بان الأحبة بالعهد الذي عهدوا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

بانَ الأحبّة ُ بالعهدِ الّذي عهدوا

​بانَ الأحبّة ُ بالعهدِ الّذي عهدوا​ المؤلف الراعي النميري


بانَ الأحبّةُ بالعهدِ الّذي عهدوا
فَلاَ تَمَالُكَ عَنْ أرْضٍ لَهَا عَمَدُوا
وَرَادَ طَرْفُكَ في صَحْرَاءَ ضَاحِيَةٍ
فِيهَا لِعَيْنَيْكَ والأظْعَانُ مُطَّرِدُ
واسْتَقْبَلَتْ سَرْبَهُمْ هَيْفٌ يَمَانِيَةٌ
هَاجَتْ نِزَاعاً وَحَادٍ خَلْفَهُمْ غَرِدُ
حَتَّى إذَا حَالَتِ الأرْحَاءُ دُونَهُمُ
أرحاءُ أرملَ حارَ الطّرفُ أوْ بعدوا
حثّوا الجمالَ وقالوا إنَّ مشربكمْ
وَادِي الْمِياهِ وَأحْسَاءٌ بِهِ بُرُدُ
وفي الخيامِ إذا ألقتْ مراسيها
حورُ العيونِ لإخوانِ الصّبى صيدُ
كَأنَّ بَيْضَ نَعَام في مَلاَحِفِهَا
إذا اجْتَلاَهُنَّ قَيْظٌ لَيْلُهُ وَمِدُ
لَهِا خُصُورٌ وَأَعْجَازٌ يَنُوءُ بِهَا
رملُ الغناءِ وأعلى متنها رؤدُ
مِنْ كُلِّ وَاضِحَةِ الذِّفْرَى مُنَعَّمَةٍ
غَرَّاءَ لَمْ يَغْذُهَا بُؤْسٌ وَلاَ وَبَدُ
يثني مساوفها غرضوفَ أرنبةٍ
شمّاءَ منْ رخصةٍ في جيدها أودُ
لَهَا لِثَاثٌ وأنْيَابٌ مُفَلَّجَةٌ
كالأُقْحُوَانِ عَلَى أطْرَافِهِ الْبَرَدُ
يجري بها المسكُ والكافورُ آونةً
والزَّعْفَرَانُ عَلَى لَبَّاتِهَا جَسِدُ
كَأنَّ رَيْطَةَ جَبَّارٍ إذَا طُوِيَتْ
بَهْوُ الشَّرَاسِيفِ مِنْهَا حِينَ تَنْخَضِدُ
نِعْمَ الضَّجِيعُ بُعَيْدَ النَّوْمِ يُلْجِئُهَا
إلى حشاكَ سقيطُ اللّيلِ والثّأدُ
كأنَّ نشوتها واللّيلُ معتكرٌ
بعد العشاءِ وقدْ مالتْ بها الوسدُ
صَهْبَاءُ صَافِيَةٌ أغْلَى التِّجَارُ بِهَا
مِنْ خَمْرِ عَانَةَ يَطْفُو فَوْقَهَا الزَّبَدُ
لَوْلاَ الْمَخاوِفُ والأوْصَابُ قَدْ قَطَعَتْ
عرضَ الفلاةِ بنا المهريّةُ الوخذُ
في كلِّ غبراءَ مخشيٍّ متالفها
جدّاءَ ليسَ بها عدٌّ ولا ثمدُ
تمسي الرّياحُ بها حسرى ويتبعها
سرادقٌ ليسَ في أطرافهِ عمدُ
بَصْبَاصَةُ الْخِمْسِ في زَوْرَاءَ مَهْلَكَةٍ
يَهْدِي الأَدِلاَّءَ فِيهَا كَوْكَبٌ وَحَدُ
كَلَّفْتُ مَجْهُولَهَا نُوقاً يَمَانِيَةً
إذا الحداةُ على أكسائها حفدوا
حسبَ الجماجمِ اشباهًا مذكّرةً
كأنّها دمكٌ شيزيّةٌ جددُ
قامَ السّقاةُ فناطوها إلى خشبٍ
عَلَى كُبَابٍ وَحَوْمٌ خَامِسٌ يَرِدُ
ذَوُو جَآجِيءَ مُبْتَلٌّ مَآزِرُهُمْ
بَيْنَ الْمَرَافِقِ في أيْدِيهِمُ حَرَدُ
أوْ رَعْلَةٌ مِنْ قَطَا فَيْحَانَ حَلأَّهَا
عَنْ مَاءِ يَثْبَرَةَ الشُّبَّاكُ والرَّصَدُ
تَنْجُو بِهِنَّ مِنَ الْكُدْرِيِّ جَانِيَةٌ
بالرّوضِ روضِ عماياتٍ لها ولدُ
لَمَّا تَخَلَّسَ أنْفَاساً قرَائِنُهَا
منْ غمرِ سلمى دعاها توءمٌ قردُ
تهوي لهُ بشعيبٍ غيرِ معصمةٍ
منغلّةٍ دونها الأحشاءُ والكبدُ
دُونَ السَّمَاءِ وَفَوْقَ الأرْضِ مَسْلَكُهَا
تِيهٌ نَفَانِفُ لاَ بَحْرٌ وَلاَ بَلَدُ
تطاولَ اللّيلُ منْ همٍّ تضيّفني
دونَ الأصارمِ لمْ يشعرْ بهِ أحدُ
إلاَّ نَجِيَّةَ آرَابٍ تُقَلّبُنِي
كما تقلّبَ في قرموصهِ الصّردُ
