انتقل إلى المحتوى

الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس/عبد المومن بن على الكومى الزناتي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: الصفحات 119–132
 

الخبر عن دولة خليفة أمير المومنين أبى محمد عبد المومن بن على الكومى الزناتي

هو ابو محمد عبد المؤمن بن علي بن يعلا بن مروان بن نصر بن علي بن عامر بن الامير بن موسى بن عون الله یحیی بن ورجائع بن سطفون بن نفور بن مطاط بن هود بن مادغيس بين بربر بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن عدنان هكذا أثبت نسبته جماعة المؤرخين لدولته وأصله منقول من خط حفيده الى محمد عبد الواحد على ما ذكروه والله أعلم فهو زناتي الاصل وكان والده علي فخارا يعمل النوابيخ وكان عبد المومن قد تطلب من صغره ولازم المساجد لدرس القرءان فقربه المهدي حين أقبل إلى المغرب فضمه اليه لما أراد الله تعالى من أمره والذي ثبت من خبره انه رجل زناتي الأصل من كومية هنين من موضع يعرف بتاجرا على ثلاثة أميال من مرسى هنين وزعم بنوا عبد المومن أن المهدى كان استخلفه بعده فلما توفي المهدى بويع عبد المؤمن بيعة خاصة بايعه العشرة اصحاب المهدى واخفوا موته واجتمعوا على بيعة عبد المومن لاختصاص المهدى له وثباته عليه وقوله فيه

تجمعت فيك اشياء خصصت بها
فكلنا بك مسرور ومُغتبط
لسن ضاحكة والكف محنة
والصدر متسع والوجه منبسط

الى ما كان من تقديمه الصلاة وما يعرفونه من فضله وعلمه ودينه وحزمه وبسالته وشجاعته وحسن سیاسته ورجاجة عقله وقيل لما مات المهدى تشوف كل واحد من العشرة إلى الخلافة بعده وكانوا من قبائل شتى واحبت كل قبيلة من قبائل الموحدين أن تكون الخلافة منها وان لا يلى عليها غيرها فتنافسوا في ذلك وتحاسدوا فاجتمع العشرة والخمسون وتوامروا بينهم وخافوا النفاق وأن تفسد كلمتهم ويتفرق جمعهم فاتفقوا على خلافة عبد المومن لكونه غريبا بينهم ليس منهم مع ما كانوا يرون من ميل المهدى اليه وثباته عليه فبايعوه وذكر ابن صاحب الصلاة في كتاب المن بالامامة أن المهدي الموحد لما توفى خفى موته ولم يعلم به أحد الا عبد المومن واصحابه العشرة فبقى موته مكتوما ثلاث سنين وهم يدبرون الأمور وذلك بسياسة ظهرت لعبد المومن في ذلك الوقت فانه لما توفى المهدى عمد إلى شبل أسد وطائر فرباهما ودرّبهما فى ما أراد فانس الاسد بنفسه فكان الاسد إذا رءاه ربض في يده وبصبص له وعلم الطائر النطق باللسان العربي فكان يقول النصر والتمكين للخليفة عبد المومن أمير المومنين فلما كمل ما أراد من ذلك أمر أشياخ الموحدين وقبائلهم أن يحضروا مجلسه فامر قضربت له قبة كبيرة بجامع تينمال وفرش له فى وسطها وجعل الطير على عمود القبة وأمر سائس الاسد ان ياتي به اذا غص المجلس بالموحدين فيطلقه بينهم فلها أجتمع قام عبد المومن خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وترضى عن الصحابة وعن الامام المهدى وترحم عليه وأعلمهم بموته ونعاء لهم وعزاهم فيه فكثر البكاء منهم وارتفع الصجيج فقال لهم أن الامام قد سار الى ما عند الله ووجد خيرا مما ترك فكونوا في انفسكم وانظروا فيمن تولونه أمركم وتجمع عليه كلمتهم بعده ولا تفرقوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ويختل ويتفرق جمعكم ويتمكن منكم عدوّكم فتوامر اشياخ الموحدين في تلك الحال واذا بسائس الاسد قد أطلقه ومعلم الطائر قد صفر له فقال الطير عند ذلك بلسان فصيح النصر والفتح والتمكين لسيدنا الخليفة عبد المومن أمير المومنين وأما الاسد فانه لما اطلقه سائسه ورءا الناس زهوه وضرب بذنبه وكشف عن أنيابه ففر الناس منه يمينا وشمالا وبقي عبد المومن بمكانه قاعدا لم يتحرك فلما بصر به الأسد بصبص بذنبه وقصد نحوه حتى بصبص بين يديه فجر عبد المومن يده عليه وسكنه فلما ردا الموحدون فعل الاسد وسمعوا كلام الطائر اتفقوا على تقديم عبد المومن وقالوا ما على هذا مزيد وليس أحد أولى بخلاقة الامام المهدى من عبد المومن الذي ظهرت له هذه الكرامات يدعوا له الطائر ويبصبص بين يديه الاسد ويستخلفه الامام للصلاة وهي اصل الاسلام فنقدمه نحن للخلافة ونقتدى في ذلك بفعل اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والصدر الاول من هذه الامة في تقديم أبى بكر رضى الله عنه لمسابقته وفضله وعلمه ولكون النبي صلى الله عليه وسلم قدمه للصلاة في مرضه وكان فيهم من هو أقرب له نسبا منه فبايعوه وتمت له البيعة ويقال أنه لما بصبص الاسد بين يديه جر يمينه المبارك عليه وأمره بالرجوع فرجع مطيعا لامره ولو قدر على الكلام لنطق بثنائه وشكره فظهر له فى ذلك المقام ما شاع فى الافاق وخلد في بطون الأوراق وأثبت له من عجائب الاتفاق وفي ذلك يقول أبو على

