أفيضا دما إن الرزايا لها قيم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أفيضا دماً إنَّ الرزايا لها قِيَمْ

​أفيضا دماً إنَّ الرزايا لها قِيَمْ​ المؤلف ابن الرومي


أفيضا دماً إنَّ الرزايا لها قِيَمْ
فليس كثيراً أن تَجُودَا لها بِدمْ
ولاتستريحا من بُكاء إلى كرًى
فلا حمد مالم تُسعداني على السأم
ويا لذة العيشِ التي كنتُ أرتضي
تقطَّعَ مابيني وبينكِ فانصرمُ
رُميتُ بخطٍ لا يقومُ لمثلهِ
شرَوْرَى ولارَضْوَى ولا الهَضْبُ من خيم
بأنكر ذي نُكرْ وأقطعَ ذي شباً
وأمقر ذي طعم وأوخم ذي وَخَمْ
رزيئةِ أمٍّ كنتُ أحيا بِرُوحِها
وأستدفعُ البلوى وأستكشفُ الغُمم
وما الأمُّ إلاَّ إمَّةٌ في حياتها
وأمٌّ إذا فادتْ وما الأمُّ بالأمَم
بنفسي غداةَ الأمسِ من بانَ مِنْ غدٍ
وبتَّ مع الأمسِ القرينة فانجذم
ولما قضى الحاثونَ حَثْوَ ترابِهم
عليها وحالتْ دونها مِرَّة الوذم
أظلَّتْ غواشي رحمةِ الله قبرَها
فأضحى جناباهُ من النارِ في حرم
أقولُ وقد قالوا أتبكي كفاقدٍ
رضاعاً وأين الكهلُ من راضع الحلم
هي الأُمُّ يا للنَّاسِ جُرِّعتُ ثُكْلَها
ومن يبك أُمًّا لم تُذَم قَطُّ لا يذَم
فقدتُ رضاعاً من سُرورٍ عهدتُها
تُعللِّنيه فانقضى غيرَ مستتم
رضاعُ بناتِ القلبِ بان بِبَيْنِها
حَمِيداً وما كُلُّ الرَّضاعِ رضاعُ فم
إلى الله أشكو جهد بلواي إنه
بمستمعِ الشكوى ومُستَوهب العصمْ
وإني لم إيتم صغيرا وإنني
يتمتُ كبيراً أسوأ اليُتْم واليَتم
على حين لم ألق المصيبة جاهلاً
ولا آهلاً والدَّهرُ دهرٌ قد اعترمْ
أُقاسي وصِنْوي منه كلَّ شديدةٍ
تُبرحُ بالجَلْدِ الصَّبورِ وبالبرم
خَلِيلَّي هذا قبرُ أمي فورِّعا
من العَذْل عني واجعلا جابتي نَعم
فما ذَرفْت عيني على رسمِ منزلٍ
ولاعكفَتْ نفسي هناك على صنم
خليليَّ رِقّا لي أعِينا أخاكما
نَشَدْتُكما مَنْ تَرْعيانِ مِنَ الحُرم
أمِنْ كَرَى الشكوى تَمَلاَّني جُزْتُما
سبيل اغتنامِ الحمد والحمدُ يُغْتنَم
فكيف اصطباري للمُصابِ وأنتما
تَمَلاَّنِ شكواهُ وفي جانبي ثَلم
عجبتُ لذي سمع يملُّ شِكايةً
ويعجبُ من صَدْرٍ يضيقُ بما كظم
ألا رُبَّ أيام سَحَبْتُ ذُيولَها
سليماً من الأرزاء أملسَ كالزُّلم
أُرشِّحُ آمالاً طِوالاً وأجتني
جنى العيشِ في ظل ظليلٍ من النِّعم
ولو كنتُ أدْرِي أنَّ ماكانَ كائنٌ
لقُمْتُ لِرَوْعاتِ الخُطوب على قدم
غدا الدهرُ لي خصماً وفى مُحَكَّماً
