ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثالث/فصل في الأمر المؤقت بوقت محدود الطرفين

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل في الأمر المؤقت بوقت محدود الطرفين

في الأمر المؤقت بوقت محدود الطرفين، متى يجب أفي أوله أم في آخره ؟

والأمر المرتبط به بصفة مّا، والأمر المؤقت بوقت محدود الأول غير محدود الآخر؛ وفيه زيادات تتعلق بالفصل الذي أتممناه قبل هذا.

قال علي : أما الأمر المرتبط بوقت لا فسحة فيه فغير جائز تعجيل أدائه قبل وقته، ولا تأخيره عن وقته، وذلكم ما ذكرنا قبل هذا من صيام شهر رمضان، فإن جاء نص بالتعويض منه وأدائه في وقت آخر، وقف عنده؛ وكان ذلك عملاً آخر مأموراً به، وإن لم يأت بذلك نص ولا إجماع، فلا يجوز أن يؤدى بشيء منه في غير وقته.

وكذلك كل عمل مرتبط بوقت محدود الطرفين، كأوقات الصلوات وما جرى هذا المجرى، فلا يجوز أداء شيء من ذلك قبل دخول وقته، ولا بعد خروج وقته، ومن شبّه ذلك بديون الآدميين لزمه أن يجيز صيام رمضان في شعبان قياساً على تعجيل ديون الناس قبل حلول أوقاتها، ولزمه أن يجيز تقديم الصلوات قبل وقتها قياساً على ذلك، وعلى ما أجازوا من تعجيل الزكاة قبل حلول وقتها، فبعضهم قال: بثلاثة أعوام، وبعضهم قال: بعام فأقل، وبعضهم قال: الشهر والشهرين ونحو ذلك، وبعضهم فرق متحكماً، فأجاز تعجيل الزكاة التي في الأموال قبل الحول بشهر أو شهرين، ومنع من شهرين ونصف، وأجاز في تعجيل زكاة الفطر اليوم واليومين ومنع من ثلاثة أيام، وهذا قول يكفي من بطلانه سماعه، لأنه حكم بلا إذن من الله عز وجل، وفرق بلا دليل.

قال علي : ولا فرق بين ما أجاز أداء الأمر بعد انقضاء وقته، وبين من أجازه قبل دخول وقته هذا على أن بعضهم قد أجاز للمريض الذي يخاف تغير عقله تعجيل الصلاة قبل وقتها، فإذا ادعوا أن الإجماع منعهم من ذلك أكذبهم قول ابن عباس؛ فإنه يجيز أداء الصلاة قبل دخول وقتها، وصلاة الظهر قبل زوال الشمس، ولا فرق في ديون الناس بين أدائها بعد وقتها وحلول أجلها، وبين أدائها قبل وقتها وحلول أجلها فليقولوا كذلك في جميع شرائع الله تعالى.

قال علي : وبطلان هذا القياس سهل، فلو كان القياس حقّاً لكان في هذا المكان باطلاً بحتاً، بحول الله وقوته، فنقول وبالله تعالى التوفيق: إن ديون الناس التي إلى أجل، لا يجوز لأحد أداؤها قبل حلول أوقاتها، ولا تأخيرها عن حلول أوقاتها إلا بإذن الذين لهم الديون ورضاهم، ولا خلاف في ذلك جملة، ولكن تناقض من تناقض في بعض ذلك، ولا خلاف في أن من كان له على أحد ثلاثة ديون من ثلاث معاملات، وكلها إلى آجال محددة، فأذن الذي له الدين في تعجيل أحد تلك الديون بعينه قبل الأجل، ورضي بذلك الغريم ثم أذن في تأخير آخر من تلك الديون بعينه بعد حلول أجله، فليس ذلك بموجب جواز تعجيل الدين الذي لم يأذن بتعجيله، ولا بمجيز تأخيره عن أجله هذا ما لا خلاف بين اثنين فيه، فإذا لم يكن إذن الناس فيما أذنوا فيه من تعجيل ديونهم أو تأجيلها، موجباً أن يقاس ما سكتوا عنه من سائر ديونهم على ما أذنوا فيه من تعجيل ديونهم، فذلك أبعد من أن تقاس ديون الله تعالى التي لم يأذن في تأجيلها، ولا في تعجيلها على ما أذن الناس فيه من تعجيل ديونهم وتأجيلـها.

