مجموعة الرسائل والمسائل/مذهب السلف وأئمة الأمصار في كلام الله/الجهمية المعطلة كاليهود والحلولية كالنصارى والمسلمون وسط

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الجهمية المعطلة كاليهود والحلولية كالنصارى والمسلمون وسط

وفي هذا جواب للطائفتين لمن قاس ثفة المخلوق بصفة الخالق فجعلها غير مخلوقة، فإن الجهمية المعطلة أشباه اليهود، والحلولية الممثلة أشباه النصارى دخلوا في هذا وهذا، أولئك مثلوا الخالق بالمخلوق فوصفوه بالنقائض التي تختص بالمخلوق كالفقر والبخل، وهؤلاء مثلوا المخلوق بالخالق فوصفوه بخصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله، والمسلمون يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يثبتون له ما يستحقه من صفات الكمال، وينزهونه عن الأكفاء والأمثال، فلا يعطلون الصفات ولا يمثلونها بصفات المخلوقات، فإن المعطل يعبد عدما، والممثل يعبد صنما، والله تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ".

ومما ينبغي أن يعرف أن كلام المتكلم في نفسه واحد، وإذا بلغه المبلغون تختلف أصواتهم به فإذا أنشد المنشد قول لبيد:

"ألا كل شيء ما خلا الله باطل" - كان هذا الكلام كلام لبيد لفظه ومعناه مع أن أصوات المنشدين له تختلف وتلك الأصوات ليست صوت لبيد، وكذلك من روى حديث النبي بلفظه كقوله: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " كان هذا الكلام كلام رسول الله لفظه ومعناه، ويقال لمن رواه أدى الحديث بلفظه وإن كان صوت المبلغ ليس هو صوت الرسول، فالقرآن أولى أن يكون كلام الله لفظه ومعناه، وإذا قرأه القراء فإنما يقرؤونه بأصواتهم.

منع أحمد من قول لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق

ولهذا كان الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة يقولون: من قال اللفظ بالقرآن أو لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال إنه غير مخلوق فهو مبتدع، وفي بعض الروايات عنه: من قال لفظي بالقرآن مخلوق يعني به القرآن فهو جهمي، لأن اللفظ يراد به المصدر لفظ يلفظ لفظا، ومسمى هذا فعل العبد وفعل العبد مخلوق، ويراد باللفظ القول الذي يلفظ به اللافظ وذلك كلام الله لا كلام القارئ، فمن قال إنه مخلوق - فقد قال: إن الله لم يتكلم بهذا القرآن، وإن هذا الذي يقرأه المسلمون ليس هو كلام الله، ومعلوم أن هذا مخالف لما علم الاضطرار من دين الرسول.

وأما صوت العبد فهو مخلوق، وقد صرح أحمد وغيره بأن الصوت المسموع صوت العبد ولم يقل أحمد قط: من قال إن صوتي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، وإنما قال: من قال لفظي بالقرآن، والفرق بين لفظ الكلام وصوت المبلغ له فرق واضح، فكل من بلغ كلام غيره بلفظ ذلك الرجل فإنما بلغ لفظ ذلك الغير لا لفظ نفسه، وهو إنما بلغه بصوت نفسه لا بصوت ذلك الغير، ونفس اللفظ والتلاوة والقراءة والكتابة ونحو ذلك لما كان يراد به المصدر الذي هو حركات العباد وما يحدث عنها من أصواتهم وشكل المداد، ويراد به نفس الكلام الذي يقرأه التالي ويتلوه ويلفظ به ويكتبه، منع أحمد وغيره من إطلاق النفي الإثبات الذي يقتضي جعل صفات الله مخلوقة أو جعل صفات العباد ومدادهم غير مخلوق، وقال أحمد: نقول القرآن كلام الله غير مخلوق حيث تصرف أي حيث تلي وكتب وقرئ مما هو في نفس الأمر كلام الله فهو كلامه وكلامه غير مخلوق، وما كان من صفات العباد وأفعالهم التي يقرؤون ويكتبون بها كلامه كأصواتهم ومدادهم فهو مخلوق، ولهذا لم يهتد إلى هذا الفرق يحار، فإنه معلوم أن القرآن واحد ويقرأه خلق كثير، والقرآن لا يكثر في نفسه بكثرة القراء وإنما يكثر ما يقرؤون به القرآن فما يكثر ويحدث في العباد فهو مخلوق، والقرآن نفسه لفظه ومعناه الذي تكلم الله به وسمعه جبريل من الله وسمعه محمد من جبريل وبلغه محمد إلى الناس وأنذر به الأمم لقوله تعالى: " لأنذركم به ومن بلغ " قرآن واحد، وهو كلام الله ليس بمخلوق.

