الأمثال العامية- مشروحة ومرتبة على الحرف الأول من المثل (الطبعة الثانية)/الأسرة التيمورية ومكانتها في العلم والأدب والمعرفة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة




اَلْأُسْـــرَةُ اَلـــتَّـــيْـــمُـــورِيَّـــةِ

ومكانتها في العلم والأدب والمعرفة

أحـــمـَــد تـــيـــمـــور

نشأته وجهاده في خدمة العلم

استقبلت مؤلفات المغفور له العلامة المحقق السيِد أحمد تیمور (باشا)، في جميع الدوائر العلمية والأدبية في مصر وجميع الأقطار العربية، بِكل مظاهر الحفاوة والتقدير والرضا، لأنَّها سدت ثغرات شتى في المكتبة العربيَّة، كانت في أشد الحاجة إلى استكمالها. وهكذا كان طابع مؤلفها دائماً خدمة العلم ورفع المستوى الأدبي والثقافي، والعمل على سد كل نقص، فيما يعرض له من مختلف المسائل.

فلقد نشأ - رحمة الله عليه - في بيت أبيه المرحوم إسماعيل تيمور (باشا) رئيس الديوان الخديوي على عهد الخديو إسماعيل، ثم من بعده في بيت زوج شقيقته الشاعرة المجيدة المرحومة السيِدة عائشة التيموريِّة، المرحوم محمد توفيق (بك)، وكان كل ما يحيط به، يوحي إلى العلم والدرس ما حبب إليه الاشتغال بهما.

وبعد إتمام دراسته الأولى في مدرسة «مرسيل» الفرنسية بالقاهرة وأتقن اللغة العربية واللغة والفرنسية، انصرف عن الوظائف الحكومية جملة، واكتفى الإشراف على أطيانه، والتزود من معلومات كتبه، وإعادة النظر فيها بدأ فيه من العلوم العربية، والفنون الأدبية، فتوسع فيها على أستاذه الأول، الشيخ أبي عبد الوهَّاب رضوان بن محمد المخيلاني، أحد أساتذة عصره، ثم مال إلى الاتصال بأكابر أساتذة مختلف الفنون، فتعرف بشيخ الشيوخ وقتئذ، الأُستاذ الكبير الشيخ حسن الطويل، ولازمه ملازمة من يعرف قدره، وأخذ عنه العلوم الدينية والعقلية والأدبية. كما لازم الشيخ الكبير والعالم الجليل محمد محمود التركزي الشنقيطي، وقرأ عليه الملفات السبع، رواية ودراية، وكثيراً من دواوين العرب التي كان يرويها، وبعض الرسائل اللغوية، واستفاد منه فوائد جملة، صرفته إلى الاشتغال باللغة، بعد أن كان مقتصراً على الأدب والتاريخ، فصار عالماً بأسرار العربية، محيطاً بِعلومها، ومعرفة القديم من كتب أئمتها.

وكان الفقيد يعقد في داره بدرب سعادة، حلقات تضم نخبة من أهل العلم والفضل والأدب أمثال محمود سامي البارودي (باشا) وإسماعيل صبري (باشا) والشيخ محمد السمالوطى والشيخ أحمد الزرقاني والشيخ الهوريني والشيخ الحسيني، وغيرهم كثيرون.

كما كان يتردد على داره الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، بدعوة من الفقيد لإلقاء دروسه. إذ كان همّ أحمد تيمور، في صدر حياته أن يزداد علماً، وأن يوسع دائرة معارفه، وأن يقف على ما في الإسلام وعلوم أعلامه، وأحوال أوطانه. وهكذا كان يجتمع في ندواته الأدبية: الشاعر المفلق، والكاتب البليغ، والأديب المتفنن، والمفسر الحجة، والمحدث الثقة.

وكذلك تعرف الفقيد على العلامة المحقق الكبير الشيخ طاهر الجزائري والعلامة الأستاذ السيد محمد کرد علي وزير معارف سوريا سابقاً، ورئيس المجمع العلمي العربي.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان الفقيد يجيد التصوير الشمسي، لا ليلهو به ويلعب ولكن ليخدم به العلم والتاريخ، ومن ذلك أن شركة ترام القاهرة اتفقت هي والحكومة على إنشاء خط للترام في الخليج المصري يستدعى زوال ما عليه من القناطر، وهي من الآثار العظيمة، التي لا ينبغي إغفالها، فإذا لم تصور، زالت من التاريخ. وبعد زمن لا يجد من يعرفها أو يتحدث عنها، فنزل إلى الخليج قبل ردمه، وصوره من جميع جهاته وحفظ صوره في مكتبته.1

وهكذا كان التوفيق رائده في كل أعماله، وصدقت نبوءة والده يوم سماه عند ولادته: «أحمد توفيق». وقالت أخته المرحومة الشاعرة السيِّدة عائشة التيموريِّة في تاريخه من أبيات:

قـالَت لِوالِدِه الشِـقـيـقَـة حَـبَّذا
حَـيـا مَـصـابـيـحَ البَنات شَقيقي
فَـاِهـنَـأ بَـمَـولودٍ بَـدا تاريخُه
وَجـه المُـنـى بِـشِراك بِالتَوفيق

وقالت كذلك عند ابتدائه في القراءة، وكان إلى ذلك الوقت لا يزال يُسمَّى: «أحمد توفيق».