انس
انس الشبل ابتهاجا بالاسد
ورءا شبة ابيه فقصد
ودعا الطائر بالنصر لكم
فقضى حقكم لما وفد
انطق الخائف مخلوقاته
بالشاهدة فكل قد شهد
انك الــقــانـم بالامر له
بعد ما طال على الناس آمد

وكانت بيعة عبد المومن يوم الخميس الرابع عشر لشهر رمضان المعظم من سنة أربع وعشرين وخمس مأنة وهي البيعة الخاصة التي بايعه عشرة من أصحاب المهدي وبويع بيعته العامة یوم الجمعة الموفى عشرين لربيع الأول من سنة ستّ وعشرين وخمس مائة بعد وفاة المهدي بسنتين بجامع تينمال بعد صلاة الجمعة من اليوم المذكور وأول من بايعه العشرة اصحاب المهدي ثم الخمسون من أشياخ الموحدين ثم كافة الموحدين لم يختلف عن بيعته أحد منهم وكانت بيعتهم له في طالع سعيد سعدوا بها وانقطعت دولة لمتونة فافناهم بالقتل والجلا وفتح المغرب باسره ثم فتح بلاد أفريقية وفتح جميع بلاد الاندلس باسرها وخطب له على منابر هذه الاقاليم كلها ولما تمت البيعة واستوثق له أمر الموحدين اخذ فى الحركة الى جهاد أعدائه وقتال اهل الزيغ والعناد عن طاعته وافتتاح البلاد فكان أوّل غزوة غزاها في خلافته غزوة تادلا خرج لها من تينمال الخميس الرابع والعشرين لربيع الأول من سنة ستّ وعشرين وخمس مائة في ثلاثين الغا من الموحدين حتى وصل تادلا فغنمها وسبى أهلها وانصرف ثم غزا بعدها بلاد درعة ففتحها ثم غزا بلاد تيغر ففتحتها ثم غزا بلاد فزان وبلاد غياثة ثم خرج الى غزوته الطويلة وذلك في شهر صفر من سنة أربع وثلاثين فلم يزل فيها يفتح البلاد ويمهدها ويغزوا القبائل الى سنة إحدى وأربعين وخمس مائة وكان أول بلد فتحه في هذه الغزوة بلاد تازا وجبال غياثة واستمرت الحروب بين عبد المومن والمرابطين من يوم بويع إلى أن تولى على بن يوسف بن تاشفين وولي بعده ولده تاشفین فاستمر الحال بينهما في الحرب إلى أن مات تأشفين بن على بعد أن قام عبد المومن بن على بكرنطة عامين اتنين وتاشفين بن على بازائه يباكره بالحرب وبراوحه ثم ارتحل عبد المومن إلى جبال غمارة فارتحل تأشفين في أثره فنزل بوادي تبليط بازاء عين القديم وذلك في فصل الشتاء فاقام بذلك المنزل شهرين حتى أحرق أهل محلته أوتاد اخبيتهم ورماحهم وهدم بيوتهم وخيامهم ثم ارتحل عبد المومن الى جهة تلمسان وارتحل تاشفين واطوى المراحل حتى دخل تلمسان قبله فضبطها وحصنها واتى عبد المومن بجنود الموحدين فنزلوا عليها بين الصخرتين فلم يزل الحرب بينهما إلى أن رحل عبد المومن إلى وهران وترك جيشا من الموحدين يحاصر تلمسان فخرج تاشفين من تلمسان في خاصة من قومه واستخلف عليه بعض المرابطين وسار لحماية وهران فوقعت به ومكنه من حقة على البحر بالليل فمات ففتح عبد المومن وهران وتلمسان وذلك في شهر رمضان من سنة تسع وثلاثين وخمس مائة قاله صاحب المن بالامامة، قال ابن مطروح القيسي لما بويع عبد المومن بنينمال ارتحل بجيوش الموحدين نحو مدينة مراكش وذلك في شوال سنة ست وعشرين المذكورة فقاتلها أياما ثم ارتحل عنها إلى تادلا ففتحت ثم سار إلى درعة ففتحها ثم ارتحل إلى مدينة سلا ففتحها وتلقى اهلها تابعين وسامعين فدخلها يوم السبت الرابع والعشرين لذى الحجة سنة ست وعشرين المذكورة وخطب له بها وفى سنة سبع وعشرين تسمى بامير المومنين وفي سنة تسع وعشرين فتح بلاد تازا وفى سنة ثمان وعشرين امر ببناء رباط تازا وأقام يحارب تاشفين بن على من سنة ثلاثين الى سنة تسع وثلاثين إلى أن حاصره بتلمسان فلما أن ضاق يه الحصار خرج منها إلى وهران فسار عبد المومن في أثره فحاصره بوهران وترك جيشا من الموحدين محاصرا لتلمسان فلما اشتد الأمر على تاشفين خرج في جمع من جنوده من وهران بالليل ليضرب في محلة عبد المومن وكان ليلة مظلمة فتردی به فرسه من شاهق الجبل فمات فاصبح ميتا بساحل البحر فقطع رأسه وحمل الى عبد المومن فامر به يحمل الى تينمال فصلب بها على شجرة صفصاف عالية ودخل عبد المومن وهران