ألا هل للمتيم من مجير؟

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجيرِ؟

​ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجيرِ؟​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجيرِ؟
كئيبٍ ذي فؤاد مستطير
يقلِّبُه الأسى ظهراً لبطن
ويسلمه إلى حرِّ الزفير
وكيف يقرُّ بالزفرات صبٌّ
وفي أحشائه نار السعير
يعالج بالهوى دمعاً طليقاً
يصوبُ للوعة القلب الأسير
وكم في الحيّ من ليثٍ هصور
صريع لواحظ الرشأ الغرير
وكنت على قديم الدهر أصبو
بأشواقي لربات الخدور
وكنت إذا زأرت بأسد غيل
رأيت الأسدَ تفزع من زئيري
فغادرني الزمان كما تراني
عقيراً في يد الخطب العقور
فأغدو لا إلى خلٍّ أنيسٍ
وما لي غير همّي من سمير
فآهاً يا أميمة ثم آهاً
لما لاقيت من دهرٍ مبير
محا من أسرتي الأشراف منهم
كما مُحِيت حروفٌ من سطور
لقد بعد الكرام النجب عني
فليلي بعدهم ليل الضرير
على أنّي دفعت إلى زمان
يخاطر فيه ذو المجد الخطير
تشبهت الأسافل بالأعالي
وقد تاه الصغير على الكبير
وأمست هذه الدنيا تريني
حوادثها أعاجيب الأمور
ولا زالت تتوق لذاك نفسي
إلى يومٍ عبوسٍ فمطير
لعلّي أنْ أبُلَّ به غليلاً
ويهدأ بعض ما بي من زفير
أراني إنْ حللتُ بدار قوم
أساءَ ببعض أقوامٍ حضوري
وذي عجب أضرّ الجهل فيه
وأنفٍ مشمخّرٍ بالغرور
يرى من نفسه رب المعالي
ولا رب الخورنق والسدير
ضريت بوجهه وصددت عنه
كما صدَّ العظيم عن الحقير
وألقى المعجبين بكلِّ عُجْبٍ
وأسحبُ ذيل مختالٍ فخور
وكم رفع الزمان وضيع نفس
فنال الحظَّ بالباع القصير
وكم حطَّ القضاء إلى حضيض
وكان محلُّه فوق الأثير
أصونُ عن الأراذل عزَّ نفسي
وَصَوْنُ النفس من شِيَم الغيور
ولا أهديتُ منذ قرضت شعراً
إلى من لا يزال بلا شعور
وكم في الناس من حيٍّ ولكن
يرى في الناس من أهل القبور
أتيت البصرة الفيحاء أسعى
وحبَّكِ سعي مقدام جسور
أزور بها من العلماء شيخاً
حباه الله بالعلم الغزير
إلى علمٍ من الأعلام فردٍ
تفض علومه البحور
لأحمد نخبة الأنصار يغدو
مسيري إنْ عزمت على المسير
إذا ما عدّدت أعيان قوم
وقابلنا نظيراً بالنظير
فعين أولئك الأعيان منهم
وقلب في صدور بني الصدور
وإني مذ ركنت إلى علاه
كأنّي قد ركنت إلى ثبير
رغمتُ بودّه آناف قوم
رَمَوْني بالعتوّ وبالنفور
إذا أخذت يغاربهم يميني
أخذتُ بغارب الجد العثور
رعيت لديه روض العز غضاً
وأنهلني من العذب النمير
إلى منهاج شرعته ورودي
وعن مورود نائله صدوري
ركنت إلى المناحب الأعالي
ولم أركَنْ إلى وغدٍ شرير
أبار بنور تقوى الله وجهاً
وقد يزهو على القمر المنير
غنيٌّ عن جميع الناس عفٌّ
رؤوفٌ بالضعيف وبالفقير
ترى من وجهه ما قد تراه
على وجه الصّباح المستنير
يعدُّ من الأوائل في تقاه
وإن وافاك بالزمن الأخير
وهل يخفى على أبصار بادٍ
شموس علاه بادية الظهور
فخذ عنه العلوم فقد حباه
إله العرش بالفضل الشهير
ولم نظفره بمثل علاه يوماً
بمطلّع بصير بالأمور
فسل منه الغوامض مشكلات
فإنّك قد سقطت على الخبير
تحوم عليه أهل الفضل طراً
كما حام الظِماءُ على غدير
ولم يبرح لأهل العلم ظلاًّ
يقي بظلاله حرَّ الهجير
ويغنيني عن الأنصار مولى ّ
نصيري حين يخذلني نصيري
له محض المودَّة من خلوصي
ومحض الود إخلاص الضمير
سأجزيه على النعماء شكراً
بما يرضيه من عبد شكور
لمطبوع على كرم السجايا
ومحبول على كرم وخير
زهت في حسن مدحتك القوافي
كما تزهو القلائد في النحور
وطاب بك الثناء وإنَّ شعري
تضمَّخَ من ثنائك بالعبير
فدم واسلم على أبد الليالي
وعش ما دمت حيّاً في سرور