أبدى لداعي الفوز وجه منيب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

أبدى لِداعي الفوزِ وجْهَ مُنيبِ

​أبدى لِداعي الفوزِ وجْهَ مُنيبِ​ المؤلف لسان الدين الخطيب


أبدى لِداعي الفوزِ وجْهَ مُنيبِ
وأفاق من عذلٍ ومن تأنيبِ
كلِفَ الجنانِ إذا جَرى ذِكرُ الحِمى
والبانِ حنَّ له حنينَ النِّيبِ
والنَّفسُ لا تنفكُّ تكلفُ بالهوى
والشيْبُ يلحظُها بعينِ رَقيب
رحَل الصِّبا فطرحْتُ في أعقابِهِ
ما كان من غزْلٍ ومن تشبيبِ
أترى التَّغزُّل بعد أن رحل الصِّبا
شأني الغداةَ أو النَّسيب نسيبي
أنَّى لمثلي بالهوى من بعدِ ما
للوخطِ في الفَودين أي دبيبِ
لبِسَ البياض وحلَّ ذروةَ منبرٍ
منِّي ووالي الوعْظَ فِعل خطيب
قد كان يستُرُني ظلامُ شَبيبتي
واليومَ يفضَحُني صباح مشيبي
وإذا الجديدانِ استجدَّا أبليا
من لِبسةِ الأعمار كلَّ قشيبِ
سلني عن الدَّهرِ الخؤونِ وأهلِهِ
تسَلِ المهلَّب عن حروبِ شبيبِ
متقلَّبُ الحالات فاخبرْ تقلِهِ
مهما أعدت يداً إلى تقليبِ
فكل الأمورَ إذا اعترتْكَ لربِّها
ما ضاق لطفُ الربِّ عن مربوبِ
قد يخبأُ المحبوبِ في مكروهِها
من يخبأُ المكروهَ في المحبوب
واصبر على مضضِ اللَّيالي إنها
كحوامِلِ ستلدنَ كلَّ عجيب
واقنعْ بحظٍّ لم تنَلْهُ بحيلةٍ
ما كلُّ رامٍ سهمَهُ بمُصيب
يقع الحريصُ على الرَّدى ولكُم غَدا
تركُ التَّسبُّب أنفعُ التَّسبيبِ
من رامَ نيْلَ الشيءِ قبل أوانِهِ
رام انتقالَ يلمْلَمِ وعسيبِ
فإذا جعلتَ الصَّبر مفزع مُعضلٍ
عاجلْتَ علَّتهُ بطب طبيبِ
وإذا استعنْتَ على الزَّمان بفارسٍ
لبَّى نداءك منهُ خيرُ مجيب
بخليفةِ الله في كفِّه
غيثٌ يروِّض ساح كلَّ جديبِ
المنتقى من طينةِ المجدِ الذي
ما كان يوماً صرفُهُ بِمشوب
يرمي الصِّعاب بسعدِهِ فيقودها
ذُللاً على حَسَبِ الهوى المرغوب
ويرى الحقائِقَ من وراء حِجابِها
لا فرق بين شهادةٍ ومَغيب
من آل عبدِ الحق حيث توشحت
شُعبُ العلا وربَتْ بأيِّ كثيب
أسُدُ الشَّرى سرج الوَرى فمقامُهُم
لله بين محارِبِ وحُروب
إمَّا دعا الداعي وثوَّبَ صارِخاً
ثابوا وأمُّوا حومةَ التثويب
شُهبٌ ثواقب والسماءُ عجاجةٌ
تأثيرها قد صحَّ بالتجريب
ما شئتَ في آفاقها من رامحٍ
يبدو وكفٍّ بالنجيع خضيب
عجبت سيوفهُمْ لشدَّة بأسهِمْ
فتبسَّمْت والجوُّ في تقطيب
نُظموا بلبّاتِ العلا واستوسقوا
كالرُّمح أنبوباً على أنبوب
تروي العواليَ في المعالي عنهُم
أثر النَّدى المولودَ والمكسوب