قال علي : وهذا ما لا خفاء به على من لـه مسكة عقل، وأيضاً فلا خلاف بين اثنين في أن من لـه دين فأسقطه البتة، ورضي الغريم بذلك، فإن ذلك الدين ساقط، فيلزمهم إذا أجازوا تأخير ديون اللـه تعالى عن أوقاتها، وتعجيل بعضها عن أوقاتها وإن لم يأذن اللـه تعالى في ذلك قياساً على جواز تأخير ديون الناس، وجواز تعجيلـها إذا أذنوا في ذلك بأن يجيزوا سقوط ديون اللـه تعالى بالبتة، وإن لم يأذن اللـه تعالى في ذلك، قياساً على سقوط ديون الناس بالبتة إذا أذنوا في ذلك وهذا أصح قياس وأشبه بقياسهم الذين حكوا، لو كان القياس حقّاً، والقياس بحمد اللـه تعالى باطل محض.

قال علي : وأيضاً فإن الزكوات والكفارات بالصدقات، وإن كان اللـه تعالى قد جعلـها للمساكين، فليست من حكم ديون الناس في ورد ولا صدر، لأن ديون الناس التي راموا تشبيه الزكوات بها، هي لأقوام بأعيانهم، فحكمهم جائز فيها، لأنها مال متعين لـهم، وموروث عنهم، وأما الزكوات والكفارات فليست لقوم من المساكين بأعيانهم، ولا هؤلاء المساكين بأولى بها من غيرهم من المساكين، فما كان هكذا فلا إذن لمن حضر من المساكين فيها لا بتعجيل ولا بتأجيل، ولا يستحقونها إلا بقبضها في أوقاتها، لا قبل ذلك ولا بعده. وبيان ذلك أنها لا تورث عنهم قبل قبضهم لـها، ولا يجوز حكمهم فيها، ولا تصرفهم ولا إبراؤهم قبل قبضها، وكل هذا لا خلاف فيه، وإنما شبه رسول اللـه ديون الناس بديون اللـه تعالى في شيئين لا ثالث لـهما :

أحدها : بقاء حكمها بعد الموت وبعد العجز.

والثاني : أداء الولي لـها عن الميت فعصوا اللـه تعالى أو من عصاه منهم ورسولـه ، في الوجهين اللذين شبَّه رسول اللـه فيها ديون الناس بديون اللـه تعالى، وتركوهما معاً، فقالوا: من مات وعليه حج أو زكاة أو صيام أو كفارات، فقد سقط وجوبها فيما ترك، ولا يقضى عنه إلا أن يأمر بذلك فيقضى عنه الزكاة والحج خاصة من الثلث، ويطعم عنه إن أوصى بذلك في الصيام فقط. ثم شبّهوا ديون اللـه بديون الناس فيما لا شبه فيه بينهما، وفيما لم يأذن به اللـه عز وجل، ومن شغب منهم بالحديث الذي روي من جمع زكاة الفطر في المسجد، ومبيت أبي هريرة عليها، فلا حجة لـهم فيه، لأنه لا يخلو ذلك الجمع المذكور من أحد وجهين لا ثالث لـهما:

أحدهما: أن تكون جمعت ولم تفرق حتى يأتي يوم الفطر الذي هو وقت أدائها، وليس هذا مخالفاً لقولنا، ولو جاء وقت أدائها لما حل لمسلم أن يظن بالنبي أنه أخَّر إعطاءها وهو إذ بقي عنده دينار لم يستحقه عليه أحد لم يأو إلى نسائه، ولا فارق المسجد ليلاً ولا نهاراً قلقاً آسفاً حتى يعطيه، فكيف يمنع أحداً حقّاً وقد وجب أداؤه، ومن ظن هذا بالنبي فقد هذي.

أو تكون أخرجت في وقتها ولا يحضر من يستحقها فانتظر النبي حضورهم كما كان يفعل بما اجتمع عنده من غنم الصدقة ونعمها، ولا يحل لمؤمن أن يظن بالنبي غير أحد هذين الوجهين.

وبالله تعالى التوفيق، وليس في المذكور أنها أعطيت المساكين قبل يوم الفطر فبطل تشغيبهم به، وبالله تعالى التوفيق.

قال علي : فإذا كان حكم الأموال والعبادات ما ذكرنا، فلا خلاف في أن الوقت إنما معناه زمان العمل، وأنه لا يفهم من قول الله عز وجل ورسوله  : اعملوا عمل كذا في وقت كذا، وصلوا صلاة كذا من حين كذا إلى حين كذا إلا أن هذا الزمان المحدود هو الذي أمرنا فيه بالعمل المذكور، فنقول حينئذ للمخالف: ما معنى خروج الوقت ؟ فلا بد ضرورة من أنه انقضاء زمان العمل، فإذا ذهب زمان العمل، فلا سبيل إلى العمل، إذ لا يتشكل في العقول كون شيء في غير زمانه الذي جعله الله تعالى زماناً له، ولم يجعل له زماناً غيره، وهذا من أمحل المحال وأشد الامتناع الذي لا يدخل في الإمكان البتة.

