أخف ما نال مني الطرف ما أرقا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أَخَفَّ ما نالَ مِنّي الطَرفُ ما أَرقا

​أَخَفَّ ما نالَ مِنّي الطَرفُ ما أَرقا​ المؤلف شكيب أرسلان


أَخَفَّ ما نالَ مِنّي الطَرفُ ما أَرقا
وَخَيرُ ما سَرَّ مِنّي القَلبُ ما خَفَقا
وَنَزرُ ما كادَني ذا الدَهرِ جَورُ نَوى
أَصابَني بِسِهامٍ تَخَرَّقَ الدَرَقا
طَمِعتُ بِالوَصلِ مُشتاقاً فَما طَلَني
وَجَدَ رَكبَ التَنائي بي فَما رَفَقا
ما إِن دَنَت مِن فُؤادي مُنيَةٌ قَصَدَت
إِلّا وَسَدَلَها مِن دوني الطُرُقا
كَأَنَّما حَلَفَ الدَهرُ الخُؤونُ بِأَن
يَحولَ بَينَ فُؤادي وَالَّذي عَلِقا
وَرابَني صَرفُهُ فيما يَعنَتُني
إِن كَيفَ خَلَفَ لي مِن بَعدِهِ رَمقا
لِلَهِ أَيُّ نَسيمٍ لَيسَ يُذكِرُني
وَأَيُّ ساجِعَةٍ لَم تَجِدني قَلِقاً
يَميلُ قَلبي وَقَد لَجَت نَوازِعُهُ
ما مَيَّلتُ نَسَماتِ الفَجرِ غُصنَ نَقا
يا غائِباً مُخلِصاً لي في مَوَدَّتِهِ
وَلَستُ أَعرِفُ مِنهُ غَيرَ ما نَطَقا
فَدِر دَرَّكَ مِن خِلٍّ سَما خَلَقا
لِأَنتَ أَفضَلُ مَن في وُدِّهِ صَدَقا
تَفَدّى القَلائِدَ آثاراً لَهُ سَبَقَت
إِلَيَّ وَالفَضلُ لا يَخفى لِمَن سَبَقا
لا غَروَ إِن أَرَها مِن قَبلُ صاحِبَها
إِنّي أَرى الصُبحَ لَكِن قَبلَهُ الشَفَقا
لِلَهِ مِن صاحِبٍ صُغرى مَحامِدُهُ
مَوَدَّةً مَحَضَّتٌ لا تَعرِفُ المَلَقا
مُهَذَّبٌ إِن بَدا مِنهُ الثَناءُ فَفي
شَريفِ أَخلاقِهِ رَوضُ الثَنا عَبِقا
أَهدى إِلى قَريضاً مِن طَرائِفِهِ
يَوماً فَقَلَّدَ مِنّي الصَدرَ وَالعُنُقا
كَالبَدرِ مُتَّسِقاً وَالدُرُّ مُنتَسِقا
وَالصُبحُ مُنبَثِقاً وَالغَيثُ مُندَفِقا
شِعرٌ لِكُلِّ اِختِراعٍ جاءَ مُفتَتِحاً
مِن بَعدِ ما كانَ هَذا البابُ مُنغَلِقا
سِحرٌ لَقَد لَعِبَت بِالقَومِ فِتنَتُهُ
بِلا طَلاسمٍ تَخفى سِرُّهُ وَرُقى
جازيكَ مِن شاعِرانِ تَستَجِدُّهُ إِلى
نَظمٍ مَضى فيهِ مِثلَ السَهمِ إِذ مَرَقا
إِذا اِنبَرى في مَضاميرِ البَيانِ غَدَت
جِيادُهُ في المَعاني تَركُضُ الرَهقى
يَرقَ في النَظمِ حَتّى يَستَرِقُّ بِهِ
وَيَستَرِقُّ إِذا ما جاءَ مُستَرِقا
لَبَيَّكَ يا خاطِباً مِنّي الوِدادَ تَرى
مِنّي فَتىً ما دَرى نَكثاً وَما مَذَقا
قَد طالَما سَمِعَت إُذُني وَما نَظَرَت
بَواصِري فَليُفاخِرَ مَسمَعي الحَدَقا
فَإِن عَرَفَت فَإِنّي ناظِرٌ ثَمَراً
لَكِنَّني لَم أُصِب عوداً وَلا وَرَقا
يا قاتِلَ اللَهِ حَظى وَالفِراقُ هُما
عَلى مُناصَبَتي دَهراً قَد اِتَّفَقا
فَهَل أَرجى مِنَ الدُنيا الصَلاحَ وَلَم
تَزَل وَفيها غُرابُ البَينِ قَد نَعَقا
لَكِن عَلى المَرءِ عِراكُ الدَهرِ طاقَتُهُ
وَلَو تَحمِل ذو الهِمّاتِ كُلَّ شَقا
حُبَّ السَلامَةِ يُثني عَزمَ صاحِبِهِ
فَإِن جَنَحَت إِلَيهِ فَاِتَّخِذ نَفَقا