القرآن - نظمه ولفظه ومعناه وحروفه - كلام الله غير مخلوق

وليس هذا من باب ما هو واحد بالنوع متعدد الأعيان، كالإنسانية الموجودة في زيد وعمر، ولا من باب ما يقول الإنسان مثل قول غيره كما قال تعالى: " كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم " فإن القرآن لا يقدر أحد أن يأتي بمثله، كما قال تعالى: " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ". فالإنس والجن إذا اجتمعوا لم يقدروا أن يأتوا بمثل هذا القرآن مع قدرة كل قارئ على أن يقرأه ويبلغه، فعلم أن ما قرأه هو القرآن ليس مثل ذلك القرآن، وأما الحروف الموجودة في القرآن إذا وجد نظيرها في كلام غيره فليس هذا هو ذاك بعينه بل هو نظيره، وإذا تكلم الله باسم من الأسماء كآدم ونوح وإبراهيم وتكلم بتلك الحروف والأسماء التي تكلم الله بها فإذا قرئت في كلامه فقد بلغ كلامه، فإذا أنشأ الإنسان لنفسه كلاما لم يكن عين ما تكلم الله به من الحروف والأسماء هو عين ما تكلم به العبد حتى يقال إن هذه الأسماء والحروف الموجودة في كلام العباد غير مخلوقة، فإن بعض من قال إن الحروف والأسماء غير مخلوقة في كلام العباد ادعى أن المخلوق إنما هو النظم والتأليف دون المفردات، وقائل هذا يلزمه أن يكون أيضا النظم والتأليف غير مخلوق إذا وجد نظيره في القرآن كقوله: " يا يحيى خذ الكتاب " وإن أراد بذلك شخصا اسمه يحيى وكتابا بحضرته.

الجملة أو الجمل قد تكون قرآنا غير مخلوق وغير قرآن

فإن قيل: يحيى هذا والكتاب الحاضر ليس هو يحيى والكتاب المذكور في القرآن وإن كان اللفظ نظير اللفظ.

قيل: كذلك سائر الأسماء والحروف إنما يوجد نظيرها في كلام العباد لا في كلام الله، وقولنا يوجد نظيرها في كلام الله تقريب أي يوجد فيما نقرأه ونتلوه، فإن الصوت المسموع من لفظ محمد ويحيى وإبراهيم هو مثل الصوت المسموع من ذلك في غير القرآن، وكلا الصوتين مخلوق، وأما الصوت الذي يتكلم الله به فلا مثل له لا يماثل صفات المخلوقين، وكلام الله هو كلامه بنظمه ومعانيه، وذلك الكلام ليس مثل كلام المخلوقين، فإذا قلنا: " الحمد لله رب العالمين " وقصد بذلك قراءة القرآن الذي تكلم الله به فذلك القرآن تكلم الله بلفظه ومعناه لا يماثل لفظ المخلوقين ومعناهم، وأما إذا قصدنا به الذكر ابتداء من غير أن يقصد قراءة كلام الله فإنما نقصد ذكرا ننشئه نحن يقوم معناه بقلوبنا، وننطق بلفظه بألسنتنا، وما أنشأناه من الذكر فليس هو من القرآن وإن كان نظيره في القرآن، ولهذا قال النبي في الحديث الصحيح " أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر " فجعل النبي هذه الكلمات أفضل الكلام بعد القرآن فجعل درجتها دون درجة القرآن، وهذا يقتضي أنها ليست من القرآن. ثم قال: " هي من القرآن " وكلا قوليه حق وصواب، ولهذا منع أحمد أن يقال الإيمان مخلوق، وقال لا إله إلا الله من القرآن، وهذا الكلام لا يجوز أن يقال إنه مخلوق وإن لم يكن من القرآن، ولا يقال في التوراة والإنجيل إنهما مخلوقان، ولا يقال في الأحاديث الإلهية التي يرويها عن ربه أنها مخلوقة كقوله: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " فكلام الله قد يكون قرآنا وقد لا يكون قرآنا والصلاة إنما تجوز وتصح بالقرآن، وكلام الله كله غير مخلوق.

فإذا فهم هذا في مثل هذا فليفهم في نظائره، وأن ما يوجد من الحروف والأسماء في كلام الله ويوجد في غير كلام الله يجوز أن يقال إنه من كلام الله باعتبار كما أنه يكون من القرآن باعتبار وغير القرآن باعتبار، لكن كلام الله القرآن وغير القرآن غير مخلوق، وكلام المخلوقين كله مخلوق، فما كان من كلام الله فهو غير مخلوق وما كان من كلام غيره فهو مخلوق.

شبهة من قال: "كلام الله مخلوق" ومن قال: "كلام الناس غير مخلوق"

وهؤلاء الذين يحتجون على نفي الخلق أو إثبات القدم بشيء من صفات العباد وأعمالهم لوجود نظير ذلك فيما يضاف إلى الله وكلامه والإيمان به، شاركهم في هذا الأصل الفاسد من احتج على خلق ما هو من كلام الله وصفاته بأن ذلك قد يوجد نظيره فيما يضاف إلى العبد، مثل ذلك أن القرآن الذي يقرأه المسلمون هو كلام الله قرؤوه بحركاتهم وأصواتهم، فقال الجهمي: أصوات العباد ومدادهم مخلوقة وهذا هو المسمى بكلام الله أو يوجد نظيره في المسمى بكلام الله فيكون كلام الله مخلوقا.