عنوة وذلك في شهر محرم من سنة أربعين وخمس مائة وفي شهر صفر دخل تلمسان وملكها الموحدون وفر عنها لمتونة الى كادير فحصروا بها الى سنة أربع وأربعين فدخلها الموحدون عليهم عنوة وقال البرنوسی فتح تلمسان سنة تسع وثلاثين ولما فتح مدينة تلمسان بعث الى الاندلس جيشا من عشرة ألاف فارس من أجناد الموحدين فنزلوا بساحل الخضراء فكان أوّل بلد فتحوه من الاندلس مدينة شربش فتحوها صلحا كان بها قائدها ابو القمر من بني غانية في ثلاث مائة فارس من المرابطين فخرج بمن معه فتلقى الموحدين وبايعهم لعبد المومن فدخل في طاعته فكان الموحدون يسمونهم السابقين الأولين وحررت أموالهم ولم تزل املاكهم محررة الى انقضاء أيامهم فليس في أملاكهم رباعة وجميع بلاد الاندلس مربعة وكان ملوك الموحدين اذا قدم عليهم وفود بلاد الاندلس للسلام في كل سنة أوّل من ينادى من أهل البلاد أهل شريش فيقال أين السابقون أهل الشريش يدخلون للسلام فاذا سلموا وقضيت حوائجهم وانصرفوا فحينئذ يدخل غيرهم وكان فتح شريش فى أول يوم من ذي حجة من سنة تسع وثلاثين وخمس مائة وقال ابن فرحون دخل الموحدون الاندلس في شهر ذي حجة سنة تسع وثلاثين وخمس مائة فنزلوا بجزيرة طريف وكان الامير عليهم الشيخ أبو عمران موسى بن سعيد فدخلوا طريف طوعا من أهلها ثم أرسل اليه أهل الجزيرة الخضراء فدخلها عليهم يوم النحر وهرب عنها المرابطون الى اشبيلية ، وفى سنة أربعين وخمس مائة فتح عبد المومين مدينة فاس بعد الحصار الشديد وقطع عنها النهر الداخل اليها بالالواح والخشب والبناء حتى انحصر الماء فوقها في الوطا فوصل الى مركزه تم خرقه فهبط الماء عليهم دفعة واحدة فهدم سورها وهدم من دورها ما يزيد على الفى دار وهلك به خلف كثير وكاد الماء ان ياتي على اكثرها فدخل عبد المومن فاس وأمن اهلها الا من بها من المرابطين فانه لم يمض اليهم أمانا وقتلهم قنلة كفر وأمر بسور المدينة فهدم فيه ثلمات كثيرة ومسافات وقال أنا لا تحتاج الى سور وانما الاسوار سيوفنا وعدلنا فلم تزل مدينة فاس لا سور لها حتى بناه حفيده المنصور هات وقد شرع في بنائه فتمه ولده محمد الناصر في سنة ستّ مانة، وفى هذه السنة فتحت مدينة اشبيلية وملكها الموحدون وخطب بها لعبد المومن بن على وفيها فتحت مدينة ملقا وفيها أمر امير المومنين عبد المومن ببناء سور تجرارت من تلمسان وبنا جامعها وتحصن المدينه وأعلا سورها وفيها فتحت بلاد دكله، ثم دخلت سنة أحدى واربعين فى نصف شهر محرم منها دخل عبد المومن مدينة أغمات صلحا دون قتال وفى آخر ربيع منها دخل الموحدون مدينة طنجة وفر عنها المرابطون وفي الثامنة عشر من شهر شوال منها وهو يوم السبت فتح عبد المومن مدينة مراكش بعد حرب عظيم وهزائم كثيرة على المرابطين وقبض على أميرها اسحاق بن على بن يوسف بن تاشفين فقتله عبد المومن وفي هذا الشهر وفدت جميع قبائل المصامدة باسرها واستوثق أمر المغرب لعبد المومن بن على ولم يبق له منازع ، ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة فيها خرج على أمير المومنين عبد المومن بن على الماسي وتسمى بالهادي واسمه محمد بن هود بن عبد الله وكان قصارا بمدينة سلا وكان أبوه دلالا يبيع الكنابش خرج على عبد المومن بعد أن حضر معه فتح مراكش وبايعه فغلب على بلاد تامسنا وأكثر بلاد المصامدة فبايعه جميع القبائل حتي لم يبق تحت طاعة عبد المومن الا مراكش فبعث اليه عبد المومن الشيخ أبا حفص فى جيش عظيم من الموحدين فارتحل عن مراكش فى أول يوم من ذي قعدة عام اتنين وأربعين المذكور وخرج معه عبد المومن مشيّعًا حتى وصل تانسيفت ثم ودعهم ودعا لهم وانصرفوا فالتقوا بالماسي الخارج ببلاد تامسنا فكانت بينهم حروب عظيمة قتل فيها الماسي فتله الشيخ أبو حفص بيده وهزم عسكره وذلك في شهر ذى حجة عام اثنين وأربعين المذكور فسمى الموحدون الشيخ ابا حفص سيف الله تشبيها بخالد ابن الوليد رضي الله عنه وفي هذه السنة وقد أهل أشبيلية بالبيعة على أمير المؤمنين عبد المومن بن علي فوجدوه مشغولا بحرب الماسي محمد بن هود بن عبد الله فاقاموا عنده بمراكش سنة ونصف لم بروه حتى لقوه بالمصلى يوم عيد الاضحى وفيهم القاضي أبو بكر بن العربي فسلموا عليه سلام جماعة ثم بعد ذلك دخلوا عليه فسلموا وقبلت بيعتهم وسأل عبد المومن القاضى أبا بكر بن العربي