد رحمه الله تعالى تصدق في أربعة وخمسين يوما وزيادة لانه لا غاية لاقل النفاس فإذا قالت كان ساعة وجب تصديقها للاحتمال والطهر بعده خمسة عشر ثم تسعة وثلاثون يوما لثلاث حيض فذلك أربعة وخمسون يوما وساعة فصدقت في هذا المقدار للاحتمال فان كانت المرأة أمة وال‍ مسألة بحالها فعلى تخريج محمد لقول أبى حنيفة رحمهما الله تعالى تصدق في خمسة وستين يوما نفاسها خمسة وعشرون وطهرها خمسة عشر وحيضها خمسة فحيضتان بعد الاربعين وطهر بينهما يكون خمسة وعشرين إذا ضممته إلى الاربعين يكون خمسة يوما لثلاث حيض كما بينا فذلك خمسة وستون يوما فلهذا صدقها في هذا القدر وعلى قول محمد رحمه الله تعالى تصدق في أربعة وخمسين يوما وزيادة لانه لا غاية لاقل النفاس فإذا قالت كان ساعة وجب تصديقها للاحتمال والطهر بعده خمسة عشر ثم تسعة وثلاثون يوما لثلاث حيض فذلك أربعة وخمسون يوما وساعة فصدقت في هذا المقدار للاحتمال فان كانت المرأة أمة وال‍ مسألة بحالها فعلى تخريج محمد لقول أبى حنيفة رحمهما الله تعالى تصدق في خمسة وستين يوما نفاسها خمسة وعشرون وطهرها خمسة عشر وحيضها خمسة فحيضتان بعد الاربعين وطهر بينهما يكون خمسة وعشرين إذا ضممته إلى الاربعين يكون خمسة وستين يوما وعلى رواية الحسن رحمه الله تعالى تصدق في خمسة وسبعين لانه يجعل حيضها عشرة فحيضتان بعد الاربعين وطهر بينهما يكون خمسة وثلاثين يوما إذا ضممتها إلى الاربعين يكون خمسة وسبعين وعلى رواية أبى سهيل الفرائضى رحمه الله تعالى تصدق في تسعين يوما نفاسها أربعون وحيضها عشرة فطهران وحيضتان يكون خمسين يوما إذا ضممته إلى الاربعين يكون تسعين وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى تصدق في سبعة وأربعين يوما نفاسها احد عشر والطهر بعده خمسة عشر فذلك ستة وعشرون إذا ضممته إلى احد وعشرين كما بينا يكون سبعة وأربعين وعلى قول محمد رحمه الله تعالى تصدق في ستة وثلاثين يوما وساعة لانه يجعل نفاسها ساعة وطهرها خمسة عشر ثم بعد ذلك احد وعشرون كما بينا من قوله فذلك ستة وثلاثون يوما وساعة تصدق في هذا المقدار إذا أخبرت بانقضاء العدة للاحتمال والله أعلم بالصواب تم الجزء الثالث من المبسوط ويليه الجزء الرابع (وأوله كتاب المناسك)

نسخة 08:13، 1 ديسمبر 2005

المبسوط السرخسي ج 3

[ 1 ] (الجزء الثالث من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذى كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسى (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوى الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (باب عشر الارضين) * (قال) * الاصل في وجوب العشر قوله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض قيل المراد بالمكسوب ما التجارة ففيه بيان زكاة التجارة والمراد بقوله ومما أخرجنا لكم من الارض العشر. وقال الله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده وقال صلى الله عليه وسلم ما أخرجت الارض ففيه العشر ثم الاصل عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن كل ما يستنبت في الجنان ويقصد به استغلال الاراضي ففيه العشر الحبوب والبقول والرطاب والرياحين والوسمة والزعفران والورد والورس في ذلك سواء وهو قول ابن عباس رضى الله عنه وقد روى أنه حين كان واليا بالبصرة أخذ العشر من البقول من كل عشر دستجات دستجة وأخذ فيه أبو حنيفة بالحديث العام ما سقت السماء ففيه العشر وما أخرجت الارض ففيه العشر وكان يقول العشر مؤنة الارض النامية كالخراج فكما أن هذا كله يعد من نماء الارض في وجوب الخراج فكذلك في وجوب العشر والمستثنى عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى خمسة أشياء السعف فانه من أغصان الاشجار وليس في الشجر شئ والتبن فانه ساق للحب كالشجر للثمار والحشيش فانه ينقى من الارض ولا يقصد به استغلال الاراضي والطرفاء والقصب فانه لا يقصد استغلال الاراضي بهما عادة والمراد القصب الفارسي فأما قصب السكر ففيه العشر وكذلك على قولهما إذا كان يتخذ منه السكر وكذلك في قصب الذريرة العشر. وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف رحمه الله تعالى انه ليس فيه شئ والاصل عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أن ما ليست له ثمرة باقية مقصودة فلا شئ فيه كالبقول والخضر والرياحين انما العشر فيما له ثمرة باقية مقصودة واحتجا فيه بحديث موسى بن طلحة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في الخضراوات صدقة وتأويله عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى صدقة تؤخذ أي لا يأخذ العاشر من الخضراوات إذا مر بها

[ 3 ] عليه ثم قال ما كان نافها عادة يتيسر وجوده على الغنى والفقير فلا يجب فيه حق الله تعالى كما لا تجب الزكاة في الصيود والحطب والحشيش وانما يجب حق الله تعالى فيما يعز وجوده فيناله الاغنياء دون الفقراء كالسوائم ومال التجارة فكذلك هنا ماله ثمرة باقية يعز وجوده فأما الخضراوات والرياحين فتافهة عادة ولهذا أوجبنا في الزعفران ولم نوجب في الورس والوسمة لانه لا ينتفع بهما انتفاعا عاما وأبو يوسف رحمه الله تعالى أوجب في الحناء لانه ينتفع به انتفاعا عاما ولم يوجبه فيه محمد رحمه الله تعالى لانه من الرياحين وفي الثوم والبصل روايتان عن محمد رحمه الله تعالى قال في احدى الروايتين هما من الخضر فلا شئ فيهما وفى الرواية الاخرى قال يقعان في الكيل ويبقيان في أيدى الناس من حول إلى حول فيجب فيهما العشر والبطيخ والقثاء والخيار لا شئ فيها عندهما لانها من الرطاب وبزرها غير مقصود فلا يكون معتبرا وكذلك في الثمار لا شئ في الكمثرى والخوخ والمشمش والاجاص وما يجفف منها لا يعتبر واوجبنا في الجوز واللوز العشر وفى الفستق على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يجب العشر على قول محمد رحمه الله تعالى لا يجب ثم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى العشر يجب في القليل من الخارج وكثيره ولا يعتبر فيه النصاب لعموم الحديثين كما روينا ولان النصاب في أموال الزكاة كان معتبرا لحصول صفة الغنى للمالك بها وذلك غير معتبر لايجاب العشر فيما دون خمسة أوسق مما يدخل تحت الوسق والوسق ستون صاعا فخمسة أوسق ألف ومائتا من واحتجا فيه بقوله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وأبو حنيفة يقول تأويل الحديث زكاة التجارة فانهم كانوا يتبايعون بالاوساق كما ورد به الحديث فقيمة خمسة أوسق مائتا درهم ثم قالا هذا حق مالى وجب بايجاب الله تعالى فيعتبر فيه النصاب كالزكاة وهذا لان القليل تافه عادة وهو عفو شرعا ومروءة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال العشر مؤنة الارض النامية وباعتبار الخارج قل أو كثر تصير الارض نامية فيجب العشر كما يجب الخراج ثم المذهب عند محمد رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى ان ما يحرم التفاضل فيه بالبيع يضم بعضه إلى بعض وما لا يحرم التفاضل فيه كالحنطة والشعير لا يضم بعضه إلى بعض لانهما مختلفان فيعتبر كمال النصاب من كل واحد منهما كالسوائم. وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أن الكل إذا أدرك في وقت واحد يضم بعضه إلى بعض لان العشر وجوبه

[ 4 ] باعتبار منفعة الارض فإذا أدركت في وقت واحد فهي منفعة واحدة فيضم بعضها إلى بعض كأموال التجارة. وإذا تفرقت الاراضي لرجل واحد فالمروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أن ما كان من عمل عامل واحد يجمع وما كان من عمل عاملين يعتبر فيه النصاب في كل واحد منهما على حدة فانه ليس للعامل ولاية الاخذ مما ليس في عمله وما في عمله دون النصاب. والمروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه يضم بعض ذلك إلى البعض لايجاب العشر لان المالك واحد ووجوب العشر عليه فكان مراد محمد رحمه الله تعالى من هذا فيما بينه وبين الله تعالى فأما في حق الاخذ للعامل فعلى ما قاله أبو يوسف رحمه الله تعالى وان كانت الارض مشتركة بين جماعة فأخرجت طعاما فعلى قول محمد رحمه الله تعالى يعشر ان بلغ نصيب كل واحد منهم خمسة أوسق كما بينا في السوائم. وقال أبو يوسف إذا كان الخارج كله خمسة أوسق ففيه العشر لانه لا معتبر بالمالك في العشر وانما المعتبر بالخارج حتى يجب العشر في الاراضي الموقوفة التى لا مالك لها ثم العشر يجب فيما سقته السماء أو سقى سيحا فأما ما سقي بغرب أو دالية أو سانية ففيه نصف العشر وبه ورد الاثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما سقته السماء ففيه العشر وما سقى بغرب أو دالية ففيه نصف العشر وفي رواية ما سقى بعلا أو سيحا ففيه العشر وما سقى بالرشاء ففيه نصف العشر وعلل بعض مشايخنا بقلة المؤنة فيما سقته السماء وكثرة المؤنة فيما سقي بغرب أو دالية وقالوا لكثرة المؤنة تأثير في نقصان الواجب وهذا ليس بقوى فان الشرع أوجب الخمس في الغنائم والمؤنة فيها أعظم منها في الزراعة ولكن هذا تقدير شرعى فنتبعه ونعتقد فيه المصلحة وان لم نقف عليه وكان ابن أبى ليلى يقول لا عشر الا في الحنطة والشعير والزبيب والتمر إذا بلغ خمسة أوسق لظاهر الحديث الخاص فان اعتبار الوسق للنصاب دليل على أنه لا يجب الا فيما يدخل تحت الوسق (قال) وإذا أخرجت الارض العشرية طعاما وعلى صاحبها دين كثير لم يسقط عنه العشر وكذلك الخراج لان الدين يعدم غنى المالك بما في يده وقد بينا أن غنى المالك غير معتبر لايجاب العشر (قال) وان كانت الارض لمكاتب أو صبي أو مجنون وجب العشر في الخارج منها عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا شئ في الخارج من أرض المكاتب والعشر عنده قياس الزكاة لا يجب الا باعتبار المالك أما عندنا فالعشر مؤنة الارض النامية كالخراج والمكاتب والحر فيه سواء وكذلك الخارج من الاراضي الموقوفة على الرباطات والمساجد

[ 5 ] يجب فيها العشر عندنا. وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجب الا في الموقوفة على أقوام باعيانهم فانهم كالملاك أما الموقوفة على أقوام بغير أعيانهم فلا شئ فيها (قال) رجل استأجر أرضا من أرض العشر وزرعها قال عشر ما خرج منها على رب الارض بالغا ما بلغ سواء كان أقل من الاجر أو أكثر في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى العشر في الخارج على المستأجر. وجه قولهما ان الواجب جزء من الخارج والخارج كله للمستأجر فكان العشر عليه كالخارج في يد المستعير للارض وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول وجوب العشر باعتبار منفعة الارض والمنفعة سلمت للآجر لانه استحق بدل المنفعة وهي الاجرة وحكم البدل حكم الاصل اما المستأجر فانما سلمت له المنفعة بعوض فلا عشر عليه كالمشترى للزرع ثم العشر مؤنة الارض النامية كالخراج وخراج أرض المؤاجر على المؤاجر فكذلك العشر عليه اما إذا أعار أرضه من مسلم فالعشر على المستعير في الخارج عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى على المعير وقاسه بالخراج وقال حين سلط المستعير على الانتفاع بالارض فكأنه انتفع به بنفسه ولكنا نقول منفعة الارض سلمت للمستعير بغير عوض ووجوب العشر باعتبار حقيقة المنفعة حتى لا يجب ما لم يحصل الخارج بخلاف المستأجر فان سلامة المنفعة له كان بعوض وبخلاف الخراج فان وجوبه باعتبار التمكن من الانتفاع وقد تمكن المعير من ذلك ثم محل الخراج الذمة ولا يمكن ايجابه في ذمة المستعير لانه ليس له حق لازم في الارض ومحل العشر الخارج وهو مستحق للمستعير فان كان أعار الارض من ذمي فالعشر على المعير لان العشر صدقة لا يمكن ايجابها على الكافر والمعير صار مفوتا حق الفقراء بالاعارة من الكافر فكان ضامنا للعشر (قال) مسلم اشترى من كافر أرض خراج فهى خراجية عندنا. وقال مالك رحمه الله تعالى تصير عشرية لان في الخراج معنى الصغار وهذا لا يبدأ به المسلم فكذلك لا يبقى بعد الاسلام إذا أسلم مالكه أو باعه من مسلم وقاس خراج الارض بخراج الرؤس ولكنا نستدل بحديث ابن مسعود رحمه الله تعالى أنه كان له أرض خراج بالسواد فكان يؤدى فيها الخراج وكذلك روى عن الحسن بن علي وأبى هريرة رحمهما الله تعالى ثم معنى الصغار في ابتداء وضع الخراج دون البقاء كما أن معنى العقوبة في ابتداء الاسترقاق دون البقاء حتى إذا أسلم الرقيق يبقى رقيقا بخلاف خراج الرؤس فانه ذل ابتداء وبقاء فلهذا لا يبقى بعد الاسلام والمرجع في معرفة ما قلنا إلى

[ 6 ] عادات الناس (قال) وان اشترى ذمى من مسلم أرض عشر فان أخذها مسلم بالشفعة أو كان في البيع خيار للبائع أو كان البيع فاسدا فرجعت إلى المسلم فهى عشرية كما كانت لان حق المسلم لم ينقطع عنها فان بقيت في ملك الكافر وانقطع حق المسلم عنها فهى خراجية في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى عليه عشران وقال محمد رحمه الله تعالى يؤخذ منه عشر واحد. وقال مالك رحمه الله تعالى يجبر على بيعها من المسلمين وعلى أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز البيع أصلا وفى القول الآخر وهو قول ابن أبى لبلي يؤخذ منه العشر والخراج جميعا وكان شريك بن عبد الله يقول لا شئ فيها وجعل هذا قياس السوائم إذا اشتراها الكافر من مسلم ولكن هذا ليس بصحيح فان الاراضي النامية في دارنا لا تخلو عن وظيفة بخلاف سائر الاموال والشافعي في أحد قوليه لا يجوز البيع أصلا كما هو مذهبه في الكافر يشترى عبدا مسلما وفى قوله الآخر يقول بان ما كان وظيفة لهذه الارض يبقى وباعتبار كفر المالك الحادث يجب الخراج بناء على أصله في الجمع بينهما. ومالك يقول يجبر على بيعه من المسلمين لان حق الفقراء تعلق بها وما الكافر لا يصلح لذلك فيجبر على بيعها لابقاء حق الفقراء فيها وأما محمد رحمه الله تعالى فقال ما صار وظيفة للارض لا يتبدل بتبدل المالك كالخراج في الاراضي الخراجية ثم العشر الذى يؤخذ منه عند محمد رحمه الله تعالى يوضع موضع الصدقات كما ذكره في السير لان حق الفقراء تعلق بها فهو كتعلق حق المقاتلة بالأراضي الخراجية وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أن هذا العشر يوضع في بيت مال الخراج لانه انما يصرف إلى الفقراء ما كان لله تعالى بطريق العبادة ومال الكافر لا يصلح لذلك فيوضع موضع الخراج كمال يأخذه العاشر من أهل الذمة وانما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يؤخذ منه عشران لان ما كان مأخوذا من المسلم إذا وجب أخذه من الكافر يضعف عليه كصدقة بنى تغلب وما يمر به الذمي على العاشر أما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال الاراضي النامية لا تخلو عن وظيفة في دارنا والوظيفة اما الخراج أو العشر ولا يمكن ايجاب العشر عليه لانها صدقة والكافر ليس من أهل الصدقة فتعين الخراج بخلاف الخراج في الاراضي الخراجية لان استيفاءها بعد الوجوب كاستيفاء الاجرة باعتبار التمكن من الانتفاع ومال المسلم يصلح لذلك (قال) وان اشترى تغلبى أرض عشر من مسلم ضوعف عليه العشر للصلح الذى جرى بيننا وبينهم

[ 7 ] وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى ان تضعيف العشر عليهم في الاراضي التى كانت لهم في الاصل فأما من اشترى منهم أرضا عشرية من مسلم فعليه عشر واحد بناء على أصله أن ما صار وظيفة للارض يقرر ولا يتغير بتغير المالك فان أسلم عليها أو باعها من مسلم فعليه العشر مضاعفا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف رضى الله تعالى عنه عشر واحد. وذكر في رواية أبي سليمان المسألة بعد هذا وذكر قول محمد رحمه الله تعالى كقول أبي يوسف رحمه الله تعالى. وتأويله ما بينا ان عند محمد في الاراضي التى كانت لهم في الاصل سواء أسلموا عليها أو باعوها من مسلم يجب العشر مضاعفا لانها صارت وظيفة لهذه الارض أما أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال تضعيف العشر باعتبار كفر المالك وقد زال ذلك باسلامه أو بيعه من المسلم فهو نظير السوائم إذا أسلم عليها التغلبي أو باعها من المسلم لا يجب فيها الا صدقة واحدة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال التضعيف على بنى تغلب في العشر بمنزلة الخراج حتى يوضع موضع الخراج وبعد ما صارت خراجية لا تتبدل باسلام المالك ولا ببيعها من المسلم فهذا كذلك بخلاف السوائم فانه لا وظيفة فيها باعتبار الاصل حتى إذا كانت لغير التغلبي من الكفار لا يجب فيها شئ فعرفنا ان التضعيف فيها كان باعتبار المالك فيسقط بتبدل المالك أو بتبدل حاله بالاسلام أما بيان الارض العشرية والخراجية فنقول أرض العرب كلها أرض عشرية وحدها من العذيب إلى مكة ومن عدن أبين إلى أقصى حجر باليمين بمهرة وكان ينبغي في القياس أن تكون أرض مكة أرض خراج لان رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحها عنوة وقهرا ولكنه لم يوظف عليها الخراج فكما لارق على العرب لاخراج على أرضهم وكل بلدة أسلم أهلها طوعا فهى أرض عشرية لان ابتداء الوظيفة فيها على المسلم والمسلم لا يبدأ بالخراج صيانة له عن معنى الصغار فكان عليه الشعر وكل بلدة افتتحها الامام عنوة وقسمها بين الغانمين فهى أرض عشرية لما بينا وكذلك المسلم إذا جعل داره بستانا أو أحيا أرضا ميتة فهى أرض عشرية وفى النوادر ذكر اختلافا بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وقال عند أبى يوسف ان كانت هذه الاراضي تقرب من الاراضي العشرية فهى عشرية وان كانت بالقرب من الاراضي الخراجية فهى خراجية لان للقرب عبرة ألا ترى أن ما يقرب من القرية ليس لاحد احياؤها لحق أهل القرية والمرء أحق بالانتفاع بفناء داره وقال محمد رحمه الله تعالى ان أحياها بماء السماء أو عين استنبطها أو نهر شقه لها من الاودية

[ 8 ] العظام كالفرات ودجلة وجيحون فهى عشرية وان شق لها نهرا من بعض الانهار الخراجية فهى خراجية لان الخراج لا يوظف على المسلم الا بالتزامه فإذا ساق إلى أرضه ماء الخراج فهو ملتزم للخراج فيلزمه والا فلا وأما أرض السواد والجبل فهى أرض خراج وحد السواد من العذيب إلى عقبة حلوان ومن الثعلبية إلى عبادان لان عمر رضى الله عنه حين فتح السواد وظف عليها الخراج وبعث لذلك عثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان (قال) وكل بلدة فتحها الامام عنوة وقهرا ثم من بها على أهلها فهى أرض خراج لان ابتداء الوظيفة فيها على الكافر ولا يمكن ايجاب العشر لانها صدقة والكافر ليس من أهلها فيوظف الخراج عليها ولان خراج الاراضي تبع لخراج الجماجم والذمي إذا جعل داره بستانا أو احيا أرضا ميتة باذن الامام فعليه فيها الخراج لما بينا (قال) وإذا قال صاحب الارض قد أديت العشر إلى المساكين لم يقبل قوله وان حلف على ذلك لان حق الاخذ فيه إلى السلطان فكان نظير زكاة السوائم على ما بينا (قال) وان وضع العشر أو الزكاة في صنف واحد من غير أن يأتي به السلطان وسعه ذلك فيما بينه وبين الله تعالى. واعلم أن مصارف العشر والزكاة ما يتلى في كتاب الله عزوجل في قوله تعالى انما الصدقات للفقراء والمساكين الآية وللناس كلام في الفرق بين الفقير والمسكين فروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أن الفقير هو الذى لا يسأل والمسكين هو الذي يسأل قال الله تعالى في صفة الفقراء لا يسألون الناس إلحافا قيل لا إلحافا ولا غير إلحاف وفى المسكين قال الله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا وقد جاء يسأل وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ان الفقير هو الذى يسال ويظهر افتقاره وحاجته إلى الناس قال الله تعالى وأنتم الفقراء. والمسكين هو الذى به زمانة لا يسأل ولا يعطى له قال الله تعالى أو مسكينا ذا متربة أي لاصقا بالتراب من الجوع والعرى. فالحاصل ان المذهب عندنا أن المسكين أسوأ حالا من الفقير وعند الشافعي رحمه الله تعالى الفقير أسوأ حالا من المسكين وبين أهل اللغة فيه اختلاف ومن قال بان المسكين أسوأ حالا قال الفقير الذى يملك شيئا ولكن لا يغنيه * قال الراعى أما الفقير الذى كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك له سبد والمسكين من لا يملك شيئا ومن قال الفقير أسوأ حالا من المسكين قال المسكين من يملك مالا يغنيه قال الله تعالى أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر وقال الراجز

[ 9 ] هل لك في أجر عظيم تؤجره * تغيث مسكينا كثيرا عسكره * عشر شياه سمعه وبصره * والفقير الذى لا يملك شيئا مشتق من انكسار فقار الظهر والحديث يشهد لهذا وهو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا واحشرني في زمرة المساكين وفائدة هذا الخلاف انما تظهر في الوصايا والاوقاف أما الزكاة فيجوز صرفها إلى صنف ؟ ؟ حد عندنا فلا يظهر هذا الخلاف. والعاملين عليها وهم الذين يستعملهم الامام على جمع الصدقات ويعطيهم مما يجمعون كفايتهم وكفاية أعوانهم ولا يقدر ذلك بالثمن عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لانهم لما فرغوا أنفسهم لعمل الفقراء كانت كفايتهم في مالهم ولهذا يأخذون مع الغنى ولو هلك ما جمعوه قبل أن يأخذوا منه شيئا سقط حقهم كالمضارب إذا هلك مال المضاربة في يده بعد التصرف وكانت الزكاة مجزية عن المؤدين لانهم نائبون عن الفقراء بالقبض. وأما المؤلفة قلوبهم فكانوا قوما من رؤساء العرب كأبى سفيان بن حرب وصفوان ابن أمية وعيينة بن حصن والاقرع بن حابس وكان يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرض الله سهما من الصدقة يؤلفهم به على الاسلام فقيل كانوا قد أسلموا وقيل كانوا وعدوا أن يسلموا * فان قيل كف يجوز أن يقال بأنه يصرف إليهم وهم كفار * قلنا الجهاد واجب على الفقراء من المسلمين والاغنياء لدفع شر المشركين فكان يدفع إليهم جزأ من مال الفقراء لدفع شرهم وذلك قائم مقام الجهاد في ذلك الوقت ثم سقط ذلك السهم بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا قال الشعبى انقضى الرشا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أنهم في خلافة أبى بكر رضى الله تعالى عنه استبذلوا الخط لنصيبهم فبذل لهم وجاؤا إلى عمر فاستبذلوا خطه فأبى ومزق خط أبى بكر رضى الله تعالى عنه وقال هذا شئ كان يعطيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليفا لكم وأما اليوم فقد أعز الله الدين فان ثبتم علي الاسلام والا فبيننا وبينكم السيف فعادوا إلى أبى بكر رضي الله تعالى عنه وقالوا له أنت الخليفة أم عمر بذلت لنا الخط ومزقه عمر فقال هو ان شاء ولم يخالفه. وأما قوله تعالى وفى الرقاب فالمراد اعانة المكاتبين على أداء بدل الكتابة بصرف الصدقة إليهم عندنا. وقال مالك رحمه الله تعالى المراد أن يشترى بالصدقة عبدا فيعتقه وهذا فاسد لان التمليك لابد منه وما يأخذه بائع العبد عوض عن ملكه والعبد يعتق على ملك المولى فلا يوجد التمليك

[ 10 ] والدليل عليه ما روى أن رجلا قال أي رسول الله دلنى على عمل يدخلني الجنة فقال فك الرقبة وأعتق النسمة قال أو ليسا سواء يا رسول الله قال لافك الرقبة أن تعين في عتقه. وأما قوله تعالى والغارمين فهم المديونون الذين لا يملكون نصابا فاضلا عن دينهم. وقال الشافعي رحمه الله تعالى المراد من تحمل غرامة في اصلاح ذات البين واطفاء الثائرة بين القبيلتين. وأما قوله تعالى وفى سبيل الله فهم فقراء الغزاة هكذا قال أبو يوسف. وقال محمد هم فقراء الحاج المنقطع بهم. لما روى أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمل عليه الحاج وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول الطاعات كلها في سبيل الله تعالى ولكن عند اطلاق هذا اللفظ المقصود بهم الغزاة عند الناس. ولا يصرف إلى الاغنياء من الغزاة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى. واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغنى الا لخمسة وذكر من جملتهم الغازى في سبيل الله تعالى ولكنا نقول المراد الغنى بقوة البدن والقدرة على الكسب انما تكون بالبدن لا بملك المال بدليل الحديث الآخر وردها في فقرائهم. وأما ابن السبيل فهو المنقطع عن ماله لبعده منه والسبيل الطريق فكل من يكون مسافرا على الطريق يسمى ابن السبيل كمن يكون فقيرا أو غنيا يسمى ابن الفقر وابن الغنى وابن السبيل غنى ملكا حتى تجب الزكاة في ماله ويؤمر بالاداء إذا وصلت يده إليه وهو فقير يدا حتى تصرف إليه الصدقة للحال لحاجته. ثم هؤلاء الاصناف مصارف الصدقات لا مستحقون لها عندنا حتى يجوز الصرف إلى واحد منهم. وقال الشافعي رحمه الله تعالى هم مستحقون لها حتى لا تجوز ما لم تصرف إلى الاصناف السبعة من كل صنف ثلاثة واستدل بالآية وبحديث إن الله تعالى لم يرض في الصدقات بقسمة ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى تولى قسمتها من فوق سبعة أرقعة واعتبر أمر الشرع بأمر العباد فان من أوصي بثلث ماله لهؤلاء الاصناف لم يجز حرمان بعضهم فكذلك في أمر الشرع (ولنا) قوله تعالى وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم. وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضى الله عنه وردها في فقرائهم وبعث عمر رضي الله عنه بصدقة إلى بيت أهل رجل واحد هكذا نقل عن ابن عباس وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم وقد بينا أن المقصود اغناء المحتاج وذلك حاصل بالصرف إلى واحد وبه فارق أوامر العباد لان المعتبر فيها اللفظ دون المعنى فقد تقع خالية عن حكمة حميدة بخلاف أوامر الشرع أما الآية فقد قال ابن عباس

[ 11 ] رضى الله عنه المراد بيان المصارف فالى أيهم انصرفت أجزأت كما ان الله تعالى أمره باستقبال الكعبة في الصلاة وإذا استقبل جزأ كان ممتثلا للامر. ألا ترى أن الله تعالى ذكر الاصناف باوصاف ننبئ عن الحاجة فعرفنا ان المقصود سدخلة المحتاج (قال) ولا يجوز تجيل عشر ما لم يزرع وعشر ثمر لم يخرج أما تعجيل عشر الثمار قبل ظهور الطلع فلا يجوز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويجوز في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ذكره في الاملاء قال لانه لم يبق بينه وبين الوجوب الا مجرد مضى الزمان فهو كتعجيل الزكاة بعد كمال النصاب وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا السبب الموجب لم يوجد لان الموجود ملك رقاب النخيل وهو ليس بسبب للعشر حتى لو قطعها لم يلزمه شئ وتعجيل الحق قبل وجود سبب وجوبه لا يجوز كتعجيل الزكاة قبل تمام النصاب أما تعجيل عشر الزرع قبل الزراعة فلا يجوز بالاتفاق لان الارض ليست بسبب لوجوب العشر وقد بقى بينه وبين الوجوب عمل سوى مضي الزمان وهو الزراعة وبعد نبات الزرع يجوز التعجيل بالاتفاق وأما بعد ما زرع قبل أن ينبت فيجوز في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لانه لم يبق بينه وبين وجوب العشر الا مضي الزمان ولا يجوز عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لان السبب لم يوجد لان الحب في الارض كهو في الحب ليس بسبب لوجوب العشر (قال) ولا يعطى زكاته وعشره ولده وولد ولده وأبويه وأجداده وكل من ينسب إلى المؤدى بالولادة أو ينسب إليه بالولادة ولا يجوز صرف الزكاة إليه لان تمام الايتاء بانقطاع منفعة المؤدى عما أدى والمنافع بين الآباء والابناء متصلة. قال الله تعالى آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة فلم يتم الايتاء بالصرف إليهم فاما من سواهم من القرابة فيتم الايتاء بالصرف إليه وهو أفضل لما فيه من صلة الرحم (قال) ولا يعطى مدبره وعبده وأم ولده لانهم مماليكه كسبهم له وكذلك لا يعطى مكاتبه لان كسب المكاتب دائر بينه وبين المولى فلم يتم الايتاء بالصرف إليه وهذا بخلاف ما لو دفع إلى مكاتب غنى لان هناك الايتاء تم بانقطاع منفعة المؤدى عما أدى ولم يثبت فيه للغنى ملك ولا يد للحال وكذلك لا يصرف إلى زوجته لان الايتاء لا يتم فمال الزوجة من وجه لزوجها قال الله تعالى ووجدك عائلا فأغنى قيل بمال خديجة. وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجوز بناء على أن شهادة الزوج لزوجته جائزة فأما المرأة فلا تعطى زوجها في قول أبى حنيفة وفى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعطيه (واستدلا) بحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رحمهما

[ 12 ] الله تعالى فانها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التصدق على زوجها فقال يجوز ولك أجران أجر الصدقة وأجر الصلة ولانه لا حق للزوجة في مال زوجها فيتم الايتاء كما يتم بالصرف إلى الاخوة بخلاف الزوج يصرف إلى زوجته على ما بينا. وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لزوجته أصل الولاد ثم ما يتفرع من هذا الاصل يمنع صرف زكاة كل واحد منهما إلى صاحبه فكذلك الاصل. ألا ترى أن كل واحد منهما متهم في حق صاحبه لا تجوز شهادته له وان كل واحد منهما يرث صاحبه من غير حجب كما بالولاد وحديث زينب رضى الله عنها محمول على صدقة التطوع فقد روى أنها كانت امرأة ضيقة اليد تعمل للناس وتتصدق من ذلك وبه نقول انه يجوز صرف صدقة التطوع لكل واحد منهما إلى صاحبه وكذلك لو أعطى غنيا أو ولدا صغيرا لغنى مع علمه بحاله لا يجوز لان مصرف الصدقات الفقراء بالنص فان صرف إلى زوجة غنى وهى فقيرة أو إلى بنت بالغة الغنى وهي فقيرة جاز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لانه صرفها إلى الفقير واستحقاقها النفقة على الغنى لا يخرجها من ان تكون مصرفا كأخت فقيرة لغني فرض عليه نفقتها وأبو يوسف رحمه الله تعالى قال لا يجوز لانها مكفية المؤنة باستحقاقها النفقة على الغني بالاتفاق فهو نظير ولد صغير لغني وكذلك لو صرفها إلى هاشمى أو مولى هاشمى وهو يعلم بحاله لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد وعن ابن عباس رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل الارقم بن أبى الارقم على الصدقات فاستتبع أبا رافع فجاء معه فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا رافع ان الله تعالى كره لبني هاشم غسالة الناس وان مولى القوم من أنفسهم وهذا في الواجبات فاما في التطوعات والاوقاف فيجوز الصرف إليهم وذلك مروى عن أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في النوادر لان في الواجب المؤدى يطهر نفسه باسقاط الفرض فيتدنس المؤدى بمنزلة الماء المستعمل وفى النفل يتبرع بما ليس عليه فلا يتدنس به المؤدى كمن تبرد بالماء فان أعطاه غنيا وهو لا يعلم بحاله فانه يجزى إن وقع عنده انه فقير أو سأله فاعطاه أو كان جالسا مع الفقراء أو كان عليه زى الفقراء ثم تبين انه غنى جاز عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولم يجز عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وهو قول الشافعي رضي الله عنه لان الخطأ ظهر له بيقين لان المصرف في الصدقات الفقراء دون الاغنياء فلا يجزئه كمن توضأ بالماء ثم تبين أنه نجس أو قضى القاضي في حادثة باجتهاد ثم ظهر نص بخلافه ولابي حنيفة ومحمد رحمهما

[ 13 ] الله تعالى ان الواجب عليه الصرف إلى من هو فقير عنده وقد فعل فيجوز كما إذا صلى الانسان إلى جهة بالتحرى ثم ظهر الامر بخلافه وهذا لان الغنى والفقر لا يوقف عليهما وقد لا يقف الانسان على غنى نفسه فضلا عن غيره والتكيف انما يثبت بحسب الوسع بخلاف النص فانه مما يوقف على حقيقته وكذلك يوقف على نجاسة الماء وطهارته وان تبين أنه دفع إلى أبيه أو ابنه جاز في ظاهر الرواية عندهما وذكر ابن شجاع رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه لا يجوز. وجه تلك الرواية ان النسب مما يحكم به ويمكن معرفته حقيقة فيتبين الخطأ بيقين كما لو ظهر أنه عبده أو مكاتبه. وجه ظاهر الرواية حديث معن بن يزيد رضي الله عنه قال دفع أبى صدقته إلى رجل ليصرفها ويفرقها على المساكين فأعطاني فلما رآه أبى في يدى فقال ما اياك أردت يا بني فقلت ما أنا بالذى أرده عليك فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا معن لك ما أخذت ويا يزيد لك ما نويت فقد جوز الصرف إلى الولد عند الاشتباه وكان المعنى فيه وهو أن الصرف إلى الولد قربة بدليل التطوع فأقام النبي صلى الله عليه وسلم الاكثر مما هو مستحق عن المؤدى عند الاشتباه مقام الكمال في حكم الجواز وكذلك إذا تبين أن المدفوع إليه هاشمى فهو على هاتين الروايتين وان تبين أن المدفوع إليه ذمى فهو على هاتين الروايتين أيضا لان الكفر يحكم به ويوقف على حقيقته وان تبين أن المدفوع إليه حربى قال في كتاب الزكاة يجوز. وتأويله أنه إذا كان مستأمنا في دارنا فهو كالذمي وأبو يوسف رحمه الله تعالى ذكر في جامع البرامكة عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يجزئه لان التصدق على الحربى ليس بقربة أصلا فلا يمكن أن يقام مقام ما هو قربة عند الاشتباه * (قال) * ويكره أن يعطى رجلا من الزكاة مائتي درهم إذا لم يكن عليه دين أو له عيال وان أعطاه جاز وعند زفر رحمه الله تعالى لا يجزئه اعطاء المائتين وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى رحمه الله تعالى أنه لا بأس باعطاء المائتين إليه انما يكره أن يعطيه فوق المائتين وزفر رحمه الله تعالى يقول غنى المدفوع إليه يتقرن بقبضه وذلك مانع من جوازه ولكنا نقول الغنى يحصل بالملك وذلك حكم يثبت بعد قبضه فلم يقترن الغنى بالدفع والقبض فلا يمنع الجواز ولكن يعقبه متصلا به فأوجب الكراهة للقرب كمن صلى وبقربه نجاسة جازت الصلاة للوقوف على مكان ظاهر وكان مكروها للقرب من النجاسة وأبو يوسف يقول جزء من المائتين مستحق لحاجته للحال والباقى دون المائتين فلا تثبت به صفة الغنى الا أن يعطيه فوق

[ 14 ] المائتين * ثم الغنى الذى يثبت به حرمة أخذ الصدقة أن يملك مائتي درهم أو ما يساويها فضلا عن حاجته عندنا. وقال سفيان الثوري أن يملك خمسين درهما وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا كان صاحب عيال لا تغنيه المائتان جاز صرف الزكاة إليه وان كان يملك المائتين لقيام حاجته كابن السبيل تصرف إليه الزكاة وان كان مالكا للمال. وسفيان رحمه الله تعالى استدل بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من سأل الناس وهو غنى عن المسألة جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوشا في وجهه قيل وما الغنى يا رسول الله قال أن يملك خمسين درهما. وتأويله عندهما في حرمة السؤال والطلب وبه نقول قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضى الله تعالى عنه ما أتاك من هذا المال من غير طلب ولا استشراف فخذه فانه مال الله تعالى يؤتيه من يشاء وذم السؤال لقوله صلى الله عليه وسلم السؤال آخر كسب العبد أي يبقى في ذله إلى يوم القيامة وان كان قادرا على الكسب وليس له عيال ولا مال يجوز صرف الزكاة إليه عندنا ولا يجوز عند الشافعي رحمه الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة سوى. وتأويله عندنا حرمة الطلب والسؤال. ألا ترى إلى ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقسم الصدقات فقام إليه رجلان يسألانه فنظر اليهما ورأهما جلدين فقال أما انه لا حق لكما فيه وان شئتما أعطيتكما معناه لا حق لكما في السؤال. ألا ترى أنه جوز الاعطاء لهما وقيل كان الحكم في الابتداء ان حرمة الاخذ كانت متعلقة بقوة البدن ثم انتسخ بملك خمسين ثم انتسخ ذلك واستقر الامر على ملك النصاب وانما حملناه على هذا ليكون الناسخ أخف من المنسوخ كما قال الله تعالى نأت بخير منها أو مثلها * (قال) * رجل له على رجل دين فتصدق به على آخر عن زكاة ماله وأمره بقبضه فقبضه أجزأه لانه في القبض وكيله فتعين المقبوض ملكا لصاحب المال فكأنه قبض بنفسه ثم صرف إليه بنية الزكاة فيكون مؤديا العين دون الدين * (قال) * رجل تصدق على رجل بدراهم من ماله عن زكاة مال رجل بغير أمره ثم علم بعد ذلك ورضي به لم يجزه من زكاته لان رضاه في الانتهاء انما يؤثر فيما كان موقوفا عليه والصدقة عن المتصدق كان تاما غير موقوف فلا يؤثر فيه رضا الآخر به وان كان تصدق عليه بأمره أجزأه لانه يصير مستقرضا المال منه ان شرط له الرجوع عليه أو مستوهبا منه ان لم يشترط له ذلك والفقير يكون نائبا عنه في القبض يقبض له أولا ثم لنفسه بخلاف ما إذا انعدم

[ 15 ] الامر في الابتداء ثم لا يرجع المؤدى على الآمر هنا الا بالشرط بخلاف المأمور بقضاء الدين فهناك أمره أن يملك ما ى ذمته بما يؤدى فله حق الرجوع عليه بدون الشرط وهنا لا يصير مملكا منه شيئا في ذمته بما يؤدى. يوضح الفرق بينهما أن هناك هو مطالب بقضاء الدين يجبر عليه في الحكم فهو بالاداء بأمره سقطت عنه هذه المطالبة فثبت له حق الرجوع عليه وهنا من عليه الزكاة لا يطالب بأداء الزكاة ولا يجبر عليه في الحكم فلا يثبت للمؤدى بأمره حق الرجوع عليه الا بالشرط كمن يقول لغيره عوض هبتي من مالك لفلان فعوضه لا يرجع الا بالشرط * (قال) * رجل له مائتا قفيز حنطة للتجارة قيمتها مائتا درهم فحال الحول عليها ثم رجعت قيمتها إلى مائه درهم فان أراد أداء الزكاة من العين تصدق بربع عشرها خمسة أقفزة بالاتفاق وان أراد أداء الزكاة من القيمة قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يؤدى خمسة دراهم معتبرا وقت الوجوب وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يؤدى درهمين ونصفا معتبرا وقت الاداء فالاصل عندهما ان الواجب جزء من العين وهو ربع العشر جاء في الاثر هاتوا ربع عشر أموالكم ولان الواجب فيما هو مملوك له وهو العين الا أن له ولاية نقل الحق من العين إلى القيمة باختياره فتعتبر قيمة العين وقت الاختيار زائدا كان أو ناقصا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الواجب عند حولان الحول اما ربع عشر العين أو ربع عشر القيمة يتعين ذلك باختياره والمخير بين الشيئين إذا أدى أحدهما تعين ذلك من الاصل واجبا. والدليل على هذا ان تأثير القيمة في إيجاب الزكاة هنا أكثر من تأثير العين حتى إذا كمل النصاب من حيث القيمة تجب الزكاة سواء كان كاملا من حيث العين أو لم يكن وقد فرع على هذه المسألة بابا في الجامع فما زاد على هذا فيما أمليناه في شرح الجامع وقررنا الفرق بين حقوق الله تعالى وحقوق العباد على أصل الكل * (قال) * والعشر واجب في قليل العسل وكثيره عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان في أرض العشر كما هو مذهبه في باب العشر وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ليس فيما دون خمسة أوسق من العسل العشر ومراده من هذا اللفظ أن تبلغ قيمته قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يدخل تحت الوسق فالحاصل أن ما لا يدخل تحت الوسق كالقطن والزعفران والسكر والعسل عند أبى يوسف رحمه الله تعالى تعتبر القيمة فيه وعند محمد رحمه الله تعالى يعتبر فيه خمسة أمثال أعلى ما يقدر به ذلك الشئ ففي القطن يعتبر خمسة أحمال وفي الزعفران خمسة أمنان وفي السكر كذلك وفي العسل

[ 16 ] خمسة أفراق والفرق ستة وثلاثون رطلا فخمسة أفراق تكون تسعين منا هكذا ذكره في نوادر هشام. وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى في الامالى أن في العسل المعتبر عشرة أرطال وروى عشر قرب كما ورد به الحديث. وجه قول محمد رحمه الله تعالى أن غير المنصوص عليه يقاس على المنصوص عليه لمعنى مؤثر يجمع بينهما والمنصوص عليه خمسة أوسق فيما يدخل تحت الوسق لان الوسق أعلى ما يقدر به ذلك الجنس فكذلك في كل مال يعتبر فيه خمسة أمثال أدنى ما يقدر به وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول نصب النصاب بالرأى لا يكون ولكن فيما فيه نص يعتبر المنصوص وما لا نص فيه المعتبر هو القيمة كما في عروض كالتجارة مع السوائم في حكم الزكاة * (قال) * رجل له أرض عشرية وفيها نحل لا يعلم به صاحبها فجاء رجل وأخذ عسلها فهو لصاحب الارض وفيه العشر وان كانت لم تتخذ لذلك أما كونه لصاحب الارض فلانه صار محرزا له بملكه فكانت يده إليه أسبق حكما فيكون هو أولى بملكه وهذا بخلاف الطير إذا فرخ في أرض رجل فجاء رجل وأخذه فهو للآخذ لان الطير لا يفرخ في موضع ليتركه فيه بل ليطيره إذا قوى على ذلك فلم يصر صاحب الارض محرزا للفرخ بملكه فكان للآخذ فأما النحل فيعسل في الموضع ليتركه فيه فصار صاحب الارض محرزا له بملكه كالماء إذا اجتمع في ارض فاجتمع منه الحمأ والطين فهو لصاحب الارض ووجوب العشر عليه باعتبار أنه نماء في أرض العشر. وقال في كتاب الزكاة إذا وجد الجوز أو اللوز في جبل ففيه العشر وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه لا شئ فيه لانه مباح كالصيود والعشر فيما يكون من نماء ارض العشر. وجه ظاهر الرواية أن الموجود نماء كله فلا فرق في وجوب حق الله تعالى بين ان يكون في ملكه أو في غير ملكه كخمس المعادن * (قال) * ومن أحيا أرضا ميتة فهى له إذا كان باذن الامام في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هي له سواء أذن له الامام أولا لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فهى له ومثل هذا اللفظ لبيان السبب في لسان صاحب الشرع كقوله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر وقال صلى الله عليه وسلم ألا ان عادى الارض لله ورسوله ثم هي لكم منى وبعد وجود الاذن من صاحب الشرع لا حاجة إلى اذن أحد من الائمة وأبو حنيفة استدل بقوله صلى الله عليه وسلم ليس لاحدكم الا ما طابت به نفس امامه فتبين بهذا الحديث شرط الملك وهو اذن الامام كما تبين بما ورد السبب وهو

[ 17 ] الاحياء والحكم بعد وجوب السبب يتوقف على وجود شرطه ثم الناس في الموات من الاراضي سواء فلو لم يشترط فيه اذن الامام أدى إلى امتداد المنازعة والخصوصة بينهم فيها فكل واحد منهم يرغب في احياء ناحية وجعل التدبير في مثله إلى الائمة يرجع إلى المصلحة لما فيه من اطفاء ثائرة الفتنة وهذه المسألة تعود في كتاب الشرب مع بيان حد الموات فما زاد على هذا نبينه هناك ان شاء لله تعالى. (باب ما يوضع فيه الخمس) (قال) من اصاب ركازا وسعه أن يتصدق بخمسة على المساكين وإذا اطلع الامام على ذلك أمضى له صنع لان الخمس حق الفقراء والمساكين وقد أوصله إلى مستحقه وهو في في اصابة الركاز غير محتاج إلى حماية الامام فكان هو في الحكم كزكاة الاموال الباطنة وان كان محتاجا إلى جميع ذلك وسعه أن يمسكه لنفسه لقول على رضى الله تعالى عنه وان وجدتها في قرية خربت على عهد فارس فخمسها لنا وأربعة أخماسها لك وسنتمها لك أي نعطيك الخمس منها أيضا ولان وجوب الخمس في المصاب باعتبار أنه مما أوجف عليه المسلمون فلا يكون الوجوب على المصيب خاصة فهو في كونه مصرفا كغيره ولو رأى الامام في خمس الغنائم أن يصرفها إلى الغانمين لحاجتهم وسعه ذلك فكذلك هذا المصيب في الخمس وان تصدق بالخمس على أهل الحاجة من أولاده وآبائه جاز لانه لما جاز له وضعه في نفسه عند حاجته ففي آبائه وأولاده أولى وهو نظير خمس الغنائم إذا رأى الامام أن يضعه في أولاد الغانمين وآبائهم * (قال) * وما جبي من الخراج فهو لجميع المسلمين يعطى الامام منه أعطية المقاتلة وفي نوائب المسلمين. والحاصل أن ما يجبى إلى بيت المال أنواع أربع. أحدها الخمس ومصرفه ما قال الله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه الآية قال عطاء بن أبى رباح سهم الله وسهم الرسول واحد. وقال قتادة ذكر اسم الله تعالى لافتتاح الكلام فكان الخمس يقسم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة ثم سقط سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى هو مصروف إلى كل خليفة بعده لانهم نائبون منابه محتاجون إلى ما كان محتاجا إليه من جوائز الوفود والرسل * (ولنا) * أن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين ما رفعوا هذا السهم لانفسهم وكان لرسول

[ 18 ] الله صلى الله عليه وسلم بسبب النبوة ولم ينتقل ذلك إلى أحد بعده فهو نظير الصفي الذى كان يصطفيه لنفسه وكذلك سهم ذوى القربى سقط بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا. وبيانه في كتاب السير وبقى المصرف لليتامي والمساكين وابن السبيل. وجاء في الحديث أن الخلفاء الراشدين قسموا الخمس على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وأبناء السبيل. والنوع الثاني الصدقات والعشور وقد بينا مصارفها. والنوع الثالث الخراج والجزية وما يؤخذ من صدقات بنى تغلب وما يأخذ العاشر من أهل الذمة ومن أهل الحرب إذا مروا عليه فهذا النوع مصروف إلى نوائب المسلمين ومنها اعطاء المقاتلة كفايتهم وكفاية عيالهم لانهم فرغوا أنفسهم للجهاد ودفع شر المشركين عن المسلمين فيعطون الكفاية من أموالهم ومن هذا النوع ايجاد الكراع والاسلحة وسد الثغور واصلاح القناطر والجسور وسد البثق وكرى الانهار العظام. ومنه أرزاق القضاة والمفتين والمحتسبين والمعلمين وكل من فرغ نفسه لعمل من أعمال المسلمين على وجه الحسبة فكفايته في هذا النوع من المال. والنوع الرابع تركة من لا وارث له من المسلمين أو من يرثه الزوج أو الزوجة فقط فان الباقي مصروف إلى بيت المال وما يوجد من اللقطة إذا لم يعرفها أحد فهو موضوع في هذا النوع من بيت المال ومصروف هذا النوع نفقة اللقيط وتكفين من يموت من المسلمين ولا مال له وهو معنى قول محمد رحمه الله تعالى فعلى الامام ان يتقى الله في صرف الاموال إلى المصارف فلا يدع فقيرا الا أعطاه حقه من الصدقات حتى يغنيه وعياله وان احتاج بعض المسلمين وليس في بيت المال من الصدقات شئ أعطى الامام ما يحتاجون إليه من بيت مال الخراج ولا يكون ذلك دينا على بيت مال الصدقة لما بينا ان الخراج وما في معناه يصرف إلى حاجة المسلمين بخلاف ما إذا احتاج الامام إلى اعطاء المقاتلة ولا مال في بيت مال الخراج صرف ذلك من بيت مال الصدقة وكان دينا على بيت مال الخراج لان الصدقة حق الفقراء والمساكين فإذا صرف الامام منها إلى غير ذلك للحاجة كان ذلك دينا لهم على ما هو حق المصروف إليهم وهو مال الخراج * (قال *) وما أخذ من صدقات بنى تغلب وضع موضع الخراج لما مرو ما أخذ من صدقات أهل بلد رد على فقرائهم كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضى الله عنه. وحكى ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى قال لا تخرج الزكاة من بلد إلى بلد الالذى قرابة وقد بينا هذا * (قال) * وإذا لم يبق محتاج من أهل تلك البلدة

[ 19 ] فان كان بقرب منهم محتاج فهو أحق من فقراء غيرهم لقربهم فلو وضعها الامام في أهل الحاجة من غيرهم وسعه ذلك فان أخرجها إلى غيرهم جاز وهو مكروه وقد تقدم بيان هذا الفصل * (قال) * ومن كان غنيا ولم يقر وليس في الديوان اسمه ولا بلى للمسلمين شيئا لم يعط من الخراج شيئا لانه مشغول بالكسب لنفسه ولا يعمل للمسلمين عملا فلا يستحق شيئا من مالهم * (قال) * وتجب للامام نفقته في بيت المال قدر ما يغنيه يفرض له ذلك لما روى ان أبا بكر رضى الله عنه لما استخلف رآه عمر يحمل شيئا من متاع أهله فقال إلى أين يا خليفة رسول الله فقال إلى السوق أبيع متاعا لاهلي لا نفقه في حوائجى فجمع الصحابة وفرضوا له كل يوم درهمين وثلثي درهم أو ثلاثة دراهم وثلثا درهم على ما اختلف الروايات فيه الا أنه روى أنه أوصى إلى عائشة عند موته أن ترد ذلك كله حتى قال عمر رضى الله عنه رحمك الله يا أبا بكر لقد اتعبت من بعدك وعمر في خلافته كان يأخذ الكفاية من بيت المال على ما روى عنه أنه قال ان الجزور ينحر كل يوم والعنق منه لآل عمر أما عثمان رضى الله عنه فكان لا يأخذ شيئا من بيت المال لثروته ويساره واما على فكان يأخذ على ما روى أنه قال ان مالى من مالكم كل يوم قصعتا ثريد فالحاصل ان الامام إذا كان غنيا فالاولى ان لا يأخذ وان كان محتاجا أخذ كفايته وكفاية عياله على ما أشار الله تعالى إليه في حق الاوصياء ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف * (قال) * ولا شئ لاهل الذمة في بيت المال وان كانوا فقراء لانه مال المسلمين فلا يصرف إلى غيرهم وكذلك لا يرد عليهم مما أخذ منهم العاشر شيئا لان المأخوذ صار حقا للمسلمين ومن الناس من قال إذا كان محتاجا عاجزا عن الكسب يعطى قدر حاجته لما روى أن عمربن الخطاب رضى الله عنه رأى شيخا من أهل الذمة يسأل فقال ما أنصفناه أخذنا منه في حال قوته ولم نرد عليه عند ضعفه وفرض له من بيت المال ولكن الحديث شاذ فلم يأخذ به علماؤنا ورأوا أن من الترغيب له في الاسلام ان لا يعطى من مال المسلمين شيئا ما لم يسلم * (قال) * وأمير الجيش في الغنيمة بمنزلة رجل من الجند ان كان فارسا فله سهم الفرسان وان كان راجلا فله سهم الرجالة لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل سهمه في الغنيمة كسهم واحد من المسلمين وكذلك من جاهد بعده من الخلفاء الراشدين وقد كان للنبى صلى الله عليه وسلم من الغنائم ثلاث حظوظ خمس الخمس وصفى يصطفيه لنفسه من درع أو سيف أو جارية وسهم كسهم أحدهم فخمس الخمس والصفى كان هو مختصا به أخذهما

[ 20 ] بولاية النبوة فليس من ذلك شئ لامراء الجيوش وبعده بقى السهم فهو لامراء الجيوش كما كان يأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم بالصواب (بسم الله الرحمن الرحيم) (كتاب نوادر الزكاة) * (قال) * الشيخ الامام شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي رحمه الله تعالى اعلم أن مسائل أول الكتاب مبنية على الاصل الذى بيناه في كتاب الزكاة وهو أن ضم النقود بعضها إلى بعض في تكميل النصاب باعتبار معنى المالية فان الذهب والفضة وان كانا جنسين صورة ففى معنى المالية هما جنس واحد على معنى أنه تقوم الاموال بهما وأنه لا مقصود فيهما سوى أنهما قيم الاشياء وبهما تعرف خيرة الاموال ومقاديرها ووجوب الزكاة باعتبار المالية قال الله تعالى وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ثم اعتبار كمال النصاب لاجل صفة الغنى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا صدقة الا عن ظهر غنى والغنى بهما يكون بصفة واحدة واعتبار كمال النصاب لمعرفة مقدار الواجب وهما في مقدار الواجب فيهما كشئ واحد فان الواجب فيهما ربع العشر على كل حال وكذلك وجوب الزكاة باعتبار معنى النماء فانها لا تجب الا في المال النامى ومعنى النماء فيها بطريق التجارة وربما يحصل بالتجارة في الذهب النماء من الفضة أو على عكس ذلك فكانا بمنزلة عروض التجارة في معنى النماء وعروض التجارة وان كانت أجناسا مختلفة صورة يضم بعضها إلى بعض في حق حكم الزكاة فكذلك النقود. ألا ترى أن نصاب كل واحد منهما يكمل بما يكمل به نصاب الآخر وهو العروض فكذلك يكمل نصاب أحدهما بالآخر بخلاف السوائم ثم على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى يضم أحد النقدين إلى الآخر باعتبار القيمة وعندهما باعتبار الاجزاء لان المقصود تكميل النصاب ولا معتبر بالقيمة فيه. ألا ترى أن من كانت له عشرة دنانير وهى تساوى مائتي درهم لا تجب عليه الزكاة والدليل عليه أن المعتبر صفة المالية والمالية من الذهب والفضة باعتبار الوزن إليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله جيدها ورديئها سواء وباعتبار الوزن لا يمكن تكميل النصاب الا من حيث الاجزاء. وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ضم الاجناس المختلفة بعضها إلى بعض في تكميل النصاب لا يكون الا باعتبار القيمة

[ 21 ] كما في عروض التجارة وهذا لان المعتبر صفة المالية وصفة الغنى للمالك وذلك انما يحصل باعتبار القيمة وانما لا تعتبر قيمة النقد عند الانفراد فاما عند مقابلة أحدهما بالآخر فتعتبر القيمة الا ترى ان من كسر على انسان قلب فضة جيدة فانه يجب عليه قيمته من الذهب فلما كان في حقوق العباد تعتبر القيمة عند مقابلة أحدهما بالآخر فكذلك في حق الله تعالى تعتبر القيمة عند ضم أحدهما إلى الآخر. إذا عرفنا هذا فنقول رجل له ثمانية دنانير ثمنها مائة درهم ومائة درهم حال عليهما الحول فعليه الزكاة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان نصابه بلغ مائتي درهم باعتبار القيمة وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا زكاة عليه لان نصابه ناقص باعتبار الاجزاء فانه يملك نصف نصاب من الفضة وخمسى نصاب من الذهب فإذا جمعت بينهما كانت أربعة أخماس نصاب ونصف خمس وقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أيضا انه إذا كانت له خمسة وتسعون درهما ودينار قيمته خمسة دراهم فانه يلزمه الزكاة باعتبار ان كل دينار ثمن خمسة دراهم فثمن خمسة وتسعين درهما تسعة عشر دينارا فان ضمها إلى الدينار يكون عشرين دينارا وبهذه الرواية يتبين ان على أصله يقوم الذهب تارة بالفضة والفضة تارة بالذهب وذلك لاجل الاحتياط وتوفير المنفعة على الفقراء * (قال) * وان كان له مائة وخمسون درهما وخمسة دنانير ثمنها خمسون درهما فعليه الزكاة بالاتفاق لان النصاب كامل من حيث القيمة ومن حيث الاجزاء فانه يملك ثلاثة ارباع نصاب الفضة وربع نصاب الذهب وكذلك ان كانت له خمسة عشر دينارا وخمسون درهما ثمنها خمسة دنانير أو كانت له عشرة دنانير ومائة درهم ثمنها عشرة دنانير فعليه الزكاة بالاتفاق لكمال النصاب سواء اعتبرت الضم بالاجزاء أو بالقيمة ولم يبين في الكتاب انه من أي الجنسين تؤدى الزكاة والصحيح أنه يؤدى من كل واحد منهما ربع عشره لان الواجب فيهما ربع العشر بالنص قال صلى الله عليه وسلم في الرقة ربع العشر وقال عمر رضى الله عنه هاتوا عشور أموالكم وفى أداء ربع العشر من كل نوع مراعاة النظر لصاحب المال والفقراء. ألا ترى ان بعد تمام الحول لو هلك أحد النوعين لم يكن على أن يؤدى من النوع الآخر الاربع عشره فكذلك في حال بقاء النوعين * (قال) * ولو أن رجلا له ألف درهم حال عليها الحول ثم أضاف إليها ألفا أخرى ثم خلطهما ثم ضاعت منهما ألف درهم فعليه أن يزكي خمسمائة إذا لم يعرف الذى ضاع من

[ 22 ] الذى بقى لان نصف المال كان مشغولا بحق الفقراء ونصفه كان فارغا عن حقهم وليس صرف الهلاك إلى أحد النوعين بأولى من الآخر فيجعل الهالك منهما والباقى منهما كما هو الاصل في المال المشترك فانما بقى من مال الزكاة خمسمائة وهذا بخلاف ما إذا اشتمل المال على النصاب والوقص فهلك منهما شئ‌ئ يجعل الهالك من الوقص خاصة في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى نحو ما إذا كان له فوق النصاب ثمانون من الغنم فحال عليها الحول ثم هلك أربعون فعليه في الباقي شاة لان هناك الوقص تبع للنصاب باسمه وحكمه فانه لا يتحقق الوقص الا بعد النصاب وهذا هو علامة الاصل مع التبع فان التبع يقوم بالاصل والاصل يستغنى عن التبع ثم لا يتحقق المعارضة بين التبع والاصل وجعل الهالك من المالين باعتبار المعارضة فاما هنا فأحد الالفين ليس بتبع للاخر فتتحقق المعارضة بينهما فلهذا يجعل الهالك منهما وهو بمنزلة مال المضاربة إذا كان فيها ربح فهلك منها شئ يجعل الهالك من الربح خاصة لانه تبع لرأس المال والمال المشترك بين الشريكين إذا هلك منه شئ يجعل الهالك من نصيب الشريكين والباقى من نصيبهما. فان قيل لماذا لم يجعل صاحب المال بهذا الخلط مستهلكا لمال الزكاة حتى يكون ضامنا اعتبار لحقوق العباد فانه لو غصب ألف درهم وخلطها بألف من ماله كان ضامنا. قلنا لان هناك حق المغصوب منه في عين الدراهم حتى لو أراد أن يمسك تلك الدراهم ويعطيه غيرها لم يكن له ذلك والخلط استهلاك العين على معنى أنه لا يتوصل بعده إلى تلك العين فأما حق الفقراء هنا ففي معنى المالية بدليل أن لصاحب المال أن يؤدى الزكاة من دراهم غير تلك الدراهم ومن جنس آخر من المال وليس في هذا الخلط تفويت معنى المالية ولا اخراج المال من أن يكون محلا لحق الفقراء فلهذا لا يضمن بالخلط شيئا فان عرف مائة درهم من الباقي أنها من دراهمه الاولى ولم يعرف غيرها فانه يزكى هذه المائة درهمين ونصفا لانه يعرف أن ربع عشرها حق الفقراء ويزكي تسعة أجزاء من تسعة عشر جزأ مما بقى لانه لما عرف المائة بقى المشتبه ألف وتسعمائة فإذا جعلت كل مائة سهما كانت عشرة أسهم من ذلك فارغة عن الزكاة وتسعة أسهم مشغولة بالزكاة فما هلك يكون منها بالحصة وما بقى كذلك فلهذا يزكى وتسعة أجزاء من تسعة عشر جزأ مما بقى ولو عرف مائة درهم أنها من دراهمه الاخرى ولم يعرف غير ذلك فلا شئ عليه في هذه المائة لانه لم يحل عليها الحول وعليه أن يزكى عشرة أجزاء من تسعة عشر جزأ مما بقى لان المشتبه تسعة عشر

[ 23 ] سهما عشرة من ذلك مال الزكاة وتسعة فارغة فيكون الهلاك منهما بالحصة والباقى كذلك * (قال) * رجل له ألف درهم سود وألف درهم بيض فلما كان قبل الحول بشهر زكى خمسة وعشرين درهما من البيض فهذه المسألة على ثلاثة أوجه اما أن يهلك البيض قبل كمال الحول أو تستحق أو يتم الحول على المالين فان ضاعت البيض قبل الحول وتم الحول على السود يجزئه ما أدى عن زكاة السود لانه انما عجل ما يجب عليه من الزكاة عند كمال الحول وهو زكاة السود فالمعجل يجزى من ذلك بمنزلة ما لو أدى بعد كمال الحول خمسة وعشرين درهما بيضا بزكاة السود وهذا لان البيض والسود جنس واحد في حكم الزكاة فلهذا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب والمعتبر في الجنس الواحد أصل النية فأما نية التعيين فغير معتبرة في الجنس الواحد إذا لم يكن مفيدا كمن عليه قضاء أيام من رمضان وصام بعددها ينوى القضاء يجزئه وان لم يعين في نيته يوم الخميس والجمعة وهذا بخلاف ما إذا كانت له خمس من الابل وأربعون من الغنم فعجل زكاة الغنم شاة ثم ضاعت الغنم وتم الحول على الابل فان المعجل لا يجزئ عن زكاة الابل لانهما جنسان مختلفان في حكم الزكاة ولهذا لا يضم أحدهما إلى الآخر وعند اختلاف الجنس تعتبر نية التمييز. ولو استحقت البيض قبل كمال الحول لم يجز المعجل عن زكاة السود لانه انما عجل الزكاة من مال الغير فلا يجزئ ذلك عن زكاة ماله وكيف يجزئ وهو ضامن لما أدى من البيض إلى الفقراء أما هنا انما عجل الزكاة من مال نفسه لان بالهلاك لا يتبين أنه لم يكن ملكا له فيجزئ المعجل عما يلزمه عند كمال الحول ولو حال الحول على المالين جميعا ففي رواية هذا الكتاب قال المعجل يكون من زكاة البيض حتى إذا هلكت البيض بعد كمال الحول فعليه زكاة السود خمسة وعشرون درهما. وقال في الجامع الكبير المعجل يكون بينهما حتى إذا هلكت البيض فعليه نصف زكاة السود اثنا عشر درهما ونصف درهم. وجه هذه الرواية أن بعد ما وجبت الزكاة فيهما يجعل الاداء بطريق التعجيل كالاداء بعد كمال الحول ولو أدى بعد كمال الحول زكاة البيض كان المؤدى عما نواه خاصة فكذلك إذا عجل لان المعارضة قد تحققت حين وجبت الزكاة فيهما فاعتبرنا نيته في التمييز في ترجيح أحدهما عملا بقوله صلى الله عليه وسلم ولكل امرئ ما نوى بخلاف مااذا هلك أحدهما قبل كمال الحول لان هناك لم تتحقق المعارضة بينهما في حكم الزكاة فان الزكاة وجبت في احداهما دون الاخرى. وجه رواية الجامع وهي الاصح ما بينا ان السود

[ 24 ] والبيض جنس واحد في حكم الزكاة فيسقط اعتبار نية التمييز فيهما فكأنه قصد عند الاداء تعجيل الزكاة فقط فيجعل المؤدى من المالين جميعا إذا وجبت الزكاة فيهما وهذا بخلاف الاداء بعد الوجوب فانه تفريغ للمال عن حق الفقراء لان بوجوب الزكاة يصير المال مشغولا بحق الفقراء فكانت نية الاداء عن زكاة البيض مفيدة من حيث انه قصد به تفريغ البيض دون السود بخلاف التعجيل قبل الوجوب فانه لا فائدة في نية التمييز هناك واعتبار هذا المعنى لو أدى زكاة البيض بعد الوجوب ثم هلكت البيض لم يكن المؤدى عن السود ولو عجل قبل قبل الوجوب ثم هلكت البيض وتم الحول على السود كان المعجل من زكاة السود والذى بينا في السود والبيض كذلك الجواب في الذهب والفضة إذا كانت له مائتا درهم وعشرون مثقالا من ذهب فعجل زكاة احد المالين أو أدى بعد الوجوب فهى في جميع الفصول مثل ما سبق وعلى هذا لو كان له ألف درهم عينا وألف درهم دينا على انسان فعجل زكاة العين ثم ضاعت قبل كمال الحول فالمعجل يجزى عن زكاة الدين ولو أدى زكاة العين بعد كمال الحول ثم ضاعت قبل الحول لم يجز المؤدى عن زكاة الدين لانه في الاداء بعد الوجوب انما قصد تطهير ماله العين وقد حصل مقصوده فكان بقاؤه بعد ذلك وهلاكه سوء في التعجيل وقبل الوجوب انما قصد اسقاط ما يلزمه من الزكاة عند كمال الحول وانما لزمته الزكاة في الدين وأداء العين عن زكاة الدين جائز. وعلى هذا لو كان له عبد وجارية للتجارة قيمة كل واحد منهما ألف فعجل زكاة أحدهما قبل الحول ثم مات الذى عجل الزكاة عنه قبل كمال الحول وتم الحول على الآخر فالمعجل يجزئ عنه بخلاف ما إذا زكى أحدهما بعد الحول ثم مات الذى زكى عنه ولو عجل زكاة أحدهما قبل الحول ثم مات الذى زكى عنه بعد كمال الحول فعليه أن يزكى الباقي على هذه الرواية وعلى رواية الجامع عليه نصف زكاة الباقي لان المعجل يجزئ عنهما إذا وجبت الزكاة فيهما على تلك الرواية (قال) ولو أن رجلا له مائتا درهم فتصدق بدرهم منها قبل الحول بيوم ثم تم الحول وفى يده مائتا درهم الا درهم فلا زكاة عليه لان المعجل خرج عن ملكه بالوصول إلى كف الفقير فتم الحول ونصابه ناقص وكمال النصاب عند تمام الحول معتبر لايجاب الزكاة فإذا لم يجب عليه الزكاة كان المؤدى تطوعا لا يملك استرداده من الفقير لانه وصل إلى كف الفقير بطريق القربة فلا يملك الرجوع فيه وهذا لانه نوى أصل التصدق والصفة فيسقط اعتبار الصفة حين لم يجب عليه الزكاة عند كمال الحول

[ 25 ] فيبقى أصل نية الصدقة (قال) ولو أن رجلا له جارية للتجارة حال عليها الحول الا يوم ثم اعورت فتم الحول وهى كذلك قال يزكيها عوراء ومراده إذا كانت قيمتها بعد العور نصابا فأما إذا كانت دون النصاب فلا شئ عليه لان بالعور فات نصفها وكمال النصاب في آخر الحول معتبر لايجاب الزكاة فإذا كانت قيمتها مع العور نصابا فعليه أن يزكيها عوراء لان ما هلك منها قبل كمال الحول يصير في حكم الزكاة كما لم يكن فان ذهب العور بعد كما حول فلا شئ عليه باعتبار ذهاب العور لان هذه زيادة متصلة بعد كمال الحول وحكم الزكاة لا يسرى إلى الزيادة الحادثة بعد كمال الحول متصلة كانت أو منفصلة. ألا ترى أنه لو كانت قيمتها بعد العور أقل من نصاب فتم الحول وهي كذلك ثم ذهب العور لم تلزمه الزكاة فكما لا يعتبر ذهاب العور بعد كمال الحول لايجاب أصل الزكاة فكذلك لا يعتبر لايجاب أصل الزيادة ولو ذهب العور قبل كمال الحول فتم الحول وهى صحيحة العينين فعليه زكاة قيمتها صحيحة لان الزيادة انما حدثت قبل كمال الحول ومثل هذه الزيادة يضم إلى أصل المال في حكم الزكاة متصلة كانت أو منفصلة متولدة كانت أو غير متولدة. ألا ترى أنه لو كانت له ألفا درهم فضاع ألف منهما قبل الحول ثم حال الحول على الباقية فزكاها ثم وجد المال الذى كان ضاع لم يكن عليه فيه زكاة بخلاف ما إذا وجد المال الذى ضاع قبل كمال الحول وهذا لان المال الذى ضاع صار تاويا في حكم الزكاة فإذا وجده كان بمنزلة استفادة استفادها من جنس ماله وحكم الزكاة انما يتقرر بآخر الحول فإذا تقرر حكم الزكاة عليه في الالف لا يلزمه بعد ذلك في الالف الاخرى شئ وان وجدها أما إذا وجدها قبل كمال الحول فانما يقرر حكم الزكاة عليه في الفين. ولو كانت الجارية اعورت بعد كمال الحول فعليه أن يزكيها عوراء لانه هلك نصفها ولو هلكت كلها بعد كمال الحول سقطت عنه الزكاة فكذلك إذا هلك البعض فان ذهب العور فعليه أن يزكيها صحيحة لانه تقرر عليه حكم الزكاة في قيمتها صحيحة ثم انتقض بالخسران الذى لحقه وقد ارتفع ذلك الخسران بذهاب العور فهو نظير ما لو ضاع احد الالفين بعد كمال الحول فزكى ما بقى ثم وجد الذى كان ضاع فعليه أن يزكيه وهذا الاصل الذى بيناه في كتاب الغصب أن الزيادة إذا حدثت في محل النقصان كانت جابرة للنقصان وينعدم بها النقصان معنى. يوضحه ان وجوب الزكاة باعتبار المالية وهي قد عادت بذهاب العور إلى المالية الاولى التى تقررت عليه الزكاة

[ 26 ] فيها عند كمال الحول فعليه أن يؤدى ذلك كله (قال) رجل له ألف درهم حال عليها الحول ثم ابتاع بها جارية للتجارة قيمتها ثمانمائة فعليه زكاة الالف فان ماتت الجارية فليس عليه الا زكاة المائتين لانه حابى في الشراء بقدر المائتين وذلك لا يتغابن الناس في مثله فصار مستهلكا محل حق الفقراء في ذلك فيضمن زكاة المائتين وفى مقدار ثمانمائة حول حقهم من محل إلى محل بعد له فان الجارية التي للتجارة بمنزلة الدراهم في كونها مال الزكاة فيكون هلاك الجارية في يده كهلاك الدراهم وهذا بخلاف السوائم فان من وجب عليه الزكاة في خمس من الابل فاشترى بها أربعين من الغنم ثم هلكت الغنم فهو ضامن للزكاة لان وجوب الزكاة في السوائم باعتبار العين فانما النماء مطلوب من عينها والعين الثاني غير الاول . الا ترى أن هذا التصرف لو وجد منه في خلال الحول انقطع به الحول فكذلك إذا وجد بعد كمال الحول صار مستهلكا ضامنا للزكاة وهنا وجوب الزكاة في الدراهم وعروض التجارة باعتبار المالية والنماء مطلوب بالتصرف ولهذا لو وجد منه هذا التصرف في خلال الحول لم ينقطع به الحول فإذا وجد بعد كمال الحول لا يصير ضامنا للزكاة أيضا فان كان ابتاع بالالف جارية لغير التجارة والمسألة على حالها فعليه زكاة الالف ماتت الجارية أو بقيت لانه صار مستهلكا حق الفقراء بتصرفه فالجارية التى للخدمة ليست بمال الزكاة ألا ترى ان هذا التصرف لو وجد منه في خلال الحول انقطع به الحول فإذا وجد بعد كمال الحول صار ضامنا للزكاة (قال) رجل عنده جارية للتجارة فولدت ولدا قبل الحول بيوم ثم حال الحول عليها فعليه زكاتهما جميعا لان الولد انما ينفصل عن الام بصفتها وهى عنده للتجارة فولدها كذلك ثم المستفاد في خلال الحول يضم إلى أصل النصاب بعلة المجانسة وان لم يكن متولدا من الاصل فالمتولد أولى فان ولدت بعد الحول بيوم فانه يزكيها ولا يزكى ولدها لان الحول قد انتهي قبل انفصال الولد وانما يسرى من الاصل إلى الولد ما كان قائما لا ما كان منتهيا. الا ترى ان الرق ينتهي بالعتق فالولد الذى ينفصل منها بعد العتق لا يكون رقيقا ولا لنا هذا بمنزلة مال استفاده من جنس النصاب بعد كمال الحول فلا يجب فيه الزكاة الا باعتبار حول جديد * فان قيل لما ولدت بعد الحول بيوم فقد علمنا ان حدوث الولد كان قبل كمال الحول فينبغي ان يثبت فيه حكم الحول * قلنا نعم لكن وجوب الزكاة في الولد باعتبار صفة المالية لا باعتبار عينه وصفة المالية

[ 27 ] تحدث بعد الانفصال فان الجنين في البطن لا يكون مالا منقوما ولهذا لا يضمن بالغصب فما به صار الولد محل وجوب الزكاة حادث بعد كمال الحول فلا يسرى إليه حكم الزكاة (قال) رجل له جارية قيمتها ألف درهم فباعها قبل الحول بيوم بثمانمائة درهم فعليه زكاة ثمانمائة درهم لان وجوب الزكاة عند كمال الحول وماله عند ذلك ثمانمائة ولو استهلك الكل قبل كمال الحول لم يضمن شيئا من الزكاة فكذلك إذا استهلك البعض بتصرفه. ولو باعها بعد الحول فعليه زكاة الالف لانه بقدر المحاباة صار مستهلكا ولو استهلك الكل بعد الحول كان ضامنا للزكاة فكذلك إذا استهلك البعض (قال) وان كانت عنده لغير التجارة فباعها قبل الحول بيوم بثمانمائة درهم فانه يضم هذا إلى ماله فيزكيه مع ماله إذا تم الحول لان هذا مستفاد من جنس النصاب في خلال الحول ولو باعها بعد الحول بيوم لم يكن عليه زكاة في ثمنها حتى يحول عليه الحول لانه مستفاد بعد تمام الحول وهذا لان الجارية لما لم تكن للتجارة عنده فانما حدثت المالية له في حكم الزكاة بتصرفه هذا فيكون ثمنها بمنزلة مال وهب له في حكم الزكاة (قال) ولو كانت الجارية عنده للتجارة وقيمتها ألف درهم فباعها بعد الحول بمائة درهم فعليه زكاة الالف قال لان هذا مما لا يتغابن الناس فيه بقدره يشير بهذا إلى الفرق بين هذه وبين مسألة الجامع وهو ما إذا باعها بتسعمائة وخمسين فانه لا يكون ضامنا شيئا من الزكاة لان الخمسين ونحوها مما يتغابن الناس فيه وصاحب المال مسلط على التصرف في ماله شرعا بمنزلة الاب والوصى في مال اليتيم وكما أن هناك يفصل بين ما يتغابن الناس فيه وما لا يتغابن الناس فيه في تصرفهما فكذلك هنا يفصل بينهما فإذا كانت المحاباة بقدر ما يتغابن الناس فيه لم يكن مستهلكا شيئا وان كانت بقدر مالا يتغابن الناس فيه كان مستهلكا محل حق الفقراء في مقدار المحاباة فكان ضامنا للزكاة. ولو باعها قبل الحول بيوم بمائة درهم ضم المائة إلى ماله ثم زكاه ولا شئ عليه في مقدار المحاباة لانه صار مستهلكا قبل وجوب الزكاة (قال) ولو كانت له جارية قيمتها خمسمائة فباعها بألف درهم واشتراها المشترى للتجارة ثم حال الحول عليها ثم وجد بها عيبا فردها بقضاء أو بغير قضاء فعلى البائع زكاة الالف لان حق المشترى عند رد الجارية بالعيب يثبت دينا في ذمة البائع ويتخير هو بين اداء الالف وبين اداء ألف أخرى بناء على الاصل المعروف ان النقود لا تتعين في العقود والفسوخ فهذا دين لحقه بعد الحول فلا يسقط عنه شئ من الزكاة

