الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الروح/المسألة التاسعة عشرة»

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
جديدة '{{جودة النص|75%}}{{مركزية | عنوان = الروح - المسألة التاسعة عشرة | مؤلف...'
 
لا ملخص تعديل
 
سطر 9: سطر 9:
{{نثر}}
{{نثر}}


و هي: ما حقيقة النفس: هل هي جزء من أجزاء البدن، أو عرض من أعراضه، أو جسم مساكن له مودع فيه، أو جوهر مجرد؟ وهل هي الروح أو غيرها؟<br/>
و هل الأمّارة واللوّامة والمطمئنة نفس واحدة لها هذه الصفات، أم هي ثلاث أنفس.<br/>
فالجواب: إن هذه مسائل قد تكلم الناس فيها من سائر الطوائف، واضطربت أقوالهم فيها وكثر فيها خطؤهم، وهدى اللّه أتباع الرسول وأهل سنته لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فنذكر أقوال الناس وما لهم وما عليهم في تلك الأقوال، ونذكر الصواب بحمد اللّه وعونه:<br/>
قال أبو الحسن الأشعري في مقالاته: «اختلف الناس في الروح والحياة هل الروح هي الحياة أو غيرها؟ وهل الروح جسم أم لا؟ فقال النظام: الروح هي جسم وهي النفس، وزعم أن الروح حي بنفسه، وأنكر أن تكون الحياة والقوة معنى غير الحي القوي. وقال آخرون: الروح عرض.<br/>
و قال قائلون منهم جعفر بن حرب: لا ندري الروح جوهر أو عرض، واعتلوا في ذلك بقوله تعالى: {{قرآن|س=17|آ=85|وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}} ولم يخبر عنها ما هي؟ لا أنها جوهر ولا عرض- قال:- وأظن جعفرا أثبت أن الحياة غير الروح وأثبت أن الحياة عرضا.<br/>
و كان الجبائي <ref>وهو من المعتزلة.</ref> يذهب إلى أن الروح جسم وأنها غير الحياة، والحياة عرض، ويعتل بقول أهل اللغة: خرجت روح الإنسان، وزعم أن الروح لا تجوز عليها الأعراض.<br/>
و قال قائلون: ليس الروح شيئا أكثر من اعتدال الطبائع الأربع، ولم يرجعوا عن قولهم إلا إلى المعتدل، ولم يثبتوا في الدنيا شيئا إلا الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.<br/>
و قال قائلون: إن للروح مغنى خامس غير الطبائع الأربع، وأنه ليس في الدنيا إلا الطبائع الأربع واختلفوا في الروح فثبتها بعضهم طباعا وثبتها بعضهم اختيارا.<br/>
و قال قائلون: الروح الدم الصافي الخالص من الكدر والعفونات، وكذلك قالوا في القوة.<br/>
و قال قائلون: الحياة هي الحرارة الغريزية، وكل هؤلاء الذين حكينا أقوالهم في الروح من أصحاب الطبائع يثبتون أن الحياة هي الروح.<br/>
و كان الأصم لا يثبت للحياة والروح شيئا غير الجسد، ويقول: ليس أعقل إلا الجسد الطويل العريض العميق الذي أراه وأشاهده، وكان يقول النفس هي هذا البدن بعينه لا غير، وإنما جرى عليها هذا الذكر على جهة البيان والتأكيد بحقيقة الشي ء لا على أنها معنى غير البدن.<br/>
و ذكر عن أرسطاطاليس <ref>هو أرسطاطاليس بن نيقوماخوس الفيلسوف اليوناني من أهل أسطاغيرا، وهو المقدم المشهور والمعلم الأول والحكيم المطلق عند اليونان. ولد في السنة الأولى من ملك أزدشير بن دارا، فلما بلغ سبعة عشر سنة من عمره أسلمه أبوه إلى أفلاطون ليعلمه، فمكث عنده نيفا وعشرين سنة.</ref>: أن النفس معنى مرتفع عن الوقوع تحت النسق واللون وأنها جوهر بسيط مثبت في العالم كله من الحيوان على جهة الأعمال له والتدبير، وأنه لا تجوز عليه صفة قلة ولا كثرة، قال وهي على ما وصفت من انبساطها في هذا العالم غير منقسمة الذات والبنية وأنها في كل حيوان العالم بمعنى واحد لا غير <ref>واعتبر أرسطاطاليس أن النفس الإنسانية ليست بجسم ولا قوة في جسم واستدل على ذلك باستدلالات عدة (انظر الملل والمحل 3/ 56).</ref>.<br/>
و قال آخرون: بل النفس معنى موجود ذات حدود وأركان وطول وعرض وعمق وأنها غير مفارقة في هذا العالم لغيرها مما يجري عليه حكم الطول والعرض و العمق، وكل واحد منهما يجمعهما صفة الحد والنهاية (و هذا قول طائفة من الثنوية <ref>يقولون أن النور والظلمة أزليان قديمان، بخلاف المجوس الذين يقولون بحدوث الظلام وتساويهما في القدم واختلافها في الجوهر والطبع والفعل والخير والمكان والأجناس والأبدان والأرواح.</ref> يقال لهم المثانية).<br/>