لاحَ السُـعـود وَأَسـفَـر التَـفـويق
وَتَـلا لَنـا سـور العُـلا تَـوفـيق

وكان كل همّ الفقيد مصروفاّ إلى الخطر الأعظم الذي يهدد المسلمين في حياتهم الاجتماعية والخُلُقيَّة والدينيَّة والسياسيَّة. وكان يرى هذا الخطر آتياً على أيدي المُسلمين أنفسهم، وذلك بِجُمُودهم وعجزهم عن أخذ دفَّة السفينة بأيديهم. وكان موقفه بين هذا الخطر وما يترتَّب فيه على المُسلم من واجب المُقاومة، موقفًا دقيقًا. لذلك آلى على نفسه أن يُشجِّع كُل دعوة لِلذَّب عن بيضة العربيَّة والإسلام، وأن يُعيِّن كُل مُقاومة يُراد بها ضدَّ التيَّار العدائي المُنصب عليهما. ومع ما فُطر عليه من دماثة خُلق، وأدبٍ عالٍ، فإنَّهُ كان يُحب الله، ويُبغض لله، ویُواصل لله، ويُقاطع لله، ولا تأخذه في ذلك لومة لائم.

وانتقل بعد وفاة زوجته إلى داره بالحلميَّة الجديدة، ثم اختار داراً جديدة لخزانة كتبه في حي الزمالك2 وواصل خدماته لِلعلم، وكان لا يضيف إلى علمه علمًا إلَّا بعد التثبُّت الذي تلازمه طمأنينة الإيمان، ولا يجري قلمه، أو يتحرَّك لسانه بحقيقة من حقائق العلم، إلَّا وهو يرى أنَّ الأجيال القادمة واقفة له بالمرصاد، تنقد ما ينقله إليها من معرفة، لذلك كانت كتاباته كُلُّها محميَّة مُحرَّرة، مُتحرِّيًا فيها وجه الصواب، في أبعد الغايات وأقربها.

وقد أنس الفقيد في حياته، وكلها حياة علمية، إلى علوم التاريخ الإسلامي والعربي والمصري، والجُغرافية الإسلاميَّة والعربيَّة والمصرية، وفنون الحضارة والعمران في الإسلام، واللغة والصرف والنحو والبلاغة. وكان في كل ذلك علم الأعلام، ومرجع الخاص والعام، بل يكاد يكون علماً مفرداً بِأساليب العُوم العربيَّة الأولى على عهد الخليل وسيبويه وأبي علي وابن جني، وبطرائق المُتأخرين إلى زمن الحواشي.

وكان في مطالعاته، إذا وقف على شيء. لم يكن له سبيل إلى العثور عليه بالبحث والتنقيب، قيده ليجمع إليه نظائره فيما بعد، ويستعين بذلك على التأليف، في الفُنُون التي هي من اختصاصه. فاجتمع عنده من ثمرات هذه المطالعة، ما لو استمدت منه الصحف والمجلات، لكان مادة ثمينة. لما في هذه الفنون، حتى إذا اجتمع لديه من هذه التقييدات القدر الكافي لتحرير كتاب في موضوع ما يبدأ حينئذٍ في الاستعداد لهذا الكتاب، بما لا يوجد له نظير عند المشتغلين بالتأليف.

وهكذا جعل من مكتبته، التي بدأها صغيرة، مكتبة شرقية عامة، جمع فيها نوادر الأسفار، ونفائس المُؤلَّفات. فقد ضم إليها الكتب النادرة، ولا سيما المخطوطة منها. وكان يدفع أثمانها بسخاء و كرم. إذ يرى أن المال يذهب ويعود، أما الكتاب النادر النفيس إذا ذهب فهيهات أن يعود. لهذا تمكن من جمع أنفس الكُتُب وأحسنها وقد ساعده في بُلُوغه هذه الغاية، كثيرٌ من الفُضلاء في الآستانة وسوريا والعراق والغرب وغيرها.

ووجه الفقيد العظيم كذلك كل عنايته إلى هذه المكتبة الفريدة في نوعها فرتبها على أحدث النظم، وقسَّمها عدَّة أقسام، ونوع كل قسم إلى فنون، وعمل لكُلَّ فنٍّ فهارس مُتنوِّعة، تُهدي من اطلع عليها إلى موضوعٍ ما يطلبه من الكُتُب في أقرب زمنٍ مُمكن.