وقال الحلواني الاتحادي الذي يجعل صفة الخالق هي عين صفة المخلوق: الذي نسمعه من القراء هو كلام الله، وإنما نسمع أصوات العباد، فأصوات العباد بالقرآن كلام الله، وكلام الله غير مخلوق، فأصوات العباد بالقرآن غير مخلوقة، والحروف المسموعة منهم غير مخلوقة، ثم قالوا: الحروف الموجودة في كلامهم هي هذه أو مثل هذه فتكون غير مخلوقة. وزاد بعض غلاتهم فجعل أصوات كلامهم غير مخلوقة، كما زعم بعضهم أن الأعمال من الإيمان وهو غير مخلوق والأعمال غير مخلوقة. وزاد بعضهم أعمال الخير والشر وقال: هي القدر والشرع المشروع، وقال عمر: ما مرادنا بالأعمال الحركات بل الثواب الذي يأتي يوم القيامة كما ورد في الحديث الصحيح " إنه تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف "، فيقال له: وهذا الثواب مخلوق، وقد نص أحمد وغيره من الأئمة على أنه غير مخلوق. وبذلك أجابوا من احتج على خلق القرآن بمثل هذا الحديث فقالوا له الذي يجيء يوم القيامة هو ثواب القرآن لا نفس القرآن وثواب القرآن مخلوق، إلى أمثال هذه الأقوال التي ابتدعها طوائف والبدع تنشأ شيئا فشيئا وقد بسط الكلام في هذا الباب في مواضع آخر.

إمامة أحمد المتفق عليها عند أهل السنة بعد الفتنة

وقد بينا أن الصواب في هذا الباب هو الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان، وهو ما كان عليه الإمام أحمد بن حنبل ومن قبله من أئمة الإسلام ومن وافق هؤلاء، فإن قول الإمام أحمد وقول الأئمة قبله هو القول الذي جاء به الرسول ودل عليه الكتاب والسنة، ولكن لما امتحن الناس بمحنة الجهمية وطلب منهم تعطيل الصفات وأن يقولوا بأن القرآن مخلوق وأن الله لا يرى في الآخرة ونحو ذلك، ثبت الله الإمام أحمد في تلك المحنة فدفع حجج المعارضين النفاة وأظهر دلالة الكتاب والسنة وأن السلف كانوا على الإثبات فآتاه الله من الصبر واليقين ما صار به إماما كما قال تعالى: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " ولهذا قيل فيه رحمة الله: عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، أتته البدع فنفاها، والدنيا فأباها، فلما ظهر به من السنة ما ظهر كان له من الكلام في بيانها وإظهارها أكثر وأعظم مما لغيره فصار أهل السنة من عامة الطوائف يعظمونه وينتسبون إليه.

وقد ذكرت كلامه وكلام غيره من الأئمة ونصوص الكتاب والسنة في هذه الأبواب في غير هذا الموضع وبينا أن كل ما يدل عليه الكتاب والسنة فإنه موافق لصريح المعقول، وأن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، ولكن كثيرا من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا، فمن عرف قول الرسول ومراده به كان عارفا بالأدلة الشرعية وليس في المعقول ما يخالف المنقول، ولهذا كان أئمة السنة على ما قاله أحمد بن حنبل قال: معرفة الحديث والفقه فيه أحب إلي من حفظه، أي معرفته بالتمييز بين صحيحه وسقيمه، والفقه فيه معرفة مراد الرسول وتنزيله على المسائل الأصولية والفروعية أحب إلي من أن تحفظ من غير معرفة وفقه، وهكذا قال علي بن المديني وغيره من العلماء فإنه من احتج بلفظ ليس بثابت عن الرسول أو بلفظ ثابت عن الرسول وحمله على ما لم يدل عليه فإنما أتي من نفسه.

حجج النقل والعقل الصحيحة، وحجج الملاحدة والمبتدعة الداحضة

وكذلك العقليات الصريحة إذا كانت مقدماتها وترتيبها صحيحا لم تكن إلا حقا لا تناقض شيئا مما قاله الرسول، والقرآن قد دل على الأدلة العقلية التي بها لم تكن إلا حقا وتوحيده وصفاته وصدق رسله وبها يعرف إمكان المعاد، ففي القرآن من بيان أصول الدين التي تعلم مقدماتها بالعقل الصريح ما لا يوجد مثله في كلام أحد من الناس، بل عامة ما يأتي به حذاق النظار من الأدلة العقلية يأتي القرآن بخلاصتها وبما هو أحسن منها، قال تعالى: " ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا " وقال: " ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل " وقال: " وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ".