[ 28 ] قال وعلى الراد زكاة خمسمائة درهم لانه تم الحول وفى ملكه الجارية فقط وانما استفادة الزيادة بردها بعد كمال الحول فلهذا لا يلزمه الا زكاة الخمسمائة * فان قيل انما كانت قيمة الجارية خمسمائة حين كانت صحيحة لا عيب فيها فاما مع وجود العيب تكون قيمتها دون الخمسمائة فينبغي أن لا تجب على المشترى زكاة خمسمائة * قلنا مراد محمد رحمه الله تعالى من هذا الجواب ما إذا كانت قيمتها خمسمائة مع وجود هذا العيب على ان المشترى يستحق الرجوع بحصة العيب إذا تعذر رد الجارية فبهذا الطريق يكون الجزء الفائت بسبب العيب كالقائم حكما فلهذا يلزمه زكاة خمسمائة (قال) وان كانت قيمتها ألف درهم فباعها بخمسمائة ثم حال الحول فوجد المشترى بها عيبا فردها فعلى المشترى زكاة ألف درهم لانه تم الحول والجارية في ملكه وهى تساوى ألف درهم فتلزمه زكاة الالف سواء ردها بقضاء أو بغير قضاء لانه مختار في الرد فيكون هذا بمنزلة بيعه اياها بخمسمائة بعد كمال الحول وعلى البائع زكاة خمسمائة لانه تم الحول وفى ملكه خمسمائة ثم استفاد الزيادة بعد ذلك بالرد عليه فلا يلزمه الا زكاة خمسمائة (قال) ولو كان لرجل عبد ثمنه ألف درهم ولآخر جارية ثمنها ألف درهم فتبايعا العبد بالجارية وتقابضا وهما للتجارة جميعا فحال الحول ثم وجد الذى قبض العبد بالعبد عيبا فرده فان كان رده بقضاء قاض وأخذ جاريته فعلى كل واحد منهما زكاة ألف درهم أما الراد فلانه تم الحول وفى ملكه العبد ثم استفاد الزيادة بعد ذلك فلا يلزمه الا زكاة الالف واما المردود عليه فلان عين الجارية استحقت من يده من غير اختياره وذلك مسقط للزكاة عنه فلا يلزمه الا زكاة ما عاد إليه من المالية وذلك ألف درهم (قال) وان ردها بغير قضاء قاض فعلى الراد زكاة الالف لما قلنا وعلى المردود عليه زكاة الالفين لانه تم الحول وفى ملكه جارية قيمتها ألفا درهم ثم أخرجها من ملكه باختياره حين أقال العقد بالعيب بغير قضاء القاضى فيلزمه زكاة الالفين وهذا لان الرد بالعيب بغير القضاء فيلزمه زكاة الالفين وهذا لان الرد بالعيب بغير قضاء بمنزلة الاقالة وهو في حق غيرهما كبيع مستقل وهذا بخلاف ما سبق في الدراهم لان حق الراد هناك لا يتعين في الدراهم المدفوعة فلا يكون ذلك بمنزلة الاستحقاق وهاهنا حق الراد يتعين في الجارية فلهذا جعل بمنزلة الاستحقاق إذا رد العبد بقضاء القاضى ولو كان الذى قبض الجارية هو الذى وجد العيب بها فردها بقضاء أو بغيره فعليه زكاة الالفين لانه هو المختار للرد وقد تم الحول وماله ألفا درهم فلا يسقط عنه

[ 29 ] شئ من الزكاة باخراجها من ملكه باختياره (قال) رجل له جارية للتجارة باعها بألف درهم ثم باعها المشترى من آخر بألف درهم واشتراها كل واحد منهما للتجارة ثم استحقت بعد الحول فعلى المشترى الآخر زكاة ألف درهم ولا زكاة على واحد من البائعين لانها لما استحقت من يد المشترى الآخر فقد استوجب الرجوع بثمنها على بائعها وذلك مال سالم له فعليه زكاته وأما بائعها فقد تبين أنه كان له حق الرجوع على بائعها أيضا بألف درهم فانما كان ماله ألفا وعليه ألف درهم دين للمشترى الآخر فلا تلزمه الزكاة وكذلك الاول كان في يده ألف درهم في الحول وعليه ألف درهم دين للمشترى الاول فلا تلزمه الزكاة ومال المديون لا يكون نصاب الزكاة (قال) رجل له جارية للتجارة بثمن ألفى درهم فباعها بألف درهم بيعا فاسدا واشتراها المشترى بنية التجارة وتقابضا فحال الحول فعلى المشترى أن يردها على البائع بفساد العقد وعلى البائع زكاة ألفي درهم لانها كانت مضمونة على المشترى بقيمتها وقيمتها ألفا درهم فهى بمنزلة المغصوبة وتبين ان مال البائع عند كمال الحول ألفا درهم وعلى المشترى زكاة الالف لان قيمتها دين في ذمته فانما ماله الذى يسلم له ما دفع في ثمنها وهو ألف درهم فلهذا لا يلزمه الا زكاة الالف ويستوى ان ردها بقضاء أو بغير قضاء أو لم يردها ولكن أعتقها المشترى بعد الحول لان المعتبر هو المالية والمالية التي تسلم للبائع عند كمال الحول مقدارها الفان فانه اما أن يرد عليه الجارية أو قيمتها إذا تعذر رد عينها والذى يسلم للمشترى مقدار الالف درهم فيلزمه زكاة الالف (قال) ولو أن رجلا له مائتا درهم فضاع نصفها قبل كمال الحول بيوم ثم أفاد مائة فتم الحول وعنده مائتا درهم فعليه الزكاة لان المعتبر كمال النصاب في آخر الحول مع بقاء شئ منه فيخلال الحول وقد وجد والمستفاد لو كان قبل هلاك بعض النصاب كان مضموما إلى النصاب لعلة المجانسة فكذلك بعد هلاك بعض النصاب لبقاء حكم الحول في الموضعين فان تم الحول ولم يستفد هذه المائة ثم مضت السنة الثانية الا يوما ثم استفاد مائة ثم تم الحول فلا شئ عليه في الحولين لانه تم الحول الاول وماله دون النصاب فلم تلزمه الزكاة ولم ينعقد الحول الثاني على ماله لنقصان النصاب في أول هذا الحول وانما استفاد المائة وليس على ماله حول ينعقد فلا تلزمه الزكاة ولكن ينعقد الحول من حين استفاد المائة لانه تم نصابه الآن فإذا تم الحول من هذا الوقت زكى المائتين (قال) ولو ان رجلا وهب لرجل ألف درهم ثم حال عليها الحول عنده ثم وهبها الموهوب

[ 30 ] له لغيره فعليه زكاتها لانه صار مستهلكا محل حق الفقراء بما صنع حين أخرج المال من ملكه بغير عوض ومراده ما إذا وهبها لغنى فاما إذا وهبها لفقير لم يكن ضامنا شيئا لان الهبة من الفقير صدقة لا رجوع فيها ومن تصدق بجميع المال بعد كمال الحول لم يكن ضامنا للزكاة وان لم ينو الزكاة لانه في مقدار الزكاة أوصل الحق إلى مستحقه فلو رجع فيها الواهب الآخر فضاعت عنده لم يكن عليه فيها زكاة لان بالرجوع يعود إلى قديم ملكه ويخرج به من أن يكون مستهلكا محل حق الفقراء فهلاكه في يده بعد الرجوع كهلاكه في يده قبل الهبة وكذلك لو لم يضع ولكن رجع فيها الاول فلا زكاة على الواهب الثاني ولا على الاول لانها استحقت من يد الثاني بغير اختياره فالدارهم تتعين في الهبة والرجوع فيها ولا زكاة على الاول لانها لم تكن في ملكه حين تم الحول ويستوى ان كان الاول رجع فيها بقضاء أو بغير قضاء عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى وعلى قول سفيان الثوري رحمه الله ليس للواهب الاول أن يرجع في مقدار الزكاة إذا أدى ولكن الموهوب له يتصدق به على الفقراء وقد بينا هذا في كتاب الهبة (قال) ولو كان له عبد للتجارة فحال عليه الحول ثم باعه بمثل قيمته فعليه أداء الزكاة من ثمنه إذا قبضه لانه حول حق الفقراء من محل إلى محل يعد له فلو رده المشترى بخيار الرؤية واسترد الثمن فمات في يد البائع فلا زكاة عليه لان الرد بخيار الرؤية فسخ من الاصل فانما عاد العبد الي قديم ملكه وهلاكه في يده بعد ما عاد إليه كهلاكه قبل البيع وكذلك لو مات العبد قبل أن يقبض المشترى لان البيع ينتقض من الاصل بفوات القبض المستحق بالعقد وكذلك لورده المشرتى بخيار الشرط فمات عند البائع فان خيار الشرط يمنع تمام الصفقة فالرد بحكمه يكون فسخا من الاصل سواء كان بقضاء أو بغير قضاء (قال) رجل له عبد للتجارة فحال الحول وهو عنده ثم تزوج عليه امرأة ودفعه إليها ثم فجر بها ابن زوجها قبل الدخول فعليها رد العبد لان الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول في حكم الفسخ فانما عاد العبد إلى قديم ملك الزوج فيكون هلاكه بعد الاسترداد كهلاكه قبل النكاح وهذا لانه لا بد للملك الجديد من سبب جديد ولم يوجد هنا سبب جديد لملك الزوج في العبد فلا بد من القول بعوده إلى قديم ملكه فلو مات العبد في يدها فهي ضامنه قيمته للزوج لانه تعذر عليها رد العبد بعد تقرر

[ 31 ] السبب الموجب للرد فتلزمها القيمة لانها قبضته على وجه الملك لنفسها بعوض فيدخل المقبوض في ضمانها فلو قبض الزوج منها القيمة فضاعت في يده فعليه الزكاة لانه صار مستهلكا محل حق الفقراء بتصرفه حين تزوج على رقبة العبد فانه أخرجه من ملكه بعوض لا يكون محلا لحق الفقراء فكان ضامنا للزكاة الا أنه متى عاد إلى قديم ملكه يرتفع حكم الاستهلاك به ولم يعد إلى قديم ملكه حتى هلك في يدها فبقى مستهلكا وهلاك القيمة المقبوضة في يده كهلاك مال آخر وهو نظير ما لو اشترى جارية للخدمة ثم هلكت الجارية قبل التسليم فاسترد القيمة لم يكن ضامنا للزكاة ولو كان العبد مات في يد بائع الجارية فاسترد قيمته فهلكت القيمة في يده كان ضامنا للزكاة. ولو كان مكان العبد عنده ألف درهم فحال عليها الحول ثم تزوج امرأة على ألف درهم ودفع إليها ثم قبلت ابن زوجها بشهوة قبل الدخول فردت الالف إلى الزوج فضاعت منه فعليه فيها الزكاة بخلاف ما سبق لان هناك لا يجب عليها رد الالف المقبوضة بعينها ولكن لها الخيار ان شاءت ردت تلك الالف وان شاءت ردت مثلها فلم يخرج الزوج من أن يكون مستهلكا محل حق الفقراء وان ردت عليه تلك الالف وفى الاول عليها رد العبد بعينه فيخرج الزوج من أن يكون مستهلكا بعود العبد إلى قديم ملكه (قال) ولو حال الحول بعد التسليم إليها ثم قبلت ابنه بشهوة فردت عليه الالف فعليها زكاة الالف للسنة الثانية لانه لما لم يلزمها رد الالف بعينها كان هذا دينا لحقها بعد الحول فلا يسقط الزكاة عنها وعلى الزوج الزكاة للسنة الاولى ولا زكاة عليه فيها للسنة الثانية لانها في السنة الثانية كانت في ملك المرأة ويدها وفى مسألة العبد لو نوت هي التجارة وحققت ذلك وحال الحول عندها ثم قبلت ابن الزوج فردت العبد عليه لم يكن عليها زكاة لان عين العبد استحقت من يدها بعد وجوب الزكاة وذلك مسقط للزكاة عنها وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لا تسقط الزكاة عنها هنا لان الفرقة جاءت من قبلها فهى التى اكتسبت سبب زوال ملكها عن العبد فتكون متلفة حق الفقراء فتلزمها الزكاة ولكنا نقول لم يوجد منها صنع في ابطال ملكها في العبد لان صنعها تقبيل ابن الزوج وذلك غير مبطل ملكها العبد ألا ترى أنه لو حصل ذلك منها بعد الدخول لم يبطل ملكها في شئ من العبد ولكن المبطل لملكها انفساخ النكاح وذلك أمر حكمي فلهذا يجعل هذا بمنزلة الاستحقاق من يدها (قال) رجل له ألف درهم ومائة درهم حال عليها الحول

[ 32 ] الاشهرا فزكى الالف عما يستفيده فيما يستقبل ثم أفاد أربعين ألفا وحال عليها لحول فالمعجل يجزئ من زكاة المستفاد وعليه زكاة المائة لان بما عجل لم ينقطع حكم الحول فقد بقى في ملكه بعض النصاب وهو المائة ثم المستفاد مضموم إلى ما بقى عنده في حكم الحول بعلة المجانسة فعند كمال الحول تلزمه الزكاة في الكل وزكاة أربعين ألف درهم ألف درهم وقد عجلها فانما بقى عليه زكاة المائة درهمان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ودرهمان ونصف عندهما وعلى قول زفر رحمه الله تعالى تعجيل الزكاة انما يجوز عن المال القائم في ملكه ولا يجوز عما يستفيده فعليه زكاة المستفاد عند كمال الحول ونحن نقول لما جعل المستفاد بمنزلة الموجود عنده في أول الحول في حكم وجوب الزكاة فيه فكذلك يجعل بمنزلة الموجود عنده في حكم جواز التعجيل فان تم الحول قبل ان يستفيد شيئا ثم أفاد أربعين ألفا فالمعجل لا يجزى من زكاتها ويجزى من زكاة المائة خاصة وهذا غلط لانه تم الحول وفى ملكه مائة درهم فالمعجل قد تم خروجه عن ملكه بالوصول إلى الفقير فلا تجب عليه الزكاة في المائة أصلا إلا ان يكون المعجل يجزى من زكاة المائة ثم حين استفاد أربعين ألفا نعقد الحول على ماله فإذا تم الحول من هذا الوقت كان عليه أن يزكى الكل (قال) ولو كانت له مائة درهم فتصدق بها عما يفيد ثم أفاد ألف درهم من عامه ذلك فالمعجل لا يجزى من زكاته لانه انما عجل قبل كمال النصاب وتعجيل الزكاة قبل النصاب لا يجوز لمعنى وهو ان جواز التعجيل بعد تقرر السبب والسبب هو كمال النصاب فالاداء قبله يكون تعجيلا قبل وجود السبب وذلك باطل بمنزلة أداء الصلاة قبل دخول الوقت والصوم قبل دخول شهر رمضان (قال) فان كانت له مائتا درهم فتصدق بها كلها عما يفيد ثم أفاد عشرة آلاف درهم من عامه ذلك فانه يستقبل بها حولا ولا يجزيه المعجل عما يلزمه من زكاتها لانه لما تصدق بجميعها فقد انقطع حكم الحول إذ لم يبق في ملكه شئ مما انعقد عليه الحول فإذا انقطع حكم الحول كان المؤدى تطوعا ولا يجزيه عما يلزمه من الزكاة من مال آخر باعتبار حول آخر وهذا بخلاف ما لو عجل عن المائتين عشرة دراهم زكاة حولين ثم استفاد عشرة دراهم فمضى حولان فالمعجل يجزيه عن زكاة الحولين جميعا لان هناك قد بقي حكم الحول ببقاء بعض النصاب وملك النصاب الواحد سبب لوجوب الزكاة باعتبار كل حول وحولان الحول شرط لا سبب فلهذا جاز التعجيل أما هنا لم يبق في ملكه شئ مما انعقد عليه الحول وملك ذلك النصاب ليس بسبب لوجوب الزكاة

[ 33 ] في مال آخر مقصودا فلهذا لا يجزى المعجل حتي لو بقى عنده درهم من المائتين ثم استفاد عشرة آلاف فتم الحول تلزمه الزكاة ويجزى المعجل عما يلزمه لانه بقى الحول منعقدا ببقاء جزء من النصاب في ملكه وقد استفاد من جنسه فتم الحول ونصابه كامل فتلزمه الزكاة ويجزيه المعجل عما يلزمه باعتبار هذا الحول (قال) ولو كانت له مائتا درهم فضاع نصفها يعد كمال الحول فعليه أداء درهمين ونصف اعتبارا للبعض بالكل فانه لو ضاع الكل يسقط عنه جميع الزكاة فان ضاع النصف سقط عنه نصف الزكاة ثم هذا على أصلهما واضح فانما يوجبان الكسور في زكاة الدراهم ابتداء فالبقاء أولى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يوجب الكسور في زكاة الدراهم ابتداء ولكن يقول ببقاء الكسور بعد الوجوب لان كمال النصاب معتبر لوجوب الزكاة وهو غير معتبر لبقاء الواجب (قال) رجل له ألف درهم حال عليها خمسة أحوال ثم ضاع نصفها فعليه نصف ما وجب عليه في هذه الخمس سنين وهذا ظاهر لان هلاك النصف معتبر بهلاك الكل وانما الكلام في بيان ما يلزمه فيها في هذه الاحوال فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يلزمه في الحول الاول خمسة وعشرون درهما وفي الحول الثاني أربعة وعشرون درهما لان مقدار خمسة وعشرين درهما صار دينا عليه ودين الزكاة يمنع وجوب الزكاة عنده وهو لا يرى الزكاة في الكسور وانما يلزمه في السنة الثانية زكاة تسعمائة وستين درهما وهكذا في كل سنة لا يعتبر في ماله ما وجب عليه من الزكاة للسنين الماضية والكسور في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يعتبر من ماله ما وجب عليه من الزكاة للسنين الماضية وتعتبر الكسور لانهما يوجبان الزكاة في الكسور ولا يعتبر ان بعد النصاب الاول نصابا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يلزمه في كل سنة خمسة وعشرون درهما لان دين الزكاة عنده لا يمنع وجوب الزكاة في الاموال الباطنة وقد بينا هذا الاصل في كتاب الزكاة (قال) رجل له ألف درهم حال عليها الحول ثم استفاد ألفا أخرى فحال الحول عليها ثم استفاد ألفا أخرى فحال الحول عليها ثم ضاع نصفها فانه يزكى في السنة الاولى نصف المال الاول وفي السنة الثانية ما بقى من نصف المال الاول ونصف المال الآخر وفى السنة الثالثة ما بقى من المال الاول والمال الثاني ونصف المال الآخر كله لان الالف الاولى حال عليها ثلاثة أحوال ثم هلك نصفها فعليه فيها السنة الاولى زكاة نصف الالف وفى السنة الثانية كذلك الا مقدار

[ 34 ] ما وجب فيها للسنة الاولى فان ذلك صار دينا عليه وفى السنة الثالثة كذلك الا مقدار ما وجب عليه للحولين والالف الثانية حال عليها حولان ثم هلك نصفها فعليه أن يزكى للحول الاول نصفها وللحول الثاني كذلك الا مقدار ما وجب عليه للحول الاول والالف الثالثة حال عليها حول واحد ثم هلك نصفها فعليه أن يزكي نصفها لان هلاك بعض المال بعد وجوب الزكاة معتبر بهلاك الكل (قال) ولو أن رجلا له أربعون ألف درهم حال عليها الحول ثم أخرج ألف درهم منها يزكيها فتصدق بخمسمائة درهم ثم ضاع عشرون ألف درهم من المال وبقى تسعة عشر ألفا وهذه الخمس مائة التى بقيت من الالف التى أخرجها للزكاة فالخمس مائة التي زكى عن تسعة وثلاثين ألفا وخمسمائة لانه حين أدى كان في ملكه تسعة وثلاثين ألفا سوى الالف التى أخرجها للزكاة فإذا ضمت هذه الخمسمائة المؤداة إلى تسعة وثلاثون ألفا كان الكل تسعة وثلاثين ألفا وخمسمائة وانما قصد أداء الزكاة عن جميع ذلك فلهذا تتوزع تلك الخمسمائة على هذه الجملة فما أصاب عشرين ألفا التي هلكت بطل عنه لانه أدى بعض زكاتها وهلك البعض وما أصاب تسعة عشر ألفا وخمسمائة يحتسب له من زكاتها ويؤدى ما بقى من زكاتها اعتبارا لهلاك البعض بهلاك الكل (قال) ولو ان رجلا له ثلثمائة درهم فحال عليها ثلاثة أحوال ثم ضاع نصفها فانه يزكي خمسين ومائة درهم لسنة واحدة وهذا انما يستقيم على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان عنده النصاب الاول يجعل أصلا ويجعل الهلاك فيما زاد على النصاب الاول كان لم يكن فكأنه كان في ملكه في الاحوال الثلاثة مائتا درهم فلا يجب فيها الا خمسة دراهم للحول الاول ثم هلك ربعها فيسقط عنه ربع الواجب ويبقى ثلاثة ارباعه أما على قول محمد وهو رواية عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى يجمع بين ما وجب عليه في الاحوال الثلاثة ثم يسقط نصف ذلك بهلاك نصف المال ويبقى النصف لبقاء نصف المال (قال) ولو ان رجلا تصدق بمال لا ينوى به زكاته فانه لا يجزيه من زكاته لقوله صلى الله عليه وسلم ولكل امرئ ما نوى ولان الزكاة عبادة مقصودة فلا تتأدى بدون النية ومراده إذا تصدق بمال آخر سوى النصاب فاما إذا تصدق بجميع النصاب الذى وجبت فيه الزكاة فانه يسقط عنه الزكاة نوى أو لم ينو استحسانا لان الواجب جزء منه وقد أوصله إلى مستحقه فان تصدق ببعض النصاب ففيه اختلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عند أحدهما لا يسقط شئ

[ 35 ] من الزكاة وعند الآخر يسقط عنه مقدار زكاة المؤدى وقد بينا هذا في كتاب الزكاة (قال) وان تصدق رجل عنه بأمره من مال نفسه جاز لان الصدقة تجزئ فيها النيابة فأداء الغير بأمره كأدائه بنفسه وهذا لحصول المقصود به وهو اغناء المحتاج ثم لا يكون للمؤدى أن يرجع عليه بدون الشرط بخلاف ما لو قضى دينه بأمره فان الدين كان واجبا في ذمته وكان هو مطلوبا به مجبرا على قضائه فإذا ملكه المؤدى ببدل أداه من عند نفسه بأمره رجع به عليه ولا يوجد مثله في الزكاة فانه كان مخيرا بأدائه ولا يجبر عليه في الحكم فلم يكن المؤدى مملكا شيئا منه فلا يرجع عليه بدون شرط كما لو عوض عن هبته بأمره وإن تصدق عنه بغير أمره لم يجزه عن الزكاة لانعدام النية منه وهذا لان معنى الابتلاء مطلوب في العبادة وذلك لا يتحقق بأداء الغير بدون أمر من وجبت عليه الزكاة (قال) لو أن رجلا له جارية للتجارة حال عليها الحول وهي تساوى مائتي درهم فصارت تساوى أربعمائة درهم ثم اعورت فصارت قيمتها مائة درهم فعليه أن يؤدى الزكاة عن مائة درهم لان الزيادة الحادثة كانت تبعا للاصل فيجعل ما هلك من الزيادة أولا ويصير ذلك كأن لم يكن فكأنها اعورت حين كان قيمتها مائتي درهم وتراجعت قيمتها إلى مائة فيسقط عنه نصف الزكاة باعتبار ما هلك ويبقى النصف باعتبار ما بقى. ولو كانت عنده جارية قيمتها مائتا درهم حال عليها الحول ثم باعها بثلثمائة درهم ثم توت منه مائتا درهم فعليه أن يزكى المائة لان الربح كان تبعا للاصل فما توى من الربح صار كأنه لم يكن وكأنه باعها بمائتين فتوت مائة واستوفى مائة فيلزمه زكاة المائة اعتبارا للبعض بالكل (قال) رجل له ألف درهم على غنى أو فقير فحال عليها الحول ثم تصدق بها عليه أو أبرأه منها فلا زكاة عليه فيها ولا تجزيه من زكاة غيرها وان نوى ذلك وقد بينا ان أداء الدين بزكاة المال العين لا يجوز لان العين أكمل من الدين في المالية اما زكاة هذه الالف فلا اشكال انها تسقط عنه إذا كان المديون فقيرا لانه أوصل الحق إلى مستحقه وان كان المديون غنيا فكذلك الجواب في رواية هذا الكتاب وفى رواية الجامع قال يكون ضامنا زكاتها. وجه تلك الرواية انه لو كان المال عينا في يده فوهبه من غنى بعد وجوب الزكاة عليه صار مستهلكا حق الفقراء ضامنا للزكاة فكذلك إذا كان دينا فابرأه منه لانه لا حق في الزكاة للغنى فلا يكون في فعله ايصال الحق إلى مستحقه. وجه هذه الرواية ان أداء الزكاة عن الدين

[ 36 ] لا يجب الا بعد القبض وحين أبرأه المديون منه فقد انعدم القبض فلا يلزمه أداء الزكاة عنه والا صح ما ذكر في الجامع انه بالابراء صار مبطلا الدين بتصرفه فيكون بمنزلة القابض المستهلك كالمشترى إذا أعتق المبيع قبل القبض يصير قابضا حتى يتقرر عليه جميع الثمن ولو تصدق بها على فقير آخر وأمره بقبضها منه ينوى عن زكاته فان ذلك يجزيه لان ذلك الفقير وكيل من جهته في القبض فكأنه قبضها بنفسه ثم تصدق بها عليه ينوى من زكاته وكذلك ان قبضها ثم تصدق بها على المديون وهو ينوى من زكاته فانه يجزيه إذا كان فقيرا كما لو تصدق بها على غيره وان كان غنيا وهو يعلم بذلك لم يجزه عن الزكاة ويكون ضامنا زكاة هذه الالف على الروايتين جميعا اما على رواية الجامع فلا يشك فيه وعلى رواية هذا الكتاب فلانه بالقبض وجب عليه أداء الزكاة فكان هبته منه كهبته من غنى آخر وان كان لا يعلم بغناه ثم علم بعد الاداء إليه فذلك يجزيه من الزكاة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى خلافا لابي يوسف رحمه الله تعالى ومراده إذا تحرى ودفع إليه على انه فقير وقد بينا هذا في كتاب التحرى وكذلك لو كان المتصدق عليه ذميا فان دفع الزكاة إلى الذمي مع العلم لا يجوز كدفعه إلى الغنى. وان تصدق بها على والده أو ولده أو زوجته أو تصدقت المرأة بذلك على زوجها وهم لا يعلمون بذلك ثم علموا فانه لا يجزيهم من الزكاة في رواية هذا الكتاب وفى رواية كتاب الزكاة والتحرى قال يجزى ذلك في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى واستدلا فيه بحديث معن بن يزيد وقد بينا وجه تلك الرواية ووجه هذه الرواية ان النسب وان كان طريق معرفته في الاصل الاجتهاد فانه بمنزلة المقطوع به شرعا ولهذا لو نفى نسب رجل عن أبيه لزمه الحد فانما تحول من اجتهاد إلى يقين ولا معتبر بالاجتهاد بعد اليقين كما لو قضى القاضي في حادثة باجتهاده ثم ظهر نص بخلافه بخلاف مسألة الغنى لان الغنى والفقير مما لا يمكن الوقوف على حقيقته فانما تحول هناك من اجتهاد إلى اجتهاد وكذلك لو تصدق به على عبد أبيه أو أمه وهو لا يعلم به ثم علم بعده لم يجزه عندهم جميعا وهذا على رواية هذا الكتاب فان التصدق بالزكاة على عبده بمنزلة التصدق على مولاه ولهذا لو تصدق به على عبد غنى وهو يعلم به فانه لا يجزيه ولو تصدق به على حربى دخل الينا بامان أو بغير أمان لم يجزه على رواية هذا الكتاب إذا كان لا يعلم به وفى رواية كتاب الزكاة جعله بمنزلة التصدق به على الذمي فقال يجزيه في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ووجه هذه الرواية ان التصدق على

[ 37 ] الحربى لا يكون قربة الا ترى انه لا يتنفل به وقد نهينا عن مبرة أهل الحرب قال الله تعالى انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين فلا يقع فعله موقع الصدقة بخلاف التصدق به على الذمي فانه يقع موقع الصدقة لانا لم ننه عن المبرة مع من لا يقاتلنا ولهذا جاز التنفل به (قال) ولو دخل مسلم دار الحرب بأمان فمكث فيها سنتين فعليه الزكاة في المال الذى خلف وفيما أفاد في دار الحرب لانه مخاطب بحكم الاسلام حيث ما يكون الا أن ماله الذى خلف في دار الاسلام إذا كان من السوائم فللسلطان حق أخذ الزكاة منه بخلاف ما أفاد في دار الحرب لان فيما أفاد في دار الحرب قد انعدمت الحماية من إمام المسلمين فلا يكون له أن يأخذ الزكاة منها ولكن يعنى من عليه بالاداء إلى فقراء المسلمين الذين يسكنون في دار الاسلام بخلاف ما إذا وجبت عليه الزكاة في دار الاسلام فانه يؤمر بالدفع إلى أهل بلده لان فقراء أهل بلده لهم حق المجاورة مع الحاجة وقد بينا هذا في كتاب الزكاة فأما في دار الحرب قل ما يجد فقراء المسلمين ولو وجدهم فالفقراء الذين يسكنون في دار الاسلام أفضل من الذين يسكنون في دار الحرب وقد بينا أن من في دار الاسلام لو نقل صدقة بلده إلى فقراء بلدة أخرى هم أفضل من فقراء أهل بلدته فذلك أولى به ولو أن رجلا له مائة درهم وسيف فيه فضة مائة درهم ولا مال له غيره فعليه فيه الزكاة لان وجوب الزكاة في الفضة باعتبار العين فحلية السيف وغيرها من ذلك سواء في تكميل النصاب به (قال) ولو كانت له أو ان من الذهب والفضة للاستعمال لا للتجارة فعليه فيها الزكاة بخلاف اللؤلؤ والياقوت والجواهر إذا لم تكن للتجارة فانه لا زكاة فيها لان وجوب الزكاة فيها باعتبار معنى النماء ولا يتحقق ذلك الا بنية التجارة فيها كسائر العروض فأما وجوب الزكاة في الذهب والفضة باعتبار عينها والعين لا تتبدل بالصنعة ولا بالاستعمال ثم لم يبين هنا ولا في كتاب الزكاة انه كيف يؤدى الزكاة من الاواني المصوغة. وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا كان له اناء مصوغ من الفضة وزنه مائتا درهم فاما أن يتصدق بربع عشره على فقير فيكون شريكا له في ذلك أو يؤدى قيمة ربع عشرة من الذهب فان أدى خمسة دراهم لم يسقط عنه جميع الزكاة وعليه أن يؤدى فضل القيمة وهذا صحيح على أصل محمد وزفر رحمهما الله تعالى في اعتبار القيمة فيما يؤدى مع المجانسة فانه لا ربا في أداء الزكاة فأما على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان أدى خمسة دراهم تسقط عنه

[ 38 ] الزكاة لانه يعتبر الوزن دون الجودة والصنعة فان أدى قيمة خمسة دراهم من الذهب لم يسقط عنه جميع الزكاة لان عند اختلاف الجنس تعتبر القيمة فلا بد من أداء الفضل (قال) رجل له مائتا درهم فقال هي في المساكين صدقة ان كلمت فلانا فكلمه ثم حال عليها الحول فعليه فيها الزكاة لانه وان لزمه التصدق بها بحكم النذر فملكه كامل فيها فان ديون الله تعالى لا تمكن نقصانا في الملك خصوصا ما لا تتوجه المطالبة به بحال فلا يمنع ذلك وجوب الزكاة في ماله بخلاف دين الزكاة فان تصدق بها عما أوجب على نفسه فعليه زكاتها خمسة دراهم لانه صرف حق الفقراء إلى حاجته فان الوفاء بالنذر من جملة حاجته فهو بمنزلة انفاقه المال على نفسه فيكون ضامنا للزكاة وان تصدق بخمسة دراهم منها ينوى عن زكاتها ثم تصدق بما بقى مما أوجب على نفسه فعليه خمسة دراهم يتصدق بها لان التصدق بالخمسة الاولى كان عن الزكاة دون النذر فانه نواها عن الزكاة وللمرء ما نوى ثم تصدق عن نذره بمائة وخمسة وتسعين وانما التزم التصدق بمائتين عن نذره فعليه ان يؤدى خمسة أخرى. وان ضاع المال بعد الحول فلا شئ عليه من الزكاة ولا مما أوجب على نفسه لان كل واحد منهما كان غنيا في هذا المحل فلا يبقى بعد فوات المحل بخلاف ما سبق لان هناك وجد منه تصرف وهو الاداء ولا وجه لتجويز المؤدى عنهما جميعا لان المحل الواحد لا يتسع لذلك فجعلنا المؤدى عما نواه وصار هو في حق الآخر كالمستهلك للمحل وهنا لم يوجد منه تصرف وانما فات المحل لضياع المال ومعنى فوات المحل يتحقق في كل واحد من الحقين فلهذا لا يلزمه شئ آخر (قال) ولو ان أم ولد لرجل لها حلي من ذهب أو فضة فعلى المولى أن يزكى ذلك مع ماله إذا حال الحول لان أم الولد في حكم الملك كالامة القنة فكسبها وما في يدها يكون ملكا للمولى وكذلك كسب العبد الذى لا دين عليه فان كان على العبد دين كثير محيط بما في يده فلا زكاة على سيده فيما في يده اما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فلان المولى لا يملك ما في يده واما عندهما فلان ما في يده مشغول بحق الغرماء والمال المشغول بالدين لا يكون نصاب الزكاة فان كان في يده أكثر مما عليه فالفضل مملوك للمولى فارغ عن حق الغرماء فيضمه إلى ماله ويزكيه ولكن هذا بعد ما يقضى العبد ديونه لانه لا يسلم للمولى شئ من كسبه قبل قضاء ديونه فإذا قضى ديونه فالآن يسلم الفضل للمولى فيؤدى الزكاة عنه بمنزلة مال له على رجل فقضاه فانه يلزمه أداء الزكاة عنه بعد الاستيفاء

[ 39 ] (قال) والمجنون إذا كان له مال فحال عليه الحول ثم برأ فلا زكاة عليه للحول الماضي سواء كان مجنونا جنونا أصليا أو جنونا طارئا وان أفاق في يوم من الحول في أوله أو في آخره فعليه الزكاة قال وهو بمنزلة رمضان يعنى إذا كان مفيقا في يوم من رمضان في أوله أو في آخره فعليه صوم جميع الشهر ويتبين بما ذكر هنا ان في الصوم لا فرق بين الجنون الاصلى والجنون الطارئ وقد بينا اختلاف الروايات فيه في كتاب الصوم والذي قال هنا في كتاب الزكاة قول محمد رحمه الله تعالى وهو رواية ابن سماعة عن أبى يوسف رحمه الله تعالى وروى هشام عن أبى يوسف ان المعتبر أكثر الحول وقال ان كان مفيقا في أكثر الحول تلزمه الزكاة وان كان مجنونا في أكثر الحول لا تلزمه الزكاة وقاس الاهلية فيمن تجب عليه بالمحلية فيما تجب فيه الزكاة وهى السائمة فان صاحب السائمة إذا كان يعلفها بعض الحول اعتبرنا فيه أكثر الحول فان كانت سائمة في أكثر الحول تجب فيها الزكاة والا فلا وهذا لان الاقل تبع للاكثر وللاكثر حكم الكل الا ترى ان الذمي إذا كان صحيحا في أكثر السنة تلزمه الجزية وان كان مريضا في أكثر السنة لا تلزمه الجزية وجه ظاهر الرواية ان الحول للزكاة كالشهر للصوم ثم لو أدرك جزء من الشهر مفيقا يلزمه صوم جميع الشهر فكذلك إذا أدرك جزء من الحول مفيقا تلزمه الزكاة والدليل عليه المستفاد فان وجود المستفاد في ملكه في جزء من الحول وان قل كوجوده في جميع الحول في حكم الزكاة فكذلك حكم الافاقة (قال) والاجير والمضارب وصاحب البضاعة والمستودع والعبد والمكاتب لا يعتبر أحد من هؤلاء أما الاجير وصاحب البضاعة والمستودع فلانهم أمناء لا حق لهم في المال والعاشر انما يأخذ الزكاة وذلك لا يكون الا بنية صاحب المال وأدائه أو أمره بذلك ولم يوجد وأما المضارب ففي قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الاول يأخذ العاشر منه الزكاة وفى قوله الآخر لا يأخذ نص عليه في الجامع الصغير قال يعقوب ولا أعلمه رجع في العبد وقياس قوله الآخر يوجب ان لا يعتبر العبد أيضا وهنا نص على التسوية بين العبد والمضارب فعرفنا ان الصحيح رجوعه في العبد أيضا وأما المكاتب فلا شك ان العاشر لا يأخذ منه شيئا لانه لا مالك لكسبه فالمكاتب ليس من أهل الملك والمولى لا يملك كسبه ما بقى عقد الكتابة فلا يأخذ منه شيئا سواء كان السيد معه أو لم يكن فأما المتفاوضان والشريكان شركة عنان فعلى كل واحد منهما أن يزكى نصف ما في أيديهما لان ملك كل واحد منهما في

[ 40 ] النصف المشترك كامل وان أخذ العاشر من المضارب شيئا فكذلك لا يجزئ رب المال من زكاته لان العاشر غاصب فيما أخذ منه بغير حق ومن عليه الزكاة إذا غصب بعض ماله لم يجزه ذلك من الزكاة ولا ضمان على المضارب لانه أمين أخذ منه المال بغير اختياره ولكن لا ربح له حتى يستوفي رب المال ماله لان ما أخذه العاشر تاو فكأنه هلك بعض المال من يد المضارب وان كان المضارب هو الذى دفع ذلك إليه كان ضامنا لرب المال ما دفعه إليه لانه خائن في دفع المال إلى غير من أمر بالدفع إليه (قال) ولو أن أحد المتفاوضين أو أحد الشريكين شركة عنان أدى الزكاة عن المال كله بغير اذن الشريك فهو ضامن لنصيب الشريك فيما أدى لان كل واحد منهما نائب عن صاحبه في التجارة واستنماء المال لا في أداء الزكاة فكان متعديا فيما أدى من نصيب الشريك وذلك لا يجزئ من زكاة الشريك لانعدام نيته وأمره فان كان كل واحد منهما فعل ذلك كان كل واحد منهما ضامنا لصاحبه نصيبه فيتعاوضان ويكون كل واحد منهما متطوعا فيم أدى زيادة على ما عليه حتى لا يرجع واحد منهما على الفقير بشئ وان كان واحد منهما أمر صاحبه بأداء الزكاة عن جميع المال فان أدى أحدهما جاز المؤدى عن زكاتهما وان أديا جميعا معا فكل واحد منهما يكون مؤديا زكاة نصيبه ولا رجوع لواحد منهما على صاحبه بشئ سواء أديا من المال المشترك أو أدى كل واحد منهما من خالص ماله فان أدى أحدهما أولا من خالص ملكه لم يرجع على صاحبه بشئ الا أن يكون كل واحد منهما شرط عند الامر أن يرجع عليه بما يؤدى عنه وقد بينا هذا في المأمور إذا لم يكن شريكا فكذلك إذا كان شريكا في المال وان أدى أحدهما من المال المشترك ثم أدى الآخر من المال المشترك أيضا فالثاني ضامن لنصيب صاحبه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى سواء علم بذلك أو لم يعلم وعندهما لا يكون ضامنا سواء علم بأدائه أو لم يعلم نص عليه في الزيادات وفى كتاب الزكاة فرق بين أن يعلم بأدائه أو لم يعلم وقد بينا المسألة هناك (قال) ولو أن رجلين بينهما عبد قيمته ألف درهم فأعتقه أحدهما وهو معسر فاستسعى الآخر العبد في حصته وأخذها منه بعد حول فلا زكاة عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان من أصله أن المستسعى في بعض قيمته مكاتب وما عليه بمنزلة بدل الكتابة ولا زكاة في بذل الكتابة حتى يحول عليه الحول بعد القبض وأما عندهما المستسعي في بعض قيمته حر عليه دين لان العتق عندهما لا يتجزى فتجب الزكاة فيه قبل القبض