مِنْ أمْرِ ذِي بَدَوَاتٍ لاَ تَزَالُ لَهُ
بَزْلاَءُ يَعْيَا بِهَا الْجَثَّامَةُ اللُّبَدُ
وَعَيْنِ مُضْطَمِرِ الْكَشْحَيْنِ أرَّقَهُ
هَمٌّ غَرِيبٌ وَنَاوِي حَاجَةٍ أَفِدُ
وناقةٍ منْ عتاقِ النّوقِ ناجيةٍ
حرفٍ تباعدَ منها الزّورُ والعضدُ
ثَبْجَاءَ دَفْوَاءَ مَبْنِيٍّ مَرَافِقُهَا
على حصيرينِ في دفّيهما جددُ
مقّاءَ مفتوقةِ الإبطينٍ ماهرةٍ
بِالسَّوْمِ نَاطَ يَدَيْهَا حَارِكٌ سَنَدُ
ينجو بها عنقٌ صعلٌ وتلحقها
رِجْلاَ أصَكَّ خِدَبٍّ فَوْقَهُ لَبِدُ
تضحي إذا العيسُ أدركنا نكائثها
خرقاءَ يعتادها الطّوفانُ والزّؤدُ
كأنَّهَا حُرَّةُ الْخَدَّيْنِ طَاوِيَةٌ
بعالجٍ دونها الخلاّتُ والعقدُ
ترمي الفجاجَ بكحلاوينِ لمْ تجدا
رِيحَ الدُّخَانِ ولَمْ يَأخُذْهُمَا رَمَدُ
باتتْ بشرقيِّ يمؤودٍ مباشرةً
دعصًا ارذَّ عليهِ فرّقٌ عندُ
في ظلِّ مرتجزٍ تجلو بوارقهُ
لِلنَّاظِرَيْنِ رِوَاقاً تَحْتَهُ نَضَدُ
طَوْرَيْنِ طَوْراً يَشُقُّ الأرْضَ وابِلُهُ
بعدَ العزازِ وطورًا ديمةٌ رغدُ
حَتَّى غَدَتْ في بَيَاضِ الصُّبْحِ طَيِّبَةً
رِيحَ الْمَبَاءَةِ تَخْدِي والثَّرَى عَمِدُ
لَمَّا رَأَتْ مَا أُلاَقِي مِنْ مُجَمْجَمَةٍ
هيَ النّجيُّ إذا ما صحبتي هجدوا
قَامَتْ خُلَيْدَةُ تَنْهَانِي فَقُلْتُ لَهَا
إنَّ الْمَنَايَا لِمِيقَاتٍ لَهُ عَدَدُ
وقُلْتُ مَا لاْمْرِىءٍ مِثْلِي بِأرْضِكُمُ
دونَ الإمامِ وخيرِ النّاسِ متّأدُ
إنّي وَإيَّاكِ والشَّكْوَى الَّتي قَصَرَتْ
خَطْوِي وَنَأْيُكِ والْوَجْدُ الَّذِي أجِدُ
كالماءِ والظّالعُ الصّديانُ يطلبهُ
هو الشّفاءُ لهُ والرّيُّ لوْ يردُ
إنَّ الْخِلاَفَةَ مِنْ رَبِّي حَبَاكَ بِهَا
لَمْ يُصِفْهَا لَكَ إلاَّ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ
القابضُ الباسطُ الهادي لطاعتهِ
فِي فِتْنَةِ النَّاسِ إذْ أهْوَاؤُهُمْ قِدَدُ
أمْراً رَضِيتَ لَهُ ثُمَّ اعتَمَدْتَ لَهُ
واعلمْ بأنَّ أمينَ اللهِ معتمدُ
واللَّهُ أخْرَجَ مِنْ عَمْيَاءَ مُظْلمَةٍ
بِحَزْمِ أمْرِكَ وَالآفَاقُ تَجْتَلِدُ
فَأَصْبَحَ الْيَوْمَ في دَارٍ مُبَارَكَةٍ
عِنْدَ الْمَلِيكِ شِهَاباً ضَوْؤُهُ يَقِدُ
ونحنُ كالنّجمِ يهوي منْ مطالعهِ
وَغُوطَةُ الشَّامِ مِنْ أعْنَاقِنَا صَدَدُ
نَرْجُو سِجَالاً مِنَ الْمَعْرُوفِ تَنْفَحُهَا
لِسَائِلِيكَ فَلاَ مَنُّ وَلاَ حَسَدُ
ضَافِي الْعَطِيَّةِ رَاجيهِ وَسَائِلُهُ
سيَّان، أفْلَحَ مَنْ يُعْطِي وَمَنْ يَعِدُ
أَنْتَ الْحَيَا وَغِيَاثٌ نَسْتَغِيثُ بِهِ
لوْ نستطيعُ فداكَ المالُ والولدُ
أزرى بأموالنا قومٌ أمرتهمُ
بالعدلِ فينا فما أبقوا وما قصدوا
نُعْطِي الزَّكَاةَ فَمَا يَرْضَى خَطِيبُهُمُ
حَتَّى نُضَاعِفَ أضْعَافَاً لَهَا غُدَدُ
أمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ
وفقَ العيالِ فلمْ يتركْ لهُ سبدُ
واخْتَلَّ ذُو الْمَالِ والْمُثْرُونَ قَدْ بَقِيَتْ
عَلَى التّلاتِلِ مِنْ أمْوَالِهِمْ عُقَدُ
فإنْ رفعتَ بهمْ رأسًا نعشتهمُ
وَإنْ لَقُوا مِثْلَهَا فِي قَابِلٍ فَسَدُوا