وأما الحجج الداحضة التي يحتج بها الملاحدة وحجج الجهمية معطلة الصفات وحجج الدهرية وأمثالها كما يوجد مثل ذلك في كلام المتأخرين الذين يصنعون في الكلام المبتدع وأقوال المتفلسفة ويدعون أنها عقليات ففيها من الجهل والتناقض والفساد، ما لا يحصيه إلا رب العباد، وقد بسط الكلام على هؤلاء في مواضع أخر.

وكان من أسباب ضلال هؤلاء تقصير الطائفتين أو قصورهم عن معرفة ما جاء به الرسول وما كان عليه السلف ومعرفة المعقول الصريح فإن هذا هو الكتاب وهذا هو الميزان وقد قال تعالى: " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز " وهذه المسألة لا تحتمل البسط على هذه الأمور إذا كان المقصود هنا التنبيه على أن هؤلاء المتنازعين أجمعوا على أصل فاسد، ثم تفرقوا فأجمعوا على أن جعلوا عين صفة الرب الخالق هي عين صفة المخلوق، ثم قال هؤلاء: وصفة المخلوق مخلوقة فصفة الرب مخلوقة، فقال هؤلاء: صفة الرب قديمة فصفة المخلوق قديمة، ثم احتاج كل منهما إلى طرد أصله فخرجوا إلى أقواله ظاهرة الفساد، خرج النفاة إلى أن الله لم يتكلم بالقرآن ولا شيء من الكتب الإلهية ولا التوراة ولا الإنجيل ولا غيرهما، وأنه لم يناد موسى بنفسه نداء يسمعه منه موسى ولا تكلم بالقرآن العربي ولا التوراة العبرية، وخرج هؤلاء إلى أن ما يقوم بالعباد ويتصفون به يكون قديما أزليا، وأن ما يقوم بهم ويتصفون به لا يكون قائما بهم بل يكون ظاهرا فيهم من غير قيام بهم.

قول بعض الحنابلة: "الحروف قسمان: قديم وخلوق" ورده الأكثرون

ولما تكلموا في حروف المعجم صاروا بين قولين: طائفة فرقت بين المتماثلين فقالت الحرف حرفان هذا قديم وهذا مخلوق، كما قال ابن حامد والقاضي أبو يعلى وابن عقيل وغيرهم، فأنكر ذلك عليهم الأكثرون وقالوا هذا مخالفة للحس والعقل فإن حقيقة هذا الحرف هي حقيقة هذا الحرف، وقالوا الحرف حرف واحد. وصنف في ذلك القاضي يعقوب البرزيني مصنفا خالف به شيخه القاضي أبا يعلى مع قوله في مصنفه، وينبغي أن يعلم أن ما سطرته في هذه المسألة أن ذلك مما استفدته وتفرع عندي من شيخنا وإمامنا القاضي أبي يعلى ابن الفراء، وإن كان قد نصر خلاف ما ذكرته في هذا الباب، فهو العالم المقتدى به في علمه ودينه، فإني ما رأيت أحسن سمتا منه، ولا أكثر اجتهادا منه، ولا تشاغلا بالعلم، مع كثرة العلم والصيانة، والانقطاع عن الناس والزهادة فيما بأيديهم، والقناعة في الدنيا باليسير، مع حسن التجمل، وعظم حشمته عند الخاص والعام، ولم يعدل بهذه الأخلاق شيئا من نفر من الدنيا.

اختلاف أفهامهم في كلام أحمد في المسألة

وذكر القاضي يعقوب في مصنفه أن ما قاله قول أبي بكر أحمد بن المسيب الطبري وحكاه عن جماعة من أفضل أهل طبرستان، وأنه سمع الفقيه عبد الوهاب بن حلبة قاضي حران يقول هو مذهب العلوي الحراني وجماعة من أهل حران.

وذكره أبو عبد الله بن حامد عن جماعة من أهل طبرستان ممن ينتمي إلى مذهبنا كأبي محمد الكشفل وإسماعيل الكاوذري في خلق من أتباعهم يقولون إنها قديمة. قال القاضي أبو يعلى: وكذلك حكي لي عن طائفة بالشام أنها تذهب إلى ذلك منهم النابلسي وغيره، وذكر القاضي حسين أن أباه رجع في آخر عمره إلى هذا. وذكروه عن الشريف أبي علي بن أبي موسى وتبعهم في ذلك الشيخ أبو الفرج المقدسي وابنه عبد الوهاب وسائر أتباعه وأبو الحسن بن الزاغوني وأمثاله. وذكر القاضي يعقوب أن كلام أحمد يحتمل القولين وهؤلاء تعلقوا بقول أحمد لما قيل له أن سريا السقطي قال لما خلق الله الأحرف سجدت له إلا الألف فقالت: لا أسجد حتى أؤمر. فقال أحمد هذا كفر. وهؤلاء تعلقوا من قول أحمد بقوله: كل شيء من المخلوقين على لسان المخلوقين فهو مخلوق، وبقوله: لو كان كذلك لما تمت صلاته بالقرآن كما لا تتم بغيره من كلام الناس، ويقول أحمد لأحمد بن الحسن الترمذي: ألست مخلوقا؟ قال: بلى، قال: أليس كل شيء منك مخلوقا؟ قال: بلى، قال: فكلامك منك وهو مخلوق.

