انتقل إلى المحتوى

اسعد بعيد أخي نسك وإسلام

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

اسْعَدْ بعيد أخي نُسْكٍ وإسلامٍ

​اسْعَدْ بعيد أخي نُسْكٍ وإسلامٍ​ المؤلف ابن الرومي


اسْعَدْ بعيد أخي نُسْكٍ وإسلامٍ
وعيدِ لهوٍ طليق الوجهِ بسَّامِ
عيدان أضحى ونوروزٌ كأنهما
يومَا فعالِك من بؤسٍ وإنعامِ
من ناصحٍ بالذي تحيي النفوسَ به
وحائلٍ بين أرواحٍ وأجسامِ
كذاك يوماكَ يومٌ سيْبُهُ دِيَمٌ
على العُفاة ويومٌ سَيْفهُ دامي
لله أضحى ونيروزٌ لبستهما
على عفافٍ وجُودٍ غيرِ إلمام
أضْحتْ يمينُك في النَوْروز فائضةً
بالمال لا الماء فيْضاً غيرَ إرهامِ
لَهَوْتَ فيه بجد النَّفح واجتَنَبتْ
دعابةَ النضح نفسٌ همُّها سامي
ثم انصرفْتَ إلى الأضحى وسُنَّته
فأي مِطعانِ لباتٍ ومِطعام
ألحمتنا الكُومَ فيه فألُ مارِقةٍ
ستُلحمُ الطيرَ منها أيَّ إلحام
لازلت تنحر في أمثاله أبداً
شتَّى نحائرِ أعداء وأنعام
فمن لحامٍ تريباتٍ بلا وضم
إلا الثرى ولحام فوق أوضام
فِعْلَ امرىء غير ظَلاَّم لمُنصفِهِ
للظالمين وللأموالِ ظلاَّم
فكفُّهُ كفُّ تقبيلٍ يُفازُ به
ووجهُه وجهُ إجلالٍ وإكرام
كأنّه شمسُ إصحاء وحاشى له
من أن يُقاسَ إليه بدْرُ إعتام
فيه بشاشة وصّالٍ ورونقُهُ
وفيه إن راب ريبٌ حَدُّ صرّام
لا تَغتَر بحياء فيه من شرسٍ
فالماءُ في كُل عَضْبِ الغرب صَمْصام
وزيرُ سِلم وحَرْبٍ لا كفاءَ له
مازال حَمَّال أرماحٍ وأقلام
إذا ارتأى الرأي في خَطْبٍ أُتيحَ له
فيه السدادُ بفكرٍ أوبإلهام
فلم يَهِمْ بين إنكارٍ ومعرفةٍ
ولم يخمِ بين إحجام وإقدام
خبِّرهُ بالداء واسأله بحيلته
تُخْبَرْ وتَسْلَ أخافهمٍ وإفهام
كم اشترى بكرى عينيه من سهرٍ
وباع في اللَّهِ لذَّاتٍ بآلام
للَّهِ مُطروه ما أضحّوا لأنفسِهم
ولا له يومَ زاروه بِلُوّام
آبوا بحظ بلا إثم وكم صدروا
عن آخرين بحرمان وآثام
مُطَلَّبٌ بعطايا ما يُنهنهها
عذْل العواذِل طَلاَّبٌ بأوغام
مُعاوِدٌ نَقْضَ أوتارٍ وآونةً
مُعاودٌ عفوَ زلاّتٍ وأجرام
يُعْطى فينطق ذا الإفحام نائله
ويُفحم الفحل شِعرا أيّ إفحام
يغدو وقد حل عافوه بذي كرم
إدْلالُ سُؤَّاله إذلالُ غُرَّام
لابل ترى لهمُ فيما حوت يدُهُ
وهو المحكَّم فيه حُكمَ حكَّام
أخو سماح يمُتُّ الأبعدونَ به
حتى كأنّهمْ منَّوْا بأرْحام
مستأنسين ببشرٍ منه آنسهُم
من قبله بشرُ حُجابٍ وخدام
ما استام بالحمدِ مُستام فماكَسهُ
وهل يرُدُّ جوادٌ حُكْم مُسْتام
ترى له في المساعي جدَّ مجتهِدٍ
لم يكْفهِ كُلُّ كُرَّام لِكُرَّام
ولو يشاء كفاهُ أنَّه رَجُل
من بين أكرم أخوالٍ وأعمام
لكنْ أبى بوفاءٍ من تُراثِهُمُ
إلا نُشوراً لهم من بعد إرمام
تلقى أبا الصقر في الجُلَّى وحُجْزتُه
مَقْسومةٌ بين أيدٍ خيرَ إقسام
من خائفٍ وهْنَ سُلطانٍ وذي عَوَزٍ
قد أعصما بالمرجَّى أيَّ إعصام
كلا الفريقين منه ثمَّ مُعْتصمٍ
بعُروة الأمنِ من خوفٍ وإعدام
دهرٌ نهى الدهر عن جيرانِ دولتِه
فأحرم الدهرُ فيها أيَّ إحرام