و قالت طائفة: إن النفس موصوفة بما وصفها هؤلاء الذين قدمنا ذكرهم من معنى الحدود والنهايات، إلا أنها غير مفارقة لغيرها مما لا يجوز أن يكون موصوفا بصفة الحيوان (و هؤلاء الديصانية) <ref>نسبة إلى ديصان، وهؤلاء قالوا أن هناك أصلين: النور ويفعل الخير قصدا واختيارا، والظلام يفعل الشر طبعا واضطرارا، فما كان من خير ونفع وطيب وحسن فمن النور، وما كان من شر ونتن وقيح فمن الظلام. وهؤلاء أعطوا للنور صفة الحي القادر العالم الحساس المدرك، وقالوا أن الحركة والحياة والظلام تكون منه، وقالوا أن النور جنس واحد كما الظلام جنس واحد. ولهم أقوال كثيرة في هذا (انظر الملل والنحل 2/ 88).</ref> وحكى الحريري عن جعفر بن مبشر أن النفس جوهر ليس هو هذا الجسم وليس بجسم لكنه معنى [بين] <ref>وردت في المطبوع: باين.</ref> الجوهر والجسم.<br/>
و قال آخرون: النفس معنى غير الروح، والروح غير الحياة، والحياة عنده عرض (و هو أبو الهذيل)، وزعم أنه قد يجوز أن يكون الإنسان في حال نومه مسلوب النفس والروح دون الحياة، واستشهد على ذلك بقوله تعالى: {{قرآن|س=39|آ=42|اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}}.<br/>
و قال جعفر بن حرب: النفس عرض من الأعراض يوجد في هذا الجسم، وهو أحد الآلات التي يستعين بها الإنسان على الفعل كالصحة والسلامة وما أشبههما، وأنها غير موصوفة بشي ء من صفات الجواهر والأجسام، هذا ما حكاه الأشعري.<br/>
و قالت طائفة: النفس هي النسيم الداخل والخارج بالتنفس، قالوا: والروح عرض وهو الحياة فقط، وهو غير النفس، وهذا قول القاضي أبي بكر بن الباقلاني ومن أتبعه من الأشعرية.<br/>
و قالت طائفة: ليست النفس جسما ولا عرضا، وليست النفس في مكان، ولا لها طول ولا عرض ولا عمق ولا لون ولا بعض، ولا هي في العالم ولا خارجه، ولا بجانبه ولا مباينة [له] <ref>زيدت على المطبوع لسياق العبارة.</ref>. وهذا قول المشائين، وهو الذي حكاه الأشعري عن أرسطاطاليس، وزعموا أن تعلقها بالبدن لا بالحلول فيه ولا بالمجاوزة ولا بالمساكنة ولا بالتصاق ولا بالمقابلة، وإنما هو التدبير له فقط، واختار هذا المذهب البوسنجي، ومحمد بن النعمان الملقب بالمفيد، ومعمر بن عباد الغزالي وهو قول ابن سينا وأتباعه، وهو أردأ المذاهب وأبطلها وأبعدها من الصواب.<br/>
قال أبو محمد بن حزم: وذهب سائر أهل الإسلام والملل المقرة بالمعاد إلى أن النفس جسم طويل عريض عميق ذات مكان، جثة متحيزة مصرفة للجسد، قال: وبهذا نقول، قال: والنفس والروح اسمان مترادفان لمعنى واحد ومعناهما واحد.<br/>
و قد ضبط أبو عبد اللّه بن الخطيب مذاهب الناس في النفس فقال: ما يشير إليه كل إنسان بقوله: أنا، إما أن يكون جسما أو عرضا ساريا في الجسم أو لا جسما ولا عارضا ساريا فيه، أما القسم الأول: وهو أنه جسم، فذلك الجسم إما أن يكون هذا البدن وإما أن يكون جسما مشاركا لهذا البدن، وإما أن يكون خارجا عنه [أما القسم الثاني: وهو أن الإنسان عبارة عن جسم مخصوص موجود في داخل هذا البدن] <ref>ساقطة من المطبوع، واستكملت من قول الرازي الذي سيرد في الصفحة التالية.</ref>، أما القسم الثالث: وهو أن نفس الإنسان عبارة عن جسم خارج عن هذا البدن فهذا لم يقله أحد، وأما القسم الأول وهو أن الإنسان عبارة عن هذا البدن والهيكل المخصوص فهو قول جمهور الخلق وهو المختار عند أكثر المتكلمين.<br/>
قلت: هو قول جمهور الخلق الذين عرف الرازي أقوالهم من أهل البدع وغيرهم من المضلين، وأما أقوال الصحابة والتابعين وأهل الحديث فلم يكن له بها شعور البتة، ولا أعتقد أن لهم في ذلك قولا على عادته في حكاية المذاهب الباطلة في المسألة، والمذهب الحق الذي دل عليه القرآن والسنّة وأقوال الصحابة لم يعرفه ولم يذكره، وهو الذي نسبه إلى جمهور الخلق من أن الإنسان: هو هذا البدن المخصوص فقط، وليس وراءه شي ء هو أبطل من الأقوال في المسألة، بل هو أبطل من قول ابن سينا وأتباعه، بل الذي عليه جمهور العقلاء أن الإنسان هو البدن والروح معا، وقد يطلق اسمه على أحدهما دون الآخر بقرينة.<br/>
فالناس لهم أربعة أقوال في مسمى الإنسان. هل هو الروح فقط، أو البدن فقط، أو مجموعهما، أو كل واحد منهما. وهذه الأقوال الأربعة لهم في كلامه هل هو اللفظ فقط، أو المعنى فقط، أو مجموعهما، أو كل واحد منهما. فالخلاف بينهم في الناطق ونطقه.<br/>
