ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء االثاني/فصل أجاز بعض أصحابنا أن يرد الحديث الصحيح

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل أجاز بعض أصحابنا أن يرد الحديث الصحيح

  • قال علي : وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي ، ويكون الإجماع على خلافه، قال وذلك دليل على أنه منسوخ.
  • قال علي : وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن، لوجهين برهانيين ضروريين:

أحدهما: أن ورود حديث صحيح يكون الإجماع على خلافه معدوم، لم يكن قط ولا هو في العالم فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا، ولا سبيل له والله إلى وجوده أبداً.

والثاني: أن الله تعالى قد قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } فمضمون عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز وجل بحفظه فهو غير ضائع أبداً، لا يشك في ذلك مسلم، وكلام النبي كله وحي بقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى }

والوحي ذكر بإجماع الأمة كلها، والذكر محفوظ بالنص، فكلامه محفوظ بحفظ الله عز وجل ضرورة، منقول كله إلينا لا بد من ذلك.

فلو كان هذا الحديث الذي ادعى هذا القائل أنه مجمع على تركه، وأنه منسوخ كما ذكر لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ، وهذا تكذيب لله عز وجل في أنه حافظ للذكر كله، ولو كان ذلك لسقط كثير مما بلغ عن ربه، وقد أبطل ذلك رسول الله في قوله في حجة الوداع: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلّغْتُ» .

  • قال علي : ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح وآية صحيحة التلاوة منسوخين بحديث آخر صحيح، وإما بآية متلوة، ويكون الاتفاق على النسخ المذكور قد ثبت ، بل هو موجود عندنا، إلا أننا نقول: لا بد أن يكون الناسخ لهما موجوداً أيضاً عندنا، منقولاً إلينا محفوظاً عندنا، مبلغاً نحونا بلفظه، قائم النص لدينا، لا بد من ذلك، وإنما الذي منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظاً منقولاً مبلغاً إلينا، ويكون الناسخ له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه، فهذا باطل عندنا، لا سبيل إلى وجوده في العالم أبد الأبد، لأنه معدوم البتة، قد دخل بأنه غير كائن في باب المحال والممتنع عندنا، وبالله تعالى التوفيق .
ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثاني

فصل في المرسل | فصل في أقسام السنن | فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل بذلك | فصل في حكم العدل | تتمة فصل في حكم العدل | فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقناً | فصل أجاز بعض أصحابنا أن يرد الحديث الصحيح | فصل ليس كل قول الصحابي إسناداً | فصل في قوم لا يتقون الله فيما ينسب إلى النبي | فصل ليس كل من أدرك النبي ورآه صحابياً | فصل في حكم الخبر عن النبي | فصل في زيادة العدل | فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملـهم أيضاً | فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة | فصل في فضل الإكثار من الرواية للسنن | فصل في صفة الرواية | فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالواهذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان