الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الخصائص/باب في ترك الأخذ عن أهل المدر كما أخذ عن أهل الوبر»

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
جزء من كتاب الخصائص، إضافة تصنيف:الخصائص
لا ملخص تعديل
سطر 1: سطر 1:
{{ترويسة
|عنوان = [[الخصائص]]
|مؤلف = ابن جني
|قسم = المقدمة
|سابق = → [[مؤقت]]
|تالي = [[مؤقت]] ←
|ملاحظات =
}}

علّة امتناع ذلك ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد والخطل‏.‏ ولو علم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم ولم يعترض شيء من الفساد للغتهم لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر‏.‏ وكذلك أيضاً لو فشا في أهل الوبر ما شاع في لغة أهل المدر من اضطراب الألسنة وخبالها وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها لوجب رفض لغتها وترك تلقي ما يرد عنها‏.‏ وعلى ذلك العمل في وقتنا هذا لأنا لا نكاد نرى بدوياً فصيحا‏.‏ وإن نحن آنسنا منه فصاحة في كلامه لم نكد نعدم ما يفسد ذلك ويقدح فيه وينال ويغض منه‏.‏ وقد كان طرأ علينا أحد من يدعي الفصاحة البدوية ويتباعد عن الضعفة الحضرية فتلقينا أكثر كلامه بالقبول له وميزناه تمييزاً حسن في النفوس موقعه إلى أن أنشدني يوماً شعرا لنفسه يقول في بعض قوافيه‏:‏ أشئؤها وادأؤها بوزن أشععها وأدععها فجمع بين الهمزتين كما ترى واستأنف من ذلك ما لا أصل له ولا قياس يسوغه‏.‏ نعم وأبدل إلى الهمز حرفا لا حظ في الهمز له بضد ما يجب لأنه لو التقت همزتان عن وجوب صنعة للزم تغيير إحداهما فكيف أن يقلب إلى الهمز قلباً ساذجاً عن غير صنعة ما لا حظ له في الهمز ثم يحقق الهمزتين جميعاً‏!‏ هذا ما لا يتيحه قياس ولا ورد بمثله سماع‏.‏ فإن قلت‏:‏ فقد جاء عنهم خطائئ ورزائئ ودريئة ودرائئ ولفيئة ولفائئ وأنشدوا قوله‏:‏ فإنك لا تدري متى الموت جائئ إليك ولا ما يحدث الله في غد قيل‏:‏ أجل قد جاء هذا لكن الهمز الذي فيه عرض عن صحة صنعة ألا ترى أن عين فاعل مما هي فيه حرف علة لا تأتي إلا مهموزة نحو قائم وبائع فاجتمعت همزة فاعل وهمزة لامه فصححها بعضهم في بعض الاستعمال‏.‏ وكذلك خطائئ وبابها‏:‏ عرضت همزة فعائل عن وجوب كهمزة سفائن ورسائل واللام مهموزة فصحت في بعض الأحوال بعد وجوب اجتماع الهمزتين‏.‏ فأما أشئؤها وأدأؤها فليست الهمزتان فيهما بأصلين‏.‏ وكيف تكونان أصلين وليس لنا أصل عينه ولامه همزتان ولا كلاهما أيضاً عن وجوب‏.‏ فالناطق بذلك بصورة من جر الفاعل أو رفع المضاف إليه في أنه لا أصل يسوغه ولا قياس يحتمله ولا سماع ورد به‏.‏ وما كانت هذه سبيله وجب اطراحه والتوقف عن لغة من أورده‏.‏ وأنشدني أيضاً شعراً لنفسه يقول فيه‏:‏ كأن فاي‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ فقوى في نفسي بذلك بعده عن الفصاحة وضعفه عن القياس الذي ركبه‏.‏ وذلك أن ياء المتكلم تكسر أبداً ما قبلها‏.