قال الرازي: وأما القسم الثاني وهو أن الإنسان عبارة عن جسم مخصوص موجود في داخل هذا البدن، فالقائلون بهذا القول اختلفوا في تعيين ذلك الجسم على وجوه:<br/>
الأول: أنه عبارة عن الأخلاط الأربعة التي منها يتولد هذا البدن.<br/>
و الثاني: أنه الدم.<br/>
و الثالث: أنه الروح اللطيف الذي يتولد في الجانب الأيسر من القلب وينفذ في الشريانات إلى سائر الأعضاء.<br/>
الرابع: أنه الروح الذي يصعد في القلب إلى الدماغ، ويتكيف بالكيفية الصالحة لقبول قوة الحفظ والفكرة والذكر.<br/>
الخامس: أنه جزء لا يتجزأ في القلب.<br/>
السادس: أنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم ثوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكا لهذه الأعضاء، وإفادتها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية.<br/>
و إذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح والبدن وانفصل إلى عالم الأرواح.<br/>
و هذا القول هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواء باطلة، وعليه دل الكتاب والسنّة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة، ونحن نسوق الأدلة عليه على نسق واحد.<br/>
الدليل الأول: قوله تعالى: {{قرآن|س=39|آ=42|اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى}} ففي الآية ثلاثة أدلة الإخبار بتوفيها وإمساكها وإرسالها.<br/>
الرابع: قوله تعالى: {{قرآن|س=6|آ=93|وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ }} إلى قوله تعالى:<br/>
{{قرآن|س=6|آ=94|وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}}.<br/>
و فيها أربعة أدلة:<br/>
أحدها: بسط الملائكة أيديهم لتناولها.<br/>
الثاني: وصفها بالإخراج والخروج.<br/>
الثالث: الإخبار عن عذابها في ذلك اليوم.<br/>
الرابع: الإخبار عن مجيئها إلى ربها، فهذه سبعة أدلة.<br/>
الثامن: قوله تعالى: و{{قرآن|س=6|آ=60|وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ}} إلى قوله تعالى: {{قرآن|س=6|آ=61|حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}} وفيها ثلاثة أدلة:<br/>
أحدها: الإخبار بتوفي الأنفس بالليل.<br/>
الثاني: بعثها إلى أجسادها بالنهار.<br/>
الثالث: توفي الملائكة له عند الموت فهذه عشرة أدلة:<br/>
الحادي عشر: قوله تعالى: {{قرآن|89|27|3}} وفيها ثلاثة أدلة:<br/>
أحدها: وصفها بالرجوع.<br/>
الثاني: وصفها بالدخول.<br/>
الثالث: وصفها بالرضا.<br/>
و اختلف السلف: هل يقال لها ذلك عند الموت أو عند البعث أو في الموضعين؟ على ثلاثة أقوال، وقد روي في حديث مرفوع أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لأبي بكر الصديق: «إما أن الملك سيقولها لك عند الموت». قال زيد بن أسلم: بشرت بالجنة عند الموت ويوم الجمع وعند البعث. وقال أبو صالح: {{قرآن|89|28}} هذا عند الموت {{قرآن|89|29|1}} قال: هذا يوم القيامة. فهذه أربعة عشر دليلا.<br/>
الخامس عشر: قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر». ففيه دليلان:<br/>
أحدهما: وصفه بأنه يقبض.<br/>
و الثاني: أن البصر يراه.<br/>
السابع عشر: ما رواه النسائي: حدثنا أبو داود عن عفان بن حماد عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة أن أباه قال: رأيت في المنام كأني أسجد على جبهة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته بذلك، فقال: «إن الروح ليلقى الروح» فأقنع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم هكذا. قال عفان برأسه إلى حلقه. فوضع جبهته على جبهة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبر أن الأرواح تتلاقى في المنام، وقد تقدم قول ابن عباس: تلتقي أرواح الأحياء والأموات في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك اللّه أرواح الموتى.<br/>
الثامن عشر: قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في حديث بلال: «إن اللّه قبض أرواحكم وردها إليكم حين شاء». ففيه دليلان وصفها بالقبض والرد.<br/>
