نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/الإقليم الخامس/الجزء السادس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


إن الذي تضمنه هذا الجزء السادس من الإقليم الخامس أكثر مدن أرمينية وبعض بلاد آذربيجان وجملة بلاد أران وجبل القبق والذي فيه من بلاد أرمينية ميافارقين وباجنيس ومنازجرد وبدليس وخلاط وأرجيش ووسطان والزوزان ونشوى وقالي قلا ودبيل وسراج وبركري وخوي وسلماس وأرمية وفيه من بلاد أران برذعة والبيلقان وبرديج والشماخية وشروان واللايجان والشابران وقبلة وشكي وجنزة وشمكور وتفليس وأهر وورزقان وفيه من بلاد آذربيجان كورسره وأردبيل والبذ وبرزند وورثان وموقان وكل هذه البلاد قواعد مشهورة وبلاد مذكورة ويجب علينا أن نتكلم عليها حسب ما شق لنا من الكلام في أوصاف غيرها من الكور والبلاد.

ونبدأ من ذلك بذكر مدينة برذعة لأنها أم بلاد أران وعين ما جاورها من الأمصار وهي مدينة كبيرة جدا تكون نحو ثلاثة أميال طولا في دونها عرضا وهي من أنزه البلاد بقعة وأوفرها نعمة وبها خصب زائد ولها كروم وبساتين وأشجار وثمار عامة ومنها على ثلاثة أميال موضع يسمى الأندراب وهو مسير يوم في مثله وجميعه بساتين مشتبكة وعمارات متصلة وفواكه دائمة وجبايات كثيرة ومتاجر عظيمة وبها من البندق والشاه بلوط ما يربي على ما بالشام من ذلك كثرة وكبرا وطيب مطعم وبها الروقال وهو نوع من الغبيراء ليس يوجد في أقطار الأرض مثله ولا رؤي مثل صفته وهو إذا أدرك حلو وقبل أن يحرك فيه مزازة ومدينة برذعة من نهر الكر على نحو تسعة أميال ولمدينة برذعة باب يعرف بباب الأكراد على ظاهره سوق تسمى سوق الكركي مقدارها ثلاثة أميال وهي سوق عظيمة يجتمع إليها الناس في كل يوم أحد ويقصدون إليها من كل جهة ويبادرون إليها من كل ناحية ويباع بها من الأمتعة وصنوف المصنوعات الشيء الكثير.

والطريق من مدينة برذعة إلى باب الأبواب بين شمال وشرق من مدينة برذعة إلى مدينة برديج أربعة وخمسون ميلاً ومن برديج إلى مدينة الشماخية اثنان وأربعون ميلاً ومن الشماخية إلى مدينة شروان ثلاثة أيام ومن شروان إلى مدينة اللايجان يومان ومن اللايجان إلى مدينة جسر سمور ستة وثلاثون ميلاً ومن جسر سمور إلى الباب ستون ميلاً الجملة ثلاث مائة ميل.

ومدينة باب الأبواب مدينة عظيمة على بحر الخزر وفي وسطها مرسى للسفن وعلى فم هذا المرسى الخارج إليها بنا آن كالسدين من جانبيه وهناك سلسلة تمنع الداخل والخارج إلا بأمر صاحب البحر وهذان السدان من الصخر المحكم أفرغ بينه الرصاص وهي مدينة كبيرة بساتينها يسيرة وفواكهها قليلة وأكثر ذلك يجلب إليها من غيرها وعليها سور حجارة وطين وهو في نهاية من المنعة وهي فرضة بحر الخزر والسرير وسائر بلاد طبرستان وجرجان وتصنع بها ثياب الكتان كثيرا وأهلها يلبسونها دون أهل بلاد أران وبلاد أرمينية وآذربيجان.

وأما مدينة برديج والشماخية وشروان واللايجان وجسر سمور فكلها بلاد تتقارب في أقطارها وتتشابه في عمارها ولأهلها أسواق عامرة وصناعات متكاثرة وأشجارهم ناضرة كثيرة وفواكههم عامة رخيصه جداً وساكنها رائح ومسافرها رابح.

