نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/الإقليم الثالث/الجزء التاسع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


إن هذا الجزء التاسع من الإقليم الثالث تضمن أرض التبت وبعض أرض التغزغز وبعض أرض الخرلخية.

وفي أرض التبت من القواعد المشهورة مدينة التبت والثينخ ووخان والشقينة وبروان وأوج ورمحاخ وذالخوا.

ومن بلاد خاقان التغزغز مدينة خاقان وتسمى تنتبغ ومدينة ماشه وجرمق وباخوان.

ومن مدن الصين الخارجة كجا ودارخون.

ومن بلاد الخرلخية برسخان العليا ونواكت.

وبها بحيرات مياه عذبة وأودية جارية ومرابع ومصايف للأتراك ونريد أن نأتي بمواضع بلادها على مسافاتها وحدود أرضها ونتكلم في ذلك بما صح ذكره في الكتب المصنفة على الأخبار الصحاح من كلام الأتراك الذين سلكوا تلك الأرضين وجاوزوها وأخبروا أيضاً عنها.

فنقول إن بلاد الصين الخارجة يليها مما يلي البحر الشرقي من بلاد التغزغز ويلي بلاد التغزغز مما يلي بلاد فرغانة بلاد التبت وأرض التبت تجاور الصين وبعض بلاد الهند ويتصل بها من جانب الشمال أرض الخرلخية وفي شرقيها بلاد التغزغز.

ومدينتها العظمى المسماة تنتبغ لها اثنا عشر باباً من حديد وأهلها زنادقة ومن الأتراك التغزغزية قوم مجوس يعبدون النار والملك خاقان التغزغز مقيم في مدينة تنتبغ وهي مدينة عظيمه عليها سور منيع وهي على نهر كبير يجري إلى جهة المشرق ومن هذه المدينة إلى برسخان العليا من الأرض المجاورة لفرغانة مسيرة شهرين وتتصل أرض التغزغز إلى البحر الشرقي المظلم.

ومن مدينة تنتبغ إلى مدينة باخوان بين غرب وشمال اثنا عشر يوماً وهي مدينة من عمالة التغزغز وفيها ملك من أهل خاقان التغزغز له أجناد وحافظة وحصون وعمالة وهي ذات سور حصين وفيها أسواق يصنع بها من الحديد كل غريبة وكذلك من جميع الصنائع من أنواع العود والفخار وغير ذلك وهذه المدينة على ضفة نهر جار إلى جهة المشرق وحول هذه المدينة مزارع ومرابع للأتراك ومياه ينزلون عليها وينتقلون عنها ومن هذه المدينة تخرج أكثر مصنوعات الحديد إلى أرض التبت وأرض الصين وبجبال هذه المدينة دواب المسك وهي غير برية وقد ذكرنا أحوالها وكيف تكون المسك في أطباعها في ذكر الإقليم الثاني ولا حاجة بنا إلى ذكر ذاك الآن.

ومن مدينة باخوان إلى مدينة جرمق أربع مراحل بين قرى ومزارع وعمارة متصلة وهي منها بين جنوب وميل إلى غرب ومدينة جرمق مدينة صالحة القدر خصيبة لها سوران من تراب وبينهما خندق له عمق كثير وسعة هذا الخندق مقدار سبعين خطوة ولها أربعة أبواب حديد وليس بها سوق إلا ما كان من صناعات الأسلحة لا غير وواليها يسكنها ومعه عدة خيل ورجل وهو يحرس جانبه من الملوك التبتية.

ومن باخوان إلى مدينة التبت أربعة عشر يوماً.

ومن جرمق أيضاً إلى مدينة برسخان العليا عشر مراحل.

ومدينة التبت مدينة كبيرة وأرضها منسوبة إليها وهي بلاد الأتراك التبتية وأهلها قوم يداخلون أهل فرغانة والبتم وأرض وخان ويسافرون إلى أكثر هذه البلاد ويتجهزون بالحديد والفضة والحجارة الملونة والجلود النمرية والمسك التبتي المنسوب إليها وهي مدينة على نشز عال وفي أسفلها واد يمر إلى بحيرة بروان جنوباً ولها سور منيع وملكها ينزل فيها وهو ملك معد بالرجال والخيل والتجافيف وبها صناعات كثيرة ويتجهز منها بثياب تصنع فيها غلاظ الأجرام خشنة لدنة يباع الثوب منها بدنانير كثيرة لأنها حرير في قزي ويتجهز منها أيضاً بالرقيق والمسك أكثر إلى بلاد فرغانة وإلى بلاد الهند وليس على معمور الأرض أحسن ألواناً ولا أرق بشراً ولا أجمل خلقاً ولا أنعم أبداناً من رقيق الترك والترك يسرق بعضهم أبناء بعض ويبيعونهم من التجار وقد يبلغ ثمن الجارية منهم ثلثمائة دينار فما فوقها.

