بالعفر دار من جميلة هيجت

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​بالعُفْرِ دَارٌ من جَمِيلَة َ هَيَّجَتْ​ المؤلف طفيل الغنوي


بِالعُفرِ دارٌ مِن جَميلَةَ هَيَّجَت
سَوالِفَ حُبٍّ في فُؤادِكَ مُنصِبِ
وَكُنتَ إِذا بانَت بِها غِربَةُ النَوى
شَديدَ القُوى لَم تَدرِ ما قَولُ مُشغِبِ
كَريمَةُ حُرِّ الوَجهِ لَم تَدعُ هالِكاً
مِنَ القَومِ هُلكاً في غَدٍ غَيرَ مُعقِبِ
أَسيلَةُ مَجرَى الدَمعِ خُمصانَةُ الحَشا
بَرودُ الثَنايا ذَاتُ خَلقٍ مُشَرعَبِ
تَرى العَينُ ما تَهوى وَفيها زِيادَةٌ
مِنَ اليُمنِ إِذ تَبدو وَمَلهَىً لِملعَبِ
وَبَيتٍ تَهُبُّ الريحُ في حَجَراتِهِ
بِأَرضِ فَضاءٍ بابُهُ لَم يُحَجَّبِ
سَماوَتُهُ أَسمالُ بُردٍ مُحَبَّرٍ
وَصَهوَتُهُ مِن أَتحَمِيٍّ مُعَصَّبِ
وَأَطنابُهُ أَرسانُ جُردٍ كأَنَّها
صُدورُ القَنا مِن بادِئٍ وَمُعَقِّبِ
نَصَبتُ عَلى قَومٍ تُدِرُّ رِماحُهُم
عُروقَ الأَعادي مِن غَريرٍ وَأَشيَبِ
وَفينا تَرى الطولى وَكُلَّ سَمَيدَعٍ
مُدَرَّبِ حَربٍ وَاِبنِ كُلِّ مُدَرَّبِ
طَويلِ نِجادِ السَيفِ لَم يَرضَ خُطَّةً
مِنَ الخَسفِ وَرّادٍ إِلى المَوتِ صَقعَبِ
تَبيتُ كَعِقبانِ الشُرَيفِ رِجالُهُ
إِذا ما نَوَوا إِحدَاثَ أَمرٍ مُعَطِّبِ
وَفينا رِباطُ الخَيلِ كُلَّ مُطَهَّمٍ
رَجيلٍ كَسِرحانِ الغَضا المُتَأَوِّبِ
يُذيقُ الَّذي يَعلو عَلى ظَهرِ مَتنِهِ
ظِلالَ خَذاريفٍ مِنَ الشَدِّ مُلهِبِ
وَجَرداءَ مِمراحٍ نَبيلٍ حِزامُها
طَروحٍ كَعودِ النَبعَةِ المُتَنَخَّبِ
تُنيفُ إِذا اِقوَرَّت مِنَ القَودِ وَاِنطَوَت
بِهادٍ رَفيعٍ يَقهَرُ الخَيلَ صَلهَبِ
وَعوجٍ كَأَحناءِ السَراءِ مَطَت بِها
مَطارِدُ تَهديها أَسِنَّةُ قَعضَبِ
إِذا قيلَ نَهنِهها وَقَد جَدَّ جِدُّها
تَرامَت كَخُذروفِ الوَليدِ المُثَقَّبِ
قَبائِلُ مِن فَرعَي غَنِيٍّ تَواهَقَت
بِها الخَيلُ لا عُزلٍ وَلا مُتَأَشَّبِ
أَلا هَل أَتى أَهلَ الحِجازِ مُغارُنا
عَلى حَيِّ وَردٍ وَاِبنِ رَيّا المُضَرَّبِ
جَلَبنا مِنَ الأَعرافِ أَعرافِ غَمرَةٍ
وَأَعرافِ لُبنى الخَيلَ يا بُعدَ مَجلَبِ
بناتِ الغُرابِ وَالوَجيهِ وَلاحِقٍ
وَأَعوَجَ تَنمي نِسبَةَ المُتَنَسِّبِ
وِراداً وَحُوّاً مُشرِفاً حَجَباتُها
بَناتِ حِصانٍ قَد تُعولِمَ مُنجِبِ
وَكُمتاً مُدَمّاةً كَأَنَّ مُتونَها
جَرى فَوقَها وَاِستَشعَرَت لَونَ مُذهَبِ
نَزائِعَ مَقذوفاً عَلى سَرَواتِها
