الأمثال العامية- مشروحة ومرتبة على الحرف الأول من المثل (الطبعة الثانية)/مقدمة بقلم خليل ثابت

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


مقدّمة

بقلم خليل ثابت

من المصنفات الخطية الكثيرة المتعددة، التي كتبها المغفور له العلامة المحقق السيد أحمد تيمور (باشا)، ولم يسعدها الحظ أن ترى النور في حياته الأدبية الحافلة، وأصدرتها لجنة نشر المؤلفات التيمورية، لتتم بها رسالتها في نشر الثقافة بين أبناء شعب مصر خاصة وشعوب العالم العربي عامة، كتاب «الأمثال العامية». فما أن ظهرت طبعته الأولى حتى نفدت نسخها بين يومٍ وليلة، لإقبال القراء على هذا اللون من الفن الأدبي، لأنه كسائر كتب الفقيد العظيم، طريف المنحى، وافر الفائدة، حسن في ترتيبه وتنسيقه، وجودة مختاراته، التي تعبِر تعبيراً صادقاً عما يجيش في الصدور من الآراء، في إطار بديع من الحكمة البالغة، والموعظة الحسنة، مما له تأثيره العميق في النفوس، وحسن ما تضمنه من الدقة في اختيار «المثل»، وإيجاز اللفظ، وإصابة المعنى مما لم يجتمع في غير «الأمثال»، التي تشيع على ألسنة العامة والخاصة، المصفقين منهم وغير المثقفين، في مجتمعاتهم وأنديتهم، وفى محافلهم ومجالسهم.

وكان لا بد للجنة أمام إلحاح المشتغلين بالعلم والأدب، وسائر الفنون والبحوث الطريفة، أن تستجيب إلى طلبهم إعادة طبع هذا الكتاب. ولا يحرم من اقتنائه، من فاتته طبعته الأولى. تنفيذاً لسياستها وتحقيقاً لأداء رسالتها. وفى سبيل تحقيق هذه الرغبة الكريمة الملحة، أخذت اللجنة في مراجعة هذه «الأمثال»، واستكملت ما رأته ناقصاً منها، وأضافت إليها ما لم يسبق نشره، مما عثرت عليه أخيراً ضمن تراث الفقيد الأدبي، فأثبتت اللجنة كل مثل فر مكانه، مشروحاً شرحاً وافياً، ومرتباً عَلَى الحرف الأول من المثل عملا بما دونه الفقيد العظيم بقلمه فجاءت هذه الطبعة شاملة كاملة.

و«الأمثال»، كما هو معروف - مرآة لكل قوم، تصف أخلاقهم وعاداتهم، وشاهد عدل على حالة لغتهم. و«الأمثال العامية» بوجه أخص، وإن جاءت بألفاظ غير فصيحة، لا تقدم الطلاوة النثرية، والرشاقة اللفظية، التي هي في الأمثال الفصحى.

والعامة مولعون بأمثالهم. وكثيراً ما يتناظرون بها، فهي المثل السائر في اصطلاحاتهم، وقد جعلوها قاعدة السلوك ومعجم الأدب. فقلما يقصون حديثاً، أو يعرضون أمراً، إلَا أيدوه «بمثل»، هو زبدة الحديث وجوهر الأمر ولهم في وضع الأمثال في مواضعها حكمة باهرة، وفضل مشهور.

ولقد فازت مصر بالحظ الأكبر، والنصيب الأوفر، من هذه الأمثال، التي أرسلتها غاية في العذوبة الكلامية.

كذلك عرف المغفور له العلامة المحقق السيد أحمد تيمور (باشا) أن مصر بمرح أهلها وأبنائها، ملهمة الروح في النادرة الطريفة، والفكاهة الظريفة، حتى أصبحت الأمثال العامية المصرية ذائعة الصيت في الأمم العربية. وهام بها الشرق العربي، وتقبل هذا الأدب المحلى باللذة والشوق.

وعرف كذلك أن الأمثال، أدب العرب، ومرآة صادقة تتجلى فيها صور الأمم، وما عليها من أخلاق وعادات. وأن الأمة لا ترقى إلى العُمران، أو تتألَّف لها لُغة، إلَّا وهي تنطق «بالأمثال»، لأنَّها غرس الحكمة، ونبت الخبرة، ومقياس الأدب.

وقد تصل صورالكلام إلى أعلى مثلٍ في البلاغة، فيُؤثرُ منها ما يعلق بالضمائر لنفاسته، وتعيه الأسماع لِلُطف مدخله، ويتَّصلُ بالقلب لرقَّته. فسهَّل حفظ تلك «الأمثال»، كما سهَّل انتشارها. فكانت أكثر سيرًا في الناس، ودورانًا على الألسنة من سائر الكلام. وليس في الكلام ما هو أوقع في الأسماء وأشد تأثيرًا في النُفُوس من الأمثال.

من أجل ذلك، عنى المغفور له العلَّامة السيِّد أحمد تيمور (باشا) بِجمع تلك «الأمثال العاميَّة»، بل كان أسبق العُلماء واللُّغويين في العالم العربي، إلى العناية بجمع هذه الأمثال، التي يضمُّها هذا الكتاب في طبعته الثانية الفريدة في التنسيق والتبويب، وشرحها شرحًا وافيًا دقيقًا. حتَّی سایر ابن المُقفَّع حين قال: «إذا جُعل الكلامُ مثلًا، كان أوضح لِلنُّطق، وآنق للسَّمع، وأوسع لشُعُوب الحديث».

وأخيرًا وفت اللجنة ما عاهدت الله عليه، من خدمتها للعلم والأدب، وتحقيق رغبة الأُدباء والكُتَّاب في إخراج هذا التُراث الأدبي الخطى التيموري من كُنُوزه الدفينة، إلى عالم النور، لتسُدَّ به ما تنقصه المكتبة العربيَّة، التي هي أحوج ما تكون إلى أمثاله. مُزجية الشُكر موفورًا لجمهور قُرَّائها الذين دأبوا على تشجيعها وأقبلوا على ما تُصدره من مُؤلَّفات فقيدها العظيم السيِّد أحمد تيمور.

بارك الله في عملها. ورحم فقيدها، وأجزل له الثواب

خليل ثابت