عن المهدي هل كان لقيه عند الامام ابى حامد الغزالي أم لا فقال له ما لقيته ولاكني سمعت به فقال له مما كان أبو حامد يقول فيه قال كان يقول أن هذا البربري لا بد سيظهر تم صرف الوفود الى اشبيلية وكتب لهم منشورا بتحرير أملاكهم فانصرفوا عنه في جمادى الآخرة سنة ثلاث واربعين، ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين فيها ارتحل عبد المومن بن على إلى سجلماسة فدخلها وا من أهلها ثم رجع إلى مراكش فاقام بها اياما وخرج الى غزو برغواطة فكانت بينه وبينهم حروب عظيمة هزم فيها عبد المومن ثم كانت الكرة عليهم فاجال عليهم السيف ولم يبق منهم الا من لم يبلغ الحلم وفى خلال هذه الاحوال قام اهل سبتة على الموحدين بعد أن بايعوهم ومكنوهم من المدينة وكان قيامهم عليهم براي قاضیهم عياض بن موسى فقتلوا من بها من الموحدين وعمالهم وحرقويم بالنار وركب عياض البحر إلى ابن غانية بالبيعة وطلب منه واليا فارسل معه الصخراوي فدخلها واقام بها أياما فلما سمع برغواطة بخروج عبد المومن اليهم كتب للصحراوى والى سبته يستنصرون به فاتاهم فبايعوه واجتمعوا عليه وقاتلوا عبد المومن وهزموه ثم كانت له الكرة عليهم فهزمهم وقتلهم وسباهم فهرب الصخراوى وارسل الى عبد المومن يطلب منه الامان فامنه فاتاه وبايعه وحسنت طاعته فلما رءا ذلك اهل سبتة سقط في أيديهم وندموا على صنعهم وكتبوا ببيعتهم إلى عبد المومن وأتاه بها أشياخ المدينة وطلبتها تائبين فعفا عنهم وعن القاضي عياض وأمره بسكنى مراكش وأمر بهدم سور مدينة سبتة فهدم ، وفيها فتحت مدينة مكناسة بعد حصار سبعة أعوام فدخلت عنوة بالسيف وذلك يوم الاربعاء الثالث لجمادى الأولى سنة ثلاث واربعين المذكورة وخربت وقتل أكثر رجالها وخمست أموالهم وبقيت تاجرارت المدينة الى الآن وفيها فتحت مدينة مدينة قرطبة وملكها الموحدون أعطاها لهم واليها يحيى بن عليّ بن ماشة وخرج منها الى غرناطة ليكلم عاملها اللمتونى في تمكينها للموحدين اذ كان هو قد ملّكهم من قرطية وقرمونة فتوقى بغرناطة وذلك يوم الجمعة الرابع والعشرين من شعبان سنة ثلاث واربعين وخمس مائة ودفن بالقصبة بازاء قبر باديس بن حبوس وفي هذه السنة ملك عبد المومن مدينة جيّان وخطب له بها، ثم دخلت سنة أربع وأربعين وخمس مانة فيها ملك الموحدون مدينة مليانة وفيها قام رجل بتامسنا يعرف بابن تمركيد فبايعه برغواطة وقبائل كثيرة من البربر وبقي مدة يحارب الموحدين الى أن ظفر به فقتل وحمل رأسه إلى مراكش وقُتِل معه خلق كثير من البربر، ثم دخلت سنة خمس وأربعين فيها تحرك أمير المؤمنين عبد المومن الى مدينة سلا فوصل اليها واجرا اليها ماء عين غبولة حتى وصل الى مدينة من رباط لفتح واذن للوفود من أهل الاندلس في الوصول إلى سلا فوصلوا في نحو خمس مائة فارس من الفقهاء والقضاة والخطباء والاشياخ والقواد فقابلهم الوزير أبو ابراهيم والوزير أبو حفص والفقيه الوزير الكاتب ابو جعفر بن عطية وأشياخ الموحدين على نحو ميلين من المدينة وانزلوهم خيّر نزول وضيّفوهم خيرَ ضيافة ثم دخلوا على أمير المؤمنين عبد المومن بن عليّ فسلّموا عليه بعد ثلاثة أيام من وصولهم وكان دخولهم عليه فى أول يوم من شهر محرّم عام ستة وأربعين وخمس مانة فاشار الفقيه أبو جعفر بن عطية لاهل قرطبة بالتقدّم فتقدّم قاضيهم أبو القاسم بن الحاج فبين ودهش ووصف حال قرطبة فقال يا أمير المومنين أنّ الفنش دمّره الله قد أضعفها فتلافاه أبو بكر بن الجد بخطبة بليغة فاستحسنها عبد المومن ووصل للجميع كلّ على قدره وقضاء حوائجه واوصلهم بما أرادوا وأمرهم بالانصراف الى بلادهم فانصرفوا، ثم دخلت سنة ستّ وأربعين فيها تحرك أمير المومنين أبو محمّد عبد المومن الى المشرق برسم غزو بجاية واستخلف على مرّاكش أبا حفص بن يحيى فسار حتى وصل مدينة سلا فاقام بها شهرين ثم تحرك منها قاصدا لمدينة سبتة مظهرا أنه يريد الجواز الى الاندلس فلما وصل إلى سبتة استدعا طلبة اشبيلية وقرطبة وفقهاء الاندلس وقوادها فوصلوا اليه فأوصاهم بما اراد وودّعهم واخذ في الحركة فلما وصل إلى قصر عبد الكريم ميّز جيوشه وقرّق لهم الاموال وأمرهم بتجديد الازواد واخذ على غير طريق وجعل مدينة فاس عن يمينه واتّصل مسيره حتى خرج الى وادى ملوية ثم سار إلى تلمسان فأقام بها يوما واحدا ثم خرج منها