الزهد والورع والعبادة/2

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


ولهذا روى الامام أحمد في مسنده وغيره أن النبي قال لأصحابه الفقر تخافون لا أخاف عليكم الفقر انما أخاف عليكم الدنيا حتى ان قلب أحدكم اذا زاغ لا يزيغه الا هي وكذلك الذين يحبون العبد كأصدقائه والذين يبغضونه كأعدائه فالذين يحبونه يجذبونه اليهم فاذا لم تكن المحبة منهم له لله كان ذلك مما يقعطه عن الله والذين يبغضونه يؤذونه ويعادونه فيشغلونه بأذاهم عن الله ولو أحسن اليه أصدقاؤه الذين يحبونه لغير الله أوجب احسانهم اليه محبته لهم وانجذاب قلبه اليهم ولو كان على غير الاستقامة وأوجب مكافأته لهم فيقطعونه عن الله وعبادته خلاص القلب من الفتنة فلا تزول الفتنة عن القلب الا اذا كان دين العبد كله لله عز و جل فيكون حبه لله ولما يحبه الله وبغضبه لله ولما يبغضه الله وكذلك موالاته ومعاداته والا فمحبة المخلوق تجذبه وحب الخلق له سبب يجذبهم به اليه ثم قد يكون هذا أقوى وقد يكون هذا أقوى فإذا كان هو غالبا لهواه لم يجذبه مغلوب مع هواه ولا محبوباته اليها لكونه غالبا لهواه ناهيا لنفسه عن الهوى لما في قلبه من خشية الله ومحبته التي تمنعه عن انجذابه الى المحبوبات وأما حب الناس له فإنه يوجب أن يجذبوه هم بقوتهم اليهم فإن لم يكن فيه قوة يدفعهم بها عن نفسه من محبة الله وخشيته وإلا جذبوه وأخذوه اليهم كحب امرأة العزيز ليوسف فإن قوة يوسف ومحبته لله وإخلاصه وخشيته كانت أقوى من جمال امرأة العزيز وحسنها وحبه لها هذا اذا أحب أحدهم صورته مع أن هنا الداعي قوي منه ومنهم فهنا المعصوم من عصمه الله وإلا فالغالب على الناس في المحبة من الطرفين أنه يقع بعض الشر بينهم ولهذا قال رسول الله لا يخلون رجل بامرأة الا كان ثالثهما الشيطان حال المواليه لغير الله وقد يحبونه لعلمه أو دينه أو احسانه أو غير ذلك فالفتنة في هذا أعظم الا اذا كانت فيه قوة ايمانية وخشية وتوحيد تام فإن فتنة العلم والجاه والصور فتنة لكل مفتون وهم مع ذلك يطلبون منه مقاصدهم ان لم يفعلها والا نقص الحب أو حصل نوع بغض وربما زاد أو أدى الى الانسلاخ من حبه فصار مبغوضا بعد أن كان محبوبا فأصدقاء الانسان يحبون استخدامه واستعماله في أغراضهم حتى يكون كالعبد لهم وأعداؤه يسعون في أذاه واضراره وأولئك يطلبون منه انتفاعهم وان كان مضرا له مفسدا لدينه لا يفكون في ذلك وقليل منهم الشكور فاطائفتان في الحقيقة لا يقصدون نفعه ولا دفع ضرره وانما يقصدون أغراضهم به فإن لم يكون الانسان عابدا الله متوكلا عليه مواليا له ومواليا فيه ومعاديا وإلا أكلته الطائفتان وأدى ذلك الى هلاكه في الدينا والآخرة وهذا هو المعروف من أحوال بني آدم وما يقع بينهم من المحاربات والمخاصمات والاختلاف والفتن قوم يوالون زيدا ويعادون عمروا وآخرون بالعكس لأجل أغراضهم فإذا حصلوا على أغراضهم ممن يوالونه وما هم طالبوه من زيد انقلبوا الى عمرو وكذلك أصحاب عمرو كما هو الواقع بين أصناف الناس وكذلك الرأس من الجانبين يميل الى هؤلاء الذين يوالونه وهم اذا لم تكن الموالاة لله أضر عليك من اولئك فإن أولئك انما يقصدون افساد دنياه اما بقتله أو بأخذ ماله وإما بإزالة منصبه وهذا كله ضرر دنيوي لا يعتد به اذا سلم العبد وهو عكس حال أهل الدنيا ومحبيها الذين لا يعتدون بفساد دينهم مع سلامة دنياهم فهم لا يبالون بذلك وأما دين العبد الذي بينه وبين الله فهم لا يقدرون عليه ضرر الموالاة لأجل المصلحة وأما أولياؤه الذين للأغراض فإنما يقصدون منه فساد دينه بمعاونته على أغراضهم وغير ذلك فإن لم أعداء فدخل بذلك عليه الأذى من جهتين من جهة مفارقتهم ومن جهة عداوتهم وعداوتهم أشد عليه من عداوة أعدائه لأنهم قد شاهدوا منه وعرفوا ما لم يعرفه أعداؤه فاستجلبوا بذلك عداوة غيرهم فتتضاعف العداوة وان لم يجب مفارقتهم احتاج الى مداهنتهم ومساعدتهم على ما يريدونه وإن كان فيه فساد دينه فإن ساعدهم على نيل مرتبة دنيوية ناله مما يعملون فيها نصيبا وافرا وحظا تاما من ظلمهم وجورهم وطلبوا منه أيضا أن يعاونهم على أغراضهم ولو فاتت أغراضه الدنيوية فكيف بالدينية ان وجدت فيه أو عنده فإن الانسان ظالم جاهل لا يطلب الا هواه فإن لم يكن هذا في الباطن يحسن اليهم ويصبر على أذاهم ويقضي حوائجهم لله وتكون استعانته عليهم بالله تامة وتوكله على الله تام وإلا أفسدوا دينه ودنياه كما هو الواقع المشاهد من الناس ممن يطلب الرئاسة الدنيوية فإنه يطلب منه من الظلم والمعاصي ما ينال به تلك الرئاسة ويحسن له هذا الرأي ويعاديه ان لم يقم معه كما قد جرى ذلك مع غير واحد وذلك يجري فيمن يحب شخصا لصورته فإنه يخدمه ويعظمه ويعطيه ما يقدر عليه ويطلب منه من المحرم ما يفسد دينه وفيمن يحب صاحب بدعة لكونه له داعية الى تلك البدعة يحوجه الى أن ينصر الباطل الذي يعلم أنه باطل والا عاداه ولهذا صار علماء الكفار وأهل البدع مع علمهم بأنهم على الباطل ينصرون ذلك الباطل لأجل الأتباع والمحبين ويعادون أهل الحق ويهجنون طريقهم فمن أحب غير الله ووالى غيره كره محب الله ووليه ومن