[ 41 ] ويلزمه الاداء إذا قبضة بمنزلة دين له على آخر فان كان المعتق موسرا فضمنه الشريك نصف قيمته وقبضه بعد الحول تلزمه الزكاة عندهم جميعا لانه صار مملكا نصيبه من شريكه باختياره تضمينه فهو بمنزلة ما لو ملك نصيبه بالبيع بالدراهم إذا قبض الثمن بعد الحول تلزمه الزكاة لما مضى (قال) ولو أن رجلا ورث عن أبيه ألف درهم فأخذها بعد سنين فلا زكاة عليه لما مضى في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الآخر وفي قولهما عليه الزكاة لما مضى ففي هذه الرواية جعل الموروث بمنزلة الدين الضعيف مثل الصداق وبدل الخلع وفى ذلك قولان لابي حنيفة رحمه الله تعالى فكذلك في هذا وفي كتاب الزكاة جعل الموروث كالدين المتوسط عند أبى حنيفة رحمه الله وهو ثمن مال البذلة والمهنة فقال إذا قبض نصابا كاملا بعد كمال الحول تلزمه الزكاة لما مضي وجه تلك الرواية ان الوارث يخلف المورث في ملكه وذلك الدين كان مال الزكاة في ملك المورث فكذلك في ملك الوارث ووجه هذه الرواية أن الملك في الميراث يثبت للوارث بغير عوض فيكون هذا بمنزلة ما يملك دينا عوضا عما ليس بمال وهو الصداق فلا يكون نصاب الزكاة حتى يقبض يوضحه ان الميراث صلة شرعية والصداق للمرأة في معنى الصلة أيضا من وجه قال الله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة أي عطية وما يستحق بطريق الصلة لا يتم فيه الملك قبل القبض فلا يكون نصاب الزكاة (قال) ولو باع جارية بألف درهم لغير التجارة فأخذها بعد سنين فعليه الزكاة لما مضى عندهم جميعا وهذا ذكره في كتاب الزكاة وذكر ابن سماعة ان على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا تلزمه الزكاة حتى يحول عليه الحول بعد القبض قال الكرخي وهو الصحيح وقد بينا وجه الروايتين في كتاب الزكاة ثم على هذه الرواية ما لم يقبض مائتين لا تلزمه الزكاة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى بخلاف الدين الذى هو عوض عن مال التجارة فانه إذا قبض منه أربعين درهما تلزمه الزكاة لان أصل ذلك المال كان نصاب الزكاة فعوضه يكون بناء في حكم الزكاة ونصاب البناء يتقدر بأربعين درهما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهنا أصل هذا المال لم يكن مال الزكاة فكان ثمنه في حكم الزكاة أصلا مبتدأ ونصاب الابتداء يتقدر بمائتين فلا يلزمه أداء الزكاة ما لم يقبض مائتين وعندهما إذا قبض شئا قليلا أو كثيرا تلزمه الزكاة بقدر ما قبض في الديون كلها وقد بينا هذا في كتاب الزكاة (قال) ولو ان رجلا أوصى لرجل بوصية ألف درهم فمكمث سنين ثم بلغه فقبل الوصية ثم أخذها فلا زكاة عليه لما مضى لان

[ 42 ] الموصى به لا يدخل في ملك الموصى له قبل قبوله فلا يكون نصاب الزكاة في حقه وعلى قياس قول زفر رحمه الله تعالى ينبغي ان تلزمه الزكاة لما مضى لان عنده الموصي به يدخل في ملك الموصى له قبل قبوله بمنزلة الميراث فان قبلها ثم حال الحول قبل ان يقبضها فلا زكاة عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعليه الزكاة لما مضي في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وهذا لان الموصى به انما يملكه الموصى له بطريق الصلة فلا يتم ملكه فيه الا بالقبض في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ومن أصحابنا من قال مسألة الوصية بعد قبول الموصى له نظير مسألة الميراث وفيها رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى كما بينا في الميراث ولا صح ان في مسألة الوصية الرواية واحدة انه لا تجب عليه الزكاة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الآخر بخلاف الميراث على رواية كتاب الزكاة لان ملك الموصي له بناء على ملك الموصى حتى لا يرد بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصى فاما ملك الوارث ينبني على ملك المورث فلهذا اعتبر هناك ملك المورث وجعله نصاب الزكاة قبل القبض واعتبر هاهنا ملك الموصى له ابتداء فلم يجعله نصاب الزكاة ما لم يتم ملكه بالقبض (قال) ولو أن رجلا له ألف درهم وخاتم فضة في أصبعه فيه درهم فحال الحول على المال غير شهر ثم ضاع المال وبقى الخاتم ثم استفاد ألفا وتم الحول فعليه ان يزكى المال لان فضة الخاتم كانت مضمومة إلى الالف في حكم النصاب فيبقى الحول ببقائها وان ضاع الالف على ما بينا أن بقاء جزء من النصاب يكفي لبقاء الحول فانما استفاد الالف والحول باق فتلزمه الزكاة إذا تم الحول لوجود كمال النصاب في طرفي الحول مع بقاء شئ منه في خلال الحول ولو لم يكن له خاتم والمسألة بحالها فانه يستقبل الحول على المستفاد منذ ملكه لانه هلك جميع النصاب حين ضاع المال الاول فلم يبق الحول الاول منعقدا لان البقاء يستدعي جزء من النصاب فان وجد درهما من الدراهم الاول قبل الحول بيوم ضمه إلى ما عنده فيزكى الكل وكذلك ان وجد البقية بعد ما زكى فعليه أن يزكى كلها وان لم يكن له خاتم لان بالضياع لا ينعدم أصل الملك وانما تنعدم يده وتمكنه من التصرف فيه فإذا ارتفع ذلك قبل كمال الحول بأن وجد كله أو بعضه صار الضياع كأن لم يكن فكأنه كان في يده حتى وجد الالف الاخرى وتم الحول فتلزمه الزكاة عن الكل وهو نظير ما لو وجب عليه دين مستغرق في خلال الحول ثم سقط الدين قبل تمام الحول فانه يلزمه أداء الزكاة إذا تم الحول وان كان انما وجد ما ضاع بعد الحول

[ 43 ] فلا زكاة عليه فيها حتى يكمل الحول فيه منذ استفاد المال لانه لما تم الحول والمال الاول تاو لم يجب عليه شئ باعتباره وانما انعقد الحول على ماله من حين استفاد وان كانت ضاعت الالف الاولى بعد الحول وبقى الخاتم فعليه الزكاة في الخاتم بقدر حصته لانه كان مضموما إلى ماله ووجبت الزكاة فيه ولما تم الحول ثم هلك بعض ماله بعد وجوب الزكاة وبقى البعض فعليه أن يؤدى من الباقي حصته (قال) فان مر على العاشر بمائتي درهم غير درهم وفي يده خاتم فضة فيه درهم فان العاشر يأخذ منه الزكاة لان المعتبر كمال النصاب فيما يمر به على العاشر وقد وجد فان الخاتم من نصابه وان لم يكن في يده خاتم فلا زكاة عليه ولا يأخذ منه العاشر شيئا وان أخبره بمال آخر له في بيته لانه انما يعتبر كمال النصاب في المال الممرور به عليه ولم يوجد وهذا لان ثبوت حق الاخذ للعاشر باعتبار حاجة صاحب المال إلى الحماية وذلك في المال الممرور به عليه دون الذى خلفه في بيته فإذا كان الممرور به عليه نصابا كاملا يأخذ منه الزكاة والا لم يأخذ منه شيئا قال ولو أن رجلا وهب لرجل ألف درهم فحال عليها الحول ثم رجع فيها الواهب بقضاء أو بغير قضاء فلا زكاة فيها على الواهب لانها لم تكن في ملكه ولا على الموهوب له لان مال الزكاة استحق من يده بعد كمال الحول بعينه ويستوى فيه الرجوع بقضاء أو بغير قضاء لان حق الواهب في الرجوع مقصور على العين فيستوى فيه القضاء وغير القضاء بمنزلة الاخذ بالشفعة وان لم يحل عليها الحول عند الموهوب له حتى استفاد ألف درهم ثم رجع فيها الواهب بقضاء أو بغير قضاء فلا زكاة عليه فيها لما قلنا ويزكي الموهوب له المال المستفاد إذا تم الحول (قال) في الكتاب إذا مضى تمام حول منذ ملكها فمن أصحابنا من يقول إن بالرجوع في الهبة يبطل ملك الموهوب له من الاصل فيقطع حكم ذلك الحول ويعبر مضى حول على المستفاد من حين ملكه (قال) الشيخ الامام شمس الائمة رحمه الله تعالى والاصح عند أنه إذا تم الحول من حين ملك الموهوب فعليه زكاة المستفاد لان الحول كان انعقد من حين ملك الموهوب فحين استفاد ألفا كانت هذه الالف مضمومة إلى أصل النصاب في حكم الحول ثم لما رجع الواهب في الموهوب صار كأن ذلك القدر هلك من ماله فيبقى الحول ببقاء المستفاد ويلزمه أداء الزكاة عند تمام الحول عما هو باق وهذا لان الرجوع في الهبة ينهي ملك الموهوب له فالملك ثبت له في الهبة إلى ان يرجع الواهب فيه ولهذا لو كان الموهوب جارية

[ 44 ] فوطئها ثم رجع فيها الواهب فليس على الموهوب له عقرها ولو ولدت ولدا ثم رجع فيها الواهب بقى الولد سالما للموهوب له فعرفنا ان الرجوع في الهبة في حق الموهوب له بمنزلة الهلاك (قال) رجل له أرض أجرها ثلاث سنين كل سنة بثلثمائة درهم ولم يأخذ الاجرة حتى مضت المدة ثم أخذها جملة واحدة فنقول إذا مضى ثمانية أشهر من وقت العقد انعقد الحول على ماله لان الاجرة لا تملك بنفس العقد وانما تملك بالتعجيل أو باستيفاء المنفعة ولم يوجد التعجيل هنا فانما يملك بحسب ما يستوفي من المنفعة شيئا فشيئا فإذا مضت ثمانية أشهر فقد ملك مائتي درهم ولا ينعقد الحول على ماله الا بعد كمال النصاب فإذا مضى بعد ذلك اثنى عشر شهرا وجب عليه زكاة خمسمائة درهم لانه ملك في هذه المدة من الاجرة ثلمثائة أخرى وذلك مستفاد في خلال الحول فانما تم الحول وفى ملكه خمسمائة فلهذا يلزمه زكاة خمسمائة ثم إذا مضت سنة بعد ذلك فعليه زكاة ثمانمائة الا مقدار ما وجب عليه من زكاة الخمسمائة لانه قد ملك بمضي الحول الثاني ثلثمائه أخرى فتم الحول الثاني وماله ثمانمائة الا ان ما وجب عليه من زكاة الخمسمائة دين فلا يعتبر ذلك القدر من ماله في الحول الثاني وذلك الكسور في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما تعتبر الكسور وهذا على الرواية التي يوجب فيها الزكاة في الاجرة قبل القبض وهو رواية هذا الكتاب والجامع والامالي وذكر أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان الاجرة بمنزلة الصداق لا تجب فيها الزكاة حتى بحول الحول عليها بعد القبض لان المنفعة ليست بمال ولكن الرواية الاولى أصح لان المنفعة تأخذ حكم المالية بالعقد ولهذا لا يثبت الحيوان دينا في الذمة بمقابلتها ثم على هذه الرواية في وجوب أداء الزكاة عند القبض روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في احدى الروايتين ما لم يقبض مائتين لا يلزمه أداء الزكاة لان المنافع وان أخذت حكم المالية بالعقد فانها لا تكون نصاب الزكاة بحال فكانت الاجرة بمنزلة ثمن مال البذلة والمهنة فلا يلزمه أداء الزكاة ما لم يقبض مائتين وفى الرواية الاخرى قال إذا قبض منها أربعين درهما فعليه أداء الزكاة لان المنفعة في حكم التجارة بمنزلة العين فكانت الاجرة بمنزلة دين هو ثمن مال التجارة فإذا قبض منها أربعين درهما يلزمه أداء درهم فان كان أجرها كل سنة بمائتي درهم لم ينعقد الحول ما لم يمض كمال السنة لانه انما ملك مائتي درهم عند مضى سنة فإذا مضت سنة أخرى زكى اربعمائة درهم لان بمضي السنة الثانية ملك مائتي

[ 45 ] درهم أخرى من الاجر فانما تمت السنة وفي ملكه اربعمائة درهم ثم إذا مضت سنة أخرى فعليه زكاة ستمائة لانه تم الحول وفى ملكه ستمائة الا أنه يطرح ما وجب عليه من الزكاة للسنة الماضية وهو عشرة دراهم والكسور في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أيضا فانما يزكى عنده للسنة الثانية خمسمائة وستين درهما (قال) رجل له على رجل ألف درهم ضمنها رجل بغير أمره فحال الحول على ماله ثم أبرأ منه الاصيل فلا زكاة على الذى كان له المال ولا على الضامن وان كان له ألف درهم أما الذى له أصل المال فقد بينا أنه بعد الابراء لا يكون ضامنا للزكاة على رواية هذا الكتاب سواء كان المديون غنيا أو فقيرا وأما على الضامن فلان المال قد وجب دينا في ذمته بالضمان ولم يكن له حق الرجوع على الاصيل عند الاداء لانه ضمن بغير أمره فكان عليه الدين بقدر ماله في جميع الحول ومال المديون لا يكون نصاب الزكاة فلهذا لا تلزمه الزكاة وان سقط عنه الدين بالابراء بعد كمال الحول والله أعلم (باب زكاة الارضين والغنم والابل) (قال) رحمه الله تعالى رجل له أرض عشرية فمنحها لمسلم فزرعها فالعشر على المستعير لان العشر يجب في الخارج والخارج سلم للمستعير بغير عوض التزمه فيكون هذا والخارج من ملكه في حقه سواء. وروى ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان العشر على المعير لانه مؤنة الارض النامية فيجب على مالك الارض كالخراج الا انه فرق ما بين العشر والخراج انه يعتبر في العشر حصول النماء حقيقة وقد وجد ذلك الا ان المعير آثر المستعير على نفسه في تحصيل النماء فيكون مستهلكا محل حق الفقراء بمنزلة ما لو زرع الارض لنفسه ثم وهب الخارج من غيره (قال) ولو منحها لرجل كافر فعشرها على رب الارض وهذا يؤيد رواية ابن المبارك والفرق بين الفصلين في ظاهر الرواية ان هنا منحها من لا عشر عليه لان في العشر معنى الصدقة والكافر ليس من أهلها فيصير به مستهلكا محل حق الفقراء وفى الاول انما محنها لمسلم وهو من أهل ان يلزمه العشر فلا يصير مستهلكا بل يكون محولا حقهم من نفسه إلى غيره (قال) ولو غصبها مسلم فزرعها فان كان الزرع نقصها فالعشر على ربها لان الغاصب ضامن لنقصان الارض وذلك بمنزلة الاجرة يسلم لرب الارض فيلزمه العشر في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما العشر في الخارج بمنزلة مالو أجرها من

[ 46 ] مسلم وان لم ينقصها الزرع فلا عشر على ربها لانه لم يكن متمكنا من الانتفاع بها ولا كان مسلطا للزارع على زراعتها ولكن العشر في الخارج على الغاصب لان منفعة الارض سلمت له بغير عوض وان غصبها منه كافر فان نقصها الزراعة فالعشر على ربها لانه قد سلم له عوض منفعة الارض فهو بمنزلة ما لو أجرها وان لم ينقصها فلا عشر فيها لان من سلمت له المنفعة ليس من أهل ان يلزمه العشر والمالك لم يكن متمكنا من الانتفاع بها وروى جرير بن اسماعيل عن محمد رحمهما الله تعالى ان على الغاصب عشرها لان المنفعة سلمت له على الوجه الذى يسلم ان لو كان مالكا للارض وهذا صحيح على أصل محمد رحمه الله تعالى فان عنده الكافر إذا اشترى أرضا عشرية من مسلم فعليه عشرها كما كان وان اختلفت الرواية عنه في مصرف العشر المأخوذ من الكافر وقد بينا ذلك في السير والزكاة (قال) ولو أعار المسلم أرضه الخراجية فالخراج عليه سواء كان المستعير مسلما أو كافر الآن وجوب الخراج باعتبار التمكن من الانتفاع بالارض وقد كان المعير متمكنا من ذلك ثم الخراج مؤنة الارض النامية ومؤنة الملك تجب على المالك الا ان في العشر محل هذه المؤنة الخارج فأمكن ايجابها فيه فان كان المستعير مسلما أو جبنا الخراج في الخارج ومحل الخراج ذمة المالك فسواء كان المستعير مسلما أو كافرا كان الخراج على المالك في ذمته فان غصبها مسلم أو كافر فعلى الغاصب نقصان الارض والخراج على ربها ويستوى ان قل النقصان أو كثر في قول أبى حنيفة بمنزلة ما لو أخرجها بعوض قليل أو كثير وعلى قول محمد رحمه الله تعالى ان كان النقصان مثل الخراج أو أكثر فالخراج على ربها وان كان النقصان أقل فعلى الغاصب ان يؤدى الخراج وليس عليه ضمان النقصان استحسن ذلك لدفع الضرر عن صاحب الارض وان لم تنقصها الزراعة شيئا فالخراج على الغاصب دون المالك لان الغاصب هو المتمكن من الانتفاع بها بغير عوض دون المالك (قال) ولو ان صاحب الارض الخراجية زرعها ولم تخرج شيئا أو أصاب الزرع آفة فلا خراج فيها بخلاف ما إذا لم يزرعها لانه إذا عطلها فقد تمكن من الانتفاع بها وإذا زرعها فلم تخرج شيئا أو أصاب الزرع آفة فقد انعدم تمكنه من الانتفاع بها وهو مصاب في هذه الحالة يعان ولا يغرم شيئا كيلا يؤدى إلى استئصالها ومما حمد من سير الاكاسرة انه إذا أصاب زرع بعض الرعية آفة غرموا له ما انفق في الزراعة من بيت مالهم وقالوا التاجر شريك في الخسران كما هو شريك في الربح فان لم يعطه

[ 47 ] الامام شيئا فلا أقل من ان لا يغرمه الخراج فان لم يزرعها ولكنها غرقت ثم نضب الماء عنها في وقت لا يقدر على زراعتها قبل مضى السنة فلا خراج عليه لانه لم يتمكن من الانتفاع بها ولو نضب الماء عنها في وقت يقدر على زراعتها قبل مضى السنة فعليه الخراج زرعها أو لم يزرعها لانه تمكن من الانتفاع بها (قال) ولو ان رجلا اشترى أرضا عشرية أو خراجية للتجارة فلا زكاة فيها وان حال الحول عليها ولكن فيها العشر أو الخراج لان وجوب العشر أو الخراج باعتبار نماء الارض وكذلك وجوب الزكاة باعتبار معنى النماء وكل واحد من الحقين يجب لله تعالى فلا يجوز الجمع بينهما بسبب أرض واحدة ولما تعذر الجمع بينهما رجحنا ما تقرر فيها وهو العشر أو الخراج فقد صار ذلك وظيفة لازمة لهذه الارض فلا يتغير ذلك بنيته ولان العشر والخراج أسرع وجوبا من الزكاة فانه لا يعتبر فيهما كمال النصاب ولا صفة الغنى في المالك وبه فارق ما لو اشترى دارا للتجارة فانه ليس في رقبة الدار وظيفة أخرى فتعمل نية التجارة فيها حتى تلزمه الزكاة وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أن الارض إذا كانت عشرية فاشتراها للتجارة فعليه فيها الزكاة لان العشر انما يجب في الخارج والزكاة انما تجب باعتبار مالية الارض في ذمة المالك فقد اختلف محل الحقين فيجمع بينهما بخلاف الخراج فانه يجب في ذمة المالك كالزكاة ولكن هذا ضعيف وقد صح من أصل علمائنا أنه لا يجمع بين العشر والخراج والعشر يجب في الخارج والخراج يجب في ذمة المالك ثم لم يجز الجمع بينهما (قال) ولو أن كافرا اشترى أرضا عشرية فعليه فيها الخراج في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولكن هذا بعد ما انقطع حق المسلم عنها من كل وجه حتى لو استحقها مسلم أو أخذها بالشفعة كانت عشرية على حالها سواء وضع عليها الخراج أو لم يوضع لانه لم ينقطع حق المسلم عنها فلو وجد المشترى بها عيبا لم يستطع أن يرده بعد ما وضع عليها الخراج لان الخراج عيب وهذا عيب حدث في ملك المشترى فيمنعه من الرد بالعيب ألا ترى أن مسلما لو اشترى أرضا خراجية بشرط أن خراجها درهم فوجده درهمين كان له أن يردها فان كان زيادة الخراج عيبا فكذلك أصل الخراج فإذا تعذر ردها بالعيب رجع بحصة العيب من الثمن فان لم يكن وضع عليها الخراج حتى وجد بها عيبا فله أن يرد الارض لانها انما بيعت بوضع الخراج عليها وانما ذكر هذا التفضيل هنا ومراده من وضع الخراج عليها مطالبة صاحبها بأداء الخراج (قال) ولو

[ 48 ] ان تغلبيا اشترى ارضا من أرض العشر فعليه العشر مضاعفا وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى أما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فلان الصلح وقع بيننا وبينهم على أن يضعف عليهم ما يؤخذ من المسلم والعشر يؤخذ من المسلم فيضعف عليهم وأما عند أبى يوسف رحمه الله تعالى فلان كافرا آخر لو اشترى أرضا عشرية كان العشر عليه مضاعفا عنده فالتغلبي أولى وأما عند محمد رحمه الله تعالى عليه عشر واحد لان تضعيف العشر في الاراضي الاصلية لهم وهي التى وقع عليها الصلح فأما فيما سوى ذلك من الارضين التغلبي كغيره من الكفار وما صار وظيفة في الارض لا يتبدل بتبدل المالك عند محمد رحمه الله تعالى قال ألا ترى أنه لو اشترى أرضا خراجية كان عليه الخراج على حاله ولو اشترى أرضا من أرض نجران كان عليه المال على حاله ولكنا نقول انما وقع الصلح بيننا وبينهم على أن يضعف عليهم ما يبذله المسلم والخراج مما لا يبذله المسلم فلا يضعف عليهم وأما العشر مما يبذله المسلم فيضعف عليهم باعتبار الصلح كما لو اشترى سائمة من مسلم يجب عليه الصدقة فيها مضعفة ولو ان رجلا اشترى أرضا خراجية فان كان العقد في وقت يتمكن فيه من زراعتها قبل مضى السنة فالخراج على المشترى لانه تمكن من الانتفاع بها بعد ما تملكها وان كان لا يقدر على زراعتها حتى تمضي السنة فالخراج على البائع لانه هو المتمكن من الانتفاع بها في السنة قبل ان يبيعها وقد بينا ان وجوب الخراج باعتبار التمكن من الانتفاع (قال) وان باع أرضا عشرية بما فيها من الزرع فان كان الزرع قد بلغ فالعشر على البائع لان بادراك الزرع وجب عليه العشر فيها ثم باخراجها من ملكه صار مستهلكا محل حق الفقراء فيكون ضامنا للعشر وان لم يبلغ الزرع فالعشر على المشترى في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى عشر الزرع على البائع وفضل ما بينهما على المشترى لان من أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان العشر يجب في القصيل إذا قصله صاحبه وإذا لم يقصله حتى انعقد الحب فانما يجب العشر في الحب دون القصيل وقد انعقد الحب في ملك المشترى فكان العشر عليه وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول هو عند اتحاد المالك كذلك فاما إذا كان الزرع في ملك انسان وانعقاد الحب في ملك غيره فلابد من اعتبار الحالين لان وجوب العشر في النماء الحاصل وأصل الزرع انما حصل للبائع بغير عوض فاما المشترى انما حصل له ذلك بعوض وهو الثمن فلا يمكن ايجاب العشر في ذلك القدر على المشترى فاوجبناه على البائع

[ 49 ] وما حصل من الفضل بعد الشراء فهو انما يسلم للمشترى بغير عوض فعليه عشر ذلك الفضل فان كان من جملة الخضراوات ولكن ليس له ثمرة باقية يجب يجب فيه العشر عندهما (قال) ولو ان أرضا غصبها رجل فزرعها فالزرع له ويتصدق بالفضل على ما أنفق فيها في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولا يتصدق في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى بشئ وقد بينا هذا في كتاب الغصب فيما إذا تصرف الغاصب في المغصوب أو تصرف المودع وربح (قال) فان كان أجرها بمال كثير يجب في مثله الزكاة فحال عليها الحول فعليه أن يتصدق بها ولا زكاة عليه لانه قد لزمه التصدق بجميعها قبل حولان الحول فلا يلزمه شئ آخر باعتبار مضى الحول وهذا بخلاف ما تقدم وهو ما إذا نذر أن يتصدق بمائتي درهم عينها فحال عليها الحول تجب فيها الزكاة لان المال هناك كان ملكا طيبا له وانما التزم التصدق بها بنذره والالتزام بالنذر يكون في الذمة ولهذا كان له أن يتصدق بغيرها ويمسكها فلهذا لزمته الزكاة فيها وأما هنا انما لزمه التصدق في عين هذا المال حيث تمكن منه حتى لا يكون له أن يتصدق بغيره ويمسكه فلهذا لا يلزمه شئ آخر فان حال عليه الحول رجع أبو يوسف رحمه الله تعالى عن هذا فقال عليه الزكاة فيها والفضل يتصدق به لان ملكه فيها كامل فتلزمه الزكاة باعتبار الحول ولكن هذا ضعيف فان وجوب الزكاة في المال بمعنى التطهير. قال الله تعالى تطهرهم وتزكيهم بها وهذا لا يحصل بايجاب الزكاة في هذا المال لانه لا يزول الخبث بآداء الزكاة ولكن يلزمه التصدق بالفضل فلا معنى لايجاب الزكاة فيها فقلنا يتصدق بجميعها بعد الحول كما كان يتصدق قبل الحول (قال) ولو أن مسلما باع أرضه العشرية بما فيها من زرع لم يدرك من كافر فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يوضع فيها الخراج لان الحب انعقد في ملك المشترى فكأنه هو الذى زرعها بعد الشراء فعليه الخراج. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى على البائع عشر الزرع ويوضع الخراج علي الكافر أما قوله على البائع عشر الزرع صحيح على قياس مذهبه فيما إذا باعها من مسلم وأما قوله ويوضع الخراج على الكافر فهو غلط لان من أصل أبى يوسف رحمه الله تعالى ان الكافر إذا اشترى أرضا عشرية فعليه فيها عشران ولا يوضع الخراج عليه فهنا أيضا على قوله يجب في الفضل عشران على المشترى لان المشترى لو كان مسلما كان عليه عشر الفضل فإذا كان كافرا كان عليه في الفضل عشران (قال) وان أجرها مسلم من مسلم فلم يزرعها فلا عشر فيها لان محل العشر الخارج ولم يحصل ولو عطلها

[ 50 ] المالك لم يجب عشرها على أحد فكذلك إذا عطلها المستأجر ولكن على المستأجر الاجر ان كان قد قبضها لانه كان متمكنا من الانتفاع بها في المدة وبالتمكن من الانتفاع يتقرر الاجر عليه (قال) ولو ان أرضا من أرض الخراج مات ربها قبل ان يؤخذ منه الخراج فانه لا يؤخذ من ورثته لان الخراج في معنى الصلة فيسقط بالموت قبل الاستيفاء ولا يتحول إلى التركة كالزكاة ثم خراج الارض معتبر بخراج الرأس ففي كل واحد منهما معني الصغار وكما ان خراج الرأس يسقط بموت من عليه قبل الاستيفاء فكذلك خراج الارض ولا يمكن استيفاؤه من الورثة باعتبار ملكهم لانهم لم يتمكنوا من الانتفاع بها في السنة الماضية (قال) ولو مات رب الارض العشرية وفيها زرع فانه يؤخذ منه العشر على حاله وفى رواية ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه سوى بين العشر والخراج وقال يسقط بموت رب الارض فاما في ظاهر الرواية الزرع كما حصل صار مشتركا بين الفقراء ورب الارض عشره حق الفقراء وتسعة اعشاره حق رب الارض ولهذا لا يعتبر في ايجاب العشر المالك حتى يجب في أرض المكاتب والعبد والمديون والصبى والمجنون فبموت أحد الشريكين لا يبطل حق الآخر ولكن يبقى ببقاء محله فاما الخراج محله الذمة وبموته خرجت ذمته من ان تكون صالحة لالتزام الحقوق والمال لا يقوم مقام الذمة فيما طريقه طريق الصلة وقد بينا في كتاب الزكاة وجوب الخراج في أرض الصبى والمجنون لانه مؤنة الارض النامية ومال الصبى محتمل للمؤنات بمنزلة النفقات (قال) ولو ان رجلا عجل خراج أرضه ألف درهم فذلك يجزيه لان سبب وجوب الخراج ملك الارض المنتفع بها وذلك موجود والتعجيل بعد تمام السبب جائز لسنة ولسنتين الا ترى انه لو عجل صدقة الفطر لسنتين كان جائزا فكذلك إذا عجل الزكاة عن النصاب لسنتين كان جائزا فاما إذا عجل عشر أرضه قبل ان يزرعها لم يجزه لان العشر وان كان مؤنة الارض النامية فانه لا يجب الا باعتبار حصول الخارج فلا يتم السبب قبل الزراعة وقبل تمام السبب لا يجوز التعجيل كما لو عجل الزكاة عن الابل والغنم قبل ان يجعلها سائمة وبعد ما زرعها جاز تعجيل العشر سواء استحصد أو لم يستحصد لان سبب الوجوب قد تم ولم يبق إلى وجوب العشر الا مجرد مضى الزمان فهو كتعجيل الزكاة بعد كمال النصاب قبل الحول. فان عجل عشر نخله قال هنا يجزيه وهو قول أبي يوسف فاما على قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان حصل الطلع جاز التعجيل والا لم يجز لان ملك النخل

[ 51 ] كملك الارض على معنى ان العشر لا يجب فيه وانما يجب في الخارج منه فكما لا يجوز تعجيل العشر باعتبار ملك الارض قبل الزراعة فكذلك لا يجوز تعجيل عشر النخل قبل ان يخرج الطلع بخلاف ما إذا عجل عشر الزرع قبل ان ينعقد الحب لان القصيل محل لوجوب العشر فيه بدليل انه لو قصله كما هو يلزمه أداء العشر منه فلهذا جاز التعجيل باعتباره وأما النخل ليس بمحل للعشر فانه لو قطعه كان حطبا لا شئ فيه فلا يجوز فيه تعجيل العشر باعتباره وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول لم يبق بينه وبين وجوب العشر الا مجرد مضى الزمان فيجوز التعجيل كما يجوز التعجيل عن الزرع قبل ان ينعقد الحب وعن النصاب قبل ان يحول الحول (قال) ولو كان في الارض الخراجية أرض نخل أو مشجرة فلا خراج فيها لكن يوضع عليها بقدر ما تطيق ومعنى هذا انه ليس فيها خراج الكرم ولا خراج الرطبة ولا خراج الزرع لانها ليست بمنزلة هذه الاراضي في الانتفاع ولكن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فيما وظف من الخراج اعتبر الطاقة حيث قال للذين مسحا الاراضي لعلكما حملتما الاراضي مالا تطيق فقالا بل حملناها ما تطيق فعرفنا أن المعتبر هو الطاقة ففى المشجرة وأرض النخل تعتبر الطاقة أيضا وذلك أن ينظر إلى غلته فان كانت مثل غلة الرطبة فخراجها مثل خراج ارض الرطبة وان كانت مثل غلة الكرم فخراجها كذلك (قال) فان عجل خراج أرضه ثم غرقت تلك السنة كلها فانه يرد عليه ما أدى من خراجها لانه لم يكن متمكنا من الانتفاع بها فلا يلزمه خراجها ويد الامام في الخراج المعجل نائبة عن يد صاحب الارض وقد بينا نظير هذا في زكاة السائمة إذا عجلها فدفعها إلى الساعي ثم هلكت السائمة والمعجل قائم في يد الساعي فانه يرد عليه فكذلك في الخراج (قال) فان زرعها في السنة الثانية فانه يحسب له ما أدى من خراجها في هذه السنة ان لم يرد عليه لان يده نائبة في ذلك المال كيده ولا فائدة في الرد عليه ثم الاستيفاء منه. فان قيل أليس انكم قلتم في الزكاة إذا عجلها ولم تجب عليه الزكاة في ذلك الحول فان المعجل لا يجزئ عما يلزمه في حول آخر. قلنا ذلك فيما إذا دفعها إلى الفقير فتتم الصدقة تطوعا عند مضى الحول وهنا لا يتم المؤدى خراجا في الحول الاول ولكن له حق الاسترداد فيحسب اذلك له من خراجه في الحول الثاني (قال) فان أجر أرضه سنين فغرقت سنة فلم يفسخ القاضى الاجارة فلا أجر عليه حتى ينضب الماء عنها ولا خراج على ربها في السنة التي غرقت فيها لان وجوب كل واحد منهما باعتبار

[ 52 ] التمكن من الانتفاع وقد انعدم الا أن فرق ما بينهما ان الاجر يجب للمدة التي مضت قبل ان تغرق والخراج لا يجب لان الاجر عوض يجب شيئا فشيئا بحسب ما يستوفى من المنفعة فاما الخراج انما يجب جملة واحدة باعتبار التمكن من الانتفاع ولم يوجد ذلك حين غرقت الارض وتكون الاجارة على حالها لان تعذر الانتفاع بالارض مع بقائها بعارض على شرف الزوال فتبقى الاجارة ما لم يفسخ القاضي العقد فان فسخ القاضى العقد في تلك الحالة فانها لا تعود الاجارة مستقبلة لانه قضى بفسخ العقد والسبب الموجب له قائم وهو بمنزلة العبد المستأجر إذا أبق فان لم يفسخ القاضى العقد حتى عاد كانت الاجارة باقية وان فسخ القاضى العقد بينهما لم تعد الاجارة بعد ذلك وان عاد من إباقه (قال) ولو أن صبيا أدى أبوه عشر أرضه أو خراجها أو أدى ذلك وصيه فهما ضامنان وانما أراد ما إذا أديا العشر إلى الفقراء أو الخراج إلى المقاتلة لان حق الاخذ فيهما للسلطان فلا يسقط عن الصبى بادائها إلى الفقراء أو المقاتلة فاما إذا أديا إلى السلطان فلا ضمان عليهما وكيف يضمنا والسلطان يطالبهما بذلك ويجبرهما على الاداء ثم بين مصارف الصدقات والعشر والخراج والخمس والجزية وما يؤخذ من أهل نجران ومن بنى تغلب وقد بينا جميع ذلك في كتاب الزكاة (قال) فان اشترى بمال الخراج غنما سائمة للتجارة وحال عليها الحول فعليه فيها الزكاة وهذا بخلاف ما إذا اجتعمت الغنم المأخوذة في الزكاة في يد الامام وهي سائمة فحال عليها الحول لان هناك لا فائدة في ايجاب الزكاة فان مصرف الواجب والموجب فيه واحد وهنا في ايجاب الزكاة فائدة فان مصرف الموجب فيه المقاتلة ومصرف الواجب الفقراء فكان الايجاب مفيدا فلهذا تجب الزكاة (قال) الشيخ الامام الاجل رحمه الله تعالى وفى هذا الفصل نظر فان الزكاة لا تجب الا باعتبار الملك والمالك ولهذا لا تجب في سوائم الوقف ولا في سوائم المكاتب ويعتبر في ايجابها صفة الغنى للمالك وذلك لا يوجد هنا إذا اشتراها الامام بمال الخراج للمقاتلة فلا تجب فيها الزكاة الا أن يكون مراده أنه اشتراها لنفسه فحينئذ تجب عليه الزكاة باعتبار وجود المالك وصفة الغنى له (قال) وان كان للرجل خمسة وعشرون بعيرا حال عليها الحول ثم استفاد عشرة أبعرة فضمها معها ثم ضاع منها عشر من الابل لا يعلم من أيها هي فعليه ثلاث من الغنم فيها والقياس في ذلك أن يكون عليه خمسة أسباع بنت مخاض وجه القياس أن الجملة كانت خمسة وثلاثين فحين ضاع منها عشرة يجعل ما ضاع مما فيه الزكاة ومما

[ 53 ] لا زكاة فيه بالحصة فيكون خمسة أسباع ما ضاع من مال الزكاة وسبعاه مما لا زكاة فيه وخمسة أسباع العشرة سبعة وسبع وقد كان وجب عليه بنت مخاض في خمسة وعشرين ضاع منها سبعة وسبع وبقى منها سبعة عشر وستة أسباع خمسة وعشرين فان كل سبع من خمسة وعشرين ثلاثة وأربعة أسباع فإذا اجتمعت خمس مرات ثلاثة وأربعة أسباع يكون سبعة عشر وستة أسباع فلهذا كان الواجب فيه خمسة أسباع بنت مخاض ولكنه استحسن فقال الشرع أوجب الغنم عند قلة الابل وان لم يكن بينهما مجانسة لدفع الضرر عن صاحب المال بايجاب الشقص عليه كما يدفع الضرر عنه في الابتداء فيجعل الهلاك من مال الزكاة كان لم يكن فكأن في ملكه سبعة عشر بعيرا وستة أسباع فعليه فيها ثلاثة من الغنم ولكن وجه القياس أقوى لان معنى دفع الضرر معتبر في الابتداء فأما في حالة البقاء لا يعتبر ولكن يبقى من الواجب بقدر ما بقى من المال ألا ترى أنه لا يعتبر النصاب في البقاء بخلاف الابتداء وقد كان الواجب عند تمام الحول بنت مخاض فلا معنى للتحويل إلى الغنم عند هلاك بعض المال فعرفنا أن وجه القياس أقوى فلهذا فرع على وجه القياس فقال ان عرف خمسة من الابل فعليه فيها خمس بنت مخاض وفى الباقية أربعة أخماس ثلثي بنت مخاض أما وجوب خمس بنت مخاض في الخمسة ظاهر لانه قد وجب بنت المخاض في خمسة وعشرين فيكون في خمسة خمسها ثم بقى من مال الزكاة عشرون وما لا زكاة فيه عشرة والهالك عشرة فثلث الهالك مما لا زكاة فيه وثلثاه مما فيه الزكاة وهو ستة وثلثان فإذا نقصنا ذلك من العشرين بقى ثلثة عشر وثلث وقد كان عليه ثلثا بنت مخاض في ستة عشر وثلثان لانها ثلثي خمسة وعشرين وثلاثة عشر وثلث يكون أربعة أخماسه فان كل خمس يكون ثلاثة وثلث فلهذا قال في الباقية أربعة أخماس ثلثى بنت مخاض ولو كان له خمسة وعشرون بعيرا فخلطها بمثلها بعد الحول بيوم ثم ضاع نصفها فعليه في الباقي نصف بنت مخاض لان نصف الهالك من مال الزكاة ونصفه مما لا زكاة فيه وان ما بقى نصف مال الزكاة فلهذا قال عليه نصف بنت مخاض في القياس وينبغى على طريقة الاستحسان أن يكون عليه في الباقي شاتان لان الهالك يجعل كأن لم يكن والباقى من مال الزكاة أثني عشر ونصف ولكن وجه القياس أقوى كما بينا وما ذكر بعد هذا إلى آخر الكتاب من مسائل المعدن وصدقة الفطر فقد بينا جميع ذلك في كتاب الزكاة والصوم فلا معنى لاعادة ذلك هنا والله سبحانه وتعالى