وولى الامير قاصدا إلى بجاية حتى وصل الى مدينة الجزائر فدخلها صلحا وأمن أهلها وخرج عاملها عنها فارّا الى بجاية ولم يشعر ابن حماد صاحب بجاية بقدوم عبد المومن اليه حتى وصل عامله على الجزائر متخرجا عنها فاخبره بقدوم عبد المومن اليه وتملّكه للجزائر والمدينة فسقط في يده فسار أمير المومنين عبد المومن حتى نزل بجاية ففتح له بأيَها أبو عبد الله بن ميمون المعروف باين حمدون فدخلها وفرّ عنها ابن حماد في البحر الى مدينة جنوة ومنها الى قسطاة وذلك في شهر ذي قعدة من سنة سبع وأربعين وخمس مائة وفي سنة ستّ واربعين المذكورة جاز الشيخ أبو حفص الى الاندلس بعثه عبد المومن في جيش عظيم من الموحدين ومعه السيد أبو سعيد بن أمير المومنين برسم غزو الروم واستنقذ المرية من أيديهم فانهم كانوا قد غلبوا عليها فساروا حتى نزلوا المربة فحاصروها وضيقوا عليها غاية وبنا السيد أبو سعيد على محلته سورا حياطة لها فاستغاث النصارى الذين بالمرية بالفنش فبعث اليهم السليطين وابن مردنيش لاغائتهم في جيش كثيف فلم يمكنهم أغانتهم ولم يتوصّلوا إلى محلّة السيد ابى سعيد لكونه حصن عليها بسور عظيم منيع فلما عجز السليطين الرومي وابن مردنيش عن أغاثتهم أقلعا وافترقا ولم يجتمعا بعد فحصر السليطين على أبدة وبياسة وكان قد ملكهما فاخذهما من النصارى ولزم السيد ابو سعيد حاصر المرية حتى فتحها ونزل منها النصارى صلحا بالامان على يد الوزير الكاتب ابى جعفر بن عطية، ثم دخلت سنة سبع وأربعين فيها دخل عبد المومن بجاية وفيها حصر الموحدون ابن حماد بقسطنة حتى نزل على الامان وبايع عبد المومن ودخل في طاعة الموحدين واستنقل الى مراكش بخاصّته فاعطاه عبد المومن بها مالا وأنزله منزلة رفيعة وأقام عبد المومن ببجاية شهرين حتى هدنها وفتح جميع أحوازها واقتصارها وقدم فيها طلبة الموحدبن ورجع الى مراكش، وفي سنة ثمان وأربعين وخمس مائة رجع أمير المومنين عبد المومن من فتح بجاية الى مراكش وبعث الى يصليتن قريب المهدى فاوتی به مكبولا من سبتة فامر يقتله وصلبه بباب مدينة مراكش وارتحل عبد المومن بعد قتل يصليتن إلى تينمال بزيارة قبر المهدى ففرّق في اهلها أموالا عظيمة وأمر ببناء مسجدها وتوسيعها ثم ارتحل منها الى سلا قاقام بها بقية سنة ثمان وأربعين، ثم دخلت سنة تسع وأربعين فيها ولّى عبد المومن ولدَه محمّدا العهد بعده وأمر بذكره في الخطبة بعده وكتب بذلك الى جميع عمله وفيها ولّى بنيه البلاد فولّى السيّد ابا حقد تلمسان واحوازها وأصحبه أبا محمّد عبد الحقّ والدين ومن الكتّاب الفقيه ابا الحسن عبد الملك بن عياش وكان يكتب بعد ذلك للخليفتين وولّى السيد أبا سعيد سبتة سبتة وخديجة واصحبه محمّد عبد الله بن سليمان وأبا عثمان سعید بن میمون الصنهاجي ومن الكتّاب الفقيه ابا الحكم هرموس ثم أبا بكر بن طفيل ثم أبا بكر بن حبيس الباجي وولى السيد ابا محمّد عبد الله بجاية وأعمالها واصحبه أبا سعيد بن الحسن وولّى السيد ابا يعقوب يوسف أشبيلية وشلف وأحوازها وولّى الشيخ أبا زيد بن مجيب قرطبة وأعمالها فلما ولى عبد المومن اولاده البلاد وجعل عهده لونده محمّد وقتل يصليتن قریب المهدي خرج عليه عبد العزيز وعيسى أخوا المهدى وكانا بمدينة فاس فخرجا منها الى مراكش على طريق المعدن فاتّصل خروجهما من فاس بعبد المومن فخرج هو من سلا متلافيا مراكش بعد أن قدّم البنا وزيره أبا جعفر بن عطية فوجدهما قد دخلا مراكش وقتلا عاملها أبا حفص بن يفراجن فلما وصل عبد المومن مراكش لم يقدم شيئا قبل قتلهما وصلبهما ، وفى هذه السنة دخل الموحدون نبلة بعد الحصار الشديد بعث اليها أمير المومنين عبد المومن قائده ابا زكرياء ابن يومر فحاصرها حتى دخلها عنوة فأخرج اهلها الى خارج المدينة قصفهم صفوفا ثم أمر بقتل جميعهم وقتل جماعة من فقهائهم منهم الفقيه ابو الجهم بن بطّال المتحدّث والفقيه الصالح الفاضل أبو عامر ابن الجد والذي وقع عليه من الناس من قتل نبّالة في ذلك الموضع ثمانية الاف رجل وفى أحوارها أربعة آلاف تم بيع نساؤهم وابناؤهم للجميع وسلبهم وامتعتهم فعل ذلك برائه دون اذن عبد المومن فرقع الخبر الى عبد المومن فانكر عليه استبداده بذلك وسوء فعله وبعث اليه من مراكش من يقبض عليه وحمل مكبولا الى الحضرة فوصل به مراكش يوم عيد الفطر فسجن بمراكش