أحب أحدا لغير الله كان ضرر أصدقائه عليه أعظم من ضرر أعدائه فإن أعداءه غايتهم أن يحولوا بينه وبين هذا المحبوب الدنيوي والحيلوله بينه وبينه رحمة في حقه وأصدقاؤه يساعدونه على نفي تلك الرحمة وذهابها عنه فأي صداقة هذه ويحبون بقاء ذلك المحبوب ليستعملوه في أغراضهم وفيما يحبونه وكلاهما ضرر عليه قال تعالى اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا الغذاب وتقطعت بهم الأسباب قال الفضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد هي المودات التي كانت لغير الله والوصلات التي كانت بينهم في الدنيا وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كره فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار فالأعمال التي أراهم الله حسرات عليهم هي الأعمال التي يفعلها بعضهم مع بعض في الدنيا كانت لغير الله ومنها الموالاة والصحبة والمحبة لغير الله فالخير كله في أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ولا حول ولا قوة الا بالله سبب المحبة ومما يحقق هذه الأمور أن المحب يجذب والمحبوب يجذب فمن أحب شيئا جذبه اليه بحسب قوته ومن أحب صورة جذبته تلك الصورة الى المحبوب الموجود في الخارج بحسب قوته فإن المحب علته فاعلية والمحبوب علته غائية وكل منهما له تأثير في وجود المعلول والمحب انما يجذب المحبوب بما في قلب المحب من صورته التي يتمثلها فتلك الصورة تجذبه بمعنى انجذابه اليها لأنها هي في نفسها قصد وفعل فإن في المحبوب من المعنى المناسب ما يقتضي انجذاب المحب اليه كما ينجذب الانسان الى الطعام ليأكله والى امرأة ليباشرها والى صديقه ليعاشره وكما تنجذب قلوب المحبين لله ورسوله الى الله ورسوله والصالحين من عباده لما اتصف به سبحانه من الصفات التي يستحق لأجلها أن يحب ويعبد بل لا يجوز أن يحب شيء من الموجودات لذاته الا هو سبحانه وبحمده فكل محبوب في العالم انما يجوز أن يحب لغيره لا لذاته والرب تعالى هو الذي يجب أن يحب لنفسه وهذا من معاني الهيته ولو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا ف الله فغن ذلك من خصائص اليهيته فلا يستحق ذلك الا الله وحده وكل محبوب سواه ان لم يحب لأجله أو لما يحب لأجله فمحبته فاسدة والله تعالى خلف في النفوس حب الغذاء وحب النساء لما في ذلك من حفظ الأبدان وبقاء الانسان ف ولولا حب النساء لما تزوجوا فانقطع النسل والمقصود بوجود ذلك بقاء كل منهم ليعبدوا الله وحده ويكون هو المحبوب المعبود لذاته الذي لا يستحق ذلك غيره وانما تحب الأنبياء والصالحوب تبعا لمحبته فإن من تمام حبه حب ما يحبه وهو يحب الأنبياء والصالحين ويحب الأعمال الصالحة فحبها لله هو من تمام حبه وأما الحب معه فهو حب المشركين الذين يحبون أنندادهم كحب الله فالمخلوق اذا أحب لله كان حبه جاذبا الى حب الله واذا تحاب الرجلان في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه كان لكل منهما جاذبا للآخر الى حب الله كما قال تعالى حقت محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتجالسين في وحقت محبتي للمتباذلين في وإن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يقربهم من الله وهم قوم تحابوا بروح الله على غير أموال يتباذلونها ولا أرحام يتواصلون بها ان لوجوههم لنورا وإنهم لعلى كراس من نور لا يخافون اذا خاف الناس ولا يحزنون اذا حزن الناس فإنك اذا أحببت الشخص لله كان الله هو المحبوب لذاته فكلما تصورته في قلبك تصورت محبوب الحق فأحببته فازداد حبك لله كما اذا ذكرت النبي والأنبياء قبله والمرسلين وأصحابهم الصالحين وتصورتهم في قبلك فإن ذلك يجذب قلبك الى محبة الله المنعم عليهم وبهم اذا أحب شخصا لله فإن الله هو محبوبه فهو يحب أن يجذبه الى الله تعالى وكل من المحب لله والمحبوب لله يجذب الى الله وهكذا اذا كان الحب لغير الله كما اذا أحب كل من الشخصين الآخر بصورة كالمرأة مع الرجل فإن المحب يطلب المحبوب والمحبوب يطلب المحب بانجذاب المحبوب فإذا كانا متحابين صار كل منهما جاذبا مجذوبا من الوجهين فيجب الاتصال ولو كان الحب من أحد الجانبين لكان المحب يجذب المحبوب والمحبوب يجذبه لكن المحبوب لا يقصد جذبه والمحب يقصد جذبه وينجذب وهذا سبب التأثير في المحبوب اما تمثل يحصل في قلبه فينجذب وإما أن ينجذب بلا محبة كما يأكل الرجل الطعام ويلبس الثوب ويسكن الدار ونحو ذلك من المحبوبات التي لا ارادة لها وأما الحيوان فيحب ببعضه بعضا بكونه سببا للاحسان اليه وقد جبلت النفوس على حب من أحسن اليها لكن هذا في الحقيقة انما هو محبة الاحسان لا نفس المحسن ولو قطع ذلك لضمحل ذلك الحب وربما أعقب بغضا فإنه ليس لله عز و جل فإن من أحب انسانا لكونه يعطيه فما أحب الا العطاء ومن قال انه يحب من يعطيه لله فهذا كذب ومحال وزور من القول وكذلك من أحب انسانا لكونه ينصره انما أحب النصر لا الناصر وهذا كله من اتباع ما تهوى الأنفس فإنه لم يحب في الحقيقة الا ما يصل اليه من جلب منفعة أو دفع مضرة فهو انما أحب تلك المنفعة ودفع المضرة وانما أحب ذلك لكونه وسيلة الى