[ 54 ] أعلم بالصوب واليه المرجع والمآب (بسم الله الرحمن الرحيم) (كتاب الصوم) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى الصوم في اللغة هو الامساك ومنه قول النابغة خيل صيام وخيل غير صائمة * تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما أي واقفة ومنه صام النهار إذا وقفت الشمس ساعة الزوال وفى الشريعة عبارة عن امساك مخصوص وهو الكف عن قضاء الشهوتين شهوة البطن شهوة الفرج من شخص مخصوص وهو ان يكون مسلما طاهرا من الحيض والنفاس في وقت مخصوص وهو ما بعد طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس بصفة مخصوصة وهو ان يكون على قصد التقرب فالاسم شرعى فيه معنى اللغة وأصل فرضية الصوم ثبت بقوله تعالى كتب عليكم الصيام إلى قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه ففيه بيان السبب الذى جعله الشرع موجبا وهو شهود الشهر وأمر بالاداء نصا بقوله فليصمه وقال صلى الله عليه وسلم بني الاسلام على خمس وذكر من جملتها الصوم وقد كان وقت الصوم في الابتداء من حين يصلى العشاء أو ينام وهكذا كان في شريعة من قبلنا ثم خفف الله تعالى الامر على هذه الامة وجعل أول الوقت من حين يطلع الفجر بقوله تعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الآية قال أبو عبيد الخيط الابيض الصبح الصادق والخيط اللون وفى حديث عدى ابن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الخيط الابيض والاسود بياض النهار وسواد الليل وسبب هذا التخفيف ما ابتلى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما ابتلى صرمة بن أنس حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم مجهودا فقال مالك أصبحت طلحا أو قال طليحا الحديث ومعنى التخفيف ان المعتاد في الناس أكلتان الغداء والعشاء فكان التقرب بالصوم في الابتداء بترك الغداء والاكتفاء بأكلة واحدة وهى العشاء ثم ان الله تعالى أبقى لهذه الامة الاكلتين جميعا وجعل معنى التقرب في تقديم الغداء عن وقته كما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحور انه الغذاء المبارك والتقرب بالصوم من حيث مجاهدة النفس والمجاهدة في هذا من وجهين أحدهما بمنع النفس من

[ 55 ] الطعام وقت الاشتهاء والثانى بالقيام وقت حبها المنام ومن المجاهدة حفظ اللسان وتعظيم ما عظم الله تعالى كما بدأ به الكتاب وذكر عن مجاهد رحمه الله تعالى انه كان يكره ان يقول الرجل جاء رمضان وذهب رمضان ولكن ليقل جاء شهر رمضان وذهب شهر رمضان قال لا أدرى لعل رمضان اسم من أسماء الله تعالى فكأنه ذهب في هذا إلى ما رواه أبو هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان فان رمضان اسم من أسماء الله تعالى وفى رواية ولكن عظموه كما عظمه الله تعالى واختار بعض مشايخنا قول مجاهد في هذا فقال والصحيح من المذهب انه يكره ذلك لان محمدا رحمه الله تعالى لم يبين مذهب نفسه ولا روى خبرا بخلاف قول مجاهد وقالوا في بيان المعنى انه مشتق من الارماض وهو الاحراق والمحرق للذنوب المذهب لها هو الله تعالى والذى عليه عامة مشايخنا انه لا بأس بذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة في رمضان تعدل حجة وقال من صام رمضان وقامه ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقال ان لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة وليس فيها ذكر رمضان واثبات الاسم لا يكون بالآحاد وانما يكون بالمتواتر والمشاهير ولو كان من أسماء الله تعالى فهو اسم مشترك كالحكيم والعالم ولا بأس بان يقال جاء الحكيم والعالم والمراد به غير الله تعالى (قال) رجل تسحر وقد طلع الفجر وهو لا يعلم به في شهر رمضان ومراده الفجر الثاني فبطلوع الفجر الاول الذى تسميه العرب ذنب السرحان لا يدخل وقت الصوم قال صلى الله عليه وسلم لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل وكلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير المنتشر وإذا تبين أن تسحره كان بعد طلوع الفجر الثاني فسد صومه الا على قول ابن أبى ليلى فانه يقيسه على الناسي بناء على أصله أن المخصوص من القياس بالنص يقاس عليه غيره وعندنا المخصوص من القياس بالنص لا يقاس عليه فان قياس الاصل يعارضه ولا يلحق به الا ما كان في معناه من كل وجه وهذا ليس في معنى الناسي لان الاحتراز عن هذا الغلط ممكن في الجملة بخلاف النسيان ثم فساد صومه لفوات ركن الصوم وهو الامساك وعليه الامساك في بقية يومه قضاء لحق الوقت فان الامساك في نهار رمضان عند فوات الصوم مشروع قال صلى الله عليه وسلم الا من أكل فلا يأكل بقية يومه وعليه قضاء هذا اليوم لان فوات الاداء بعد تقرر السبب الموجب فيضمنه بالمثل بما هو مشروع له ولا كفارة عليه

[ 56 ] لانه معذور وكفارة الفطر عقوبة لا تجب الا على الجاني قال صلى الله عليه وسلم من أفطر في نهار رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر والذى أفطر وهو يرى أن الشمس قد غابت ثم تبين أنها لم تغب فعليه مثل هذا وفيه حديث عمر رضي الله عنه حين أفطر مع الصحابة يوما فلما صعد المؤذن المأذنة قال الشمس يا أمير المؤمنين قال بعثناك داعيا ولم نبعثك راعيا ما تجانفنا لاثم وقضاء يوم علينا يسير (قال) رجل أصبح في شهر رمضان جنبا فصومه تام الاعلى قول بعض أصحاب الحديث يعتمدون فيه حديث أبى هريرة رضى الله عنه من أصبح جنبا فلا صوم له محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ورب الكعبة (قاله) ولنا قوله تعالى فالآن باشروهن إلى قوله حتى يتبين لكن الخيط الابيض وإذا كانت المباشرة في آخر جزء من أجزاء الليل مباحة فالاغتسال يكون بعد طلوع الفجر ضرورة وقد أمر الله تعالى باتمام الصوم وفى حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى أصبحت جنبا وأنا أريد الصوم فقال صلى الله عليه وسلم وأنا ربما أصبح جنبا وأنا أريد الصوم فقال لست كأحدنا فغضب رسول الله صلى الله علهى وسلم وقال انى لارجو أن أكون أعلمكم بما يبقى. ولما بلغ عائشة حديث أبى هريرة قالت رحم الله أبا هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من غير احتلام ثم يتم صومه وذلك في رمضان فذكر قولها لابي هريرة رضى الله تعالى عنه فقال هي أعلم حدثنى به الفضل بن عباس رضى الله تعالى عنه وكان يومئذ ميتا ثم تأويل الحديث من أصبح بصفة توجب الجنابة وهو أن يكون مخالطا أهله وان احتلم نهارا لم يفطر لقوله صلى الله عليه وسلم ثلاث لا يفطرن الصائم القئ والحجامة والاحتلام (قال) وان ذرعه القئ لم يفطر لما روينا ولقول ابن عباس رضى الله تعالى عنه الصوم مما دخل وان تقيأ متعمدا فعليه القضاء لحديث على رضى الله تعالى عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم قال من قاء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء ولان فعله يفوت ركن الصوم وهو الامساك ففي تكلفه لابد أن يعود شئ إلى جوفه ولا كفارة عليه الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه يقول كل مفطر غير معذور فعليه الكفارة ولم يفصل في ظاهر الرواية بين ملئ الفم وما دونه وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فرق بينهما وهو الصحيح فان ما دون ملئ الفم تبع لريقه فكان قياس ما لو تجشا وملئ الفم لا يكون تبعا لريقه ألا ترى أنه ناقض

[ 57 ] لطهارته فان عاد إلى جوفه أو أعاده فقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى إذا ذرعه القئ فرده وهو يستطيع أن يرمى به فعليه القضاء وروي ابن مالك عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهم الله تعالى أنه إذا ذرعه القئ فكان ملئ فيه أو أكثر فعاد إلى جوفه فسد صومه تعمد ذلك أو لم يتعمد والمشهور ان فيه خلافا بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فمحمد اعتبر الصنع في طرف الاخراج أو الادخال لانه يفوت به الامساك وأبو يوسف يعتبر انتقاض الطهارة ليستدل به على انه ليس بتبع لريقه حتى إذا ذرعه القئ دون ملئ الفم وعاد بنفسه لم يفسد صومه بالاتفاق وان أعاده فسد صومه عند محمد ولم يفسد عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وان كان ملئ الفم فعاد بنفسه فسد صومه عند أبى يوسف ولم يفسد عند محمد وان أعاده فسد صومه بالاتفاق وان تقيأ أقل من ملئ فمه فان عاد بنفسه يفسد صومه عند محمد ولم يفسد صومه عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وان أعاده ففيه روايتان عن أبى يوسف في احداهما لا يفسد صومه لانه ليس بناقض لطهارته وفى الاخرى يفسد صومه لكثرة صنعه في الادخال والاخراج جميعا فكان قياس ملئ الفم (قال) وان احتجم الصائم لم يضره الا على قول أصحاب الحديث يستدلون فيه بما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمعقل بن يسار وهو يحتجم في رمضان فقال افطر الحاجم والمحجوم (ولنا) حديث أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال مربنا أبو طيبة في بعض أيام رمضان فقلنا من أين جئت فقال حجمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال أفطر الحاجم والمحجوم شكى الناس إليه الدم فرخص للصائم أن يحتجم وفى حديث بن عباس رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم بالقاحة وتأويل الحديث الذى روى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بها وهما يغتابان آخر فقال صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم أي أذهب ثواب صومهما الغيبة وقيل الصحيح انه غشى على المحجوم فصب الحاجم الماء في حلقه فقال صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم أي فطره بما صنع به فوقع عند الراوى أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم ثم خروج الدم من البدن لا يفوت ركن الصوم ولا يحصل به اقتضاء الشهوة وبقاء العبادة ببقاء ركنها (قال) وإذا طهرت الحائض في بعض نهار رمضان لم يجزها صومها في ذلك اليوم لانعدام الاهلية للاداء في أوله وعليها الامساك عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى عنه فالاصل عنده ان

[ 58 ] من كان مباحا له الافطار في أول اليوم ظاهرا وباطنا لا يلزمه الامساك فيه في بقية اليوم لان وجوب الامساك في يوم واحد لا يتجزى كوجوب الصوم وعلى هذا الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم والمريض إذا برئ والمسافر إذا قدم مصره والمجنون إذا أفاق في بعض النهار لا يلزمهم الامساك عنده بخلاف يوم الشك إذا تبين أنه من رمضان والمتسحر بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم به لان الاكل كان مباحا له باطنا والاصل عندنا أن من صار في بعض النهار على صفة لو كان عليها في أول النهار يلزمه الصوم فعليه الامساك في بقية النهار لان الامساك مشروع خلفا عن الصوم عند فواته لقضاء حق الوقت ولانه لو أكل ولا عذر به اتهمه الناس والتحرز عن مواضع التهمة واجب قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم. وقال على رضى الله تعالى عنه إياك وما يقع عند الناس انكاره وفى رواية ما يسبق إلى القلوب انكاره وان كان عندك اعتذاره فليس كل سامع نكرا يطيق أن يوسعه عذرا وان أكلت لم يلزمها شئ لان الامساك لحق الوقت وقد فات على وجه لا يمكن تداركه وعليها قضاء هذا اليوم مع سائر أيام الحيض لما روى أن امرأة قالت لعائشة رضى الله عنها ما بال احدانا تقضى صيام أيام الحيض ولا تقضى الصلاة فقالت احرورية أنت كنا على عهد رسول صلى الله عليه وسلم نقضى صيام أيام الحيض ولا نقضى الصلاة ولان الحرج عذر مسقط للقضاء كما أنه مسقط للاداء وفى قضاء خمسين صلاة في كل عشرين يوما حرج بين وليس في قضاء صوم عشرة أيام في احدى عشر شهرا كبير حرج (قال) ويقبل الصائم ويباشر إذا كان يأمن على نفسه ما سوى ذلك لحديث عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم وفي رواية كان يصيب من وجهها وهو صائم قالت وكان أملككم لادبه أو لاربه فالادب العضو والارب الحاجة وجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أذنبت ذنبا فاستغفر لى قال وما ذنبك قال هششت إلى امرأتي وأنا صائم فقبلتها فقال أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكان يضرك فقال لا قال فقم أذن وفيه اشارة إلى معنى بقاء ركن الصوم وانعدام اقتضاء الشهوة بنفس التقبيل فان كان لا يأمن على نفسه فالتحرز أولى لما روى أن شابا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم فمنعه وسأل شيخ عن ذلك فأذن له فيه فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمت لم نظر بعضكم

[ 59 ] إلى بعض إن الشيخ يملك نفسه وهكذا روى عن ابن عباس رضى الله عنه وفي حديثه أن الشاب قال له ان دينى ودينه واحد قال نعم ولكن الشيخ يملك نفسه وهو اشارة إلى معنى تعريض الصوم للفساد والتجاوز عن القبلة إلى غيرها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه وعلى هذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه كره المباشرة الفاحشة للصائم وكذلك بأن يعانقها وهما متجردان ويمس ظاهر فرجه ظاهر فرجها (قال) وان اشتبه شهر رمضان على الاسير تحرى وصام شهرا بالتحرى لانه مأمور بصوم رمضان وطريق الوصول إليه التحرى عند انقطاع سائر الادلة كأمر القبلة فان تبين أنه أصاب شهر رمضان أجزأه لانه أدرك ما هو المقصود بالتحرى وان تبين أنه صام شهرا قبله لم يجزه لانه أدى العبادة قبل وجود سبب وجوبها فلم تجزه كمن صلى قبل الوقت وذكر الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب الام أنه ان علم به قبل مضي شهر رمضان جاز صومه وان تبين أنه صام شهرا بعده جاز بشرطين اكمال العدة وتبييت النية لشهر رمضان لانه قاض لما وجب عليه بشهود الشهر وفي القضاء يعتبر هذان الشرطان. فان قيل كيف يجوز ولم ينو القضاء. قلنا لانه نوى ما هو واجب عليه من الصوم في هذه السنة وهذا ونية القضاء سواء فان تبين أنه صام شوال فعليه قضاء يوم الفطر لان الصوم فيه لا يجوز عن القضاء وان تبين أنه صام ذى الحجة فعليه قضاء يوم النحر وأيام التشريق وان تبين أنه صام شهرا آخر فليس عليه قضاء شئ الا أن يكون رمضان كاملا وذلك الشهر ناقصا فحينئذ يقضى يوما لاكمال العدة (قال) وان صام شهر رمضان تطوعا وهو يعلم به أو لا يعلم فصومه عن شهر رمضان والكلام في هذه المسألة على فصول أحدها ان أصل النية شرط لاداء صوم رمضان الا على قول زفر رحمه الله تعالى وحجته ان المشروع في زمان رمضان صوم واحد لان الزمان معيار للصوم ولا يتصور في يوم واحد الا صوم واحد ومن ضرورة استحقاق الفرض فيه انتفاء غيره فما يتصور منه من الامساك في هذا اليوم مستحق عليه لصوم الفرض فعلى أي وجه أتى به يقع من الوجه المستحق وهو نظير من وهب النصاب الذى وجبت فيه الزكاة من فقير جاز عن الزكاة وان لم ينو (ولنا) حرفان أحدهما ان المستحق عليه فعل هو عبادة والعبادة لا تكون الا بالاخلاص والعزيمة قال صلى الله عليه وسلم الاعمال

[ 60 ] بالنيات ولكل امرئ ما نوى والثاني ان مع استحقاق الصوم عليه في هذا اليوم بقيت منافعه مملوكة له فان معنى العبادة لا يحصل الا بفعل يباشره عن اختيار ويصرف إليه ما هو مملوك له وصرف منافعه المملوكة إلى ما هو مستحق عليه على وجه يكون مختارا فيه لا يكون الا عن قصد وعزيمة وفى مسألة هبة النصاب معنى القصد والعزيمة حصل باختيار المحل ومعنى العزيمة حصل لحاجة المحل الا ترى ان من وهب لفقير شيئا لا يملك الرجوع فيه لحصول المقصود وهو الثواب وكان أبو الحسن الكرخي رحمه الله ينكر هذا المذهب لزفر رحمه الله تعالى ويقول المذهب عنده ان صوم جميع الشهر يتأدى بنية واحدة كما هو قول مالك رحمه الله تعالى وحجتهما ان صوم الشهر في معنى عبادة واحدة فان سببها واحد وهو شهود جزء من الشهر والشروع فيها في وقت واحد والخروج منها كذلك فكان بمنزلة ركعات صلاة واحدة (ولنا) أن صوم كل يوم عبادة على حدة الا ترى ان فساد البعض لا يمنع صحة ما بقى وانه يتخلل بين الايام زمان لا يقبل الصوم وهو الليل وان انعدمت الاهلية في بعض الايام لا يمنع تقرر الاهلية فيما بقى فكانت بمنزلة صلوات مختلفة فيستدعى كل واحد منهما نية على حدة ثم ان أطلق نية الصوم أو نوى النفل فهو صائم عن الفرض عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان كان يعلم أن اليوم من رمضان فنوى النفل لم يكن صائما وان كان لا يعلم جاز صومه عن النفل لان الخطاب بأداء الفرض لا يتوجه عليه الا بعد العلم به. وقال ابن أبى ليلى ان كان يعلم ان اليوم من رمضان جاز صومه عن الفرض وان كان لا يعلم لم يكن صائما لان قصده عند عدم العلم كان إلى أداء النفل غير مشروع في هذا اليوم فهو كنية أداء الصوم في الليل وانه لغو لكونه غير مشروع فيه. والشافعي رحمه الله تعالى يقول ان صفة الفريضة قربة كأصل الصوم فكما لا يتأدى أصل الصوم الا بالنية فكذلك الصفة وبانعدام الصفة ينعدم الصوم ضرورة وعلى هذا إذا أطلق النية لا يجوز والوجه الآخر ان بنية النفل صار معرضا عن الفرض لما بينهما من المغايرة فصار كاعراضه بترك النية ولا يجوز أن يصير ناويا للصوم المشروع في هذا الوقت بنية النفل لانه لو اعتقد في المشروع في هذا الوقت انه نفل يكفر وعلى هذا لو أطلق النية يجوز لانه ما صار معرضا بهذه النية (ولنا) حديث على وعائشة رضى الله عنهما أنهما كان يصومان يوم الشك وكانا يقولان لان نصوم يوما من شعبان أحب الينا من أن نفطر يوما من رمضان وانما كانا يصومان بنية النفل

[ 61 ] لاجماعنا على أنه لا يباح صوم يوم الشك بنية الفرض فلولا أن عند التبين يجوز الصوم عن الفرض لم يكن لهذا التحرز منهما معنى ثم هذا صوم عين فيتأدى بمطلق النية كالنفل ومعناه انه هو المشروع فيه وغيره ليس بمشروع أصل والمتعين في زمان كالمتعين في مكان فيتناوله اسم الجنس كما يتناوله اسم النوع ومعنى القربة في أصل الصوم يتحقق لبقاء الاختيار للعبد فيه ولا يتحقق في الصفة إذ لا اختيار له فيها فلا يتصور منه ابدال هذا الوصف بوصف آخر في هذا الزمان فيسقط اعتبار نية الصفة ونية النفل لغو بالاتفاق لان النفل غير مشروع في هذا الوقت والاعراض عن الفرض يكون بنية النفل فإذا لغت نية النفل لم يتحقق الاعراض وهو نظير الحج على قوله وبه يبطل قوله أنه لو اعتقد أنه نفل يكفر وعلى هذا قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في المسافر إذا نوى واجبا آخر في رمضان وقع عن فرض رمضان لان وجوب الاداء ثابت في حق المسافر حتى لو أدى جاز وانما يفارق المقيم في الترخص بالفطر فإذا لم يترخص كان هو والمقيم سواء وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول يقع صومه عما نوى لانه ما ترك الترخص حين قصد صرف منافعه إلى ما هو الاهم وهو ما تقرر دينا في ذمته وهذه الرخصة لدفع الحرج والمشقة عنه فكان من مصالح بدنه وفى هذه النية اعتبار المصلحة ان يصوم أو يفطر فصح منه ولان رمضان في حق المسافر كشعبان في حق المقيم على معنى أنه مخير بين ان يفطر فان نوى المسافر النفل ففيه روايتان عن أبى حنيفة في رواية ابن سماعة عنه يقع عن فرض رمضان لانه ترك الترخص وفي رواية الحسن يقع عن النفل لان رمضان في حقه كشعبان في حق غيره فاما المريض إذا نوى واجبا آخر فالصحيح ان صومه يقع عن رمضان لان اباحة الفطر له عند العجز عن اداء الصوم فاما عند القدرة هو والصحيح سواء بخلاف المسافر وذكر أبو الحسن الكرخي ان الجواب في المريض والمسافر سواء على قول أبى حنيفة وهو سهو أو مؤول ومراده مريض يطيق الصوم ويخاف منه زيادة المرض واما الكلام في وقت النية فلا خلاف في ان أوله من وقت غروب الشمس لان الاصل في العبادات اقتران النية بحال الشروع في الصوم الا أن وقت الشروع في الصوم وقت مشتبه لا يعرفه الا من يعرف النجوم وساعات الليل وهو مع ذلك وقت نوم وغفلة والمتهجد بالليل يستحب له أن ينام سحرا فلدفع الحرج جوز له بنية متقدمة على حالة الشروع وان كان غافلا عنه عند الشروع بأن تجعل

[ 62 ] تلك النية كالقائمة حكما فأما النية بعد طلوع الفجر لصوم رمضان تجوز في قول علمائنا رحمهم الله تعالى وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا تجوز وفى الكتاب لفظان أحدهما إذا نوى قبل الزوال والثانى إذا نوى قبل انتصاف النهار وهو الاصح فالشرط عندنا وجود النية في أكثر وقت الاداء ليقام مقام الكل وإذا نوى قبل الزوال لم يوجد هذا المعنى لان ساعة الزوال نصف النهار من طلوع الشمس ووقت أداء الصوم من طلوع الفجر فالشافعى رحمه الله تعالى استدل بقوله صلى الله عليه وسلم لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل والعزم عقد القلب على الشئ فإذا لم ينعقد قلبه على الصوم من الليل لا يجزئه والمعنى فيه أن القصد والعزيمة عند أول جزء من العبادة شرط ليكون قربة كالصلاة وسائر العبادات فإذا انعدم ذلك لم يكن ذلك الجزء قربة وما بقى لا يكفى للفريضة لان المستحق عليه صوم يوم كامل بخلاف النفل فانه غير مقدر شرعا فيمكن أن يجعل صائما من حين نوى مع أن مبنى النفل على المسامحة والفرض على الضيق ألا ترى أن صلاة النفل تجوز قاعدا مع القدرة على القيام وراكبا مع القدرة على النزول بخلاف الفرض (ولنا) حديث عكرمة عن ابن عباس رضى عنهما أن الناس أصبحوا يوم الشك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم اعرابي وشهد برؤية الهلال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهد أن لا إله الا الله وأنى رسول الله فقال نعم فقال صلى الله عليه وسلم الله اكبر يكفى المسلمين أحدهم فصام وأمر الناس بالصيام وأمر مناديا فنادى ألا من كان أكل فلا يأكلن بقية يومه ومن لم يأكل فليصم وتأويل حديثه أن المراد هو النهي عن تقديم النية على الليل ثم هو عام دخله الخصوص بالاتفاق وهو صوم النفل فنحمله على سائر الصيامات بالقياس وهو ان هذا يوم صوم فالامساك في أول النهار يتوقف على أن يصير صوما بالنية قبل الزوال كالنفل وهذا لان الصوم ركن واحد وهو الامساك من أول النهار إلى آخره فإذا اقترنت النية بأكثره ترجح جانب الوجود على جانب العدم فيجعل كاقتران النية بجميعه ثم اقتران النية بحالة الشروع ليس بشرط في باب الصوم بدليل جواز التقديم فصارت حالة الشروع هنا كحالة البقاء في سائر العبادات وإذا جاز نيته متقدمة دفعات للحرج جاز نيته متأخرة عن حالة الشروع بطريق الاولى لانه ان لم تقترن بالشروع هنا فقد اقترنت بالاداء ومعنى الحرج في جنس الصائمين لا يندفع بجواز التقديم ففي الصائمين صبى يبلغ نصف الليل وحائض

[ 63 ] تطهر في آخر الليل فلا ينتبه الا بعد طلوع الفجر وفى أيامه يوم الشك فلا يمكنه أن ينوى الفرض ليلا إذ لم يتبين أنه من رمضان وان نوى الصوم بعد الزوال لم يجزه لانعدام الشرط في أكثر وقت الاداء فيترجح به جانب العدم ثم القرب بسبب الصوم وقع في ترك الغداء كما بينا ووقت الغداء قبل الزوال لا بعده فإذا نوى قبل الزوال كان تاركا للغداء على قصد التقرب وإذا نوى بعد الزوال لم يكن تركه الغداء على قصد التقرب فلا يكون صوما وكذلك المسافر إذا نوى قبل الزوال وقد قدم مصره أو لم يقدم ولم يكن أكل شيئا جاز صومه عن الفرض عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى هو يقول امساك المسافر في أول النهار لم يكن مستحقا لصوم الفرض فلم يتوقف على وجود النية ولم يستند إليه في حقه إلى أول النهار بخلاف المقيم (ولنا) ان المعنى الذى لاجله جوز في حق المقيم اقامة النية في أكثر وقت الاداء مقامها في جميع الوقت وجد في حق المسافر فالمسافر في هذا الوقت أسوة المقيم انما يفارقه في الترخص بالفطر ولم يترخص به ولان العبادة في وقتها مع ضرب نقصان أولى من تفويتها عن وقتها والمسافر والمقيم في هذا سواء وبهذا فارق صوم القضاء فانه دين في ذمته والايام في حقه سواء فلا يفوته شئ إذا لم نجوزه مع النقصان فلهذا اعتبرنا صفة الكمال منه (قال) رجل أصبح صائما في رمضان قبل ان تبين انه من رمضان ثم تبين انه منه فصومه جائز وقد أساء حين تقدم الناس ومراده في هذا يوم الشك ومعنى الشك ان يستوى طرف العلم وطرف الجهل بالشئ وانما يقع الشك من وجهين اما ان غم هلال شعبان فوقع الشك انه اليوم الثلاثون منه أو الحادى والثلاثون أو غم هلال رمضان فوقع الشك في اليوم الثلاثين انه من شعبان أو من رمضان ولا خلاف انه يكره الصوم فيه بنية الفرض لقوله صلى الله عليه وسلم لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ولانه حين نوى الفرض فقد اعتقد الفريضة فيما ليس بفرض وذلك كاعتقاد النفلية فيما هو فرض ولكن مع هذا إذا تبين ان اليوم من رمضان فصومه تام لان النهى ليس لعين الصوم فلا يؤثر فيه فاما إذا صام فيه بنية النفل فلا بأس به عندنا وهو الافضل وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان وافق ذلك يوما كان يصومه أو صام قبله أياما فلا بأس به والا فهو مكروه لقوله صلى الله عليه وسلم من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم ولما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم ستة أيام يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق ويوم الشك ولنا حديث علي وعائشة رضى الله عنهما انهما كانا

[ 64 ] يصومان يوم الشك كما روينا ولان هذا اليوم من شعبان لان اليقين لا يزال بالشك والصوم من شعبان تطوعا مندوب إليه كما في سائر أيامه جاء في الحديث انه صلى الله عليه وسلم ما كان يصوم في شهر أكثر منه في شعبان فانه كان يصومه كله وتأويل النهى ان ينوى الفرض فيه وبه نقول (قال) الا ان يكون أبصر الهلال وحده ورد الامام شهادته وانما ترد شهادته إذا كانت السماء مصحية وهو من أهل المصر فاما إذا كانت السماء مغيمة أو جاء من خارج المصر أو كان من موضع نشز فانه تقبل شهادته عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى في أحد قوليه قال لان تهمة الكذب إذا كان بالسماء غيم أظهر فان الغيم مانع من الرؤية فإذا لم تقبل شهادته عند عدم المانع فعند قيامه أولى (ولنا) حديث عكرمة على ما رويناه ثم هو مخبر بأمر دينى وهو وجوب اداء الصوم على الناس فوجب قبول خبره إذا لم يكذبه الظاهر كمن روى حديثا وهذا الظاهر لا يكذبه فلعله تقشع الغيم عن موضع القمر فاتفقت له الرؤية دون غيره بخلاف ما ذا كانت السماء مصحية لان الظاهر يكذبه فانه مساو للناس في الموقف والمنظر وحدة البصر وموضع القمر فإذا رد الامام شهادته فعليه ان يصوم ولا يفطر الا على قول الحسن بن حي يعتمد ظاهر قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم وقوله صلى الله عليه وسلم صومكم يوم تصومون وهذا ليس بيوم الصوم في حق الجماعة فكذلك في حق الواحد (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا شعبان ثلاثين يوما ولان وجوب الصوم برؤية الهلال أمر بينه وبين ربه فلا يؤثر فيه الحكم وقد كان لزمه الصوم قبل أن ترد شهادته فكذلك بعده فان أفطر بالجماع لم تلزمه الكفارة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى هو يقول إنه متيقن ان اليوم من رمضان إذ لا طريق للتيقن أقوى من الرؤية وتيقنه لا يتغير بشك غيره ألا ترى أنه يلزمه الصوم فيه عن الفرض ويوم الشك ينهي فيه عن مثله وكما ان وجوب الصوم بينه وبين ربه فكذلك وجوب الكفارة عند الفطر (ولنا) انه مفطر بالشبهة لان الامام حين رد شهادته فقد حكم بأنه كاذب بدليل شرعى أوجب له الحكم به ولو كان حكمه هذا حقا ظاهرا وباطنا لكان يباح الفطر له فإذا كان نافذا ظاهرا يصير شبهة وكفارة الفطر عقوبة تدرأ بالشبهات حتى لا يجب على المخطئ ثم الكفارة انما وجبت بالفطر في يوم رمضان مطلقا وهذا اليوم رمضان من وجه شعبان من وجه

[ 65 ] ألا ترى ان سائر الناس لا يلزمهم الصوم فيه ويوم من رمضان لا ينفك عن الصوم فيه قضاء أو اداء فلم يكن هذا اليوم في معنى المنصوص من كل وجه فلو أو جبنا الكفارة فيه كان بطريق القياس على المنصوص ولا مدخل للقياس في اثبات الكفارة فاما وجوب الصوم فهو عبادة يؤخذ فيه بالاحتياط فكونه من رمضان من وجه يكفي في حقه (قال) رجل قبل امرأته في شهر رمضان فانزل عليه القضاء ولا كفارة عليه لحديث ميمونة بنت سعد ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل قبل امرأته وهما صائمان فقال قد أفطرا وتأويله أنه قد علم من طريق الوحى حصول الانزال به ثم معنى افتضاء الشهوة قد حصل بالانزال فانعدم ركن الصوم ولا يتصور أداء العبادة بدون ركنها ولكن لا تلزمه الكفارة لنقصان في الجناية من حيث أن التقبيل تبع وليس بمقصود بنفسه وفى النقصان شبهة العدم الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه يوجب الكفارة على كل مفطر غير معذور وكذلك المرأة ان أنزلت لحديث أم سليم أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل فقال ان كان منها مثل ما يكون منه فلتغتسل أشار إلى أنها تنزل كالرجل وإذا أنزلت فحكمها حكم الرجل (قال) ومن أكل أو شرب أو جامع ناسيا في صومه لم يفطره ذلك والنفل والفرض فيه سواء. وقال مالك رحمه الله تعالى في الفرض يقضى وهو القياس على ما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الجامع الصغير لولا قول الناس لقلت يقضى أي لولا روايتهم الاثر أو لو قول الناس إن أبا حنيفة رحمه الله تعالى خالف الاثر. ووجه القياس أن ركن الصوم ينعدم بأكله ناسيا كان أو عامدا وبدون الركن لا يتصور أداء العبادة والنسيان عذر بمنزلة الحيض والمرض فلا يمنع وجوب القضاء عند انعدام الاداء (ولنا) حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى أكلت وشربت في رمضان ناسيا وأنا صائم فقال أن الله أطعمك وسقاك فتم على صومك وهكذا روى عن علي رضى الله عنه. وقال سفيان الثوري رضى الله عنه ان أكل أو شرب لم يفطر وان جامع ناسيا أفطر قال لان الحديث ورد في الاكل والشرب والجماع ليس في معناه لان زمان الصوم زمان وقت للاكل عادة فيبتلى فيه بالنسيان وليس بوقت الجماع عادة فلا تكثر فيه البلوى ولكنا نقول قد ثبت بالنص المساواة بين الاكل والشرب والجماع في حكم الصوم فإذا ورد نص في أحدهما كان ورودا في الآخر باعتبارها المقدمة كمن يقول لغيره

[ 66 ] إجعل زيدا وعمرا في العطية سواء ثم يقول اعط زيدا درهما كان ذلك تنصيصا على أنه يعطى عمرا أيضا درهما فان تذكر فنزع نفسه من ساعته فصومه تام وكذا الذى طلع عليه الفجر وهو مخالط لاهله إذا نزع نفسه من ساعته فصومه تام وعلى قول زفر رحمه الله تعالى فيهما جميعا يقضى الصوم لوجود جزء من المواقعة وان قل بعد التذكر وطلوع الفجر (ولنا) أنه لم يوجد بعد التذكر وطلوع الفجر الا الامتاع من قضاء الشهوة وذلك ركن الصوم فلا يفسد الصوم وروى محمد عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى في نوادر الصوم أنه قال في الذى طلع عليه الفجر يقضى بخلاف الناسي والفرق أن اقتران المواقعة بطلوع الفجر مانع من انعقاد الصوم وفى الناسي صومه كان منعقدا ولم يوجد ما يرفعه وهو اقتضاء الشهوة بعد التذكر فبقى صائما فان أتم الفعل فعليه القضاء دون الكفارة الا على قول الشافعي رحمه الله تعالى فانه يجعل استدامة الفعل بعد التذكر وطلوع الفجر كالانشاء (ولنا) ان الشبهة قد تمكنت في فعله من حيث ان ابتداءه لم يكن جناية وروى هشام عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى في الذى طلع عليه الفجر إذا أتم الفعل فعليه الكفارة بخلاف ما إذا تذكر لان آخر الفعل من جنس أوله وفي الذى طلع عليه الفجر أول فعله عمد فكذلك آخره بخلاف الناسي فان ذكر الناسي فلم يتذكر وأكل مع ذلك فقد ذكر في اختلاف زفر ويعقوب ان على قول زفر لا يفسد صومه لبقاء المانع وهو النسيان وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يفسد صومه لان الاحتياط قد لزمه حين ذكر وعدم التذكر بعد ما ذكر نادر فلا يعتبر (قال) وإذا تمضمض الصائم فسبقه الماء فدخل حلقه فان لم يكن ذاكرا لصومه فصومه تام كما لو شرب وان كان ذاكرا لصومه فعليه القضاء عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ثم عذر هذا أبين من عذر الناسي فان الناسي قاصد إلى الشرب غير قاصد إلى الجناية على الصوم وهذا غير قاصد إلى الشرب ولا إلى الجناية على الصوم فإذا لم يفسد الصوم ثمة فهنا أولى (ولنا) ما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للقسط بن صبرة بالغ في المضمضة والاستنشاق الا ان تكون صائما فالنهى عن المبالغة التى فيها كمال السنة عند الصوم دليل على ان دخول الماء في حلقه مفسد لصومه ولان ركن الصوم قد انعدم مع عذر الخطأ وأداء العبادة بدون ركنها لا يتصور وهكذا القياس في الناسي ولكنا تركناه بالسنة وهذا ليس في معناه لان

[ 67 ] التحرز عن النسيان غير ممكن والتحرز عن مثل هذا الخطأ ممكن ثم ركن الصوم قد انعدم معنى فان الذى حصل له وان كان مخطئا قد انعدم صورة لا معنى بأن يتناول حصاة فسد صومه فإذا انعدم معنى أولى لان مراعاة المعاني في باب العبادات أبين من مراعاة الصور وكان ابن أبى ليلى يقول ان كان وضوؤه فرضا لم يفسد صومه وان كان نفلا فسد صومه لهذا. وقال بعض أهل الحديث ان كان في الثلاث لا يفسد صومه وان جاوز الثلاث يفسد صومه. ومنهم من فصل بين المضمضة والاستنشاق في الوضوء والجنابة والاعتماد على ما ذكرنا وتأويل الحديث ان المراد رفع الاثم دون الحكم وبه نقول (قال) والاكتحال لا يضر الصائم وان وجد طعمه في حلقه وكان ابراهيم النخعي يكره للصائم أن يكتحل وابن أبى ليلى كان يقول ان وجد طعمه في حلقه فطره لوصول الكحل إلى باطنه (ولنا) حديث أبى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بمكحلة إثمد في رمضان فاكتحل وهو صائم. وعن أبى مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء من بيت أم سلمة وعيناه مملوتان كحلا كحلته أم سلمة وصوم يوم عاشوراء في ذلك الوقت كان فرضا ثم صار منسوخا ثم ما وجد من الطعم في حلقه أثر الكحل لا عينه كمن ذاق شيئا من الادوية المرة يجد طعمه في حلقه فهو قياس الغبار والدخان وان وصل عين الكحل إلى باطنه فذلك من قبل المسام لا من قبل المسالك إذ ليس من العين إلى الحلق مسلك فهو نظير الصائم يشرع في الماء فيجد برودة الماء في كبده وذلك لا يضره وعلى هذا إذا دهن الصائم شاربه فأما السعوط والوجور يفطره لوصوله إلى أحد الجوفين إما الدماغ أو الجوف والفطر مما يدخل ولا كفارة عليه لان معنى الجناية لا يتم به فان اقتضاء الشهوة لا يحصل به الا في رواية هشام عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أن عليه الكفارة إذا لم يكن به عذر والحقنة تفطر الصائم لوصول المفطر إلى باطنه وهذا بخلاف الرضيع إذا احتقن بلبن امرأة لا يثبت به حرمة لرضاع الا في رواية شاذة عن محمد رحمه الله تعالى لان ثبوت حرمة الرضاع بما يحصل به انبات اللحم وانشاز العظم وذلك بما يحصل إلى أعالي البدن لا إلى الاسافل فأما الفطر يحصل بوصول المفطر إلى باطنه لانعدام الامساك به والاقطار في الاذن كذلك يفسد لانه يصل إلى الدماغ والدماغ أحد الجوفين فاما الاقطار في الاحليل لا يفطره عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويفطره عند أبى يوسف وحكي ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى

