تليت آي حسنها الفتان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

تليت آي حُسْنها الفتّانِ

​تليت آي حُسْنها الفتّانِ​ المؤلف ابن شيخان السالمي


تليت آي حُسْنها الفتّانِ
فسجدنا لها على الأذقان
شهدت معشر الملاح فألقوا
في يديَها مقالد الأذعانِ
ورأتها الأنوار يوماً فكبَّرْ
نَ فسبحان خالق الانسانِ
واستوت في أسرّة الملك حتى
أورثوها خلافة السلطانِ
لبست لين الحرير صنوفاً
وتحلّت بالدر والمرجانِ
شربت صفوة البقا فتمشّت
في خيام العلا كحور الجنانِ
نفحتها ريح الشباب فمالت
في رياض الدلال كالنشوانِ
أكسبتها نضارةُ الدهر حسناً
ظاهراً في رشاقة الأبدانِ
ومشت في عساكر الحسن تزري
بجموع الشبان والولدانِ
أخذ الله حلة من سناها
فكساها بها شموس الزمانِ
وتجلّت ترعى القلوب فلما
ملكتها استولت على الأذهانِ
علمَّت عينُها ظِباء الفيافي
لفتاتٍ ترمي بحَدّ السنانِ
حملت بالشقيق رايةَ نَصرٍ
رّكبت حولها ظُبا الأجفانِ
جردت من قوامها الَّلدْنِ رُمحاً
علمت ميله ذُرَى الأغصانِ
وأتت عالجاً فخرت إليها
أوجه النّيرات والغزلانِ
أدهشتها بدائع الحسن فيها
حين أبدت غرائب الافتنانِ
رام أهل الغرام وصلاً فحاموا
حين شاموا بوارق المُرّانِ
حجبت وصلَها السَّيوفُ المواضي
بين أيدي الأبطال والشجعانِ
إن سمعنا غناءها أسمعتنا
من زئير الريبال والسرحانِ
دون افصاحها الصفاح ويبدو
دون برق الأسنان برق السنانِ
يا رعى الله ليلة بتُّ فيهَا
أجتلي خيفةً كؤوس الأمانِ
والنهار اختبا وأبدى احمراراً
إذ أتى الليل في كِسا الطيلسانِ
كجيوش الأتراك ولَت وقد أج
رت دماها بطارق السودانِ
وكأنّ الدجى أدَاهِمُ ضلّت
فهدتها النجوم سُبْل المكانِ
لم أَرُمْ زورةً إليها بلى مذ
دفعت لي الألحاظ حرز الأماني
أظفرتْنا نعمى الزمان بوصل
عقدت بيننا حبال التهاني
وجرى ما جرى بما يدهش العقْلَ
إذا ما ذكرتُه أغشاني
فتقضت تلك الأُويقات عني
أودعت في الحَشَى لظى الأشجانِ
أسرَتْني الهموم وانتشبتني
باعتداها أظافر الأحزانِ
سوف أرجو تخلُّصاً من يديها
فبكَفّي قد دار قطب الزمانِ
ذلك الشيخ عالم الأمة القط
بُ الأمام الراقي ذرى العرفانِ
خطبته غزائر العلم طفلاً
ثم زفت له شموس المعاني
وأتى من زواخر الفكر نهراً
مخصباً فيضه جِنان الجَنانِ
شهد الحضرة العليّة حتى
دفعته في رتبة الإِيقانِ
واحتسى صِرفها فهامَ إلى أن
غاب لطفاً من عالم الأعيانِ
وتبدَّى مستبشراً ذا عيون
أبصرت أنَّ كل خلقٍ فاني
وإذا شِيمَ من سما الكشف برق
قد درى ما حقيقة الأكوانِ
وتجلى يهدي المكارم للنا
سِ فتجري لهم بغير عنانِ
فأطاف النوال بالأرض حتى
أنبتت كلها رُبى الامتنانِ
فكأن الفرات فاض علينا
وملا سيبُه جميع المكانِ
وإذا المرء شِيمةَ الجود أعطي
عم بالفضل كل قاصٍ ودانِ
ذو فنون تنشي العلا وظنون
باصرات عواقب الانسانِ
فذليل في عزةٍ وفقير
في غِناء وخائن في أمانِ
كم له في الطوى عظيمُ طعام
وله في الوغى صميمُ طِعانِ
مِن نداه وبأسه يضحك الدهْر
ويبكي كالخائف الجذلانِ
فإذا الحرب سعرت جزَّ فيها
بظُبا سيفه لَهى كل جاني
يتنافى الجثمان والروح جمعاً
فهما منه ليس يجتمعانِ
ليث حرب قد أوسع الوحش لحماً
من جسوم الأفراس والفرسانِ
ودُعاه على أعاديه أمضى
من لسَان الحسَام في الميدانِ
لم يزل صارماً لكل عدو
بلسان وسؤدد وسِنانِ
أبدع الله خلقه فأتانا
طاهراً من رواجس الشيطانِ
طينة صُوّرت من العلم والفض
ل فنارت في حلة الايمانِ
مذ أتّم اسمه الإله هداه
فوق ما فيه أقوم الأديانِ
يا له من شيخ إذا ذكر ارتَّد
شبابي القديم في العُنْفُوانِ
قد سقى ناضري فطاب جناه
ورعى ناظري فآب جناني
وكسَاني برد الدعا لي فأحيا
إذ ترشّفت برده جثماني
وأتى لي أبيات شعرٍ بلى آيا
تِ ذكر بلى حياة الفاني
فاغتنمنا دعاءها ونعمنا
بشفاها وفضلها المهتانِ
انا غصن ولي دعا الخير ماء
كلما ازداد سقيُه أنشاني
فاسألِ الله أن يؤاخذ عني
كل رامٍ بالبغض والعدوانِ
قد غدا موتراً لهم قوس فضلي
في قلاع العلا سهام الهوانِ
وادعه أن يزيد فضلي ويشفي
ليَ غِليِّ بالفوز والرضوانِ
منطقي في ابتِدا الثناء قصير
فيك فاسمح يا منتهى الإِحسان