محبوبه وليس هذا حبا لله ولا لذات المحبوب وعلى هذا تجري عامة محبة الخلق بعضهم مع بعض وهذا لا يثابون عليه في الآخرة ولا ينفعهم بل ربما أدى ذلك الى النفاق والمداهنة فكانوا في الآخرة من الأخلاء الذين بعضهم لبعض عدو الا المتقين وإنما ينفعهم في الأخرة الحب في الله ولله وحده وأما من يرجو النفع والنصر من شخص ثم يزعم أنه يحبه لله فهذا من دسائس النفوس ونفاق الأقوال وإنما ينفع العبد الحب لله لما يحبه الله من خلقه كالأنبياء والصالحين لكون حبهم يقرب الى الله ومحبته وهؤلاء هم الذين يستحقون محبة الله لهم ونبينا كان يعطي المؤلفة قلبوهم ويدع آخرين هم أحب اليه من الذي يعطي يكلهم الى ما في قلوبهم من الايمان وإنما كان يعطي المؤلفة قلوبهم لما في قلوبهم من الهلع والجزع ليكون ما يعطيهم سببا لجلب قلوبهم الى أن يحبوا الاسلام فيحبوا الله فكان مقصوده بذلك دعوة القلوب الى حب الله عز و جل وصرفها عن ضد ذلك ولهذا كان يعطي أقواما خشية أن يكبهم الله على وجوههم في النار فمنعهم بذلك العطاء عما يكرهه منهم فكان يعطي لله ويمنع لله وقد قال من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الايمان وفي صحيح البخاري عنه أنه قال اني والله انما أنا قاسم لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا ولكن أضع حيث أمرت سيطرة المحبوب على المحب وصورة المحبوب المتمثلة في النفس يتحرك لها المحب ويريد لها ويحب ويبغض ويبتهج وينشرح عند ذكرها من أي جنس كانت فتبقى هي كالآمر الناهي له ولهذا يجد في نفسه كأنها تخاطبه بأمر ونهي وغير ذلك كما يرى كثير من الناس من يحبه ويعظمه في منامه وهو يأمره وينهاه ويخبره بأمور تدليس ابليس على المحبين والمشركون تتمثل لهم الشياطين في صور من يعبدونه تأمرهم وتنهاهم والقائلون بالشاهد والمنتسبون الى السلوك يقول أحدهم انه يخاطب في باطنه على لسان الشاهد فمنهم من يصلي بالليل وذلك بازائه ليشاهده في الضوء ومنهم من يشاهده في حال السماع في غيره ويظنون أنهم يخاطبون ويجدون المريد في قلوبهم بذلك وذلك لأنهم يتمثلونه في أنفسهم وربما كان الشيطان يتمثل في صورته فيجدون في نفوسهم خطابا من تلك الصورة فيقولون خوطبنا من جهته وهذا وإن كان موجودا في المخاطب فمن المخاطب له فالفرقان هنا فأما ذلك المخاطب من وسواس الشيطان والنفس وقد يخاطبون بأشياء حسنة رشوة منه لهم ولا يخاطبون بما يعرفون أنه باطل لئلا ينفرون منه بل الشيطان يخاطب أحدهم بما يرى أنه حق والراهب اذا راض نفسه فمرة يرى في نفسه صورة التثليث وربما خوطب منها لأنه كان قد يتمثلها قبل ذلك فلما انصقلت نفسه بالرياضة ظهرت له والمؤمن الذي يحب الله ورسوله يرى الرسول في منامه بحسب ايمانه وكذلك يرى الله تعالى في منامه بحسب ايمانه كما قد بسط في غير هذا الموضوع ولهذا كثير من أهل الزهد والعبادة يكون من أعوان الكفار ويزعم أنه مأمور بذلك ويخاطب به ويظن أن الله هو الذي أمره بذلك والله منزه عن ذلك وإنما الآمر له بذلك النفس والشيطان وما في نفسه من الشرك اذ لو كان مخلصا لله الدين لما عرض له شيء من ذلك فإن هذا لا يكون الا لمن فيه شرك في عبادته أو عنده بدعة ولا يقع هذا لمخلص متمسك بالسنة البتة واذا كانت الرؤيا على ثلاثة أقسام رؤيا من الله ورؤيا من حديث النفس ورؤيا من الشيطان فكذلك ما يلقى في نفس الانسان في حال يقظته ثلاثة أقسام ولهذا كانت الأحوال ثلاثة رحماني ونفساني وشيطاني وما يحصل من نوع المكاشفة والتصرف ثلاثة أصناف ملكي ونفسي وشيطاني فإن الملك له قوة والنفس لها قوة والشيطان له قوة وقلب المؤمن له قوة فما كان من الملك ومن قلب المؤمن فهو حق وما كان من الشيطان ووسوسة النفس فهو باطل وقد اشتبه هذا بهذا على طوائف كثيرة فلم يفرقوا بين أولياء الله وأعداء الله بل صاروا يظنون في من هو من جنس المشركين والكفار أهل الكتاب من وجوه كثيرة أنه من أولياء الله المتقين والكلام في هذا مبسوط في موضع آخر ولهذا في هؤلاء من يرى جواز قتال الأنبياء ومنهم من يرى أنه أفضل من الأنبياء الى أنواع آخر وذلك لأنه حصل لهم من الأنواع الشيطانية والنفسانية ما ظنوا أنها من كرامات الأولياء فظنوا أنهم منهم فكان الأمر بالعكس وأصل هذا أنهم تعبدوا بما تحبه النفس وأما العبادة بما يحبه الله ويرضاه فلا يحبونه ولا يريدونه وحده ويرون أنهم اذا عبدوا الله بما أمر به ورسله حط لهم عن منصب الولاية فيحدثون محبة قوية وتألها وعبادة وشوقا وزهدا ولكن فيه شرك وبدعة ومحبة التوحيد انما تكون لله وحده على متابعة رسوله كما قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم فلهذا يكون أهل الاتباع فيهم جهاد ونية في محبتهم يحبون لله ويبغضون له وهم على ملة ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده وأولئك محبتهم فيها شرك وليسوا متابعين للرسول ولا مجاهدين في سبيل الله فليست هي المحبه الاخلاصية فإنها مقرونة بالتوحيد ولهذا سمى أبو طالب المكي كتابه قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد الى مقام التوحيد والله سبحانه أعلم

