الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس/يوسف المنتصر بالله
وكلّ من ولّى بلدا عمل فيه برائه واستبدّ فيه بأمره فضعفت دولة الموحدين فى أيامه واعتراها النقص وأخذت فى الإدبار إلا أنّ أيامه كانت أيام هدنة ودعة وعافية، فلما كبر واشتغل بأمره ونهيه واستبدّ بملكه جعل يفرق أعمامه وحواليه الذين أقاموها وأشياخ الموحدين الذين أسّسوها وقرّب أناسًا وتمسّك بهم لم يكن لهم أصل فيها فبعث إلى الأندلس أبا محمّد عبد الله بن المنصور وولّاه بالنسية وشاطبة وولّى عمّه أبا محمّد عبد الله بن المنصور مرسية ودانية وأحوازها وبعث معه الشيخ أبا زيد بن برجان وكان من أشياخ الموحدين ودهاتهم وبعث عمّه أبا العلا الكبير إلى إفريقية لمدافعة المايورقىّ وأبو العلا هو الذى بنى البرجين الذين على باب المهدية وحصنها وهو الذى بنى برج الذهب بإشبيلية أيام ولايته عليها فى حياة أبيه فأقام بإفريقية مدّة ثمّ عزله عنها وولّى مكانه عليها الشيخ أبا محمّد عبد الله بن أبى حفص، وفى سنة أربع عشرة وستّ مائة هزم المسلمون بقصر أبي دانس وهي من الهزائم الكبار التي تقرب هزيمة العقاب لأنّ العدوّ كان قد نزل قصر أبي دانس وحاصره فخرج جيش إشبيلية وجيش قرطبة وجيش جيان وحشود بلاد غرب الأندلس بأمر أمير المؤمنين يوسف المنتصر لإعانته واستنقاذه فساروا نحوهم فلم تجتمع العين بالعين إلا والمسلمون قد خامر قلوبهم الرعب وولّوا الأدبار وأخذوا في الفرار لما كان سبق لهم من الرعب فى هزيمة العقاب وكان العدوّ قد تكالب وقوى واستأنس فركبوهم بالسيف وقتلوهم عن آخرهم ورجع الفنش إلى قصر أبي دانس فحاصره حتّى دخله بالسيف وقتل كلّ من به من المسلمين، وفي سنة عشرين وستّ مائة توفّي أمير المؤمنين يوسف بمرّاكش وكانت وفاته فجأة ضربته بقرة بقرنها على قلبه فمات من حينه لأنه كان مولعا بالبقر والخيل كان يوتى بالبقر من الأندلس فينتجها في رياضه الكبير من حضرة مرّاكش فخرج فى عشى اليوم الذي توفّي فيه لينظر إليهن وكان قد ركب فينشا فمشى به بين البقر فقصدت إليه بقرة منهن كانت شرودة فضربته فمات من حينه وذلك فى عشية يوم السبت الثاني عشر لذي حجّة سنة عشرين وستّ مائة وتوفّي ولم يعقب إلا حملًا من جارية ولم يخرج من حضرة مرّاكش طول خلافته إلى أن توفّي وكانت أوامره لا تتمثّل أكثرها لضعفه وليانته وإذامته على الخلافة وركونه إلى اللذات وتفويضه أمور مملكته ومهمّات أموره إلى السفلة، أيامه فى الملك ثلاثة آلاف يوم وستّ مائة يوم وخمسة وعشرون يومًا يجب لها من السنين عشرة أعوام وأربعة أشهر ويومان أوّلها يوم الأربعاء الحادي عشر لشعبان المكرّم من سنة عشر وستّ مائة وهو اليوم الذى بويع فيه وآخرها يوم السبت الثاني عشر لذي حجّة سنة عشرين وستّ مائة حكاه من شاهد موته ممن أدركه من الثقات.
الخبر عن دولة أمير المؤمنين أبى محمد عبد الواحد المخلوع رحمه الله تعالى
هو أمير المؤمنين أبو محمّد عبد الواحد بن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن بن علىّ الكومي الموحد بايعه أشياخ الموحدين على كره منه بقبّة المنصور من قصبة مرّاكش وذلك فى ضحى يوم الأحد الثالث عشر من ذي حجّة سنة عشرين وستّ مائة وهو يومئذ فى سنّ الشيخوخة فكانت خلافته منسوخة وكان رجلا صالحا فاضلا متورّعا فاستقام له الأمر شهرين وخطب له في جميع طاعة الموحدين ما عدا مرسية فإنّ ابن أخيه السيد أبو محمّد الملقّب بالعادل كان واليا عليها وكان وزيره بها الشيخ أبو زيد بن برجان المعروف بالأصفر وكان أحد دهاه الموحدين كان المنصور إذا رآه يستعيذ بالله من شرّه ويقول ما ذا يجرى على يدك من الفتن يا أصفر فلما وصلته بيعة أمير المؤمنين أبي محمّد عبد الواحد إلى مرسية قال أبو زيد بن برجان للسيد أبي محمّد المنصور إِياكَ أن تبايع لعبد الواحد فإنّك أحقّ بالخلافة وأقرب إليها منه أنت ولد المنصور وأخو الناصر وعمّ المستنصر ولك الحزم والعقل الراجح والكرم وحسن السياسة وإصابة الرأي ولو دعوت الموحدين إلى بيعتك لم يتخلّف عليك اثنان وبادر إلى فسخ أمره قبل التمكين فخرج السيد أبو محمّد من فوره ذلك إلى مجلس حكمه وبعث إلى من بمرسية وأحوازها من الموحدين والفقهاء والأشياخ يدعوهم إلى بيعته فبايعوه ثم كتب إلى أخيه السيد أبي العلا وإلى إشبيلية يدعوه إلى بيعته فبايعه وأخذ له البيعة على أهل إشبيلية ومن فيها من الموحدين وامتنع سائر البلاد عن بيعته فلما رأى العادل أنّ الناس قد سبقوا إلى بيعة عبد الواحد كتب إلى أشياخ الموحدين الذين بحضرة مراكش يدعوهم إلى بيعته وخلع عبد الواحد ووعدهم على ذلك بالأموال الجزيلة والمنزلة الرفيعة والولايات العظيمة فسارعوا إلى ما دعاهم إليه فدخلوا على أمير المؤمنين عبد الواحد فهدّدوه وخوّفوه بالقتل إلّا لن يخلع نفسه ويبايع للعادل فأجابهم إلى ذلك