العشرون: قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة» وفيه دليلان:<br/>
أحدهما: كونها طائرا.<br/>
الثاني: تعلقها في شجر الجنة وأكلها على اختلاف التفسيرين.<br/>
الثاني والعشرون: قوله: «أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، فاطلع إليهم ربك اطلاعة فقال أي شي ء تريدون»؟ الحديث وقد تقدم فيه ستة أدلة:<br/>
أحدها: كونها مودعة في جوف طير.<br/>
الثاني: أنها تسرح في الجنة.<br/>
الثالث: أنها تأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها.<br/>
الرابع: أنها تأوي إلى تلك القناديل أي تسكن إليها.<br/>
الخامس: أن الرب تعالى خاطبها واستنطقها فأجابته وخاطبته.<br/>
السادس: أنها طلبت الرجوع إلى الدنيا فعلم أنها مما يقبل الرجوع.<br/>
فإن قيل: هذا كله صفة الطير لا صفة الروح. قيل: بل الروح مودعة في الطير قصدا، وعلى الرواية التي رجحها أبو عمر، وهي قوله: «أرواح الشهداء كطير» ينفي السؤال بالكلية.<br/>
التاسع والعشرون: قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في حديث طلحة بن عبيد اللّه: أردت مالي بالغابة فأدركني الليل، فأويت إلى قبر عبد اللّه بن عمرو بن حرام، فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «ذاك عبد اللّه، أ لم تعلم أن اللّه قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت ثم علقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم، فلا تزال كذلك حتى طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها التي كانت». وفيه أربعة أدلة سوى ما تقدم:<br/>
أحدها: جعلها في القناديل.<br/>
الثاني: انتقالها من حيز إلى حيز.<br/>
الثالث: تكلمها وقراءتها في القبر.<br/>
الرابع: وصفها بأنها في مكان.<br/>
الثالث والثلاثون: حديث البراء بن عازب وقد تقدم سياقه وفيه عشرون دليلا:<br/>
أحدها: قول ملك الموت لنفسه: {{قرآن|89|27|1}} وهذا الخطاب لمن يفهم ويعقل.<br/>
الثاني: قوله: اخرجي إلى مغفرة من اللّه ورضوان.<br/>
الثالث: قوله: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء.<br/>
الرابع: قوله: فلا يدعونها في يده طرفة عين حتى يأخذوها منه.<br/>
الخامس: قوله: حتى يكفنوها في ذلك الكفن ويحنطوها بذلك الحنوط، فأخبر أنها تكفن وتحنط.<br/>
السادس: ثم يصعد بروحه إلى السماء.<br/>
السابع: قوله: ويوجد منها كأطيب نفحة مسك وجدت.<br/>
الثامن: قوله: فتفتح له أبواب السماء.<br/>
التاسع: قوله ويشيعه من كل سماء مقربوها حتى ينتهي إلى الرب تعالى.<br/>
العاشر: قوله فيقول تعالى ردوا عبدي إلى الأرض.<br/>
الحادي عشر: قوله فترد روحه إلى جسده.<br/>
الثاني عشر: قوله في روح الكافر فتفرق في جسده فيجذبها فتنقطع منها العروق والعصب.<br/>
الثالث عشر: قوله ويوجد لروحه كأنتن ريح وجدت على وجه الأرض.<br/>
الرابع عشر: قوله فيقذف بروحه عن السماء وتطرح طرحا فتهوي إلى الأرض.<br/>
الخامس عشر: قوله فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب؟ وما هذا الروح الخبيث؟<br/>
السادس عشر: قوله فيجلسان ويقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فإن كان هذا للروح فظاهر، وإن كان للبدن فهو بعد رجوع الروح إليه من السماء.<br/>
السابع عشر: فإذا صعد بروحه قيل: أي رب عبدك فلان.<br/>
الثامن عشر: قوله: ارجعوه فأروه ما ذا أعددت له من الكرامة. فيرى مقعده من الجنة والنار.<br/>
التاسع عشر: قوله في الحديث: «إذا خرجت روح المؤمن صلى عليها كل ملك للّه بين السماء والأرض» فالملائكة تصلي على روحه وبني آدم يصلون على جسده.<br/>
العشرون: قوله فينظر إلى مقعده من الجنة أو النار حتى تقوم الساعة والبدن قد تمزق وتلاشى وإنما الذي يرى المقعدين الروح.


{{هامش محدود}}
{{هامش محدود}}

المراجعة الحالية بتاريخ 21:27، 30 سبتمبر 2020

ملاحظات: المسألة التاسعة عشرة (حقيقة النفس)


و هي: ما حقيقة النفس: هل هي جزء من أجزاء البدن، أو عرض من أعراضه، أو جسم مساكن له مودع فيه، أو جوهر مجرد؟ وهل هي الروح أو غيرها؟
و هل الأمّارة واللوّامة والمطمئنة نفس واحدة لها هذه الصفات، أم هي ثلاث أنفس.