الزهد والورع[عدل]

قال شيخ الاسلام رحمه الله قد كتبت في كراسة الحوادث فضلا في جماع الزهد والروع وأن الزهد هو عما لا ينفع اما لانفاء نفعه أو لكونه مرجوحا لأنه مفوت لما هو أنفع منه أو محصل لما يربو ضرره على نفعه وأما المنافع الخالصة أو الراجحة فالزهد فيها حمق وأما الورع فإنه الامساك عما قد يضر فتدخل فيه المحرمات والشبهات لأنها قد تضر فإنه من اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يواقعه وأما الورع عما لا مضرة فيه أو فيه مضرة مرجوحة لما تقترن به من جلب منفعة راجحة أو دفع مضرة أخرى راجحة فجل وظلم وذلك يتضمن ثلاثة أقسام لا يتورع عنها المنافع المكافأة والراجحة والخالصة كالمباح المحص أو المستحب أو الواجب فان الورع عنها ضلالة وأنا أذكر هنا تفصيل ذلك فأقول الزهد خلاف الرغبة يقال فلان زاهد في كذا وفلان راغب فيه والرغبة هي من جنس الارادة والكراهة بحيث لا يكون لا مريدا له كارها ولا كارها له وكل من لم يرغب في الشيء ويريده فهو زاهد فيه وكما أن سبيل الله يحمد فيه الزهد فيما زهد الله فيه من فضول الدنيا فتحمد فيه الرغبة والارادة لما حمد الله ارادته والرغبة فيه ولهذا كان أساس الطريق الارادة كما قال تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وقال تعالى ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ونظائره متعددة الزهد بين الذم والمدح كما رغب في الزهد وذم ضده في قوله من كان يريد الحياة الدينا وزينتها نوف اليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة الا النار وقال تعالى ألهكم التكاثر السورة وقال تعالى وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما وقال ان الانسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد وقال تعالى انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم الآية وهذا باب واسع وإما المقصود هنا تميز الزهد الشرعي من غيره وهو الزهد المحمود وتميز الرغبة الشرعيه من غيرها وهي الرغبة المحمودة فإنه كثيرا ما يشتبه الزهد بالكسل والعجز والبطالة عن الأوامر الشرعية وكثيرا ما تشتبه الرغبة الشرعيه بالحرص والطمع والعمل الذي ضل سعي صاحبه وأما الورع فهو اجتناب الفعل واتقاؤه والكف والامساك عنه والحذر منه وهو يعود الى كراهة الأمر والنفرة منه والبغض له وهو أمر وجودي أيضا وإن كان قد اختلف في المطلوب بالنهي هل هو عدم المنهي عنه أو فعل ضده وأكثر أهل الاثبات على الثاني فلا ريب أنه لا يسمى ورعا ومتورعا ومتقيا الا اذا وجد منه الامتناع والامساك الذي هو فعل ضد المنهي عنه والتحقيق أنه مع عدم المنهي عنه يحصل له عدم مضرة الفعل المنهي عنه وهو ذمة وعقابه ونحو ذلك ومع وجود الامتناع والاتفاء والاجتناب يكون قد وجد منه عمل صالح وطاعة وتقوى فيحصل له منفعة هذا العمل من حمده وثوابه وغير ذلك فعدم المضرة لعدم السيئات ووجود المنفعة لوجود الحسنات الفرق بين الزهد والورع فتلخص أن الزهد من باب عدم الرغبة والارادة في المزهود فيه والورع من باب وجود النفرة والكراهة للمتورع عنه وانتفاء الارادة انما يصلح فيهما ليس فيه منفعة خالصة أو راجحة وأما وجود الكراهية فانما يصلح فيهما فيه مضرة خالصة أو راجحة وأما وجود الكراهة فانما يصلح فيما فيه مضرة خالصة أو راجحة فأما اذا فرض ما لا منفعة فيه ولا مضرة أو منفعته ومضرته سواء من كل وجه فهذا لا يصلح أن يراد ولا يصلح أن يكره فيصلح فيه الزهد ولا يصلح فيه الورع فظهر بذلك أن كل ما يصلح فيه الورع يصلح فيه الزهد من غير عكس وهذا بين فإن ما صلح أن يكره وينفر عنه صلح أن لا يراد ولا يرغب فيه فإن عدم الارادة أولى من وجود الكراهة ووجود الكراهة مستلزم عدم الارادة من غير عكس وليس كل ما صلح أن لا يراد يصلح أن يكره بل قد يعرض من الأمور ما لا تصلح ارادته ولا كراهته ونلا حبه ولا بغضه ولا الأمر به ولا النهي عنه وبهذا يتبين أن الواجبات والمستحبات لا يصلح فيها زهد ولا ورع

وأما المحرمات المكروهات فيصلح فيها الزهد والورع وأما المباحات فيصلح فيها الزهد دون الورع وهذا القدر ظاهر تعرفه بأدنى تأمل وانما الشأن فيما اذا تعارض في الفعل هل هو مأمور به أو منهي عنه أو مباح وفيما اذا اقترن بما جنسه مباح ما يجعله مأمورا به أو منهيا عنه أو اقترن بالمأمور به ما يجعله منهيا عنه وبالعكس فعند اجتماع المصالح والمفاسد والمنافع والمضار وتعارضها يحتاج الى الفرقان

هل الثواب على قدر المشقة؟[عدل]

وقال قول بعض الناس الثواب على قدر المشقة ليس بمستقيم على الاطلاق كما قد يستدل به طوائق على أنواع من الرهبانيات والعبادات المبتعدة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي حيث قال هلك المتنطعون وقال لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه وكذلك الاحتفاء والتعري والمشي الذي يضر الانسان بلا فائدة مثل حديث أبي اسرائيل الذي نذر أن يصوم وأن وأن يقوم قائما ولا يجلس ولا يستظل ولا يتكلم فقال النبي مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه رواه البخاري وهذا باب واسع وأما الأجر على قدر الطاعة فقد تكون الطاعة لله ورسوله في عمل ميسر كما يسر الله على أهل الاسلام الكلمتين وهما أفضل الأعمال ولذلك قال النبي كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أخرجاه في الصحيحين ولو قيل الأجر على قدر منفعة العمل وفائدةه لكان صحيحا اتصاف الأول باعتبار تعلقة بالأمر والثاني باعتبار صفته في نفسه والعمل تكون منفعته وفائدته تارة من جهة الأمر فقط وتارة من جهة صفته في نفسه وتارة من كلا الأمرين فبالاعتبار الأول ينقسم الى طاعة ومعصية