[ 68 ] أنه توقف فيه وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انه إذا صب الدهن في إحليله فوصل إلى مثانته فسد صومه وهذا الاختلاف قريب فقد وقع عند أبى يوسف رحمه الله تعالى أن من المثانة إلى الجوف منفذ حتى لا تقدر المرأة على استمساك البول والامر على ما قالا فان أهل الطب يقولون البول يخرج رشحا وما يخرج رشحا لا يعود رشحا وبعضهم يقول هناك منفذ على صورة حرف الخاء فيخرج منه البول ولا يتصور أن يعود فيه شئ مما يصب في الاحليل فأما الجائفة والآمة إذا داواهما بدواء يابس لم يفطره وان دواهما بدواء رطب فسد صومه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولم يفسد في قولهما والجائفة اسم لجراحة وصلت إلى الجوف والآمة اسم لجراحة وصلت إلى الدماغ فهما يعتبران الوصول إلى الباطن من مسلك هو خلقة في البدن لان المفسد للصوم ما ينعدم به الامساك المأمور به وانما يؤمر بالامساك لاجل الصوم من مسلك هو خلقة دون الجراحة العارضة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المفسد للصوم وصول المفطر إلى باطنه فالعبرة للواصل لا للمسلك وقد تحقق الوصول هنا وفى ظاهر الرواية فرق بين الدواء الرطب واليابس وأكثر مشايخنا رضي الله عنهم أن العبرة بالوصول حتي إذا علم أن الدواء اليابس وصل إلى جوفه فسد صومه وان علم أن الرطب لم يصل إلى جوفه لا يفسد صومه عنده الا انه ذكر اليابس والرطب بناء على العادة فاليابس انما يستعمل في الجراحة لاستمساك رأسها به فلا يتعدى إلى الباطن والرطب يصل إلى الباطن عادة فلهذا فرق بينهما على ان العبرة لما قلنا ان اليابس يترطب برطوبة الجراحة (قال) رجل أصبح في أهله صائما ثم سافر لم يفطر لانه حين أصبح مقيما وجب عليه أداء الصوم في هذا اليوم حقا لله تعالى وانما أنشأ السفر باختياره فلا يسقط به ما تقرر وجوبه عليه وان أفطر فلا كفارة عليه لتمكن الشبهة بسبب اقتران المبيح للفطر فان السفر مبيح للفطر في الجملة فصورته وان لم تبح تمكن شبهة وكفارة الفطر تسقط بالشبهة وذكر الشافعي رحمه الله تعالي في رواية البويطى انه يلزمه الكفارة اعتبارا لآخر النهار بأوله وهذا بعيد فان في أوله يتعرى فطره عن الشبهة وبعد السفر يقترن السبب المبيح بالفطر ولو وجد هذا السبب في أول النهار لكان الفطر يباح له فإذا وجد في آخره يصير شبهة (قال) رجل أصبح صائما متطوعا ثم أفطر عليه القضاء عندنا خلافا للشافعي رحمه تعالى وحجته حديث أم هانئ ان النبي صلى الله عليه وسلم ناولها فضل سؤره فشربت ثم قالت انى كنت

[ 69 ] صائمة لكن كرهت ان أرد سؤرك فقال صلى الله عليه وسلم ان كان صومك عن قضاء فاقضي يوما وان كان صومك تطوعا فان شئت فاقضيه وان شئت فلا تقضيه ولان المتنفل متبرع بما ليس عليه فلا يلزمه ما لم يتبرع به ولكنه مخير في آخره كما كان مخيرا في أوله كمن شرع في صلاة التطوع ينوى أربعا فصلى ركعتين كان مخيرا في الشفع الثاني وهذا بخلاف الحج فان بتبرعه هناك لا يلزمه شئ انما تعذر الخروج عما شرع فيه فيلزمه الاتمام حتي لو تيسر عليه الخروج بالاحصار لم يلزمه القضاء عندي وبخلاف الناذر فانه ملتزم ما ليس عليه فكان نظير النذر من المعاملات الكفالة ونظير الشروع في الهبة والاقرار (ولنا) حديث عائشة قالت أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين فاهدى لنا حيس فأكلنا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتدرنا لنسئله فبدرتني حفصة وكانت بنت أبيها سباقة إلى الخيرات فقال صلى الله عليه وسلم إقضيا يوما مكانه فان كان هذا بعد حديث أم هانئ كان ناسخا له وان كان قبله فتبين به ان المراد بقوله ان شئت فاقضيه وان شئت فلا تقضيه تأخير القضاء وتعجيله أو تبين به ان النبي صلى الله عليه وسلم خص أم هانئ باسقاط القضاء عنها بقصدها التبرك بسؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنها غفلت عن الصوم لفرط قصدها إلى التبرك كما ان أبا طيبة لما حجم النبي صلى الله عليه وسلم شرب دمه فقال صلى الله عليه وسلم حرم الله جسدك على النار وشرب الدم لا يوجب هذا ولكنه لفرط المحبة غفل عن الحرمة فأكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكر ولانه باشر فعل قربة مقصودة فيجب عليه اتمامها ويلزمه القضاء بالافساد كمن أحرم بحج التطوع ولا نقول ان تبرعه بما ليس عليه يلزمه ما لم يتبرع به ولكن وجب عليه حفظ المؤدى لكونه قربة فان التحرز عن ابطال العمل واجب قال الله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم كما ان الوفاء بالعهد واجب فكما يلزمه الاداء بعد النذر لان الوفاء به فكذلك يلزمه أداء ما بقى لان التحرز عن ابطال العمل فيه بخلاف الصلاة فانه ليس في الامتناع من الشفع الثاني ابطال الشفع الاول ولانه بالشروع تعين هذا اليوم لاداء الصوم المشروع فيه وله ولاية التعيين فيتعين بتعيينه والتحق بالزمان المتعين للصوم شرعا والافساد في ذلك الزمان يوجب القضاء فهذا مثله وهو كالناذر لما كان له ولاية الايجاب التحق ذلك بالواجب شرعا حتى إذا انعدم الاداء منه لزمه القضاء فهذا مثله وهذه المسألة تبنى على أصل وهو ان بعد الشروع لا يباح له الافطار بغير عذر عندنا

[ 70 ] فيصير بالافطار جانيا فيلزمه القضاء وعند الشافعي رحمه الله تعالى يباح له الافطار من غير عذر واختلفت الروايات في الضيافة هل تكون عذرا فروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى انه عذر مبيح للفطر وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انه لا يكون عذرا وروى ابن مالك عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انه يكون عذرا وهو الاظهر لما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ضيافة رجل من الانصار فامتنع رجل من الاكل فقال اني صائم فقال صلى الله عليه وسلم انما دعاك أخوك لتكرمه فافطر واقض يوما مكانه ووجه الرواية الاخرى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب فان كان مفطرا فليأكل وان كان صائما فليصل أي فليدع لهم وقال صلى الله عليه وسلم ان أخوف ما أخاف على أمتى الشرك والشهوة الخفية فقيل أو تشرك أمتك بعدك فقال لا ولكنهم يراؤن بأعمالهم فقيل وما الشهوة الخفية فقال ان يصبح أحدهم صائما ثم يفطر على طعام يشتهيه وسواء كان الفطر بعذر أو بغير عذر فالقضاء واجب وكذلك سواء حصل الفطر بصنعه أو بغير صنعه حتى إذا حاضت الصائمة تطوعا فعليها القضاء في أصح الروايتين وفى كتاب الصلاة إذا افتتح التطوع بالتيمم ثم أبصر الماء فعليه القضاء والخروج هنا ما كان بصنعه فتبين ان الصحيح ان الشروع ملزم للاتمام كالنذر موجب للاداء وانه متى تعذر الاتمام بعد صحة الشروع فعليه القضاء (قال) رجل أغمى عليه في شهر رمضان حين غربت الشمس فلم يفق الا بعد الغد فليس عليه قضاء اليوم الاول لانه لما غربت الشمس وهو مفيق فقد صح منه نية صوم الغد وركن الصوم هو الامساك والاغماء لا ينافيه فتأدى صومه في اليوم الاول لوجود ركنه وشرطه وعليه قضاء اليوم الثاني لان النية في اليوم الثاني لم توجد وقد بينا ان صوم كل يوم يستدعى نية على حدة وبمجرد الركن بدون الشرط لا تتأدى العبادة (قال) وإذا نظر إلى فرج امرأته فأنزل فصومه تام ما لم يمسها وقال مالك رحمه الله تعالى ان نظر مرة فكذلك وان نظر مرتين فسد صومه لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلى لا تتبع النظرة النظرة فانما الاولى لك والاخرى عليك ولان النظر الاول يقع بغتة فلا ينعدم به الامساك فإذا تعمد النظر بعد ذلك حتى أنزل فقد فوت ركن الصوم (ولنا) ان النظر كالتفكر على معنى أنه مقصور عليه غير متصل بها ولو تفكر في جمال امرأة فأنزل لم يفسد ثومه فكذلك إذا نظر إلى فرجها ولو كان هذا مفسدا للصوم لم يشترط فيه

[ 71 ] التكرار كالمس وتأويل الحديث المؤاخذة بالمأثم إذا تعمد النظر إلى ما لا يحل وان جامعها متعمدا فعليه ان يتم صوم ذلك اليوم بالامساك تشبها بالصائمين وعليه قضاء ذلك اليوم والكفارة اما وجوب القضاء فقول جمهور العلماء وقال الاوزاعي ليس عليه القضاء واستدل بحديث الاعرابي فان النبي صلى الله عليه وسلم بين حكم الكفارة له ولم يبين حكم القضاء وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وقال صلى الله عليه وسلم من أفطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر وليس على المظاهر سوى الكفارة (ولنا) أنه وجب هليه الصوم بشهود الشهر وقد انعدم الاداء منه فيلزمه القضاء كما لو كان معذورا وفوت ما لزمه من الاداء فيضمنه بمثل من عنده كما في حقوق العباد وانما أراد بقوله فعليه ما على المظاهر بسبب الفطر وبه نقول ان وجوب القضاء ليس بسبب الفطر وانما بين للاعرابي ما كان مشكلا عليه وجوب القضاء غير مشكل. فاما وجوب الكفارة قول جمهور العلماء وكان سعيد بن جبير يقول لا كفارة على المفطر في رمضان لان في آخر حديث الاعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له كلها أنت وعيالك فانتسخ بهذا حكم الكفارة (ولنا) قول النبي صلى الله عليه وسلم من أفطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر وحديث الاعرابي حين جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينتف شعره ويقول هلكت وأهلكت فقال ماذا صنعت فقال واقعت أهلى في رمضان نهارا متعمدا فقال اعتق رقبة فضرب بيده على صفحة عنقه وقال لا أملك الا رقبتي هذه فقال صلى الله عليه وسلم صم شهرين متتابعين فقال وهل أتيت ما أتيت الا من الصوم فقال اطعم ستين مسكينا فقال لا أجد فقال إجلس فجلس فأتى بصدقات بنى زريق فقال خذ خمسة عشر صاعا فتصدق بها على المساكين فقال على أهل بيت أحوج إليها منى ومن عيالي والله ما بين لابتى المدينة أحوج إليها منى ومن عيالي فقال صلى الله عليه وسلم كلها أنت وعيالك زاد في بعض الروايات تجزيك ولا تجزى أحدا بعدك فان ثبتت هذه الزيادة ظهر أنه كان مخصوصا وان لم تثبت هذه الزيادة لا يتبين به انتساخ الكفارة ولكنه عذره في التأخير للعسرة ثم الكفارة مرتبة عند علمائنا والشافعي رحمهم الله تعالى. وقال مالك رحمه الله تعالى ثبتت على سبيل التخيير لحديث سعد بن أبى وقاص ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى افطرت في رمضان فقال اعتق رقبة أو صم شهرين أو أطعم ستين مسكينا (ولنا) ما روينا من قوله صلى الله عليه وسلم فعليه

[ 72 ] ما على المظاهر وتبين بهذا ان المراد بالحديث الآخر بيان ما به تتأدى الكفارة في الجملة لا بيان التخيير ثم بعد العجز عن العتق كفارته بالصوم ألاعلى قول الحسن البصري فانه يقول عليه بدنة وجعل هذا قياس المجامع في الاحرام ولكنا نقول لا مدخل للقياس في أثبات ما به تتأدى الكفارة انما طريق معرفته النص وليس في شئ من النصوص ذكر البدنة في كفارة الفطر فكما لا مدخل للقياس فيما تتأدى به العبادة فكذا فيما يجب بالجناية فيها. والصوم مقدر بالشهرين بصفة التتابع الا على قول ابن أبى ليلى فانه يقول ان شاء تابع وان شاء فرق بالقياس على القضاء وما روينا من الآثار حجة عليه وكان ربيعة الرازي يقول الصوم مقدر باثني عشر يوما قال لان السنة اثنى عشر شهرا فصوم كل يوم يقوم مقام اثنى عشر يوما وبعض الزهاد يقول الصوم مقدر بألف يوم فان في رمضان ليلة القدر وهي خير من ألف شهر فإذ فوت صوم يوم منه فعليه ان يصوم ألف يوم ليقوم مقامه ولسنا نأخذ بشئ من هذا فان الاعتماد على الآثار المشهورة كما روينا وهذه آثار تلقتها العلماء بالقبول والعمل بها واثبات الكفارة بمثلها جائز وكما تجب الكفارة على الرجل تجب عليها ان طاوعته وللشافعي رحمه الله تعالى ثلاثة أقاويل قول مثل هذا وقول آخر ان الكفارة عليه دونها وقول آخر فصل بين البدني والمالي فقال عليها الكفارة بالصوم ويتحمل الزوج عنها إذا كان ماليا واستدل بحديث الاعرابي فان النبي صلى الله عليه وسلم بين حكم الكفارة في جانبه لا في جانبها فلو لزمتها الكفارة لبين ذلك كما بين الحد في جانبها في حديث العسيف ثم سبب الكفارة المواقعة المعدمة للصوم والرجل هو المباشر لذلك دونها إذ هي محل المواقعة وليست بمباشرة للمواقعة فكان فعلها دون فعل الرجل كالجماع فيما دون الفرج بخلاف الحد فان سببه الزنا وهى مباشرة للزنا فان الله تعالى سماها زانية وعلى القول الآخر يقول ما يتعلق بالمواقعة إذا كان بدنيا اشتركا فيه كالاغتسال وإذا كان ماليا تحمل الزوج عنها كالمهر وثمن ماء الاغتسال (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم من أفطر في رمضان وكلمة من تعم الرجال والنساء وتبين بهذا ان السبب الموجب للكفارة فطر هو جناية كاملة وهذا السبب يتحقق في جانبها كما يتحقق في جانبه فتلزمها الكفارة كما يلزمها الحد بسبب الزنا وبه تبين ان تمكينها فعل كامل فان مع النقصان لا يجب الحد وبيان النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة في جانبه بيان في جانبها لان كفارتهما واحدة بخلاف حديث العسيف فان الحد في جانبه كان

[ 73 ] هو الجلد وفى جانبها الرجم ولا معنى للتحمل لان الكفارة اما ان تكون عقوبة أو عبادة وبسبب النكاح لا يجرى التحمل في العبادات والعقوبات انما ذلك في مؤن الزوجية وان غلبها على نفسها فعليها القضاء دون الكفارة وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يفسد صومها والكلام في هذا نظير الكلام في الخاطئ وقد بيناه (قال) وكذلك ان أكل أو شرب متعمدا فعليه القضاء والكفارة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا كفارة عليه لان سبب وجوب الكفارة بالنص المواقعة المعدمة للصوم فلو أوجب بالاكل كان بالقياس على المواقعة ولا مدخل للقياس في الكفارة الا ترى انه لا تقاس دواعى الجماع على الجماع فيه ولان الحرمة تارة تكون لاجل العبادة وتارة لعدم الملك ثم ما يتعلق بالاكل لا يتعلق بالمواقعة متى كانت الحرمة لعدم الملك فكذلك العبادة واستدل بالحج فان ما يتعلق بالمواقعة فيه وهو فساد النسك لا يتعلق بسائر المحظورات فكذلك الصوم والجامع ان هذه عبادة للكفارة العظمى فيها فتختص بالمواقعة (ولنا) حديث أبى هريرة ان رجلا قال يا رسول الله أفطرت في رمضان فقال من غير مرض ولا سفر فقال نعم فقال اعتق رقبة وانما فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سؤاله الفطر بما يحوجه إليه كالمرض والسفر وذكر أبو داود ان الرجل قال شربت في رمضان وقال على رضى الله عنه انما الكفارة في الاكل والشرب والجماع ولان فطره تضمن هتك حرمة النص فكان كالفطر بالجماع وبيانه ان نص التحريم بالشهر يتناول ما يتناوله نص الاباحة بالليالى وهتك حرمة النص جناية متكاملة ثم نحن لا نوجب الكفارة بالقياس وانما نوجبها استدلالا بالنص لان السائل ذكر المواقعة وعينها ليس بجناية بل هو فعل في محل مملوك وانما الجناية الفطرية فتبين ان الموجب للكفارة فطر هو جناية الا ترى ان الكفارة تضاف إلى الفطر والواجبات تضاف إلى أسبابها والدليل عليه انه لا تجب على الناسي لانعدام الفطر والفطر الذى هو جناية متكاملة يحصل بالاكل كما يحصل بالجماع ولانه آلة له وتعلق الحكم بالسبب لا بالآلة ثم ايجابه في الاكل أولى لان الكفارة أوجبت زاجرة ودعاء الطبع في وقت الصوم إلى الاكل أكثر منه إلى الجماع والصبر عنه أشد فايجاب الكفارة فيه أولى كما ان حرمة التأفيف يقتضى حرمة الشتم بطريق الاولى ثم لاجل العبادة استوى حرمة الجماع وحرمة الاكل بخلاف حال عدم الملك فان حرمة الجماع أغلظ حتى تزيد حرم الجماع على حرمة الاكل وبخلاف الحج

[ 74 ] فان حرمة الجماع فيه أقوى حتى لا يرتفع بالحلق والدليل على المساواة هنا فصل الناسي فقد جعلنا النص الوراد في الاكل حال النسيان كالوارد في الجماع فكذلك يجعل النص الوارد في ايجاب الكفارة بالمواقعة كالوارد في الاكل والدواعي تبع فلا تتكامل به الجناية. ثم حاصل المذهب عندنا ان الفطر متى حصل بما يتغذى به أو يتداوى به تتعلق الكفارة به زجرا فان الطباع تدعو إلى الغذاء وكذلك إلى الدواء لحفظ الصحة أو اعادتها فأما إذا تناول مالا يتغذى به كالتراب والحصاة يفسد صومه الا على بعض من لا يعتمد على قوله فانه يقول حصول الفطر بما يكون به اقتضاء الشهوة ولكنا نقول ركن الصوم الكف عن ايصال الشئ إلى باطنه وقد انعدم ذلك بتناول الحصاة ثم لا كفارة عليه الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه قال هو مفطر غير معذور قال وجنايته هنا أظهر إذ لا غرض له في هذا الفعل سوي الجناية على الصوم بخلاف ما يتغذى به ولكنا نقول عدم دعاء الطبع إليه يغنى عن ايجاب الكفارة فيه زاجرا كما لم نوجب الحد في شرب الدم والبول بخلاف الخمر ثم تمام الجناية بانعدام ركن الصوم صورة ومعنى فانعدام معنى ما يحصل به اقتضاء الشهوة إذا انعدم لم تتم الجناية وفى النقصان شبهة العدم والكفارة تسقط بالشبهة (قال) وان جامعها ثانيا في الشهر فعليه كفارة واحدة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى عليه كل يوم كفارة قال لان السبب تقرر في اليوم الثاني وهو الجماع المعدم للصوم أو الفطر الذى هو جناية على الصوم فوجبت الكفارة ثم الكفارات لا تتداخل كما في سائر الكفارات فان معنى العبادة فيها راجح حتى يفتى بها وتتأدى بما هو عبادة والتداخل في العقوبات المحضة (ولنا) حرفان. أحدهما ان كمال الجناية باعتبار حرمة الصوم والشهر جميعا حتى ان الفطر في قضاء رمضان لا يوجب الكفارة لانعدام حرمة الشهر وباعتبار تجدد الصوم لا تتجدد حرمة الشهر ومتى صارت الحرمة معتبرة لايجاب الكفارة مرة لا يمكن اعتبارها لايجاب كفارة أخرى لانها تلك الحرمة بعينها (والثانى) أن كفارة الفطر عقوبة تدرأ بالشبهات فتتداخل كالحدود وبيان الوصف أن سبب الوجوب جناية محضة على حق الله تعالى والجنايات سبب لايجاب العقوبات والدليل عليه سقوطها بعذر الخطأ بخلاف سائر الكفارات (قال) فان أفطر في يوم وكفر ثم أفطر في يوم آخر فعليه كفارة أخرى الا في رواية زفر عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى فانه يقول يكفيه تلك الكفارة لاعتبار اتحاد حرمة الشهر وهو قياس من تلى آية السجدة في مجلس وسجد ثم

[ 75 ] تلاها مرة أخرى لم تلزمه سجدة أخرى لاتحاد السبب وجه ظاهر الرواية أن التداخل قبل أداء الاول لا بعده كما في الحدود إذا زنى بامرأة فحدثم زني بها يلزمه حد آخر وهذا أصح لان السبب فطر هو جناية على الصوم وحرمة الشهر محل تغلظ به هذه الجناية والعبرة للاسباب دون المحال فان جامع في رمضانين فقد ذكر في الكسائيات عن محمد رحمه الله تعالى أن عليه كفارتين لاعتبار تجدد حرمة الشهر والصوم وأكثر مشايخنا يقولون لا اعتماد على تلك الرواية والصحيح أن عليه كفارة واحدة لاعتبار معنى التداخل (قال) وكل صوم في القرآن لم يذكره الله متتابعا فله أن يفرقه وما ذكر متتابعا فليس له أن يفرقه أما المذكور متابعا فصوم كفارة القتل وكفارة الظهار فان النص ورد بقدر معلوم مقيد بوصف فكما لا يجوز الاخلال بالقدر المنصوص فكذا بالوصف المنصوص فأما ما لم يذكره متتابعا فصوم القضاء. قال الله تعالى فعدة من أيام أخر ويجوز القضاء متتابعا ومتفرقا لانه مطلق عن الوصف. وقال ابن عباس رضى الله عنه انهموا ما انهم الله وفى الحديث ان رجلا سأل رسول الله عن قضاء أيام من رمضان أفيجزينى ان أصوم متفرقا فقال أرأيت لو كان عليك دين فقضيت الدرهم والدرهمين اكان يقبل منك فقال نعم فقال الله أحق بالتجاوز والقبول والذى في قراءة أبى بن كعب فعدة من أيام أخر متتابعة شاذ غير مشهور وبمثله لا نثبت الزيادة على النص فأما صوم كفارة اليمين فثلاثة أيام متتابعة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى (قال) إنه مطلق في القرآن ونحن اثبتنا التتابع بقراءة ابن مسعود فانها كانت مشهورة إلى زمن أبى حنيفة رحمه الله تعالى حتى كان سليمان الاعمش يقرأ ختما على حرف ابن مسعود وختما من مصحف عثمان رضى الله عنه والزيادة عندنا تثبت بالخبر المشهور (قال) رجل جامع امرأته في يوم من رمضان ثم حاضت المرأة ومرض الرجل في ذلك اليوم سقطت عنهما الكفارة عندنا وعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى لا تسقط وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى على القول الذى يوجب الكفارة على المرأة. وقال زفر رحمه الله تعالى تسقط عنها بعذر الحيض ولا تسقط عنه بعذر المرض وجه قول ابن أبى ليلى أن السبب الموجب للكفارة قد تم وهو الفطر فوجبت الكفارة دينا في الذمة والحيض والمرض لا ينافى بقاء الكفارة ثم الحيض والمرض لم يصادف الصوم هنا فاعتراضهما في اليوم والليل سواء وهو قياس السفر بعد الفطر لا يسقط الكفارة ليلا كان أو نهارا وزفر

[ 76 ] رحمه الله تعالى يفرق ويقول الحيض ينافى الصوم وصوم يوم واحد لا يتجزى فتقرر المنافى في آخره يمكن شبهة المنافاة في أوله فاما المرض لا ينافي الصوم فلا يتمكن بالمرض في آخر النهار شبهة المنافاة في أوله للصوم ولكنا نقول المرض ينافي استحقاق الصوم بدليل انه لو لم يفطر حتى مرض يباح له الفطر والكفارة لا تجب الا بالفطر في صوم مستحق واستحقاق الصوم في يوم واحد لا يتجزأ فتقرر المنافاة للاستحقاق في آخر النهار يمكن شبهة منافاة الاستحقاق في أوله بخلاف السفر فانه غير مناف للاستحقاق حتى لو لم يفطر حتى سافر لا يباح له الفطر فلا يتمكن بالسفر في آخر النهار شبهة في أوله بخلاف ما إذا لم يفطر حتى سافر ثم أفطر لان سقوط الكفارة هناك باعتبار الصورة المبيحة والصورة المبيحة انما تعمل إذا اقترنت بالسبب ولا اسناد في الصور انما ذلك في المعاني ثم السفر فعله والكفارة انما وجبت حقا لله تعالى فلا يسقط بفعل العبد باختياره بخلاف المرض والحيض فانه سماوي لا صنع للعباد فيه فإذا جاء العذر ممن له الحق سقطت به الكفارة فان سوفر به مكرها فقد ذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى ان على قول أبى يوسف رضى الله عنه لا تسقط به الكفارة لان الصنع للعباد فيه فهو قياس مالو أكره على الاكل بعد ما أفطر وعلى قول زفر رحمه الله تعالى تسقط لانه لا صنع له فيه ولا اعتماد على هذه الرواية عن زفر رحمه الله تعالى فان عنده بالمرض لا تسقط الكفارة فبالسفر مكرها كيف تسقط (قال) رجل أصبح صائما في غير رمضان يريد به قضاء رمضان ثم أكل متعمدا فقد أساء ولا كفارة عليه لان وجوب الكفارة بالنصوص والنصوص وردت بالفطر في رمضان والفطر في غير رمضان ليس في معنى الفطر في رمضان من كل وجه لان هذا اليوم ما كان متعينا لقضائه وهذا بخلاف الحج فان الجماع في قضاء الحج بوجب ما يوجب في الاداء لتحقق المساواة في معنى الجناية ألا ترى أن في حج النفل يتعلق بالجماع ما يتعلق في حج الفرض بخلاف الصوم (قال) مسافر أصبح صائما في رمضان ثم أفطر قبل ان يقدم مصره أو بعد ما قدم فلا كفارة عليه لان أداء الصوم في هذا اليوم ما كان مستحقا عليه حين كان مسافرا في أوله فهذا والفطر في قضاء رمضان سواء وحكي عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه ان أفطر بعد ما صار مقيما فعليه الكفارة وجعل وجود الاقامة في آخره كوجودها في أوله ولكنا نقول الشبهة تمكنت بالسفر الموجود في أول النهار فانه ينعدم به استحقاق الاداء وصوم يوم واحد لا يتجزى في الاستحقاق

[ 77 ] (قال) رجل عليه قضاء أيام من شهر رمضان فلم يقضها حتى دخل رمضان من قابل فصامها منه فان صيامه عن هذا الرمضان الداخل وقد بينا هذا الفصل في المقيم والمسافر جميعا وعليه قضاء رمضان الماضي ولا فدية عليه عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يلزمه مع القضاء لكل يوم إطعام مسكين ومذهبه مروى عن ابن عمر ومذهبنا مروى عن على وابن مسعود رحمهما الله تعالى وحاصل الكلام ان عنده القضاء مؤقت بما بين الرمضانين يستدل فيه بما روى عن عائشة رضى الله عنها انها كانت تؤخر قضاء أيام الحيض إلى شعبان وهذا منها بيان آخر ما يجوز التأخير إليه ثم جعل تأخير القضاء عن وقته كتأخير الاداء عن وقته فكما ان تأخير الاداء عن وقته لا ينفك عن موجب فكذلك تأخير القضاء عن وقته ولنا ظاهر قوله تعالى فعدة من أيام اخر وليس فيها توقيت والتوقيت بما بين الرمضانين يكون زيادة ثم هذه عبادة مؤقتة قضاؤها لا يتوقت بما قبل مجئ وقت مثلها كسائر العبادات وانما كانت عائشة رضى الله تعالى عنها تختار للقضاء شعبان لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحتاج إليها فيه فانه كان يصوم شعبان كله ولان كان القضاء مؤقتا بما بين الرمضانين فالتأخر عن وقت القضاء كالتأخر عن وقت الاداء وتأخير الاداء عن وقته لا يوجب عليه شيئا انما وجوب الصوم باعتبار السبب لا بتأخير الاداء فكذلك تأخير القضاء عن وقته ثم الفدية تقوم مقام الصوم عند اليأس منه كما في الشيخ الفاني وبالتأخير لم يقع اليأس عن الصوم والقضاء واجب عليه فلا معنى لايجاب الفدية وكما لم يتضاعف القضاء بالتأخير فكذلك لا ينضم القضاء إلى الفدية لانه في معنى التضعيف (قال) وان شك في الفجر فأحب إلى أن يدع الاكل وان أكل وهو شاك فصومه تام أما التسحر فهو مندوب إليه لقوله صلى الله عليه وسلم استعينوا بقائلة النهار على قيام الليل وبأكلة السحور على صيام النهار وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكل السحور والتأخير مندوب إليه قال صلى الله عليه وسلم ثلاث من أخلاق المرسلين تعجيل الافطار وتأخير السحور والسواك الا أنه يؤخر على وجه لا يشك في الفجر الثاني فان شك فيه فالمستحب أن يدع الاكل لقوله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك والا كل يريبه فان أكل وهو شاك فصومه تام لان الاصل بقاء الليل والتيقن لا يزال بالشك فان كان أكبر رأيه أنه تسحر والفجر طالع فالمستحب له أن يقضى احتياطا للعبادة ولا يلزمه القضاء في ظاهر الرواية لانه

[ 78 ] غير متيقن بالسبب والاصل بقاء الليل. وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمهما الله الله تعالى قال ان كان في موضع يستبين له الفجر فلا يلتفت إلى الشك ولكنه يأكل إلى ان يستيقن بطلوع الفجر وان كان في موضع لا يستبين له الفجر أو كانت الليلة مقمرة فالاولى ان يحتاط وان أكل لم يلزمه شئ الا انه إذا كان أكبر رأيه انه أكل بعد طلوع الفجر فحينئذ يلزمه القضاء لان أكبر الرأى بمنزلة التيقن فيما يبنى أمره على الاحتياط (قال) وان صام أهل المصر من غير رؤية الهلال ولم يصم رجل منهم حتى أبصر الهلال من الغد فصام أهل المصر ثلاثين يوما والرجل تسعة وعشرين يوما فليس على الرجل قضاء شئ وقد أخطأ أهل المصر حين صاموا بغير رؤية الهلال لقوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا شعبان ثلاثين يوما فأهل المصر خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا مخطئين ومنهم من قال يرجع إلى قول أهل الحساب عند الاشتباه وهذا بعيد فان النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى كاهنا أو عرافا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد والذى روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فان غم عليكم فأقدروا له معناه التقدير باكمال العدة كما في الحديث المبين وانما لا يجب على الرجل قضاء شئ لان الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوما قال صلى الله عليه وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بأصابعه وخنس ابهامه في الثالثة وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ما صمنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسعة وعشرين يوما أكثر مما صمنا ثلاثين يوما وهكذا عن عائشة فلم يتبين خطأ الرجل فيما صنع فلا يلزمه قضاء شئ والذى روى شهران لا ينقصان رمضان وذو الحجة المراد في حق الثواب دون العدد لاستحالة ان يقع الخلف في خبر صاحب الشرع الا ان يكون أهل المصر رأوا هلال شعبان فأحصوا ثلاثين يوما ثم صاموا فقد أحسنوا وعلى من لم يصم معهم قضاء يوم لانا تيقنا انه أفطر يوما من شهر رمضان لان الشهر لا يكون أكثر من ثلاثين يوما وعلى هذا روى عن محمد رحمه الله تعالى أنهم لو صاموا بشهادة الواحد على رؤية الهلال فصاموا ثلاثين يوما ثم لم يروا الهلال أفطروا لان الشهر لا يكون أكثر من ثلاثين يوما وقد ألزمه ابن سماعة فقال هذا فطر بشهادة الواحد وأنت لا ترى ذلك وهذا الزام ظاهر والجواب عنه أن الفطر بقضاء القاضي وذلك بمقتضى الشهادة ويثبت بمثله ما لا يثبت بنفس الشهادة كالميراث عند شهادة القابلة

[ 79 ] على الولادة وقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى فيمن أبصر الهلال وحده ورد الامام شهادته فصام ثلاثين يوما ولم يروا الهلال لم يفطر الا مع الامام والجماعة فلعل الغلط وقع له كما ورد في حديث عمر رضي الله عنه أنه أمر الذى قال رأيت الهلال أن يمسح حاجبه بالماء ثم قال اين الهلال فقال فقدته فقال شعره قامت من حاجبك فحسبتها هلالا وانما أمرناه بالصوم في الابتداء احتياطا من غير أن نحكم أن اليوم من رمضان والاحتياط في أن لا يفطر الا مع الامام والجماعة (قال) وإذا جامع الرجل امرأته في الفرج فغابت الحشفة ولم ينزل فعليهما القضاء والكفارة والغسل أما الغسل فلاستطلاق وكاء المنى بفعله وأما الكفارة فلحصول الفطر على وجه تتم الجناية به قيل تمام الجناية في اقتضاء الشهوة وذلك لا يحصل بدون انزال (قلنا) اقتضاء الشهوة في المحل يتم بالايلاج فأما الانزال تبع لا يعتد به في تكميل الجناية فلو جامعها في الموضع المكروه فعليهما الغسل لما بينا ولا شك في ايجاب الكفارة على قولهما وعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا كفارة عليهما وهو ظاهر على أصله لانه لا يجعل هذا الفعل كاملا في ايجاب العقوبة التى تند رئ بالشبهات كالحد وفى جانب المفعول ظاهر فليس لها فيه اقتضاء الشهوة. وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان عليهما الكفارة وهو الاصح فان السبب قد تم وهو الفطر بجناية متكاملة انما يدعى أبو حنيفة رحمه الله تعالى النقصان في معنى الزنا من حيث انه لا يحصل به افساد الفراش ولا معتبر به في ايجاب الكفارة (قال) فان جامع بهيمة أو ميتة فليس عليه الكفارة أنزل أو لم ينزل عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فان السبب عنده الجماع المعدم للصوم وقد وجد ولكنا نقول الجناية لا تتكامل الا باقتضاء شهوة المحل وهذا وهذا المحل غير مشتهي عند العقلاء فان حصل به قضاء الشهوة فذلك لغلبة الشبق أو لفرط السفه وهو كمن يتكلف لقضاء شهوته بيده لا تتم جنايته في ايجاب الكفارة فهذا مثله (قال) فان جامع أو أكل أو شرب ناسيا فظن أن ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء ولا كفارة عليه لانه اشتبه عليه ما يشتبه فان الاكل مع النسيان يفوت ركن الصوم حقيقة ولا بقاء للعبادة مع فوات ركنها فيكون ظنه هذا في موضعه فصار شبهة في اسقاط الكفارة قال محمد رحمه الله تعالى الا أن يكون بلغه خبر الناسي فحينئذ عليه القضاء والكفارة لان ظنه مدفوع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال تم على صومك فلا

[ 80 ] تبقى شبهة وقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا كفارة عليه وان بلغه الخبر لان خبر الواحد لا يوجب علم اليقين وانما يوجب العمل تحسينا للظن بالراوي فلا تنتفي الشبهة به وعلى هذا لو احتجم فظن ان ذلك فطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء والكفارة لان ظنه في غير موضعه فان انعدام ركن الصوم بوصول الشئ إلى باطنه ولم يوجد الا أن يكون افتاه مفتى العامة بان صومه قد فسد فحينئذ لا كفارة عليه لان الواجب على العامي الاخذ بفتوى المفتى فتصير الفتوى شبهة في حقه وان كان خطأ في نفسه وان كان سمع الحديث أفطر الحاجم والمحجوم فاعتمد ظاهره قال محمد رحمه الله تعالى تسقط عنه الكفارة أيضا كما لو اعتمد الفتوى وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى انها لا تسقط لان العامي إذا سمع حديثا فليس له ان يأخذ بظاهره لجواز ان يكون مصروفا عن ظاهره أو منسوخا وان دهن شاربه أو اغتاب فظن ان ذلك فطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء والكفارة سواء اعتمد حديثا أو فتوى لان هذا الظن والفتوى بخلاف الاجماع غير معتبر (قال) وإذا أسلم الكافر في النصف من شهر رمضان صام ما بقى من الشهر وليس عليه قضاء ما مضى منه وكذلك اليوم الذى أسلم فيه لا يجزيه صومه وان لم يأكل ونوى قبل الزوال لانعدام أهلية العبادة في أول النهار ولكنه يمسك تشبها بالصائمين وليس عليه قضاؤه ومن العلماء من يقول عليه قضاء هذا اليوم والايام الماضية من الشهر وجعلوا ادراك جزء من الشهر كادراك جميع الشهر كما ان ادراك جزء من وقت الصلاة بعد الاسلام كادراك جميع الوقت والتفريط انما جاء من قبله بتأخير الاسلام فلا يعذر في اسقاط القضاء وهو قريب من أصل الشافعي رحمه الله تعالى ان الكفار مخاطبون بالشرائع (ولنا) ماروى ان وفد ثقيف حين قدموا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلموا في النصف من رمضان فأمرهم بصوم ما بقى من الشهر ولم يأمرهم بقضاء ما مضى وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز لان وجوب القضاء ينبنى على خطاب الشرع بالاداء وذلك لا يكون بدون الاهلية للعبادة والكافر ليس بأهل لثوابها فلا يثبت خطاب الاداء في حقه والصوم عبادة معلومة بميعادها وهو الزمان فلا تصور للصوم منه في الزمن الماضي بخلاف الصلاة فانها معلومة بأوقاتها والوقت ظرف لها فجعل ادراك جزء من الوقت سببا لوجوب الاداء ثم القضاء ينبنى عليه (قال) ولا تصلى الحائض ولا تصوم لقوله عليه الصلاة والسلام في بيان نقصان دين المرأة تقعد احداهن شطر عمرها لا تصوم

[ 81 ] ولا تصلى يعنى زمان الحيض فإذا طهرت قضت أيام الصوم ولا تقضى الصلاة لما تقدم بيانه (قال) وكل وقت جعلتها فيه نفساء أو حائضا فانها تعيد صوم ذلك اليوم ولا تعيد صلاته وكل وقت عددتها فيه مستحاضة فانها تعيد صلاته ان لم تكن صلتها فان كانت صلت وصامت فقد جاز لان المستحاضة في حكم الطاهرات فيما يرجع إلى العبادات قال صلى الله عليه وسلم للمستحاضة توضئى وصبلى وان قطر الدم على الحصير قطرا وقال المستحاضة تتوضأ لكل صلاة ثم طول محمد رحمه الله هذا الفصل في الاصل فذكر في باب المستحاضة مسائل منها ان ينقص الدم عن أقل مدة الحيض أو يزيد على أكثر مدة الحيض أو أكثر مدة النفاس أو يسبق رؤية الدم أو انه فالاستحاضة تكون بدم فاسد ويستدل بتقدمه على أوانه على فساده وتمام شرح هذه المسائل في كتاب الحيض (قال) ولا يجوز شئ من الصوم الواجب ان يصومه في يوم الفطر أو النحر أو أيام التشريق لان الصوم في هذه الايام منهى عنه قال أبو رافع أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أنادى في أيام منى الا لا تصوموا في هذه الايام فانها أيام أكل وشرب وبعال وفى رواية انها أيام أكل وشرب وذكر وعن عقبة بن عامر الجهنى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن صوم يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق وتأويل النهي في يوم التروية وعرفة في حق الحاج إذا كان يضعف بالصوم عن الوقوف والذكر. وفى الحديث المشهور الذي روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن صوم ستة أيام والمنهى عنه يكون فاسدا والواجب في ذمته مستحق عليه أداؤه بصفة الصحة فلا يتأدى بما هو فاسد وكذلك صوم المتعة عندنا لا يتأدى في يوم النحر وأيام التشريق وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه في القديم يتأدى صوم المتعة في أيام التشريق وهو مروى عن عائشة وابن عمر ومعاذ ومذهبنا مروى عن على وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما (قال) وان كان على الرجل صيام شهرين متتابعين من فطر أو ظهار أو قتل فصامها وأفطر فيها يوما لمرض فعليه استقبال الصيام لانعدام صفة التتابع بالفطر فان كانت امرأة فأفطرت فيما بين ذلك للحيض لم يكن عليها استقباله. وكان ابراهيم النخعي يسوى بين اللفظين في انه لا يجب الاستقبال لاعتبار العذر وابن أبى ليلى رحمه الله كان يسوى بين الفصلين في انه يجب الاستقبال لانعدام التتابع بالفطر وكان يقول قد تجد المرأة شهرين خاليين من الحيض إذا حبلت أو أيست والفرق لنا بين الفصلين من وجهين. أحدهما أن

