محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة السابعة والأربعون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتاب الصلاة

باب الأذان

322 - مسألة : ولا يؤذن ولا يقام لشيء من النوافل ، كالعيدين والاستسقاء والكسوف ، وغير ذلك - ، وإن صلى كل ذلك في جماعة وفي المسجد - ولا لصلاة فرض على الكفاية : كصلاة الجنازة ؟ ، ويستحب إعلام الناس بذلك ، مثل النداء : الصلاة جامعة ؛ وهذا مما لا يعلم فيه خلاف إلا شيئا كان بنو أمية قد أحدثوه من الأذان والإقامة لصلاة العيدين ، وهو بدعة وقد صح عن النبي أنه لم يأمر بأذان ولا إقامة لشيء من ذلك ؛ على ما نذكره في بابه إن شاء الله تعالى ؟ . قال علي : الأذان والإقامة أمر بالمجيء إلى الصلاة ، وليس يجب ذلك إلا في الفرائض المتعينة ؛ ولا يلزم ذلك في النوافل ؛ فلا أذان فيها ولا إقامة ، وإعلام الناس بذلك تنبيه على خير - وقد جاء ذلك أيضا عن رسول الله على ما نذكره في بابه إن شاء الله تعالى ؟

323 - مسألة : ولا يجوز أن يؤذن ويقيم إلا رجل بالغ عاقل مسلم مؤد لألفاظ الأذان والإقامة حسب طاقته ، ولا يجزئ أذان من لا يعقل حين أذانه لسكر أو نحو ذلك ؛ فإذا أذن البالغ لم يمنع من لم يبلغ من الأذان بعده ؛ ويجزئ أذان الفاسق ؛ والعدل أحب إلينا ؛ والصيت أفضل . برهان ذلك - : أن النساء لم يخاطبن بالأذان للرجال ؛ لقول رسول الله  : { فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم أو أكثركم قرآنا } فإنما أمر بالأذان من ألزم الصلاة في جماعة وهم الرجال فقط ؛ لا النساء على ما ذكرنا قبل ؟ والصبي ، والمجنون ، والذاهب العقل بسكر : غير مخاطبين في هذه الأحوال ؛ وقد قال النبي  : { رفع القلم عن ثلاثة فذكر الصبي ، والمجنون ، والنائم - } والأذان مأمور به كما ذكرنا ؛ فلا يجزئ أداؤه إلا من مخاطب به بنية أدائه ما أمر به ، وغير الفرض لا يجزئ عن الفرض فإن قيل : فإنكم تجيزون لمن أذن لأهل مسجد أن يؤذن لأهل مسجد آخر في تلك الصلاة نفسها ؛ وهذا تطوع منه ؟ قلنا : نعم ، وهو ، وإن كان تطوعا منه ، فهو من أحدهم المأمورين بإقامة الأذان والإمامة والإقامة لمن معه ، فهو في ذلك كله مؤدي فرض ، وإذا تأدى الفرض ؛ فالأذان : فعل خير لا يمنع الصبيان منه ؛ لأنه ذكر لله تعالى وتطوع وبر ؟ ، وأما الكافر فليس أحدنا ولا مؤمنا ، وإنما ألزمنا أن يؤذن لنا أحدنا . وأما من لم يؤد ألفاظ الأذان متعمدا فلم يؤذن كما أمر ، ولا أتى بألفاظ الأذان التي أمر بها ؛ فهذا لم يؤذن أصلا فإن لم يقدر على أكثر من ذلك للثغة أو لكنة أجزأ أذانه ؛ لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فهذا غير مكلف إلا ما قدر عليه فقط ، وسواء كان هنالك من يؤدي ألفاظ الأذان أو لم يكن ، وكان أفضل لو أذن المحسن ؟ . وأما الفاسق فإنه أحدنا بلا شك ؛ لأنه مسلم ، فهو داخل تحت قوله عليه السلام : { ليؤذن لكم أحدكم } ولا خلاف في اختيار العدل ، وأما الصيت ؛ فلأن الأذان أمر بالمجيء إلى الصلاة ؛ فإسماع المأمورين أولى ؛ ولقول رسول الله لأبي محذورة { ارجع فارفع صوتك } وهذا أمر برفع الصوت ؛ فلو تعمد المؤذن أن لا يرفع صوته لم يجزه أذانه ، وإن لم يقدر على أكثر إلا بمشقة لم يلزمه ؛ لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال عليه السلام ما قد ذكرنا بإسناده ، { إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين } فالاجتهاد في طرد الشيطان فعل حسن - ، وبالله تعالى التوفيق ؟ . وصح عن النبي  : { لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جان ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة } رويناه من طريق مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني الأنصاري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري مسندا - وبالله تعالى التوفيق .