‏ ونظير كسرة الصحيح كون هذه الأسماء الستة بالياء نحو مررت بأخيك وفيك‏.‏ فكان قياسه أن يقول كأن في بالياء كما يقول كأن غلامي‏.‏ ومثله سواء ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم‏:‏ كسرت في ولم يقل فاي وقد قال الله سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ‏}‏ ولم يقل‏:‏ إن أباي‏.‏ وكيف يجوز إن أباي بالألف وأنت لا تقول‏:‏ إن غلامي قائم وإنما تقول‏:‏ كأن غلامي بالكسر‏.‏ فكذلك تقول كأن في بالياء‏.‏ وهذا واضح‏.‏ ولكن هذا الإنسان حمل بضعف قياسه قوله كأن فاي على قوله‏:‏ كأن فاه وكأن فاك وأنسى ما توجبه ياء المتكلم‏:‏ من كسر ما قبلها وجعله ياء‏.‏ فإن قلت‏:‏ فكان يجب على هذا أن تقول‏:‏ هذان غلامى فتبدل ألف التثنية ياء لأنك تقول هذا غلامي فتكسر الميم قيل هذا قياس لعمري غير أنه عارضه قياس أقوى منه فترك إليه‏.‏ وذلك أن التثنية ضرب من الكلام قائم برأسه مخالف للواحد والجميع ألا تراك تقول‏:‏ هذا وهؤلاء فتبني فيهما فإذا صرت إلى التثنية جاء مجيء المعرب فقلت‏:‏ هذان وهذين‏.‏ وعلى أن هذا الرجل الذي أومأت إليه من أمثل من رأيناه ممن رأيناه ممن جاءنا مجئه وتحلى عندنا حليته‏.‏ فأما ما تحت ذلك من مرذول أقوال هذه الطوائف فأصغر حجماً وأنزل قدراً أن يحكى في جملة ما يثنى‏.‏ ومع هذا فإذا كانوا قد رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يلحن في كلامه فقال‏:‏ ‏(‏ أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل ‏)‏ ورووا أيضاً أن أحد ولاة عمر رضي الله تعالى عنه كتب إليه كتاباً لحن فيه فكتب إليه عمر‏:‏ أن قنع كاتبك سوطاً وروى من حديث علي رضي الله عنه مع الأعرابي الذي أقرأه المقرئ‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ‏}‏ حتى قال الأعرابي‏:‏ برئت من رسول الله فأنكر ذلك علي عليه السلام ورسم لأبي الأسود من عمل النحو ما رسمه‏:‏ مالا يجهل موضعه فكان ما يروى من أغلاط الناس منذ ذاك إلى أن شاع واستمر فساد هذا الشأن مشهوراً ظاهراً فينبغي أن يستوحش من الأخذ عن كل أحد إلا أن تقوى لغته وتشيع فصاحته‏.‏ وقد قال الفراء في بعض كلامه‏:‏ إلا أن تسمع شيئاً من بدوي فصيح فتقوله‏.‏ وسمعت الشجري أبا عبد الله غير دفعة يفتح الحرف الحقي في نحو يعدو وهو محموم ولم أسمعها من غيره من عقيل فقد كان يرد علينا منهم من يؤنس به ولا يبعد عن الأخذ بلغته‏.‏ وما أظن الشجري إلا استهواه كثرة ما جاء عنهم من تحريك الحرف الحلقي بالفتح إذا انفتح ما قبله في له نعل لا تطبي الكلب ريحها وإن جعلت وسط المجالس شمت وقول أبي النجم‏:‏ وجبلا طال معدا فاشمخر أشم لا يسطيعه الناس الدهر وهذا قد قاسه الكوفيون وإن كنا نحن لا نراه قياساً لكن مثل يعدو وهو محموم لم يرو عنهم فيما علمت‏.‏ فإياك أن تخلد إلى كل ما تسمعه بل تأمل حال مورده وكيف موقعه من الفصاحة فاحكم عليه وله‏.