[ 82 ] الرجل يجد شهرين خاليين عن المرض فلو أمرناه بالاستقبال لم يكن فيه كبير حرج والمرأة لا تجد شهرين خاليين عن الحيض عادة فلعلها لا تحبل ولا تعيش إلى أن تيأس ففى الامر بالاستقبال حرج بين. والثاني أن المرض لا ينافى الصوم حتى لو تكلف وصام جاز فانقطاع التتابع كان بفعله والواجب عليه تتابع الصوم في الوقت الذى يتصور فيه الاداء منه فإذا لم يوجد استقبل فأما الحيض ينافي أداء الصوم منها فلم ينقطع التتابع بفعلها الا أن عليها أن تصل قضاء أيام الحيض بصومها لان هذا القدر من التتابع في وسعها فعليها أن تأتى به. وروى ابن رستم عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا صامت شهرا فأفطرت فيه بعذر الحيض ثم أيست فعليها الاستقبال لزوال العذر قبل تمام المقصود وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى انها لو حبلت بعد ما صامت شهرا فافطرت فيه لعذر الحيض بنت على صومها لانها بالحبل لا تخرج من أن تكون من ذوات الاقراء وان لم تصل قضاء أيام الحيض بصومها استقبلت لانها تركت التتابع الذى في وسعها (قال) وان صام عن ظهار شهرين أحدهما رمضان لم يكن عما نواه وكان عن رمضان لان صوم الظهار دين في ذمته فانما يتأدى ما هو مشروع له الوقت لا ما هو مستحق عليه بجهة مخصوصة وعليه الاستقبال لانه يجده شهرين خاليين عن رمضان وهذا بخلاف ما إذا نذر ان يصوم رجب فصامه عن الظهار جاز عما نوى لان صوم رجب كان مشروعا له وكان صالحا لاداء الواجب به قبل النذر وهو بالنذر موجب على نفسه ما ليس بواجب ولا تبقى صلاحية لغيره إذ ليس له هذه الولاية فاما الشرع لما عين صوم رمضان للفرض نفى صلاحيته لغيره وللشرع هذه الولاية فلهذا لا يتأدى صوم الظهار من المقيم في رمضان. وله أن يفرق بين قضاء رمضان وقد بينا هذا وفيه قول عن عائشة رضى الله عنها أنه يجب متتابعا وكذلك صوم جزاء الصيد والمتعة لانه مطلق في القرآن قال الله تعالى أو عدل ذلك صياما. وقال تعالى فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم والذى روى في قراءة أبى بن كعب فصيام ثلاثة أيام متتابعة في الحج شاذ غير مشهور والزيادة على النص بمثله لا تثبت (قال) رجل أصبح صائما ينوى قضاء رمضان ثم علم أنه ليس عليه شئ منه فالاحسن له أن يتم صومه تطوعا وان أفطر لم يلزمه شئ الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول يلزمه القضاء وليس له أن يفطر وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى في الصلاة عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى مثل قول زفر رحمه الله تعالى وكذلك المكفر بالصوم إذا

[ 83 ] أيسر في خلاله فالاولى أن يتم صومه تطوعا وان أفطر لم يلزمه القضاء الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول بعد التبين واليسار هو في نفل صحيح حتى لو أتمه كان نفلا فيلزمه التحرز عن ابطاله والقضاء ان أبطله كما لو كان شروعه بنية النفل وكمن أحرم بحج مظنون وكمن تصدق على فقير على ظن أنه عليه ثم علم أنه ليس عليه لم يكن له أن يسترد (ولنا) أن عمله كان في اداء الفرض أما في حق المكفر فقد كان واجبا عليه حين شرع ظاهرا وباطنا وكذلك في المظنون فان المرء يخاطب بما عنده لا بما عند الله تعالى وذلك الفرض الذى شرع فيه قد سقط عنه شرعا فما بقى من النفل انما بقى نظرا من الشرع له لا ايجابا عليه فالاولى له أن يتمه ولكن لا يلزمه شئ ان لم يتمه لان الواجب عليه التحرز عن ابطال عمله وهو لم يبطل عمله بالفطر لان عمله كان في أداء الفرض دون النفل وهو نظير النفل المشروع في كل يوم الاولى للمرء أن يأتي به ولا شئ عليه إن امتنع منه ثم الشروع في كونه ملزما لا يكون أقوى من النذر واضافة النذر إلى ما هو واجب لا يفيد الايجاب فالشروع أولى بخلاف الحج فان ما أدى من الفرض قد سقط بالتبين ولكن لم يخرج به من الاحرام فالاحرام عقد لازم لا خروج منه الا بأداء الافعال ألا ترى أنه لو فاته الحج لا يخرج من الاحرام الا بأعمال العمرة فان أحصر في الحج المظنون فتحلل بالهدى فقد اختلف فيه مشايخنا منهم من يقول لا يلزمه قضاء شئ لانه تم خروجه من الاحرام والاصح أنه يلزمه القضاء لان الاحرام في الاصل لازم والتحلل بالاحصار لدفع الحرج والمشقة عنه ففيما وراء ذلك تبقى صفة اللزوم معتبرة بخلاف الصدقة لانها تمت بالوصول إلى الفقير فوز انه ما لو أتم الصوم ثم تبين أنه ليس عليه وفى هذا لا يمكنه أبطاله (قال) امرأة أصبحت صائمة متطوعة ثم أفطرت ثم حاضت فعليها القضاء عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى لا قضاء عليها لان الحيض الموجود في آخر النهار في منافاة الصوم كالموجود في أوله فتبين أن هذا اليوم لم يكن وقت اداء الصوم في حقها والشروع في غير وقت الصوم لا يكون ملزما شيئا كالشروع ليلا (ولنا) ان شروعها في الصوم قد صح لاستجماع شرائط الاداء عند الشروع ثم بالافساد وجب القضاء دينا في ذمتها والحيض بعد ذلك لا ينافي بقاء الصوم دينا وانما يكون الحيض مؤثرا إذا صادف الصوم وهنا الحيض لم يصادف الصوم فاعتراضه ليلا أو نهارا سواء ولان الشروع كالنذر ولو نذرت ان تصوم هذا اليوم ثم أفطرت ثم حاضت كان عليها القضاء فكذلك إذا

[ 84 ] شرعت فان لم تفطر حتى حاضت فقد ذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى ان عليها القضاء أيضا وهو الصحيح على ما أشار إليه الحاكم وفي رواية ابن رستم عن محمد لا قضاء عليها لان الحيض صادف الصوم والمنافاة لم تكن بفعلها فلا تكون جانية ملزمة للقضاء وجه الرواية الاخرى أن شروعها قد صح فكان بمنزلة نذرها ولو نذرت ان تصوم هذا اليوم فحاضت فيه كان عليها القضاء وان لم يكن تعذر الاتمام مضافا إلى فعلها لا يمنع وجوب القضاء كالمتيمم إذا شرع في النفل ثم أبصر الماء فعليه القضاء (قال) المكفر بالصوم عن ظهار إذا جامع بالنهار عامدا وجب عليه الاستقبال سواء جامع التى ظاهر منها أو غيرها لانقطاع التتابع بفعله فان جامع بالنهار ناسيا أو بالليل عامدا نظر فان جامع غير التي ظاهر منها لم يكن عليه الاستقبال لان جماعه لم يؤثر في صومه فلم ينقطع التتابع وان جامع التي ظاهر منها فعليه الاستقبال في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى لا يلزمه الاستقبال فان جماع الناسي والجماع بالليل لا يوثر في افساد الصوم فلا ينقطع به التتابع كالاكل والشرب وجماع غير التى ظاهر منها ولانه لو استقبل صار مؤديا صوم الشهرين بعد المسيس ولو بنى صار مؤديا أحد الشهرين قبل المسيس والآخر بعده وهذا أقرب إلى الامتثال وهو نظير ما لو أطعم ثلاثين مسكينا ثم جامع لم يكن عليه استقبال الاطعام وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا الواجب عليه بالنص اخلاء الشهرين عن المسيس وهو قادر على هذا فلا يتأدى الواجب الا به وبيانه أن الله تعالى قال فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ومن ضرورة الامر بتقديم الشهرين على المسيس الامر باخلائهما عنه والثابت بضرورة النص كالمنصوص فكان الواجب عليه شيئين عجز عن أحدهما وهو تقديم الشهرين على المسيس وهو قادر على الاخر وهو اخلاؤهما عن المسيس فيأتي بما قدر عليه وذلك بالاستقبال بخلاف جماع غير التى ظاهر منها فانه غير مأمور بتقديم صوم شهرين على جماعها فلا يكون مأمورا باخلائها عنه وان لم يؤثر جماعه في الصوم لا يدل على انه لا يبطل به معنى الكفارة إذا انعدم به الشرط المنصوص كما لو أيسر في خلال صوم الكفارة فان يساره لا يؤثر في الصوم وتبطل به الكفارة ثم حرمة الجماع في حق التى ظاهر منها بدوام الليل والنهار وفي مثله النسيان والعمد سواء كالجماع في الاحرام وهذا بخلاف الاطعام فانه ليس في التكفير بالاطعام تنصيص علي التقديم على المسيس

[ 85 ] والامر باخلائه عن المسيس كان لضرورة الامر بالتقديم على المسيس. فان قيل بالاجماع ليس له أن يجامها قبل أن يكفر وان كانت كفارته بالاطعام وعندكم لا يجوز قياس المنصوص على المنصوص (قلنا) ما عرفنا ذلك بالقياس بل بالنص وهو حديث أوس بن الصامت رضى عنه حين ظاهر من امرأته رآها في ليلة قمراء وعليها خلخال فاعجبته فواقعها ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له استغفر الله ولا تعد حتى تكفر فبهذا النص تبين أنه ليس له أن يغشاها قبل التكفير سواء كانت كفارته بالاطعام أو بالصيام (قال) وتجوز نية صوم التطوع قبل انتصاف النهار. وقال مالك رحمه الله تعالى لا تجوز لانه حين أصبح غيرنا وللصوم فقد تعين أول النهار لفطره والصوم والفطر في يوم واحد لا يحتمل الوصف بالتجزى فهو كما لو تعين بأكله (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم المتطوع بالخيار ما لم تزل الشمس يعنى المريد للصوم وعن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح دخل على نسائه وقال هل عندكن شئ فان قلن لا قال انى صائم وفي حديث عاشوراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ومن لم يأكل فليصم فان كان صوم عاشوراء نفلا فهو نص وان كان فرضا فجواز الفرض بنية من النهار يدل على جواز النفل بطريق الاولى ولسنا نقول ان جهة الفطر قد تعينت بترك النية في أول النهار ولكن بقى الامر مراعى ما بقى وقت الغداء فان الصوم ليس الا ترك الغداء في وقته على قصد التقرب وفوات وقت الغداء بزوال الشمس فإذا نوى قبل الزوال فقد ترك الغداء في وقته على قصد التقرب فكان صوما (قال) ولو نوى التطوع بعد انتصاف النهار لم يكن صائما عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يكون صائما إذا نوى قبل غروب الشمس ولم يكن أكل في يومه شيئا قال لان النفل غير مقدر شرعا بل هو موكول إلى نشاطه فربما ينشط فيه بعد الزوال وهو وقت الاداء كما قبله وشبهه بالصلاة فان التطوع بالصلاة يجوز راكبا وقاعدا مع القدرة على القيام لانه موكول إلى نشاطه (ولنا) ما بينا أن الصوم ترك الغداء في وقته على قصد التقرب فان العشاء باق في حق الصائم والمفطر جميعا ووقت الغداء ما قبل الزوال دون ما بعده فإذا لم ينو قبل الزوال لم يكن تركه الغداء على قصد التقرب فلا يكون صوما واما في قضاء رمضان وكل صوم واجب في ذمته فسواء نوى قبل الزوال أو بعده لم يكن عنه ما لم ينو من الليل لان ما كان دينا في ذمته لم يتعين لادائه يوم ما لم يعينه فامساكه في أول النهار قبل النية لم يتوقف عليه فلا

[ 86 ] يستند حكم النية إليه بخلاف صوم رمضان فانه متعين في وقته فيتوقف امساكه عليه فيستند حكم النية ثم اقامة النية في أكثر الوقت مقام النية في جميعه لاجل الضرورة والحاجة وذلك فيما يفوته دون مالا يفوته وصوم رمضان يفوته عن وقته والنفل لا يفوته أصلا فاما ما كان دينا في ذمته لا يفوت فلا تقام النية في أكثر الوقت في حقه مقام النية في جميعه (قال) ولا يكون صائما في رمضان ولا في غيره ما لم ينو الصوم وان اجتنب المفطرات إلى آخر يومه بمرض أو غير مرض وقد بينا قول زفر رحمه الله تعالى في الصحيح المقيم انه يتأدى منه الصوم بمجرد الامساك من غير النية فان كان مريضا أو مسافرا فلا خلاف انه لا يكون صائما ما لم ينو وعند زفر رحمه الله تعالى ما لم ينو من الليل قال لان الاداء غير مستحق عليه في هذا الوقت نفسه فلا يتعين الا بنيته بخلاف الصحيح المقيم وعندنا اشتراط النية ليصير الفعل قربة فان الاخلاص والقربة لا يحصل الا بالنية قال الله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ففي هذا المسافر والمقيم سواء انما فارق المسافر المقيم في الترخص بالفطر فإذا لم يترخص صحت منه النية قبل انتصاف النهار كما تصح من المقيم (قال) فان أصبح بنية الفطر فظن ان نيته هذه قد أفسدت عليه صومه وأفتى بذلك فأكل قبل انتصاف النهار فعليه القضاء ولا كفارة عليه للشبهة التى دخلت وهما فصلان أحدهما إذا أصبح ناويا للصوم ثم نوى الفطر لا يبطل به صومه عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يبطل فان الشروع في الصوم لا يستدعى فعلا سوى نية الصوم فكذلك الخروج لا يستدعى فعلا سوى النية ولان النية شرط أداء الصوم وقد أبدله بضده وبدون الشرط لا تتأدى العبادة (ولنا) الحديث الذي روينا الفطر مما يدخل وبنيته ما وصل شئ إلى باطنه ثم هذا حديث النفس. وقال النبي صلي الله عليه وسلم ان الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم يعملوا أو يتكلموا وكما أن الخروج من سائر العبادات لا يكون بمجرد النية فكذلك من الصوم وبالاتفاق اقتران النية بحالة الاداء ليس بشرط فانه لو كان مغمى عليه في بعض اليوم يتأدى صومه ففي هذا الفصل إذا أفتي بأن صومه لا يجوز فافطر لم يكن عليه كفارة لشبهة اختلاف العلماء لان على العامي أن يأخذ بقول المفتى وان كان أصبح غيرنا وللصوم ثم أكل فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا كفارة عليه سواء أكل قبل الزوال أو بعده وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ان أكل قبل الزوال فعليه الكفارة وان أكل بعد الزوال

[ 87 ] فلا كفارة عليه قال لان قبل الزوال حكم الامساك موقوف على أن يصير صائما بنيته فصار بأكله جانيا مفوتا للصوم فأما بعد الزوال امساكه غير موقوف على أن يصير صوما بالنية فلم يكن في أكله جانيا على الصوم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الكفارة تستدعى كمال الجناية وذلك بهتك حرمة الصوم والشهر جميعا ولم يوجد منه هتك حرمة الصوم لانه ما كان صائما قيل أن ينوى فتجرد هتك حرمة الشهر عن حرمة الصوم وهو غير موجب للكفارة كما لو تجرد هتك حرمة الصوم عن هتك حرمة الشهر بأن أفطر في قضاء رمضان وعلى قول زفر رحمه الله تعالى عليه الكفارة سواء أكل قبل الزوال أو بعده لان عنده هو صائم وان لم ينو (قال) فان فان أصبح غيرنا وللصوم ثم نوى قبل الزوال ثم أكل فلا كفارة عليه الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه تلزمه الكفارة لان شروعه في الصوم قد صح فتكاملت جنايته بالفطر كما لو كان نوى بالليل وجه قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل ينفي كونه صائما بهذه النية والحديث وإن ترك العمل بظاهره يبقي شبهة في درء ما يندرئ بالشبهات كمن وطئ جارية ابنه مع العلم بالحرمة لا يلزمه الحد لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لابيك ثم هذا على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى ظاهر لان عنده لو أكل قبل النية لا تلزمه الكفارة وما كان موجودا في أول النهار يصير شبهة في آخره كالسفر انما الشبهة على قول محمد رحمه الله تعالى وعذره ما بينا (قال) المغمى عليه في جميع الشهر إذا أفاق بعد مضيه فعليه القضاء الا على قول الحسن البصري فانه يقول سبب وجود الاداء وهو شهود الشهر لم يتحقق في حقه لزوال عقله بالاغماء ووجوب القضاء ينبنى عليه (ولنا) ان الاغماء مرض وهو عذر في تأخير الصوم إلى زواله لا في اسقاطه وهذا لان الاغماء يضعف القوى ولا يزيل الحجا ألا ترى أنه لا يصير موليا عليه وان رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتلى بالاغماء في مرضه وكان معصوما عما يزيل العقل قال الله تعالى ما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون فإذا كان مجنونا في جميع الشهر فلا قضاء عليه الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه يقول الجنون مرض يخل العقل فيكون عذرا في التأخير إلى زواله لا في اسقاط الصوم كالاغماء ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ ومن كان مرفوعا عنه القلم لا يتوجه عليه الخطاب بأداء الصوم والقضاء ينبنى عليه

[ 88 ] ثم الجنون يزيل عقله فلا يتحقق معه شهود الشهر وهو السبب الموجب للصوم بخلاف الاغماء فانه يعجزه عن استعمال عقله ولا يزيله فلذلك جعل شاهدا للشهر حكما وهو كابن السبيل تلزمه الزكاة لقيام ملكه وان عجز عن اثبات اليد عليه بخلاف من هلك ماله (قال) فان أفاق المجنون في بعض الشهر فعليه صوم ما بقى من الشهر وليس عليه قضاء ما مضى في القياس وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لانه لو استوعب الشهر كله منع القضاء في الكل فإذا وجد في بعضه يمنع القضاء بقدره اعتبارا للبعض بالكل وقياسا على الصبى وهذا لان الصبى أحسن حالا من المجنون فانه ناقص العقل في بعض أحواله عديم العقل في بعض أحواله والمجنون عديم العقل بعيد عن الاصابة عادة ولهذا جاز اعتاق الصغير عن الكفارة دون المجنون فإذا كان الصغر في بعض الشهر يمنع وجوب القضاء فالجنون أولى استحسن علماؤنا بقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه والمراد منه شهود بعض الشهر لانه لو كان السبب شهود جميع الشهر لوقع الصوم في شوال فصار بهذا النص شهود جزء من الشهر سببا لوجوب صوم جميع الشهر الا في موضع قام الدليل على خلافه ثم الجنون عارض أعجزه عن صوم بعض الشهر مع بقاء أثر الخطاب فيلزمه القضاء كالاغماء وبيان الوصف انه لو كان حج ثم جن بقى المؤدى فرضا له وكذلك لو كان صلى الفرض ثم جن وبقاء المؤدى فرضا دليل بقاء أثر الخطاب فأما إذا استوعب الجنون الشهر كله فانما أسقطنا القضاء لا لانعدام أثر الخطاب بل لدفع الحرج والمشقة والحرج عذر مسقط للقضاء كالحيض في حق الصلاة فحاصل الكلام أن الوجوب في الذمة ولا ينعدم ذلك بسبب الصبى ولا بسبب الجنون ولا بسبب الاغماء الا أن الصبى يطول عادة فيكون مسقطا للقضاء دفعا للحرج والاغماء لا يطول عادة فلا يكون مسقطا للقضاء والجنون قد يطول وقد يقصر فإذا طال التحق بما يطول عادة وإذا قصر التحق بما يقصر عادة ثم فرق ما بين الطويل والقصير في الصوم ان يستوعب الشهر كله لان الشهر في حكم الاجل وفى الصلاة ان يزيد على يوم وليلة لتدخل الفوائت في حد التكرار وعلى هذا الاصل قلنا لو نوى الصوم بالليل ثم جن بالنهار جاز صومه عن الفرض في ذلك اليوم خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لان الجنون لا ينافي العبادة ولا صفة الفرضية فان الاهلية للعبادة لكونه أهلا لثوابها وركن الصوم بعد النية هو الامساك والجنون لا ينافيه (قال) وان جن في شهر رمضان ثم أفاق بعد سنين في رمضان فعليه

[ 89 ] قضاء الشهر الاول لادراكه جزء منه وقضاء الشهر الآخر لادراكه جزء منه وليس عليه قضاء الشهور التي في السنين الماضية بين ذلك لانه لم يدرك جزء منها في حال الافاقة فان كان جنونه أصليا بان بلغ مجنونا ثم أفاق في بعض الشهر فالمحفوظ عن محمد رحمه الله تعالى انه ليس عليه قضاء ما مضى لان ابتداء الخطاب يتوجه عليه الآن فيكون بمنزلة الصبى حين يبلغ وروى هشام عن أبى يوسف قال في القياس لاقضاء عليه ولكن أستحسن فأوجب عليه قضاء ما مضى من الشهر لان الجنون الاصلى لا يفارق الجنون العارض في شئ من الاحكام وليس فيه رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى واختلف فيه المتأخرون على قياس مذهبه والاصح انه ليس عليه قضاء ما مضى (قال) مريض أفطر في شهر رمضان ثم مات قبل ان يبرأ فليس عليه شئ لان وقت أداء الصوم في حقه عدة من أيام أخر بالنص ولم يدركه ولان المرض لما كان عذرا في اسقاط أداء الصوم في وقته لدفع الحرج فلان يكون عذرا في اسقاط القضاء أولى وان برئ وعاش شهرا فلم يقض الصوم حتى مات فعليه قضاؤه لانه أدرك عدة من أيام أخر وتمكن من قضاء الصوم فصار القضاء دينا عليه. وفى حديث أبى مالك الاشجعى رحمه الله تعالى أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن كان مريضا في شهر رمضان ثم مات فقال عليه الصلاة والسلام ان كان مات قبل ان يطيق الصوم فلا شئ عليه وان أطاق الصوم ولم يصم حتى مات فليقض عنه يعنى بالاطعام ثم لا يجوز لوليه ان يصوم عنه وحكى عن الشافعي رحمه الله تعالى قال ان صح الحديث صام عنه وارثه قال أبو حامد من أصحابهم وقد صح الحديث والمراد منه قوله صلى الله عليه وسلم من مات وعليه صيام صام عنه وليه (ولنا) حديث ابن عمر رضى الله عنهما موقوفا عليه ومرفوعا لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد ثم الصوم عبادة لا تجرى النيابة في أدائها في حالة الحياة فكذلك بعد الموت كالصلاة وهذا لان المعنى في العبادة كونه شاقا على بدنه ولا يحصل ذلك بأداء نائبه ولكن يطعم عنه لكل يوم مسكينا لانه وقع اليأس عن أداء الصوم في حقه فتقوم الفدية مقامه كما في حق الشيخ الفاني وانما يجب عليهم الاطعام من ثلثه إذا أوصى ولا يلزمهم ذلك إذا لم يوص عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يلزمهم ذلك من جميع ماله أوصى أو لم يوص وهو نظير الخلاف في دين الزكاة ثم الاطعام عندنا يقدر بنصف صاع لكل مسكين وعنده يقدر بالمد وأصل الخلاف في طعام الكفارة ونحن

[ 90 ] نفيسه على صدقة الفطر بعلة انه أوجب كفاية للمسكين في يومه وعلى هذا إذا مات وعليه صلوات يطعم عنه لكل صلاة نصف صاع من حنطة وكان محمد بن مقاتل يقول أولا يطعم عنه لصلوات كل يوم نصف صاع على قياس الصوم ثم رجع فقال كل صلاة فرض على حدة بمنزلة صوم يوم وهو الصحيح والصاع قفيز بالحجاجى وهو ربع الهاشمي وهو ثمانية أرطال في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول ثم رجع فقال خمسة أرطال وثلث رطل ومن أصحابنا من وفق فقال ثمانية أرطال بالعراقى كل رطل عشرون استارا فذلك مائة وستون فذلك مائة وستون استارا وخمسة أرطال وثلث رطل بالحجاجي كل رطل ثلاثون استارا فذلك مائة وستون وهذا ليس بقوي فقد نص في كتاب العشر والخراج عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه خمسة أرطال وثلث رطل بالعراقى وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى وانما رجع أبو يوسف حين حج مع الرشيد فدخل المدينة وسألهم عن صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه سبعون شيخا منهم كل واحد منهم بحمل صاعا تحت ثوبه فقال ورثت هذا عن أبى عن آبائه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان كل كذلك خمسة أرطال وثلث رطل (ولنا) حديث أنس رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال وتوارث أهل المدينة ليس بقوي فقد قال مالك رحمه الله تعالى فقيهم صاع أهل المدينة تحرى عبد الملك بن مروان على صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا آل الامر إلى التحرى فتحرى عمر رضى الله عنه أولى بالمصير إليه والقفيز الحجاجي صاع عمر رضى الله عنه حتى كان الحجاج يمن به على أهل العراق ويقول ألم أخرج لكم صاع عمر رضى الله عنه (قال) ابراهيم النخعي رحمه الله كان صاع عمر حجاجيا ثم قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاعان مختلفان منها للنفقات ومنها للصدقات فما روى أنه كان خمسة أرطال وثلث محمول على صاع النفقات (قال) وان صح بعد رمضان عشرة أيام ثم مات فعليه قضاء العشرة الايام التى صح فيها لانه بقدرها أدرك عدة من أيام أخر والبعض معتبر بالكل وذكر الطحاوي أنه على قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يلزمه قضاء جميع الشهر وان صح يوما واحدا وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يلزمه القضاء بقدر ما صح وهذا وهم من الطحاوي فان هذا الخلاف في النذر إذا نذر المريض صوم شهر ثم برأ يوما ولم يصم فهو على هذا الخلاف

[ 91 ] فأما رمضان فلا خلاف بينهم والفرق لابي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى أن هناك السبب الموجب هو النذر الا أنه ليس للمريض ذمة صحيحة في التزام أداء الصوم حتى يبرأ فعند البرء يصير كالمجدد للنذر والصحيح إذا قال لله على أن أصوم شهرا ثم مات بعد يوم فعليه قضاء جميع الشهر وهنا السبب الموجب للاداء ادراك عدة من أيام أخر فلا يلزمه القضاء الا بقدر ما أدرك والمسافر في جميع هذه الوجوه بمنزلة المريض (قال) مسافر أصبح صائما ثم قدم المصر فافتى بأن صيامه لا يجزئه وانه عاص فأفطر فعليه القضاء ولا كفارة عليه والكلام في هذه المسألة في فصول. أحدها ان أداء الصوم في السفر يجوز في قول جمهور الفقهاء وهو قول أكثر الصحابة وعلى قول أصحاب الظواهر لا يجوز وهو مروى عن ابن عمر وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهما يستدلون بقوله تعالى فعدة من أيام أخر فصار هذا الوقت في حقه كالشهر في حق المقيم فلا يجوز الاداء قبله وقال صلى الله عليه وسلم الصائم في السفر كالمفطر في الحضر وقال ليس من البر الصيام في السفر وفى رواية ليس من امبرم صيام في امسفر (ولنا) قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهذا يعم المسافر والمقيم ثم قوله ومن كان مريضا أو على سفر لبيان الترخص بالفطر فينتفي به وجوب الاداء لا جوازه وفى حديث عائشة رضى الله عنها ان حمزة بن عمرو الاسلمي قال يا رسول الله انى أسافر في رمضان أفأ صوم فقال صلى الله عليه وسلم صم ان شئت وفى حديث أنس رضى الله عنه قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر لا يعيب البعض على البعض وتأويل حديثهم إذا كان يجهده الصوم حتى يخاف عليه الهلاك على ما روى انه مر برجل مغشى عليه قد اجتمع عليه الناس وقد ظلل عليه فسأل عن حاله فقيل انه صائم فقال صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر يعنى لمن هذا حاله والثانى ان المسافرة في رمضان لا بأس بها وعلى قول أصحاب الظواهر يستديم السفر في رمضان ولا ينشئه والدليل على جواز المسافرة حديث أبى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة لليلتين خلتا من رمضان فصام حتى أتى قديدا فشكى الناس إليه فأفطر ثم لم يزل مفطرا حتى دخل مكة فان سافرت في رمضان فقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم وان صمت فقد صام وان أفطرت فقد أفطر وكل ذلك واسع والثالث إذا أنشأ السفر في رمضان فله أن يترخص بالفطر وكان على وابن عباس كانا يقولان ذلك لمن أهل الهلال

[ 92 ] وهو مسافر فاما من أنشأ السفر في رمضان فليس له أن يفطر والحديث الذى روينا حجة فقد أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شكى الناس إليه ولا يقال لما أهل الهلال وهو مقيم فقد لزمه أداء صوم الشهر فلا يسقط ذلك عنه بسفر ينشئه باختياره كاليوم الذى يسافر فيه لانا نقول صوم الشهر عبادات متفرقة وانما يلزمه الاداء باعتبار اليوم الذى كان مقيما في شئ منه دون اليوم الذى كان مسافرا في جميعه قياسا على الصلوات والرابع أن الصوم في السفر أفضل من الفطر عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى الفطر أفضل لان ظاهر ما روينا من الآثار يدل على أن الصوم في السفر لا يجوز فان ترك هذا الظاهر في حق الجواز بقى معتبرا في أن الفطر أفضل وقاس بالصلاة فان الاقتصار على الركعتين في السفر أفضل من الاتمام فكذلك الصوم لان السفر يؤثر فيهما قال صلى الله عليه وسلم ان الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المسافر يترخص بالفطر وان صام فهو أفضل له وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصوم حتى شكى الناس إليه ثم أفطر فذلك دليل على أن الصوم أفضل ثم الفطر رخصة وأداء الصوم عزيمة والتمسك بالعزيمة أولى من الترخص بالرخصة وهذا لان الرخصة لدفع الحرج عنه وربما يكون الحرج في حقه في الفطر أكثر فانه يحتاج إلى القضاء وحده والصوم مع الجماعة في السفر يكون أخف من الفطر والقضاء وحده في يوم جميع الناس فيه مفطرون بخلاف الصلاة فان شطر الصلاة سقط عنه أصلا حتى لا يلزمه القضاء فان الظهر في حقه كالفجر في حق المقيم إذا عرفنا هذا فنقول إذا قدم المصر فأفتى أن صومه لا يجزيه تصير هذه الفتوى شبهة في اسقاط الكفارة وكذا كونه مسافرا في أول النهار يصير شبهة في آخره والكفارة تسقط بالشبهة (قال) ولا بأس بقضاء رمضان في أيام العشر يريد به تسعة أيام من أول ذى الحجة وهو قول عمر رضى الله تعالى عنه وكان على رضى الله عنه يقول لا يجوز لحديث روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قضاء رمضان في أيام العشر ونحن أخذنا بقول عمر رضى الله تعالى عنه لان الصوم في هذه الايام مندوب إليه وهو قياس صوم عاشوراء وصوم شعبان وقضاء رمضان في هذه الاوقات يجوز. وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام بعد رمضان عشر ذى الحجة وتأويل النهى في حق من يعتاد صوم هذه الايام تطوعا انه لا ينبغى له أن يترك عادته ويؤدى ما عليه من القضاء في هذه الايام

[ 93 ] (قال) وإذا بلغ الغلام في يوم من رمضان فأفطر فيه فلا شئ عليه. وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا بلغ قبل الزوال فعليه أن يصوم وان أفطر فعليه قضاء هذا اليوم لان وقت النية يمتد إلى وقت الزوال في حق من كان أهلا للعبادة في أول النهار فصار بلوغه قبل الزوال كبلوغه ليلا فعليه أن ينوى الصوم وجه ظاهر الرواية عن الخطاب بالصوم ما كان متوجها عليه في أول النهار وصوم اليوم الواحد لا يتجزأ وجوبا وامساكه في أول النهار ما توقف على صوم الفرض لانه لم يكن أهلا له فهو نظير الكافر يسلم ولو بلغ في غير رمضان في يوم فنوى الصوم تطوعا أجزأه بالاتفاق وفى الكافر يسلم اشتباه فقد ذكر في الجامع الصغير في صبى بلغ وكافر يسلم قال هما سواء وهذا يدل على ان نية كل واحد منهما صوم التطوع صحيح وأكثر مشايخنا على الفرق بين الفصلين فقالوا لا يصح من الكافر نية صوم التطوع بعد ما أسلم قبل الزوال لانه ما كان أهلا للعبادة في أول النهار فلا يتوقف امساكه على أن يصير عبادة بالنية قبل الزوال (قال) وإذا ذاق الصائم بلسانه شيئا ولم يدخل حلقه لم يفطر لان الفطر بوصول شئ إلى جوفه ولم يوجد والفم في حكم الظاهر. ألا ترى أن الصائم يتمضمض فلا يضره ذلك ويكره له أن يعرض نفسه لشئ من هذا لانه لا يأمن أن يدخل حلقه بعد ما أدخله فمه فيحوم حول الحمى قال صلى الله عليه وسلم فمن رتع حول الحمى يوشك ان يقع فيه (قال) وان دخل ذباب جوفه لم يفطره ولم يضره وهذا استحسان وكان ينبغى في القياس ان يفسد صومه لانه ليس فيه أكثر من أنه غير مغذ وأنه لا صنع له فيه فكان نظير التراب يهال في حلقه وفى الاستحسان لا يضره هذا لانه لا يستطاع الامتناع منه فان الصائم لا يجد بدا من أن يفتح فمه فيتحدث مع الناس ومالا يمكن التحرز عنه فهو عفو ولانه مما لا يتغذى به فلا ينعدم به معنى الامساك وهو نظير الدخان والغبار يدخل حلقه قال أبو يوسف رحمه الله تعالى وقد يدخل في هذا الاستحسان بصفة القياس فانه لو كان الذباب في حلقه ثم طار لم يضره ولو كان هذا مفسدا للصوم لكان بوصوله إلى باطنه يفسد صومه وان خرج بعد ذلك وان نزل في حلقه ثلج أو مطر فقد اختلف مشايخنا فيه والصحيح أنه يفطره لان هذا مما يستطاع الامتناع منه بأن يكون تحت السقف ولان هذا مما يتغذى به (قال) وان كان بين اسنانه شئ فدخل جوفه لم يفطر لان هذا لا يستطاع الامتناع منه فان تسحر بالسويق فلا بد من أن يبقى بين اسنانه شئ فإذا أصبح يدخل في حلقه مع ريقه ثم ما يبقى بين الاسنان تبع لريقه فكما انه

[ 94 ] إذا ابتلع ريقه لم يضره فكذلك ما هو تبع وهذا إذا كان صغيرا يبقى بين الاسنان عادة وهو بخلاف ما إذا دخل ذلك القدر في فمه لان ذلك مما يستطاع الامتناع منه فان كان بحيث لا يبقى بين الاسنان عادة يفسد صومه لان هذا لا تكثر فيه البلوى والتحرز عنه ممكن وقدروا ذلك بالحمصة فان كان دونها لم يفسد به الصوم وقدر الحمصة إذا أدخله في حلقه فسد صومه وعليه القضاء ولا كفارة عليه في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى. وقال زفر رحمه الله تعالى عليه الكفارة لانه ليس فيه أكثر من انه طعام متغير فهو كالمفطر باللحم المنتن ولابي يوسف ان هذا من جنس مالا يتغذى به والطباع تعافه فهو نظير التراب ثم للفم حكم الباطن من وجه وحكم الظاهر من وجه والكفارة تسقط بالشبهة فلهذا أسقطنا عنه الكفارة (قال) رجل قال الله على صوم شهر فله ان يصومه متفرقا اما وجوب الصوم بنذره فلانه عاهد الله عهدا والوفاء بالعهد واجب قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم وذم من ترك الوفاء بالعهد بقوله ومنهم من عاهد الله الآية ثم ما كان من جنسه واجب شرعا صح التزامه بالنذر وما ليس من جنسه واجب شرعا كعيادة المريض لا يصح التزامه بالنذر الا في رواية عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف فكأنه اعتبر في تلك الرواية كون المنذور قربة ثم ما يلزمه بالنذر فرع لما هو واجب بايجاب الله تعالى وما أوجب الله تعالى من الصوم مطلقا فتعيين وقت الاداء إلى العبد والخيار إليه في الاداء متفرقا أو متتابعا كفضاء رمضان فكذلك ما يوجبه على نفسه ولان صوم الشهر عبادات متفرقة لانه يتخلل بين الايام وقت لا يقبل الصوم فلا يلزمه التتابع فيه الا ان ينص عليه أو ينويه فان المنوي إذا كان من محتملات لفظه جعل كالملفوظ (قال) فان سمى شهرا بعينه كرجب فعليه ان يصومه وان لم يصمه فعليه القضاء وكذلك ان أفطر فيه يوما فعليه قضاء ذلك اليوم بالقياس على ما وجب بايجاب الله تعالى من الصوم في وقت بعينه وهو صوم رمضان ويستوى ان كان قال متتابعا أو لم يقل لان الصفة في العين غير معتبرة وأيام شهر بعينه متجاورة لا متتابعة فلا يلزمه صفة التتابع فيه وان نص عليه أو نواه بخلاف ما إذا سمى شهرا بغير عينه لان الوصف في غير المعين معتبر ثم في المعين إذا لم يصمه حتى وجب عليه القضاء فله أن يفرق القضاء لان القضاء معتبر بالاداء كما في صوم رمضان (قال) وان كان أراد يمينا فعليه كفارة اليمين سواء أفطر في جميع الشهر أو في يوم منه لان المنوي من محتملات

