بحيرة كومو

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

بحيرة كومو

​بحيرة كومو​ المؤلف علي محمود طه


هيئي الكأس و الوتر
تلك كومو مدى النّظر
و اصدحي يا خواطري
طويت شقّة السّفر
و دنت جنّة المنى
و حلا عندها المقر
قد بعثنا بها على
موعد غير منتظر
في ماء كأنّه
حلم الشّيخ بالصّغر
البحيرات و الجبا
ل توشّحن بالشّجر
و تنقّبن بالغما
م و أسفرن للقمر
و البرونات غادة
لبست حلّة السّهر
نثرت فوقها الدّيا
ر كما ينثر الزّهر
و عبرنا رحابها
فأشارت لمن عبر
هاكها قبلة، فمن
رام فليركب الخطر!
فسمونا لخدرها
زمرا تلوها زمر
في زجاج محلق
لا دخان و لا شرر
يتخطى بنا الفضا
ء على السّندس النّضر
سلّم يشبه الصّرا
ط تسامى على البصر
فإلى النّجم مرتقى
و إلى السّحب منحدر
و حللنا بقمّة
دونها قمّة الفكر
بهج في كنوزها
للمحبّين مدّخر
بابل؟ أم بحيرة؟
أم قصور من الدّر؟
أم رؤى الخلد في الحيا
ة تمثّلن للبشر؟
حبّذا أمسياتها
و حنينا إلى البكر
و نزوعا إلى السّفيـ
ـن تهيّأن للسّفر
نسيت شغلها القلو
ب و هلّلن للسّمر
أوجه مثلما رنت
زهرة الصّيف للمطر
أضحيانيّة السّما
ت هلالية الطّرر
يتوهّجن بالشّبا
ب و يندين بالخفر
طلعة تسعد الشّقيّ
و تعطي له العمر
تمنح الحظّ من تشا
ء، و تبيقي، و لا تذر!
إنّما تنظر السّما
ء إلى هذه الصّور
لترى الله خالقا
مبدعا، معجز الأثر
شاعر النّيل طف بها
غنّها كلّ مبتكر
الثلاثون قد مضت
في التّفاهات و الهذر
فتزوّد من النعـ
ـيم لأيّامك الأخر
أين وادي النّخيل أم
قاهريّاته الغرر؟
لا تقل أخصب الثّرى
فهنا أوراق الحجر!!
ههما يشعر الجما
د و يوحي لمن شعر!
آه لولا أحبّة
نزلوا شاطئ النّهر
و رفات مطهّر
و كريم من السّير
لتمنّيت شرفة
لي في هذه الحجر
أقطع العمر عندها
غير وان عن النّظر
فلقد فاز من رأى
و لقد عاش من ظفر
يا ابنة العالم الجديـ
ـد صلي عالما غير غبر
في دمي من تلااثه
نفحة البدو و الحضر
و أغان لمن شدا
و معان لمن فخر
ما تسرّين؟ أفصحي!
إنّ في عينيك الخبر
الغريبان ههنا
ليس يجديهما الحذر
نحن روحان عاصفا
ن و جسمان من سقر
فاعذري الرّوح إن طغى
و اعذري الجسم إن ثأر
نضبت خمر بابل
و هوى الكأس و انكسر
و هنا كرمة الخلو
د فطوبى لمن عصر
فيم، و النبع دافق،
يشتكي الظّامئ الصّدر؟
و لمن هذه العيون
تغمّرن بالحور؟
بتن يلعبن بالنّهى
لعب الطّفل بالأكر
هنّ أصفى من الشّعا
ع و أخفى من القدر
و لمن توشك الثّدى
وثبة الطّير في السّحر؟
كلّ إلف لإلفه
همّ بالصّدر و ابتدر
عضّ في الثّوب و اشتكى
وطأة الخزّ و الوبر
سمة الطّائر المعذّ
ب في قيده نقر
و لمن رفّت المبا
سم و استرسل الشّعر؟
ثمر ناضج الجني
كيف لا نقطف الثّمر
ما أبى الخلد آدم
أو غوى أو عثر!
زلّة تورث الحجى
و تري الله من كفر!
كأسنا ضاحك الحبا
ب، مصفّى من الكدر
فاسكبي الخمر و ارشفيـ
ـه على رنّة الوتر
و إذا شءت فاسقنيـ
ـه على نغمة المطر
فغدا يذهب الشبا
ب و تبقى لنا الذّكر