حذرت الحب لو أغنى حذاري

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

حذرت الحب لو أغنى حذاري

​حذرت الحب لو أغنى حذاري​ المؤلف البحتري


حَذَرْتُ الحُبّ، لَوْ أغْنى حِذاري،
وَرُمْتُ الفَرّ، لَوْ نَجّى فِرَاري
وَما زَالَتْ صُرُوفُ الدّهْرِ، حَتّى
غَدَتْ أسْمَاءُ شاسِعَةَ المَزَارِ
وَما أُعْطى القَرَارَ، وَقَدْ تَناءَتْ،
وَهَذا الحُبُّ يَمْنَعُني قَرَاري
يَغارُ الوَرْدُ، إنْ سَفَرَتْ، وَيَبْدُو
تَغَيّرُ كَأبَةٍ في الجُلّنَارِ
هَوَاك ألَجّ في عَيْني قَذَاها،
وَخَلّى الشّيّبَ يلعَبُ في عِذَاري
بمَا في وَجْنَتَيْكِ مِنِ احْمِرَارٍ،
وَما في مُقْلَتَيْكِ مِنِ احْوِرَارِ
لئِنْ فارَقْتُكُمْ عبثاً، فَإنّي
عَلى يَوْمِ الفِرَاقِ الجِدّ زَارِ
وكَمْ خَليْتُ عِنْدَكِ منْ ليالٍ
مُعشَّقَةٍ، وَأيّامٍ قِصَارِ
فهَلْ أنا بائِعٌ عَيْشاً بِعَيْشٍ
مَضى، أوْ مُبْدِلٌ داراً بِدَارِ
أعاذِلَتي عَلى أسْمَاءَ، ظُلْماً،
وإجْرَاءِ الدّموعِ لهَا الغِزَارِ
مَتَى عَاوَدْتِني فِهيا بِلَوْمٍ،
فَبِتِّ ضَجِيعَةً للْمُسْتَعَارِ
لأسْلَحُ، حِينَ يُمْسي، من حُبارى،
وَأضراطُ، حِينَ يُصْبِحُ، مِنْ حِمارِ
إذَا أحْبَابُهُ أمْسَوْا عِشيا،
أعَدّوا، وَاسْتَعَدّوا لِلْبَوَارِ
إذَا أهْوى لِمَرْقَدِهِ بِلَيْلٍ،
فَيَا خِزْيَ البرَاقَعِ وَالسّرَاري
وَيَا بُؤس الضجيع قَدْ تَطَلّى
بِخِلْطَي جامِدٍ مَعْهُ، وَجارِ
وَما كانَتْ ثِيابُ المُلْكِ تحْشَى
جَرِيرَةَ بَائِلٍ، فيهِنّ، خاد
فلو أنا استطعنا لأفتديناه
قطوع الرقم منه بالبواري
يُبِيدُ الرّاحَ في يوْمِ النّدَامَى،
وَيُفْني الزّادَ في يوْمِ الخِمارِ
يَعُبُّ فيُنْفِدُ الصّهْبَاءَ جِلْفٌ،
قَرِيبُ العَهْدِ بالدّبْسِ المُدارِ
رَدَدْنَاهُ بِرْمّتِهِ ذَمِيماً،
وَقَدْ عَم البَرِيّةَ بالدّمَارِ
وكانَ أضَرّ فِيهِمْ مِنْ سُهَيْلٍ،
إذا أوْبا، وَأشْأمَ مِنْ قُدَارِ
تَفَانَى النّاسُ، حتى قُلْتُ عَادُوا
إلى حَرْبِ البَسُوسِ، أوِ الفُجارِ
فَلَوْلا الله وَالمُعْتَزُّ بِدْنَا،
كَما بَادَتْ جَدِيسٌ في وَبارِ
تَدَارَكَ عُصْبَةً منهُمْ حَيَارَى
على جُرُفٍ، منَ الحَدَثانِ، هَارِ
تَلافاهُمْ بِطَوْلٍ مِنْهُ جَمٍّ،
وَعَفْوٍ شَامِلٍ، بَعْدَ اقْتِدَارِ
إمَامُ هُدىً يُحَبَّبُ في التّأنّي،
وَيَخشى في السّكِينةِ، وَالوَقَارِ
إذا نَظَرَ الوُفُودُ إلَيْهِ قالوا:
أبَدْرُ اللّيْلِ أم شمسُ النّهارِ؟
لَهُ الفَضْلانِ، فَضْلُ أبٍ وَأُمٍّ،
وَطِيبُ الخِيمِ في كَرَمِ النّجَارِ
هَزَزْنَاهُ لأحْداثِ اللّيَالي،
فَأحْمَدْنَا مضارب ذي القِفارِ
أمِيرَ المُؤمِنِينَ! نَداكَ بَحْرٌ،
إذا مَا فَاضَ غض منْ بِحَارِ
لأنْتَ أمَدُّ بِالمَعْرُوفِ كَفّاً،
وَأوْهَبُ لِلُّجَيْنِ وَلِلنُّضَارِ
وأحْفَظُ للذّمَامِ، إذا مَتَتْنَا
إلَيْكَ بهِ، وَأحْمَى لِلذّمَارِ
لَئِنْ تَمّ الفِداءُ، كما رَجَوْنَا،
بِيُمْنِكَ بَعْدَ مُكْثٍ، وَانْتِظارِ
فمِنْ أزْكى خُلالِكَ أنْ تُفادي
أسَارَى المُسْلِمينَ مِنَ الإسَارِ
بَذَلْتَ المالَ فِيهمْ، أن يَعُودوا
إلى الأهْلينَ مِنهُمْ، وَالدّيارِ
فيا لك فعلة يُهْدَى ثَنَاهَا
إلى أهْلِ المُحَصَّبِ وَالجِمارِ
حَبَوْتَ بحُسْنِ سُمْعَتِها وَصِيفاً،
فَنَالَ، بِنَيْلِها، شَرَفَ الفَخَارِ
رَعَيْتَ أمَانَةً مِنْهُ وَنُصْحاً،
وَأنْتَ مُوَفَّقٌ في الإخْتِبارِ
وفَاز مِنَ الوفاءِ لكُمْ عزِيزاً،
وَخاطَرَ عِنْدَ تَغْرِيرِ الخِطَارِ
وَآثرَكُمْ، ولمْ يُؤثِرْ عَلَيْكُمْ،
وَقَدْ شُرِعَتْ لَهُ دُنْيَا المُعَارِ
إذَا مَا قَرّبُوهُ، وَآنَسُوهُ،
غَلا في البُعْدِ عنْهُمْ، وَالنِّفَارِ
حَيَاءً أنْ يُقالَ أتَى بغدر
وَنَيْلاً أنْ يَحُلّ مَحَلّ عَارِ
وَهِمّةُ مُسْتَقِلّ النّفْسِ يَسمو،
بهِمّتِهِ، إلى الرُّتَبِ الكِبارِ
شَكَرْتُكَ بالقَوَافي عنْ شَفِيعي
إلَيْكَ، وَصَاحبي الأدْنَى وَجاري
فَلا نُعْدَمْ بَقَاءَكَ في سُرُورٍ،
وَعِزٍّ، ما سرى الظّلْماءِ سَارِ