قلت: الذي قاله أحمد في هذا الباب صواب يصدق بعضه بعضا، وليس في كلامه تناقض، وهو أنكر على من قال إن الله خلق الحروف، فإن من قال إن الحروف مخلوقة كان مضمون قوله إن الله لم يتكلم بقرآن عربي، وأن القرآن العربي مخلوق، ونص أحمد أيضا على أن كلام الآدميين مخلوق، ولم يجعل شيئا منه غير مخلوق، وكل هذا صحيح، والسري رحمه الله إنما ذكر ذلك عن بكر بن خنيس العابد، فكان مقصودهما بذلك أن الذي لا يعبد الله إلا بأمره، هو أكمل ممن يعبده برأيه من غير أمر من الله، واستشهدا على ذلك بما بلغهما أنه لما خلق الله الحروف سجدت له إلا الألف فقالت: لا أسجد حتى أؤمر، وهذا الأثر لا يقوم بمثله حجة في شيء، ولكن مقصودهما ضرب المثل أن الألف منتصبة في الخط ليس هي مضجعة كالباء والتاء، فمن لم يفعل حتى يؤمر أكمل ممن فعل بغير أمر.

نصوص أحمد في الكلام وأشهر من نقلها من أصحابه وأصحابهم

وأحمد أنكر قول القائل: إن الله لما خلق الحروف..، وروي عنه أنه قال: من قال إن حرفا من حروف المعجم مخلوق فهو جهمي، لأنه سلك طريقا إلى البدعة، ومن قال إن ذلك مخلوق فقد قال إن القرآن مخلوق. وأحمد قد صرح هو وغيره من الأئمة أن الله لم يزل متكلما إذا شاء، وصرح أن الله يتكلم بمشيئته، ولكن أتباع ابن كلاب كالقاضي وغيره تأولوا كلامه على أنه أراد بذلك إذا شاء الأسماع لأنه عندهم لم يتكلم بمشيئته وقدرته.

وصرح أحمد وغيره من السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولم يقل أحد من السلف أن الله تكلم بغير مشيئته وقدرته، ولا قال أحد منهم أن نفس الكلام المعين كالقرآن أو ندائه لموسى أو غير ذلك من كلامه المعين أنه قديم أزلي لم يزل ولا يزال، وأن الله قامت به حروف معينة أو حروف وأصوات معينة قديمة أزلية لم تزل ولا تزال، فإن هذا لم يقله ولا دل عليه قول أحمد ولا غيره من أئمة المسلمين، بل كلام أحمد وغيره من الأئمة صريح في نقيض هذا، وأن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وأنه لم يزل يتكلم إذا شاء، مع قولهم أن كلام الله غير مخلوق، وأنه منه بدا ليس بمخلوق ابتدأ من غيره، ونصوصهم بذلك كثيرة معروفة في الكتب الثابتة عنهم، مثل ما صنف أبو بكر الخلال في كتاب السنة وغيره، وما صنفه عبد الرحمن بن أبي حاتم من كلام أحمد وغيره، وما صنفه أصحابه وأصحاب أصحابه كابنيه صالح وعبد الله، وحنبل وأبي داود السجستاني صاحب السنن، والأثرم والمروذي وأبي زرعة وأبي حاتم والبخاري صاحب الصحيح وعثمان بن سعيد الدارمي، وإبراهيم الحربي، وعبد الوهاب الوراق وعباس بن عبد العظيم العنبري، وحرب بن إسماعيل الكرماني، ومن لا يحصى عدده من أكابر أهل العلم والدين، وأصحاب أصحابه ممن جمع كلامه واختاره كعبد الرحمن بن أبي حاتم وأبي بكر الخلال، وأبي الحسن البناني الأصهباني وأمثال هؤلاء، ومن كان أيضا يأتم به وبأمثاله من الأئمة في الأصول والفروع كأبي عيسى الترمذي صاحب الجامع وأبي عبد الرحمن النسائي وأمثالهما، ومثل أبي محمد بن قتيبة وأمثاله، وبسط هذا له موضع آخر، وقد ذكرنا في المسائل الطبرستانية والكيلانية بسط مذاهب الناس وكيف تشعبت وتفرعت في هذا الأصل.

