البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/فصل الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السماوات بيمينه

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
البداية والنهايةكتاب الفتن والملاحم – فصل الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السماوات بيمينه​ المؤلف ابن كثير



فصل ( الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السماوات بيمينه)


قال في حديث الصور: «فإذا لم يبق إلا الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، كان آخرا كما كان أولا، طوى السماوات والأرض كطي السجل للكتاب، ثم دحاهما، ثم تلقفهما ثلاث مرات، وقال: أنا الجبار. ثلاثا، ثم ينادي: لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول تعالى مجيبا لنفسه: لله الواحد القهار».

وقد قال تعالى: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [الزمر: 67]. وقال تعالى: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين. وقال تعالى: لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ص:337] [غافر: 15، 16].

وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة، أن رسول الله قال: «يقبض الله تعالى الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون».

وفيهما عن ابن عمر: أن رسول الله قال: «إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين، وتكون السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك».

وفي " مسند أحمد "، وصحيح مسلم، من حديث عبيد الله بن مقسم، عن ابن عمر: أن رسول الله قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [الزمر: 67]. ورسول الله يقول هكذا بيده، ويحركها، يقبل بها ويدبر " يمجد الرب نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم " فرجف برسول الله المنبر، حتى قلنا: ليخرن به. وهذا لفظ أحمد، وقد ذكرنا الأحاديث المتعلقة [ص:338] بهذا المقام عند تفسير هذه الآية من كتابنا " التفسير " بأسانيدها وألفاظها، بما فيه كفاية، ولله الحمد.

قال في حديث الصور: «ويبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها، ويسطحها، ويمدها مد الأديم العكاظي، إلى آخر الكلام، كما تقدم، قال تعالى: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات [إبراهيم: 48]» الآية.

وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: سئل رسول الله : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسماوات؟ فقال: «هم في الظلمة دون الجسر».

وقد يكون المراد بذلك تبديلا آخر غير هذا المذكور في هذا الحديث، وهو أن تبدل معالم الأرض فيما بين النفختين; نفخة الصعق، ونفخة البعث، فتسير الجبال وتمد الأرض، ويبقى الجميع صعيدا واحدا، لا اعوجاج فيه ولا روابي ولا أودية، كما قال تعالى: ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا [طه: 105 - 107]. أي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع. وقال تعالى: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون [النمل: 88] وقال تعالى: وسيرت الجبال فكانت سرابا [النبإ: 20]. وقال تعالى: وتكون الجبال كالعهن المنفوش [القارعة: 5]. وقال تعالى: [ص:339] وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [الحاقة: 14]. وقال تعالى: ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف: 47] الآيات.