فالجواب: إن هذه مسائل قد تكلم الناس فيها من سائر الطوائف، واضطربت أقوالهم فيها وكثر فيها خطؤهم، وهدى اللّه أتباع الرسول وأهل سنته لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فنذكر أقوال الناس وما لهم وما عليهم في تلك الأقوال، ونذكر الصواب بحمد اللّه وعونه:
قال أبو الحسن الأشعري في مقالاته: «اختلف الناس في الروح والحياة هل الروح هي الحياة أو غيرها؟ وهل الروح جسم أم لا؟ فقال النظام: الروح هي جسم وهي النفس، وزعم أن الروح حي بنفسه، وأنكر أن تكون الحياة والقوة معنى غير الحي القوي. وقال آخرون: الروح عرض.
و قال قائلون منهم جعفر بن حرب: لا ندري الروح جوهر أو عرض، واعتلوا في ذلك بقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85] ولم يخبر عنها ما هي؟ لا أنها جوهر ولا عرض- قال:- وأظن جعفرا أثبت أن الحياة غير الروح وأثبت أن الحياة عرضا.
و كان الجبائي 1 يذهب إلى أن الروح جسم وأنها غير الحياة، والحياة عرض، ويعتل بقول أهل اللغة: خرجت روح الإنسان، وزعم أن الروح لا تجوز عليها الأعراض.
و قال قائلون: ليس الروح شيئا أكثر من اعتدال الطبائع الأربع، ولم يرجعوا عن قولهم إلا إلى المعتدل، ولم يثبتوا في الدنيا شيئا إلا الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
و قال قائلون: إن للروح مغنى خامس غير الطبائع الأربع، وأنه ليس في الدنيا إلا الطبائع الأربع واختلفوا في الروح فثبتها بعضهم طباعا وثبتها بعضهم اختيارا.
و قال قائلون: الروح الدم الصافي الخالص من الكدر والعفونات، وكذلك قالوا في القوة.
و قال قائلون: الحياة هي الحرارة الغريزية، وكل هؤلاء الذين حكينا أقوالهم في الروح من أصحاب الطبائع يثبتون أن الحياة هي الروح.
و كان الأصم لا يثبت للحياة والروح شيئا غير الجسد، ويقول: ليس أعقل إلا الجسد الطويل العريض العميق الذي أراه وأشاهده، وكان يقول النفس هي هذا البدن بعينه لا غير، وإنما جرى عليها هذا الذكر على جهة البيان والتأكيد بحقيقة الشي ء لا على أنها معنى غير البدن.
و ذكر عن أرسطاطاليس 2: أن النفس معنى مرتفع عن الوقوع تحت النسق واللون وأنها جوهر بسيط مثبت في العالم كله من الحيوان على جهة الأعمال له والتدبير، وأنه لا تجوز عليه صفة قلة ولا كثرة، قال وهي على ما وصفت من انبساطها في هذا العالم غير منقسمة الذات والبنية وأنها في كل حيوان العالم بمعنى واحد لا غير 3.
و قال آخرون: بل النفس معنى موجود ذات حدود وأركان وطول وعرض وعمق وأنها غير مفارقة في هذا العالم لغيرها مما يجري عليه حكم الطول والعرض و العمق، وكل واحد منهما يجمعهما صفة الحد والنهاية (و هذا قول طائفة من الثنوية 4 يقال لهم المثانية).
و قالت طائفة: إن النفس موصوفة بما وصفها هؤلاء الذين قدمنا ذكرهم من معنى الحدود والنهايات، إلا أنها غير مفارقة لغيرها مما لا يجوز أن يكون موصوفا بصفة الحيوان (و هؤلاء الديصانية) 5 وحكى الحريري عن جعفر بن مبشر أن النفس جوهر ليس هو هذا الجسم وليس بجسم لكنه معنى [بين] 6 الجوهر والجسم.
و قال آخرون: النفس معنى غير الروح، والروح غير الحياة، والحياة عنده عرض (و هو أبو الهذيل)، وزعم أنه قد يجوز أن يكون الإنسان في حال نومه مسلوب النفس والروح دون الحياة، واستشهد على ذلك بقوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42].
و قال جعفر بن حرب: النفس عرض من الأعراض يوجد في هذا الجسم، وهو أحد الآلات التي يستعين بها الإنسان على الفعل كالصحة والسلامة وما أشبههما، وأنها غير موصوفة بشي ء من صفات الجواهر والأجسام، هذا ما حكاه الأشعري.
و قالت طائفة: النفس هي النسيم الداخل والخارج بالتنفس، قالوا: والروح عرض وهو الحياة فقط، وهو غير النفس، وهذا قول القاضي أبي بكر بن الباقلاني ومن أتبعه من الأشعرية.