من يعظمون السلف والأئمة ويجهلون كلامهم فيخالفونه

والمقصود هنا أن كثيرا من الناس المتأخرين لم يعرفوا حقيقة كلام السلف والأئمة، فمنهم من يعظمهم ويقول إنه متبع لهم مع أنه مخالف لهم من حيث لا يشعر، ومنهم من يظن أنهم كانوا لا يعرفون أصول الدين ولا تقريرها بالدلائل البرهانية وذلك لجهله بعلمهم بل لجهله بما جاء به الرسول من الحق الذي تدل عليه الدلائل العقلية مع السمعية، فلهذا يوجد كثير من المتأخرين يشتركون في أصل فاسد، ثم يفرع كل قوم عليه فروعا فاسدة يلتزمونها كما صرحوا في تكلم الله تعالى بالقرآن العربي وبالتوراة العبرية وما فيهما من حروف الهجاء مؤلفا أو مفردا لما رأوا أن ذلك بلغ بصفات المخلوقين اشتبه بصفات المخلوقين، فلم يهتدوا لموضع الجمع والفرق، فقال هؤلاء: هذا الذي يقرأ ويسمع مثل كلام المخلوقين فهو مخلوق وقال هؤلاء: هذا الذي من كلام الآدميين هو مثل كلام الله فيكون غير مخلوق، كما ذكر ابن عقيل في كتاب الإرشاد عن بعض القائلين بأن القرآن مخلوق فهو شبهة اعترض بها على بعض أئمتهم فقال: أقل ما في القرآن من إمارات الحدث كونه مشبها لكلامنا، والقديم لا يشبه المحدث، ومعلوم أنه لا يمكن دفع ذلك، لأن قول القائل لغلامه يحيى: يا يحيى خذ الكتاب بقوة، يضاهي قوله سبحانه، حتى لا يميز السامع بينهما من حيث حسه، إلا أن يخبره أحدهما بقصده والآخر بقصده، فيميز بينهما بخبر القائل لا بحسه، وإذا اشتبها إلى هذا الحد فكيف يجوز دعوى قدم ما يشابه المحدث ويسد مسده، مع أنه إن جاز دعوى قدم الكلام مع كونه مشاهدا للمحدث جاز دعوى التشبيه بظواهر الآي والأخبار، ولا مانع من ذلك، فلما فزعنا نحن وأنتم إلى نفي التشبيه خوفا من جواب دخول القرآن بالحدث علينا، كذلك يجب أن تفزعوا من القول بالقدم مع وجود الشبه، حتى إن بعض أصحابكم يقول لقوة ما رأى من الشبه بينهما أن الكلام واحد والحروف غير مخلوقة، فكيف يجوز أن يقال في الشيء الواحد إنه قديم محدث.

الشبهات على قدم الحروف بكلام الله وصفاته وأسمائه

قلت: وهذا الذي حكى عنه ابن عقيل من بعض الأصحاب المذكورين منهم القاضي يعقوب البرزيني ذكره في مصنفه فقال: دليل عاشر، وهو أن هذه الحروف بعينها وصفتها ومعناها وفائدتها هي التي في كتاب الله تعالى وفي أسمائه وصفاته والكتاب بحروفه قديم، وكذلك ها هنا، قال: فإن قيل لا نسلم أن تلك لها حرمة وهذه لا حرمة لها، قيل: لا نسلم، بل لها حرمة.

فإن قيل: لو كان لها حرمة لوجب أن تمنع الحائض والنفساء من مسها وقراءتها، قيل: قد لا تمنع من قراءتها ومسها ويكون لها حرمة كبعض آية لا تمنع من قراءتها ولها حرمة وهي قديمة، وإنما لم تمنع قراءتها ومسها للحاجة إلى تعليمها كما يقال في الصبي يجوز له مس المصحف على غير طهارة للحاجة إلى تعليمه.

فإن قيل: فيجب إذا حلف بها حالف أن ينعقد يمينه وإذا خالف يمينه أن يحنث، قيل له: كما في حروف القرآن مثله نقول هنا.

فإن قيل: أليس إذا وافقها في هذه المعاني دل على أنها هي، ألا ترى أنه إذا تكلم متكلم بكلمة يقصد بها خطاب آدمي فوافق صفتها صفة ما في كتاب الله تعالى مثل قوله: يا داود، يا نوح، يا يحيى، وغير ذلك فإنه موافق لهذه الأسماء التي في كتاب الله وإن كانت في كتاب الله قديمة وفي خطاب الآدمي محدثة؟ قيل: كل ما كان موافقا لكتاب الله من الكلام في لفظه ونظمه وحروفه فهو من كتاب الله وإن قصد به خطاب آدمي.

فإن قيل: فيجب إذا أراد بهذه الأسماء آدميا وهو في الصلاة أن لا تبطل صلاته، قيل له: كذلك نقول قد ورد ذلك عن علي وغيره إذ ناداه رجل من الخوارج " لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " قال فأجابه علي وهو في الصلاة " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخلفنك الذين لا يوقنون " وعن ابن مسعود أنه استأذن عليه بعض أصحابه فقال: " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ".

قال: فإن قيل: أليس إذا قال: " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " ونوى به خطاب غلام اسمه يحيى يكون الخطاب مخلوقا؟ وإن نوى به القرآن يكون قديما، قيل له: في كلا الحالين يكون قديما لأن القديم عبارة عما كان موجودا فيما لم يزل، والمحدث عبارة عما حدث بعد أن لم يكن، والنية لا تجعل المحدث قديما ولا القديم محدثا، قال: ومن قال هذا فقد بالغ في الجهل والخطأ.