علّة امتناع ذلك ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد والخطل‏.‏ ولو علم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم ولم يعترض شيء من الفساد للغتهم لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر‏.‏ وكذلك أيضاً لو فشا في أهل الوبر ما شاع في لغة أهل المدر من اضطراب الألسنة وخبالها وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها لوجب رفض لغتها وترك تلقي ما يرد عنها‏.‏ وعلى ذلك العمل في وقتنا هذا لأنا لا نكاد نرى بدوياً فصيحا‏.‏ وإن نحن آنسنا منه فصاحة في كلامه لم نكد نعدم ما يفسد ذلك ويقدح فيه وينال ويغض منه‏.‏ وقد كان طرأ علينا أحد من يدعي الفصاحة البدوية ويتباعد عن الضعفة الحضرية فتلقينا أكثر كلامه بالقبول له وميزناه تمييزاً حسن في النفوس موقعه إلى أن أنشدني يوماً شعرا لنفسه يقول في بعض قوافيه‏:‏ أشئؤها وادأؤها بوزن أشععها وأدععها فجمع بين الهمزتين كما ترى واستأنف من ذلك ما لا أصل له ولا قياس يسوغه‏.‏ نعم وأبدل إلى الهمز حرفا لا حظ في الهمز له بضد ما يجب لأنه لو التقت همزتان عن وجوب صنعة للزم تغيير إحداهما فكيف أن يقلب إلى الهمز قلباً ساذجاً عن غير صنعة ما لا حظ له في الهمز ثم يحقق الهمزتين جميعاً‏!‏ هذا ما لا يتيحه قياس ولا ورد بمثله سماع‏.‏ فإن قلت‏:‏ فقد جاء عنهم خطائئ ورزائئ ودريئة ودرائئ ولفيئة ولفائئ وأنشدوا قوله‏:‏ فإنك لا تدري متى الموت جائئ إليك ولا ما يحدث الله في غد قيل‏:‏ أجل قد جاء هذا لكن الهمز الذي فيه عرض عن صحة صنعة ألا ترى أن عين فاعل مما هي فيه حرف علة لا تأتي إلا مهموزة نحو قائم وبائع فاجتمعت همزة فاعل وهمزة لامه فصححها بعضهم في بعض الاستعمال‏.‏ وكذلك خطائئ وبابها‏:‏ عرضت همزة فعائل عن وجوب كهمزة سفائن ورسائل واللام مهموزة فصحت في بعض الأحوال بعد وجوب اجتماع الهمزتين‏.‏ فأما أشئؤها وأدأؤها فليست الهمزتان فيهما بأصلين‏.‏ وكيف تكونان أصلين وليس لنا أصل عينه ولامه همزتان ولا كلاهما أيضاً عن وجوب‏.‏ فالناطق بذلك بصورة من جر الفاعل أو رفع المضاف إليه في أنه لا أصل يسوغه ولا قياس يحتمله ولا سماع ورد به‏.‏ وما كانت هذه سبيله وجب اطراحه والتوقف عن لغة من أورده‏.‏ وأنشدني أيضاً شعراً لنفسه يقول فيه‏:‏ كأن فاي‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ فقوى في نفسي بذلك بعده عن الفصاحة وضعفه عن القياس الذي ركبه‏.‏ وذلك أن ياء المتكلم تكسر أبداً ما قبلها‏.‏ ونظير كسرة الصحيح كون هذه الأسماء الستة بالياء نحو مررت بأخيك وفيك‏.‏ فكان قياسه أن يقول كأن في بالياء كما يقول كأن غلامي‏.‏ ومثله سواء ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم‏:‏ كسرت في ولم يقل فاي وقد قال الله سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ‏}‏ ولم يقل‏:‏ إن أباي‏.‏ وكيف يجوز إن أباي بالألف وأنت لا تقول‏:‏ إن غلامي قائم وإنما تقول‏:‏ كأن غلامي بالكسر‏.‏ فكذلك تقول كأن في بالياء‏.‏ وهذا واضح‏.‏ ولكن هذا الإنسان حمل بضعف قياسه قوله كأن فاي على قوله‏:‏ كأن فاه وكأن فاك وأنسى ما توجبه ياء المتكلم‏:‏ من كسر ما قبلها وجعله ياء‏.‏ فإن قلت‏:‏ فكان يجب على هذا أن تقول‏:‏ هذان غلامى فتبدل ألف التثنية ياء لأنك تقول هذا غلامي فتكسر الميم قيل هذا قياس لعمري غير أنه عارضه قياس أقوى منه فترك إليه‏.‏ وذلك أن التثنية ضرب من الكلام قائم برأسه مخالف للواحد والجميع ألا تراك تقول‏:‏ هذا وهؤلاء فتبني فيهما فإذا صرت إلى التثنية جاء مجيء المعرب فقلت‏:‏ هذان وهذين‏.