عن كل موثوقٍ به إسنادُهُ
بالقطع أو بالوضعِ غيرُ مَعيب
فأبو عِنانٍ عن عليِّى غضَّةً
للنقل عن عثمانَ عن يعقوب
جاءوا كما اتَّسق الحسابُ أصالةً
وغدا فذلك ذلك المكتوبِ
متجسِّدا من جوهرِ النُّور الذي
لم ترمَ يوماً شمسُهُ بغُروب
متألقاً من مطلعِ الحق الذي
هو نورُ أبصار وسرُّ قُلوب
قُل للزَّمان وقد تبسَّم ضاحكاً
من بعد طول تجهُّم وقطوب
هي دعوة الحق التي أوضاعُها
جمعت من الآثارِ كلًّ غريب
هي دولةُ العدلِ الذي شمِلَ الورى
فالشاةُ لا تخشى اعتداءَ الذيبِ
لو أن كسرى الفُرْس أدرك فارساً
ألقى إليه بتاجِهِ المعصوب
لمَّا حللتُ بأرضه متملئاً
ما شئتُ من بِرِّ ومن ترحيبِ
شملَ الرضا فكأنَّ كل أقاحَة
ترمي بثغرٍ للسلامِ شنيب
وأتيتُ في بحر القِرى أمَّ القُرى
حتى حططتُ بمرفأ التّقريب
فرأيتُ أمرَ الله من ظلِّ التُّقى
والعدل حتى سُرادِق مضروبِ
ورأيتُ سيفَ الله مطرورَ الشَّبا
يمضي القضاءُ بحدِّه المرهوبِ
وشهدتُ نور الله ليسَ بآفل
والدِّين والدنيا علَى ترتيبِ
وورَدْتُ بحرَ العلم يقذِفُ موجُهُ
للناس من دررِ الهدى بضروب
لله من شيم كأزهارِ الرُّبا
غبَّ انثيال العارِضِ المسكوبِ
وجمالِ مرأى في رداءِ مهابة
كالسيفِ مصقولِ الفرَنْدِ مهيب
يا جنةً فارقتُ من غرُفاتها
دار القرارِ بما اقتضتْهُ ذنوبي
أسفي على ما ضاع من حظِّي بها
لا تنقضي ترحاتُهُ ونحيبي
إن أشرقَتْ شمسٌ شرقت بعبرتي
وتفيضُ في وقت الغروبِ غروبي
حتى لقد علمت ساجعةُ الضُّحى
شجوي وجانِحَةُ الأصيل شُحوبي
وشهادَةُ الإخلاص توجبُ رِحْلتي
لنعيمها من غيْر مسَّ لغوب
يا ناصرَ الحق العريبِ وأهلُهُ
أنضاءُ مسغبةٍ وفلُّ خطوب
حقِّقْ ظنون بنيه فيك فإنهُمْ
يتعلَّلون بوعدِكَ المرقوبِ
ضاقَتْ مذاهب نصرهِمْ فتعلَّقوا
بجناب عزِّ من عُلاك رحيبِ
ودَجا ظلامُ الكفرِ في آفاقِهم
أو ليس صُبحكَ منهمُ بقريب
فانظر بعينِ العزِّ من ثُغر غدا
حذر العِدا يرنوا بطرفِ مُريب
نادتْكَ أندلسٌ ومجدك ضامنٌ
ألا تخيب لديكَ في مطلوبِ
غَصب العدوُّ بلادها وحسامُك
الماضي الشَّبا مسترجعُ المغصوب
أرِها السَّوابح في المجاز حقيقةً
من كلِّ قعدةِ مجربٍ وجنيب
يتأوَّدُ الأسلُ المثقف فوقَها
وتجيبَ صاهلةٌ رُغاءَ نجيبِ
والنَّصرُ يضحِكَ كل مبْسَم غرَّة
والفتح معقودٌ بكلِّ سَبيب
والروم فارم بكلِّ رجم ثاقبٍ
يُذكي بأربعِها شُواظ لهيب
بذوابل السُّلب التي تركَتْ بني
زيَّان بين مجدَّلٍ وسَليب
