منهاج السنة النبوية/1

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



قال الشيخ الإمام العالم الحبر الكامل الأوحد العلامة الحافظ الخاشع القانت إمام الأئمة ورباني الأمة شيخ الإسلام بقية الأعلام تقي الدين خاتمة المجتهدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني قدس الله روحه ونور ضريحه

الحمد لله الذي بعث النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما شهد هو سبحانه وتعالى أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم سورة آل عمران 18 وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختم به أنبياءه وهدى به أولياءه ونعته بقوله في القرآن الكريم لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سورة التوبة 128 129 صلى الله عليه وعلى آله أفضل صلاة وأفضل تسليم

أما بعد فإنه قد أحضر إلى طائفة من أهل السنة والجماعة كتابا صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقا لهذه البضاعة يدعو به إلى مذهب الرافضة الإمامية من أمكنه دعوته من ولاة الأمور وغيرهم أهل الجاهلية ممن قلت معرفتهم بالعلم والدين ولم يعرفوا أصل دين المسلمين وأعانه على ذلك من عادتهم إعانة الرافضة من المتظاهرين بالإسلام من أصناف الباطنية الملحدين الذين هم في الباطن من الصابئة الفلاسفة الخارجين عن حقيقة متابعة المرسلين الذين لا يوجبون اتباع دين الإسلام ولا يحرمون اتباع ما سواه من الأديان بل يجعلون الملل بمنزلة المذاهب والسياسات التي يسوغ اتباعها وأن النبوة نوع من السياسة العادلة التي وضعت لمصلحة العامة في الدنيا فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال ويكشف ما في خلافها من الافك والشرك والمحال

وهؤلاء لا يكذبون بالنبوة تكذيبا مطلقا بل هم يؤمنون ببعض أحوالها ويكفرون ببعض الأحوال وهم متفاوتون فيما يؤمنون به ويكفرون به من تلك الخلال فلهذا يلتبس أمرهم بسبب تعظيمهم للنبوات على كثير من أهل الجهالات

والرافضة والجهمية هم الباب لهؤلاء الملحدين منهم يدخلون إلى سائر أصناف الإلحاد في أسماء الله وآيات كتابه المبين كما قرر ذلك رؤوس المحلدة من القرامطة الباطنية وغيرهم من المنافقين

وذكر من أحضر هذا الكتاب أنه من أعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم عند من مال إليهم من الملوك وغيرهم وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه فيه خدابنده وطلبوا مني بيان ما في هذا الكتاب من الضلال وباطل الخطاب لما في في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين وبيان بطلان أقوال المفترين الملحدين

فأخبرتهم أن هذا الكتاب وإن كان من أعلى ما يقولونه في باب الحجة والدليل فالقوم من أضل الناس عن سواء السبيل فإن الأدلة إما نقلية وإما عقلية والقوم من أضل الناس في المنقول والمعقول في المذاهب والتقرير وهم من أشبه الناس بمن قال الله فيهم وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير سورة الملك 10 والقوم من أكذب الناس في النقليات ومن أجهل الناس في العقليات يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل ويكذبون بالمعلوم من الأضطرار المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلا بعد جيل ولا يميزون في نقلة العلم ورواة الأحاديث والأخبار بين المعروف بالكذب أو الغلط أو الجهل بما ينقل وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم بالآثار

وعمدتهم في نفس الأمر على التقليد وإن ظنوا إقامته بالبرهانيات فتارة يتبعون المعتزلة والقدرية وتارة يتبعون المجسمة والجبرية وهم من أجل هذه الطوائف بالنظريات ولهذا كانوا عند عامة أهل العلم والدين من أجهل الطوائف الداخلين في المسلمين

ومنهم من أدخل على الدين من الفساد مالا يحصيه إلا رب العباد فملاحدة الإسماعيلية والنصيرية وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم دخلوا وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا واستولوا بهم على بلاد الإسلام وسبوا الحريم وأخذوا الأموال وسفكوا الدم الحرام وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلا رب العالمين إذ كان أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته علي أمير المؤمنين رضي الله عنه فحرق منهم طائفة بالنار وطلب قتل بعضهم ففروا من سيفه البتار وتوعد بالجلد طائفة مفترية فيما عرف عنه من الأخبار إذ قد تواتر عنه من الوجوه الكثيرة أنه قال على منبر الكوفة وقد أسمع من حضر خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر وبذلك أجاب ابنه محمد بن الحنفية فيما رواه البخاري في صحيحه وغيره من علماء الملة الحنيفية

ولهذا كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليا أو كانوا في ذلك الزمان لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر حتى ذكر مثل ذلك أبو القاسم البلخي قال سأل سائل شريك بن عبد الله ابن أبي نمر فقال له أيهما أفضل أبو بكر أو علي فقال له أبو بكر فقال له السائل أتقول هذا وأنت من الشيعة فقال نعم إنما الشيعي من قال مثل هذا والله لقد رقى علي هذا الأعواد فقال ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر أفكنا نرد قوله أكنا نكذبه والله ما كان كذابا ذكر هذا أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الراوندي اعتراضه على الجاحظ نقله عنه القاضي عبد الجبار الهمداني

في كتاب تثبيت النبوة

فصل

فلما ألحوا في طلب الرد لهذا الضلال المبين ذاكرين أن في الإعراض عن ذلك خذلانا للمؤمنين وظن أهل الطغيان نوعا من العجز عن رد هذا البهتان فكتبت ما يسره الله من البيان وفاء بما أخذه الله من الميثاق على أهل العلم والإيمان وقياما بالقسط وشهادة لله كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تفعلون خبيرا سورة النساء 135 واللي هو تغيير الشهادة والإعراض كتمانها

والله تعالى قد أمر بالصدق والبيان ونهى عن الكذب والكتمان فيما يحتاج إلى معرفته وإظهاره كما قال النبي في الحديث المتفق عليه البيعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما

وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى سورة المائدة ومن أعظم الشهادات ما جعل الله آمة محمد شهداء عليه حيث قال وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا سورة البقرة 143

وقال تعالى وجاهدوا في الله حق جهاده هو أجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس سورة الحج 78 والمعنى عند الجمهور أن الله سماهم المسلمين من قبل نزول القرآن وفي القرآن

وقال تعالى ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله سورة البقرة 140 وقال تعالى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه سورة آل عمران 187 وقال تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم سورة البقرة 159 160 لا سيما الكتمان إذا لعن آخر هذه الأمة أولها كما في الأثر إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فليظهره فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمد

وذلك أن أول هذه الأمة هم الذين قاموا بالدين تصديقا وعلما وعملا وتبليغا فالطعن فيهم طعن في الدين موجب للإعراض عما بعث الله به النبين

وهذا كان مقصود أول من أظهر بدعة التشيع فإنما كان قصده الصد عن سبيل الله وإبطال ما جاءت به الرسل عن الله ولهذا كانوا يظهرون ذلك بحسب ضعف الملة فظهر في الملاحدة حقيقة هذه البدع المضلة لكن راج كثير منها على من ليس من المنافقين الملحدين لنوع من الشبهة والجهالة المخلوطة بهوى فقبل معه الضلالة وهذا أصل كل باطل

قال الله تعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى سورة النجم 1 4 إلى قوله أفرأيتم آللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم ؤآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى سورة النجم 19 23 فنزه الله رسوله عن الضلال والغي والضلال عدم العلم والغي اتباع الهوى

كما قال تعالى وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا سورة الأحزاب 72 فالظلوم غاو والجهول ضال إلا من تاب الله عليه كما قال تعالى ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما سورة الأحزاب 73

ولهذا أمرنا الله أن أن نقول في صلاتنا أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فالضال الذي لم يعرف الحق كالنصارى والمغضوب عليه الغاوي الذي يعرف الحق ويعمل بخلافة كاليهود

والصراط المستقيم يتضمن معرفة الحق والعمل به كما في الدعاء المأثور اللهم أرني الحق حقا ووفقني لاتباعه وأرني الباطل باطلا ووفقني لاجتنابه ولا تجعله مشتبها علي فأتبع الهوى

وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان إذا قام من الليل يصلي يقول اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم فمن خرج عن الصراط المستقيم كان متبعا لظنه وما تهواه نفسه ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين

وهذا حال أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة فإنهم إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ففيهم جهل وظلم لا سيما الرافضة فإنهم أعظم ذوي الأهواء جهلا وظلما يعادون خيار أولياء الله تعالى من بعد النبيين من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين فتجدهم أو كثيرا منهم إذا اختصم خصمان في ربهم من المؤمنين والكفار واختلف الناس فيما جاءت به الأنبياء فمنهم من آمن ومنهم من كفر سواء كان الاختلاف بقول أو عمل كالحروب التي بين المسلمين وأهل الكتاب والمشركين تجدهم يعاونون المشركين وأهل الكتاب على المسلمين أهل القرآن كما قد جربه الناس منهم غير مرة في مثل إعانتهم للمشركين من الترك وغيرهم على أهل الإسلام بخراسان والعراق والجزيرة والشام وغير ذلك وإعانتهم للنصارى على المسلمين بالشام ومصر وغير ذلك في وقائع متعددة من أعظمها الحوادث التي كانت في الإسلام في المائة الرابعة والسابعة فإنه لما قدم كفار الترك إلى بلاد الإسلام وقتل من المسلمين ما لا يحصى عدده إلا رب الأنام كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين ومعاونة للكافرين وهكذا معاونتهم لليهود أمر شهير حتى جعلهم الناس لهم كالحمير

فصل

وهذا المصنف سمي كتابه منهاج الكرامة في معرفة الإمامة وهو خليق بأن يسمى منهاج الندامة كما أن من أدعى الطهارة وهو من الذين لم يرد الله أن يظهر قلوبهم بل من أهل الجبت والطاغوت والنفاق كان وصفه بالنجاسة والتكدير أولى من وصفه بالتطهير

ومن أعظم خبث القلوب أن يكون في قلب العبد غل لخيار المؤمنين وسادات أولياء الله بعد النبيين ولهذا لم يجعل الله تعالى في الفيء نصيبا لمن بعدهم إلا الذين يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم سورة الحشر 1ولهذا كان بينهم وبين اليهود من المشابهة في الخبث واتباع الهوى وغير ذلك من أخلاق اليهود وبينهم وبين النصارى من المشابهة في الغلو والجهل وغير ذلك من أخلاق النصارى ما أشبهوا به هؤلاء من وجه وهؤلاء من وجه وما زال الناس يصفونهم بذلك

ومن أخبر الناس بهم الشعبي وأمثاله من علماء الكوفة وقد ثبت عن الشعبي أنه قال ما رأيت أحمق من الخشبية لو كانوا من الطير لكانوا رخما ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا والله لو طلبت منهم أن يملئوا لي هذا البيت ذهبا على أن أكذب على علي لأعطوني ووالله ما أكذب عليه أبدا وقد روى هذا الكلام مبسوطا عنه أكثر من هذا لكن الأظهر أن المبسوط من كلام غيره