بِما لَم تُخالِسها الغُزاةُ وَتُسهَبِ
تُباري مَراخيها الزِجاجَ كَأَنَّها
ضِراءٌ أَحَسَّت نَبأَةً مِن مُكَلِّبِ
كَأَنَّ يَبيسَ الماءِ فَوقَ مُتونِها
أَشاريرُ مَلحٍ في مَباءَةِ مُجرِبِ
مِنَ الغَزوِ وَاِقوَرَّت كَأَنَّ مُتونَها
زَحاليفُ وِلدانٍ عَفَتَ بَعدَ مَلعَبِ
وَأَذنابُها وُحفٌ كَأَنَّ ذُيولَها
مَجَرُّ أَشاءٍمِن سُمَيحَةَ مُرطِبِ
وَتَمَّت إِلى أَجوازِها وَتَقَلقَلَت
قَلائِدُ في أَعناقِها لَم تُقَضَّبِ
كَأَنَّ سَدى قُطنِ النَوادِفِ خَلفَها
إِذا اِستَودَعَتهُ كُلَّ قَاعٍ وَمِذنَبِ
إِذا هَبَطَت سَهلاً كَأَنَّ غُبارَهُ
بِجانِبِهِ الأَقصَى دَواخِنُ تَنضُبِ
كَأَنَّ رِعالَ الخَيلِ لمّا تَبَدَّدَت
بَوادي جَرادِ الهَبوَةِ المُتَصَوِّبِ
وَهَصنَ الحَصى حَتّى كَأَنَّ رُضاضَهُ
ذُرى بَرَدٍ مِن وابِلٍ مُتَحَلَّبِ
يُبادِرنَ بِالفُرسانِ كُلَّ ثَنِيَّةٍ
جُنوحاً كَفُرّاطِ القَطا المُتَسَرِّبِ
وَعارَضتُها رَهواً عَلى مُتَتابِعٍ
شَديدِ القُصَيرى خارِجِيٍّ مُحَنَّبِ
كَأَنَّ عَلى أَعرافِهِ وَلِجامِهِ
سَنا ضَرَمٍ مِن عَرفَجٍ مُتَلَهِّبِ
كَأَنَّ عَلى أَعطافِهِ ثَوبَ مائِحٍ
وَإِن يُلقَ كَلبٌ بَينَ لِحيَيهِ يَذهَبِ
إِذا اِنصَرَفَت مِن عَنَّةٍ بَعدَ عَنَّةٍ
وَجَرسٍ عَلى آثارِها كَالمُؤَلَّبِ
تُصانِعُ أَيديها السَريحَ كَأَنَّها
كِلابُ جَميعٍ غُرَّةَ الصَيفِ مُهرَبِ
إِذا اِنقَلَبَت أَدَّت وُجوهاً كَريمَةً
مُحَبَّبَةً أَدَّينَ كُلَّ مُحَبَّبِ
خَدَت حَولَ أَطنابِ البُيوتِ وَسَوَّفَت
مَراداً وَإِن تُقرَع عَصا الحَربِ تُركَبِ
فَلَمّا بَدا حَزمُ القَنانِ وَصارَةٌ
وَوازَنَّ مِن شَرقِيِّ سَلمى بِمَنكِبِ
أَنَخنا فَسُمناها النِطافَ فَشارِبٌ
قَليلاً وَآبٍ صَدَّ عَن كُلِّ مَشرَبِ
يُرادي عَلى فَأسِ اللِجَامِ كَأَنَّما
يُرادي بِهِ مِرقاةُ جِذعٍ مُشَذَّبِ
وَشَدَّ العَضاريطُ الرِحالَ وَأُسلِمَت
إِلى كُلِّ مِغوارِ الضُحَى مُتَلَبِّبِ
فَلَم يَرَها الراؤونَ إِلاّ فُجاءَةً
بِوادٍ تُناصيهِ العِضاةَ مُصَوَّبِ
ضَوابِعُ تَنوي بَيضَةَ الحَيِّ بَعدَما
أَذاعَت بِرَيعانِ السَوامِ المُعَزَّبِ
رَأى مُجتَنو الكُرّاثِ مِن رَملِ عالِجٍ
رِعالاً مَطَت مِن أَهلِ سَرحٍ وَتَنضُبِ
فَأَلوَت بَغاياهُم بِنا وَتَباشَرَت
إِلى عُرضِ جَيشٍ غَيرَ أَن لَم يُكَتَّبِ
فَقالوا أَلا ما هَؤُلاءِ وَقَد بَدَت
سَوابِقُها في ساطِعٍ مُتَنَصِّبِ
