ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثالث/فصل في أمره عليه السلام واحدا هل يكون أمرا للجميع؟

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل في أمره واحداً هل يكون أمراً للجميع ؟

قال علي : قد أيقنَّا أنه بعث إلى كل من كان حيّاً في عصره في معمور الأرض، من إنسي أو جني، وإلى من ولد بعده إلى يوم القيامة، وليحكم في كل عين وعرض يخلقهما تعالى إلى يوم القيامة، فلما صحّ ذلك بإجماع الأمة المتيقن المقطوع به المبلغ إلى النبي وبالنصوص الثابتة بما ذكرنا من بقاء الدين إلى يوم القيامة.

ولزومه الإنس والجن، وعلمنا بضرورة الحس أنه لا سبيل إلى مشاهدته من يأتي بعده، كان أمره لواحد من النوع، وفي واحد من النوع أمراً في النوع كله، وللنوع كله، وبين هذا أن ما كان من الشريعة خاصّاً لواحد، أو لقوم فقد بيّنه نصّاً، وأعلم أنه خصوص، كفعله في الجذعة بأبي بردة بن نيار، وأخبره عليه السلام أنها لا تجزي عن أحد بعده، وكان أمره للمستحاضة أمراً لكل مستحاضة، وإقامته ابن عباس وجابراً عن يمينه في الصلاة، حكماً على كل مصلَ وحده مع إمام، ولا خلاف بين أحد في أن أمره لأصحابه رضي الله عنهم وهم حاضرون، أمر لكل من يأتي إلى يوم القيامة.

وأما إخواننا: فاضطربوا في هذا اضطراباً شديداً، فقالوا في فتياه للواطىء في رمضان: إن ذلك الحكم جار على كل واطىء، وأصابوا في ذلك، ثم لم يقنعوا بالصواب حتى تعدوه إلى الخطأ فقالوا: وذلك الحكم أيضاً جار على كل مفطر بغير الوطء ثم لم يقنعوا بذلك حتى قالوا: هو على النساء كما هو على الرجال، ثم أتوا إلى حكم النبي في محرم مات؛ فأمر ألا يمس طيباً ولا يغطي وجهه ولا رأسه، وأن يكفن في ثوبه فقالوا هو خصوص لذلك الواحد، وليس هذا حكم من مات وهو محرم، أفسمع السامعون بأعجب من هذا التحكم ؟

واحتجوا في ذلك بابن عمر وقد تركوا ابن عمر في أزيد من مائة قضية، وتركوا في ذلك قول من خالف ابن عمر في ذلك من أصحابه، واحتجوا بانقطاع عمل الميت تمويهاً وشغباً، وليس هذا للميت ولكنه عمل الأحياء المأمورين بذلك كما أمروا بغسله ومواراته ولا عمل للميت في ذلك ولا فرق.

فإن احتجوا في ذلك بقول علي رضي الله عنه: نهاني رسول الله ولا أقول نهاكم، فقد قال كعب بن عجرة فيّ أمر فدية حلق الرأس نزلت في خاصة وهي لكم عامة.

وأيضاً فقد بيَّنا في آخر كتابنا أنه لا يجوز التقليد، وقد بيَّن علي رضي الله عنه أن قوله هذا ليس على ما ظن الظان، من أن ذلك النهي لا يتعداه ذلك إذ سئل: أعهد إليك رسول الله بشيء لم يعهده إلى غيرك ؟ فقال: لا، ما خصني رسول الله بشيء إلا ما في هذه الصحيفة، وكان فيها العقل وأشياء من الجراحات، ولا يقتل مؤمن بكافر، فصح أن قول عليّ نهاني، إنما هو تحر للفظه فقط ، وبالله تعالى التوفيق، وهو الموفق للصواب .

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثالث

في الأوامر والنواهي الواردة في القرآن وكلام النبي والأخذ بظاهرها وحملها على الوجوب والفور | تتمة الأوامر والنواهي الواردة في القرآن وكلام النبي والأخذ بظاهرها وحملها على الوجوب والفور | فصل في كيفية ورود الأمر | فصل في حمل الأوامر والأخبار على ظواهرها | فصل في الأوامر، أعلى الفور هي أم على التراخي | فصل في الأمر المؤقت بوقت محدود الطرفين | فصل في موافقة معنى الأمر لمعنى النهي | فصل في الأمر | فصل في التخيير | فصل في الأمر بعد الحظر ومراتب الشريعة | فصل في ورود الأمر بلفظ خطاب الذكور | فصل في الخطاب الوارد هل يخص به الأحرار دون العبيد أم يدخل فيه العبيد معهم ؟ | فصل في أمره عليه السلام واحداً هل يكون أمراً للجميع ؟ | فصل في أوامر ورد فيها ذكر حكمه عليه السلام ولم يأت فيها من لفظه السبب المحكوم فيه | فصل في ورود حكمين بنقل يدل لفظه على أنهما في أمر واحد لا أمرين | فصل في عطف الأوامر بعضها على بعض | فصل في تناقض القائلين بالوقف | حمل الأمر وسائر الألفاظ كلها على العموم | تتمة حمل الأمر وسائر الألفاظ كلها على العموم | فصل في بيان العموم والخصوص | فصل في الوجوه التي تنقل فيها الأسماء عن مسمياتها | فصل في النص يخص بعضه هل الباقي على عمومه أم لا يحل على عمومه | فصل في مسائل من العموم والخصوص | فصل من الكلام في العموم