جانٍ على الناس حامٍ عُقرَ بيضتهم
لاتدم الطَّول من حانٍ ومن حامِ
تنافس الناسُ في أيام دولته
فما يبيعون أياماً بأعوام
لايبعد اللَّهُ أياما له جمعتْ
إلى سكونِ ليالٍ أُنسَ أيام
يفدي أبا الصقرِ قومٌ دون فديتِه
كأن مُدَّاحَهُم عُبَّادُ أصنام
ماهمَّ بالدينِ والدنيا فنالهُما
إلا قريعُكُم يا آل همَّام
رأيت أشرافَ خلقِ الله قد جُعلوا
للناس هاما وأنتم أعينُ الهام
أنتم نجومُ سماءٍ لا أُفول لها
وتلك أشرفُ من نيرانِ أعلام
ماينقض الدهرُ من حالٍ ويُبرمها
إلا بنقضٍ لكم فيه وإبرام
كم من غرامٍ يُلاقي المالُ بينكُم
من غارمٍ في سبيل المجد غنَّام
أقسمتُ بالله ما استيقظتُم لِخنا
ولا وُجدتم عن العليا بنوام
ضاهت صنائعُ أيديكم وقائعَها
فأصبحتً ذات إنجادٍ وإتهام
ماتفترُونَ عن التنفيسِ عن كظم
ولا تُفيقون عن أخذٍ بأكظام
مُسوّمين على جُردٍ مسومةٍ
مثل القداحِ بأيدي غيرِ أبرام
خيلٌ إذا أُسرجت أو أُلجمت لكُم
ذلَّ العزيزُ لإسراجٍ وإلجام
حتى إذا حملتكُم في وشيجكُم
سارت هناك بآسادٍ وآجام
كأن قسطلها والزرقُ ناجمةٌ
ليلٌ عليه سماءٌ ذاتُ إنجام
حتى إذا الزرقُ غابت في مطاعِنها
عادت هناك سماء ذات إثجام
وخافكُم كل شيءٍ فاكتسى نفقاً
كأنه في حشاهُ حرف إدغام
سُدتم بخفَّةِ أقدامٍ مُسارعة
إلى الكرائه في رُجحان أحلامِ
وجود أيغد كأن الله أنشأها
من كلِّ غيث ضَحوكِ البرق زمزامِ
لاتعدموا بسط إيمانٍ مضمنةٍ
ضرا ونفعا ولا تقديمَ أقدام
تغدون والمنعم المنعامُ منعمكم
ورُبَّ منعِم قوم غيرُ منعام
طالتْ على أناسِ أيديكم وماظلمتْ
ببارعِ الطول قمقامٍ لقمقام
فما اشتكى الفضلُ منكم لؤمَ مقدرةٍ
ولاشكى العدلُ منكم جور أحكام
لكم لدى الحُكم إلزامٌ بحُجتكم
على الخصومِ وصفحٌ بعد إلزام
أضحى الكرامُ وإسماعيل بينهم
في كل حالٍ مُعلًّى بين أزلام
غاب الموفَّقُ واستكفاه غيبتَهُ
فلم يصادفه بين الذم والذام
مازال مذ سُدَّ ثغر الحادثات به
يرمي الفرائصَ منه أيُّما رامي
إذ لاتقحُّم في حين الأناة لهم
ولا أناةَ له في حين إقحام
ولا تهورَ فيه عند ملتزم
ولاتهيّبَ فيه عند إحجام
شادَ الأمورَ التي ولاه بنيتها
على قواعد إتقان وإحكام
برحب ذرعٍ وصدرٍ لم يزل بلداً
فيه ينابيعُ رأي غيرُ أسدام
تلك الينابيعُ مازالت موارِدُها
فيها سقامٌ وفيها برءُ أسقام
ونائم قال قد أدركتُ غايته
عفوا فقلت له أضغاث أحلام
دع عنك ما تتمنى لن ترى أبداً
سِفلاً كعُلو ولا خَلفا كقُدَّام
تلقى أبا الصقرِ ضرغاماً بشِكَّتِه
إذا تبسَّل ضِرغامٌ لضرغام
واجتبى الناس إلا أنه رجل
لايعرفُ الخاء بين الباء واللامِ
واسلمْ أبا الصقرِ للإسلام تمنعهُ
منعَ امرىءٍ لا يرى إسلامَ إسلام
مازال معدنَ معروفٍ ومعرفةٍ
له فوائدُ وهَّابٍ وعلام
أنت الذي غدهُ في اليوم منتظر
وخيرُ قابله المنظورُ في العام
قد كاد يحميكَ حمدَ الناسِ علمهُمُ
بأن جُودك عن وجدٍ وإغرام
يامُعمِلَ الجود قد أنضيت مركبة
نضا فأعقبه منه يومَ أجمام
وليبق جودك من جَدواك باقيةً
لخادم لك محقوقٍ بإخدام