والطريق من برذعة إلى أردبيل بين جنوب وشرق من مدينه برذعه إلى مويان أحد وعشرون ميلاً وهي مدينة طيبة ذات مياه جارية وأشجار ملتفة بساتين وفواكه وبناآت ومنازه ولهم أنهار مجاورة عليها طواحينهم وكذلك منها إلى مدينة ورثان أحد وعشرون ميلاً وهي مدينة أكبر من البيلقان وأفسح قطرا وأكثر عمارة وبشرا وأسواقا ومتاجر ولها سور وربض ومن ورثان إلى البيلقان ستة وثلاثون ميلاً ومنها إلى مدينة بلخاب أحد وعشرون ميلا وهي قرية آهلة وبها رباطات وفنادق والسابلة تنزلها ومن بلخاب إلى مدينة برزند أحد وعشرون ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة ذات بساتين وأرحية وعمارات ومن مدينة برزند إلى أردبيل خمسة وأربعون ميلاً الجملة مائة وخمسة وستون ميلاً والطريق في قرى عامرة وأشجار وبساتين ذات اليمين وذات الشمال وأردبيل قاعدة مدن آذربيجان.

والطريق من برذعة إلى تفليس تخرج من برذعة إلى جنزة وهي مدينة حسنة لها سور وربض عامر وكروم وشجر ومزارع وغلات سبعة وعشرون ميلاً ومن جنزة إلى مدينة شمكور ثلاثون ميلاً وهي مدينة تشبه جنزة في جميع أحوالها وكرماتها وبساتينها وثمارها ومن شمكور إلى مدينة خنان ثلاثة وستون ميلاً وهي ذات أسواق وسور حصين وربض معمور ومن مدينة خنان إلى مدينة القلعة ثلاثون ميلاً وهذه القلعة تنسب إلى ابن كندمان وهي صغيرة متحصنة ومن القلعة إلى مدينة تفليس ستة وثلاثون ميلاً الجميع مائة ميل وستة وثمانون ميلاً.

والطريق من مدينة برذعة إلى دبيل من برذعة إلى مدينة قلقاطوس سبعة وعشرون ميلاً وهي مدينة صغيرة عامرة ذات سور وسوق عامرة ومنها إلى مدينة متزيس تسعة وثلاثون ميلاً وهي مدينة متحضرة صغيرة القدر ومنها إلى كيلكوين وهي قرية عامرة كبيرة كالمدينة ومنها إلى سيسجان ثمانية وأربعون ميلاً وسيسجان مدينة طيبة الهواء حسنة الثرى فرجة الأقطار كثيرة الفواكه والأشجار ومنها إلى دبيل ثمانية وأربعون ميلاً الجميع من ذلك مائة واثنان وستون ميلاً.

والطريق من برزند المتقدم ذكرها في طريق أردبيل من برذعة إلى دبيل من برزند إلى مدينة ميمذ ثلاث مراحل وهي مدينة صغيرة عامرة ومنها إلى مدينة أهر ثلاث مراحل ومنها إلى مدينة ورزقان أربع مراحل وهي مدينة عامرة حسنة البقعة فرجة الرفعة لها سور حصين وسوق عامرة ومنها إلى مدينة دبيل مرحلتان الجملة ثلاث مائة ميل ومدينة دبيل أكبر قطرا من مدينة أردبيل وهي أجل بلدة بأرض أرمينية الداخلة وهي قصبتها وبها دار الإمارة دون بلاد جميع أرمينية كما أن دار الإمارة بأران مدينة برذعة ودار الإمارة بأرض آذربيجان في أردبيل وعلى مدينة دبيل سور يحيط بها عالي السمك ثقيف وتصنع بها المراعز وبسط الصوف والوسائد والتكك والمقاعد وغير ذلك من أصناف المصنوعات من الصوف الأرميني وبها البزيون كثيرا وهو أجل كل بزيون يتخذ ببلاد الروم ومصنوعاتهم معدومه المثيل في جميع الأرض.

وأرمينية أرمينيتان إحداهما أرمينية الداخلة والثانية أرمينية الخارجة فالداخلة منها دبيل ونشوى وقالي قلا وأهر وورزقاق وما والاها والخارجة منه هي مثل بركري وخلاط وأرجيش ووسطان والزوزان وما بين ذلك من القلاع والنواحي والأعمال.

ومدينة قالي قالا مدينة مداخلة لبلاد الروم وهي ثغر لأهل آذربيجان وأرمينية وهي مدينة حسنة جليلة عامرة وقد تغلبت الروم عليها وعلى ما جاورها مرات واستنقذها المسلمون من أيديهم وهي الآن عامرة بأيدي المسلمين وبين مدينة قالي قلا وميافارقين ثلاث مراحل وبين مدينة قالي قلا وتفليس أربع مراحل.