فكيف بخصم ضالع وهْو الحَكَم
يجُورُ فأشكو جَورْهُ وهْو دائباً
يرى جَوْرهُ عدلاً إذا الجورُ منه عم
عذيريَ من دهرٍ غشوم لأهله
يرى أنَّه إذْ عمَّ بالغَشْمِ ماغَشَم
غدا يَقْسمُ الأسواءَ قَسْمَ سويَّةٍ
وماعَدْلُ من سوَّى وسوّاءُ ماقسم
تعُمُّ ببلواهُ يد منه سُلْطة
يصول بها فظٌ إذا اقْتَدَرَ اهْتَضَم
وليستْ من الأيدي الحميد بلاؤها
يدٌ قسمتْ سُوءاً وإن سوّتِ القَسَمْ
أمالَ عُروشي ثم ثنَّى بَهدْمِها
وكم من عُروشٍ قد أمال وقد هَدَم
وأصبح يُهدي لي الأسى متَنَصِّلاً
فمِنْ سُوقةٍ أرْدَى ومِن مَلِكٍ قصم
وإنِّي وإنْ أهْدى أُساه لساخطٌ
عليه ولكن هل من الدهر منتقم
هو الدهرُ إمَّا غابطٌ ذا شبيبة
بإحدى المنايا أو مُمِيتٌ أخا هرم
كأنَّ الفتى نصبَ الليالي بنيةٌم أفيضا دماً إنَّ الرزايا لها قِيَمْ
فليس كثيراً أن تَجُودَا لها بِدمْ
ولاتستريحا من بُكاء إلى كرًى
فلا حمد مالم تُسعداني على السأم
ويا لذة العيشِ التي كنتُ أرتضي
تقطَّعَ مابيني وبينكِ فانصرمُ
رُميتُ بخطٍ لا يقومُ لمثلهِ
شرَوْرَى ولارَضْوَى ولا الهَضْبُ من خيم
بأنكر ذي نُكرْ وأقطعَ ذي شباً
وأمقر ذي طعم وأوخم ذي وَخَمْ
رزيئةِ أمٍّ كنتُ أحيا بِرُوحِها
وأستدفعُ البلوى وأستكشفُ الغُمم
وما الأمُّ إلاَّ إمَّةٌ في حياتها
وأمٌّ إذا فادتْ وما الأمُّ بالأمَم
بنفسي غداةَ الأمسِ من بانَ مِنْ غدٍ
وبتَّ مع الأمسِ القرينة فانجذم
ولما قضى الحاثونَ حَثْوَ ترابِهم
عليها وحالتْ دونها مِرَّة الوذم
أظلَّتْ غواشي رحمةِ الله قبرَها
فأضحى جناباهُ من النارِ في حرم
أقولُ وقد قالوا أتبكي كفاقدٍ
رضاعاً وأين الكهلُ من راضع الحلم
هي الأُمُّ يا للنَّاسِ جُرِّعتُ ثُكْلَها
ومن يبك أُمًّا لم تُذَم قَطُّ لا يذَم
فقدتُ رضاعاً من سُرورٍ عهدتُها
تُعللِّنيه فانقضى غيرَ مستتم
رضاعُ بناتِ القلبِ بان بِبَيْنِها
حَمِيداً وما كُلُّ الرَّضاعِ رضاعُ فم
إلى الله أشكو جَهْد بلواي إنه
بمستمعِ الشكوى ومُستَوهب العصمْ
إني لم إيتم صغيرا وإنني
يتمتُ كبيراً أسوأ اليُتْم واليَتم
على حين لم ألق المصيبة جاهلاً
ولا آهلاً والدَّهرُ دهرٌ قد اعترمْ
أُقاسي وصِنْوي منه كلَّ شديدةٍ
تُبرحُ بالجَلْدِ الصَّبورِ وبالبرم
خَلِيلَّي هذا قبرُ أمي فورِّعا
من العَذْل عني واجعلا جابتي نَعم
فما ذَرفْت عيني على رسمِ منزلٍ
ولاعكفَتْ نفسي هناك على صنم
خليليَّ رِقّا لي أعِينا أخاكما