وأرض التغزغز هي بين التبت والصين ويجاورها من جهة الشمال الخرخير.

ومن بلاد التبت المدينة المسماة بثينخ وهي متوسطة الكبر في رأس جبل منيع وعليها سور وحجارة حصين ولها باب واحد وبها صناعات للترك وأعمال وتجارات كثيرة مع من جاورهم ويسافر إليهم من أرض كابل وأرض وخان وأرض الختل والوخش ومن بلاد الراشت ويجلب منها الحديد المنسوب إلى التبت والمسك ويحكى أن في هذا الجبل المتصل بثينخ ينبت السنبل كثيراً وفي غياضه دواب المسك كثيراً ورعي هذه الدواب غض نبات السنبل وتشرب من ماء الوادي الجاري إلى ثينخ فيكون عن غذائها هذا المسك وفي هذا الجبل كهف بعيد القعر يسمع في أصله خرير ماء جار ولا يدرك لهذه الهوة من هذا الكهف قعر البتة وصوت الماء وخريره مسموع سماعاً فاشياً ولا يعلم حقيقة ما هو إلا الله وحده وينبت بهذا الجبل كثيراً نبات الراوند الصيني وهو به كثير ومنها يتجهز به إلى كثير من الآفاق ويتصل بالمشرق والمغرب ويباع بها وهو معروف ويسمى نهر ثينخ نهر شرماخ.

ومن ثينخ في جهة الشرق إلى بحيرة بروان خمس مراحل في قرى وغياض للترك التبتية وبها قلاع وحصون منيعة وبحيرة بروان كبيرة يكون طولها أربعين فرسخاً وعرضها اثنان وسبعون ميلاً وماؤها حلو وبها سمك كثير ويصيده أهل بروان وأهل أوج وبروان وأوج مدينتان من أرض التبت على ضفة هذه البحيرة وبين أوج وبروان مسافة اثني عشر فرسخاً سندية وهي خمسة أميال وبروان وأوج قدرهما في الكبر سواء وهما في تلول على ضفة البحيرة ومنها شرب أهلهما وهما بلدان قائمان بأنفسهما وبهما أسواق وصناعات تكفيهما ولا يحتاجان مع ما فيهما من ذلك إلى ما في غيرهما من صنائع البلاد وتصب في بحيرة بروان أنهار كثيرة كبار في كل جهة منها.

وعلى مقربة من مدينة بروان وأوج وفي جنوبهما جيل معطوف على هيئة الدال لا يصل أحد إلى أعلاه إلا عن جهد وطرفاه يتصلان بجبال الهند وفي بحبوحته أرض وطيئة وفيها قصر مبني مربع لا باب له فمن قصده أو مشى نحوه وجد في نفسه فرحاً وطرباً مثل ما يجد شارب الخمر ويقال إن من تعلق بهذا القصر وصعد إلى أعلاه لم يزل ضاحكاً ثم يرمي بنفسه إلى داخل القصر فلا يرى وأظن أن هذا كلام مصنوع وليس بصحيح لكنه خبر مستفيض شائع في الناس.

ومدينة كجا من أرض الصين وخارجة من الجبال المكتنفة للصين وهي مدينة عامرة ليست بكبيرة وفيها تجارات وعمارات كثيرة.

وكذلك من مدينة أوج إلى كجا عشر مراحل بسير الإبل.

وبالشرقي من كجا مدينة دارخون وهي مدينة متوسطة القدر من بلاد الصين وهي آخر عمالة الصين في جهة الشمال وتتصل بها عمارات أرض الأتراك التغزغزية.

وأما مدينة اطباش فإنها على جبل منيع متحذرة من الأتراك ومنها إلى التبت عشر مراحل وكذلك من اطباش إلى برسخان العليا ستة أيام في أرض الترك.

وبرسخان العليا مدينة من بلاد الأتراك حصينة لها سوران منيعان وإليها يلجأ أكثر الأتراك الساكنين هناك فيما يحتاجون إليه من حوائجهم.

ومن برسخان إلى نواكت في ثغور أرض الخرلخية نحو عشر مراحل بسير القوافل ولبريد الترك خمس مراحل وسنأتي على أكثر ذلك بعد هذا بحول الله.

وأما مدينة ماشه فمنها إلى خاقان التغزغز خمسة أيام وماشه من بلاد خاقان التغزغز وهي مدينة عامرة وفيها صناعات كثيرة ومن ماشه إلى باخوان ثمانية أيام غرباً وهذه جملة ما في هذا الجزء التاسع من هذا الإقليم والحمد لله كثيراً.

نجز الجزء التاسع من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه إن شاء الله.