وقال أيضا: كل شيء يشبه بشيء ما فإنما يشبهه في بعض الأشياء دون بعض ولا يشبهه من جميع أحواله لأنه إذا كان مثله في جميع أحواله كان هو لا غيره، وقد بينا أن هذه الحروف تشبه حروف القرآن فهي غيرها. ا. هـ.

قلت: هذا كلام القاضي يعقوب وأمثاله مع أنه أجل من تكلم في هذه المسألة ولما كان جوابه مشتملا على ما يخالف النص والإجماع والعقل خالفه ابن عقيل وغيره من أئمة المذهب الذين هم أعلم به.

أجوبة ابن عقيل عن شبهات القاضي يعقوب وكلاهما من الحنابلة

وأجاب ابن عقيل عن سؤال الذين قالوا هذا مثل هذا بأن قال: الاشتراك في الحقيقة لا يدل على الاشتراك في الحدوث، كما أن كونه عالما هو تبينه للشيء على أصلكم، ومعرفته به على قولنا على الوجه الذي يبينه الواحد منا، وليس مماثلا لنا في كوننا عالمين، وكذلك كونه قادرا هو صحة الفعل منه سبحانه وتعالى، وليس قدرته على الوجه الذي قدرنا عليها، فليس الاشتراك في الحقيقة حاصلا، والافتراق في القدم والحدوث حاصل.

قال: وجواب آخر، لا نقول إن الله يتكلم بكلامه على الوجه الذي يتكلم به زيد، بمعنى أنه يقول يا يحيى فإذا فرغ من ذلك انتقل إلى قوله خذ الكتاب بقوة وترتب في الوجود كذلك، بل هو سبحانه وتعالى يتكلم به على وجه تعجز عن مثله أدواتنا، فما ذكرته من الاشتباه من قول القائل: يا يحيى خذ الكتاب، يعود إلى اشتباه التلاوة بالكلام المحدث، فأما أنه شابه الكلام القائم بذاته فلا.

قال ابن عقيل: قالوا فهذا لا يجيء على مذهبكم، فإن عندكم التلاوة هي المتلو والقراءة هي المقروء، قيل: ليس معنى قولنا هي المتلو أنها هذه الأصوات المقطعة وإنما نريد به ما يظهر من الحروف القديمة في الأصوات المحدثة، وظهورها في المحدث لا بد أن يكسبها صفة التقطيع لاختلاف الأنفاس وإدارة اللهوات، لأن الآلة التي تظهر عليها لا تحمل الكلام إلا على وجه التقطيع، وكلام الباري قائم بذاته على خلاف هذا التقطيع والابتداء والانتهاء والتكرار والبعدية والقبلية، ومن قال ذلك لم يعرف حد القديم وادعى قدم الأعراض وتقطع القديم، وتقطع القديم عرض لا يقوم بقديم، ومن اعتقد أن كلام الله القائم بذاته على حد تلاوة التالي من القطع والوصل والتقريب والتبعيد والبعدية والقبلية فقد شبه الله بخلقه، ولهذا روي في الخير أن موسى سأله بنو إسرائيل: كيف سمعت كلام ربك؟ قال: كالرعد الذي لا يراجع، يعني ينقطع لعدم قطع الأنفاس وعدم الأنفاس والآلات والشفاه واللهوات ومن قال غير ذلك وتوهم أن الله تكلم على لسان التالي أو الكلام الذي قام بذاته على هذه الصفة من التقطيع والتقريب والتبعيد فقد حكم به محدثا لأن الدلالة على حدوث العالم هو الاجتماع والافتراق، ولأن هذه من صفات الأدوات. ا. هـ.

فصل شيخ الإسلام في الخلاف

قلت: فهذا الذي قاله ابن عقيل أقل خطأ مما قاله البرزيني، فإن ذلك مخالف للنص والإجماع والعقل مخالفة ظاهرة، فإنه قد ثبت بالنص والإجماع أن من تكلم في الصلاة بكلام الآدميين عامدا لغير مصلحتها عالما بالتحريم بطلت صلاته بالإجماع خلاف ما ذكره القاضي يعقوب، ومتى قصد به بالتلاوة لم تبطل بالإجماع وإن قصد به التلاوة والخطاب ففيه نزاع، وظاهر مذهب أحمد لا تبطل كمذهب الشافعي وغيره، وقيل تبطل كقول أبي حنيفة وغيره. وما ذكروه عن الصحابة حجة عليهم، فإن قال علي بن أبي طالب " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " هو كلام الله ولم يقصد علي أن يقول للخارجي ولا يستخفنك الخوارج وإنما قصد أن يسمعه الآية وأنه عامل بها صابر لا يستخفه الذين لا يوقنون، وابن مسعود قال لهم وهو بالكوفة " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " ومعلوم أن مصر بلا تنوين هي مصر المدينة وهذه لم تكن بالكوفة، وابن مسعود إنما كان بالكوفة فعلم أنه قصد تلاوة الآية وقصد مع ذلك تنبيه الحاضرين على الدخول فإنهم سمعوا قوله: ادخلوا، فعلموا أنه أذن لهم في الدخول، وإن كان هو تلا الآية فهذا هذا.