فإن قال قائل : كل وقت فهو لذلك العمل وقت. أبطل حكم الله تعالى ورسوله في حدهما الوقت، وتعدى حدودهما واستحق النار، وقد قال تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } وتعدي الحدود على الحقوق، هو أن يحد الله تعالى وقتاً فيتعداه مخلوق من الناس دون نص ورد إلى وقت آخر، وهذا غاية البيان وبالله تعالى التوفيق.

وأيضاً فإنهم لا يقدمون على إطلاق تمادي الوقت بعد خروج الوقت المنصوص.

ويقال لهم أيضاً: أخبرونا عن هذا الذي تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فأمرتموه بإعادتها، أفي الوقت الذي رتبه الله تعالى أمرتموه بها ؟

أم في وقت لم يرتبه الله تعالى لها وقرنها به ؟

فإن قالوا في وقتها الذي رتبه الله تعالى لها، كفروا وكذبوا مجاهرة، وإن قالوا: بل في وقتها، أقروا بأنهم أمروا أن تؤدى الصلاة بخلاف ما أمر الله تعالى، ومن فعل شيئاً بخلاف ما أمر الله تعالى به، فلم يفعل الذي أمر، بل فعل ما لم يؤمر به، فهو عاصٍ في ذلك الفعل مرة ثانية، وإنما يأمرونه بمعصية وبأمر غير مقبول لقوله  : «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ» فصح لما ذكرنا صحة جلية أن من أمره الله تعالى بأداء عمل ما، في وقت ما، فعمله في غير ذلك الوقت، فإنما عمل عملاً لم يؤمر به، ومن أمر بعمله فقد شرع شريعة لم يأذن بها الله تعالى، بل قد نهى عنها، إذ نهى عن تعدي حدوده.

ولا يشك ذو حس أن صوم غد هو غير صوم اليوم، فمن أمره الله بصيام اليوم فأفطر عامداً للمعصية، ثم صام غداً، فإنما صام يوماً لم يأمره الله تعالى بصيامه، فلا يكون ذلك قاضياً ما أمر به، ولا يؤدي أحد ما أمر به إلا كما أمر به، لا كما نهى، ولا فرق بين هذا وبين ما أمره الله تعالى بحركة إلى مكان ما، كالحج إلى مكة في ذي الحجة، فحج هو إلى المدينة في ذي القعدة فأي فرق بين هذا وبين من أمر بصيام في رمضان، فصام هو في شوال ؟ أو بصلاة ما بين زوال الشمس إلى زيادة الظل على مثل من يوم بعينه، فصلاها هو في وقت آخر من يوم آخر، وأي فرق بين هذا وبين من أمر أن يفعل فعلاً في عين ما كنفقة على زوجة له مباح له وطؤها، ففعل هو ذلك الفعل في غير تلك المرأة، فهل هذا كله إلا غير الذي أمر به، وكل ذلك باب واحد، وطريق واحدة يجمعه كلها جمعاً مستوياً قوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } وقوله  : «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ» وأي فرق بين تعلق الأمر بالأزمان وبين تعلقه بالأعيان أو بمكان دون مكان ؟.

فإن قالوا: إنا قد وجدنا أوامر معلقة بزمان ينوب عنها تأدية ذلك العمل في زمان آخر.

قيل له وبالله التوفيق: إذا جاء بذلك نص أو إجماع فقد علمنا أن الله عز وجل مَدَّ ذلك الوقت، وعلق ذلك الأمر، بذلك الزمان الثاني، وجعله وقتاً له، ونحن لا ننكر هذا، بل نقر به إذا أمرنا به، لا إذا نهينا عنه، وقد جاء مثل ذلك في الأمكنة، كمن نذر صلاة في بيت المقدس، فإنه إن صلى بمكة أجزأه للنص في ذلك، ولا يجزي ذلك فيما لم يرد فيه نص، وكذلك من مات وعليه صيام لزم وليه أن يصوم عنه، للأمر الوارد في ذلك، وكذلك من لم يحج أحج عنه من رأس ماله للنصوص الواردة في كل ذلك.

فإن قالوا لنا: ما تقولون في الصلاة المنسية ؟ أو التي ينام عنها ؟ أكل وقت لها وقت ؟

قيل له، وبالله تعالى التوفيق: نعم كل وقت لها، ومتى ما صلاها فهو وقتها بنص كلام رسول الله ، وكذلك السكران لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً } .

فإن قالوا: فبأي شيء تأمرون من تعمد ترك صلاة حتى خرج وقتها، وتعمد ترك صوم رمضان في غير عذر من سفر أو مرض أو غير ذلك مما جاء فيه نص أو إجماع ؟

قلنا لـهم وباللـه تعالى التوفيق: نأمرهم بما أمرهم به ربهم عز وجل إذ يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الْلَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } وبما يقول لـهم نبيهم إذ يقول  : «إِنَّ مَنْ فَرَّطَ في صَلاةٍ فَرْضٍ جُبِرَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ تَطَوُّعِهِ وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَعْمَالِ» ، فأمره بالتوبة والندم والاستغفار والإكثار من التطوع، ليثقل ميزانه يوم القيامة، ويسد ما ثلم منه، وأما أن نأمره بأن يصلي صلاة ينوي بها ظهراً، لم يأمره اللـه عز وجل به أو عصراً لم يأت به نص، أو نأمره بصيام يوم على أنه من رمضان وهو من غير رمضان فمعاذ اللـه من ذلك.

فإذن كنا نكون متعدين بين يدي اللـه تعالى ورسولـه وآمرين لـه بأن يعمل غير ما أمره اللـه تعالى به بل ما قد نهاه عنه.

ثم نسألـهم فنقول: هذا الذي تعمد ترك صلاة أو صوم، ثم أمرتموه بقضائه أقضى ما أمره اللـه تعالى من ذلك كما أمر أم لا ؟

فإن قالوا: نعم كذبوا، وهم لا يقولون ذلك، وإن قالوا: لا أقروا بأنهم أمروه أن يؤدي العمل على غير ما أمره اللـه تعالى به.

فإن سألونا بمثل ذلك في ناسي الصلاة والنائم عنها، والمفطر لسفر أو مرض؟ قلنا لـهم: قد أدى ما أمره اللـه تعالى به كما أمره، وفي الوقت الذي أمره اللـه تعالى به، ولا ندري أقبل منه أم لا ؟ وكذلك كل عمل يعملـه في وقته ولا فرق، ولو صح الحديث في إيجاب القضاء على عامد الإفطار لقلنا به، ولكنه لم يصح إنما رواه عبد الجابر بن عمر، ومن هو مثلـه في الضعف، فإن قالوا: أنتم تأمرون الولي بأن يصوم عنه إن مات، ولا توجبون عليه أن يصوم عن نفسه.

قال علي : فنقول: كذبتم، إنما قلنا كما قال رسول اللـه  : «مَنْ مَاتَ وَعَليْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» ومعنى عليه صيام، عليه أن يصوم، لأن الصيام مصدر، تقول: صام يصوم صياماً وصوماً، فإنما هذا فيمن مات وعليه أن يصوم وإنما ذلك النادر والذي فرط في قضاء رمضان أفطره السفر أو مرض، فأما العامد للفطر بغير عذر فليس عليه صيام، وإنما عليه إثم ترك الصيام، وفي هذا كفاية لمن عقل، وباللـه تعالى التوفيق.

قال علي : وكل أمر علق بوصف ما، لا يتم ذلك للعمل المأمور به إلا بما علق به فلم يأت به المأمور كما أمر، فلم يفعل ما أمر به فهو باق عليه كما كان، وهو عاص بما فعل، والمعصية لا تنوب عن الطاعة، ولا يشكل ذلك في عقل ذي عقل، فمن ذلك: من صلى بثوب نجس أو مغصوب وهو يعلم ذلك، ويعلم أنه لا يجوز له ذلك الفعل، أو صلى في مكان نهي عن الإقامة فيه كمكان نجس، أو مكان مغصوب، أو في عطن الإبل، أو إلى قبر، أو من ذبح بسكين مغصوبة، أو حيوان غيره بغير إذن صاحبه، أو توضأ بماء مغصوب، أو بآنية فضة، أو بإناء ذهب، فكل هذا لا يتأدى فيه فرض، فمن صلى كما ذكرنا فلم يصل، ومن توضأ كما ذكرنا فلم يتوضأ، ومن ذبح كما ذكرنا فلم يذبح وهي ميتة لا يحل لأحد أكلها لا لربها ولا لغيره، وعلى ذابحها ضمان مثلها حية، لأنه فعل كل ذلك بخلاف ما أمر. وقال  : «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ» .

قال علي : وقد نهاه الله تعالى عن استعمال تلك السكين، وعن ذبح حيوان غيره بغير إذن مالكه، وعن الإقامة في المكان المغصوب، وأمر بالإقامة للصلاة، وبتذكية ما يحل أكله، وبضرورة العقل، علمنا أن العمل المأمور به هو غير العمل المنهي عنه، ولا يتشكل في العقل غير ذلك، فذبحه حيوان غيره أو بسكين مغصوبة ليس هو التذكية المأمور بها، فإذا لم يذك كما أمر فلم يحل بذلك العمل المنهي عنه أكل ما لا يحل أكله إلا بالتذكية المأمور بها، ولا شك في أن إقامته في المكان المغصوب ليست الإقامة المأمور بها في الصلاة، ولو كان ذلك لكان الله عز وجل آمراً بها، ناهياً عنها إنساناً واحداً، في وقت واحد، في حال واحدة، وهذا مما قد تنزه الحكيم العليم في إخباره تعالى أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وليس اجتناب الشيء والإتيان به في وقت واحد في وسع أحد، فصح ما قلنا، وبالله التوفيق.

وقد عارض في هذا بعض أهل الإغفال بمن طلق أو أعتق في مكان مغصوب، أو صبغ لحيته بحناء مغصوبة، أو تعلم القرآن في مصحف مغصوب.

قال علي : وهذا الاعتراض يبين جهل المعترض به، لأن الطلاق والعتاق والبيع والعطايا والصدقات لفظ لا يقتضي إقامة مأموراً بها، بل مباح له أن يطلق ويفعل كل ذلك، وهو يمشي أو وهو يسبح في الماء، فليس مرتبطاً بالإقامة في المكان، والصلاة لا بد لها من إقامة إلا في حالة المسابقة أو الضرورة، فمن اضطر إلى الإقامة في مكان مغصوب فصلاته فيه تامة، لأنه ليس مختاراً للإقامة هناك، والصابغ بالحناء بعد إزالة الحناء ليس هو مستعملاً في تلك الحال لشيء مغصوب، وأما لو صلى وهو مختضب بها لبطلت صلاته لفعله فيها ما لا يحل له، وأما تعلم القرآن فليس مرتبطاً بجنس المصحف، وقد يتعلم المرء تلقيناً، ثم أيضاً هو في حال حفظه غير مستعمل لشيء مغصوب، وكذلك في قراءاته ما حفظ في صلاته، وبالله التوفيق.

وبالجملة فلا يتأدى عمل إلا كما أمر الله تعالى، أو كما أباح، لا كما نهى عنه، وبالله تعالى التوفيق، وكل عمل لا يصح إلا بصحة ما لا يصح، فإن ذلك العمل لا يصح أبداً، وكل ما لا يوجد إلا بعد وجود ما لا يوجد، فهو غير موجود أبداً، وكل ما لا يتوصل إليه إلا بعمل حرام فهو حرام أبداً، وكل شيء بطل سببه الذي لا يكون إلا به فهو باطل أبداً، وهذه براهين ضرورية معلومة بأول الحس، وبديهة العقل، ومن خالف فيها فهو سوفسطائي، مكابر للعيان، وبالله التوفيق.

قال علي : وقد أشار قوم من إخواننا إلى أنه لا يقبل تطوع من عليه فرض.

قال علي : وهذا إذا أجمل دون تفسير أو خطأ، وذلك أن الحديث قد صحّ عن النبي أن الله تعالى يجيز صلاة من لم يتم فرض صلاته بتطوع إن كان له وكذلك الزكاة، وكذلك سائر الأعمال.

قال علي : والصحيح في هذا الباب أن كل فرض تعين في وقت لا فسحة فيه، فإنه لا يجزي أحداً أداه غيره في ذلك الوقت، وذلك كإنسان أراد صيام نذر عليه، أو تطوع في شهر رمضان وهو مقيم صحيح، فهذا لا يجزيه، أو كإنسان لم يبق عليه من وقت الصلاة إلا مقدار ما يدخل فيها فقط، فهذا حرام عليه أن يتطوع أو يقضي صلاة عليه، أو يصلي صلاة نذر عليه، حتى تتم التي حضر وقتها بلا مهلة ولا فسحة، فإن قضى حينئذ صلاة فاتته لم تجزئه، وعليه قضاؤها ثانية، وكذلك إن صلى صلاة نذر عليه، وليس كذلك من لزمته زكاة، ولم يبق من ماله إلا قدر ما يؤدي ما وجب عليه منها فقط، إلا أن له غنى بعد ذلك، فهذا يجزئه أن يتصدق بما شاء منه تطوعاً، وأن يؤدي منه نذراً، بخلاف ما ذكرنا قبل، لأن الزكاة في ذمته، لا في عين ما بيده. وكذلك من أحاطت بماله ديون الناس حاشا بعد الموت لأن النص منع من ذلك، ولم يجعل وصية ولا ميراثاً إلا بعد الدَّين. ولكن من حضره وقت الحج وهو مستطيع، فلا يجزئه أن يحج تطوعاً ولا نذراً قبل أداء الفرض، وكذلك العمرة، لأن النبي قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ، فالمستطيع للحج مأمور بأدائه حينئذ، ومن حضر رمضان فهو مأمور بصيامه لرمضان، ومن لم يبق عليه من وقت صلاته إلا مقدار ما يدخل فيها فهو مأمور بالدخول فيها، فإذا فعل غير ما أمر به فهو ردّ بنص كلام رسول الله وليس كذلك من لم يبق بيده من ماله إلا مقدار الزكاة، أو مقدار ديون الناس، لأنه ليس مأموراً بأداء ذلك مما بيده، ولا بد لأنه لو استقرض مالاً فأدى منه الزكاة التي عليه، وديون الناس التي عليه أجزأه ذلك بلا خلاف، ولم يجز للقاضي أن يلزمه الأداء من ماله ولا بد، والصلاة والحج والصيام في أوقاتها بخلاف ذلك.

