أنْدَلُسِيَّة ٌ

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أنْدَلُسِيَّة ٌ

​أنْدَلُسِيَّة ٌ​ المؤلف أحمد شوقي


يا نائح (الطلح) أشباه عوادينا
نشجى لواديك أم نأسى لوادينا؟
ماذا تقص علينا غير أن يــدا
قصت جناحك جالت فى حواشينا
رمى بنا البين أيكا غير سامرنا
أخـا الغريب: وظلا غير نادينا
كل رمته النوى ريش الفراق لنا
سهماً، وسل عليك البين سكينا
إذا دعا الشوق لم نبرح بمنصدع
مـن الجناحين عي لا يلبينــا
فإن يك الجنس يابن الطلح فرقنا
إن المصائب يجمعن المصابينـا
لــم تأل ماءك تحنانا ولا ظلماً
ولا أدكارا، ولا شجوا أفانينــا
تجـر من فنن ساقا إلى فنــن
وتسحـب الذى ترتاد المؤاسينـا
أساة جسمك شتى حين تطلبـهم
فمن لروحك بالنطس المداوينـا
آهــا لنا نازحى إيك بأندلـس
وإن حللنا رفيـفاً من روابينــا
رسم وقفنا على رسم الوفاء لـه
نجيش بالدمع، والإجلال يثنينـا
لفتيـه لا تنـال الأرض أدمعهم
ولا مفارقــهم إلا مصلينـــا
لـو لـم يسودا بدين فيه منبهة
للناس كانت لهم أخلاقهم دينــا
لم نسر من حرم إلا إلى حـرم
كالخمر من (بابل) سارت (لدارينا)
لما نبا الخلد نابت عنه نسختـه
تماثل الورد (خيريا) و (نسرينـا)
نسقى ثراهم ثناء، كلما نثـرت
دموعنـا نظمت منها مراثينــا
كادت عيون قوافينا تحركـــه
وكدن يوقظن فى الترب السلاطينا
لكن مصر وإن أغضت على مقة
عيـن من الخلد بالكافور تسقينـا
علـى جوانبها رفت تمانمنــا
وحول حافاتـها قامت رواقينــا
ملاعـب مرحت فيها مآربنـا
وأربع أنسـت فيها أمانينــــا
ومطلع لسعود من أواخرنــا
ومغـرب لجدود من أوالينـــا
بنا فلم نخل من روح يراوحنـا
من بر مصر وريحان يغادينــا
كأم موسى على أسم الله تكفلنا
وباسمه ذهبت فى اليم تلقينــا
ومصر كالكرم ذى الإحسان فاكهة
للحاضرين وأكواب لبادينــــا
يا سارى البرق يرمى عن جوانحنا
بعد الهدوء ويهمى عن مآقينــا
لما ترقرق فى دمع عن جوانحنا
هاج البكا فخضبنا الأرض باكينــا
الليـــل يشهد لم تهتك دياجيه
على نيـام ولـم تهتف بسالينـــا
والنجـم لم يرنا إلا على قــدم
قيــام ليل الهوى للعهد راعينــا
كزفرة فى سماء الليل حائــرة
ممــا نردد فيه حين يضوينــا
بالله إن جبت ظلماء العباب على
نجانب النور محدوا (بجــرينا)
تــرد عنك يداه كل عاديــة
إنسـاً يعثن فساداً أو شياطينــا
حتى حوتك سماء النيل عاليـة
على الغيوث وإن كانت ميامينـا
وأحرزتك شفوف اللازورد على
وشى الزبرجد من أفواف وادينـا
وحازك الريف أرجاء مؤرجـه
ربـت خمائل واهتزت بساتينـا
فقف إلى النيل وأهتف فى خمائله
وأنزل كما نزل الطل الرياحينا
وأس مـابات يذوى من منازلنا
بالحادثات ويضوى من مغانينـا
ويا معطرة الوادى سرت سحـراً
فطاب كل طروح من مرامينـا
ذكيـة لذيل لو خلنا غلالتهــا
قميص يوسف لم نحسب مغالينا
اجشمت شوك السرى حتى أتيت لنا
بالورد كتباً وبالربا عناوينـــا
فلو جزيناك بالأرواح غاليـة عن
طيب مسراك لم تنهض جوازينا
هـل من ذويك مسكى نحملــه
غرائـب الشوق وشيا من أمالينا