نَشَدْتُكما مَنْ تَرْعيانِ مِنَ الحُرم
أمِنْ كَرَى الشكوى تَمَلاَّني جُزْتُما
سبيل اغتنامِ الحمد والحمدُ يُغْتنَم
فكيف اصطباري للمُصابِ وأنتما
تَمَلاَّنِ شكواهُ وفي جانبي ثَلم
عجبتُ لذي سمع يملُّ شِكايةً
ويعجبُ من صَدْرٍ يضيقُ بما كظم
ألا رُبَّ أيام سَحَبْتُ ذُيولَها
سليماً من الأرزاء أملسَ كالزُّلم
أُرشِّحُ آمالاً طِوالاً وأجتني
جنى العيشِ في ظل ظليلٍ من النِّعم
ولو كنتُ أدْرِي أنَّ ماكانَ كائنٌ
لقُمْتُ لِرَوْعاتِ الخُطوب على قدم
غدا الدهرُ لي خصماً وفى مُحَكَّماً
فكيف بخصم ضالع وهْو الحَكَم
يجُورُ فأشكو جَورْهُ وهْو دائباً
يرى جَوْرهُ عدلاً إذا الجورُ منه عم
عذيريَ من دهرٍ غشوم لأهله
يرى أنَّه إذْ عمَّ بالغَشْمِ ماغَشَم
غدا يَقْسمُ الأسواءَ قَسْمَ سويَّةٍ
وماعَدْلُ من سوَّى وسوّاءُ ماقسم
تعُمُّ ببلواهُ يد منه سُلْطة
يصول بها فظٌ إذا اقْتَدَرَ اهْتَضَم
وليستْ من الأيدي الحميد بلاؤها
يدٌ قسمتْ سُوءاً وإن سوّتِ القَسَمْ
أمالَ عُروشي ثم ثنَّى بَهدْمِها
وكم من عُروشٍ قد أمال وقد هَدَم
وأصبح يُهدي لي الأسى متَنَصِّلاً
فمِنْ سُوقةٍ أرْدَى ومِن مَلِكٍ قصم
وإنِّي وإنْ أهْدى أُساه لساخطٌ
عليه ولكن هل من الدهر منتقم
هو الدهرُ إمَّا غابطٌ ذا شبيبة
بإحدى المنايا أو مُمِيتٌ أخا هرم
كأنَّ الفتى نصبَ الليالي بنيةٌه
بمُصْطَفِق من موج بحْر ومُلْتَطم
تقاذفُ عنها موجةٌ بعد موجة
إلى موجةٍ تأتي ذُراها من الدِّعم
كذاك الفتى نَصْب الليالي يمُرها
إلى ليلةٍ ترمي به سالفَ الأُمم
فيا آملاً أن يَخْلُدُ الدَّهرَ كُلَّهُ
سلِ الدهرَ عن عادٍ وعن أختها إرم
يُخَبِّرك أنَّ الموتَ رَسْمٌ مؤبد
ولن تعدو الرسمَ القديم الذي رسَمَ
رأيتُ طويلَ العُمْرِ مثلَ قصيرهِ
إذا كان مُفْضاه إلى غايةٍ تُؤم
وما طولُ عمر لا أبا لك ينقضي
وماخيرُ عيشٍ قصُر وجدانه العدم
ألا كلُّ حيٍّ ماخلا الله مَيِّتٌ
وإن زعمَ التأميلَ ذو الإفك مازعم
يروحُ ويغدو الشيء يُبنَى فربمّا
جنى وهْيَهُ الباني وإن أُغْفِلَ انهدم
إذا أخطأتْهُ ثُلمةٌ لا يجرُّها
له غيرهُ جاءتْه من ذاته الثُّلمَ
تُضَعْضِعُهُ الأوقاتُ وهْي بقاؤهُ
وتغتاله الأقواتُ وهْي له طُعمَ
فيا مَنْ يُداوي مايَجُرُّ بقاؤهُ
فناءَ وما يُفذي به فيه قديسُمّ
جَشِمْتَ عناءً لاعناءَ وراءهُ
فدعْ عنكَ ما أعيا ولاتَجْشَم الجُشَم
سقى قبلكَ الساقي وأسْعَطَ بل كوى
ليحسمَ أدواءَ القُرونِ فما حَسَمْ