و قالت طائفة: ليست النفس جسما ولا عرضا، وليست النفس في مكان، ولا لها طول ولا عرض ولا عمق ولا لون ولا بعض، ولا هي في العالم ولا خارجه، ولا بجانبه ولا مباينة [له] 7. وهذا قول المشائين، وهو الذي حكاه الأشعري عن أرسطاطاليس، وزعموا أن تعلقها بالبدن لا بالحلول فيه ولا بالمجاوزة ولا بالمساكنة ولا بالتصاق ولا بالمقابلة، وإنما هو التدبير له فقط، واختار هذا المذهب البوسنجي، ومحمد بن النعمان الملقب بالمفيد، ومعمر بن عباد الغزالي وهو قول ابن سينا وأتباعه، وهو أردأ المذاهب وأبطلها وأبعدها من الصواب.
قال أبو محمد بن حزم: وذهب سائر أهل الإسلام والملل المقرة بالمعاد إلى أن النفس جسم طويل عريض عميق ذات مكان، جثة متحيزة مصرفة للجسد، قال: وبهذا نقول، قال: والنفس والروح اسمان مترادفان لمعنى واحد ومعناهما واحد.
و قد ضبط أبو عبد اللّه بن الخطيب مذاهب الناس في النفس فقال: ما يشير إليه كل إنسان بقوله: أنا، إما أن يكون جسما أو عرضا ساريا في الجسم أو لا جسما ولا عارضا ساريا فيه، أما القسم الأول: وهو أنه جسم، فذلك الجسم إما أن يكون هذا البدن وإما أن يكون جسما مشاركا لهذا البدن، وإما أن يكون خارجا عنه [أما القسم الثاني: وهو أن الإنسان عبارة عن جسم مخصوص موجود في داخل هذا البدن] 8، أما القسم الثالث: وهو أن نفس الإنسان عبارة عن جسم خارج عن هذا البدن فهذا لم يقله أحد، وأما القسم الأول وهو أن الإنسان عبارة عن هذا البدن والهيكل المخصوص فهو قول جمهور الخلق وهو المختار عند أكثر المتكلمين.
قلت: هو قول جمهور الخلق الذين عرف الرازي أقوالهم من أهل البدع وغيرهم من المضلين، وأما أقوال الصحابة والتابعين وأهل الحديث فلم يكن له بها شعور البتة، ولا أعتقد أن لهم في ذلك قولا على عادته في حكاية المذاهب الباطلة في المسألة، والمذهب الحق الذي دل عليه القرآن والسنّة وأقوال الصحابة لم يعرفه ولم يذكره، وهو الذي نسبه إلى جمهور الخلق من أن الإنسان: هو هذا البدن المخصوص فقط، وليس وراءه شي ء هو أبطل من الأقوال في المسألة، بل هو أبطل من قول ابن سينا وأتباعه، بل الذي عليه جمهور العقلاء أن الإنسان هو البدن والروح معا، وقد يطلق اسمه على أحدهما دون الآخر بقرينة.
فالناس لهم أربعة أقوال في مسمى الإنسان. هل هو الروح فقط، أو البدن فقط، أو مجموعهما، أو كل واحد منهما. وهذه الأقوال الأربعة لهم في كلامه هل هو اللفظ فقط، أو المعنى فقط، أو مجموعهما، أو كل واحد منهما. فالخلاف بينهم في الناطق ونطقه.
قال الرازي: وأما القسم الثاني وهو أن الإنسان عبارة عن جسم مخصوص موجود في داخل هذا البدن، فالقائلون بهذا القول اختلفوا في تعيين ذلك الجسم على وجوه:
الأول: أنه عبارة عن الأخلاط الأربعة التي منها يتولد هذا البدن.
و الثاني: أنه الدم.
و الثالث: أنه الروح اللطيف الذي يتولد في الجانب الأيسر من القلب وينفذ في الشريانات إلى سائر الأعضاء.
الرابع: أنه الروح الذي يصعد في القلب إلى الدماغ، ويتكيف بالكيفية الصالحة لقبول قوة الحفظ والفكرة والذكر.
الخامس: أنه جزء لا يتجزأ في القلب.
السادس: أنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم ثوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكا لهذه الأعضاء، وإفادتها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية.
و إذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح والبدن وانفصل إلى عالم الأرواح.
و هذا القول هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواء باطلة، وعليه دل الكتاب والسنّة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة، ونحن نسوق الأدلة عليه على نسق واحد.
الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى [الزمر:42] ففي الآية ثلاثة أدلة الإخبار بتوفيها وإمساكها وإرسالها.
الرابع: قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ  [الأنعام:93] إلى قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94].
و فيها أربعة أدلة:
أحدها: بسط الملائكة أيديهم لتناولها.
الثاني: وصفها بالإخراج والخروج.
الثالث: الإخبار عن عذابها في ذلك اليوم.
الرابع: الإخبار عن مجيئها إلى ربها، فهذه سبعة أدلة.
الثامن: قوله تعالى: و﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ [الأنعام:60] إلى قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61] وفيها ثلاثة أدلة:
أحدها: الإخبار بتوفي الأنفس بالليل.
الثاني: بعثها إلى أجسادها بالنهار.
الثالث: توفي الملائكة له عند الموت فهذه عشرة أدلة:
الحادي عشر: قوله تعالى: ﴿يَـٰۤأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ۝٢٧ ٱرۡجِعِیۤ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةࣰ مَّرۡضِيَّةࣰ ۝٢٨ فَٱدۡخُلِی فِی عِبَـٰدِی ۝٢٩ وَٱدۡخُلِی جَنَّتِی ۝٣٠ [الفجر:27–30] وفيها ثلاثة أدلة:
أحدها: وصفها بالرجوع.
الثاني: وصفها بالدخول.
الثالث: وصفها بالرضا.
و اختلف السلف: هل يقال لها ذلك عند الموت أو عند البعث أو في الموضعين؟ على ثلاثة أقوال، وقد روي في حديث مرفوع أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لأبي بكر الصديق: «إما أن الملك سيقولها لك عند الموت». قال زيد بن أسلم: بشرت بالجنة عند الموت ويوم الجمع وعند البعث. وقال أبو صالح: ﴿ٱرۡجِعِیۤ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةࣰ مَّرۡضِيَّةࣰ ۝٢٨ [الفجر:28] هذا عند الموت ﴿فَٱدۡخُلِی فِی عِبَـٰدِی ۝٢٩ وَٱدۡخُلِی جَنَّتِی ۝٣٠ [الفجر:29–30] قال: هذا يوم القيامة. فهذه أربعة عشر دليلا.
الخامس عشر: قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر». ففيه دليلان:
أحدهما: وصفه بأنه يقبض.
و الثاني: أن البصر يراه.
السابع عشر: ما رواه النسائي: حدثنا أبو داود عن عفان بن حماد عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة أن أباه قال: رأيت في المنام كأني أسجد على جبهة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته بذلك، فقال: «إن الروح ليلقى الروح» فأقنع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم هكذا. قال عفان برأسه إلى حلقه. فوضع جبهته على جبهة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبر أن الأرواح تتلاقى في المنام، وقد تقدم قول ابن عباس: تلتقي أرواح الأحياء والأموات في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك اللّه أرواح الموتى.
الثامن عشر: قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في حديث بلال: «إن اللّه قبض أرواحكم وردها إليكم حين شاء». ففيه دليلان وصفها بالقبض والرد.
العشرون: قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة» وفيه دليلان:
أحدهما: كونها طائرا.
الثاني: تعلقها في شجر الجنة وأكلها على اختلاف التفسيرين.
الثاني والعشرون: قوله: «أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، فاطلع إليهم ربك اطلاعة فقال أي شي ء تريدون»؟ الحديث وقد تقدم فيه ستة أدلة:
أحدها: كونها مودعة في جوف طير.
الثاني: أنها تسرح في الجنة.
الثالث: أنها تأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها.
الرابع: أنها تأوي إلى تلك القناديل أي تسكن إليها.
الخامس: أن الرب تعالى خاطبها واستنطقها فأجابته وخاطبته.
السادس: أنها طلبت الرجوع إلى الدنيا فعلم أنها مما يقبل الرجوع.
فإن قيل: هذا كله صفة الطير لا صفة الروح. قيل: بل الروح مودعة في الطير قصدا، وعلى الرواية التي رجحها أبو عمر، وهي قوله: «أرواح الشهداء كطير» ينفي السؤال بالكلية.
التاسع والعشرون: قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في حديث طلحة بن عبيد اللّه: أردت مالي بالغابة فأدركني الليل، فأويت إلى قبر عبد اللّه بن عمرو بن حرام، فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «ذاك عبد اللّه، أ لم تعلم أن اللّه قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت ثم علقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم، فلا تزال كذلك حتى طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها التي كانت». وفيه أربعة أدلة سوى ما تقدم:
أحدها: جعلها في القناديل.
الثاني: انتقالها من حيز إلى حيز.
الثالث: تكلمها وقراءتها في القبر.
الرابع: وصفها بأنها في مكان.
الثالث والثلاثون: حديث البراء بن عازب وقد تقدم سياقه وفيه عشرون دليلا:
أحدها: قول ملك الموت لنفسه: ﴿يَـٰۤأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ۝٢٧ ٱرۡجِعِیۤ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةࣰ مَّرۡضِيَّةࣰ ۝٢٨ [الفجر:27–28] وهذا الخطاب لمن يفهم ويعقل.
الثاني: قوله: اخرجي إلى مغفرة من اللّه ورضوان.
الثالث: قوله: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء.
الرابع: قوله: فلا يدعونها في يده طرفة عين حتى يأخذوها منه.
الخامس: قوله: حتى يكفنوها في ذلك الكفن ويحنطوها بذلك الحنوط، فأخبر أنها تكفن وتحنط.
