أظن دموعها سنن الفريد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أَظُنُّ دُمُوعَهَا سَنَنَ الفَريدِ

​أَظُنُّ دُمُوعَهَا سَنَنَ الفَريدِ​ المؤلف أبو تمام


أَظُنُّ دُمُوعَهَا سَنَنَ الفَريدِ
وهيَ سلكاهُ منَ نحرٍ وجيدِ
لها منْ لوعةِ البينِ التدامٌ
يعيدُ بنفسجاً وردَ الخدودِ
حمتنا الطيفَ منْ أمِّ الوليدِ
خطوبٌ شيبتْ رأسَ الوليدِ
رآنا مشعري أرقٍ وحزٍن
وبغيته لدى الركبِ الهجودِ
سُهَادٌ يَرْجَحِنُّ الطَّرْفُ مِنْهُ
ويولعُ كلَّ طيفٍ بالصدودُِِ
بِأَرْضِ البَذ في خَيْشُومِ حَرْبٍ
عقيمٍ منْ وشيكِ ردىً ولودُ
تَرَى قَسمَاتِنا تَسْوَدُّ فيها
وما أَخْلاقُنا فيها بِسُودِ
تقاسمنا بها الجردُ المذاكي
سِجَالَ الكَر والدَّأبِ الْعَنِيدِ
فَتُمْسِي في سَوابغَ مُحْكمَاتٍ
وَتُمْسِي في السُّروجِ وفي اللًّبُودِ
حَذَوْنَاها الْوَجَى والأيْنَ حتَّى
تجاوَزَتِ الرُّكوعُ إلى السُّجودِ
إذا خرجتْ من الغمراتِ قلنا
خرجْتِ حبائساً إن لم تعودي
فكَمْ مِنْ سُؤْدُدٍ أمكَنْتِ مِنْهُ
برمتهِ على أنْ لم تسودي
أهانكَ للطرادِ لمْ تهوني
عليهِ وللقيادِ أبو سعيدِ
بلاكِ فكنتَ أرشيةَ الأماني
وبردَ مسافةٍ المجدِ البعيدِ
فتىً هزَّ القنا فحوى سناءٍ
بها لا بالأحَاظي والْجُدُودِ
إِذا سَفكَ الحَياءَ الرَّوْعُ، يَوْماً
وقى دمَ وجههِ بدمِ الوريدِ
قَضَى مِنْ سَنْدَبَايَا كلَّ نَحْبٍ
وأرشقَ والسيوفُ منَ الشهودِ
وأرسلها على موقانِ رهواً
تُثِيرُ النَّقْعَ أكْدَرَ بالكَدِيدِ
رآهُ العلجُ مقتحماً عليهِ
كما اقتحمَ الفناءُ على الخلودِ
فمرَّ ولو يجاري الريحَ خيلتْ
لديهِ الريحُ ترسفُ في القيودِ
شَهدْتُ لَقَدْ أَوَى الإسْلاَمُ مِنْهُ
غدائتذٍ إلى ركنٍ شديدِ
وللكذجاتِ كنتَ لغيرِ بخلٍ
عقيمَ الوعدِ منتاجَ الوعيدش
غَدَت غِيرَانُهمْ لَهُمُ قبُوراً
كَفَتْ فِيهمْ مَؤُونَاتِ اللُّحُودِ
كأَنَّهُمُ مَعاشِرُ أُهْلكوا مِنْ
بَقَايَا قَوْمِ عَادٍ أو ثَمُودِ
وفي أَبْرِشْتَويمَ وَهَضْبَتَيْهَا
طلعتَ على الخلافةَ بالسعودِ
بضربٍ ترقصُ الأحشاءُ منهُ
وتَبْطُلُ مُهْجَةُ البَطَلِ النَّجِيدِ
بيتَّ البياتَ بعقدِ جأشٍ
أَشدَّ قُوًى مِنَ الْحَجَرِ الصَّلُودِ
رَأَوْا لَيْثَ الغَريفةِ وهْوَ مُلْقٍ
دراعيهِ جميعاً بالوصيدِ
عَلِيماً أَنْ سَيَرْفُلُ في المَعَالي
إذا ما باتَ يرفلُ في الحديدِ
وكم سَرَقَ الدُّجى من حُسْنِ صَبْرٍ
وغطّى من جِلادِ فتىً جليدِ
ويَوْمَ التَّل تَل البَذ أُبْنَا
ونحنُ قصارُ أعمارِ الحقودِ
قسمناهمْ فشطرٌ للعوالي
وآخرُ في لظىً حرقِ الوقودِ
كأنَّ جهنمَ انضمتْ عليهمْ
كلاهَا غَيْرَ تَبْدِيلِ الجُلُودِ
ويَوْمَ انصَاعَ بَابَكُ مُسْتَمِرّاً
مُبَاحَ العُقْرِ مُجْتَاحَ العدِيدِ
تأملّ شخصَ دولتهِ
بِجِسْم لَيْسَ بالْجسْمِ المَدِيدِ
فأزمعَ نيةً هرباً فحامتْ
حُشَاشَتُهُ على أجَلٍ بَلِيدِ
تَقنَّصَهُ بَنُو سِنبَاطَ أَخذاً
بأشراكِ المواثقِ والعهودِ
ولولا أنَّ ريحكَ دربتهمْ
لأحْجَمَتِ الكِلاَبُ عن الأُسُودِ
وهرجاماً بطشتْ بهِ فقلنا
خيارٌ البزِّ كانَ على القعودِ
وقائِعُ قدْ سَكَبْتَ بها سَوَاداً
على ما احمَرَّ مِنْ ريشِ البَريدِ
لئنْ عمتْ بني حواءَ نفعاً
لَقَدْ خَصَّتْ بني عبْدِ الحَمِيدِ
أقولًُ لسائلي بأبي سعيدٍ
كأَنْ لم يَشْفِهِ خَبَرُ القَصِيدِ
أجلْ عينيكِ في ورقي مليا
فقدْ عاينتَ عامَ المحلِ عودي
لبستُ سواهُ أقواماً فكانوا
كما أغنى التيممُ بالصعيدِ
وَتَرْكِي سُرْعَةَ الصَّدَرِ اغْتِباطاً
يَدُلُّ على مُوافقَةِ الوُرُودِ
فَتًى أَحْيَتْ يَدَاهُ بَعْدَ يأْسٍ
لنَا المَيْتَيْنِ مِنْ كَرَمٍ وجُودِ