إذا ما رأيتَ الشيء يُبليهِ عُمْرُهُ
ويُفنيه أن يَبْقى ففي دائه عقم
يروحُ ويغدو وهْو من موتِ عبْطةٍ
وموتِ فناءٍ بين فكَّين من جلم
ألا إن بالأبصار عن عِبرةٍ عمًى
ألا إن بالأسماعِ عن عِظةٍ صمم
تُحِدُّ لنا أيدي الزمانِ شِفاره
ونرتع في أكْلائِه رَتْعَةَ النّعَم
نُراعُ إذا ما الدهرُ صاح فنَرْعوِي
وإن لم يَصِحْ يوماً براتعنا خضم
سيُكشفُ عن قلبِ الغبيِّ غطاؤه
إذا حتفُه يوماً على صدره جثم
ألا كم أذلَّ الدهرُ من متعزز
وكم زمَّ من أنف حَميٍّ وكم خطم
وكم ساور العقبانَ في اللؤم صرْفُه
وكم غاوصَ الحيتانَ في زاخر الحُوَم
وكم ظلم الظِّلمانَ حق صحاحِها
ومثُل خصيم الدهرِ أذعنَ واظَّلم
وكم غلبتْ غلبَ القُيول هناتُه
ولم تُقْتَبَسْ من قبلِ ذاك ولم تُرمَ
وكم نَهش الحيّاتِ في هضباتِها
وكم فرس الأُسدَ الخوادِرَ في الأجم
وكم أدرك الوحش التي لجَّ نَفْرُها
يغُورُ لها طَوْراً ويطَّلعُ الأكم
وكم قعصَ الأبطالَ إمّا شجاعةً
وإمَّا بمقدارٍ إذا اضطرَّهُ اقتحم
وكم صالَ بالأملاكِ وسْطَ جنودِها
وأخنى على أهلِ النُّبوّاتِ والحِكم
وكم نعمةٍ أذوى وكم غبطةٍ طوى
وكم سند أهوى وكم عُرْوةٍ فصمْ
وكم هدَّ من طَوْد مُنيف عانهُ
وكم قضَّ من قَصْرٍ مُنيفٍ وكم وكم
أرى الدهرَ لا يبقى على حدثانه
شعيبُ الأعالي جَهْوَرِيٌّ إذا بغم
جريءٌ على العُرمِ العوارمِ لا يني
كأن ذُعافَ السُّم يشْفيهِ من قرم
إذا احترش الأفعى بمرجوع نفخة
دهاها بأضراسٍ حِداد أو التهم
مُعِدٌّ عتاديْ هاربٍ ومُقاتلٍ
متى كرّ يوما كرةً أو متى انهزم
قُرونٌ كأرماح الهياج شوائك
وآونةً شدٌّ يجمُّ إذا انهزم
رعى مارعى حتى رمى الحيْنُ نفسهُ
بحتف فما أنبا هناك ولاشرم
أدلَّ بقَرْنَيْهِ فلاقاه ناطحٌ
مِنَ الدَّهرِ غلاَّبٌ فسوَّاهُ بالأجم
ولانِقنِقٌ خاظي البضيع صمحمح
من الآكلات النار تأتجُّ في الفَحمْ
يصومُ فلا يحوي ويملأ بطنَهُ
بماشاء من زاد ولا يرهَبُ البشمْ
ويبلغ أفلاذَ الحديدِ جوامداً
فيسْبكها في قعرِ كيرٍ قد احتدم
ويشترط المرو الركودَ كأنما
يراه طعاما قد أُعِدَّ له لُقَم
ويتخذ التَّنَوُّم والشرْيَ مرتعاً
فيخذم مِنْ هذا وهذاك ماخَذَم
ترامتْ به الأحوالُ حتى بَنَيْنَهُ
نهاراً وليلاً بِنيةَ الفحل ذي القطم
من العادياتِ الطائراتِ إذا نجا
بَصُرْتَ به بين النجاءيْن مُقْتَسم
إذا شبَّ منها جاد ماهو قادحٍ
بِزَنْدَيْهِ من شدٍّ تَلَهَّبَ فاطَّرم
جناحانِ خفَّاقانِ مُحَثْحثاً
ورِجلان لاتَسْتَحْسِران إذا اعتَزَمْ
نجا ما نجا حتى ابتغى الدهرُ كَيْدَه
فدس إليه العَنْقفير ابنة الرَّقم
ولاقسورٌ إن لم يجد مايكُفُّهُ
من الصَّيدِ أضحى والسباعُ له لحم
عليه الدماءُ الجاسداتُ كأنَّما
مواقعُها منه المُدمَّى من الرَّخم
إذا ما اغتدى قبل العطاسِ لصيده
فللمغتدِي تلقاءه عطسةُ اللَّجم
أتاحت له الأحداثُ منهنَّ قِرنَهُ
كفاحاً فلم يكدح بِظُفْرٍ ولاضغم
وقد كان خطاف الخطاطيف ضيغما
إذا ساهم الأقرانَ عن نفسهِ سَهَم
ولا أعصلُ النابَيْنِ حامل مَخْطِم
به حَجَنٌ طوراً وطوراً به فقم
يُقلِّبُ جُثماناً عظيماً مُوَثَّقا
يهدُّ برُكنَيْهِ الجبالَ إذا مازحم
ويسطو بخُرطوم يثنِّيه طوعَهُ
ومتشبهاتٍ ما أصابَ بها غنم
ولست ترى بأساً يقومُ لبأسهِ
إذا أعملَ النَّابيْنِ في البأسِ أو صدم
بقى مابقى حتى انتحى الدَّهرُ شخصهُ
فلم ينتصر إلا بأنْ أنَّ أو نأم
هوى هائلَ المَهْوَى يجُودُ بنفسه
تخالُ به قيداً تقوَّضَ مِنْ إضم
مضيماً هضيماً بعدَ عِزّ ومَنْعة
ومن ضامَهُ مالا يطاق ولم يُضَم
ولاصِلُّ أصْلالٍ يبيت مُراقباً
بنْهشَتِهِ مقدارَ نفس متى يُحَمْ
يشول بأنيابٍ شواها مقاتِلٌ
يُقَطِّرُ من أصرافها السّمَّ كالدَّسم
زَحوف لدى المُمسي كأنّ سحيفهُ
إذا انساب في جنْح الظلام نَشيشُ حم
يميزُ المنايا القاضياتِ سِمامهُ
من الرقْش ألواناً أو السُّودِ كالحُمَم
أتاه وقد ظن الحِمام شقيقه
حَمامٌ ولاقى لا شقيقاً ولا ابن عم
سقاه بكأس كان يَسْقي بمثلها
إذا ما سقى السَّاقي بأمثالها فطم
كمينُ ردىً في جسمه أوْ مُبارِزَ
نجيدٌ من الأقران غادره جِذمْ
ولا لِقوة شعواء تُلحم فرخها
خداريَّةٌ شمَّاء في شاهق أشم
بكورٌ على الأقناص غيرُ مُخلَّة
كأنَّ بها في كل شارقةٍ وجَم
تبيتُ إذا ما أحجر القُر غيرَها
تُرَقْرِقُ رفْضَ الطَّلِّ في رِيشها الأحم
تعالت عن الأيدي العواطي وأُعطيتْ
على الطيرِ تفضيلاً فأعطينْها الرُّمَم
سما نحوها خَطْبٌ من الدهرِ فاتِكٌ
فطاحت جُبارا مثل صاحبها درم
ولا غَرِق ناجٍ من الكرب عَيْشُهُ
بحيث يكون الموت في الأخضر القطم
سبوحٌ مروجٌ رعيهُ حيثُ وِرْده
رغيبُ المِعا مهما استُطِفَّ له التقم
مُجَوْشَنُ أعلى الجِلدِ غيرُ محمَّل
سلاحاً سوى فيه ومِزْودِهِ اللَّهم
نفتْ جِلَّةَ الحيتان عنه شذاتُه
وخُلِّي في مَرْعًى من الوحشٍ والقزمْ
إذا أوْجس النُّوتيُّ يوماً حَسِيسهُ