كما روى أبو حفص بن شاهين في كتاب اللطيف في السنة حدثنا محمد بن أبي القاسم بن هارون حدثنا أحمد بن الوليد الواسطي حدثني جعفر بن نصير الطوسي الواسطي عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال قال لي الشعبي أحذركم هذه الأهواء المضلة وشرها الرافضة لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة ولكن مقتا لأهل الإسلام وبغيا عليهم قد حرقهم علي رضي الله عنه بالنار ونفاهم إلى البلدان منهم عبد الله ابن سبأ يهودي من يهود صنعاء نفاه إلى ساباط وعبد الله بن يسار نفاه إلى خازر وآية ذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود قالت اليهود لا يصلح الملك إلا في آل داود وقالت الرافضة لا تصلح الإمامة إلا في ولد علي وقالت اليهود لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل سيف من السماء وقالت الرافضة لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء واليهود يؤخرون الصلاة إلى اشتباك النجوم وكذلك الرافضة يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم والحديث عن النبي أنه قال لا تزال أمتي على الفطرة مالم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم واليهود تزول عن القبلة شيئا وكذلك الرافضة واليهود تنود في الصلاة وكذلك الرافضة واليهود تسدل أثوابها في الصلاة وكذلك الرافضة واليهود لا يرون على النساء عدة وكذلك الرافضة واليهود حرفوا التوراة وكذلك الرافضة حرفوا القرآن واليهود قالوا افترض الله علينا خمسين صلاة وكذلك الرافضة واليهود لا يخلصون السلام على المؤمنين إنما يقولون السام عليكم والسام الموت وكذلك الرافضة واليهود لا يأكلون الجري والمرماهى والذناب وكذلك الرافضة واليهود لا يرون المسح على الخفين وكذلك الرافضة واليهود يستحلون أموال الناس كلهم وكذلك الرافضة وقد أخبرنا الله عنهم بذلك في القرآن أنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل سورة آل عمران 75 وكذلك الرافضة واليهود تسجد على قرونها في الصلاة وكذلك الرافضة واليهود لا تسجد حتى تخفق برؤوسها مرارا شبه الركوع وكذلك الرافضة واليهود تبغض جبريل ويقولون هو عدونا من الملائكة وكذلك الرافضة يقولون غلط جبريل بالوحي على محمد وكذلك الرافضة وافقوا النصارى في خصلة النصارى ليس لنسائهم صداق إنما يتمتعون بهن تمتعا وكذلك الرافضة يتزوجون بالمتعة ويستحلون المتعة

وفضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين سئلت اليهود من خير أهل ملتكم قالوا أصحاب موسى وسئلت النصاري من خير أهل ملتكم قالوا حواري عيسى وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم قالوا أصحاب محمد أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم ولا تجتمع لهم كلمة ولا تجاب لهم دعوة دعوتهم مدحوضة وكلمتهم مختلفة وجمعهم متفرق كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله

قلت هذا الكلام بعضه ثابت عن الشعبي كقوله لو كانت الشيعة من البهائم لكانوا حمرا ولو كانت من الطير لكانوا رخما فإن هذا ثابت عنه

قال ابن شاهين حدثنا محمد بن العباس النحوي حدثنا إبراهيم الحربي حدثنا ابو الربيع الزهراني حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا مالك بن مغول فذكره وأما السياق المذكور فهو معروف عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه عن الشعبي

وروى أبو عاصم خشيش بن أصرم في كتابه ورواه من طريقه أبو عمرو الطلمنكي في كتابه في الأصول قال أبو عاصم حدثنا أحمد بن محمد وعبد الوارث ابن إبراهيم حدثنا السندي بن سليمان

الفارسي حدثنى عبد الله بن جعفر الرقى عن عبدالرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال قلت لعامر الشعبي ما ردك عن هؤلاء القوم وقد كنت فيهم رأسا قال رأيتهم يأخذون بأعجاز لا صدور لها ثم قال لي يا مالك لو أردت أن يعطوني رقابهم عبيدا أو يملئوا لي بيتي ذهبا أو يحجوا إلى بيتي هذا على أن أكذب على علي رضي الله عنه لفعلوا ولا والله لا أكذب عليه أبدا يا مالك إني قد درست الأهواء فلم أر فيها أحمق من الخشبية فلو كانوا من الطير لكانوا رخما ولو كانوا من الدواب لكانوا حمرا يا مالك لم يدخلوا في الإسلام رغبة فيه لله ولا رهبة من الله ولكن مقتا من الله عليهم وبغيا منهم على أهل الإسلام يريدون أن يغمصوا دين الإسلام كما غمص بولص بن يوشع ملك اليهود دين النصرانية ولا تجاوز صلاتهم آذانهم قد حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار ونفاهم من البلاد منهم عبد الله بن سبأ يهودي من يهود صنعاء نفاه إلى ساباط وأبو بكر الكروس نفاه إلى الجابية وحرق منهم قوما أتوه فقالوا أنت هو فقال من أنا فقالوا أنت ربنا فأمر بنار فاججت فألقوا فيها وفيهم قال على رضى الله عنه ... لما رأيت الأمر أمرا منكرا ... اججت ثاري ودعوت قنبرا ...

يا مالك إن محنتهم محنة اليهود قالت اليهود لا يصلح الملك إلا في آل داود وكذلك قالت الرافضة لا تصلح الإمامة إلا في ولد علي وقالت اليهود لا جهاد في سبيل الله حتى يبعث الله المسيح الدجال وينزل سيف من السماء وكذلك الرافضة قالوا لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج الرضا من آل محمد وينادي مناد من السماء اتبعوه

وقالت اليهود فرض الله علينا خمسين صلاة في كل يوم وليلة وكذلك الرافضة واليهود لا يصلون المغرب حتى تشتبك النجوم وقد جاء عن النبي لا تزال أمتي على الإسلام ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم مضاهاة لليهود وكذلك الرافضة واليهود إذا صلوا زالوا عن القبلة شيئا وكذلك الرافضة واليهود تنود في صلاتها وكذلك الرافضة واليهود يسدلون أثوابهم في الصلاة وقد بلغني أن رسول الله مر برجل سادل ثوبه فعطفه عليه واليهود يسجدون في صلاة الفجر الكندرة وكذلك الرافضة واليهود لا يخلصون بالسلام إنما يقولون سام عليكم وهو الموت وكذلك الرافضة واليهود حرفوا التوراة وكذلك الرافضة حرفوا القرآن واليهود عادوا جبريل فقالوا هو عدونا وكذلك الرافضة قالوا أخطأ جبريل بالوحي واليهود يستحلون أمول الناس وقد نبأنا الله عنهم أنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل سورة آل عمران 75 وكذلك الرافضة يستحلون مال كل مسلم واليهود يستحلون دم كل مسلم وكذلك الرافضة واليهود يرون غش الناس وكذلك الرافضة واليهود لا يعدون الطلاق شيئا إلا عند كل حيضة وكذلك الرافضة واليهود ليس لنسائهم صداق إنما يمتعوهن وكذلك الرافضة يستحلون المتعة واليهود لا يرون العزل عن السرارى وكذلك الرافضة واليهود يحرمون الجري والمرماهى وكذلك الرافضة واليهود حرموا الأرنب والطحال وكذلك الرافضة واليهود لا يرون المسح على الخفين وكذلك الرافضة واليهود لا يلحدون وكذلك الرافضة وقد ألحد لنبينا واليهود يدخلون مع موتاهم في الكفن سعفة رطبة وكذلك الرافضة

ثم قال لي يا مالك وفضلتهم اليهود والنصارى بخصلة قيل لليهود من خير أهل ملتكم قالوا أصحاب موسى وقيل للنصارى من خير أهل ملتكم قالوا حواري عيسى وقيل للرافضة من شر أهل ملتكم قالوا حواري محمد يعنون بذلك طلحة والزبير أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة ودعوتهم مدحوضة ورايتهم مهزومة وأمرهم متشتت كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساد والله لا يحب المفسدين

وقد روى أبو القاسم الطبري في شرح أصول السنة نحو هذا الكلام من حديث وهب بن بقية الواسطي عن محمد بن حجر الباهلي عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول فهذا الأثر قد روى عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول من وجوه متعددة يصدق بعضها بعضا وبعضها يزيد على بعض لكن عبد الرحمن بن مالك ابن مغول ضعيف وذم الشعبي لهم ثابت من طرق أخرى

لكن لفظ الرافضة إنما ظهر لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين في خلافة هشام وقصة زيد بن علي بن الحسين كانت بعد العشرين ومائة سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين ومائة في اواخر خلافة هشام قال أبو حاتم البستي قتل زيد بن علي بن الحسين بالكوفة سنة اثنتين وعشرين ومائة وصلب على خشبة وكان من أفاضل أهل البيت وعلمائهم وكانت الشيعة تنتحله

قلت ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما رفضه قوم فقال لهم رفضتموني فسموا رافضة لرفضهم إياه وسمى من لم يرفضه من الشيعة زيديا لانتسابهم إليه ولما صلب كانت العباد تأتي إلى خشبته بالليل فيتعبدون عندها والشعبي توفى في أوائل خلافة هشام أو آخر خلافة يزيد بن عبد الملك أخيه سنة خمس ومائة أو قريبا من ذلك فلم يكن لفظ الرافضة معروفا إذ ذاك وبهذا وغيره يعرف كذب لفظ الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة

ولكن كانوا يسمون بغير ذلك الاسم كما كانوا يسمون الخشبية لقولهم إنا لا نقاتل بالسيف إلا مع إمام معصوم فقاتلوا بالخشب ولهذا جاء في بعض الروايات عن الشعبي قال ما رأيت أحمق من الخشبية فيكون المعبر عنهم بلفظ الرافضة ذكره بالمعنى مع ضعف عبد الرحمن ومع أن الظاهر أن هذا الكلام إنما هو نظم عبدالرحمن بن مالك بن مغول وتأليفه وقد سمع طرفا منه عن الشعبي وسواء كان هو ألفه أو نظمه لما رآه من أمور الشيعة في زمانه ولما سمعه عنهم أو لما سمع من أقوال أهل العلم فيهم أو بعضه أو مجموع الأمرين أو بعضه لهذا وبعضه لهذا فهذا الكلام معروف بالدليل لا يحتاج إلى نقل وإسناد

وقول القائل إن الرافضة تفعل كذا وكذا المراد به بعض الرافضة كقوله تعالى وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله سورة التوبة 30 وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم سورة المائدة 64 لم يقل ذلك كل يهودي بل قاله بعضهم وكذلك قوله تعالى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم سورة آل عمران 173 المراد به جنس الناس وإلا فمعلوم أن القائل لهم غير الجامع وغير المخاطبين المجموع لهم

وما ذكره موجود في الرافضة وفيهم أضعاف ما ذكر مثل تحريم بعضهم للحم الأوز والجمل مشابهة لليهود ومثل جمعهم بين الصلاتين دائما فلا يصلون إلا في ثلاثة أوقات مشابهة لليهود ومثل قولهم إنه لا يقع الطلاق إلا بإشهاد على الزوج مشابهة لليهود ومثل تنجيسهم لأبدان غيرهم من المسلمين وأهل الكتاب وتحريمهم لذبائحهم وتنجيس ما يصيب ذلك من المياه والمائعات وغسل الآنية التي يأكل منها غيرهم مشابهة للسامرة الذين هم شر اليهود ولهذا يجعلهم الناس في المسلمين كالسامرة في اليهود ومثل استعمالهم التقية وإظهار خلاف ما يبطنون من العداوة مشابهة لليهود ونظائر ذلك كثير

وأما سائر حماقاتهم فكثيرة جدا مثل كون بعضهم لا يشرب من نهر حفره يزيد مع أن النبي والذين معه كانوا يشربون من آبار وأنهار حفرها الكفار وبعضهم لا يأكل من التوت الشامي ومعلوم أن النبي ومن معه كانوا يأكلون مما يجلب من بلاد الكفار من الجبن ويلبسون ما تنسجه الكفار بل غالب ثيابهم كانت من نسج الكفار

ومثل كونهم يكرهون التكلم بلفظ العشرة أو فعل شيء يكون عشرة حتى في البناء لا يبنون على عشرة أعمدة ولا بعشرة جذوع ونحو ذلك لكونهم يبغضون خيار الصحابة وهم العشرة المشهود لهم بالجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم يبغضون هؤلاء إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويبغضون سائر المهاجرين والأنصار من السابقين الأولين الذين بايعوا رسول الله تحت الشجرة وكانوا ألفا وأربعمائة وقد أخبر الله أنه قد رضي عنهم

وثبت في صحيح مسلم وغيره عن جابر أيضا أن أن غلام حاطب بن أبي بلتعة قال يا رسول الله والله ليدخلن حاطب النار فقال النبي كذبت إنه شهد بدرا والحديبية وهم يبرأون من جمهور هؤلاء بل يتبرأون من سائر أصحاب رسول الله إلا نفرا قليلا نحو بضعة عشر

ومعلوم أنه لو فرض في العالم عشرة من أكفر الناس لم يجب هجر هذا الاسم لذلك كما أنه سبحانه وتعالى لما قال وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون سورة النمل 48 لم يجب هجر اسم التسعة مطلقا بل اسم العشرة قد مدح الله مسماه في مواضع كقوله تعالى في متعة الحج فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة سورة البقرة 196 وقال تعالى وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة سورة الأعراف 142 وقال تعالى والفجر وليال عشر سورة الفجر 1 2 وقد ثبت في الصحيح أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله تعالى وقال في ليلة القدر التمسوها في العشر الأواخر وقد ثبت في الصحيح أن النبي قال ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ونظائر ذلك متعددة

ومن العجب أنهم يوالون لفظ التسعة وهم يبغضون التسعة من العشرة فإنهم يبغضونهم إلا عليا

وكذلك هجرهم لاسم أبي بكر وعمر وعثمان ولمن يتسمى بذلك حتى إنهم يكرهون معاملته ومعلوم أن هؤلاء لو كانوا من أكفر الناس لم يشرع أن لا يتسمى الرجل بمثل أسمائهم فقد كان في الصحابة من اسمه الوليد وكان النبي يقنت له في الصلاة ويقول اللهم أنج الوليد بن الوليد وأبوه الوليد بن المغيرة كان من أعظم الناس كفرا وهو الوحيد المذكور في قوله تعالى ذرني ومن خلقت وحيدا وفي الصحابة من اسمه عمرو وفي المشركين من اسمه عمرو مثل عمرو بن عبدود وأبو جهل اسمه عمرو بن هشام وفي الصحابة خالد بن سعيد بن العاص من السابقين الأولين وفي المشركين خالد بن سفيان الهذلي وفي الصحابة من اسمه هشام مثل هشام بن حكيم وأبو جهل كان اسم أبيه هشاما وفي الصحابة من اسمه عقبة مثل أبي مسعود عقبة ابن عمرو البدري وعقبة بن عامر الجهني وكان في المشركين عقبة بن أبي معيط وفي الصحابة علي وعثمان وكان في المشركين من اسمه علي مثل علي بن أمية بن خلف قتل يوم بدر كافرا ومثل عثمان بن أبي طلحة قتل قبل أن يسلم ومثل هذا كثير

فلم يكن النبي والمؤمنون يكرهون اسما من الأسماء لكونه قد تسمى به كافر من الكفار فلو قدر أن المسمين بهذه الأسماء كفار لم يوجب ذلك كراهة هذه الأسماء مع العلم لكل أحد بأن النبي كان يدعوهم بها ويقر الناس على دعائهم بها وكثير منهم يزعم أنهم كانوا منافقين وكان النبي يعلم أنهم منافقون وهو مع هذا يدعوهم بها وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قد سمى أولاده بها فعلم أن جواز الدعاء بهذه الأسماء سواء كان ذلك المسمى بها مسلما أو كافرا أمر معلوم من دين الإسلام فمن كره أن يدعو أحدا بها كان من أظهر الناس مخالفة لدين الإسلام ثم مع هذا إذا تسمى الرجل عندهم باسم علي أو جعفر أو حسن أو حسين أو نحو ذلك عاملوه وأكرموه ولا دليل لهم في ذلك على أنه منهم بل أهل السنة يتسمون بهذه الأسماء فليس في التسمية بها ما يدل على أنهم منهم والتسمية بتلك الأسماء قد تكون فيهم فلا يدل على أن المسمى بها من أهل السنة لكن القوم في غاية الجهل والهوى

وينبغي أيضا أن يعلم أنه ليس كل ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلا بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة ووافقهم بعض والصواب مع من وافقهم لكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها فمن الناس من يعد من بدعهم الجهر بالبسملة وترك المسح على الخفين إما مطلقا وإما في الحضر والقنوت في الفجر ومتعة الحج ومنع لزوم الطلاق البدعي وتستطيح القبور وإسبال اليدين في الصلاة ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنة وقد يكون الصواب فيها القول الذي يوافقهم كما يكون الصواب هو القول الذي يخالفهم لكن المسألة اجتهادية فلا تنكر إلا إذا صارت شعارا لأمر لا يسوغ فتكون دليلا على ما يجب إنكاره وإن كانت نفسها يسوغ فيها الاجتهاد ومن هذا وضع الجريد على القبر فإنه منقول عن بعض الصحابة وغير ذلك من المسائل

ومن حماقتهم أيضا أنهم يجعلون للمنتظر عدة مشاهد ينتظرونه فيها كالسرادب الذي بسامرا الذي يزعمون أنه غاب فيه ومشاهد أخر وقد يقيمون هناك دابة إما بغلة وإما فرسا وإما غير ذلك ليركبها إذا خرج ويقيمون هناك إما في طرفي النهار وإما في أوقات أخر من ينادي عليه بالخروج يا مولانا أخرج يا مولانا أخرج ويشهرون السلاح ولا أحد هناك يقاتلهم وفيهم من يقول في أوقات الصلاة دائما لا يصلى خشية أن يخرج وهو في الصلاة فيشتغل بها عن خروجه وخدمته وهم في أماكن بعيدة عن مشهده كمدينة النبي إما في العشر الأواخر من شهر رمضان وإما في خير ذلك يتوجهون إلى المشرق وينادونه بأصوات عالية يطلبون خروجه

ومن المعلوم أنه لو كان موجودا وقد أمره الله بالخروج فإنه يخرج سواء نادوه أو لم ينادوه وإن لم يؤذن له فهو لا يقبل منهم وأنه إذا خرج فإن الله يؤيده ويأتيه بما يركبه وبمن يعينه وينصره لا يحتاج إلى أن يوقف له دائما من الأدميين من ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا

والله سبحانه قد عاب في كتابه من يدعو من لا يستجيب له دعاءه فقال تعالى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن دعوتهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير سورة فاطر 13 14 هذا مع أن الأصنام موجودة وكان يكون فيها أحيانا شياطين تتراءى لهم وتخاطبهم ومن خاطب معدوما كانت حالته أسوأ من حال من خاطب موجودا وإن كان جمادا فمن دعاء المنتظر الذي لم يخلقه الله كان ضلاله أعظم من ضلال هؤلاء وإذا قال أنا اعتقد وجوده كان بمنزلة قول أولئك نحن نعتقد أن هذه الأصنام لها شفاعة عند الله فيعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله

والمقصود أن كليهما يدعو من لا ينفع دعاؤه وإن كان أولئك اتخذوهم شفعاء آلهة وهؤلاء يقولون هو إمام معصوم فهم يوالون عليه ويعادون عليه كموالاة المشركين على آلهتهم ويجعلونه ركنا في الإيمان لا يتم الدين إلا به كما يجعل بعض المشركين آلهتهم كذلك

وقد قال تعالى ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيامركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون سورة آل عمران 79 80 فإذا كان من يتخذ الملائكة والنبيين أربابا بهذه الحال فكيف بمن يتخذ إماما معدوما لا وجود له وقد قال تعالى أتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون سورة التوبة 3وقد ثبت في الترمذي وغيره من حديث عدي بن حاتم أنه قال يا رسول الله ما عبدوهم فقال إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم فهؤلاء اتخذوا أناسا موجودين أربابا وهؤلاء يجعلون الحلال والحرام معلقا بالإمام المعدوم الذي لا حقيقة له ثم يعملون الكل ما يقول المنتسبون إليه إنه يحلله ويحرمه وإن خالف الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة حتى أن طائفتهم إذا اختلفت على قولين قالوا القول الذي لا يعرف قائله هو الحق لأنه قول هذا الإمام المعصوم فيجعلون الحلال ما حلله والحرام ما حرمه هذا الذي لا يوجد وعند من يقول إنه موجود لا يعرفه أحد ولا يمكن أحد أن ينقل عنه كلمة واحدة

ومن حماقاتهم تمثيلهم لمن يبغضونه بالجماد أو حيوان ثم يفعلون بذلك الجماد والحيوان ما يرونه عقوبة لمن يبغضونه مثل اتخاذهم نعجة وقد تكون نعجة حمراء لكون عائشة تسمى الحميراء يجعلونها عائشة ويعذبونها بنتف شعرها وغير ذلك ويرون أن ذلك عقوبة لعائشة ومثل اتخاذهم جلسا مملوءا سمنا ثم يبعجون بطنه فيخرج السمن فيشربونه ويقولون هذا مثل ضرب عمر وشرب دمه ومثل تسمية بعضهم لحمارين من حمر الرحا أحدهما بأبي بكر والآخر بعمر ثم يعاقبون الحمارين جعلا منهم تلك العقوبة عقوبة لأبي بكر وعمر وتارة يكتبون أسماءهم على أسفل أرجلهم حتى أن بعض الولاة جعل يضرب رجلي من فعل ذلك ويقول إنما ضربت أبا بكر وعمر ولا أزال أضربهما حتى أعدمهما ومنهم من يسمى كلابه باسم أبي بكر وعمر ويلعنهما ومنهم من إذا سمى كلبه فقيل له بكير يضارب من يفعل ذلك ويقول تسمى كلبي باسم أصحاب النار ومنهم يعظم أبا لؤلؤة المجوسي الكافر الذي كان غلاما للمغيرة بن شعبة لما قتل عمر ويقولون واثارت أبي لؤلؤة فيعظمون كافرا مجوسيا باتفاق المسلمين لكونه قتل عمر رضي الله عنه

