ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثالث/فصل في ورود حكمين بنقل يدل لفظه على أنهما في أمر واحد لا أمرين

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل في ورود حكمين بنقل يدل لفظه على أنهما في أمر واحد لا أمرين

قال علي : روي أن رجلاً أتى رسول الله في رمضان وهو يقول: احترقت، وأنه وصف أنه وطأ امرأته وهو صائم، فأمره رسول الله بكفارة موصوفة، وروي من تلك الطريق بعينها أن رجلاً أفطر في رمضان، فأمره بتلك الكفارة بعينها، وذكر باقي الحديث الأول، فعلمنا بذلك أنهما حديث واحد، لأن الرواة لهذا هم أولئك الذين رووا بأي شيء كان الإفطار، وسياق الحديثين واحد، فصح أن بعض الرواة عن الزهري فسّر القصة وهم: سفيان، ومعمر، والليث، والأوزاعي، ومنصور بن المعتمر، وعراك بن مالك، وأن بعضهم عن الزهري أجملها، وهم مالك، وابن جريج، إلا أنهم كلهم عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.

قال علي : وليس هكذا حديث السارقة والمستعيرة، لأن الوطء في حال الصوم إفطار صحيح، يقع عليه في الشريعة اسم إفطار على الحقيقة، ولا يقع على السارق اسم مستعير جاحداً البتة، ولا يقع على المستعير الجاحد اسم البتة.

وأيضاً فقد روى حديث قطع المستعيرة ابن عمر، ولم يذكر سرقة وإنما ذكر أمر السرقة عن عائشة فصح أنهما حديثان متغايران، وهذا أيضاً ما تعلق به المانعون من المسح على العمامة في حديث المغيرة فقالوا: ذكره المسح على العمامة هو حديث واحد مع الذي فيه ذكر المسح على الناصية والعمامة.

قال علي: وهذا خطأ، لأن الوضوء لم يكن مرة واحدة منه ، بل كانت آلافاً من المرار، فمن ادعى أن ذلك كله وضوء واحد في وقت واحد، فقد دخل تحت الكذب، والقول بما لا يعلم، وهذا لا يحل لمسلم.

وأيضاً فقد روى المسح على العمامة والخمار من لم يذكر مسحاً على الناصية أصلاً وهم: سلمان، وبلال، وكعب بن عجرة، وعمرو بن أمية الضمري، لا سيما المالكيين المانعين من الاقتصار على المسح للناصية فقط، فإنهم لا متعلق لهم بحديث المغيرة أصلاً، وكل ما تعلقوا به بهذا الباب فهو حجة عليهم فصح بما ذكرنا أن حديث المغيرة وحديث من ذكرنا متغايران، وبالله تعالى التوفيق.

فينبغي مراعاة هذا في النصوص. ومثل ذلك من القرآن قول الله عز وجل: {بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ } ثم قال تعالى في تلك السورة نفسها بعد يسير: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } .

قال علي : فوجدناه تعالى قد جعل مدة من عاهدوا من المشركين أربعة أشهر، ثم وجدناه تعالى قد جعل مدة المشركين من يوم الحج الأكبر وهو يوم النحر بنص تسمية رسول الله بذلك انسلاخ الأشهر الحرم.

فليس بين الأمدين إلا خمسون يوماً، فعلمنا يقيناً أن هؤلاء المشركين الذين جعل أمدهم شهرين غير عشرة أيام، هم غير المشركين الذين عوهدوا أربعة أشهر، وهذا ينبغي أن يتفقد جداً، فإنه برفع الإشكال كثير، وبالله تعالى التوفيق.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثالث

في الأوامر والنواهي الواردة في القرآن وكلام النبي والأخذ بظاهرها وحملها على الوجوب والفور | تتمة الأوامر والنواهي الواردة في القرآن وكلام النبي والأخذ بظاهرها وحملها على الوجوب والفور | فصل في كيفية ورود الأمر | فصل في حمل الأوامر والأخبار على ظواهرها | فصل في الأوامر، أعلى الفور هي أم على التراخي | فصل في الأمر المؤقت بوقت محدود الطرفين | فصل في موافقة معنى الأمر لمعنى النهي | فصل في الأمر | فصل في التخيير | فصل في الأمر بعد الحظر ومراتب الشريعة | فصل في ورود الأمر بلفظ خطاب الذكور | فصل في الخطاب الوارد هل يخص به الأحرار دون العبيد أم يدخل فيه العبيد معهم ؟ | فصل في أمره عليه السلام واحداً هل يكون أمراً للجميع ؟ | فصل في أوامر ورد فيها ذكر حكمه عليه السلام ولم يأت فيها من لفظه السبب المحكوم فيه | فصل في ورود حكمين بنقل يدل لفظه على أنهما في أمر واحد لا أمرين | فصل في عطف الأوامر بعضها على بعض | فصل في تناقض القائلين بالوقف | حمل الأمر وسائر الألفاظ كلها على العموم | تتمة حمل الأمر وسائر الألفاظ كلها على العموم | فصل في بيان العموم والخصوص | فصل في الوجوه التي تنقل فيها الأسماء عن مسمياتها | فصل في النص يخص بعضه هل الباقي على عمومه أم لا يحل على عمومه | فصل في مسائل من العموم والخصوص | فصل من الكلام في العموم