324 - مسألة : ولا يجوز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا ؛ فإن كان ذلك فالمؤذن هو المبتدئ ، والداخل عليه مسيء لا أجر له ، وما يبعد عنه الإثم ، والواجب منعه ؛ فإن بدآ معا فالأذان للصيت الأحسن تأدية . وجائز أن يؤذن جماعة واحدا بعد واحد للمغرب وغيرها سواء في كل ذلك : فإن تشاحوا ، وهم سواء في التأدية والصوت والفضل والمعرفة بالأوقات أقرع بينهم ، سواء عظمت أقطار المسجد أو لم تعظم ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن مفرج ثنا سعيد بن السكن ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله قال : { لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا } . قال علي : لو جاز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا لكان الاستهام لغوا لا وجه له ؛ وحاشا لله من هذا ، ولو كان الصف الأول لمن بادر بالمجيء لكان الاستهام لا معنى له ؛ لأنه لا يمنع أحد من البدار ، وإنما الاستهام فيما يضيق فلا يحمل إلا بعض الناس دون بعض لا يمكن ألبتة غير هذا . وقد أقرع سعد بن أبي وقاص بين المتشاحين في الأذان ؛ إذ قتل المؤذن يوم القادسية ؛ ولو جاز أذان اثنين فصاعدا لكان أصحاب رسول الله أحق الناس بأن لا يضيعوا فضله ؛ فما فعلوا ذلك ؟ وما كان لرسول الله إلا مؤذنان فقط ؟

325 - مسألة : ويجزئ الأذان والإقامة قاعدا وراكبا وعلى غير طهارة وجنبا ، وإلى غير القبلة - ، وأفضل ذلك أن لا يؤذن إلا قائما إلى القبلة على طهارة ؟ وهو قول أبي حنيفة ، وسفيان ، ومالك ، في الأذان خاصة وهو قول داود وغيرهم في كل ذلك ، وإنما قلنا ذلك : لأنه لم يأت عن شيء من هذا نهي من عند الله تعالى على لسان رسوله وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } . فصح أن ما لم يفصل لنا تحريمه فهو مباح ، وإنما تخيرنا أن يؤذن ويقيم على طهارة قائما إلى القبلة ؛ لأنه عمل أهل الإسلام قديما وحديثا .

326 - مسألة : ومن عطس في أذانه ، وإقامته : ففرض عليه أن يحمد الله تعالى ، وإن سمع عاطسا يحمد الله تعالى : ففرض عليه أن يشمته في أذانه ، وإقامته ، وإن سلم عليه في أذانه ، وإمامته : ففرض عليه أن يرد بالكلام ثم الكلام المباح كله جائز في نفس الأذان والإقامة ؟ قال الله تعالى : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } فلم يخص تعالى حالا من حال ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل عن عبد العزيز هو ابن عبد الله بن أبي سلمة - عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله قال : { إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله على كل حال ، وليقل أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ؟ ويقول هو : يهديكم الله ويصلح بالكم } . فلم تخص النصوص حال الأذان والإقامة من غيرهما ، ولا جاء نهي قط عن الكلام في نفس الأذان ، وما نعلم حجة لمن منع ذلك أصلا ؟ فإن قالوا : قسناه على الصلاة ؟ قلنا : فأنتم تجيزون الأذان بلا وضوء ؛ فأين قياسه على الصلاة ؟ . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال : { رأيت بلالا يؤذن ويدور ، فأتتبع فاه هاهنا وهاهنا ، وأصبعاه في أذنيه ورسول الله في قبة حمراء } . وروينا عن وكيع عن محمد بن طلحة عن جامع بن شداد عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي عن سليمان بن صرد صاحب رسول الله  : أنه كان يؤذن للعسكر فكان يأمر غلامه في أذانه بالحاجة . وعن وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن البصري قال : لا بأس أن يتكلم في أذانه للحاجة ؟ وعن وكيع عن سفيان الثوري عن نسير بن ذعلوق : رأيت ابن عمر يؤذن على بعيره .