وبالثاني ينقسم الى حسنة وسيئة والطاعة والمعصية اسم له من جهة الأمر والحسنة والسئة اسم له من جهة نفسه وان كان كثير من الناس لا يثبت الا الأول كما تقوله الأشعرية وطائفة من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم ومن الناس من لا يثبت الا الثاني كما تقوله المعتزلة وطائفة من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم والصواب اثبات الاعتبارين كما تدل عليه نصوص الأثمة وكلام السلف وجمهور العلماء من أصحابنا وغيرهم فأما كونه مشقا فليس هو سببا لفضل العمل ورجحانه ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقا فضله لمعنى غير مشقته والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره فيزاداد الثواب بالمشقة كما أن من كان بعده عن البيت في الحج والعمرة أكثر يكون أجره أعظم من القريب كما قال النبي صلىالله عليه وسلم لعائشة في العمرة أجرك على قدر نصبك لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة وبالبعد يكثر النصب فيكثر الأجر وكذلك الجهاد وقوله الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأه ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران

فكثيرا ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب هذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال ولم يجعل علينا فيه حرج ولا أريد بنا فيه العسر وأما في شرع من قبلنا قد تكون المشقة مطلوبة منهم وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوبا مقربا الى الله لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون الى الدنيا وانقطاع القلب عن علاقة الجسد وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم ولهذا تجد هؤلاء مع من شابههم من الرهبان يعالجون الأعمال الشاقة الشديده المتعبة من أنواع العبادات والزهادات مع أنه لا فائدة فيها ولا ثمرة لها ولا منفعة الا أن يكون شيئا يسيرا لا يقاوم العذاب الأليم الذي يجدونه ونظير هذا الأصل الفاسد مدح بعض الجهال بأن يقول فلان ما نكح ولا ذبح وهذا مدح الرهبان الذين لا ينكحون ولا يذبون وأما الحنفاء فقد قال النبي لكني أصوم وأفطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني وهذه الأشياء من الدين الفاسد وهو مذموم كما أن الطمأنينة الى الحياة الدنيا مذموم

أقسام الناس[عدل]

والناس أقسام أصحاب دنيا محضة وهم المعرضون عن الآخرة وأصحاب دين فاسد وهم الكفار والمبتعدة الذين يتدينون بما لم يشرعه الله من أنواع العبادات والزهادات والقسم الثالث وهم أهل الدين الصحيح أهل الاسلام المستمسكون بالكتاب والسنة والجماعة والحمد لله الذي هدانا الى لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق

الفصل الثاني: تزكية النفس وكيف تزكو[عدل]

وقال شيخ الاسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى فصل في تزكية النفس وكيف تزكو بترك المحرمات مع فعل المأمورات قال تعالى قد أفلح من زكاها و قد أفلح من تزكى معنى التزكية قال قتادة وابن عيينة وغيرهما قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال وقال الفراء والزجاج قد أفلحت نفس زكاها الله وقد خابت نفس دساها الله وكذلك ذكره الوالبي عن ابن عباس وهو منقطع وليس هو مراد من الآية بل المراد بها الأول قطعا لفظا ومعنى أما اللفظ فقوله من زكاها اسم موصول ولا بد فيه من عائد على من فإذا قيل قد أفلح الشخص الذي زكاها كان ضمير الشخص في زكاها يعود على من هذا وجه الكلام الذي لا ريب في صحته كما يقال قد أفلح من اتقى الله وقد أفلح من أطاع ربه وأما اذا كان المعنى قد أفلح من زكاه الله لم يبق في الجملة ضمير يعود على من فإن الضمير على هذا يعود على الله وليس هو من وضمير المفعول يعود على النفس المتقدمة فلا يعود على من لا ضمير الفاعل ولا المفعول فتخلو الصلة من عائد وهذا لا يجوز نعم لو قيل قد أفلح من زكى الله نفسه أو من زكاها الله له ونحو ذلك صح الكلام وخفاء هذا على من قال به من النحاة عجب وهو لم يقل قد أفلحت نفس زكاها فإنه هنا كانت تكون زكاها صفة لنفس لا صلة بل قال قد أفلح من زكاها فالجملة صلة لمن لا صفة لها ولا قال أيضا قد أفلحت النفس التي زكاها فإنه لو قيل ذلك وجل في زكاها ضمير يعود على اسم الله صح فإذا تكلفوا وقالوا التقدير قد أفلح من زكاها هي النفس التي زكاها وقالوا في زكى ضمير المفعول يعود على من وهي تصلح للمذكر والمؤنث والواحد والعدد فالضمير عائد على معناها المؤنث وتأنيثها غير حقيقي ولهذا قيل قد أفلح ولم يقل قد أفلحت قيل لهم هذا مع أنه خروج من اللغة الفصيحة فإنما يصح اذا دل الكلام على ذلك في مثل ومن على أن المراد لنا وكذا قوله ومنهم من يستمعون اليك ونحو ذلك وأما هنا فلس في لفظ من وما بعدها ما يدل على أن المراد به النفس المؤنثه فلا يجوز أن يراد بالكلام ما ليس فيه دليل على ارادته فإن مثل هذا مما يصان كلام الله عز و جل عنه فلو قدر احتمال عود ضمير زكاها الى نفس والى من مع أن لفظ من لا دليل يوجب عوده عليه لكان الى المؤنث أولى من اعادته الى ما يحتمل التذكير والتأنيث. وهو في التذكير أظهر لعدم دلالته على التأنيث فان الكلام اذا احتمل معنيين وجب حمله على أظهرهما ومن تكلف غير ذلك فقد خرج عن كلام العرب المعروف والقرآن منزه عن ذلك والعدول عما يدل عليه ظاهر الكلام الى ما لا يدل عليه بلا دليل لا يجوز البتة فكيف اذا كان نصا من جهة المعنى فقد أخبر الله أنه يلهم التقوى والفجور ولبسط هذا موضع آخر التزكية في الكتاب السنة والمقصود هنا أمر الناس بتزكية أنفسهم والتحذير من تدسيتها كقوله قد أفلح من تزكى فلو قدر أن المعنى قد أفلح من زكى الله نفسه لم يكن فيه أمر لهم ولا ينهي ولا ترغيب ولا ترهيب والقرآن اذا أمر أو نهى لا يذكر مجرد القدر فلا يقول من جعله الله مؤمنا بل يقول قد أفلح المؤمنون قد أفلح من تزكى اذ ذكر مجرد القدر في هذا يناقض المقصود ولا يليق هذا بأضعف الناس عقلا فكيف بكلام الله ألا ترى أنه في مقام الأمر والنهي والترغيب والترهيب يذكر القدر عند بيان نعمه عليهم اما بما ليس من أفعالهم وإما بإنعامه بالايمان والعمل الصالح ويذكره في سياق قدرته ومشيئته وأما في معرض الأمر فلا يذكره الا عند النعم كقوله ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى الآية فهذا مناسب وقوله قد أفلح من تزكى وهذه الأية من جنس الثانية لا الأولى والمقصود ذكر التزكية قال تعالى قل للمؤمنين يغضوا الآية وقال فارجعوا هو أزكى لكم وقال الذين لا يؤتون الزكاة وقال وما عليك ألا يزكى وأصل الزكاة الزيادة في الخير ومنه يقال زكا الزرع وزكا المال اذا نما ولن ينمو الخير الا بترك الشر والزرع لا يزكو حتى يزال عنه الدغل فكذلك النفس والأعمال لا تزكو حتى يزال عنها ما يناقضها ولا يكون الرجل متزكيا الا مع ترك الشر فإنه يدنس النفس ويدسيها قال الزجاج دساها جعلها ذليلة حقيرة خسيسة وقال الفراء دساها لأن البخيل يخفي نفسه ومنزله وماله قال ابن قتيبة أي أخفاها بالفجور والمعصية فالفاجر دس نفسه أي قمعها وخباها وصانع المعروف شهر نفسه ورفعها وكانت أجواد العرب تنزل الربى لتشهر أنفسها واللئام تنزل الأطارف والوديان فالبر والتقوى يبسط النفس ويشرح الصدر بحيث يجد الانسان في نفسه اتساعا وبساطا عما كان عليه قبل ذلك فإنه لما اتسع بالبر والتقوى والاحسان بسطه الله وشرح صدره والفجور والبخل يقمع النفس ويضعها ويهينها بحيث يجد البخيل في نفسه أنه ضيق وقد بين النبي ذلك في الحديث الصحيح فقال مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما الى تراقيهما فجعل المتصدق كلما هم بصدقة اتسعت وانبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها وأنا رأيت رسول الله يقول بإصبعه في جيبه فلو رأيتها يوسعها فلا تتسع أخرجاه وإخفاء المنزل واظهاره تبعا لذلك قال تعالى يتوارى من القوم من سوء ما بشر به الآية فهكذا النفس البخيلة الفاجرة قد دسها صاحبها في بدنه بعضها في بعض ولهذا وقت الموت تنزع من بدنه كما ينزع السفود من الصوف المبتل والنفس البرة التقية النقية التي قد زكاها صاحبها فارتفعت واتسعت ومجدت ونبلت فوقت الموت تخرج من البدن تسيل كالقطرة من في السقاء وكالشعرة من العجين قال ابن عباس ان للحسنة لنورا في القلب وضياء في الوجه وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وان للسيئة لظلمة في القلب وسوادا في الوجه وهونا في البدن وضيقا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق قال تعالى والبلد الطيب الآية وهذا مثل البخيل والمنفق قال (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره) الآية وقال (الله ولي الذين آمنوا) الآية

وقال له في سياق الرمي بالفاحشة وذم من أحب اظهارها في المؤمنين والمتكلم بما لا يعلم ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا الآية فبين أن الزكاة انما تحصل بترك الفاحشة ولهذا قال قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الآية وذلك أن ترك السيئات هو من أعمال النفس فإنها تعلم أن السيئات مذمومة ومكروه فعلها ويجاهد نفسه اذا دعته اليها ان كان مصدقا لكتاب ربه مؤمنا بما جاء عن نبيه ولهذا التصديق والايمان والكراهة وجهاد النفس أعمال تعملها النفس المزكاة فتزكو بذلك أيضا بخلاف ما اذا عملت السيئات فانها تتدنس وتدنس وتنقمع كالزرع اذا نبت منه الدغل والثواب انما يكون على عمل موجود وكذلك العقاب فأما العدم المحض فلا ثواب فيه ولا عقاب لكن فيه عدم الثواب والعقاب والله سبحانه أمر بالخير ونهى عن الشر واتفق الناس على أن المطلوب بالأمر فعل موجود واختلفوا في النهي هل المطلوب أمر وجودي أم عدمي فقيل وجودي وهو الترك وهذا قول الأكثر وقيل المطلوب عدم الشر وهو أن لا يفعله والتحقيق أن المؤمن اذا نهى عن النكر فلا بد أن لا يقربه ويعزم على تركه ويكره فعله وهذا أمر وجودي بلا ريب فلا يتصور أن المؤمن الذي يعلم أنه وجودي لكن قد لا يكون مريدا له كما يكره أكل الميتة طبعا ومع ذلك فلا بد له من اعتقاد التحريم والعزم على تركه لطاعة الشارع وهذا قدر زائد على كراهة الطبع وهو أمر وجودي يثاب عليه ولكن ليس كثواب من كف نفسه وجاهدها عن طلب المحرم ومن كانت كراهته للمحرمات كراهة ايمان وقد غمر ايمانه حكم طبعه فهذا أعلى الأقسام الثلاثة وهذا صاحب النفس المطمئنة وهو أرفع من صاحب اللوامة التي تفعل الذنب وتلوم صاحبها عليه وتتلوم وتتردد هل تفعله أم لا وأما من لم يخطر بباله أن الله حرمه ولا هو مريد له بل لم يفعله فهذا لا يعاقب ولا يثاب اذ لم يحصل منه أمر وجودي يثاب عليه أو يعاقب فمن قال المطلوب أن لا يفعل ان أراد أن هذا المطلوب يكفي في عدم العقاب فقد صدق وإن أراد أنه يثاب على هذا العدم فليس كذلك والكافر اذا لم يؤمن بالله ورسوله فلا بد لنفسه من أعمال يشتغل بها عن الايمان وترك الأعمال كفر يعاقب عليها ولهذا لما ذكر الله عقوبة الكفار في النار ذكر أمروا وجودية وتلك تددس تفس النفس ولهذا كان التوحيد والايمان أعظم ما تزكو به النفس وكان الشرك أعظم ما يدسيها وتتزكى بالأعمال الصالحة والصدقة هذا كله مما ذكره السلف قالوا في قد أفلح من تزكى تطهر من الشرك ومن المعصية بالتوبة وعن أبي سعيد وعطاء وقتادة صدقة الفطر ولم يريدوا أن الآية لم تتناول الا هي بل مقصودهم أن من أعطى صدقة الفطر وصلى صلاة العيد فقد تناولته وما بعدها ولهذا كان يزيد بن حبيب كلما خرج الى الصلاة خرج بصدقة ويتصدق بها قبل الصلاة ولو لم يجد الا بصلا قال الحسن قد أفلح من تزكى من كان عمله زاكيا وقال أبو الأحوص زكاة الأمور كلها وقال الزجاج تزكى بطاعة الله عز و جل ومعنى الزاكي النامي الكثير