وأما إذا دخل وقت الصلاة وفيه مهلة بعد، فلا خلاف بين أحد من المسلمين في جواز التطوع حينئذ، وبهذا جاءت النصوص، وأما من سافر في رمضان، أو مرض فهو غير مأمور بصيامه لرمضان، وغير منهي عن صيامه لغير رمضان، فله أن يصومه لما شاء من نذر، أو تطوع أو قضاء واجب، وأما من عليه صلوات نسيها أو نام عنها، وعليه قضاء رمضان سافر فيه أو مرض فأفطر، فإن وقت هذه الصلوات ووقت قضاء هذا الصوم ممتداً أبداً، فإن أخّر قضاء ذلك وهو قادر غير معذور فهو عاص بالتأخير فقط، وذلك لا يسقط عنه قضاء ما لزمه قضاؤه من ذلك، فهذا والصلاة التي دخل وقتها سواء، فإن تطوع بصلاته أو صيام لم يضع له ذلك عند الله تعالى، لأن وقت ما لزمه ممتد بعد فلا يفوته.

وبالله تعالى التوفيق، ومما يبين هذا حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كانت تكون على الأيام من قضاء رمضان، يعني من قضاء أيام حيضها، ولا أستطيع أن أقضيها إلا في شعبان، لشغلي برسول الله أو كلاماً هذا معناه.

قال علي : وهذا مما قد أيقنا أن رسول الله علمه وأقر عليه، لأنه لا يجوز أن تحيض إلا وهو يعلم ذلك، لأنها كانت لها ليلتان من تسع، ولا يمكن أن يغفل أمرها بتعجيل القضاء لو كان الفرض لا يجزىء إلا بتعجيله، وقولها لا أستطيع، أوضح عذر، وهذا نص ما قلنا وبيانه.

ومما يبين صحة ما قلنا آنفاً، من أن الزكاة وديون الناس وسائر فرائض الأموال إنما هي واجبة في ذمة المرء، لا في عين ما بيده من المال، أنه لو كانت واجبة في عين ما بيده من المال، ثم تلف ذلك المال لسقطت عنه تلك الحقوق، وهذا باطل، وأيضاً فإنه مما لا يقوله مسلم، فلما لم تسقط الحقوق المذكورة بذهاب جميع عين المال، صحّ يقيناً أنها في ذمته، وإنما يصير ما له لغيره بأحد وجوه أربعة أوجبها النص وهي: أداؤه من ماله، أو قبض من له حق حقه مما ظفر منه من ماله، أو قضاء الحاكم بما له للغرماء فيما لزمه من الحقوق، أو بموته فقط.

وكان يكفي من هذا الحديث الصحيح: عن النبي بأمره بإكفاء القدور وهي تفور باللحم الذي عجل أصحابه رضي الله عنهم، فذبحوا من المغنم قبل القسمة، فلو جاز أكل ذلك اللحم لما أمر بإكفاء القدور وهي تفور.

وقد روي من طريق أخرى أنه جعل يرمله بالتراب ويقول: «إِنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ المِيتَةِ» أو كلاماً هذا معناه، فإن اعترضوا بحديث الشاة التي روي أنه قال فيها: «إِنِّي لأَجِدُ طَعْمَ لَحْمٍ أُخِذَ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهِ» ، أو كلاماً هذا معناه، قال: ثم أمر بإطعامه للأسارى، فهذا حديث لا يصح لأنه إنما روي من طريق رجل من الأنصار، ولم يأت من غير هذه الطريق أصلاً فسقط الاحتجاج به، وهرقه اللحم من القدور في الأرض، مع نهيه عن إضاعة المال، دليل واضح على أنه لا يحل أكله وهذا نصّ قولنا , وبالله تعالى التوفيق.