ومن حميد خلقه، التي تميز بها الفقيد الكريم، أنه كان يبسط يده بإهداء كتبه لمن يطلبها، ولم يضنِ بها على أحد، كما يفعل في المادة أرباب الكتب بكتبهم، وذلك لأن غايته نشر العلم وإحياء آثار السلف.

وكان صلباً في الحق، كما كان صلباً في أخلاقه الدينية والقومية، ومن ذلك أنه كان لا يؤرخ تحاويله المالية (الشيكات) إلَّا بالتاريخ الهجري وحده دون سواه. فرضي منه ذلك، بنك «الكريدي ليونيه» والذي كان يتعامل معه ولم يعترض عليه. وإذا كان الفقيد قد عنى بجمع الكتب النفيسة النادرة المخطوطة وغير المخطوطة، فإنه لم ينس أن يجمع إلى جانبها أنواع الجلود التي كانت تُصنع للكُتُب في أدوار الحضارة العربيَّة والإسلاميَّة. كما جمع صوراً لمشاهير العالم الإسلامي، كصلاح الدين الأيوبي وعبد القادر الجزائري وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وطاهر الجزائري وحسن الطويل وجمال الدين القاسمي، وغيرهم ممن كان لهم أثر في نهضة المُسلمين. ومن هذه الصور ما يعد أثرياً أو نادراً.

ولم يكن الفقيد العظيم حريصاً على الإسراع في طبع مؤلفاته القيمة النفيسة لأنه من طلَاب المال، وكان كلما وجد في أثناء مطالعاته ما يصح إلحاقه بمؤلف من المؤلفات، يٌسَرّ بتأنيه في النشر. لذا بقيت مؤلفاته كلها مخطوطة. أما الرسائل التي نشرها في حياته فكانت بحوثاً ضافية كتبها في بعض الصحف والمجلات العلمية والأدبيَّة والفنيَّة3.

ومن نوادر مخطوطات فقيدنا العلامة السيد أحمد تيمور (باشا) التي نشرتها لجنة نشر المؤلفات التيمورية منذ نهوضها بهذا العمل الجليل خدمة للعلم، ونشراً الثقافة العامة في جمهورية مصر وسائر الأقطار العربية الشقيقة. كتب: «ضبط الأعلام» و«لعب العرب» و«رسالة في تاريخ الأسرة التيمورية»، و«الأمثال العامية الطبعة الأولى» و«الكنايات العامية» و«البرقيات للرسالة والمقالة» و«أوهام شعراء العرب في المعاني» و«رسالة لغوية في الرتب والألقاب لرجال الجيش والهيئات العلمية والقلمية» و«الآثار النبوية» الطبعة الأولى والثانية و«التذكرة التيمورية» (وهو معجم الفوائد ونوادر المسائل، ودائرة معارف في أهم الموضوعات) و«أسرار العربية» (وهو معجم لغوي نحوي صرفي يضم كثيرًا من ذخائر أسرار العربية مستقاة من نوادر المؤلفات وأقوال الأئمة في الكتب المخطوطة والمطبوعة) و«السماع والقياس» (وهي رسالة تجمع ما تفرَّق من أحكام السماع والقياس والشذوذ وما إليها من البحوث اللغوية النادرة في ذخائر الكتب المطبوعة والمخطوطة. و«حلية الطراز: ديوان السيِدة عائشة التيمورية» مضاف إليه القصائد التي لم يسبق نشرها. و«شفاء الروح» للستاذ الكبير محمود تيمور عضو مجمع اللغة العربية.

ولا تزال اللجنة تواصل طبع بقية مخطوطات الفقيد لاستكمال أداء رسالتها بتوفيق الله وعونه.


  1. هذه الصور محفوظة لدى لجنة نشر المُؤلَّفات التيموريَّة ضمن تُراث الفقيد ومخطوطاته لِلانتفاع بها حين وضع رسالة عن أبحاث الخليج - مُصوَّرة - لِتكون ذكرى لِلتاريخ.
  2. وظلَّت كذلك في حياته حتَّى نقلها نجلاه الفاضلان المغفور لهُ إسماعيل تيمور (باشا) والكاتب والقصصي الكبير الأُستاذ محمود تيمور عضو مجمع اللُّغة العربيَّة أطال الله حياته، إلى دار الكتب المصرية في جناح خاص بها لِتكون أعم نفعًا وأكثر فائدة.
  3. أخذت اللَّجنة في نسخ هذه المقالات وإعدادها لِلنشر لِلانتفاع بهذا التُراث الأدبي العظيم.