‏ وعلى أن هذا الرجل الذي أومأت إليه من أمثل من رأيناه ممن رأيناه ممن جاءنا مجئه وتحلى عندنا حليته‏.‏ فأما ما تحت ذلك من مرذول أقوال هذه الطوائف فأصغر حجماً وأنزل قدراً أن يحكى في جملة ما يثنى‏.‏ ومع هذا فإذا كانوا قد رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يلحن في كلامه فقال‏:‏ ‏(‏ أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل ‏)‏ ورووا أيضاً أن أحد ولاة عمر رضي الله تعالى عنه كتب إليه كتاباً لحن فيه فكتب إليه عمر‏:‏ أن قنع كاتبك سوطاً وروى من حديث علي رضي الله عنه مع الأعرابي الذي أقرأه المقرئ‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ‏}‏ حتى قال الأعرابي‏:‏ برئت من رسول الله فأنكر ذلك علي عليه السلام ورسم لأبي الأسود من عمل النحو ما رسمه‏:‏ مالا يجهل موضعه فكان ما يروى من أغلاط الناس منذ ذاك إلى أن شاع واستمر فساد هذا الشأن مشهوراً ظاهراً فينبغي أن يستوحش من الأخذ عن كل أحد إلا أن تقوى لغته وتشيع فصاحته‏.‏ وقد قال الفراء في بعض كلامه‏:‏ إلا أن تسمع شيئاً من بدوي فصيح فتقوله‏.‏ وسمعت الشجري أبا عبد الله غير دفعة يفتح الحرف الحقي في نحو يعدو وهو محموم ولم أسمعها من غيره من عقيل فقد كان يرد علينا منهم من يؤنس به ولا يبعد عن الأخذ بلغته‏.‏ وما أظن الشجري إلا استهواه كثرة ما جاء عنهم من تحريك الحرف الحلقي بالفتح إذا انفتح ما قبله في له نعل لا تطبي الكلب ريحها وإن جعلت وسط المجالس شمت وقول أبي النجم‏:‏ وجبلا طال معدا فاشمخر أشم لا يسطيعه الناس الدهر وهذا قد قاسه الكوفيون وإن كنا نحن لا نراه قياساً لكن مثل يعدو وهو محموم لم يرو عنهم فيما علمت‏.‏ فإياك أن تخلد إلى كل ما تسمعه بل تأمل حال مورده وكيف موقعه من الفصاحة فاحكم عليه وله‏.
[[تصنيف:الخصائص]]
[[تصنيف:الخصائص]]

نسخة 16:05، 19 مايو 2007

الخصائص المؤلف ابن جني
خطأ: الوسيط قسم غير معروف


علّة امتناع ذلك ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد والخطل‏.‏ ولو علم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم ولم يعترض شيء من الفساد للغتهم لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر‏.‏ وكذلك أيضاً لو فشا في أهل الوبر ما شاع في لغة أهل المدر من اضطراب الألسنة وخبالها وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها لوجب رفض لغتها وترك تلقي ما يرد عنها‏.‏ وعلى ذلك العمل في وقتنا هذا لأنا لا نكاد نرى بدوياً فصيحا‏.‏ وإن نحن آنسنا منه فصاحة في كلامه لم نكد نعدم ما يفسد ذلك ويقدح فيه وينال ويغض منه‏.‏ وقد كان طرأ علينا أحد من يدعي الفصاحة البدوية ويتباعد عن الضعفة الحضرية فتلقينا أكثر كلامه بالقبول له وميزناه تمييزاً حسن في النفوس موقعه إلى أن أنشدني يوماً شعرا لنفسه يقول في بعض قوافيه‏:‏ أشئؤها وادأؤها بوزن أشععها وأدععها فجمع بين الهمزتين كما ترى واستأنف من ذلك ما لا أصل له ولا قياس يسوغه‏.‏ نعم وأبدل إلى الهمز حرفا لا حظ في الهمز له بضد ما يجب لأنه لو التقت همزتان عن وجوب صنعة للزم تغيير إحداهما فكيف أن يقلب إلى الهمز قلباً ساذجاً عن غير صنعة ما لا حظ له في الهمز ثم يحقق الهمزتين جميعاً‏!‏ هذا ما لا يتيحه قياس ولا ورد بمثله سماع‏.‏ فإن قلت‏:‏ فقد جاء عنهم خطائئ ورزائئ ودريئة ودرائئ ولفيئة ولفائئ وأنشدوا قوله‏:‏ فإنك لا تدري متى الموت جائئ إليك ولا ما يحدث الله في غد قيل‏:‏ أجل قد جاء هذا لكن الهمز الذي فيه عرض عن صحة صنعة ألا ترى أن عين فاعل مما هي فيه حرف علة لا تأتي إلا مهموزة نحو قائم وبائع فاجتمعت همزة فاعل وهمزة لامه فصححها بعضهم في بعض الاستعمال‏.