ومن حماقتهم إظهارهم لما يجعلونه مشهدا فكم كذبوا الناس وادعوا أن في هذا المكان ميتا من أهل البيت وربما جعلوه مقتولا فيبنون ذلك مشهدا وقد يكون ذلك قبر كافر أو قبر بعض الناس ويظهر ذلك بعلامات كثيرة

ومعلوم أن عقوبة الدواب المسماة بذلك ونحو هذا الفعل لا يكون إلا من فعل أحمق الناس وأجهلهم فإنه من المعلوم أنا لو أردنا أن نعاقب فرعون وأبا لهب وأبا جهل وغيرهم ممن ثبت بإجماع المسلمين أنهم من أكفر الناس مثل هذه العقوبة لكان هذا من أعظم الجهل لأن ذلك لا فائدة فيه بل إذا قتل كافر يجوز قتله أو مات حتف أنفه لم يجز بعد قتله أو موته أن يمثل به فلا يشق بطنه ولا يجدع أنفه وأذنه ولا تقطع يده إلا أن يكون ذلك على سبيل المقابلة

فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن بريدة عن النبي أنه كان إذا بعث أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله تعالى وأوصاه بمن معه من المسلمين خيرا وقال أغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا

وفي السنن أنه كان في خطبته يأمر بالصدقة وينهى عن المثلة مع أن التمثيل بالكافر بعد موته منه نكاية بالعدو لكن نهى عنه لأنها زيادة إيذاء بلا حاجة فإن المقصود كف شره بقتله وقد حصل

فهؤلاء الذين يبغضونهم لو كانوا كفارا وقد ماتوا لم يكن لهم بعد موتهم أن يمثلوا بأبدانهم لا يضربونهم ولا يشقون بطونهم ولا ينتفون شعورهم مع أن في ذلك نكاية فيهم فأما إذا فعلوا ذلك بغيرهم ظنا أن ذلك يصل إليهم كان غاية الجهل فكيف إذا كان بمحرم كالشاة التي يحرم إيذاؤها بغير حق فيفعلون مالا يحصل لهم به منفعة أصلا بل ضرر في الدين والدنيا والآخرة مع تضمنه غاية الحمق والجهل

ومن حماقتهم إقامة المأتم والنياحة على من قد قتل من سنين عديدة ومن المعلوم أن المقتول وغيره من الموتى إذا فعل مثل ذلك بهم عقب موتهم كان ذلك مما حرمه الله ورسوله فقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية وثبت في الصحيح عنه أنه بريء من الحالقة والصالقة والشاقة فالحالقة التي تحلق شعرها عند المصيبة والصالقة هي التي ترفع صوتها عند المصيبة بالمصيبة والشاقة التي تشق ثيابها

وفي الصحيح عنه أنه قال إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها فإنها تلبس يوم القيامة درعا من جرب وسربالا من قطران وفي الصحيح عنه أنه قال من ينح عليه فإنه يعذب بما ينح عليه والأحاديث في هذا المعنى كثيرة

وهؤلاء يأتون من لطم الخدود وشق الجيوب ودعوى الجاهلية وغير ذلك من المنكرات بعد موت الميت بسنين كثيرة ما لو فعلوه عقب موته لكان ذلك من أعظم المنكرات التي حرمها الله ورسوله فكيف بعد هذه المدة الطويلة

ومن المعلوم أنه قد قتل من الأنبياء وغير الأنبياء ظلما وعدوانا من هو أفضل من الحسين قتل أبوه ظلما وهو أفضل منه وقتل عثمان بن عفان وكان قتله أول الفتن العظيمة التي وقعت بعد موت النبي وترتب عليه من الشر والفساد أضعاف ما ترتب على قتل الحسين وقتل غير هؤلاء ومات وما فعل أحد لا من المسلمين ولا غيرهم مأتما ولا نياحة على ميت ولا قتيل بعد مدة طويلة من قتله إلا هؤلاء الحمقى الذين لو كانوا من الطير لكانوا رخما ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا

ومن ذلك أن بعضهم لا يوقد خشب الطرفاء لأنه بلغه أن دم الحسين وقع على شجرة من الطرفاء ومعلوم أن أن تلك الشجرة بعينها لا يكره وقودها ولو كان عليها من أي دم كان فكيف بسائر الشجر الذي لم يصبه الدم

وحماقاتهم يطول وصفها لا يحتاج إلى أن تنقل بإسناد ولكن ينبغي أن يعلم مع هذا أن المقصود أنه من ذلك الزمان القديم يصفهم الناس بمثل هذا من عهد التابعين وتابعيهم كما ثبت بعض ذلك إما عن الشعبي وإما أن يكون من كلام عبد الرحمن وعلى التقديرين فالمقصود حاصل فإن عبد الرحمن كان في زمن تابعي التابعين وإنما ذكرنا هذا لأن عبد الرحمن وكثير من الناس لا يحتج بروايته المفردة إما لسوء حفظه وإما لتهمة في تحسين الحديث وإن كان له علم ومعرفة بأنواع من العلوم ولكن يصلحون للاعتضاد والمتابعة كمقاتل بن سليمان ومحمد بن عمر الواقدي وأمثالهما فإن كثرة الشهادات والأخبار قد توجب العلم وإن لم يكن كل من المخبرين ثقة حافظا حتى يحصل العلم بمخبر الأخبار المتواترة وإن كان المخبرون من أهل الفسوق إذا لم يحصل بينهم تشاعر وتواطؤ والقول الحق الذي يقوم عليه الدليل يقبل من كل من قاله وإن لم يقبل بمجرد إخبار المخبر به

فلهذا ذكرنا ما ذكره عبد الرحمن بن مالك بن مغول فإن غاية ما فيه أنه قاله ذاكرا لا آثرا وعبد الرحمن هذا يروي عن أبيه وعن الأعمش وعن عبيد الله بن عمر ولا يحتج بمجرد مفراته فإنه ضعيف

ومما ينبغي أن يعرف أن ما يوجد في جنس الشيعة من الأقوال والأفعال المذمومة وإن كان أضعاف ما ذكر لكن قد لا يكون هذا كله في الإمامية الاثنى عشرية ولا في الزيدية ولكن يكون كثير منه في الغالية وفي كثير من عوامهم مثل ما يذكر عنهم من تحريم لحم الجمل وأن الطلاق يشترط فيه رضا المرأة ونحو ذلك مما يقوله بعض عوامهم وإن كان علماؤهم لا يقولون ذلك لكن لما كان أصل مذهبهم مستندا إلى جهل كانوا أكثر الطوائف كذبا وجهلا

فصل

ونحن نبين إن شاء الله تعالى طريق الاستقامة في معرفة هذا الكتاب منهاج الندامة بحول الله وقوته وهذا الرجل سلك مسلك سلفه شيوخ الرافضة كابن النعمان المفيد ومتبعيه كالكراجكى وأبي القاسم الموسوي والطوسي وأمثالهم فإن الرافضة في الأصل ليسوا أهل علم وخبرة بطريق النظر والمناظرة ومعرفة الأدلة وما يدخل فيها من المنع والمعارضة كما أنهم من أجهل الناس بمعرفة المنقولات والأحاديث والأثار والتمييز بين صحيحها وضعيفها وإنما عمدتهم في المنقولات على تواريخ منقطعة الإسناد وكثير منها من وضع المعروفين بالكذب بل وبالإلحاد وعلماؤهم يعتمدون على نقل مثل أبي مخنف لوط بن يحيى وهشام بن محمد بن السائب وأمثالهما من المعروفين بالكذب عند أهل العلم مع أن أمثال هؤلاء هم من أجل من يعتمدون عليه في النقل إذ كانوا يعتمدون على من هو في غاية الجهل والافتراء ممن لا يذكر في الكتب ولا يعرفه أهل العلم بالرجال

وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف والكذب فيهم قديم ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب قال أبو حاتم الرازي سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول قال أشهب بن عبد العزيز سئل مالك عن الرافضة فقال لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون وقال أبو حاتم حدثنا حرملة قال سمعت الشافعي يقول لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة وقال مؤمل بن إهاب سمعت يزيد بن هارون يقول يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة فإنهم يكذبون وقال محمد بن سعيد الأصبهاني سمعت شريكا يقول أحمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه دينا وشريك هذا هو شريك بن عبد الله القاضي فاضى الكوفة من أقران الثوري وأبي حنيفة وهو من الشيعة الذي يقول بلسانه أنا من الشيعة وهذه شهادته فيهم وقال أبو معاوية سمعت الأعمش يقول أدركت الناس وما يسمونهم إلا الكذابين يعني أصحاب المغيرة بن سعيد قال الأعمش ولا عليكم ألا تذكروا هذا فإني لا آمنهم أن يقولوا إنا أصبنا الأعمش مع امرأة

وهذه آثار ثابتة رواها أبو عبد الله بن بطة في الإبانة الكبرى هو وغيره وروى أبو القاسم الطبري كلام الشافعي فيهم من وجهين من رواية الربيع قال سمعت الشافعي يقول ما رأيت في أهل الأهواء قوما أشهد بالزور من الرافضة ورواه أيضا من طريق حرملة وزاد في ذلك ما رأيت أشهد على الله بالزور من الرافضة وهذا المعنى وإن كان صحيحا فاللفظ الأول هو الثابت عن الشافعي ولهذا ذكر الشافعي ما ذكره أبو حنيفة وأصحابه أنه يرد شهادة من عرف بالكذب كالخطابية

ورد شهادة من عرف بالكذب متفق عليه بين الفقهاء وتنازعوا في شهادة سائر أهل الأهواء هل تقبل مطلقا أو ترد مطلقا أو ترد شهادة الداعية إلى البدع وهذا القول الثالث هو الغالب على أهل الحديث لا يرون الرواية عن الداعية إلى البدع ولا شهادته ولهذا لم يكن في كتبهم الأمهات كالصحاح والسنن والمسانيد الرواية عن المشهورين بالدعاء إلى البدع وإن كان فيها الرواية عمن فيه نوع من بدعة كالخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية وذلك لأنهم لم يدعوا الرواية عن هؤلاء للفسق كما يظنه بعضهم ولكن من أظهر بدعته وجب الإنكار عليه بخلاف من أخفاها وكتمها وإذا وجب الإنكار عليه كان من ذلك أن يهجر حتى ينتهي عن إظهار بدعته ومن هجره أن لا يؤخذ عنه العلم ولا يستشهد

وكذلك تنازع الفقهاء في الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور منهم من أطلق الإذن ومنهم من اطلق المنع والتحقيق أن الصلاة خلفهم لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في نفسها لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين ومن هذا الباب ترك عيادتهم وتشييع جنائزهم كل هذا من باب الهجر المشروع في إنكار المنكر للنهى عنه

وإذا عرف أن هذا هو من باب العقوبات الشرعية علم أنه يختلف باختلاف الأحوال من قلة البدعة وكثرتها وظهور السنة وخفائها وأن المشروع قد يكون هو التأليف تارة والهجران أخرى كما كان النبي يتألف أقواما من المشركين ممن هو حديث عهد بالإسلام ومن يخاف عليه الفتنة فيعطى المؤلفة قلوبهم مالا يعطى غيرهم

قال في الحديث الصحيح إني أعطى رجالا وأدع رجالا والذي أدع أحب إلى من الذي أعطى أعطى رجالا لما جعل الله في قلوبهم من الهلع والجزع وأدع رجالا لما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب

وقال إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلى منه خشية أن يكبه الله على وجهه في النار أو كما قال وكان يهجر بعض المؤمنين كما هجر الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك لأن المقصود دعوة الخلق إلى طاعة الله بأقوم طريق فيستعمل الرغبة حيث تكون اصلح والرهبة حيث تكون أصلح

ومن عرف هذا تبين له أن من رد الشهادة والرواية مطلقا من أهل البدع المتأولين فقوله ضعيف فإن السلف قد دخلوا بالتأويل في أنواع عظيمة

ومن جعل المظهرين للبدعة أئمة في العلم والشهادة لا ينكر عليهم بهجر ولا ردع فقوله ضعيف أيضا وكذلك من صلى خلف المظهر للبدع والفجور من غير إنكار عليه ولا استبدال به من هو خير منه مع القدرة على ذلك فقوله ضعيف وهذا يستلزم إقرار المنكر الذي يبغضه الله ورسوله مع القدرة على إنكاره وهذا لا يجوز ومن أوجب الإعادة على كل من صلى خلف كل ذي فجور وبدعه فقوله ضعيف فإن السلف والأئمة من الصحابة والتابعين صلوا خلف هؤلاء وهؤلاء لما كانوا ولاة عليهم ولهذا كان من أصول أهل السنة أن الصلوات التي يقيمها ولاة الأمور تصلى خلفهم على أي حال كانوا كما يحج معهم ويغزى معهم وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع

والمقصود هنا أن العلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طوائف أهل القبلة ومن تأمل كتب الجرح والتعديل المصنفة في أسماء الرواة والنقلة وأحوالهم مثل كتب يحيى بن سعيد القطان وعلي ابن المديني ويحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم الرازي والنسائي وأبي حاتم بن حبان وأبي أحمد بن عدي والدارقطني وإبراهيم ابن يعقوب الجوزجاني السعدي ويعقوب بن سفيان الفسوي وأحمد بن عبد الله بن صالح العجلي والعقيلي ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي والحاكم النيسابوري والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذة ونقاد وأهل معرفة بأحوال الإسناد رأى المعروف عندهم بالكذب في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف حتى أن أصحاب الصحيح كالبخاري لم يرو عن أحد من قدماءالشيعة مثل عاصم بن ضمرة والحارث الأعور وعبد الله بن سلمة وأمثالهم مع أن هؤلاء من خيار الشيعة وإنما يروي أصحاب الصحيح حديث علي من أهل بيته كالحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وكاتبه عبيدالله بن أبي رافع أو عن أصحاب عبدالله بن مسعود كعبيدة السلماني والحارث بن قيس أو عمن يشبه هؤلاء وهؤلاء أئمة النقل ونقاده من أبعد الناس عن الهوى وأخبرهم بالناس وأقولهم بالحق لا يخافون في الله لومة لائم

والبدع متنوعة فالخوارج مع أنهم مارقون يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية وقد أمر النبي بقتالهم واتفق الصحابة وعلماء المسلمين على قتالهم وصح فيهم الحديث عن النبي من عشرة أوجه رواها مسلم في صحيحه روى البخاري ثلاثة منها ليسوا ممن يتعمد الكذب بل هم معروفون بالصدق حتى يقال إن حديثهم من أصح الحديث لكنهم جهلوا وضلوا في بدعتهم ولم تكن بدعتهم عن زندقة وإلحاد بل عن جهل وضلال في معرفة معاني الكتاب

وأما الرافضة فأصل بدعتهم عن زندقة وإلحاد وتعمد الكذب كثير فيهم وهم يقرون بذلك حيث يقولون ديننا التقية وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه وهذا هو الكذب والنفاق ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق فهم في ذلك كما قيل رمتني بدائها وانسلت إذ ليس في المظهرين للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم ولا يوجد المرتدون والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم واعتبر ذلك بالغالية من النصيرية وغيرهم وبالملاحدة الإسماعيلية وأمثالهم

وعمدتهم في الشرعيات ما نقل لهم عن بعض أهل البيت وذلك النقل منه ما هو صدق ومنه ما هو كذب عمدا أو خطأ وليسوا أهل معرفة بصحيح المنقول وضعيفه كأهل المعرفة بالحديث ثم إذا صح النقل عن بعض هؤلاء فإنهم بنوا وجوب قبول قول الواحد من هؤلاء على ثلاثة أصول علي أن الواحد من هؤلاء معصوم مثل عصمة الرسول وعلي أن ما يقوله أحدهم فإنما يقول نقلا عن الرسول وأنهم قد علم منهم أنهم قالوا مهما قلنا فإنما نقوله نقلا عن الرسول ويدعون العصمة في أهل النقل والثالث أن إجماع العترة حجة ثم يدعون أن العترة هم الاثنا عشر ويدعون أن ما نقل عن أحدهم فقد أجمعوا كلهم عليه

فهذه أصول الشرعيات عندهم وهي أصول فاسدة كما سنبين ذلك في موضعه لا يعتمدون على القرآن ولا على الحديث ولا على إجماع إلا لكون المعصوم منهم ولا على القياس وإن كان واضحا جليا

وأما عمدتهم في النظر والعقليات فقد اعتمد متأخروهم على كتب المعتزلة ووافقوهم في مسائل الصفات والقدر والمعتزلة في الجملة أعقل وأصدق وليس في المعتزلة من يطعن في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله تعالى عليهم أجمعين بل هم متفقون على تثبيت خلافة الثلاثة

وأما التفضيل فأئمتهم وجمهورهم كانوا يفضلون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وفي متأخريهم من توقف في التفصيل وبعضهم فضل عليا فصار بينهم وبين الزيدية نسب واشج من جهة المشاركة في التوحيد والعدل والإمامة والتفضيل وكان قدماء المعتزلة وأئمتهم كعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وغيرهم متوقفين في عدالة علي فيقولون أو من يقول منهم قد فسقت إحدى الطائفتين إما علي وإما طلحة والزبير لا يعينها فإن شهد هذا وهذا لم تقبل شهادتهما لفسق أحدهما لا يعينه وإن شهد علي مع شخص آخر عدل ففي قبول شهادة علي بينهم نزاع

وكان متكلمو الشيعة كهشام بن الحكم وهشام بن الجواليقي ويونس بن عبد الرحمن القمى وأمثالهم يزيدون في إثبات الصفات على مذهب أهل السنة فلا يقنعون بما يقوله أهل السنة والجماعة من أن القرآن غير مخلوق وأن الله يرى في الآخرة وغير ذلك من مقالات أهل السنة والحديث حتى يبتدعون في الغلو في الإثبات والتجسيم والتبعيض والتمثيل ما هو معروف من مقالاتهم التي ذكرها الناس

ولكن في أواخر المائة الثالثة دخل من دخل من الشيعة في أقوال المعتزلة كابن النوبختي صاحب كتاب الآراء والديانات وأمثاله وجاء بعد هؤلاء المفيد بن النعمان وأتباعه

ولهذا تجد المصنفين في المقالات كالأشعري لا يذكرون عن أحد من الشيعة أنه وافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم إلا عن بعض متأخريهم وإنما يذكرون عن بعض قدمائهم التجسيم وإثبات القدر وغيره وأول من عرف عنه في الإسلام أنه قال إن الله جسم هو هشام بن الحكم بل قال الجاحظ في كتابه الحجج في النبوة ليس على ظهرها رافضي إلا وهو يزعم أن ربه مثله وأن البدوات تعرض له وأنه لا يعلم الشيء قبل كونه إلا بعلم يخلقه لنفسه وقد كان ابن الرواندي وأمثاله من المعروفين بالزندقة والإلحاد صنفا لهم كتبا أيضا على أصولهم

فصل

قال المصنف الرافضي

أما بعد فهذه رسالة شريفة ومقالة لطيفة اشتملت على أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين وهي مسألة الإمامة التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة وهي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان والتخلص من غضب الرحمن فقد قال رسول الله من مات ولم يعرف إمام زمانه ميتة جاهلية

خدمت بها خزانة السلطان الأعظم مالك رقاب الأمم ملك ملوك طوائف العرب والعجم مولى النعم ومسدي الخير والكرم شاهنشاه المكرم غياث الملة والحق والدين الجايتو خدابنده قد لخصت فيه خلاصة الدلائل وأشرت إلى رءوس المسائل وسميتها منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ورتبتها على فصول الفصل الأول في نقل المذاهب في هذه المسألة

ثم ذكر الفصل الثاني في أن مذهب الإمامية واجب الإتباع ثم ذكر الفصل الثالث في الأدلة على إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله ثم ذكر الفصل الرابع في الاثنى عشر ثم ذكر الفصل الخامس في إبطال خلافة أبي بكر وعمر وعثمان

فيقال الكلام على هذا من وجوه

أحدها أن يقال أولا إن قول القائل إن مسألة الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين كذب بإجماع المسلمين سنيهم وشيعيهم بل هذا كفر فإن الإيمان بالله ورسوله أهم من مسألة الإمامة وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام فالكافر لا يصير مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهذا هو الذي قاتل عليه الرسول الكفار أولا كما استفاض عنه في الصحاح وغيرها أنه قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وفي رواية ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها

وقد قال تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم سورة التوبة 5 فأمر بتخلية سبيلهم إذا تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وكذلك قال لعلي لما بعثه إلى خيبر

وكذلك كان النبي يسير في الكفار فيحقن دماءهم بالتوبة من الكفر لا يذكر لهم الإمامة بحال وقد قال تعالى بعد هذا فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين سورة التوبة 11 فجعلهم إخوانا في الدين بالتوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولم يذكر الإمامة بحال

ومن المتواتر أن الكفار على عهد رسول الله كانوا إذا أسلموا أجرى عليهم أحكام الإسلام ولم يذكر لهم الإمامة بحال ولا نقل هذا عن رسول الله أحد من أهل العلم لا نقلا خاصا ولا عاما بل نحن نعلم بالاضطرار عن رسول الله أنه لم يكن يذكر للناس إذا أرادوا الدخول في دينه الإمامة لا مطلقا ولا معينا فكيف تكون أهم المطالب في أحكام الدين

ومما يبين ذلك أن الإمامة بتقدير الاحتياج إلى معرفتها لا يحتاج إليها من مات على عهد النبي من الصحابة ولا يحتاج إلى التزام حكمها من عاش منهم إلى بعد موت النبي فكيف يكون أشرف مسائل المسلمين وأهم المطالب في الدين لا يحتاج إليه أحد على عهد النبي أو ليس الذين آمنوا بالنبي في حياته واتبعوه باطنا وظاهرا ولم يرتدوا ولم يبدلوا هم أفضل الخلق باتفاق المسلمين أهل السنة والشيعة فكيف يكون أفضل المسلمين لا يحتاج إلى أهم المطالب في الدين وأشرف مسائل المسلمين

فإن قيل إن النبي كان هو الإمام في حياته وإنما يحتاج إلى الإمام بعد مماته فلم تكن هذه المسألة أهم مسائل الدين في حياته وإنما صارت أهم مسائل الدين بعد موته

قيل الجواب عن هذا من وجوه

أحدها أنه بتقدير صحة ذلك لا يجوز أن يقال إنها أهم مسائل الدين مطلقا بل في وقت دون وقت وهي في خير الأوقات ليست أهم المطالب في أحكام الدين ولا أشرف مسائل المسلمين

الثاني أن يقال الإيمان بالله ورسوله في كل زمان ومكان أعظم من مسألة الإمامة فلم تكن في وقت من الأوقات لا الأهم ولا الأشرف

الثالث أن يقال فقد كان يجب بيانها من النبي لأمته الباقين من بعده كما بين لهم أمور الصلاة والزكاة والصيام والحج وعين أمر الإيمان بالله وتوحيده واليوم الآخر ومن المعلوم أنه ليس بيان مسألة الإمامة في الكتاب والسنة كبيان هذه الأصول

فإن قيل بل الإمامة في كل زمان هي الأهم والنبي كان نبيا إماما وهذا كان معلوما لمن آمن به أنه كان إمام ذلك الزمان

قيل الاعتذار بهذا باطل من وجوه

أحدها أن قول القائل الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين إما أن يريد به إمامة الاثنى عشر أو إمام كل زمان بعينه في زمانه بحيث يكون الأهم في زماننا الإيمان بإمامة محمد المنتظر والأهم في زمان الخلفاء الأربعة الإيمان بإمامة علي عندهم والأهم في زمان النبي الإيمان بإمامته وإما أن يراد به الإيمان بأحكام الإمامة مطلقا غير معين وإما أن يراد به معنى رابعا

أما الأول فقد علم بالاضطرار أن هذا لم يكن معلوما شائعا بين الصحابة ولا التابعين بل الشيعة تقول إن كل واحد إنما يعين بنص من قبله فبطل أن يكون هذا أهم أمور الدين

وأما الثاني فعلي هذا التقدير يكون أهم المطالب في كل زمان الإيمان بإمام ذلك الزمان ويكون الإيمان من سنة ستين ومائتين إلى هذا التاريخ إنما هو الإيمان بإمامة محمد بن الحسن ويكون هذا أعظم من الإيمان بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ومن الإيمان بالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الواجبات وهذا مع أنه معلوم فساده بالاضطرار من دين المسلمين فليس هو مذهب الإمامية فإن اهتمامهم بعلي وإمامته أعظم من اهتمامهم بإمامة المنتظر كما ذكره هذا المصنف وأمثاله من شيوخ الشيعة

وأيضا فإن كان هذا هو أهم المطالب في الدين فالإمامية أخسر الناس صفقة في الدين لأنهم جعلوا الإمام المعصوم هو الإمام المعدوم الذي لم ينفعهم في دين ولا دنيا فلم يستفيدوا من أهم الأمور الدينية شيئا من منافع الدين ولا الدنيا

فإن قالوا إن المراد أن الإيمان بحكم الإمامة مطلقا هو أهم أمور الدين كان هذا أيضا باطلا للعلم الضروري أن غيرها من أمور الدين أهم منها

وإن أريد معنى رابع فلا بد من بيانه لنتكلم عليه

الوجه الثاني أن يقال إن النبي لم تجب طاعته على الناس لكونه إماما بل لكونه رسول الله إلى الناس وهذا المعنى ثابت له حيا وميتا فوجوب طاعته على من بعده كوجوب طاعته على أهل زمانه وأهل زمانه فيهم الشاهد الذي يسمع أمره ونهيه وفيهم الغائب الذي بلغه الشاهد أمره ونهيه فكما يجب على الغائب عنه في حياته طاعة أمره ونهيه يجب ذلك على من يكون بعد موته

وهو أمره شامل عام لكل مؤمن شهده أو غاب عنه في حياته وبعد موته وليس هذا لأحد من الأئمة ولا يستفاد هذا بالإمامة حتى أنه إذا أمر ناسا معينين بأمور وحكم في أعيان معينة بأحكام لم يكن حكمه وأمره مختصا بتلك المعينات بل كان ثابتا في نظائرها وأمثاله إلى يوم القيامة فقوله لمن شهده لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود هو حكم ثابت لكل مأموم بإمام أن لا يسبقه بالركوع ولا بالسجود وقوله لمن قال لم اشعر فحلقت قبل أن أرمى قال أرم ولا حرج ولمن قال نحرت قبل أن أحلق قال احلق ولا حرج أمر لمن كان مثله وكذلك قوله لعائشة رضي الله عنها لما حاضت وهي معتمرة اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت وأمثال هذا كثير بخلاف الإمام إذا أطيع وخلفاؤه بعده في تنفيذ أمره ونهيه كخلفائه في حياته فكل آمر بأمر يجب طاعته فيه إنما هو منفذ لأمر رسول الله لأن الله أرسله إلى الناس وفرض عليهم طاعته لا لأجل كونه إماما له شوكة وأعوان أو لأجل أن غيره عهد إليه بالإمامة أو غير ذلك فطاعته لا تقف على ما تقف عليه طاعة الأئمة من عهد من قبله أو موافقة ذوي الشوكة أو غير ذلك بل تجب طاعته وإن لم يكن معه أحد وإن كذبه جميع الناس

وكانت طاعته واجبة بمكة قبل أن يصير له أنصار وأعوان يقاتلون معه فهو كما قال سبحانه فيه وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقبكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين سورة آل عمران 144 بين سبحانه وتعالى أنه ليس بموته ولا قتله ينتقض حكم رسالته كما ينتقض حكم الإمامة بموت الأئمة وقتلهم وأنه ليس من شرطه أن يكون خالدا لا يموت فإنه ليس هو ربا وإنما هو رسول الله قد خلت من قبله الرسل وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وعبدالله حتى أتاه اليقين من ربه فطاعته واجبة بعد مماته وجوبها في حياته وأوكد لأن الدين كمل واستقر بموته فلم يبق فيه نسخ ولهذا جمع القرآن بعد موته لكماله واستقراره بموته

فإذا قال القائل إنه كان إماما في حياته وبعده صار الإمام غيره إن أراد بذلك أنه صار بعده من هو نظيره يطاع كما يطاع الرسول فهذا باطل

وإن أراد أنه قام من يخلفه في تنفيذ أمره ونهيه فهذا كان حاصلا في حياته فإنه إذا غاب كان هناك من يخلفه

وإن قيل إنه بعد موته لا يباشر معينا بالأمر بخلاف حياته

قيل مباشرته بالأمر ليست شرطا في وجوب طاعته بل تجب طاعته على من بلغه أمره ونهيه كما تجب طاعته على من سمع كلامه وقد كان يقول ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع

وإن قيل إنه في حياته كان يقضي في قضايا معينة مثل إعطاء شخص بعينه وإقامة الحد على شخص بعينه وتنفيذ جيش بعينه

قيل نعم وطاعته واجبة في نظير ذلك إلى يوم القيامة بخلاف الأئمة لكن قد يخفى الاستدلال على نظير ذلك كما يخفى العلم على من غاب عنه فالشاهد أعلم بما قال وأفهم له من الغائب وإن كان فيمن غاب وبلغ أمره من هو أوعى له من بعض السامعين لكن هذا التفاضل الناس في معرفة أمره ونهيه لا لتفاضلهم في وجوب طاعته عليهم فما تجب طاعة ولي الأمر بعده إلا كما تجب طاعة ولاة الأمور في حياته فطاعته واجبة شاملة لجميع العباد شمولا واحدا وإن تنوعت طرقهم في البلاغ والسماع والفهم فهؤلاء يبلغهم من أمره لم يبلغ هؤلاء وهؤلاء يسمعون من أمره ما لم يسمعه هؤلاء وهؤلاء يفهمون من أمره ما لم يفهمه هؤلاء

وكل من أمر بما أمر به الرسول وجبت طاعته طاعة الله ورسوله لا له وإذا كان للناس ولي أمر قادر ذو شوكة فيأمر بما يأمر ويحكم بما يحكم انتظم الأمر بذلك ولم يجز أن يولى غيره ولا يمكن بعده أن يكون شخص واحد مثله إنما يوجد من هو أقرب إليه من غيره فأحق الناس بخلافة نبوته أقربهم إلى الأمر بما يأمر به والنهي عما نهى عنه ولا يطاع أمره طاعة ظاهرة غالبة إلا بقدرة وسلطان يوجب الطاعة كما لم يطع أمره في حياته طاعته ظاهرة غالبة حتى صار معه من يقاتل على طاعة أمره

فالدين كله طاعة لله ورسوله وطاعة الله ورسوله هي الدين كله فمن يطع الرسول فقد اطاع الله ودين المسلمين بعد موته طاعة الله ورسوله وطاعتهم لولي الأمر فيما أمروا بطاعته فيه هو طاعة لله ورسوله وأمر ولي الأمر الذي أمر الله أن يأمرهم به وقسمه وحكمه هو طاعة لله ورسوله فأعمال الأئمة والأمة في حياته ومماته التي يحبها الله ويرضاها كلها طاعة لله ورسوله ولهذا كان أصل الدين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله

فإذا قيل هو كان إماما وأريد بذلك إمامة خارجة عن الرسالة أو إمامة يشترط فيها ما لا يشترط في الرسالة أو إمامة تعتبر فيها طاعته بدون طاعة الرسول فهذا كله باطل فإن كل ما يطاع به داخل في رسالته وهو في كل ما يطاع فيه يطاع بأنه رسول الله ولو قدر أنه كان إماما مجردا لم يطع حتى تكون طاعته داخلة في طاعة رسول آخر فالطاعة إنما تجب لله ورسوله ولمن أمرت الرسل بطاعتهم

فإن قيل أطيع بإمامته طاعة داخلة في رسالته كان هذا عديم التأثير فإن مجرد رسالته كافية في وجوب طاعته بخلاف الإمام فإنه إنما يصير إماما بأعوان يتفذون أمره وإلا كان كآحاد أهل العلم والدين إن كان من أهل العلم والدين

فإن قيل إنه لما صار له شوكة بالمدينة صار له مع الرسالة إمامة القدرة

قيل بل صار رسولا له أعيان وأنصار ينفذون أمره ويجاهدون من خالفه وهو ما دام في الأرض من يؤمن بالله ورسوله ويجاهد في سبيله له أعوان وأنصار ينفذون أمره ويجاهدون من خالفه فلم يستفد بالأعوان ما يحتاج أن يضمه إلى الرسالة مثل كونه إماما أو حاكما أو ولي أمر إذ كان هذا كله داخلا في رسالته ولكن بالأعوان حصل له كمال قدره أوجبت عليه من الأمر والجهاد ما لم يكن واجبا بدون القدرة والأحكام تختلف باختلاف حال القدرة والعجز والعلم وعدمه كما تختلف باختلاف الغنى والفقر والصحة والمرض والمؤمن مطيع لله في ذلك كله وهو مطيع لرسول الله في ذلك كله ومحمد رسول الله فيما أمر به ونهى عنه مطيع لله في ذلك كله

وإن قالت الإمامية الإمامة واجبة بالعقل بخلاف الرسالة فهي أهم من هذا الوجه

قيل الوجوب العقلي فيه نزاع كما سيأتي وعلى القول بالوجوب العقلي فما يجب من الإمامة جزء من أجزاء الواجبات العقلية وغير الإمامة أوجب من ذلك كالتوحيد والصدق والعدل وغير ذلك من الواجبات العقلية