فَقال بَصيرٌ يَستَبينُ رِعالَها
هُمُ وَالإِلَهِ مَن تَخافينَ فَاِذهَبي
عَلى كُلِّ مُنشَقٍّ نَساها طِمِرَّةٍ
وَمُنجَرِدٍ كَأَنَّهُ تَيسُ حُلَّبِ
يَذُدنَ ذِيادَ الخامِساتِ وَقَد بَدا
ثَرى الماءِ مِن أَعطافِها المُتَحَلِّبِ
وَقيلَ اِقدُمي وَاِقدُم وَأَخٍّ وَأَخِّري
وَهَل وَهَلا وَاِضرَح وَقادِعُها هَبِ
فَما بَرِحوا حَتّى رَأَوا في دِيارِهِم
لِواءً كَظِلِّ الطائِرِ المُتَقَلِّبِ
رَمَت عَن قِسيِّ الماسِخِيِّ رِجالُنا
بِأَجوَدَ ما يُبتاعُ مِن نَبلِ يَثرِبِ
كَأَنَّ عَراقيبَ القَطا أُطُرٌ لَها
حَديثُ نَواحيها بِوَقعٍ وَصُلَّبِ
كُسينَ ظُهارَ الريشِ مِن كُلِّ ناهِضٍ
إِلى وَكرِهِ وَكُلِّ جَونٍ مُقَشَّبِ
فَلَمّا فَنا ما في الكَنائِنِ ضارَبوا
عَلى القُرعِ مِن جِلدِ الهِجانِ المُجَوَّبِ
فَذوقوا كَما ذُقنا غَداةَ مُحَجَّرٍ
مِنَ الغَيظِ في أَجوافِنا وَالتَحَوُّبِ
أَبَأنا بِقَتلانا مِنَ القَومِ مِثلَهُم
وَما لا يُعَدُّ مِن أَسيرٍ مُكَلَّبِ
نُخَوّي صُدورَالمَشرَفِيَّةِ مِنهُمُ
وَكُلَّ شُراعِيٍّ مِنَ الهِندِ شَرعَبِ
بِضَربٍ يُزيلُ الهامَ عَن سَكَناتِهِ
وَيَنقَعُ مِن هامِ الرِجالِ بِمَشرَبِ
فَبِالقَتلِ قَتلٌ وَالسَوامِ بِمِثلِهِ
وَبِالشَلِّ شَلُّ الغائِطِ المُتَصَوِّبِ
وَجَمَّعنَ خَيطاً مِن رِعاءٍ أَفَأنَهُم
وَأَسقَطنَ مِن أَقفائِهِم كُلَّ مِحلَبِ
فَرُحنَ يُبارينَ النِهابَ عَشِيَّةً
مُقَلَّدَةً أَرسانَها غَيرَ خُيَّبِ
مُعَرَّقَةَ الأَلحي تَلوحُ مُتونُها
تُثيرُ القَطا في مَنقَلٍ بَعدَ مَقرَبِ
لِأَيّامِها قيدَت وَأَيّامِها جَرَت
لِغُنمٍ وَلَم تُؤخَذ بِأَرضٍ وَتُغصَبِ
كَأَنَّ خَيالَ السَخلِ في كُلِّ مَنزِلٍ
يَضَعنَ بِهِ الأَسلاءَ أَطلاءُ طُحلُبِ
طَوامِحُ بِالطَرفِ الظِرابِ إِذا بَدَت
مُحَجَّلَةَ الأَيدي دَماً بِالمُخَضَّبِ
وَلِلخَيلِ أَيّامٌ فَمَن يَصطَبِر لَها
وَيعرِف لَها أَيّامَها الخَيرَ تُعقِبِ
وَقَد كانَ حَيّانا عَدُوَّينِ في الَّذي
خَلا فَعَلى ما كانَ في الدَهرِ فَاِرتُبِ
إِلى اليَومِ لَم نُحدِث إِليكُم وَسيلَةً
وَلَم تَجِدوها عِندَنا في التَنَسُّبِ
جَزَيناهُمُ أَمسِ الفَطيمَةِ إِنَّنا
مَتى ما تَكُن مِنّا الوَسيقَةُ نَطلُبِ
فَأَقلَعَتِ الأَيّامُ عَنّا ذُؤابَةً
بِمَوقِعِنا في مَحرَبٍ بَعدَ مَحرَبِ
وَلَم يَجِدِ الأَقوامُ فينا مَسَبَّةً
إِذا اِستُدبِرَت أَيّامُنا بِالتَعَقُّبِ