مدة ثم سرح وعفا عنه ولم يصرف على أهل نبلة شيّا من جميع ما أخذ لهم، ثم دخلت سنة خمسين وخمس منة فيها أمر أمير المومنين عبد المومن باصلاح المساجد وبنائها في جميع بلاده وتغيير المنكر وتحريق كتب الفروغ وردّ الناس الى قراءة الحديث وكتب بذلك الى جميع طلبته من بلاد الاندلس والعدوة، ثم دخلت سنة احدى وخمسين فيها ملك الموحدون مدينة غرناطة وخطب بها لعبد المومن بن على وبعثوا ببيعتيم اليه فقبلها وبعث اليهم عامله فنكثوا البيعة وقتلوا العامل وقام بها ابن مردنيش وابن مشك والاقرع النصراني، ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين فيها أمر أمير المومنين بغزو غرناطة فسار اليها ولداء يوسف وعثمان بعساكر كثيرة فقاتلوها حتى فتحوها عنوة وقتل الأقرع النصراني ومن كان معه من النصارى وفرّ ابراهيم بن همشك وابن مردنیش عنها قاله ابن مطروح وقال ابن صاحب الصلاة كان فتح غرناطة وقتل الاقرع النصراني عام سبعة وخمسين والله أعلم بذلك وفيها نكب أمير المومنين وزيره أبا جعفر بن عطية وسجنه مدة ثم قتله في شوال منها واستوزر مكانه عبد السلام بن محمّد الكومى وكان والده عبد المومن تزوّج امّ عبد السلام هذا فولدت له ابنة تزوّجها أبو حفص ثم طلقها فاستوزره عبد المومن حين قتل ابا جعفر بن عطية واستكتب فى الرسائل والأوامر أبا الحسن عبد الملك بن عياش القرطبي ولما حبس ابو جعفر كتب إلى أمير المومنين عبد المومن يستعطفه ويطلب عفوه بهذه الرسالة

عطفا على أمير المومنين قد بان
العزاء لفرط الهمّ والحزن
قد أغرقتنا ذنوب كلّها لجج
ورحمة منكم انجا من السفن
وصادقتْنا سهام البين عن عرض
وعطقة منكم أوقر من الحسن
فتوب يطهر بعد الغسل من دَرَن
والطرف يرقص بعد الركض في سنن
انتم بدلتم حياة الخلق كلّهـم
من دون من بها لالا ولا ضنن
فنحن من بعض من أحيت مكارمكم
كلنا حياتين من نفس ومن بدن
وصبية كفراح الورق من صغر
لميألفوا النوم في فرع ولا فنن
قد لو وجدتهم أياد منك سالفة
والكلّ لولاك لم يوجد ولم يكن

تالله لو أحاطته في كلّ خطية، ولم تنفك نفسى عن الخيرات بطية، حتى سجن بهن الوجود، وابتُ لادم من السجود، وقلت أنّ الله لم يوح، في الفلك الى نوح، وأبرمت لاختطاب نار الخليل جملا، وابريت لغدار ثمود نيلا، وحشت عن يونس شجرة اليقطين، وأوقدت مع هامان على الطين، وكتبت صحيفة القطيعة بدار الندوة ، وظاهرت الاخراب بالقصوى من العدوة ، وأبغضت ددكلّ فرشي ، وأحببت لاجل وحشي كل حبشی، وقلت بان بيعة السقيفة ، لا توجد أمة خليفة ، وشجرت شعر غلام المغيلة بن شعبة ، واختلقت من حصار اندار وقتل اشمطهم بشعبة ، وغادرت الوجه من أنهام خطيبا، وتناولت الفرع من الحسين قضيبا، ثم كتب بحفر المعصوم لأنداء، وبقبر المهدى رضى الله عنه عانذا، لقرءان المقالتي ان تسمع، وأن تغفر لى هذه الخطيات أجمع، فغفر أمير المومنين فمن يحمل غلوب هدها الخفقان والسلام على المقام الكريم ورحمة الله تعالى وبركاته، ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة فيها كانت حركة المهدية وفتحها وتخليصها من ايدى الروم الذين كانوا ملكوها وفيها فتحت جميع افريقية وكانت المهدية قبل أن يملكها يملكها الروم بيد الحسن بن عليّ بن يحيى بن تميم بن المعزّ بن باديس أراثة من أبيه واجداده فنزل عليه بها العدو الرومي صاحب صقلية وشدّ عليه الحصار حتى دخلها عنوة وذلك بعد أربعين وخمس مانة فهرب الحسن بن عليّ المذكور إلى الجزائر واستوطنها فلما وصل عبد المو من الى الجزائر بجيوش الموحدين وجد فيه الحسن بن عليّ المذكور فخرج اليه وبابعه وصاهره عبد المومن وحمله الى مراكش فأقام معه إلى سنة ثلاث وخمسين المذكورة فخرج عبد المومن الى المشرق برسم غزو المهدية فوصل اليها ونزلها برّا وبحرا وشرع في قتالها حتى انتزعها من أيدى الروم وذلك في سنة خمس وخمسين وخمس مائة وقاله البرنوسيّ وقال ابن جنون تحرك أمير المومنين عبد المو من الى غزو المهدية من حضرة مراكش وذلك في العشر الأولى من شهر شوال عام ثلاثة وخمسين الذكور واستخلف على مراكش ابا حفص بن يحيى وترك معه ولده السيد ابا الحسن واستخلف على مدينة فاس واعمالها أبا يعقوب بوسف بن سليمان واستخلف على اشبيلية وقرطبة وجميع بلاد غرب الاندلس ولده السيد ابا يعقوب يوسف وعلى غرناطة ولده أبا سعيد وسار