327 - مسألة : ولا تجوز الأجرة على الأذان ، فإن فعل ولم يؤذن إلا للأجرة لم يجز أذانه ، ولا أجزأت الصلاة به - وجائز أن يعطى على سبيل البر ، وأن يرزقه الإمام كذلك حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص { آخر ما عهد إلي رسول الله أن لا أتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا } وهو قول أبي حنيفة وغيره وقال مالك : لا بأس بأخذ الأجرة على ذلك ، وهذا خلاف النص . روينا عن وكيع عن المسعودي هو أبو عميس عتبة بن عبد الله - عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود - قال : أربع لا يؤخذ عليهن أجر : الأذان وقراءة القرآن والمقاسم والقضاء ؟ . وعن عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان الضبعي عن يحيى البكاء قال : رأيت ابن عمر يقول لرجل : إني لأبغضك في الله ، ثم قال لأصحابه : إنه يتغنى في أذانه ويأخذ عليه أجرا . وقد قال الله عز وجل : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } ، وقال عليه السلام { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فحرم تعالى أكل الأموال إلا لتجارة ، فكل مال فهو حرام إلا ما أباحه نص أو إجماع متيقن ؛ فلو لم يأت النهي عن أخذ الأجر على الأذان لكان حراما بهذه الجملة - ، وبالله تعالى التوفيق . لا يعرف لابن عمر في هذا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، وهم يشنعون هذا إذا وافق تقليدهم ، وأما إن أعطي على سبيل البر فهو فضل ، وقد قال تعالى : { ولا تنسوا الفضل بينكم } .

328 - مسألة : ومن كان في المسجد فاندفع الأذان لم يحل له الخروج من المسجد إلا أن يكون على غير وضوء أو لضرورة - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عثمان بن حكيم ثنا جعفر بن عوف عن أبي عميس أنا أبو صخرة هو جامع بن شداد - عن أبي الشعثاء قال : خرج رجل من المسجد بعد ما نودي للصلاة ، فقال أبو هريرة " أما هذا فقد عصى أبا القاسم " . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسحاق ثنا محمد بن يوسف ثنا الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال { : أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج رسول الله فتقدم وهو جنب ، ثم قال : على مكانكم ، فرجع واغتسل ثم خرج ورأسه يقطر ماء فصلى بهم } وقال عز وجل { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } .

329 - مسألة : وجائز أن يقيم غير الذي أذن ؛ لأنه لم يأت عن ذلك نهي يصح ، والأثر المروي { إنما يقيم من أذن } إنما جاء من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، وهو هالك ؟

330 - مسألة : ومن سمع المؤذن فليقل كما يقول المؤذن سواء سواء ، من أول الأذان إلى آخره ، وسواء كان في غير صلاة أو في صلاة فرض أو نافلة ، حاشا قول المؤذن " حي على الصلاة ، حي على الفلاح " فإنه لا يقولهما في الصلاة ، ويقولهما في غير صلاة ، فإذا أتم الصلاة فليقل ذلك ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن سلمة المرادي ثنا عبد الله بن وهب عن حيوة وسعيد بن أبي أيوب عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول : { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة } ؟ . ورويناه أيضا - : من طريق مالك عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري ، فلم يخص عليه السلام كونه في صلاة من غير كونه فيها ، وإنما قلنا : لا يقول في الصلاة " حي على الصلاة ، حي على الفلاح " ؟ لأنه تكليم للناس يدعون به إلى الصلاة ، وسائر الأذان ذكر لله تعالى ، والصلاة موضع ذكر الله تعالى ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال : { بينا أنا أصلي مع رسول الله فذكر الحديث - : وفي آخره : أن رسول الله قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن } أو كما قال عليه السلام ؟ فإن قال سامع الأذان : لا حول ولا قوة إلا بالله " مكان " حي على الصلاة حي على الفلاح " فحسن . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني مجاهد بن موسى حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمر أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال { : إني عند معاوية إذ أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال المؤذن ، حتى إذا قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله فلما قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله . ثم قال : سمعت رسول الله يقول ذلك } .

331 - مسألة : وصفة الأذان : معروفة ، وأحب ذلك إلينا أذان أهل مكة وهو : الله أكبر ، الله أكبر ؛ الله أكبر ، الله أكبر ؛ أربع مرات ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله . ثم يرفع صوته فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله ؛ أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ؟ . وأذان أهل المدينة كما وصفنا سواء سواء ؛ إلا أنه لا يقول في أول أذانه : " الله أكبر ، الله أكبر " إلا مرتين فقط وأذان أهل الكوفة كما وصفنا أذان أهل مكة إلا أنهم لا يقولون " أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله " إلا مرتين فقط ؟ وإن أذن مؤذن بأذان أهل المدينة أو بأذان أهل الكوفة : فحسن وإن زاد في صلاة الصبح بعد : حي على الفلاح - : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم : فحسن ؟ . وإنما تخيرنا أذان أهل مكة ؛ لأن فيه زيادة ذكر لله تعالى على أذان أهل المدينة ، وأذان أهل الكوفة ؛ ففيه ترجيع " الله أكبر " وفيه ترجيع " أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله " ، وهذه زيادة خير لا تحقر . أقل ما يجب لها ستون حسنة ؟ وأيضا : فإنه قد رويناه من طرق ، منها - : ما حدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن سليمان المنقري البصري ثنا حفص بن عمر الحوضي ثنا همام بن يحيى أن عامر بن عبد الواحد الأحول حدثه أن مكحولا الشامي حدثه أن ابن محيريز حدثه أن أبا محذورة حدثه { أن رسول الله علمه الأذان تسع عشرة كلمة ، والإقامة سبع عشرة كلمة } ثم وصف الأذان الذي ذكرنا حرفا حرفا ؟ . وحدثناه أيضا : عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد ثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن ابن محيريز أخبره - ، وكان يتيما في حجر أبي محذورة - قال : قلت لأبي محذورة : إني خارج إلى الشام ، وأخشى أن أسأل عن تأذينك فأخبرني ؟ فذكر له { أن رسول الله علمه الأذان } كما ذكرنا نصا . وقد جاءت أيضا آثار مثل هذه بمثل أذان أهل المدينة وأذان أهل الكوفة ؛ إلا أن هذه زائدة عليها تربيعا وترجيعا ؛ وزيادة الرواة العدول لا يجوز تركها ؛ إلا أن تكون على التخيير ؛ فيكون الأخذ بالزيادة أفضل ؛ لأنها زيادة ذكر وخير ؟ . وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع بن سفيان الثوري عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة : أنه أرسل إلى مؤذن له : لا تثوب في شيء من الصلاة إلا الفجر ؛ فإذا بلغت " حي على الفلاح " فقل " الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " فإنه أذان بلال . قال علي : سويد بن غفلة من أكبر التابعين ، قدم بعد موت النبي بخمس ليال أو نحوها ؛ وأدرك جميع الصحابة الباقين بعد موته عليه السلام . وبه إلى وكيع عن سفيان الثوري عن أبي جعفر المؤذن عن أبي سليمان عن أبي محذورة : أنه كان إذا بلغ " حي على الفلاح " في الفجر قال " الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " . قال علي : لم يؤذن بلال لأحد بعد رسول الله إلا مرة واحدة بالشام للظهر ، أو العصر فقط ، ولم يشفع الأذان فيها أيضا . وأما الإقامة فهي " الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ؟ " . برهان ذلك - : أن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد حدثنا قال ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن سماك بن عطية عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال { أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة } . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة قال : كان بلال يوتر الإقامة ويثني الأذان ؛ إلا قوله " قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة " ؟ . قال علي : قد ذكرنا ما لا يختلف فيه اثنان من أهل النقل : أن بلالا رضي الله عنه لم يؤذن قط لأحد بعد موت رسول الله إلا مرة واحدة بالشام ، ولم يتم أذانه فيها ؛ فصار هذا الخبر مسندا صحيح الإسناد ، وصح أن الآمر له رسول الله لا أحد غيره وقال الحنفيون : الإقامة مثنى مثنى ، واختلف عنهم في تفسير ذلك ؛ فروى زفر عن أبي حنيفة كما ذكرنا في قول " الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر " أربع مرات في ابتداء الأذان ، وفي ابتداء الإقامة كذلك أيضا ؛ وعلى هذه الرواية هم الحنفيون اليوم ؟ وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة في كلا الأمرين الأذان والإقامة " الله أكبر ، الله أكبر " في ابتدائهما مرتين فقط . وقد جاء حديث بمثل رواية أبي يوسف في الأذان ، وما نعلم خبرا قط روي في قول " الله أكبر ، الله أكبر " أربع مرات في أول الإقامة ولو لا أنها ذكر الله تعالى لوجب إبطال الإقامة بها ؛ وإبطال صلاة من صلى بتلك الإقامة ، ولكن هذه الزيادة بمنزلة من زاد في الإقامة " لا حول ولا قوة إلا بالله " أو غير ذلك مما ليس من الإقامة في شيء ؟ . وقال المالكيون : الإقامة كلها وتر ؛ إلا " الله أكبر ، الله أكبر " فإنه يكرر ؛ ولا يقال " قد قامت الصلاة " إلا مرة واحدة قال علي : الأذان منقول نقل الكافة بمكة وبالمدينة وبالكوفة ؛ لأنه لم يمر بأهل الإسلام - مذ نزل الأذان على رسول الله إلى يوم مات أنس بن مالك : آخر من شاهد رسول الله وصحبه - يوم إلا وهم يؤذنون فيه في كل مسجد من مساجدهم خمس مرات فأكثر ؛ فمثل هذا لا يجوز أن ينسى ولا أن يحرف ؟ فلو لا أن كل هذه الوجوه قد كان يؤذن بها على عهد رسول الله بلا شك ؛ وكان الأذان بمكة على عهد رسول الله يسمعه عليه السلام إذ حج ، ثم يسمعه أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، بعده عليه السلام ، وسكنها أمير المؤمنين ابن الزبير تسع سنين ، وهو بقية الصحابة ، والعمال من قبله بالمدينة والكوفة : فمن الباطل الممتنع المحال الذي لا يحل أن يظن بهم رضي الله عنهم أن أهل مكة بدلوا الأذان وسمعه أحد هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم أو بلغه والخلافة بيده - : فلم يغير ، هذا ما لا يظنه مسلم ؛ ولو جاز ذلك لجاز بحضرتهم بالمدينة ولا فرق ؟ وكذلك فتحت الكوفة ونزل بها طوائف من الصحابة رضي الله عنهم وتداولها عمال عمر بن الخطاب ، وعمال عثمان رضي الله عنهما ، كأبي موسى الأشعري ، وابن مسعود ، وعمار ، والمغيرة ، وسعد بن أبي وقاص ، ولم تزل الصحابة الخارجون عن الكوفة يؤذنون في كل يوم سفرهم خمس مرات ، إلى أن بنوها وسكنوها ؛ فمن الباطل المحال أن يحال الأذان بحضرة من ذكرنا ويخفى ذلك على عمر وعثمان ، أو يعلمه أحدهما فيقره ولا ينكره ؟ ثم سكن الكوفة علي بن أبي طالب إلى أن مات ونفذ العمال من قبله إلى مكة والمدينة ، ثم الحسن ابنه رضي الله عنه إلى أن سلم الأمر لمعاوية رحمه الله تعالى ؛ فمن المحال أن يغير الأذان ولا ينكر تغيره : علي ؛ والحسن ؛ ولو جاز ذلك على علي ؛ لجاز مثله على أبي بكر وعمر وعثمان ، وحاشا لهم من هذا ؛ ما يظن هذا بهم ، ولا بأحد منهم مسلم أصلا ؟ . فإن قالوا : ليس أذان مكة ولا أذان الكوفة نقل كافة ؟ قيل لهم : فإن قالوا لكم : بل أذان أهل المدينة ليس هو نقل كافة فما الفرق ؟ فإن ادعوا في هذا محالا ادعي عليهم مثله ؟ فإن قالوا : إن أذان أهل مكة وأهل الكوفة يرجع إلى قوم محصور عددهم ؟ قيل لهم : وأذان أهل المدينة يرجع إلى ثلاثة رجال لا أكثر : مالك ، وابن الماجشون ، وابن أبي ذئب فقط ؛ وإنما أخذه أصحاب هؤلاء عن هؤلاء فقط فإن قالوا : لم يختلف في الأذان بالتثنية ؟ قيل لهم : هذا الكذب البحت روى معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : الأذان ثلاثا ثلاثا . وروى ابن جريج عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يثني الإقامة ؛ فيبطل بهذا بيقين البطلان فيما يحتج به المالكيون لاختيارهم في الأذان بأنه نقل الكافة إلى رسول الله . فصح يقينا أن لأذان أهل مكة من ذلك ما لأذان أهل المدينة سواء سواء - وأن لأذان أهل الكوفة من ذلك ما لأذان أهل مكة وأذان أهل المدينة ولا فرق ؟ فإن قالوا : لم يغير ذلك الصحابة لكن غير بعدهم ؟ قلنا : إن جاز ذلك على التابعين بمكة والكوفة ، فهو على التابعين بالمدينة أجوز ؛ فما كان بالمدينة في التابعين كعلقمة ، والأسود ، وسويد بن غفلة ؛ والرحيل ومسروق ، ونباتة وسلمان بن ربيعة وغيرهم ؛ فكل هؤلاء أفتى في حياة عمر بن الخطاب ؛ وما يرتفع أحد من تابعي أهل المدينة على طاوس وعطاء ومجاهد ومعاذ الله أن يظن بأحد منهم تبديل عمود الدين ؟ فإن هبطوا إلى تابعي التابعين ؛ فما يجوز شيء من ذلك على سفيان الثوري ، وابن جريج ، إلا جاز مثله على مالك ؛ فما له على هذين فضل ، لا في علم ولا في ورع ؛ ومعاذ الله أن يظن بأحد منهم شيء من هذا فإن رجعوا إلى الولاة ؛ فإن الولاة على مكة ، والمدينة ، والكوفة : إنما كانوا ينفذون من الشام من عهد معاوية إلى صدر زمان أبي حنيفة ، وسفيان ، ومالك ؛ ثم من الأنبار وبغداد في باقي أيام هؤلاء ؛ فلا يجوز شيء من ذلك على والي مكة ، والكوفة ، إلا جاز مثله على والي المدينة ؛ وكلها قد وليها الصالح والفاسق ، كالحجاج ، وحبيش بن دلجة ، وطارق ، وخالد القسري وما هنالك من كل من لا خير ؛ فما جاز من ذلك عليهم بمكة ، والكوفة ، فهو جائز عليهم بالمدينة سواء سواء ؟ بل الأمر أقرب إلى الامتناع بمكة ؛ لأن وفود جميع أهل الأرض يردونها كل سنة ؛ فما كان ليخفى ذلك أصلا على الناس ؛ وما قال هذا أحد قط - ، والحمد لله فإن رجعوا إلى الروايات ؛ فالروايات كما ذكرنا متقاربة إلا قول أبي حنيفة المشهور في الإقامة ؛ فما جاءت به قط رواية ؟ . وليس هذا من المد ، والصاع ، والوسق ، في شيء ؛ لأن كل مد ، أو قفيز أحدث بالمدينة وبالكوفة فقد عرف ؛ كما عرف بالمدينة مد هشام الذي أحدث ؛ والمد الذي ذكره مالك في موطئه : أن الصاع هو مد وثلث بالمد الآخر ، وكمد أهل الكوفة الحجاجي ، وكصاع عمر بن الخطاب ، ولا حرج في إحداث الأمير أو غيره مدا أو صاعا لبعض حاجته ؟ وبقي مد النبي وصاعه ووسقه منقولا إليه نقل الكافة إليه . والعجب أن مالكا رأى كفارة الظهار خاصة بمد هشام المحدث على اختلاف أصحابه فيه ؛ فأشهب ، وابن وهب ، وابن القاسم ، يقول أحدهم : وهو مد ونصف ، ويقول الآخر : هو مدان غير ثلث - ويقول غيرهم : هو مدان واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة بأن قال : أذان أبي محذورة متأخر ؟ فقلنا : نعم ؛ وأحسن طرقه موافق لاختيارنا - ، ولله الحمد . فإن قالوا : إن فيه تثنية الإقامة ؟ قلنا : نعم ، ولسنا ننكر تثنيتها كان الأمر الأول ؛ وإفرادها كان الأمر الآخر بلا شك . لما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات حدثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد { أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام ، فأتى النبي فأخبره ؟ قال : علمه بلالا ؛ فقام بلال فأذن مثنى ، وأقام مثنى } . قال علي : وهذا إسناد في غاية الصحة من إسناد الكوفيين ؟ فصح أن تثنية الإقامة قد نسخت ؛ وأنه هو كان أول الأمر ؛ وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخذ عن مائة وعشرين من الصحابة ؛ وأدرك بلالا وعمر رضي الله عنهما ؛ فلاح بطلان قولهم بيقين - ، ولله تعالى الحمد ؟ . إلا أن الأفضل ما صح من أمر رسول الله بلالا بأن يوترها إلا الإقامة ؛ والصحيح الآخر أولى بالأخذ مما لا يبلغ درجته ؟ ، وقد قال بعض متأخري المالكيين : معنى " إلا الإقامة " أي إلا " الله أكبر " وهذا جري منهم على عادتهم في الكذب " وما سمى أحد قط قول " الله أكبر " إقامة ، لا في لغة ، ولا في شريعة ، فكيف وقد جاء مبينا أنه " قد قامت الصلاة " كما ذكرناه ؟ وقال الحنفيون : إن الأمر لبلال بأن يوتر الإقامة هو ممن بعد رسول الله وهذا لحاق منهم بالروافض الناسبين إلى أبي بكر ، وعمر ، تبديل دين الإسلام ؛ ولعن الله من يقول هذا ؛ فما يقوله مسلم ؟ فإن قالوا : قد رويتم من طريق حيوة عن الأسود : أن بلالا كان يثني الإقامة ؟ قلنا : نعم ؛ وأنس روى : أن بلالا أمر بوترها ، وأنس سمع أذان بلال بلا شك ، ولم يسمعه الأسود قط يؤذن ، ولا يقيم - : فصح أن معنى قول الأسود : إن بلالا كان يثني الإقامة يريد قوله " قد قامت الصلاة " حتى يتفق قوله مع رواية أنس في ذلك ؟ . قال علي : وقال بعض الحنفيين : لعل أمر رسول الله أبا محذورة أن يقول " أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله " إنما كان لأجل أنه كان خفض به صوته ، لا لأنه من حكم الأذان ؟ قال علي : وهذا كذب على رسول الله مجرد ؛ لأنه عليه السلام لو علم أن هذا الترجيع ليس من نفس الأذان لنبأه عليه ، ولما تركه ألبتة يقول ذلك خافضا صوته في ابتداء الأذان ؛ فليس هو كلمة واحدة ؛ بل أربع قضايا - : الاثنتان منها - : ست كلمات ، ست كلمات ، والاثنتان - : خمس كلمات ، خمس كلمات . فمن الكذب البحت - الذي يستحق فيه صاحبه أن يتبوأ مقعده من النار - أن يدع رسول الله أبا محذورة يأتي بكل ذلك خافض الصوت ؛ وليس خفضه من حكم الأذان ؛ فإذا تركه على الخطأ ، ولم ينهه زاد في إضلاله ، بأن يأمره بأن يعيد ذلك رافعا صوته ، ولا يعلمه أن تكرار ذلك ليس من الأذان وما ندري كيف ينطلق بهذا لسان مسلم أو ينشرح له صدره ؟ . فكيف والآثار - التي هي أحسن ما روي في ذلك - جاءت مبينة بأن نبي الله علمه الأذان كذلك نصا ؛ كلمة كلمة ، تسع عشرة كلمة فوضح كذب هؤلاء القائلين جهارا ؟ وقال بعضهم : لما رأينا ما كان في الأذان في موضعين كان في الموضع الثاني على نصف ما هو عليه في الموضع الأول - : ألا ترى أنه يقال في أول الأذان " أشهد أن لا إله إلا الله " مرتين ، ويقال في آخره " لا إله إلا الله " مرة وكان التكبير مما يتكرر في الأذان ، وكان التكبير في آخر الأذان مرتين ، والقياس أن يكون في أول الأذان أربعا . قال علي : إذا كان هذا الهوس عندكم حقا فإن التكبير مربع في أول الأذان كما تقول ؛ فالواجب أن يكون " أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله " مربعا أيضا في التكبير ، وأن لا يثنى من الأذان إلا ما اتفق على أن يثنى ، كما لا يفرد منه إلا ما اتفق على إفراده ، وهو " لا إله إلا الله " فقط ؛ فيكون أول الأذان ثلاث قضايا مربعات ، ثم يتلوها ثلاث قضايا مثنيات ؛ ثم توتر ذلك قضية سابعة مفردة ؛ فهذا هذر أفلح من هذركم ؛ فينبغي أن تلتزموه وأما المالكيون ، فإنهم إذا قاسوا المستحاضة على المصراة ، والنفخ في الصلاة على { فلا تقل لهما أف } والمرأة ذات الزوج في مالها على المريض المخوف عليه الموت ؛ وفرج المتزوجة على يد السارق ؛ وسائر تلك القياسات التي لا شيء أسقط منها ولا أغث . فهذان القياسان أدخل في المعقول عند كل ذي مسكة عقل ؛ فينبغي لهم أن يلتزموها إن كانوا من أهل القياس ؛ وإلا فليتركوا تلك المقايس السخيفة ؛ فهو أحظى لهم في الدين وأدخل في المعقول ، وبالله تعالى التوفيق . وقال بعض المالكيين : لما كانت " لا إله إلا الله " تقال في آخر الأذان مرة واحدة - : وجب أن تكون الإقامة كلها كذلك ، إلا ما اتفق عليه من التكبير فيها ؟ فقلنا لهم : لما لم يكن ما ذكرتم حجة في إفراد الأذان لم يكن حجة في إفراد الإقامة . وأيضا : فإنه لما كان التكبير في الإقامة يثنى باتفاق منا ومنكم - : وجب أن يثنى سائر الإقامة ، إلا ما اتفق عليه ، وهو التهليل في آخرها فقط أو لما كان التكبير في الإقامة يقال أربع مرات وجب أن يكون في الإقامة أيضا يقال مرتين ؛ ليكون فيها تربيع يخرج منه إلى تثنية إلى إفراد ، وكل هذا هوس ؛ إنما أوردناه ليرى أهل التصحيح فساد القياس وبطلانه ؟ . وقد صح عن ابن عمر ، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف : أنهم كانوا يقولون في أذانهم " حي على خير العمل " ولا نقول به ؛ لأنه لم يصح عن النبي ولا حجة في أحد دونه - ولقد كان يلزم من يقول في مثل هذا عن الصاحب : مثل هذا لا يقال بالرأي - : أن يأخذ بقول ابن عمر في هذا ، فهو عنه ثابت بأصح إسناد . وقال الحسن بن حي : يقال في العتمة " الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " ولا نقول بهذا أيضا ؛ لأنه لم يأت عن رسول الله .