‏ وكذلك خطائئ وبابها‏:‏ عرضت همزة فعائل عن وجوب كهمزة سفائن ورسائل واللام مهموزة فصحت في بعض الأحوال بعد وجوب اجتماع الهمزتين‏.‏ فأما أشئؤها وأدأؤها فليست الهمزتان فيهما بأصلين‏.‏ وكيف تكونان أصلين وليس لنا أصل عينه ولامه همزتان ولا كلاهما أيضاً عن وجوب‏.‏ فالناطق بذلك بصورة من جر الفاعل أو رفع المضاف إليه في أنه لا أصل يسوغه ولا قياس يحتمله ولا سماع ورد به‏.‏ وما كانت هذه سبيله وجب اطراحه والتوقف عن لغة من أورده‏.‏ وأنشدني أيضاً شعراً لنفسه يقول فيه‏:‏ كأن فاي‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ فقوى في نفسي بذلك بعده عن الفصاحة وضعفه عن القياس الذي ركبه‏.‏ وذلك أن ياء المتكلم تكسر أبداً ما قبلها‏.‏ ونظير كسرة الصحيح كون هذه الأسماء الستة بالياء نحو مررت بأخيك وفيك‏.‏ فكان قياسه أن يقول كأن في بالياء كما يقول كأن غلامي‏.‏ ومثله سواء ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم‏:‏ كسرت في ولم يقل فاي وقد قال الله سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ‏}‏ ولم يقل‏:‏ إن أباي‏.‏ وكيف يجوز إن أباي بالألف وأنت لا تقول‏:‏ إن غلامي قائم وإنما تقول‏:‏ كأن غلامي بالكسر‏.‏ فكذلك تقول كأن في بالياء‏.‏ وهذا واضح‏.‏ ولكن هذا الإنسان حمل بضعف قياسه قوله كأن فاي على قوله‏:‏ كأن فاه وكأن فاك وأنسى ما توجبه ياء المتكلم‏:‏ من كسر ما قبلها وجعله ياء‏.‏ فإن قلت‏:‏ فكان يجب على هذا أن تقول‏:‏ هذان غلامى فتبدل ألف التثنية ياء لأنك تقول هذا غلامي فتكسر الميم قيل هذا قياس لعمري غير أنه عارضه قياس أقوى منه فترك إليه‏.‏ وذلك أن التثنية ضرب من الكلام قائم برأسه مخالف للواحد والجميع ألا تراك تقول‏:‏ هذا وهؤلاء فتبني فيهما فإذا صرت إلى التثنية جاء مجيء المعرب فقلت‏:‏ هذان وهذين‏.‏ وعلى أن هذا الرجل الذي أومأت إليه من أمثل من رأيناه ممن رأيناه ممن جاءنا مجئه وتحلى عندنا حليته‏.‏ فأما ما تحت ذلك من مرذول أقوال هذه الطوائف فأصغر حجماً وأنزل قدراً أن يحكى في جملة ما يثنى‏.‏ ومع هذا فإذا كانوا قد رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يلحن في كلامه فقال‏:‏ ‏(‏ أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل ‏)‏ ورووا أيضاً أن أحد ولاة عمر رضي الله تعالى عنه كتب إليه كتاباً لحن فيه فكتب إليه عمر‏:‏ أن قنع كاتبك سوطاً وروى من حديث علي رضي الله عنه مع الأعرابي الذي أقرأه المقرئ‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ‏}‏ حتى قال الأعرابي‏:‏ برئت من رسول الله فأنكر ذلك علي عليه السلام ورسم لأبي الأسود من عمل النحو ما رسمه‏:‏ مالا يجهل موضعه فكان ما يروى من أغلاط الناس منذ ذاك إلى أن شاع واستمر فساد هذا الشأن مشهوراً ظاهراً فينبغي أن يستوحش من الأخذ عن كل أحد إلا أن تقوى لغته وتشيع فصاحته‏.‏ وقد قال الفراء في بعض كلامه‏:‏ إلا أن تسمع شيئاً من بدوي فصيح فتقوله‏.‏ وسمعت الشجري أبا عبد الله غير دفعة يفتح الحرف الحقي في نحو يعدو وهو محموم ولم أسمعها من غيره من عقيل فقد كان يرد علينا منهم من يؤنس به ولا يبعد عن الأخذ بلغته‏.‏ وما أظن الشجري إلا استهواه كثرة ما جاء عنهم من تحريك الحرف الحلقي بالفتح إذا انفتح ما قبله في له نعل لا تطبي الكلب ريحها وإن جعلت وسط المجالس شمت وقول أبي النجم‏:‏ وجبلا طال معدا فاشمخر أشم لا يسطيعه الناس الدهر وهذا قد قاسه الكوفيون وإن كنا نحن لا نراه قياساً لكن مثل يعدو وهو محموم لم يرو عنهم فيما علمت‏.‏ فإياك أن تخلد إلى كل ما تسمعه بل تأمل حال مورده وكيف موقعه من الفصاحة فاحكم عليه وله‏.