هو في أهم لا تحصى وجيوش لا تعدّ من الموحدين وقبائل العرب وقبائل زناتة والاغزاز والرمات متوجّها الى المشرق ففتحه الله عليه وسار في أرض التراب وبلاد افريقية يفتح البلاد والمعاقل ويومن من استأمن ويقتل من عصا حتى وصل إلى مدينة تونس فحاصرها ثلاثة أيام وارتحل عنها وترك عليها جيشا من الموحدين وسار إلى القيروان ففتحها وفتح سوسة وسفاقس وارتحل إلى المهدية فنزل على مَنْ بها من الروم برّا وبحرا ونصب عليها المجانيق والرعدات في البر والبحر ولم يرفع عنها القتال ليلاً ولا نهارا وجعل قتالها توبا على قبائل الموحد بن حتى فتحها وقتل فيها خلقا كثيرا من النصارى، ثم دخلت سنة أربع وخمسين في شهر جمادى الاولى منها فتحت تونس وخطب بها لامير المومنين عبد المومن وبعدها بيسير كان فتح المهدية بعد حصارها سبعة أشهر وفيها ملك عبد المومن جميع بلاد افريقية كلها وادخل اهلها في طاعته من برفة الى تلمسان ولم يبق له بها منازع ففرق فيها اعماله وفضاته وسكّنها وأمنّها وضبط ثغورها وأصلح اسوارها ، وفي هذه السنة أمر عبد المومن بتكسير بلاد افريقية والمغرب وكسّر بلاد أفريقية من برفة إلى بلاد نون من السوس الاقصى بالفراسخ والاميال طولا وعرضا فاسقط من التكسير الثلث في الجبال والشعارى والانهار والسبخات والطرقات والحزوق وما بقى سقط عليه الخراج والزم كل قبيلة قسطها من الزرع والورق فهو أوّل مَنْ أحدث ذلك بالمغرب، بطليوس وباجة ويابرة وحصن الـقـصـر فولى عليها عبد المومن محمد بن على الحاج ورجع عبد المومن الى مراكش، ودخلت سنة سبع وخمسين فيها أمر عبد المومن أمير المومنين بإنشاء الاساطيل في جميع سواحل بلاده وعزم على غزو بلاد الروم في البر والبحر فانشا منها أربع مائة قطعة انشا منها في حلف المعمورة ومرساها مائة وعشرون قطعة ومنها بطنجة وسبتة وباديس ومراسى الريف مائة قطعة ومنها ببلاد افريقية ووهران ومرسى هنين مائة قطعة ومنها ببلاد الاندلس ثمانون قطعة ونظر في استجلاب الخيل للجهاد والاستكثار من أنواع السلاح والعدد وأمر بضرب السيام عمله جميع فدان يضرب له في كل يوم منه عشرة قناطير جرية فجمع من ذلك ما لا يحصى كثرة وفي خلل ذلك ورد على أمير المومنين قبيلة كومية في جيش عظيم من أربعين الف فارس والسبب في قدومهم انه لما همّت الطائفة من الموحدين بقتله وقتلوا الشيخ الذي بات بمكانه وتحقق ذلك منهم جاءوا لاخذ ثأره منهم حيلة لكونه غربيا بين قب نليم ليس له بيم عشيرة يستند اليها ولا قبيلة يثق بها ويعتمد عليها فبعث في خفية إلى اشياخ قبائل كومية قبيلته فامرهم بالقدوم عليه وأن يركبوا كل من بلغ الحلم منهم وياتونه في أحسن زى وأكمل عدة وهمية وبعث اليهم بأموال والكساوى فاجتمع منهم أربعون الف فاقبلوا إلى أمير المومنين بمراكش برسم الخدمة وليشد شهره بهم فتشوش المغرب تقدوم هذا الجيش وبقول الناس الاقاويل فسار الجيش حتى نزل وادى أم الربيع فسمع الموحدون بإقبائهم فارتعدوا منهم وعرفوا امير المومنين بخبرهم فامر الشيخ أبا حفص أن يخرج اليهم في جماعة من الموحدين وأشياخهم ليعرفوا خبره فساروا حتى تلفوم بوادى أم الربيع فقالوا لهم أسلما أنتم أم حربا فقالوا نحن سلم نحن قبائل أمير المومنين عبد المومن بن على نحن كومية الزنتيين قاصد بن لزيارته والسلام عليه فرجع أبو حفص واصحابه فعرف أمير المومنين يخبرهم عامر عبد المومن جميع الموحدين أن يخرجوا الى لقائهم فاختلفوا لذلك وكان بمراكش يوم دخولهم عيد من الاعياد فرتبهم عبد المومن الطبقة الثانية وجعلهم بين قبيلة تينمال وقبيلة التابعة ثانى درجة وقربهم من نفسه وجعلهم بضائته يركبونه في شهره ويعفون على رأسه ويمشون بين يديه اذا خرج، وفى سنة ثمان وخمسين خرج أمير المومنين من مراكش الى الاندلس برسم الجهاد وكان خروجه في يوم الخميس الخامس من ربيع الأول من العام المذكور فوصل الى رباط الفتح فكتب إلى جميع المغرب والقبلة وأفريقية والسوس وجميع القبائل يستنصرهم إلى الجهاد فاجابه خلف كثير بين يديه وقيل كان تملّك عبد المومن على المهدية وفتحه لها يوم عاشوراء من سنة خمس وخمسين وخمس مائة، وفي سنة خمس وخمسين وخمس مائة أمر أمير المومنين ببدء جبل الفتح وتحصينه فبُنى وشيد حصنه وكان ابتداء البناية في تاسع ربيع الأول من سنة خمس وخمسين وخمس مائة المذكورة