إلـى الذى وجدنـا ود غيرهـم
دنيـا وودهمو الصافى هو الدينا
يا من نغار عليهم من ضمائرنا
ومن مصون هواهم فى تناجينـا
ناب الحنين إليكم فى خواطرنا
عن الدلال عليكم فى أمانينــا
جئنا الى الصبر ندعوه كعادتنا
فى النائبات فلم يأخذ بأيدينــا
وما غلبنا على دمع ولا جـلد
حتى أتتنا نواكم من صياصينـا
ونابغـى كان الحشر آخـره
تميتنـا فيه ذكراكم وتحيينــا
نطوى دجاه بجرح من فراقكمو
يكاد فى غلس الأسحار يطوينا
إذا رسى النجم لم ترفأ محاجرنا
حتى يزول، ولم تهدأ تراقينـا
بتنا نقاسى الدواهى من كواكبه
حتى قعدنا بها: حسرى تقاسينا
يبــدو النهار فيخفيه تجلدنـا
للشامتتين ويأسوه تأسينـــا
سقيا لعهد كأكناف الربى رفـة
أنا ذهبنا وأعطاف الصبا لينـا
إذا الزمان بنا غيناء زاهيــة
ترف أوقاتنا فيها رياحينـــا
الوصل صافية، والعيش ناغية
والسعد حاشية، والدهر ماشينا
والشمس تختال فى العقيان تحسبها
(بلقيس) ترفل فى وشى اليمانينا
والنيل يقبل كالدنيا إذا احتفلـــت
لو كان فيها وفاء للمصافينـــا
والسعد لو دام، والنعمى لو اطردت
والسيل لو عف، والمقدار لو دينا
ألقى على الأرض حتى ردها ذهبـا
ماء لمسنا به الإكسير أو طينــا
أعداه من يمنه (التابوت) وارتسمت
على جوانبه الأنوار من سينــا
لـه مبالغ ما فى الخلق من كــرم
عهد الكـرام وميثاق الوفيينــا
لـم يجر للدهر اعذار ولا عـرس
إلا بأيامنــا أو فى ليالينـــا
ولا حوى السعد اطغى فى أعنته
منا جيادا ولا أرخي ميادينـــا
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا
ولم يهن بيد التشتيت غالينـــا
ولا يحــول لنا صبغ ولا خلـق
اذا تلون كالحرباء شانينــــا
لم تنزل الشمس ميزانا ولا صعدت
فى ملكها الضخ عرشا مثل وادينا
ألم تؤله على حافاتــــه ورأت
عليـه أبناءها الغر الميامينــا؟
إن غازلت شاطئيه فى الضحي لبسا
خمائل السندس الموشية الغينــا
وبات كل مجاج الواد من شجــر
لوافظ القز بالخيطان ترمينـــا
وهذه الأرض من سهل ومن جبل
قبل (القياصر) دناها (فراعينــا)
ولم يضع حجرا بان على حجـر
فى الأرض إلا علي آثار بانينــا
كأن أهرام مصر حائط نهضـت
به يد الدهر لا بنيان فانينــــا
إيوانه الفخم من عليا مقاصــره
يفني الملوك ولا يبقي الأوانينـا
كأنها ورمالا حولها التطمـــت
سفينة غرقت إلا أساطينــــا
كأنها تحت لألأ الضحى ذهبـــا
كنوز (فرعون) غطين الموازينـا
أرض الأبوة والميلاد طيبهــا
مر الصبا من ذيول من تصابينـا
كانت محجلة، فيها مواقفنـــا
غرا مسلسلة المجرى قواقينـــا
فآب من كره الأيام لاعبنـــا
وثاب من سنة الأحلام لاهينـــا
ولم ندع لليالي صافيا، دعـت
(بأن نعص فقال الدهر:آمينــا)
لو استطعنا لخضنا الجو صاعقة
والبر نار وغي،والبحر غسلينـا
سعيا إلى مصر نقضى حق ذاكرنا
فيها إذا نسي الوافي وباكينـــا
كنز(بحلوان) عند الله نطلبـــه
خير الودائع من خير المؤدينــا
لو غاب كل عزيز عنه غيبتنـا
لم يأته الشوق إلا من نواحينــا
إذا حملنا لمصر أوله شجنــا
لم ندر أي هوى الأمين شاجينـا