332 - مسألة : ولا يجوز تنكيس الأذان ولا الإقامة ، ولا تقديم مؤخر منها على ما قبله ؛ فمن فعل ذلك فلم يؤذن ولا أقام ولا صلى بأذان ولا إقامة قال علي : هي أربعة أشياء تنازع الناس فيها - : الوضوء ، والأذان ، والإقامة ، والطواف بالبيت ؟ فقال أبو حنيفة : يجوز تنكيس كل ذلك ؟ وقال مالك لا يجوز تنكيس الأذان ، ولا الإقامة ، ولا الطواف - وقال في أحد قوليه وأشهرهما : يجوز تنكيس الوضوء ؟ وقال الشافعي : لا يجوز تنكيس شيء من ذلك قال علي : لا يشك أحد في أن رسول الله علم الناس الأذان ، ولو لا ذلك ما تكهنوهما ، ولا ابتدعوهما . فإذ لا شك في ذلك فإنما علمهما عليه السلام مرتبين كما هما ؛ أولا فأولا ، يأمر الذي يعلمه بأن يقول ما يلقنه ، ثم الذي بعده من القول ، إلى انقضائهما . فإذ هذا كذلك فلا يحل لأحد مخالفة أمره في تقديم ما أخر أو تأخير ما قدم - ، وبالله تعالى التوفيق .

