بلغت بحمد الله ما أنا طالب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

بلغتُ بحمد الله ما أنا طالبُ

​بلغتُ بحمد الله ما أنا طالبُ​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


بلغتُ بحمد الله ما أنا طالبُ
زماناً وهنَّتني لديك المطالبُ
فأصبحت لا أجرو سوى ما رجوته
مراماً وما لي في سواك مآرب
وقد كنت من غيظي على الدهر عاتباً
فما أنا في شيء على الدهر عاتب
لئن كان قبل اليوم والأمس مُذنباً
فقد جاءني من ذنبه وهو نائب
وجدتُ بك الأيام مولاي طلقةً
وسالمني فيك الزمان المحارب
وقد شمتُ من جدواك لي كلَّ بارق
ونوؤك مرجوٌّ وغيثُك ساكب
فلا الأملُ الأقصى البعيدُ بنازح
لديَّ ولا وجهُ المطالب شاحب
وهل تنجح الآمال وهي قصيَّة
وتبلغ إلا في نداك الرغائب
لقد حسنتْ فيك الرعية بعدما
أساءَت إليها بالخطوب النوائب
وألهمتها فيما تصدَّيتَ رشدها
ألا إنَّ هذا الرشدَ للخير جالب
كففتَ يدَ الأشرار من كلِّ وجهةٍ
فلا ثمَّ منهوب ولا ثمَّ ناهب
ومن لوزير قلَّد الأمر ربَّه
نظيرك شيخاً حنكته التجارب
بصيرٌّ بتدبير الأمور وعارف
بمبدئها ماذا تكون العواقب
أذلَّ بك الأخطارَ وهي عزيزة
فهانت عليه في علاك المصاعب
تريه صباح الرأي والأمر مبهم
ألَنْتَ له في قسوة البأس جانباً
فأصبح لم يعرض عن الناس لطفه
ويحضر فيهم بأسه وهو غائب
وبأسك لا البيض الصوارم والقنا
وجودك لا ما تستهل السحائب
وما زلت حتى يدرك المجدُ ثأرَهُ
وتشرق في آفاقهن المناقب
بأيديك سحرُ الخط لا الخط تنثني
فتثني عليها المرهفات القواضب
تخرّ لك الأقلام في الطرس سُجَّداً
لما أنت تمليه وما أنت كاتب
إذا شئت كانت في العداة كتايباً
وهيهات منها إذ تصول الكتايب
تقرّط آذانَ الرجال بحكمةٍ
حكتها اللئالي رونقاً أو تقارب
متى أفرغتْ في قالب الفكر زيَّنتْ
وزانت من الألباب تلك القوالب
بهنَّ غذاء للعقول وشرعةٌ
تسوغ وتصفو عندهن المشارب
تصرفتَ في حلوَ الكلام ومرّهِ
فأنت مجدٌّ كيف شئت ولاعبُ
ذَهَبْتَ بكلٍ منهما كلَّ مذهب
ذهاباً وما ضاقت عليك المذاهب
فمن ذكر وجدٍ يسلب المرءَ لبَّه
على مثله دمع المتيَّم ذائب
ومن غزلٍ عذب كأن بيوته
مسارحُ آرام النقا وملاعب
وفي الباقيات الصالحات مثوبة
من الله ما يبدو من الشمس حاجب
دمغتَ بها من آل حربٍ عصابةً
تناقشهم في صنعهم وتحاسب
تناقلها الركبانُ عنك فأصبحت
تجابُ بها أرض وتطوى سباسب
مغيظاً من القوم الذين تقدَّمت
لهم في المخازي الموبقات مكاسب
غضبت بها لله غير مداهنٍ
وغيرك يخشى كاشحاً ويراقب
ومواهب من رب كريم رزقتها
وما هذه الأشياء إلا مواهب
أروح أجرّ الذيل أسحب فضله
وإني لأذيال الفخار لساحب
بمن لم يقم في الأكرمين مقامه
ولا ناب عنه في الحقيقة نائب
فقد وجدت بغداد والناس راحةً
وقد أتعبتها قبل ذاك المتاعب
قضى عمري طال في العز عمره
أقاربه مسرورة والأجانب
وإن قلتُ ما جاء العراق ولا نرى
نظيراً له فينا فما أنا كاذب
بنادرة الدنيا وفرحةِ أهلها
أضاءت لنا أقطارها والجوانب
أمولاي ما عندي إليك وسيلة
تقرّبني زلفى وإني لراغب
محاسنُ شعري ما إذا أنا قستها
بشعرك والإنصاف فهي مثالب
وإني مع الإطناب فيك مقصِّرٌ
وإن كان شعري فيك مما يناسب
أهنّيكَ فيه مَنصِباً أنت فوقَه
بمرتبة لو أنصفتك المراتب
فإنك شرَّفت المناصبَ كلَّها
وما أنت ممن شرَّفَتْه المناصب
وهنَّيت نفسي والعراق وأهله
وكلَّ أمرىء أهل لذاك وصاحب
وزفَّت إلأيه كل عذراء باكرٍ
كما زفت البيضُ الحسانُ الكواعب
قواف بها نشفي الصدورَ وربمَّا
تَدُّب إلى الحساد منها عُقارب
شكرتكَ شكر الروض باكره الحيا
وشكرك مفروض ومدحك واجب
وليس يفي شعري لشكرك حقَّهُ
ولو نُظمتْ للشعر فيك الكواكب
ومما حباه الله من طيِّب الثنا
مشارقها مملوءة والمغارب
وكليّ ثناء في علاك وألسن
إذا كنت ممدوحي وأنت المخاطب
وإني لأبدي حاجةٌ قد حجبتها
إليك وما بيني وبينك حاجب
سواي يروم المال مكترثاً به
ويرغب في غير الذي أنا راغب
وإنك أدرى الناس فيما أريده
وأعلمهم فيما له أنا طالب
وكيف وهل يخفى وعلمك سابق
بمطلبي الأسنى وفكرك ثاقب
فلا زلت طلاّع الثنايا ولم تزل
تطالعني منك النجوم الغوارب