وأيضا فلا ريب أن الرسالة يحصل بها هذا الواجب فمقصودها جزء من مقصود الرسالة فالإيمان بالرسول يحصل به مقصود الإمامة في حياته وبعد مماته بخلاف الإمامة

وأيضا فمن ثبت عنده أن محمدا رسول الله وأن طاعته واجبة عليه واجتهد في طاعته حسب الامكان إن قيل إنه يدخل الجنة فقد استغنى عن مسألة الإمامة

وإن قيل لا يدخل الجنة كان هذا خلاف نصوص القرآن فإنه سبحانه أوجب الجنة لمن اطاع الله ورسوله في غير موضع كقوله تعالى ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا سورة النساء 69 وقوله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم سورة النساء 13

وأيضا فصاحب الزمان الذي يدعون إليه لا سبيل للناس إلى معرفته ولا معرفة ما يأمرهم به وما ينهاهم عنه وما يخبرهم به فإن كان أحد لا يصير سعيدا إلا بطاعة هذا الذي لا يعرف أمره ولا نهيه لزم أنه لا يتمكن أحد من طريق النجاة والسعادة وطاعة الله وهذا من أعظم تكليف مالا يطاق وهم من أعظم الناس إحالة له

وإن قيل بل هو يأمر بما عليه الإمامية

قيل فلا حاجة إلى وجوده ولا شهوده فإن هذا معروف سواء كان هو حيا أو ميتا وسواء كان شاهدا أو غائبا وإذا كان معرفة ما أمر الله به الخلق ممكنا بدون هذا الإمام المنتظر علم أنه لا حاجة إليه ولا يتوقف عليه طاعة الله ورسوله ولا نجاة أحد ولا سعادته وحينئذ فيمتنع القول بجواز إمامة مثل هذا فضلا عن القول بوجوب إمامة مثل هذا وهذا أمر بين لمن تدبره لكن الرافضة من أجهل الناس

وذلك أن فعل الواجبات العقلية الشرعيه وترك المستقبحات العقلية والشرعية إما أن يكون موقوفا على معرفة ما يأمر به وينهى عنه هذا المنتظر وإما أن لا يكون موقوفا فإذا كان موقوفا لزم تكليف مالا يطاق وأن يكون فعل الواجبات وترك المحرمات موقوفا على شرط لا يقدر عليه عامة الناس بل ولا أحد منهم فإنه ليس في الأرض من يدعي دعوى صادقة أنه رأى هذا المنتظر أو سمع كلامه وإن لم يكن موقوفا على ذلك أمكن فعل الواجبات العقلية والشرعية وترك القبائح العقلية والشرعية بدون هذا المنتظر فلا يحتاج إليه ولا يجب وجوده ولا شهوده

وهؤلاء الرافضة علقوا نجاة الخلق وسعادتهم وطاعتهم لله ورسوله بشرط ممتنع لا يقدر عليه الناس بل ولا يقدر عليه أحد منهم وقالوا للناس لا يكون أحد ناجيا من عذاب الله بذلك ولا يكون سعيدا إلا بذلك ولا يكون أحد مؤمنا إلا بذلك

فلزم أحد أمرين إما بطلان قولهم وإما أن يكون الله قد آيس عباده من رحمته وأوجب عذابه لجميع الخلق المسلمين وغيرهم وعلى هذا التقدير فهم أول الاشقياء المعذبين فإنه ليس لأحد منهم طريق إلى معرفة أمر هذا الإمام الذي يعتقدون أنه موجود غائب ولا نهيه ولا خبره بل عندهم من الأقوال المنقولة عن شيوخ الرافضة ما يذكرون أنه منقول عن الأئمة المتقدمين على هذا المنتظر وهم لا ينقلون شيئا عن المنتظر وإن قدر أن بعضهم نقل عنه شيئا علم أنه كاذب وحينئذ فتلك الأقوال إن كانت كافية فلا حاجة إلى المنتظر وإن لم تكن كافية فقد أقروا بشقائهم وعذابهم حيث كانت سعادتهم موقوفة على آمر لا يعلمون بماذا أمر

وقد رأيت طائفة من شيوخ الرافضة كابن العود الحلى يقول إذا اختلفت الإمامية على قولين أحدهما يعرف قائله والآخر لا يعرف قائله كان القول الذي لا يعرف قائله هو القول الحق الذي يجب اتباعه لأن المنتظر المعصوم في تلك الطائفة

وهذا غاية الجهل والضلال فإنه بتقدير وجود المنتظر المعصوم لا يعلم أنه قال ذلك القول إذ لم ينقله عنه أحد ولا عمن نقله عنه فمن أين يجزم بأنه قوله ولم لا يجوز أن يكون القول الآخر هو قوله وهو لغيبته وخوفه من الظالمين لا يمكنه إظهار قوله كما يدعون ذلك فيه

فكان أصل دين هؤلاء الرافضة مبنيا على مجهول ومعدوم لا على موجود ولا معلوم يظنون أن إمامهم موجود معصوم وهو مفقود معدوم ولو كان موجودا معصوما فهم معترفون بأنهم لا يقدرون أن يعرفوا أمره ونهيه كما كانوا يعرفون أمر آبائه ونهيم

والمقصود بالإمام إنما هو طاعة أمره فإذا كان العلم بأمره ممتنعا كانت طاعته ممتنعة فكان المقصود به ممتنعا فكان المقصود به ممتنعا وإذا كان المقصود به ممتنعا لم يكن في إثبات الوسيلة فائدة أصلا بل كان إثبات الوسيلة التي لا يحصل بها مقصودها من باب السفه والعبث والعذاب القبيح باتفاق أهل الشرع وباتفاق العقلاء القائلين بتحسين العقول وتقبيحها بل باتفاق العقلاء مطلقا فإنهم إذا فسروا القبح بما يضر كانوا متفقين على أن معرفة الضار يعلم بالعقل والإيمان بهذ الإمام الذي ليس فيه منفعة بل مضرة في العقل والنفس والبدن والمال وغير ذلك قبيح شرعا وعقلا

ولهذا كان المتبعون له من أبعد الناس عن مصلحة الدين والدنيا لا تنتظم لهم مصلحة دينهم فدنياهم إلا بالدخول في طاعة من هو خارج عن دينهم فهم ي وجود الإمام المنتظر المعصوم لأن مصلحة الدين والدنيا لا تحصل إلا به عندهم وهم لم يحصل لهم بعد المنتظر مصلحة في الدين ولا في الدنيا والذين كذبوا به لم تفتهم مصلحة في الدين ولا في الدنيا بل كانوا أقوم بمصالح الدين والدنيا من أتباعه

فعلم بذلك أن قولهم في الإمامة لا ينال به إلا ما يورث الخزي والندامة وأنه ليس فيه شيء من الكرامة وأن ذلك إذا كان أعظم مطالب الدين فهم أبعد الناس عن الحق والهدى في أعظم مطالب الدين وإن لم يكن أعظم مطالب الدين ظهر بطلان ما أدعوه من ذلك فثبت بطلان قولهم على التقديرين وهو المطلوب

فإن قال هؤلاء الرافضة إيماننا بهذا المنتظر المعصوم مثل إيمان كثير من شيوخ الزهد والدين بإلياس والخضر والغوث والقطب ورجال الغيب ونحو ذلك من الأشخاص الذين لا يعرف وجودهم ولا بماذا يأمرون ولا عماذا ينهون فكيف يسوغ لمن يوافق هؤلاء أن ينكر علينا ما ندعيه

قيل الجواب من وجوه

أحدها أن الإيمان بوجود هؤلاء ليس واجبا عند أحد من علماء المسلمين وطوائفهم المعروفين وإذا كان بعض الغلاة يوجب على أصحابه الإيمان بوجود هؤلاء ويقول إنه لا يكون مؤمنا وليا لله إلا من يؤمن بوجود هؤلاء في هذه الأزمان كان قوله مردودا كقول الرافضة فإن من قال من هؤلاء الغلاة إنه لا يكون وليا لله إن لم يعتقد الخضر ونحو ذلك كان قوله مردودا كقول الرافضة

الوجه الثاني أن يقال من الناس من يظن أن التصديق بهؤلاء يزداد به الرجل إيمانا وخيرا وموالاة لله وأن المصدق بوجود هؤلاء أكمل وأشرف وأفضل عند الله ممن لم يصدق بوجود هؤلاء وهذا القول ليس مثل قول الرافضة من كل وجه بل هو مشابه له من بعض الوجوه لكونهم جعلوا كمال الدين موقوفا على ذلك

وحينئذ فيقال هذا القول أيضا باطل باتفاق علماء المسلمين وأئمتهم فإن العلم بالواجبات والمستحبات وفعل الواجبات والمستحبات كلها ليس موقوفا على التصديق بوجود أحد من هؤلاء ومن ظن من أهل النسك والزهد والعامة أن شيئا من الدين واجبه أو مستحبه موقوفا على التصديق بوجود هؤلاء فهو جاهل ضال باتفاق أهل العلم والإيمان العالمين بالكتاب والسنة إذ قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي لم يشرع لأمته التصديق بوجود هؤلاء ولا أصحابه كانوا يجعلون ذلك من الدين ولا أئمة المسلمين

وأيضا فجميع هذه الألفاظ لفظ الغوث والقطب والأوتاد والنجباء وغيرها لم ينقل أحد عن النبي بإسناد معروف أنه تكلم بشيء منها ولا أصحابه ولكن لفظ الأبدال تكلم به بعض السلف ويروى فيه عن النبي حديث ضعيف وقد بسطنا الكلام على ذلك في عير هذا الموضوع

الوجه الثالث أن يقال القائلون بهذه الأمور منهم من ينسب إلى أحد هؤلاء ما لا تجوز نسبته إلى أحد من البشر مثل دعوى بعضهم أن الغوث أو القطب هو الذي يمد أهل الأرض في هداهم ونصرهم ورزقهم فإن هذا لا يصل إلى أحد من أهل الأرض إلا بواسطة نزوله على ذلك الشخص وهذا باطل بإجماع المسلمين وهو من جنس قول النصارى في الباب

وكذلك ما يدعيه بعضهم من أن الواحد من هؤلاء قد يعلم كل ولي لله كان ويكون واسمه واسم ابيه ومنزلته من الله ونحو ذلك من المقالات الباطلة التي تتضمن أن الواحد من البشر يشارك الله في بعض خصائصه مثل أنه بكل شيء عليم أو على كل شيء قدير ونحو ذلك كما يقول بعضهم في النبي وفي شيوخه إن علم أحدهم ينطبق على علم الله وقدرته منطبقة على قدرة الله فيعلم ما يعلمه الله ويقدر على ما يقدر الله عليه، فهذه المقالات وما يشبهها من جنس قول النصارى والغالية في علي وهي باطلة بإجماع علماء المسلمين ومنهم من ينسب إلى الواحد من هؤلاء ما تجوز نسبته إلى الأنبياء وصالحي المؤمنين من الكرامات كدعوة مجابة ومكاشفة من مكاشفات الصالحين ونحو ذلك