333 - مسألة : فإن كان برد شديد أو مطر رش فصاعدا ؛ فيجب أن يزيد المؤذن في أذانه بعد " حي على الفلاح " أو بعد ذلك " ألا صلوا في الرحال " . وهذا الحكم واحد في الحضر والسفر - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : أنه أذن بضجنان بين مكة والمدينة فقال " صلوا في الرحال " . ثم قال ابن عمر { كان النبي يأمر مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة أو ذات الريح أن يقول : صلوا في الرحال } . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا ابن أيمن ثنا بكر بن حماد ثنا مسدد ثنا حماد هو ابن زيد - عن أيوب السختياني ، وعاصم الأحول ، وعبد الحميد صاحب الزيادي ، كلهم : عن عبد الله بن الحارث قال : { خطبنا ابن عباس في يوم ذي ردغ فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة أمره أن ينادي الصلاة في الرحال ؟ فنظر القوم بعضهم إلى بعض . فقال لهم : كأنكم أنكرتم هذا قد فعل هذا من هو خير مني ، وإنها لعزيمة } وهو قول أصحابنا .

334 - مسألة : والكلام جائز بين الإقامة والصلاة - طال الكلام أو قصر - ولا تعاد الإقامة لذلك - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني ثنا أبو إسحاق البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ثنا عبد الوارث ثنا عبد العزيز هو ابن صهيب - عن أنس بن مالك قال { أقيمت الصلاة والنبي يناجي رجلا في جانب المسجد ، فما قام إلى الصلاة حتى نام الناس } . وقد ذكرنا إقامة المسلمين للصلاة ، وتذكره عليه السلام أنه جنب ، ورجوعه واغتساله ، ثم مجيئه وصلاته بالناس ؟ . ولا دليل يوجب إعادة الإقامة أصلا ؛ ولا خلاف بين أحد من الأئمة : في أن من تكلم بين الإقامة والصلاة ، أو أحدث ؛ فإنه يتوضأ ولا تعاد الإقامة لذلك ويكلف من فرق بين قليل العمل وكثيره ، وقليل الكلام وكثيره - : أن يأتي على صحة قوله بدليل ، ثم على حد القليل من ذلك من الكثير ؛ ولا سبيل له إلى ذلك أصلا ، وبالله تعالى التوفيق .

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)