قال علي : وأما العمل المأمور به في وقت محدود الطرفين، قد ورد النص بالفسحة في تأخيره فإنه يجب بأول الوقت، إلا أنه قد أذن له في تأخيره، وكان مخيراً في ذلك وفي تعجيله، فأي ذلك أدى فقد أدى فرضه، إلا أنه يؤجر على التعجيل لتحصيله العمل، واتهمه به، ولا يأثم على التأخير لأنه فعل ما أبيح له، وذلك مثل تأخير المرء الصلاة إلى آخر وقتها الواسع، ولذلك أسقطنا الملامة والقضاء عن المرأة تؤخر الصلاة عن أول وقتها فتحيض، فعلت ما أبيح لها، ومن فعل ما أبيح له فقد أحسن.

وقال تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فسقطت الملامة.

وقد أخر الصلاة إلى آخر وقتها، فصح بذلك أن ذلك جائز مباح حسن، وإن كان التعجيل أحسن، وسقط القضاء عنها لخروج الوقت، لأنه يؤدي عمل إلا في وقته المأمور به، كما أسقط خصومنا موافقين لنا القضاء عن المغمى عليه أكثر من خمس صلوات، وبعضهم أسقطها عن المغمى عليه صلاة فما فوقها.

وأما كل عمل محدود الطرف الأول غير محدود الطرف الآخر، فإن الأمر به ثابت متجدد وقتاً بعد وقت، وهو ملوم في تأخيره، لأنه لم يفسح له ذلك، وكلما أخّره حصل عليه اسم التضييع، وإثم الترك لما أمر به.

فإن أداه سقط عنه إثم الترك، وقد استقر عليه إثم ترك البدار.

ولا يسقطه عنه إلا ربه تعالى بفضله إن شاء لا إله إلا هو كسائر ذنوبه التي لا بد من الموازنة فيها، لأن الأداء والتعجيل فعلان متغايران كما قدمناه، وقد يؤدي من لا يعجل، فصح أنهما شيئان متغايران، وكذلك القول في ديون الناس، فإن المماطل الغني آثم بالمطل، وآثم بمنع الحق، فإذا أدى الحق يوماً ما سقط عنه المنع، وقد استقر إثم المطل عليه فلا يسقط عنه بالأداء، لأن المنع والمطل شيئان متغايران، وقد يؤدي ولا يمنع من قد مطل.

ولذلك قلنا، فيمن غصب مالاً فلم يؤده إلى صاحبه حتى مات المغصوب منه ثم أداه إلى ورثته: إنه باق عليه إثم الغصب من الميت، وإنما سقط عنه إثم الغصب من الوارث وهو الثاني، لأنه لا شك عند كل ذي عقل أن ظلمه لزيد الموروث غير ظلمه لعمرو الحي الوارث.

وقد انتقل ملك المال إلى الوارث، وملك الوارث لذلك المال غير ملك المورث له، هذا شيء يعلم بضرورة العقل وبديهة الحس.

فإن أحدث الغاصب ظلماً ثانياً لهذا الحي، فهو عمل آخر، وإثم متجدد، فإن ردّ إليه ماله فقد سقط عنه إثم ظلمه إياه، ولا يسقط ما وجب لزيد من الحق في حياته إنصاف هذا الغاصب لعمرو بعد موت زيد، وكذلك لو مات الغاصب فصرف المال وارثه، فإنما سقط الإثم عن الوارث الصارف، لا عن الميت الغاصب، لأن عمل زيد لا يلحق عمراً إلا بنص أو إجماع، قال الله عز وجل : {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } وقال تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } اللهم إلا أن يرد نص بأن عمل زيد يلحق عمراً بعد موته أو في حياته، فنقر بذلك سامعين طائعين، كالصيام عن الميت والحج عنه وأداء ديونه، فلو أمر الميت أن يرد ما غصب في حياته كان قد تبرأ أو سقط عنه إثم الإمساك، وبقي عليه إثم المطل، لأن كل ذلك أعمال متغايرة، فلو تطوع امرؤ برد دين أو غصب عن ميت وجعل الأجر للميت لكان ذلك لاحقاً بالميت ومرد عنه على حديث أبي قتادة، وإنما نقول ما قال لنا الله تعالى ورسوله ونعلم ما علمناه ولا مزيد، وبالله التوفيق.

وأصحاب القياس يتناقضون في المسائل التي ذكرنا أقبح تناقض، فيجيزون قضاء الحج إذا وصى به، ولا يجيزون قضاء الصوم إذا أوصى به، ويجيزون تقديم الصلاة قبل وقتها للمريض إذا خشي على عقله، وفي ليلة المطر، ولا يقيسون على تقديم العتمة قبل ليلة المطر تقديم العصر قبل وقتها يوم المطر ولا تقديم الظهر قبل وقتها.