فهذا القدر يقع كثيرا من الأشخاص الموجودين المعاينين ومن نسب ذلك إلى من لا يعرف وجوده فهؤلاء وإن كانوا مخطئين في نسبة ذلك إلى شخص معدوم فخطؤهم كخطأ من اعتقد أن في البلد الفلاني رجالا من أولياء الله وليس فيه أحد أو اعتقد في ناس معينين أنهم أولياء الله ولم يكونوا كذلك ولا ريب أن هذا خطأ وجهل وضلال يقع فيه كثير من الناس لكن خطأ الإمامية وضلالهم أقبح وأعظم

الوجه الرابع أن يقال الصواب الذي عليه محققو العلماء أن إلياس والخضر ماتا وأنه ليس أحد من البشر واسطة بين الله وبين خلقه في رزقه وخلقه وهداه ونصره وإنما الرسل وسائط في تبليغ رسالاته لا سبيل لأحد إلى السعادة إلا بطاعة الرسل وأما خلقه ورزقه وهداه ونصره فلا يقدر عليه إلا الله تعالى فهذا لا يتوقف على حياة الرسل وبقائهم بل بل ولا يتوقف نصر الخلق ورزقهم على وجود الرسل أصلا بل قد يخلق الله ذلك بما شاء من الأسباب بواسطة الملائكة أو غيرهم وقد يكون لبعض البشر في ذلك من الأسباب ما هو معروف في البشر

وأما كون ذلك لا يكون إلا بواسطة البشر أو أن أحدا من البشر يتولى ذلك كله ونحو ذلك فهذا كله باطل وحينئذ فيقال للرافضة إذا احتجوا بضلال الضلال ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتهم أنكم في العذاب مشتركون سورة الزخرف 3وأيضا فمن المعلوم أن أشرف مسائل المسلمين وأهم المطالب في الدين ينبغي أن يكون ذكرها في كتاب الله أعظم من غيرها وبيان الرسول لها أولى من بيان غيرها والقرآن مملوء بذكر توحيد الله وذكر أسمائه وصفاته وآياته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقصص والأمر والنهي والحدود والفرائض بخلاف الإمامة فكيف يكون القرآن مملوءا بغير الأهم الأشرف

وأيضا فإن الله تعالى قد علق السعادة بما لا ذكر فيه للإمامة فقال ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا سورة النساء 69 وقال تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين سورة النساء 13 14 فقد بين الله في القرآن أن من أطاع الله ورسوله كان سعيدا في الآخرة ومن عصى الله ورسوله وتعدى حدوده كان معذبا فهذا هو الفرق بين السعداء والأشقياء ولم يذكر الإمامة

فإن قال قائل إن الإمامة داخلة في طاعة الله ورسوله

قيل غايتها أن تكون كبعض الوجبات كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك مما يدخل في طاعة الله ورسوله فكيف تكون هي وحدها أشرف مسائل المسلمين وأهم مطالب الدين

فإن قيل لا يمكننا طاعة الرسول إلا بطاعة إمام فإنه هو الذي يعرف الشرع

قيل هذا هو دعوى المذهب ولا حجة فيه ومعلوم أن القرآن لم يدل على هذا كما دل على سائر أصول الدين وقد تقدم أن هذا الإمام الذي يدعونه لم ينتفع به أحد في ذلك وسيأتي إن شاء الله تعالى أن ما جاء به الرسول لا يحتاج في معرفته إلى أحد من الأئمة

الوجه الثاني

أن يقال أصول الدين عن الإمامية أربعة التوحيد والعدل والنبوة والإمامة فالإمامة هي آخر المراتب والتوحيد والعدل والنبوة قبل ذلك وهم يدخلون في التوحيد نفى الصفات والقول بأن القرآن مخلوق وأن الله لا يرى في الآخرة ويدخلون في العدل التكذيب بالقدر وأن الله لا يقدر أن يهدى من يشاء ولا يقدر أن يضل من يشاء وأنه قد يشاء مالا يكون ويكون مالا يشاء وغير ذلك فلا يقولون إنه خالق كل شيء ولا إنه على كل شيء قدير ولا إنه ما شاء كان ومالم يشأ لم يكن لكن التوحيد والعدل والنبوة مقدم على الإمامة فكيف تكون الإمامة أشرف وأهم

وأيضا فإن الإمامة إنما أوجبوها لكونها لطفا في الواجبات فهي واجبة الوسائل فكيف تكون الوسيلة أهم وأشرف من المقصود

الوجه الثالث

أن يقال إن كانت الإمامة أهم مطالب الدين وأشرف مسائل المسلمين فأبعد الناس عن هذا الأهم الأشرف هم الرافضة فإنهم قد قالوا في الإمامة أسخف قول وأفسده في العقل والدين كما سنبينه إن شاء الله تعالى إذا تكلمنا عن حججهم ويكفيك أن مطلوبهم بالإمامة أن يكون لهم رئيس معصوم يكون لطفا في مصالح دينهم ودنياهم وليس في الطوائف أبعد عن مصلحة اللطف والإمامة منهم فإنهم يحتالون على مجهول ومعدوم لا يرى له عين ولا أثر ولا يسمع له حس ولا خبر فلم يحصل لهم من الأمر المقصود بإمامته شيء

وأي من فرض إماما نافعا في بعض مصالح الدين والدنيا كان خيرا ممن لا ينتفع به في شيء من مصالح الإمامة ولهذا تجدهم لما فاتهم مصلحة الإمامة يدخلون في طاعة كافر أو ظالم لينالوا به بعض مقاصدهم فبينما هم يدعون الناس إلى طاعة إمام معصوم أصبحوا يرجعون إلى طاعة ظلوم كفور فهل يكون أبعد عن مقصود الإمامة وعن الخير والكرامة ممن سلك منهاج الندامة

وفي الجملة فالله تعالى قد علق بولاة الأمور مصالح في الدين والدنيا سواء كانت الإمامة أهم الأمور أو لم تكن والرافضة أبعد الناس عن حصول هذه المصلحة لهم فقد فاتهم على قولهم الخير المطلوب من أهم مطالب الدين وأشرف مسائل المسلمين

ولقد طلب منى أكابر شيوخهم الفضلاء أن يخلو بي وأتكلم معه في ذلك فخلوت به وقررت له ما يقولونه في هذا الباب كقولهم إن الله أمر العباد ونهاهم لينالوا به بعض مقاصدهم فيجب أن يفعل بهم اللطف الذي يكونون عنده أقرب إلى فعل الواجب وترك القبيح لأن من دعا شخصا ليأكل طعامه فإذا كان مراده الأكل فعل ما يعين على ذلك من الأسباب كتلقيه بالبشر وإجلاسه في مجلس يناسبه وأمثال ذلك وإن لم يكن مراده أن يأكل عبس في وجهه وأغلق الباب ونحو ذلك،

وهذا أخذوه من المعتزلة ليس هو من أصول شيوخهم القدماء

ثم قالوا والإمام لطف لأن الناس إذا كان لهم إمام يأمرهم بالواجب وينهاهم عن القبيح كانوا أقرب إلى فعل المأمور وترك المحظور فيجب أن يكون لهم إمام ولا بد أن يكون معصوما لأنه إذا لم يكن معصوما لم يحصل به المقصود ولم تدع العصمة لأحد بعد النبي إلا لعلي فتعين أن يكون هو إياه للإجماع على انتفاء ما سواه وبسطت له العبارة في هذه المعاني

ثم قالوا وعلى نص على الحسن والحسن على الحسين إلى أن انتهت النوبة إلى المنتظر محمد بن الحسن صاحب السرداب الغائب

فاعترف بأن هذا تقرير مذهبهم على غاية الكمال

قلت له فأنا وأنت طالبان للعلم والحق والهدى وهم يقولون من لم يؤمن بالمنتظر فهو كافر فهذا المنتظر هل رأيته أو رأيت من رآه أو سمعت له بخبر أو تعرف شيئا من كلامه الذي قاله هو أو ما أمر به أو ما نهى عنه مأخوذا عنه كما يؤخذ عن الأئمة

قال لا

قلت فأى فائدة في إيماننا هذا وأي لطف يحصل لنا بهذا ثم كيف يجوز أن يكلفنا الله بطاعة شخص ونحن لا نعلم ما يأمر به ولا ما ينهانا عنه ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك بوجه من الوجوه وهم من أشد الناس إنكارا لتكليف مالا يطاق فهل يكون في تكليف مالا يطاق أبلغ من هذا

فقال إثبات هذا مبني على تلك المقدمات

قلت لكن المقصود لنا من تلك المقدمات هو ما يتعلق بنا نحن وإلا فما علينا ما مضى إذا لم يتعلق بنا منه أمر ولا نهى وإذا كان كلامنا في تلك المقدمات لا يحصل لنا فائدة ولا لطفا ولا يفيدنا إلا تكليف مالا يقدر عليه علم أن الإيمان بهذا المنتظر من باب الجهل والضلال لا من باب المصلحة واللطف

والذي عنه الإمامية من النقل عن الأئمة الموتى إن كان حقا يحصل به سعادتهم فلا حاجة بهم إلى المنتظر وإن كان باطلا فهم أيضا لم ينتفعوا بالمنتظر في رد هذا الباطل فلم ينتفعوا بالمنتظر لا في إثبات حق ولا في نفي باطل ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر ولم يحصل لواحد منهم به شيء من المصلحة واللطف المطلوب من الإمامة

والجهال الذين يعقلون أمورهم بالمجهولات كرجال الغيب والقطب والغوث والخضر ونحو ذلك مع جهلهم وضلالهم وكونهم يثبتون ما لم يحصل لهم به مصلحة ولا لطف ولا منفعة لا في الدين ولا في الدنيا أقل ضلالا من الرافضة فإن الخضر كان موجودا وقد ذكره الله في القرآن وفي قصته عبرة وفوائد وقد يرى أحدهم شخصا صالحا يظنه الخضر فينتفع به وبرؤيته وموعظته وإن كان غالطا في اعتقاده أنه الخضر فقد يرى أحدهم بعض الجن فيظن أنه الخضر ولا يخاطبه الجني إلا بما يرى أنه يقبله منه ليربطه على ذلك فيكون الرجل أتى من نفسه لا من ذلك المخاطب له ومنهم من يقول لكل زمان خضر ومنهم من يقول لكل ولي خضر وللكفار كاليهود مواضع يقولون إنهم يرون الخضر فيها وقد يرى الخضر على صور مختلفة وعلى صورة هائلة وأمثال ذلك وذلك لأن هذا الذي يقول إنه الخضر هو جني بل هو شيطان يظهر لمن يرى أنه يضله وفي ذلك حكايات كثيرة يضيق هذا الموضع عن ذكرها

وعلى كل تقدير فأصناف الشيعة أكثر ضلالا من هؤلاء فإن منتظرهم ليس عنده نقل ثابت عنه ولا يعتقدون فيمن يرونه أنه المنتظر ولما دخل السرداب كان عندهم صغيرا لم يبلغ سن التمييز، وهم يقبلون من الأكاذيب أضعاف ما يقبله هؤلاء ويعرضون عن الاقتداء بالكتاب والسنة أكثر من إعراض هؤلاء ويقدحون في خيار المسلمين قدحا يعاديهم عليه هؤلاء فهم أضل عن مصالح الإمامة من جميع طوائف الأمة فقد فاتهم على قولهم أهم الدين وأشرفه

منهاج السنة النبوية
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57