وقد عارض البوصيُّ شمَّرَ واحتزم
أتيحَ له قِرنٌ من الدهر لم يكن
لِيَنْكُلَ عن أهوال يمٍّ ولا ابن يم
فألقاهُ في مَنْجى السَّفينِ وإنما
بحيثُ يشمُّ الرُّوحَ ركبانُها يُغم
لقى طافياً مثلَ الجزيرةِ فوقهُ
أبابيل شتى من نسورٍ ومن رخم
ولاملكَ لامجدَ إلا وقد بنى
ولا رأسَ سامي الطَّرفِ إلا وقد وقم
تياسرهُ الأشياءُ منقادةً له
فإن عاسرتْهُ مرةً خَشَّ أو خَزَم
إذا سارَ غُضَّتْ كُلُّ عينٍ مهابةً
وأُسكتَتِ الأفواهُ مِنْ غيرِ مابكم
سوى صَهلاتِ الخيلِ في عُرض جحفل
له لجبٌ يسترجفُ الأرض ذي هزم
كأنَّ مُثارَ النقع فوقَ سوادِهِ
سحابٌ على ليلٍ تَطَخْطَخَ فادْلهمّ
وإن حلَّ أرضاً حلها وهو قادرٌ
على البؤس والنُّعمى فأهلك أوعصم
ترى خرزاتِ المُلْكِ فوق جبينِهِ
تلوح عليه من فُرادَى ومن تُؤم
طواه الردى من بعدما أثخن العدا
وقوَّمَ من أمرَيْهِ ذا الزيغِ والضَّجم
قد أمِنَ الأيام أن تَخْتَرِمْنَهُ
وبُرِّئتِ الدنيا لديه من التُّهَم
رمى حاكمُ الحكامِ مُهجةَ نفسه
بحكم له ماضٍ فدانتْ لمَا حَكم
ولا مُرْسَلٌ بالوَحْي مليكه
سِراجاً منيراً نورُهُ الساطعُ الأتم
له دعوةٌ يشْفي بها من شكى الضَّنى
ويرزُقُ من أكدى ويُنْعِشُ من رزمْ
هو الرزْءُ لا يسْطيعُ نَهضاً بثِقلهِ
سوى ابنِ يقينٍ عاذ بالله واعتصم
تَمَثَّلْتُ أمثالي مُعيداً ومُبدئاً
فما اندمَلَ الجُرحُ الذي بي ولا التأم
وكم قارعٍ سمعي بوعظٍ يُجيدُه
ولكنَّهُ في الماء يرْقُمَ ما رقم
إذا عاد ألفى القلبَ لم يَقْنِ وَعْظَهُ
وقد ظنَّهُ كالوحي في الحجرِ الأصم
وكيف بأن يقْنى الفؤادُ عظاة
وقد ذابَ حتى لو تَرَقْرَقَ لانسجم
وهل راقم في صفحةِ الماء عائد
ليقرأ ماقد خطَّ إلا وقد طسم
أحاملتي أصبحتِ حِملاً لحُفْرة
إذا حَمَلَتْ يوماً فليس لها قَتَم
أحاملتي أسْتَحْمِلُ الله رَوْحةً
إلى تلكمُ الروح الزكية والنَّسم
أَمُرْضِعَتي أسترضِعَ الغيثُ دِرَّةً
لرَمْسِكِ بل أستغزِرُ الدمعَ ماسجم
وإنِّي لأستحييكِ أن أطلبَ الأَسى
لأسلى ولو داويتُ جُرْحيَ لم أُلم
حِفاظاً وهل لي أُسْوةٌ لوْ طلبتُها
ألا لا وهل من قِيمة لك في القِيم
وإني لأستحييك أن أنقع الصَّدى
وأن أتحبَّى بالنسيم إذا نسم
أأستنشق الأرواح بعدك طائعاً
وأشربُ عذبُ عذبَ الماء إني لذونهم
وإني لأستحييك يا أم أن يرى
قريني إلا من بكى لك أو وجم
وأن أتلهَّى بالحديث عن الأسى
وألقى جليسي بابتسامٍ إذا ابتسم