وكمل بناؤه في ذي القعدة منها وفي هذه السنة تحرّك أمير المومنين من افريقية إلى المغرب يريد طنجة برسم الجواز الى الاندلس فسار حتى وصل الى قرية من وهران فظلبه عرب أفريقية في الوداع والرجوع إلى حللهم فاسعفهم في ذلك ونقل منهم الى المغرب الفا من كلّ قبيلة بعيالاتهم وابنائهم وهم عرب جشم وبنا في رجعته هذه مدينة البطحى وسبب بنائه اياها انه لما طالت بالموحدين الاقامة بالمشرق والتغريب عن أوطانهم عزمت طائفة منهم على قتل عبد المومن والفتك به في خبانه اذا نام وتوافقوا على ذلك فاتى شيخ ممن علم الامر الى عبد المومن فاخبره الخبر وقال له دعنى أبيت الليلة موضعك وأنام على فراشك فان فعلوا ما اتّفقوا عليه قد كنتُ فديتك بنفسى فى حقّ المسلمين وأجرى في ذلك على الله وان كانت السلامة فمن الله تعالى ويكون أجرى على قدر نیتی فبات على فراشه فاستشهد فلما أصبح وصلّى عبد المومن الصبح أفتقده فوجده مقتولا فاخذه وحمله بين يديه على ناقة لا يقودها أحد فسارت الناقة تمرّ يمينا وشمالا حتى بركت وحدها وأمر عبد المومن بالشيخ فانزل عنها واخذ بزمامها وأزيلت عن مبركتها وحفر قبره فيه ودفن وبنيت عليه قبّة وبنا بإزاء القبّة جامعا ثم أمر ببناء المدينة حول المسجد وترك بالمدينة عشرة من كلّ قبيلة من قبائل المغرب فقبر الشيخ هناك معظم عند أهل تلك البلاد يزار الى اليوم، وعند دخول أمير المومنين تلمسان من هذه الحركة قبض على عبد السلام بن محمّد الكومى وزيره وحبسه ثم سمّه في تروة لبن هلك بها من ليلته وخرج عبد المومن من تلمسان الى المغرب فسار حتى وصل طنجة وذلك في ذى حجّة سنة خمس وخمسين، ثم دخلت سنة ستّ وخمسين فيها جاز أمير المؤمنين عبد المومن من طنجة الى الاندلس فنزل بجبل الفتح فاقام به شهرين فاستشرف على أحوال بلاد الاندلس وأقاه قوادها وأشياخها للسلام فامر بغزو بلاد غرب الاندلس فخرج اليه الشيخ ابو محمّد عبد الله بن أبي حفص من قرطبة في جيش كثيف من الموحدين ففتح حصن اطرنکش من أحواز بطليوس وقتل جميع من كان به من النصارى واتى الفنش من طليطلة لاغاثته فوجده قد فتح فقصد الموحدون لقتالهم فهزمه الله تعالى وقتل من عسكره ستّة ألاف رجل وساق المسلمون السبي الى قرطبة واشبيلية، وفي هذه السنة ملك الموحدون فاجتمع له من عساكر الموحدين والمرتزقة من قبائل العرب وقبائل زناتة أزيد من ثلاثة مائة ألف فارس ومن جيوش المطوعة ثمانون ألف فارس ومائة ألف راجل فضاقت بهم الارض وانتشر المحلات والعساكر في أرض سلا من عين غبولة الى عين خميس فاستدارت راجعة الى حلق المعمورة فلما استوفت لديه الحشود وتكاملت ندبه الجنود والوفود أبدأه المرض الذي توفّى منه فتمادی مرضه واشتد ألمه فلما خاف أن يفجاه الموت فامر بإسقاط ولده محمّد من الخطبة وعزله عن العهد لما ظهر له من العجز عن القيام بالخلافة وذلك في يوم الجمعة الثانى من جمادى الآخرة من العام المذكور وكتب بذلك إلى جميع طاعته و بلاده قتمادى مرضه واشتد المه الى ان توقى ليلة الجمعة الثامن من جمادى الآخرة من العام المذكور وقيل توفي الثلاثاء عند الفجر العاشر من جمادى الآخرة المذكورة فسبحان الحي الذي لا يموت ولا يفنى دوامه ولا يفسد ملكه، وسنّه يوم توفي ثلاث وستون سنة قاله ابن الخشاب وقيل أربع وستون سنة ذكره ابن صاحب الصلاة في كتاب المن بالامامة وحمل الى تينمال فدفن بها إلى جانب قبر الامام المهدى فكانت ايام ملکه ثلاث وثلاثون سنة وخمسة أشهر وثلاثة وعشرون يوما قاله غبر واحد من المؤرّخين دولتهم وخلف عبد المومن من البنين جماعة وهم أبو يعقوب الخليفة بعده وشقيقه أبو حفص ومحمد المخلوع من العهد وعبد الله صاحب بجاية وعثمان صاحب غرناطة والحسن والحسين وسليمان ويحيى واسماعيل وابراهيم وعلى وبـعـقوب وعبد الرحمن و داوود و عیسی واحمد و من البنات عائشة وصفية ومن أولاد النجباء والادباء السيد ابو عمران كان استخلفه أخوه يوسف على مراكش فاعتل وغاب خلاله ايام لم يره أحد فكتب اليه القاضي أبو يوسف حجاج

يغيب البدر يوما ثم يبدوا
وأنت تغيب علي ثلاثا
وأنت بلغت ثلاثا لم أركم
فلست بمدرك يوم الثلاثا

قاجابه السيد أبو عمران بديهة

اتتنا منکم درر قحلت
أوجبت منا انبعاثا
ولولا الغدر من سبب قوى
لسرنا نحوكم حتما حثاثا
ولكنا نسير بحال ود
اليكم مصبحا يوم لثلاثا