السادس: ثم يصعد بروحه إلى السماء.
السابع: قوله: ويوجد منها كأطيب نفحة مسك وجدت.
الثامن: قوله: فتفتح له أبواب السماء.
التاسع: قوله ويشيعه من كل سماء مقربوها حتى ينتهي إلى الرب تعالى.
العاشر: قوله فيقول تعالى ردوا عبدي إلى الأرض.
الحادي عشر: قوله فترد روحه إلى جسده.
الثاني عشر: قوله في روح الكافر فتفرق في جسده فيجذبها فتنقطع منها العروق والعصب.
الثالث عشر: قوله ويوجد لروحه كأنتن ريح وجدت على وجه الأرض.
الرابع عشر: قوله فيقذف بروحه عن السماء وتطرح طرحا فتهوي إلى الأرض.
الخامس عشر: قوله فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب؟ وما هذا الروح الخبيث؟
السادس عشر: قوله فيجلسان ويقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فإن كان هذا للروح فظاهر، وإن كان للبدن فهو بعد رجوع الروح إليه من السماء.
السابع عشر: فإذا صعد بروحه قيل: أي رب عبدك فلان.
الثامن عشر: قوله: ارجعوه فأروه ما ذا أعددت له من الكرامة. فيرى مقعده من الجنة والنار.
التاسع عشر: قوله في الحديث: «إذا خرجت روح المؤمن صلى عليها كل ملك للّه بين السماء والأرض» فالملائكة تصلي على روحه وبني آدم يصلون على جسده.
العشرون: قوله فينظر إلى مقعده من الجنة أو النار حتى تقوم الساعة والبدن قد تمزق وتلاشى وإنما الذي يرى المقعدين الروح.


هامش

  1. وهو من المعتزلة.
  2. هو أرسطاطاليس بن نيقوماخوس الفيلسوف اليوناني من أهل أسطاغيرا، وهو المقدم المشهور والمعلم الأول والحكيم المطلق عند اليونان. ولد في السنة الأولى من ملك أزدشير بن دارا، فلما بلغ سبعة عشر سنة من عمره أسلمه أبوه إلى أفلاطون ليعلمه، فمكث عنده نيفا وعشرين سنة.
  3. واعتبر أرسطاطاليس أن النفس الإنسانية ليست بجسم ولا قوة في جسم واستدل على ذلك باستدلالات عدة (انظر الملل والمحل 3/ 56).
  4. يقولون أن النور والظلمة أزليان قديمان، بخلاف المجوس الذين يقولون بحدوث الظلام وتساويهما في القدم واختلافها في الجوهر والطبع والفعل والخير والمكان والأجناس والأبدان والأرواح.
  5. نسبة إلى ديصان، وهؤلاء قالوا أن هناك أصلين: النور ويفعل الخير قصدا واختيارا، والظلام يفعل الشر طبعا واضطرارا، فما كان من خير ونفع وطيب وحسن فمن النور، وما كان من شر ونتن وقيح فمن الظلام. وهؤلاء أعطوا للنور صفة الحي القادر العالم الحساس المدرك، وقالوا أن الحركة والحياة والظلام تكون منه، وقالوا أن النور جنس واحد كما الظلام جنس واحد. ولهم أقوال كثيرة في هذا (انظر الملل والنحل 2/ 88).
  6. وردت في المطبوع: باين.
  7. زيدت على المطبوع لسياق العبارة.
  8. ساقطة من المطبوع، واستكملت من قول الرازي الذي سيرد في الصفحة التالية.


المسألة التاسعة عشرة
حقيقة النفس | فصل نفس المؤمن ونفس الكافر | فصل خروج نفس المؤمن | فصل حضور الملائكة عند خروج نفس المؤمن | فصل الأرواح جنود مجندة | فصل روح النائم | فصل فتح أبواب السماء لروح المؤمن | فصل | فصل الروح والجسم، والنفس والجسم | فصل النفس والجسم | فصل الوجود | فصل هل الصورة العقلية مجردة | فصل القوى العقلية والإدراكات | فصل الإدراك | فصل | فصل الخيالات | فصل حال البدن والقوة العقلية | فصل | فصل الرد على القول بأن القوة الجسمانية تتعب | فصل | فصل الرد على أن محل الإدراكات جسم | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل


الروح
المقدمة | المسألة الأولى | المسألة الثانية | المسألة الثالثة | المسألة الرابعة | المسألة الخامسة | المسألة السادسة | المسألة السابعة | المسألة الثامنة | المسألة التاسعة | المسألة العاشرة | المسألة الحادية عشرة | المسألة الثانية عشرة | المسألة الثالثة عشرة | المسألة الرابعة عشرة | المسألة الخامسة عشرة | المسألة السادسة عشرة | المسألة السابعة عشرة | المسألة الثامنة عشرة | المسألة التاسعة عشرة | المسألة العشرون | المسألة الحادية والعشرون