فإن قالوا: الوقت مشترك بين العتمة والمغرب لزمهم أن يجيزوا تقديم العتمة إلى وقت المغرب لغير ضرورة، لأنه وقتها، ومن صلى الصلاة في وقتها فقد أحسن، ولزمهم تقديم العصر إلى الظهر بغير ضرورة لذلك أيضاً، وقد قال بذلك ابن عباس وجماعة من السلف رضي الله عنهم، ولسنا نقول بذلك إلا في يوم عرفة فقط، لأنه لم يأت في ذلك نص غيره، فظهر عظم تناقضهم.

ولقد شاهدت بعض أهل مساجد الجانب الشرقي بقرطبة أيام تغلب البربر عليها، يستفتون شيوخ المالكيين في تعجيل العتمة قبل وقتها خوف القتل، إذ كان متلصصة البرابر يقفون لهم في الظلام في طرق المسجد، فربما أوذوا إيذاءً شديداً فما فسحوا لهم في ذلك، ولم يقيسوا ضرورة خوف الموت على ضرورة خوف بلل الثياب في الطين، وهذا كما ترى، وبالله تعالى التوفيق.

وقال قوم: إن العمل المأمور به في وقت محدود الطرفين هو في أول الوقت ندب وفي آخره فرض.

قال علي : وهذا خطأ فاحش لأنه لو كانت تأديته في أول الوقت ندباً لما أجزأه ذلك، لأن الندب غير الفرض، ولا ينوب عمل عن عمل آخر غيره من غير نوعه إلا بنص، ولكن هذا بمنزلة الأشياء المخير فيها في الكفارات أيها أدى فهو فرضه، وكذلك من صلى أول الوقت فقد أدى فرضه، وإن صلى في وسطه فقد أدى فرضه، وإن صلى في آخره فقد أدى فرضه، فإن قال الآمرون من تعمد ترك صلاة حتى خرج وقتها بالقضاء: إنما فعلنا ذلك قياساً على قضاء الصلاة المنسية، والتي نيم عنها.

قيل لهم، وبالله تعالى التوفيق: أكثركم لا يرى على الحالف على الحنث عمداً كفارة ، ولا على القاتل عمداً كفارة ، قياساً على المخطىء غير المعتمد ، وهذا تناقض منكم ، وحتى لو طردتم خطأكم لكان ذلك زيادة في الخطأ ، لأن القياس عن القائلين به إنما هو الحكم للشيء بحكم شيء آخر لعلة جامعة بينهما، ولا علة تجمع بين الناسي والعامد ، وهذا هو قياس الشي على ضده ، لا على نظيره ، وهذا خطأ عندكم وعند جميع الناس ، وبالله تعالى التوفيق .

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثالث

في الأوامر والنواهي الواردة في القرآن وكلام النبي والأخذ بظاهرها وحملها على الوجوب والفور | تتمة الأوامر والنواهي الواردة في القرآن وكلام النبي والأخذ بظاهرها وحملها على الوجوب والفور | فصل في كيفية ورود الأمر | فصل في حمل الأوامر والأخبار على ظواهرها | فصل في الأوامر، أعلى الفور هي أم على التراخي | فصل في الأمر المؤقت بوقت محدود الطرفين | فصل في موافقة معنى الأمر لمعنى النهي | فصل في الأمر | فصل في التخيير | فصل في الأمر بعد الحظر ومراتب الشريعة | فصل في ورود الأمر بلفظ خطاب الذكور | فصل في الخطاب الوارد هل يخص به الأحرار دون العبيد أم يدخل فيه العبيد معهم ؟ | فصل في أمره عليه السلام واحداً هل يكون أمراً للجميع ؟ | فصل في أوامر ورد فيها ذكر حكمه عليه السلام ولم يأت فيها من لفظه السبب المحكوم فيه | فصل في ورود حكمين بنقل يدل لفظه على أنهما في أمر واحد لا أمرين | فصل في عطف الأوامر بعضها على بعض | فصل في تناقض القائلين بالوقف | حمل الأمر وسائر الألفاظ كلها على العموم | تتمة حمل الأمر وسائر الألفاظ كلها على العموم | فصل في بيان العموم والخصوص | فصل في الوجوه التي تنقل فيها الأسماء عن مسمياتها | فصل في النص يخص بعضه هل الباقي على عمومه أم لا يحل على عمومه | فصل في مسائل من العموم والخصوص | فصل من الكلام في العموم