أأمْرحُ فوق الأرض يا أمُّ والثرى
عليكِ مهيلٌ قد تطابقَ وارتكم
أبى ذاك من نفسي خَصِيمٌ مُنازعٌ
ألدُّ إذا جاثى خصيماً له خَصَمْ
حفاظي خَصيمي عنكِ يا أمُّ إنه
أبى لي إلا الهمَّ بعدك والسَّدَم
عزيزٌ علينا أن تَموتِي وأننا
نعيش ولكن حُكِّم الموتُ فاحتكم
ولو قَبِلَ الموتُ الفداء بذلتُهُ
ولكنما يَعْتامُ رائدُهُ العِيم
أيا موتُ ما أسلمتُها لك طائعا
هواك فمالي زَفرتِي زفرةُ الندم
سأبكي بِنَثْرِ الدمع طوراً وتارةً
بنظم المراثي دائمَ الحُزْنِ والوَكم
وتُسعِدُني نفسٌ على ذاك سَمْحةٌ
بما نثر الشجوُ الدخيلُ ومانظم
لأنْفيَ نَوْمي لا لأشفي غُلَّتي
على أنَّ عيني مُذْ فقدتُكِ لم تنم
ولو نظرْت عيْناكِ يا أمُّ نَظْرةً
إلى ماتوارى عنك مِنِّيَ واكتتم
فقِسْتِ بما ألقاهُ ماقد لقيته
شهدتِ بحق أنَّ داهيتي أطم
وكم بين مكروه يُحَسُّ وقوعهُ
وآخرَ معدوم الإطاقة واللَّمم
يُحسُّ البلى مَيْتُ الحياة ولم يكن
يُحِس البلى مَيْتُ الممات إذا أرم
ألا من أراه صاحباً غيرَ خائنٍ
ألا من أراهُ مُؤنِساً غيرَ مُحْتَشَمص ألا من تليني منه في كُلِّ حالةٍ
أبرُّ يدٍ برَّتْ بذي شعثٍ يُلمع فيُفْرجُ عنِّي كُلَّ غمٍّ وكُلَّ همص نبا ناظِري يا يُّم عن كُلِّ مَنظرٍ
ألا من إليه أشتكي ما ينوبني
وسَمْعِي عن الأصوات بعدك والنغم
وأصبحتِ الآمالُ مُذْ بِنْتِ والمنى
غوادر عندي غير وافيةِ الدِّممْ
وصارمتُ خِلاَّني وهُمْ يَصلونَني
وقد كنتُ وصَّالَ الخليل وإن صرم
وآنسني فقدُ الجليسِ وأوْحَشتْ
مشاهِدُه نفسي ولم أدر ما اجترم
سوى أنه يدعو إلى الصبرِ واعِظاً
فإن لجَّ مابي لجَّ في العَدْلِ أو عذم
ولو أنَّني جمَّعْتُ وعِظي ووعظهُ
ليَشْعَبَ صَدْعاً في فؤادي لما التأم
وإني وقد زوَّدتني منكِ لوْعة
لها وقْدة في القلبِ كالنارِ في الضرم
يريد المُعزّي بُرء كَلْمِي بوَعْظهِ
ولم يكُ غيرُ الله يُبرىء ماكَلَم
هو الواهِبُ السلوانَ والصبرَ وحْدَهُ
لذي الرُّزْءِ المُهْدِي الشِّفاء لذي السقم
ولست أُراني مُذْهلي عنكِ مُذْهِلٌ
يد الدهر إلا أخذةُ الموتِ بالكظم
هُناك ذُهولي أو إذا قيل قد قضى
وإلاَّ فلا ماطاف ساعٍ أو استلم
وسوَّيْتِ عندي عُرفَ دَهرِي بِنُكره
فأضحى وأمسى كلما أحسن استذم
أرى الخيرةَ المهداةِ لي منه عبْرةً
ونِعمتُه المسداةُ من واقع النِّقم
أتبهجُنِي نعماءُ دهرٍ حماكها
وأشكر ما أعطى وأنت الذي حرم
أبى ذاك أن الخير بعدك حسرة