[ 95 ] لفظه فان الحالف يعاهد الله تعالى كالناذر ثم شرط حنثه أن لا يصوم جميع الشهر فسواء أفطر فيه يوما أو أكثر فقد وجد شرط الحنث والحاصل أنه إذا لم ينو شيئا كان كلامه نذرا باعتبار الظاهر والعادة وان نوى اليمين كان يمينا بنيته نذرا بظاهره وان نواهما جميعا كان نذرا ويمينا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنهما لا يجتمعان في كلمة واحدة ولكنه ان نوى اليمين فهو يمين تلزمه الكفارة بالحنث دون القضاء وان نواهما كان نذرا ولم يكن يمينا وجه قوله ان حكم النذر يخالف حكم اليمين فلا يجتمعان في كلام واحد كقوله لامرأته أنت على حرام ان نوى به الطلاق كان طلاقا وان نوى به اليمين كان يمينا ولا يجتمعان وان نواهما وليس هذا نظير قول أبى يوسف رحمه الله تعالى في اجتماع معنى الحقيقة والمجاز في كلام واحد في بعض مسائل الايمان لان حكم المجاز هناك غير مخالف لحكم الحقيقة فكان بمنزلة لفظ العموم وجه قولهما أن في لفظه كلمتين احداهما يمين وهو قوله لله فان معناه بالله قال ابن عباس رضى الله عنه دخل آدم الجنة فلله ما غربت الشمس حتى خرج وهذا لان اللام والباء يتعاقبان قال الله تعالى أآمنتم له وفى موضع آخر به وقوله على نذر الا أن عند الاطلاق غلب عليه معنى النذر باعتبار العادة فحمل عليه فإذا نواهما فقد نوى بكل لفظ ما هو من محتملاته فيعمل بنيته وليس هذا نظير ما يقال ان على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا تجتمع الحقيقة والمجاز في لفظ واحد لان الحقيقة استعمال اللفظ في موضعه والمجاز استعماله في غير موضعه وانما ذلك في كلمة واحدة لا في كلمتين (قال) وان نذر صوم سنة بعينها أفطر يوم النحر ويوم الفطر وأيام التشريق لان الصوم في هذا الايام منهى عنه شرعا والى العبد ولاية الايجاب بنذره لا رفع المنهى ثم عليه قضاء هذه الايام عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى ليس عليه القضاء وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى واصل المسألة إذا قال لله على ان أصوم غدا وغدا يوم النحر أو قال لله على ان أصوم يوم النحر صح نذره في الوجهين ويؤمر بأن يصوم يوما آخر فان صام في ذلك اليوم خرج من موجب نذره وعند زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لا يصح نذره وهو رواية ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه إذا قال لله على صوم يوم النحر لم يصح نذره وان قال غدا وغدا يوم النحر صح نذره وجه قولهما ان الصوم غير مشروع في هذه الايام وليس إلى العبد شرع ما ليس بمشروع كالصوم ليلا

[ 96 ] وبيانه أن الشرع عين هذا الزمان للاكل بقوله عليه السلام فانها أيام أكل وشرب وتعينه لاحد الضدين ينفى الضد الآخر فيه والدليل على. أنه لا يصلح لاداء شئ من الواجبات ان الصوم اسم لما هو قربة والمنهي عنه يكون معصية فلا يكون صوما (ولنا) ان الصوم مشروع في هذه الايام فان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم هذه الايام وموجب النهى الانتهاء والانتهاء عما ليس بمشروع لا يتحقق ولان موجب النهي الانتهاء على وجه يكون للعبد فيه اختيار بين أن ينتهى فيثاب عليه وبين أن يقدم على الارتكاب فيعاقب عليه وذلك لا يتحقق إذا لم يبق الصوم مشروعا فيه وموجب النهى غير موجب النسخ فإذا كان موجب النسخ رفع المشروع عرفنا أنه ليس موجب النهي رفع المشروع والمعنى الذى لاجله كان الصوم مشروعا في سائر الايام كون الامساك فيها بخلاف العادة وهذا المعنى في هذه الايام أظهر والشرع أمر بالفطر فيه لا انه جعله مفطرا فيه بخلاف الليل فقد جعله مفطرا بدخول الليل بقوله فقد أفطر الصائم أكل أولم يأكل وانهى يجعل الاداء من العبد فاسدا ولهذا لا يصلح لاداء شئ من الواجبات به ولكن صفة الفساد لا تمنع بقاء أصله شرعا كمن أفسد احرامه نفى عقد الاحرام وعليه أداء الافعال شرعا وإذا ثبت أن الصوم مشروع في هذا اليوم فقد حصل نذره مضافا إلى محله فيصح وليس في النذر ارتكاب المنهى انما ذلك في أداء الصوم ولهذا أمرناه بأن يصوم يوما آخر كيلا يكون مرتكبا للنهى ولو صام في هذه الايام خرج عن موجب نذره لانه ما التزم الا هذا القدر وقد أدى كمن قال لله علي أن أعتق هذه الرقبة وهي عمياء خرج عن موجب نذره باعتاقها لانه ما التزم الا هذا القدر وقد أدى باعتاقها وان كان لا يتأدى شئ من الواجبات بها وكمن نذر أن يصلى عند طلوع الشمس فعليه أن يصلى في وقت آخر فإذا صلى في ذلك الوقت خرج عن موجب نذره وجه رواية الحسن أنه إذا نص على يوم النحر فقد صرح في نذره بما هو منهى عنه فلم يصح وإذا قال غدا لم يصرح في نذره بما هو منهى عنه فصح نذره وهو كالمرأة إذا قالت لله على أن أصوم يوم حيضى لم يصح نذرها ولو قالت غدا وغدا يوم حيضها صح نذرها إذا عرفنا هذا فنقول إذا نذر صوم سنة بعينها فعليه قضاء خمسة أيام إذا أفطر فيها يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق وان التزم سنة بغير عينها فعليه قضاء خمسة وثلاثين يوما لان صوم رمضان لا يكون عن المنذور ولو قال سنة متتابعة فعليه ان يصل هذا القضاء بالاداء وكان محمد بن سلمة رحمه الله تعالى يقول في هذا الفصل لا يفطر

[ 97 ] في الايام الخمسة لان هذا القدر من التتابع في وسعه والاول أصح وهو مروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى وكذلك المرأة ان نذرت صوم سنة بعينها قضت أيام الحيض لما بينا (قال) رجل جعل لله عليه أن يصوم كل خميس يأتي عليه فافطر خميسا فعليه القضاء وكفارة اليمين ان أراد يمينا فان أفطر خميسا آخر قضاه أيضا ولم يكن عليه كفارة أخرى لان اليمين واحدة فإذا حنث فيها مرة لا يحنث مرة أخرى ويحكم النذر لزمه صوم كل خميس فكل ما أفطر في خميس كان عليه قضاؤه وهذا لان ايجاب القضاء في كل خميس لا يقتضي تعدد النذر بخلاف ايجاب الكفارتين (قال) وان جعل لله عليه ان يصوم اليوم الذى يقدم فيه فلان أبدا فقدم فلان ليلا لم يلزمه شئ لان اليوم حقيقة لبياض النهار ولم يوجد ذلك عند قدوم فلان ولا يقال اليوم بمعنى الوقت كما لو قال لامرأته أنت طالق في اليوم الذى يقدم فيه فلان لان اليوم قد يحتمل معنى الوقت ولكن إذا قرن به ما يختص بأحد الوقتين وان قدم فلان في يوم قد أكل فيه فعليه ان يصوم ذلك اليوم فيما يستقبل ولا يقضى هذا اليوم الذى أكل فيه وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان عليه قضاءه قال لان السبب هو النذر والوقت شرط فيه فعند وجوده يستند الوجوب إلى نذره فكأنه قال لله على ان أصوم غدا فاكل الغد فعليه قضاؤه وجه ظاهر الرواية انه أضاف النذر إلى وقت قدوم فلان فعند وجود القدوم يصير كالمجدد للنذر كما هو الاصل ان المعلق بالشرط عند وجوده كالمنجز ومن أكل في يوم ثم قال لله على ان أصوم هذا اليوم أبدا فعليه ان يصومه فيما يستقبل وليس عليه قضاء هذا اليوم وكذلك لو قدم فلان بعد الزوال وجواب أبى يوسف رحمه الله تعالى في هذا غير محفوظ ويجوز ان يفرق بينهما بعلة ان ما بعد الزوال ليس بوقت لالتزام الصوم من أحد وما قبل الزوال ان لم يكن وقتا لالتزام الصوم في حق الاكل فهو وقت في حق غيره والا ظهر انه يسوى بينهما وان كان قدم قبل الزوال ولم يكن أكل فيه صامه لبقاء وقت النية عند القدوم وصار كالمنجز للنذر في الحال (قال) رجل أصبح صائما يوم الفطر ثم أفطر فلا قضاء عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعليه القضاء في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان الشروع ملزم كالنذر بدليل سائر الايام والنهى لا يمنع صحة الشروع فيجب القضاء كمن شرع في الصلاة في الاوقات المكروهة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لم يجب عليه الاتمام بعد الشروع

[ 98 ] لان فيه معصية ووجوب القضاء ينبنى على وجوب الاتمام ولان القدر المؤدى كان فاسدا لما فيه من ارتكاب النهى فلا يجب عليه حفظه ووجوب الاتمام والقضاء لحفظ المؤدى بخلاف النذر فانه بنذره صار مرتكبا للنهى وفي الشروع في الصلاة في الوقت المكروة روايتان عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى وبعد التسليم الفرق من وجهين أحدهما ان بالشروع هناك لا يصير مرتكبا للنهى لان بمجرد التكبير لا يصير مصليا كمن حلف ان لا يصلى فكبر لا يحنث فلهذا صح الشروع وهنا بمجرد الشروع صار صائما مرتكبا للنهى بدليل مسألة اليمين ولان هناك يمكنه الاداء بذلك الشروع لا بصفة الكراهة بان يصبر حتى تبيض الشمس فلهذا لزمه وهنا بهذا الشروع لا يمكنه الاداء بدون صفة الكراهة فلم تلزمه (قال) امرأة قالت لله على أن أصوم يوم حيضى فلا شئ عليها لان الحيض ينافى أداء الصوم ومع التصريح بالمنافي لا يصح الالتزام كمن قال الله على ان أصوم اليوم الذى أكلت فيه وكذلك ان حاضت ثم قالت لله على ان أصوم هذا اليوم لان المنافى متحقق فكأنها صرحت به بخلاف ما إذا قالت لله على ان أصوم غدا فحاضت من الغد لانه ليس في لفظها تصريح بالمنافى فصح الالتزام ثم تعذر عليها الاداء بما اعترض من الحيض فعليها القضاء (قال) وإذا دخل الغبار أو الدخان حلق الصائم لم يضره لان هذا لا يستطاع الامتناع منه فالتنفس لا بد منه للصائم والتكليف بحسب الوسع ولو طعن برمح حتى وصل إلى جوفه لم يفطره لان كون الرمح بيد الطاعن يمنع وصوله إلى باطنه حكما فان بقى الزج في جوفه فسد صومه لانه صار مغيبا حقيقة فكان واصلا إلى باطنه وهو قياس ما لو ابتلع خيطا فان بقى أحد الجانبين بيده لم يفسد صومه وان لم يبق فسد صومه (قال) ولو أكره على أكل وشرب فعليه القضاء دون الكفارة عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان تناول بنفسه مكرها فكذلك وان صب في حلقه لم يفسد صومه واعتبر صنعه في ذلك ونحن نعتبر وصول المفطر إلى باطنه مع ذكره للصوم وذلك لا يختلف بفعله وبفعل غيره وكذلك النائم ان صب في حلقه ماء فسد صومه عندنا ولم يفسد عند زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لانه أعذر من الناسي إذا لا صنع له أصلا ولكنا نقول الناسي معدول به عن القياس بالنص وهذا ليس في معناه لان النسيان لا صنع فيه للعباد فإذا كان العذر ممن له الحق منع فساد صومه واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان الله أطعمك وسقاك وهنا انما

[ 99 ] جاء العذر بسبب مضاف إلى العباد وهو النوم منه والصب من غيره وهذا غير مانع من فساد الصوم لوصول المفطر إلى باطنه (قال) وللصائم ان يستاك بالسواك أول النهار وآخره وكره الشافعي رحمه الله تعالى للصائم السواك آخر النهار لقوله صلى الله عليه وسلم لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك والسواك يزيل الخلوف وما هو أثر العبادة يكره ازالته كدم الشهيد (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم خير خلال الصائم السواك وقال لولا ان اشق على أمتى لامرتهم بالوضوء عند كل صلاة وبالسواك عند كل وضوء ثم هو تطهير للفم فلا يكره للصائم كالمضمضة والسواك لا يزيل الخلوف بل يزيد فيه انما يزيل النكهة الكريهة ومراده صلى الله عليه وسلم بيان درجة الصائم لا عين الخلوف فان الله تعالى يتعالى هن أن تلحقه الروائح ودم الشهيد يبقى عليه ليكون شاهدا له على خصمه يوم القيامة والصوم بين العبد وبين من يعلم السر وأخفى فلا حاجة إلى الشاهد والسواك الرطب واليابس فيه سواء لقول ابن عباس رضى الله عنه لا بأس لصائم أن يستأك بالسواك الاخضر وكذلك لا بأس أن يبله بالماء الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه كره ذلك لانه يجد منه بدا فهو نظير الذوق وادخال الماء في فمه من غير حاجة (ولنا) حديث عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك بالسواك الرطب وهو صائم (قال) وإذا خافت الحامل أو المرضع على نفسها أو ولدها أفطرت لقوله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم وعن الحامل والمرضع الصوم ولانه يلحقها الحرج في نفسها أو ولدها والحرج عذر في الفطر كالمريض والمسافر وعليها القضاء ولا كفارة عليها لانها ليست بجانية في الفطر ولا فدية عليها عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان خافت على نفسها فكذلك وان خافت على ولدها فعليها الفدية ومذهبه مروى عن ابن عمر رحمه الله تعالى ومذهبنا مروى عن على وابن عباس رضى الله عنهما الا ان المروى عن ابن عمر الفدية دون القضاء والجمع بينهما لم يشتهر عن أحد من الصحابة وهو يقول الفطر منفعة حصلت بسبب نفس عاجزة عن الصوم خلقة لا علة فيوجب الفدية كفطر الشيخ الفاني وهذا لان الفطر منفعة شخصين منفعتها ومنفعة ولدها فباعتبار منفعتها يجب القضاء وباعتبار منفعة ولدها تجب الفدية (ولنا) ان هذا مفطر يرجى له القضاء فلا يلزمه الفداء كالمريض والمسافر وهذا لان الفدية

[ 100 ] مشروعة خلفا عن الصوم والجمع بين الخلف والاصل لا يكون وهو خلف غير معقول بل هو ثابت بالنص في حق من لا يطيق الصوم فلا يجوز ايجابه في حق من يطيق الصوم ولا يجوز أن يجب باعتبار الولد لانه لا صوم على الولد فكيف يجب ما هو خلف عنه ولانه لا يجب في مال الولد ولو كان باعتباره لوجب في مال كنفقته ولتضاعف بتعدد الولد واما الشيخ الكبير الذى لا يطيق الصوم فانه يفطر ويطعم لكل يوم نصف صاع من حنطة. وقال مالك لا فدية عليه قال لان أصل الصوم لم يلزمه لكونه عاجزا عنه فكيف يلزمه خلفه لان الخلف مشروع ليقوم مقام الاصل ولنا ان الصوم قد لزمه لشهود الشهر حتى لو تحمل المشقة وصام كان مؤديا للفرض وانما يباح له الفطر لاجل الحرج وعذره ليس بعرض الزوال حتى يصار إلى القضاء فوجبت الفدية كمن مات وعليه الصوم يوضحه ان الصوم لزمه لا باعتبار عينه بل باعتبار خلفه كالكفارة تجب على العبد لا باعتبار المال بل باعتبار خلفه وهو الصوم والاصل فيه قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين جاء عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه وعلى الذين يطيقونه فلا يطيقونه فدية وقيل حرف لا مضمر فيه معناه وعلى الذين لا يطيقونه قال الله تعالى يبين الله لكم ان تضلوا أي لئلا تضلوا وجعل فيها رواسي أن تميد بكم أي لئلا تميد بكم (قال) وإذا أكل الصائم الطين أو الجص أو الحصاة متعمدا فعليه القضاء ولا كفارة عليه وقد بينا هذا ومراده طين الارض فأما إذا أكل الطين الارمني تلزمه الكفارة رواه ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى لان هذا مما يتداوى به فانه والغاريقون سواء (قال) ابن رستم قلت لمحمد فان أكل من هذا الطين الذى يقلى ويؤكل قال لا أدرى ما هذا والصحيح أنه تلزمه الكفارة لانه يؤكل تفكها ويؤكل على سبيل التداوى فقد ينفع المرطوب (قال) ويكره للصائم مضغ العلك ولا يفطره لان مضغ العلك يدبغ المعدة ويشتهي الطعام ولم يأن له فهو اشتغال بما لا يفيد والناظر إليه من بعد يظن أنه يتناول شيئا فيتهمه ولا يأمن أن يدخل شيئا منه حلقه فيكون معرضا صومه للفساد ولكن لا يفطره لان عين العلك لا تصل إلى حلقه حلقه انما يصل إليه طعمه وهذا إذا كان العلك مصلحا ملتئما فأما إذا لم يكن ملتئما فمضغه حتى صار ملتئما يفسد صومه لانه تتفتت أجزاؤه فيدخل حلقه مع ريقه (قال) ولا بأس بأن تمضغ المرأة لصبيها طعاما إذا لم تجد منه بدا لان الحال حال الضرورة ويجوز لها الفطر لحاجة فلان يجوز مضغ الطعام كان أولى فاما إذا كانت

[ 101 ] تجد من ذلك بدا يكره لها ذلك لانها لا تأمن أن يدخل شئ منه حلقها فكانت معرضة صومها للفساد وذلك مكروه عند عدم الحاجة قال صلى الله عليه وسلم من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه والله تعالى أعلم بالصواب { باب صدقه الفطر } (الاصل) في وجوب صدقة الفطر حديث ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا صاعا من تمرا وصاعا من شعير وحديث عبد الله بن ثعلبة العدوى ويقال العبدرى الذى بدأ به محمد رحمه الله تعالى الباب فقال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ادوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير وحديث ابن عباس رضى عنه انه خطب بالبصرة فقال أدوا زكاة فطركم فنظر الناس بعضهم إلى بعض فقال من هنا من أهل المدينة قوموا رحمكم الله فعلموا اخوانكم فانهم لا يعلمون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في هذا اليوم ان نؤدى صدقة الفطر عن كل حر وعبد نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ثم الشافعي رحمه الله تعالى أخذ بحديث ابن عمر وقال انها فريضة بناء على أصله أنه لا فرق بين الواجب والفريضة وعندنا هي واجبة لان ثبوتها بدليل موجب للعمل غير موجب علم اليقين وهو خبر الواحد وما يكون بهذه الصفة يكون واجبا في حق العمل ولا يكون فرضا حتى لا يكفر جاحده انما الفرض ما ثبت بدليل موجب للعلم وقيل في قوله تعالى قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى أي تطهر بأداء زكاة الفطر وصلى صلاة العيد بعده ثم سبب وجوب صدقة الفطر رأس يمونه بولايته عليه قال صلى الله عليه وسلم أدوا عمن تمونون وحرف عن للانتزاع من الشئ فيحتمل أحد وجهين اما ان يكون سببا ينتزع منه الحكم أو محلا يجب عليه ثم يؤدى عنه وبطل الثاني لاستحالة الوجوب على العبد والكافر فتعين الاول ولانه يتضاعف بتضاعف الرؤس فعلم ان السبب هو هو الرأس وانما يعمل في وقت مخصوص وهو وقت الفطر ولهذا يضاف إليه فيقال صدقة الفطر والاضافة في الاصل وان كان إلى السبب فقد يضاف إلى الشرط مجازا فان الاضافة تحتمل الاستعارة فاما التضاعف بتضاعف الرؤس لا يحتمل الاستعارة ثم هي عبادة فيها معنى

[ 102 ] المؤنة ولهذا لا يشترط لوجوبه كمال الاهلية ومعني المؤنة يرجح الرأس في كونه سببا على الوقت وإذا كان الوجوب في وقت الفطر من رمضان وهو عند طلوع الفجر من يوم الفطر يستحب أداؤه كما وجب قبل الخروج إلى المصلى لحديث ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم ان يؤدوا صدقة الفطر قبل ان يخرجوا إلى المصلى وقال اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم والمعنى انه إذا أدى قبل الخروج تفرغ قلب الفقير عن حاجة العيال فتفرغ لاداء الصلاة وقيل في يوم الفطر يستحب للمرء ستة أشياء ان يغتسل ويستاك ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويؤدى فطرته ويتناول شيئا ثم يخرج إلى المصلى (قال) وعلى المسلم الموسر ان يؤدى زكاة الفطر عن نفسه اما اشتراط الاسلام فلان في آخر حديث ابن عمر رضي الله عنه قال من المسلمين وقال صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر طهرة للصائمين من اللغو والرفث. وقال عمر رضى الله عنه الصوم محبوس بين السماء والارض حتى تؤدي زكاة الفطر ولانها عبادة فلا تجب الا على من هو أهل لثوابها وهو المسلم وأما اشتراط اليسار فقول علمائنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى من ملك قوت يومة وزيادة بقدر ما يؤدى زكاة الفطر فيؤدى زكاة الفطر لانه ذكر في آخر حديث ابن عمر رضي الله عنه غنى أو فقير ولانه واجد لما يتصدق به فضلا عن حاجته فيلزمه الاداء كالموسر وهذا لان صدقة الفطر تشبه الكفارة دون الزكاة حتى لا يعتبر فيها الحول وفي الكفارة يعتبر تيسر الاداء دون الغنى فكذلك في زكاة الفطر (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم لا صدقة الا عن ظهر غنى ولان الفقير محل الصرف إليه فلا يجب عليه الاداء كالذى لا يملك الا قوت يومه وهذا لان الشرع لا يرد بما لا يفيد فلو قلنا بأنه يأخذ من غيره ويؤدى عن نفسه كان اشتغالا بما لا يفيد وحديث ابن عمر رضى الله عنه محمول على ما كان في الابتداء ثم انتسخ بقوله صلى الله عليه وسلم انما الصدقة ما كانت عن ظهر غنى أو ما أبقت غنى أو هو محمول على الندب فانه قال في آخره أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيعطيه الله أفضل مما أعطى ثم اليسار المعتبر لايجاب زكاة الفطر أن يملك مائتي درهم أو ما يساوى مائتي درهم من الدراهم التى تغلب النقرة فيها على الغش فضلا عن حاجته ويتعلق بهذا اليسار أحكام ثلاثة حرمة أخذ الصدقة ووجوب زكاة الفطر والاضحية وكما يؤدى عن نفسه فكذلك يؤدى عن أولاده الصغار لان رأس أولاده في معنى رأسه فانه يمونهم بولايته وقد بينا أن سبب الوجوب هذا وكذلك يؤدى عن مماليكه للخدمة

[ 103 ] لانه يمونهم بولايته عليهم القن والمدبر وأم الولد في ذلك سواء فان ولايته عليهم لا تنعدم بالتدبير والاستيلاد انما تستحيل المالية بهذا السبب ولا عبرة للمالية فانه يؤدى عن نفسه وعن أولاده الصغار ولا مالية فيهم ما خلا مكاتبيه فانه لا يؤدى عنهم لان ولايته عليهم قد اختلت بسبب الكتابة فان المكاتب صار بمنزلة الحر في حق اليد والتصرف وحكي عن عطاء أنه يؤدى عنهم لقوله صلى الله عليه وسلم أدوا عن كل حر وعبد. وقال المكاتب عبد ما بقى عليه درهم ولكنا نستدل بقوله صلى الله عليه وسلم أدوا عمن تمونون وهو لا يمون المكاتب وعن ابن عمر رضى الله عنه أنه كان يؤدى زكاة الفطر عن جميع مماليكه الا المكاتبين له وليس على المكاتب أن يؤدى عن نفسه ولا عن مماليكه الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه يجعل المكاتب مالكا لكسبه بناء على أصله ان المملوك من أهل ملك المال إذا ملكه المولى وعندنا المملوك مال ليس من أهل ملك المال للتضاد بين المالكية وبين المملوكية والمكاتب ليس بمالك لكسبه على الحقيقة وقد بينا ان شرط الوجوب الغنا وذلك لا يثبت بدون حقيقة الملك والدليل عليه إباحة الاخذ له وان كان في يده كسب (قال) ويؤدى المسلم عن مملوكه الكافر عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يؤدى عنه وهذه المسألة تنبنى على أصل وهو أن الوجوب عندنا على المولى عن عبده فتعتبر أهلية المولى وعنده الوجوب على العبد ثم يتحمل المولى عنه فيعتبر كون العبد أهلا للوجوب عليه وهو يستدل لاثبات هذا الاصل بحديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد ولانها طهرة للصائم ووجوب الصوم على العبد وقيل صدقة الفطر للصوم كسجود السهو للصلاة والسجود يجب على المصلي لا على غيره. وقال ابن عمر في صدقة الفطر ثلاثة أشياء قبول الصوم والفلاح والنجاة من سكرات الموت وعذاب القبر (ولنا) قوله عليه الصلاة والسلام أدوا عمن تمونون فانما الوجوب على من خوطب بالاداء وجعله بمنزلة النفقة ونفقة المملوك على المولى فكذلك صدقة الفطر عنه ثم هذه صدقة واجبة باعتبار ملكه فكانت عليه ابتداء كزكاة المال عن عبد التجارة وهذا لان حال العبد دون حال فقير لا يملك شيئا لان ذلك الفقير من أهل الملك والعبد لا فإذا لم تجب على الفقير الذى لا يملك شيئا فلان لا تجب على العبد أولى والدليل عليه أنه لا يخاطب بالاداء بحال بخلاف الصغير الذى له مال فانه يخاطب بالاداء بعد البلوغ إذا لم يؤده عنه وليه وحرف على في حديث ابن عمر بمعني

[ 104 ] حرف عن قال الله تعالى إذا اكتالوا على الناس يستوفون أي عن الناس ولا معتبر بالصوم فانه يجب على الرضيع ولا صوم عليه وعلى سبيل الابتداء في المسألة لنا حديث نافع عن ابن عمر ومقسم عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أدوا عن كل حر وعبد يهودي أو نصراني أو مجوسي وهو نص ولكنه شاذ وقد بينا ان السبب رأس يمونه بولايته عليه وذلك لا يختلف بكفر المملوك واسلامه ولا يؤدى الكافر عن مملوكه المسلم اما عندنا فلان الوجوب على المولى والمولى ليس بأهل له وعند الشافعي رحمه الله تعالى تحمل المولى عن عبده يستدعى أهلية أداء العبادة والكافر ليس بأهل له والوجوب على العبد عنده باعتبار تحمل المولى الاداء عنه فإذا انعدم ذلك في حق المملوك لم يجب أصلا (قال) وإذا كان للولد الصغير مال أدي عنه أبوه من مال الصغير في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالي وكذلك يضحى عنه من ماله استحسانا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ذكره في كتاب الحيل وقال محمد وزفر رحمهما الله تعالى يؤدى من مال نفسه ولو أدى من مال الصغير ضمن وكذلك الخلاف في الوصي الا ان عند محمد وزفر رحمهما الله تعالى الوصي لا يؤدى عنه أصلا والقياس ما قالا لانها زكاة في الشريعة كزكاة المال فلا تجب على الصغير ولانها عبادة والصبى ليس بأهل لوجوب العبادة عليه فان الوجوب ينبنى على الخطاب استحسن أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى فقالا فيها معنى المؤنة بدليل الوجوب على الغير بسبب الغير فهو كالنفقة ونفقة الصغير في ماله إذا كان له مال ثم هذه طهرة شرعية فتقاس بنفقة الختان وهذا لانا لو لم نوجب عليه احتجنا إلى الايجاب على الاب فكان في الايجاب في ماله حفظ حق الاب وهو اسقاط عنه ومال الصبي يحتمل حقوق العباد وبه فارق الزكاة ثم على قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى كما يؤدى عن الصغير من ماله فكذلك عن مماليك الصغير يؤدى من مال الصغير وعند محمد لا يؤدى عن مماليكه أصلا والمعتوه والمجنون في ذلك بمنزلة الصغير وروى عن محمد رحمه الله تعالى ان الاب انما يؤدى عن ابنه المعتوه والمجنون إذا بلغ كذلك فأما إذا بلغ مفيقا ثم جن فليس عليه ان يؤدى عنه من مال نفسه ولا من مال ولده لانه إذا ولد مجنونا بقى ما كان واجبا ببقاء ولايته فاما إذا بلغ مفيقا فقد سقط عنه لزوال ولايته فلا يعود بعد ذلك وان عادت الولاية لاجل الضرورة وعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى السبب رأس يمونه بولايته عليه وذلك لا يختلف بالجنون الاصلى

[ 105 ] والطارئ (قال) وليس على الرجل ان يؤدى عن أولاده الكبار وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان كانوا زمنى معسرين فعليه الاداء عنهم وان كانوا أصحاء معسرين في عياله فله فيه وجهان واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم أدوا عمن تمونون هو يمون ولده الزمن والمعسر وأصحابنا قالوا بان السبب رأس يمونه بولايته عليه ليكون في معنى رأسه ولا ولاية له على أولاده الزمنى إذا كانوا كبارا وبدون تقرر السبب لا يثبت الوجوب (قال) ولا يؤدى الجد عن نوافله الصغار وان كانوا في عياله وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان عليه الاداء عنهم بعد موت الاب وهذه أربع مسائل يخالف الجد فيها الاب في ظاهر الرواية ولا يخالف في رواية الحسن احدها وجوب صدقة الفطر والثانى التبعية في الاسلام والثالث جر الولاء والرابع الوصية لقرابة فلان وجه رواية الحسن ان ولاية الجد عند عدم الاب ولاية متكاملة وهو يمونهم فيتقرر السبب في حقه ووجه ظاهر الرواية ان ولاية الجد منتقلة من الاب إليه فهو نظير ولاية الوصي وهذا لان السبب انما يتقرر إذا كان رأسه في معنى رأس نفسه باعتبار الولاية وذلك لا يتقرر في حق الجد لان ثبوت ولايته بواسطة وولايته على نفسه ثابتة بدون الواسطة (قال) ولا يؤدى الزوج زكاة الفطر عن زوجته. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يجب عليه الاداء عنها لقوله عليه الصلاة والسلام أدوا عمن تمونون وهو يمون زوجته وملكه عليها نظير ملك المولى على أم ولده فانه يثبت به الفراش وحل الوطئ فكما يجب عليه الاداء عن أم ولده فكذلك عن زوجته (ولنا) ان عليها الاداء عن مماليكها ومن يجب عليه الاداء من غيره لا يجب على الغير الاداء عنه وهذا لان نفسها أقرب إليها من نفس مماليكها ثم النفقة على الزوج باعتبار العقد فلا يكون موجبا للصدقة كنفقة الاجير على المستأجر وهذا لان في الصدقة معنى العبادة وهو ما تزوجها ليحمل عنها العبادات وقد بينا ان مجرد المؤنة بدون الولاية المطلقة لا ينهض سببا وبعقد النكاح لا يثبت له عليها الولاية فيما سوى حقوق النكاح بخلاف أم الولد فان للمولى عليها ولاية مطلقة بسبب ملك الرقبة فان أدى الزوج عن زوجته بأمرها جاز وان أدى عنها بغير أمرها لم يجز في القياس كما لو أدى عن أجنبي ويجوز استحسانا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى لان العادة ان الزوج هو الذى يؤدى فكان الامر منها ثابتا باعتبار العادة فيكون كالثابت بالنص (قال) وليس على الرجل ان يؤدى عن أبويه ولا عن أحد من قرابته وان كانوا في عياله لانه لا ولاية له

[ 106 ] عليهم ولانه متبرع في الانفاق عليهم فهو كمن تبرع بالانفاق على الغير فلا يجب عليه الصدقة عنهم باعتباره (قال) ويؤدي صدقة الفطر عن نفسه حيث هو ويكره له أن يبعث بصدقته إلى موضع آخر لحديث معاذ بن جبل رضى الله عنه من نقل عشرة وصدقته عن مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته في مخلاف عشيرته واما عن رقيقه فانما يودى صدقة الفطر حيث هو وان كانوا في بلد آخر وحكي ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه رجع عن هذا القول فقال يؤدى عنهم حيث هم وجعله قياس زكاة المال ولا خلاف أن المعتبر هناك موضع المال لا موضع صاحبه فهنا كذلك. ووجه ظاهر الرواية أن الوجوب على المولى في ذمته ورأس المماليك في حقه كرأسه فكما أن في أداء الصدقة على نفسه يعتبر موضعه فكذلك عن مماليكه بخلاف الزكاة فان الواجب جزء من المال ؟ ؟ يسقط بهلاك المال وهنا لا يسقط بهلاك المماليك بعد الوجوب على المولى (قال) رجلان بينهما مملوك للخدمة لا يجب على واحد منهما صدقة الفطر عنه عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يجب عليهما وهو بناء على الاصل الذى تقدم بيانه فان عنده الوجوب على العبد وهو كامل في نفسه وعندنا الوجوب على المولى عن عبده وكل واحد منهما لا يملك ما يسمى عبدا فان نصف العبد ليس بعبد وعلى سبيل الابتداء هو يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم أدوا عمن تمونون وهما يمونانه فان نفقته عليهما فكذلك الصدقة عنه (ولنا) أن السبب رأس يمونه بولايته عليه ولا ولاية لواحد منهما عليه حتى لو أراد أن يزوجه لا يملك ذلك وبمجرد وجوب النفقة لا يكون عليه وجوب الصدقة فان النفقة تجب باعتبار ملك سائر الحيوانات ولا تجب الصدقة ما لم يتقرر السبب وهو رأس يمونه بولايته عليه (قال) فان كان بينهما مماليك للخدمة فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجب على واحد منهما صدقة الفطر عنهم وعند محمد رحمه الله تعالى يجب على كل واحد منهما الصدقة في حصته إذا كان كاملا في نفسه حتى إذا كان بينهما خمسه أعبد يجب على كل واحد منهما الصدقة عن عبدين ومذهب أبى يوسف رحمه الله تعالى مضطرب ذكر في بعض روايات هذا الكتاب كقول محمد رحمه الله تعالى والاصح أن قوله كقول أبى حنيفة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى مر على أصله فانه لا يرى قسمة الرقيق جبرا فلا يملك كل واحد منهما ما يسمى عبدا ومحمد مر على أصله فانه يرى قسمة الرقيق جبرا وباعتبار القسمة ملك كل واحد منهما

[ 107 ] في البعض متكامل وكذلك مذهب أبى يوسف ان كان قوله كقول محمد وان كان قوله كقول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فعذره أن القسمة تنبنى على الملك فأما وجوب الصدقة فينبنى على الولاية لا على الملك حتى تجب الصدقة عن الولد الصغير وليس لواحد منهما ولاية متكاملة على شئ من هذه الرؤس (قال) فان كان بينهما جارية فجاءت بولد فادعياه ثم مر يوم الفطر فلا صدقة على واحد منهما عن الام لما بينا فأما على الولد يجب على كل واحد منهما صدقة كاملة في قول أبى يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى تجب عليهما صدقة واحدة عنه ولا رواية فيه عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فمحمد يقول الاب أحدهما في الحقيقة وصدقة الفطر عليه وليس أحدهما بأولى من الآخر فجعلناها عليهما نصفين ألا ترى أنهما يرثانه ميراث ابن واحد وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول هو ابن لكل واحد منهما بكماله لان البنوة لا تحتمل التجزى ألا ترى أنه يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل فكذلك يجب على كل واحد منهما عنه صدقة كاملة (قال) وليس على الرجل صدقة الفطر في مماليك التجارة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجب وهو بناء على الاصل الذى بينا فان عنده الوجوب على العبد وزكاة التجارة على المولى فلا يمنع ذلك وجوب زكاة الفطر على العبد وعندنا الوجوب على المولى كزكاة التجارة فلا يجتمع زكاتان على ملك واحد على رجل واحد (قال) وله أن يجمع صدقة نفسه ومماليكه فيعطيها مسكينا واحدا لقوله صلى الله عليه وسلم اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم والاغناء يحصل بصرف الكل إلى واحد فوق ما يحصل بالتفريق ولان المعتبر القدر المنصوص عليه وصفة الفقر في المصروف إليه وذلك لا يختلف بالتفريق والجمع فجاز الكل وهذا بخلاف الكفارة فانه لو صرف الكل إلى مسكين واحد جملة لا يجوز لان العدد في المصروف إليه منصوص عليه فلابد من وجوده صورة ومعنى (قال) فان أعطى قيمة الحنطة جاز عندنا لان المعتبر حصول الغنى وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالحنطة وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز وأصل الخلاف في الزكاة وكان أبو بكر الاعمش رحمه الله تعالى يقول أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة لانه أقرب إلى امتثال الامر وأبعد عن اختلاف العلماء فكان الاحتياط فيه وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقول أداء القيمة أفضل لانه أقرب إلى منفعة الفقير فانه يشترى به للحال ما يحتاج إليه والتنصيص على الحنطة والشعير كان لان البياعات في ذلك الوقت بالمدينة يكون بها فاما في


[ 108 ]

ديارنا البياعات تجرى بالنقود وهي أعز الاموال فالاداء منها أفضل (قال) ومن مات من مماليكه وولده ليلة العيد فلا صدقة عليه عنهم ومن مات بعد الصبح فالصدقة واجبة عنهم ولا خلاف ان وجوب الصدقة يتعلق بالفطر من رمضان وانما الخلاف في وقت الفطر من رمضان عندنا وقت الفطر عند طلوع الفجر من يوم الفطر وعنده وقت غروب الشمس من الليلة التى يهل بها هلال شوال حجته لاثبات هذا الاصل ان حقيقة الفطر عند غروب الشمس وكذلك انسلاخ شهر رمضان يكون عند رؤية هلال شوال وذلك عند غروب الشمس وحجتنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال أنها كم عن صوم يومين يوم تفطرون فيه من صومكم ويوم تأكلون فيه لحم نسككم ولان حقيقة الفطر عند غروب الشمس كما يكون في هذا اليوم كذلك فيما قبله والفطر من رمضان انما يتحقق بما يكون مخالفا لما تقدم وذلك عند طلوع الفجر لان فيما تقدم كان يلزمه الصوم في هذا الوقت وفى هذا اليوم يلزمه الفطر وهذا اليوم يسمى يوم الفطر فينبغي ان يكون الفطر من رمضان فيه ليتحقق هذا الاسم كيوم الجمعة تجب فيه الجمعة وتؤدى فيه ليتحقق هذا الاسم فيه إذا عرفنا هذا فنقول كل من أسلم من الكفار ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا لان وقت الوجوب جاء وهو مسلم وكل من يولد ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا لانه جاء وقت الوجوب وهو منفصل ومن مات من أولاده ومماليكه ليلة الفطر فليس عليه الصدقة عنه لانه جاء وقت الوجوب وهو ميت ومن مات بعد طلوع الفجر منهم فعليه الصدقة عنه لان وقت الوجوب جاء وهو حي وصدقة الفطر بعد ما وجبت لا تسقط بموت المؤدى عنه بخلاف الزكاة فان الواجب هناك جزء من المال وبهلاكه يفوت محل الواجب وهنا الصدقة تجب في ذمة المؤدى فبموت المؤدى عنه لا يفوت محل الواجب فلهذا لا تسقط حتى روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى في الامالى ان من قال لعبده إذا جاء يوم الفطر فأنت حر فعليه صدقة الفطر عنه لانه انما عتق بعد طلوع الفجر فلا تسقط به الصدقة الواجبة عنه والدليل على ان وقت الوجوب عند طلوع الفجر حديث ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا باداء صدقة الفطر قبل الخروج إلى المصلى والمقصود بهذا الامر المسارعة إلى الاداء لا التأخير عن وقت الوجوب (قال) وإذا مر يوم الفطر وفي يد الرجل مملوك قد اشتراه وفى البيع خيار لاحد المتبايعين فانما الصدقة على من يستقر له الملك عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى