الجامع لأحكام القرآن/المقدمة/باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه وثواب من قرأ القرآن معربا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه وثواب من قرأ القرآن مُعْربا


قال أبو بكر بن الأنباري : جاء عن النبي وعن أصحابه وتابعيهم رضوان الله عليهم - من تفضيل إعراب القرآن والحض على تعليمه وذم اللحن وكراهيته - ما وجب به على قراء القرآن أن يأخذوا أنفسهم بالاجتهاد في تعلمه.

من ذلك ما حدثنا يحيى بن سليمان الضبي قال حدثنا محمد : - يعني ابن سعيد - قال حدثنا أبو معاوية عن عبدالله بن سعيد المقبري عن أبيه عن جده عن أبي هريرة أن النبي قال : " أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه" . حدثني أبي قال حدثنا إبراهيم بن الهيثم قال حدثنا آدم يعني ابن أبي إياس قال حدنا أبو الطيب المرزوي قال حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله  : " من قرأ القرآن فلم يعربه وكل به ملك يكتب له كما أنزل بكل حرف عشر حسنات فإن أعرب بعضه وكل به ملكان يكتبان له بكل حرف عشرين حسنة فإن أعربه وكل به أربعة أملاك يكتبون له بكل حرف سبعين حسنة" وروى جويبر عن الضحاك قال قال عبدالله بن مسعود : جودوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات وأعربوه فإنه عربي والله يحب أن يعرب به. وعن مجاهد عن ابن عمر قال : أعربوا القرآن. وعن محمد بن عبد الرحمن بن زيد قال قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما : لبعض إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ حروفه. وعن الشعبي قال قال عمر رحمه الله : من قرأ القرآن فأعربه كان له عند الله أجر شهيد. وقال مكحول : بلغني أن من قرأ بإعراب كان له من الأجر ضعفان ممن قرأ بغير إعراب. وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله  : "أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي" . وروى سفيان عن أبي حمزة قال : قيل للحسن في قوم يتعلمون العربية قال أحسنوا يتعلمون لغة نبيهم وقيل للحسن : إن لنا إماما يلحن قال : أخروه.

وعن ابن أبي ملكية قال : قدم أعرابي في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : من يقرئني مما أنزل على محمد قال : فأقرأه رجل براءة فقال إن الله بريء من المشركين ورسوله بالجر فقال الأعرابي أو قد برئ الله من رسوله فإن يكن الله بريء من رسوله فأنا أبرأ منه فبلغ عمر مقالة الأعرابي فدعاه فقال يا أعرابي أتبرأ من رسول الله فقال : يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن فسألت من يقرئني فأقرأني هذا سورة براءة فقال إن الله بريء من المشركين ورسوله فقلت أو قد بريء الله من رسوله إن يكن الله بريء من رسوله فأنا أبرأ منه فقال عمر : ليس هكذا يا أعرابي قال فكيف هي يا أمير المؤمنين قال {إن الله بريء من المشرِكين ورسولُه} فقال الأعرابي وأنا والله أبرأ مما بريء الله ورسوله منه فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألا يقريء الناس إلا عالم باللغة وأمر أبا الأسود فوضع النحو.

وعن علي بن الجعد قال سمعت شعبة يقول : مثل صاحب الحديث الذي لا يعرف العربية مثل الحمار عليه مخلاة لا علف فيها وقال حماد بن سلمة من طلب الحديث ولم يتعلم النحو - أو قال العربية - فهو كمثل الحمار تعلق عليه مخلاة ليس فيها شعير قال ابن عطية : إعراب القرآن أصل في الشريعة لأن بذلك تقوم معانيه التي هي في الشرع .

قال ابن الأنباري : وجاء عن أصحاب النبي وتابعيهم رضوان الله عليهم من الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله باللغة والشعر ما بين صحة مذهب النحويين في ذلك وأوضح فساد مذهب من أنكر ذلك عليهم من ذلك ما حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزاز قال حدثنا ابن أبي مريم قال أنبأنا ابن فروخ قال أخبرني أسامة قال أخبرني عكرمة ابن عباس قال : إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب وحدثنا إدريس بن عبد الكريم قال حدثنا خلف قال حدثنا حماد بن زيد عن علي بن زيد بن جدعان قال سمعت سعيد بن جبير ويوسف بن مهران يقولان : سمعنا ابن عباس يسأل عن الشيء بالقرآن فيقول فيه هكذا وهكذا أما سمعتم الشاعر يقول كذا وكذا وعن عكرمة عن ابن عباس وسأله رجل عن قول الله جلّ وعزّ : {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قال : لا تلبس ثيابك على غدر ؛ وتمثل بقول غيلان الثقفيّ :

فإني بحمد الله لا ثوب غادر ... لبست ولا من سوءة أتقنع

وسال رجل عكرمة عن الزنيم قال : هو ولد الزنى ؛ وتمثل ببيت شعر :

زنيم ليس يعرف من أبوه ... بغيّ الأم ذو حسب لئيم

وعنه أيضا الزنيم : الدعي الفاحش اللئيم ثم قال :

زنيم تداعاه الرجال زيادة ... كما زيد في عرض الأديم الأكارع

وعنه في قوله تعالى : {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} قال : ذواتا ظل وأغصان الم تسمع إلى قول الشاعر :

ما هاج شوقك من هديل حمامة ... تدعو على فنن الغصون حماما

تدعو أبا فرخين صادف طائرا ... ذا مخلبين من الصقور قطاما

وعن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى : {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} قال : الأرض قاله ابن عباس وقال أمية بن أبي الصلت : (عندهم لحم بحر ولحم ساهرة) قال ابن الأنباري والرواة يروون هذا البيت :

وفيها لحم ساهرة وبحر ... وما فاهوا به لهم مقيم

وقال نافع بن الأزرق لابن عباس : أخبرني عن قول الله جل وعز : {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} ما السنة ؟ قال : النعاس ؛ قال زهير بن أبي سلمى :

لا سنة في طوال الليل تأخذه ... ولا ينام ولا في أمره فند

الجامع لأحكام القرآن - المقدمة
مقدمة المؤلف | باب ذكر جمل من فضائل القرآن والترغيب فيه وفضل طالبه وقارئه ومستعمله والعامل به | باب كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى وما يكره منها وما يحرم واختلاف الناس في ذلك | باب تحذير أهل القرآن والعلم من الرياء وغيره | باب ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به ولا يغفل عنه | باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه وثواب من قرأ القرآن مُعْربا | باب ما جاء في فضل تفسير القرآن وأهله | باب ما جاء في حامل القرآن ومن هو وفيمن عاداه | باب ما يلزم قارىء القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته | باب ما جاء من الوعيد في تفسير القرآن بالرأي والجرأة على ذلك ومراتب المفسرين | باب تبيين الكتاب بالسنة وما جاء في ذلك | باب كيفية التعلم والفقه لكتاب الله تعالى وسنة نبيه وما جاء أنه سهل على من تقدم العمل به دون حفظه | باب معنى قول النبي إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه | فصل قال كثير من علمائنا كالداودي وابن صفرة وغيرهما | فصل في ذكر معنى حديث عمر وهشام | باب ذكر جمع القرآن وسبب كتب عثمان المصاحف وإحراقه ما سواها | فصل في فعل عثمان رضي الله عنه | فصل وقد طعن الرافضة قبحهم الله تعالى في القرآن | باب ما جاء في ترتيب سور القرآن وآياته وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره وعدد حروفه وأجزائه وكلماته وآيه | فصل وأما شكل المصحف ونقطه | فصل وأما وضع الأعشار | فصل وأما عدد حروفه وأجزائه | باب ذكر معنى السورة والآية والكلمة والحرف | باب هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب أولا | باب ذكر نكت في إعجاز القرآن وشرائط المعجزة وحقيقتها | فصل إذا ثبت هذا فاعلم أن المعجزات على ضربين | باب التنبيه عن أحاديث وضعت في فضل سور القرآن وغيره | باب ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن وخالف مصحف عثمان بالزيادة والنقصان