وكذلك قالوا في قوله وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة قال ابن عباس لا يشهدون أن لا اله الا الله وقال مجاهد لا يزكون أعمالهم أي ليست زاكية وقيل لا يطهرونها بالاخلاص كأنه أراد والله أعلم أهل الرياء فإنه شرك وعن الحسن لا يؤمنون بالزكاة ولا يقرون بها وعن الضحاك لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة وعن ابن السائب لا يعطون زكاة من أموالهم قال كانوا يحجون ويعتمرون ولا يزكون والتحقيق أن الآية تتناول كل ما يتزكى به الإنسان من التوحيد والأعمال الصالحة كقوله هل لك الى أن تزكي وقوله قد أفلح من تزكى والصدقة المفروضة لم تكن فرضت عند نزولها فإن قيل يؤتى فعل متعد قيل هذا كقوله ثم سئلوا الفتنة لأتوها وتقدم قبلها أن الرسول دعاهم وهو طلب منه فكان هذا اللفظ متضمنا قيام الحجة عليهم بالرسل والرسل إنما يدعونهم لما تزكو به أنفسهم ومما يليق أن الزكاة تستلزم الطهارة لأن معناها معنى الطهارة قوله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم من الشر وتزكيهم بالخير قال اللهم طهرني بالماء والبرد والثلج كان يدعو به في الاستفتاح وفي الاعتدال من الركوع والغسل فهذه الأمور توجب تبريد المغسول بها والبرد يعطي قوة وصلابة وما يسر يوصف بالبرد وقرة العين ولهذا كان دمع السرور باردا ودمع الحزن حارا لأن ما يسوء النفس يوجب حزنها وغمها وما يسرها يوجب فرحها وسرورها وذلك مما يبرد الباطن فسأل النبي أن يغسل الذنوب على وجه يبرد القلوب أعظم برد يكون بما فيه من الفرح والسرور الذي أزال عنه ما يسوء النفس من الذنوب وقوله بالثلج والبرد والماء البارد تمثيل بما فيه من هذا الجنس والا فنفس الذنوب لا تغسل بذلك كما يقال أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك ولما قضى أبو قتادة دين المدين قال الآن بردت جلدته ويقال برد اليقين وحرارة الشك ويقال هذا الأمر يثلج له الصدر اذا كان حقا يعرفه القلب ويفرح به حتى يصير في مثل برد الثلج ومرض النفس اما شبهة واما شهوة أو غضب والثلاثة توجب السخونة ويقال لمن نال مطلوبه برد قلبه فان الطالب فيه حرارة الطلب وقوله خذ من أموالهم دليل على أن عمل الحسنات يطهر النفس ويزكيها من الذنوب السالفة فإنه قاله بعد قوله وآخرون اعترفوا الآية فالتوبة والعمل الصالح يحصل بهما التطهير والتزكية ولهذا قال في سياق قوله قل للمؤمنين يغضوا الآيات وتوبوا الى الله الآية فأمرهم جيمعا بالتوبة في سياق ما ذكره لأنه لا يسلم أحد من هذا الجنس كما في الصحيح ان الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا الحديث وكذلك في الصحيح أن قوله ان الحسنات يذهب السيئات نزلت بسبب رجل نال من امرأة كل شيء الا الجماع ثم ندم فنزلت ويحتاج المسلم في ذلك الى أن يخاف الله وينهى النفس عن الهوى ونفس الهوى والشهوة لا يعاقب عليه بل على اتباعه والعمل به فإذا كانت النفس تهوى وهو ينهاها كان نهيه عبادة لله وعملا صالحا وثبت عنه أنه قال المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله فيؤمر بجهادها كما يؤمر بجهاد من يأمر بالمعاصي ويدعو اليها وهو الى جهاد نفسه أحوج فإن هذا فرض عين وذاك فرض كفاية والصبر في هذا من أفضل الأعمال فإن هذا الجهاد حقيقة ذلك الجهاد فمن صبر عليه صبر على ذلك الجهاد كما قال والمهاجر من هجر السيئات

ثم هذا لا يكون محمودا فيه الا اذا غلب بخلاف الأول فإنه من يقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما ولهذا قال ليس الشديد بالصرعة الخ وذلك لأن الله أمر الانسان أن ينهى النفس عن الهوى وأن يخاف مقام ربه فحصل له من الايمان ما يعينه على الجهاد فإذا غلب كان لضعف ايمانه في كون مفرطا بترك المأمور بخلاف العدو الكفار فإنه قد يكون بدنه أقوى فالذنوب انما تقع اذا كانت النفس غير ممتثلة لما أمرت به ومع امتثال المأمور لا تفعل المحظور فإنهما ضدان قال تعالى كذلك لنصرف عنه السوء الآية وقال ان عبادي ليس لك عليهم سلطان فعباد الله المخلصون لا يغويهم الشيطان والغي خلاف الرشد وهو اتباع الهوى فإن ذلك يصرف عنه السوء والفحشاء خشية ومحبة والعبادة له وحده وهذا يمنع من السيئات فإذا كان تائبا فإن كان ناقصا فوقعت السيئات من صاحبه كان ماحيا لها بعد الوقوع فهو كالترياق الذي يدفع أثر السم ويرفعه بعد حصوله وكالغذاء من الطعام والشراب وكالاستمتاع بالحلال الذي يمنع النفس على طلب الحرام فإذا حصل له طلب ازالته وكالعلم الذي يمنع من الشك ويرفعه بعد وقوعه وكالطلب الذي يحفظ الصحة ويدع المرض وكذلك ما في القلب من الايمان يحفظ بأشباهه مما يقوم به واذا حصل منه مرض من الشبهات والشهوات أزيل بهذه ولا يحصل المرض الا لنقص أسباب الصحة كذلك القلب لا يمرض الا لنقص ايمانه وكذلك الايمان والكفران متضادان فكل ضدين فأحدهما يمنع الآخر تارة ويرفعه أخرى كالسواد والبياض حصل موضعه ويرفعه اذا كان حاصلا كذلك الحسنات والسيئات والاحباط والمعتزلة أن الكبيرة تحبط الحسنات حتى الايمان وان من مات عليها لم يكن الجبائي وابنه بالموازنة لكن قالوا من رجحت سيئاته خلد في النار والموازنة بلا تخليد قول الاحباط ما أجمع عليه وهو حبوط الحسنات كلها بالكفر كما قال ومن يرتدد منكم عن دينه الآية وقوله ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله الآية وقال ولو أشركوا الحبط عنهم ما كانوا يعملون وقال لئن أشركت ليحبطن عملك الآية وما ادعته المعتزلة مخالف لأقوال السلف فإنه سبحانه ذكر حد الزاني وغيره ولم يجعلهم كفارا حابطي الأعمال ولا أمر بقتلهم كما أمر بقتل المرتدين والمنافقون لم يكونوا يظهرون كفرهم والنبي أمر بالصلاة على الغال وعلى قاتل نفسه ولو كانوا كفارا ومنافقين لم تجز الصلاة عليه فعلم أنهم لم يحبط ايمانهم كله وقال عمن شرب الخمر لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله وذلك الحب من أعظم شعب الايمان فعلم أن ادمانه لا يذهب الشعب كلها وثبت من وجوه كثيرة يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من ايمان ولو حبط لم يكن في قلوبهم شيء منه وقال تعالى ثم أورثنا الكتاب الآية فجعل من المصطفين فإذا كانت السيئات لا تحبط جميع الحسنات فهل تبط بقدرهاوهل يحبط بعض الحسنات بذنب دون الكفر فيه قولان للمنتسبين الى السنة منهم من ينكره ومنهم من يثبته كما دلت عليه النصوص مثل قوله لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى الآية دل على أن هذه السيئة تبطل الصدقة وضرب مثله بالمرائي وقالت عائشة أبلغي زيدا أن جهاده بطل الحديث

وأما قوله أن تحبط أعمالكم وحديث صلاة العصر ففي ذلك نزاع وقال تعالى ولا تبطلوا أعمالكم قال الحسن بالمعاصي والكبائر وعن عطاء بالشرك والنفاق وعن ابن السائب بالرياء والسمعة وعن مقاتل بالمن وذلك أن قوما منوا باسلامهم فما ذكر عن الحسن يدل على أن المعاصي والكبائر تحبط الأعمال فإن قيل لم يرد الا ابطالها بالكفر قيل ذلك منهي عنه في نفسه وموجب للخلود الدائم فالنهي عنه لا يعبر عنه بهذا بل على وجه التغليظ كقوله ومن يرتد منكم عن دينه ونحوها والله سبحانه في هذه وفي آية المن سماها ابطالا ولم يسمه احباطا ولهذا ذكر بعدها الكفر بقوله ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار الآية فان قيل المراد اذا دخلتم فيها فأتموها وبها احتج من قال يلزم التطوع بالشروع فيه قيل لو قدر أن الآية تدل على أنه منهي عن ابطال بعبض العمل فابطاله كله أولى بدخوله فيها فكيف وذلك قبل فراغه لا يسمى صلاة ولا صوما ثم يقال الابطال يوجد قبل الفراغ أو بعده وما ذكره وأمر بالاتمام والابطال هو ابطال الثواب ولا نسلم أن من لم يتم العبادة يبطل جميع ثوابه بل يقال انه يثاب على ما فعل من ذلك وفي الصحيح حديث المفلس الذي يأتي بحسنات أمثال الجبال

الفصل الثالث حكم السياحة مع قطيعة الرحم[عدل]

سئل شيخ الاسلام رحمه الله تعالى عن رجل تفقه وعلم ما أمر الله به وما نهى عنه ثم تزهد وترك الدنيا والمال والأهل والأولاد خائفا من كسب الحرام والشبهات وبعث الآخرة وطلب رضا الله ورسوله وساح في أرض الله والبلدان فهل يجوز له أن يقطع الرحم ويسيح كما ذكر أم لا فأجاب الحمد لله وحده الزهد المشروع الزهد المشروع هو ترك كل شيء لا ينفع في الدار الآخرة وثقة القلب بما عند الله كما في الحديث الذي في الترمذي ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا اضاعة المال ولكن الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق بما في يدك وأن تكون في ثواب المصيبة اذا أصبت أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك لأن الله تعالى يقول لكيلا لا تأسوا على ما فتكم ولا تفرحوا بما آتاكم فهذا صفة القلب وأما في الظاهر فترك الفضول التي لا يستعان بها على طاعة الله من مطعم وملبس ومال وغير ذلك كما قال الامام أحمد انما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس وصبر أيام قلائل زهد الرسول وجماع ذلك خلق رسول الله كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول خير كلام الله وخير الهدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكان عادته في المطعم أنه لا يرد موجودا ولا يتكلف مفقودا ويلبس من اللباس ما تيسر من قطن وصوف وغير ذلك وكان القطن أحب اليه وكان اذا بلغه أن بعض أصحابه يريد أن يعتدي فيزيد في الزهد أو العبادة على المشروع ويقول أينا مثل رسول الله يغضب لذلك ويقول والله اني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدود الله تعالى وبلغه أن بعض أصحابه قال أما أنا فأصوم فلا أفطر وقال الآخر أما أنا فأقوم فلا أنام وقال آخر أما أنا فلا أتزوج النساء وقال الآخر أما أنا فلا آكل اللحم فقال لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني فأما الاعراض عن الأهل والأولاد فليس مما يحبه الله ورسوله ولا هو من دين الأنبياء بل قد قال تعالى ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية والانفاق على العيال والكسب لهم يكون واجبا تارة ومستحبا أخرى فكيف يكون ترك الواجب أو المستحب من الدين أنواع السياحة وأحكامها وكذلك السياحة في البلاد لغير مقصود مشروع كما يعانيه بعض النساك أمر منهى عنه قال الامام أحمد ليست السياحة من الاسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين وأما السياحة المذكورة في القرآن من قوله التائبون العابدون الحامدون السائحون ومن قوله مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدت سائحات ثيبات وأبكارا فليس المراد بها هذه السياحة المبتدعة فان الله قد وصف النساء اللآتي يتزوجهن رسوله بذلك والمرأة المزوجة لا يشرع لها أن تسافر في البراري سائحة بل المراد بالسياحة شيئان أحدهما الصيام كما روى عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن النبي أنه قال الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وان في الجسد مضعة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب متفق عليه لكن اذا ترك الانسان الحرام أو الشبهة بترك واجب أو مستحب وكان الاثم أو النقص الذي عليه في الترك أعظم من الاثم الذي عليه في الفعل لم يشرع ذلك كما ذكر أبو طالب المكي وأبو حامد الغزالي عن الامام أحمد بن حنبل أنه سئل عمن ترك ما لا شبهة فيه وعليه دين فسأله ولده أترك هذا المال الذي فيه شبهة فلا أقضيه فقال له اتدع