لديّ ومعدود من المِحَنِ العظم
فقدناكِ فاسْوَدَّتْ عليكِ قلوبُنا
وحُقَّتْ بأن تسودَّ وابيضَّتْ اللِّمَم
وأظلمتِ الدنيا وباخ ضياؤها
نهاراً وشمسُ الصَّحوِ حَيْرى على القمَم
وأجدبتِ الأرضُ التي كنتِ روضةً
عليها وأبدتْ مَكْلحاً بعد مُبْتَسم
ومادتْ لك الأجبال حتى كأنما
شواهقها كان بِمحياك تُدَّعمْ
وأصبحَ يبْكيكِ السحابُ مُجاوِداً
فأرزم إرزامَ العجولِ ومارذم
وناحتْ عليكِ الريحُ عبري وأصبحتْ
لدُنْ عَدِمَتْ ريَّاكِ تجري فلا تُشَمْ
وقامتْ عليكِ الجنُّ والإنس مأتماً
تُبكِّي صلاةَ الليلِ والخمص والهضم
وأضحتْ عليكِ الوحشُ والطيرُ وُلَّها
تبكِّي الرواء النضر والمخبر العمَمِ
وأبدى اكتئاباً كلُّ شيءٍ علمتُه
وأضعافٌ ما أبداه من ذاك ماكتَم
كذاك أرى الأشياءَ إما حقيقةً
بدتْ لي وإما حُلْمَ مُسْتَيْقظٍ حَلم
ولن يَحْلُم اليقظانُ إلاَّ وقد أتتْ
على لُبِّهِ دهياءُ هائلةُ الفقم
وأما السمواتُ العلى فتباشرتْ
برُوحِك لمَّا ضمَّها ذلك المضم
وماكنتِ إلا كوكباً كان بيننا
فبان وأمسى بين أشكاله نجم
رأى المسْكَنَ العُلويّ أوْلى بِمِثْلِهِ
فودَّعَنَا جادتْ معاهِدَهُ الرِّهَم
تأمَّلْ خَليلي في الكواكب كَوْكباً
ترفَّع كالمصباح في ذِروةِ العلم
سما عن سفال الأرض نحو سمائه
فكشَّفَ عن أفاقها عاصب القتم
ولم يرهُ الراؤون من قبل موتها
بحيث بدا لا المُعْرِبون ولا العَجَم
وإني وقد زودتني منك لوعة
مُحالفةً للقلب ما أورق السَّلَم
لتُسلينَني الأيام لا أن لوعتي
ولاحَزَني كالشيء يبْلى على القِدَم
سأنْثو ثناكِ الخيرَ لامُتزيِّداً
على ماجرى بين الصَّحيفة والقلمْ
ومابي قرُباكِ القريبةُ إنه
بعيدٌ من الأحياءِ مَنْ سَكَنَ الرَّجم
طوى الموتُ أسبابَ المحاباةِ بيننا
فلستُ وإن أطنبتُ فيك بِمُتَّهم
لعَمْرِي وعَمرِي بعدك الآن هَيّنٌ
عليَّ ولكنْ عادةٌ عادها القسم
لقد فجعتْ منكِ الليالي نُفوسها
بمحيية الأسحار حافظةِ العتم
ولم تُخطيء الأيام فيك فجيعةٌ
بِصوَّامةٍ فيهنَّ طيَّبةِ الطِّعم
وفاتَ بك الأيتامَ حِصنُ كِنافةٍ
دفيءٌ عليهم ليةَ القُرِّ والشَّبم
رجعْنا وأفردْناكِ غير فريدةٍ
من البِرِّ والمعروفِ والخيرِ والكرم
فلا تَعدمي أُنْسَ المحلِّ فطالما
عكفتِ وآنستِ المحاريبَ في الظُّلم
كستْ قبركَ الغُرُّ المباكيرُ حُلَّةً
مُفوَّفةً من صَنْعةِ الوبل والدِّيم
لها أرجٌ بعد الرُّقادِ كأنما
يُحدِّثُ عما فيكِ من طَيِّبِ الشِّيم
ن