ومدينة تفليس على نهر الكر ولها سوران من طين وهي في غاية من الرفه والخصب وأهلها أهل مروءات وبها حمامات مثل حمامات طبرية مياهها حاميه من غير أن يوقد عليها بنار وأسعارها رخيصة والعسل بها كثير والسمن أيضاً رخيص جدا كثير وكذلك بين تفليس ومدينه أطرابزندة ثمانية أيام وبين مدينة قالي قلا وتفليس أربع مراحل وبين قالي قلا وأطرابزندة اثنتا عشرة مرحلة وأطرابزندة مدينه كبيرة على نحر بحر بنطس ومنها يسافر إلى جميع بلاد الروم وسنستقصي وصفها وأحوالها بعد إن شاء الله.

وأما ميافارقين فإنها بين حدود الجزيرة وحدود أرمينية وبعض الناس يرى أنها من أرمينية وآخرون يعدونها من بلاد الجزيرة وهي من شرقي دجلة على مرحلتين منها فلذلك تجعل في بلاد أرمينية وأيضاً فإن مدينة ميافارقين وقالي قلا وأرزن وسراوج ومنازجرد وبدليس ونشوى وبركري بالجملة بلاد تتقارب في الأقطار وتتساوى في العمار وليس بينها كثير تفاوت وهي بجملتها خصبة عامرة كثيرة الخير ويصيبها في بعض الأحايين تغيير مثل ما يصيب سائر البلاد وفي هذه البلاد وفي أصقاعها الشيء الكثير من التجارات والمجالب وأنواع من الابتغاآت والمطالب من الدواب والأغنام والثياب المجلوبة إلى جميع النواحي والأقطار وغيرما كالتكك الأرمينية التى تصنع بمدينة سلمامس وتعمل بمرند وتبريز ودبيل وقد يصنع بها مقاعد وأنخاخ أرمينية عديمة المثال كذلك السبنيات والمقارم والمناديل المعمولة بميافارقين لا نظير لها ولا يعدلها في مثلها صنعه.

والطريق من أردبيل إلى المراغة من أردبيل إلى كورسره ستة وثلاثون ميلاً وهو قصر عظيم وحصن منيع وله إقليم ورستاق جليل جسيم وفيه أسواق في أوقات من السنة وقد قدمنا من ذكرها ما يغنى عن إعادة ذلك وبين هذا القصر ومدينة أردبيل المدينة المسماة سراه وهي على أحد وعشرين ميلاً من أردبيل ومدينة سراه مدينة طيبة الهواء كثيرة الخير والبساتين والمياه والمزارع والفواكه والطواحين ولها أسواق حسنة وفنادق نظيفة ومن كورسره إلى مدينة المراغة أربعة وثمانون ميلاً بين أكوار لطاف وقرى عامرة وأشجار وزراعات متصلة غير منفصلة.

والطريق من أردبيل إلى آمد من أرض الجزيرة وأعمال الثغور فمن أردبيل إلى المراغة نحو مائة ميل وعشرين ميلاً ومن المراغة إلى شابرخاست أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى برزة أربعة وعشرون ميلاً إلى مرند اثنا عشر ميلاً ومن شاء سار فى البحيرة من المراغة إلى أرمية اثنين وسبعين ميلاً ومن أرمية إلى مدينة سلماس خمسة وأربعون ميلاً وهي مرحلتان ومن مدينة سلماس إلى مدينة خوي سبعة وعشرون ميلاً ومن مدينة خوي إلى بركري تسعون ميلاً ومنها أيضاً إلى مدينة أرجيش خمسة وأربعون ميلاً وهي مرحلتان ومن أرجيش إلى مدينة خلاط ثلاثة أيام وهي خمسة وسبعون ميلاً ومن خلاط إلى مدينه بدليس خمسة وسبعون ميلاً ومن بدليس إلى أرزن سبعة وعشرون ميلاً ومن أرزن إلى ميافارقين أربعة أيام وهي مائة ميل واثنا عشر ميلاً ومن ميافارقين إلى آمد من أرض الجزيرة مرحلتان.

وفي جنوب خلاط وأرجيش بحيرة ملحة آخذة من المشرق إلى المغرب يكون طولها سبعة وخمسين ميلاً في سعة سبعة وعشرين ميلاً ويستخرج من هذه البحيرة سمك صغار يعرف بالطريخ يحمل بعد أن يملح إلى الجزيرة والموصل والرقة والعراق وحران وفي أطراف هذه البحيرة البورق المحمول إلى العراق وغيره للخبازين وبالقرب منها مقاطع وحفائر يستخرج منها الزرنيخ الأحمر والأصفر ومنه يتجهز به إلى جميع أقطار الأرض وأيضاً فإن بحيرة كبوذان المتقدم ذكرها في أرض أرمينية فإنه يحمل من حوافيها تراب تتخذ منه البواذق فتحمل إلى العراق والشام ومصر فتشترى بها بالأثمان النفيسة وتوجد فيها الأرباح الكثيرة.

ومن ميافارقين إلى الأرديس خمسون ميلاً ومدينة الأرديس تتاخم ثغور بلاد الروم وبينها وبين حصن زياد شجرة لا يعرف أحد ما هي ولا ما اسمها ولها حمل شبيه باللوز يؤكل بقشره وهو أحلى من الشهد.

والطريق أيضاً من المراغة إلى دبيل على أرمية وخوي من المراغة إلى حوى مائة ميل وتسعة وخمسون ميلا ومن خوي إلى نشوى خمسة أيام ومن نشوى إلى دبيل أربع مراحل الجميع من ذلك ثلاث مائة ميل وخمسة أميال وهذه الطريق أيضاً من شاء سار من المراغة إلى جنزة ثمانية عشر ميلاً ثم إلى موسى اباذ خمسة عشر ميلاً ثم إلى برزة خمسة عشر ميلاً ثم إلى أرمية اثنان وأربعون ميلاً وهذه الطريق هي في شمال الطريق المذكور أولا.

وكذلك يقال أيضاً إن كور أران وجرزان والسيسجان كانت في مملكة الخزر وكانت كورة دبيل والنشوى وسراج وخلاط وأرجيش وباجنيس في مملكة الروم فافتتحتها الفرس إلى أن وصلت فتوحها شروان التي فيها صخرة موسى والتي يقال إن فيها عين الحيوان مستورة فبنى الملك قباذ مدينة البيلقان وبنى مدينه برذعة ومدينة قبلة وسد اللبن وبنى الملك أنوشروان مدينة الشابران مما يلي بحر الخزر ومدينة كركرة ومدينة الباب والأبواب وسور قصورا كثيرة على أبواب الجبل المسمى جبل القبق وهي نيف وثلاث مائة وستون قمرا وبنى خارج باب الأبواب مما يلي أرض الخزر بلنجر وسمندر والبيضاء وبنى بأرض جرزان مدينة صغدبيل ومدينة فيروزقباذ.

ومن أرمينية القصوى أيضاً خوي وصنارية وألباق وكسال واللايجان وقلعة الجردمان وخيزان وشكي ومدينة الباب.

فأما الأبواب فهي أفواه شعاب في جبل القبق فيها حصون منها باب صول وباب اللان وباب الشابران وباب لاذقه وباب بارقة وباب سمسخي وباب صاحب السرير وباب فيلان شاه وباب كارونان وباب طبرسرانشاه وباب ليران شاه وباب لبان شاه.

وجبل القبق جبل عظيم موصوف بالشماخة والعلو زعم أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي أن فيه ثلاث مائة قرية لكل قرية منها لسان مفرد يتكلم به أهلها قال الحوقلي في كتابه كنت أنكر هذا واستبشعه حت اجتزت ببعض قرى هذا الجبل فوجدت لأهل كل قرية منها لسانا يتكلمون به ليس من ألسن الأذرية ولا الفارسية.

ويتصل بجبل القبق مما يلي أرض الخزر جبل سياه كوه وهو يمتد فيمر خلف بلاد الخزر مارا في بلاد الغزية راجعا إلى المشرق من وراء بحيرة خوارزم ويتصل إلى أرض فرغانة إلى أن يلحق بجبال الصين.

والزوزان أيضاً ناحية وقلاع الغالب عليها الجبال وهي تتصل من جهة الحارث والحويرث بجبال أهر وورزقان ويتصل بتفليس في الشمال.

وفي جميع بلاد أران من حد باب الأبواب إلى تفليس ينبت في أرضها الفوة ويجمع منها الشيء الكثير وتدخل في بحر الخزر إلى جرجان ويقصد بها إلى بلاد الهند على الظهر وهي فوة تفوق كل نوع منها على الأرض.

وبأرض أرمينية النهران المذكوران أعني نهر الرس ونهر الكر وممرهما من المغرب إلى المشرق فأما نهر الكر فنهر كبير تجري فيه السفن وهو يخرج من ناحية الجبل فيمر بتفليس ثم يمتد على حدود جنزة وشمكور ويجتمع مع نهر الرس ويصب في بحر الخزر وكذلك نهر الرس كبير جدا يخرج من نواحي أرمينية الداخلة من قالي قلا فيمر بأران فيصب فيه نهر أران فيمر في شمالها إلى أن يأتي ورثان ثم يجتمع بنهر الكر وبينهما مدينة البيلقان ويصبان إذ ذاك في بحر الخزر.

نجز الجزء السادس من الإقليم الخامس ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله.