ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثاني/فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا
فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقناً
- قال علي : وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع قد صح بما فيه متيقناً منقولاً جيلاً فجيلاً ، فإن كان هذا علمنا أنه منقول نقل كافة كنقل القرآن ، فاستغني عن ذكر السند فيه ، وكان ورود ذلك المرسل ، وعدم وروده سواء ولا فرق ، وذلك نحو : «لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»
وكثير من أعلام نبوته ﷺ ، وإن كان قوم قد رووها بأسانيد صحاح فهي منقوله نقل الكافة كشق القمر مع أنه مذكور في القرآن ، وكإطعامه النفر الكثير من الطعام اليسير ، وكسقيه الجيش من ماء يسير في قدح وكصبه وضوءه في البئر فانثالت بماء عظيم بتبوك ، وكرميه التراب في عيون أهل حنين ، فأصابت جميعهم وهي مذكورة في القرآن.
وأما المرسل الذي لا إجماع عليه فهو مطروح على ما ذكرنا ، لأنه لا دليل عن قبوله البتة ، فهو داخل في جملة الأقوال التي إذا جمع عليها قبلت ، وإذا اختلفت فيها سقطت ، وهي كل قولة لم يأت بتفصيلها باسمها نص.
ومن قال بذلك دون برهان كان عاصياً لقول الله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
- قال علي : وإن العجب ليكثر من الحنفيين ، والمالكيين ، فإنهم يأبون قبول خبر الواحد في عدة مواضع ، ويقولون: قد جاء القرآن بخلافها ، نعم ويتركونها والقرآن موافق لها على ما قد ذكرنا ، ثم يتركون القرآن لنقل لا أحد ، فإن قال قائل: وكيف ذلك ؟
قلنا له وبالله تعالى التوفيق : إنهم يقولون كثيراً بالمرسل، وهو نقل لا أحد لأن المسكوت عن ذكره المجهول حاله هو ومن هو معدوم سواء. وبالله تعالى التوفيق .