وأضِفْ إلى لام الوَغا ألفَ القَنا
تظهَرْ لديْكَ علامةُ التَّغليب
إن كنْتَ تعجمُ بالعزائِم عودَها
عودُ الصَّليب اليوْمَ غيرُ صليبِ
ولكَ الكتائبُ كالخمائِل أطلعَتْ
زهرَ الأسنَّة فوق كلِّ قضيبِ
فمُرنَّح العِطفين لا من نشوةٍ
ومورَّد الخدين غيرُ مُريب
يبدو سدادُ الرَّأي في راياتِها
وأموُرها تجري على تجريب
وترى الطُّيور عصائباً من فوقها
لحلول يوم في الضّلالِ عسيبِ
هذَّبْتَها بالعرض يذكر يومُهُ
عرض الوَرى للموعِدِ المكتوب
وهي الكتائبُ إن تُنوسي عرضُها
كانت مدوَّنةً بلا تهذيبِ
حتى إذا فرضَ الجلادُ جدالَهُ
ورأيت ريحَ النَّصر ذاتَ هُبوب
قدَّمْت سالبة العدوِّ وبعدها
أخرى لعزِّ النَّصر ذات وُجوب
وإذا توسط فضل سيفك عندها
جزأي قياسك فزت بالمطلوب
وتبرأ الشيطانُ لمَّا أن علا
حزبُ الهدى من حزبِهِ المغلوب
الأرضُ إرثٌ والمطامعُ جمَّةٌ
كل يهشُّ إلى التماس نصيبِ
وخلائفَ التَّقوى هم ورَّاثها
فإليكها بالحظ والتَّعصيبِ
لكأنَّني بك قد تركْتَ ربوعَها
قفراً بكر الغزوِ والتَّعقيبِ
وأقمتَ فيها مأتماً لكنه
عرسٌ لنسر في الفلاةَ وذيبِ
وتركتَ مُفْلتها بقلبٍ واجبٍ
رهباً وخدٍّ بالأسى مندوب
تبكي نوادِبُها وينقلن الخُطا
من شلو طاغيةٍ لشلو صليب
جعل الإلهُ البيت منك مثابةً
للعاكفينَ وأنت خيرُ مُثيب
فإذا ذُكرْتَ كأن هبَّات الصَّبا
فضَّت بمدرجها لطيمةَ طيبِ
لولا ارتباطُ الكونِ بالمعنى الذي
قصُرَ الحِجا عن سرِّه المحجوب
قلنا لعالمِكَ الذي شرَّفْتَهُ
حسدا البسيطُ مزيةَ التَّركيبِ
ولأجلِ قُطرِكَ شمسُها ونجومها
عدلت عن التَّشريقِ للتَّغريبِ
تبدو بمطلعِ أفقِها فضيَّةً
وتغيب عندكَ وهي في تذهيبِ
مولاي أشواقي إليك تهُزُّني
والنارُ تفضَعُ عرفَ عودِ الطَّيبِ
بِحُلى علاك أطلْتُها وأطبْتُها
ولكم مُطيل وهو غير مُطيب
طالبْتُ أفكاري بفرض يديها
فوفَتْ بشرط الفوْزِ والترتيبِ
متنبىء أنا في حُلى تلك العُلا
لكنَّ شِعري فيك شِعرُ حَبيب
والطَّبعُ فحلٌ والقريحَةُ حرَّةٌ
فاقبلهُ بين نجيبةِ ونجيب
لكنَّني سهَّلتها وأدلتُها
من كلِّ وحشي بكلِّ ربيبِ
هابَتْ مقامَكَ فاطبيت صِعابَها
حتى غَدَتْ ذُللاً على التدريب
إن كنت قد قاربْتُ في تعديلِها
لا بدَّ في التعديل من تقْريب
عُذرى لتَقْصري وعجزي ناسِخٌ
ويحلُّ منك العفوُّ عن تَثريب
من لم يَدِنْ لله فيك لقُربِهِ
هو من جنابِ الله غيرُ قَريب
والله ما أخفيتُ حُبَّك خيفةً
إلا وأنفاسي عليَّ تشي بي