تخطئته لابن عقيل فيما وافق فيه ابن كلاب كالأشعري

وأما جواب ابن عقيل فبناه على أصل ابن كلاب الذي يعتقده هو وشيخه وغيرهما وهو الأصل الذي وافقوه فيه ابن كلاب ومن اتبعه كالأشعري وغيره وهو أن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته وأنه ليس فيما يقوم به شيء يكون بمشيئته وقدرته لامتناع قيام الأمور الاختيارية عندهم لأنها حادثة والله لا يقوم به حادث عندهم، ولهذا تأولوا النصوص المناقضة لهذا الأصل، كقوله تعالى: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " فإن هذا يقتضي أنه سيرى الأعمال في المستقبل وكذلك قوله: " ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون " وقوله " اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله " وكذلك قوله: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " فإن هذا يقتضي أنه يحبهم بعد اتباع الرسول، وكذلك قوله تعالى: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " فإن هذا يقتضي أنه قال لهم بعد خلق آدم وكذلك قوله تعالى: " فلما أتاها نودي " يقتضي أنه نودي لما أتاها، لم يناد قبل ذلك، وكذلك قوله: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " ومثل هذا في القرآن كثير.

وهذا الأصل هو مما أنكره الإمام أحمد على ابن كلاب وأصحابه حتى على الحارث المحاسبي مع جلالة قدر الحارث، وأمر أحمد بهجره وهجر الكلابية، وقال: احذروا من حارث، الآفة كلها من حارث، فمات الحارث وما صلى عليه إلا نفر قليل بسبب تحذير الإمام أحمد عنه، مع أن فيه من العلم والدين ما هو أفضل من عامة من وافق ابن كلاب على هذا الأصل، وقد قيل أن الحارث رجع عن ذلك وأقر بأن الله يتكلم بصوت كما حكى عنه ذلك صاحب: التعرف لمذهب التصوف، أبو بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي.

وكثير من المتأخرين من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وافقوا ابن كلاب على هذا الأصل، كما قد بسط الكلام على ذلك في مواضع أخر.

واختلف كلام ابن عقيل في هذا الأصل، فتارة يقول بقول ابن كلاب وتارة يقول بمذهب السلف وأهل الحديث أن الله تقوم به الأمور الاختيارية، ويقول إنه قام به بأبصار متجددة حين تجدد المرئيات لم تكن قبل ذلك، وقام به علم بأن كل شيء وجد غير العلم الذي كان أولا أنه سيوجد، كما دل على ذلك عدة آيات في القرآن كقوله تعالى " لنعلم من يتبع الرسول " وغير ذلك، وكلامه في هذا الأصل وغيره يختلف، تارة هذا وتارة يقول هذا، فإن هذه المواضع مواضع مشكلة كثر فيها غلط الناس لما فيها من الاشتباه والالتباس.

الجواب الحق التفصيلي في كلام الخالق وكلام المخلوق

والجواب الحق أن كلام الله لا يماثل كلام المخلوقين، كما لا يماثل في شيء من صفاته صفات المخلوقين، وقول القائل أن الاشتراك في الحقيقة لا يدل على الاشتراك في الحدوث لفظ مجمل، فإنا إذا قلنا: لله علم ولنا علم، أو له قدرة ولنا قدرة، أو له كلام ولنا كلام، أو تكلم بصوت ونحن نتكلم بصوت، وقلنا صفة الخالق وصفة المخلوق اشتركتا في الحقيقة - فإن أريد بذلك أن حقيقتهما واحدة بالعين فهذا مخالف للحس والعقل والشرع، وإن أريد بذلك أن هذه مماثلة لهذه في الحقيقة وإنما اختلفتا في الصفات العرضية، كما قال ذلك طائفة من أهل الكلام - وقد بين فساد ذلك في الكلام على الأربعين للرازي وغير ذلك - فهذا أيضا من أبطل الباطل، وذلك يستلزم أن تكون حقيقة ذات الباري عز وجل مماثلة الحقيقة ذوات المخلوقين.

كلام الخالق وكلام المخلوق مشتركان في التسمية لا في الحقيقة

وإن أريد بذلك أنهما اشتركا في مسمى العلم والقدرة والكلام فهذا صحيح، كما أنه إذا قيل إنه موجود أو أن له ذاتا فقد اشتركا في مسمى الوجود والذات، لكن هذا المشترك أمر كلي لا يوجد إلا في الأذهان لا في الأعيان فليس في الخارج شيء اشترك فيه مخلوقان كاشتراك الجزئيات في كلياتها بخلاف اشتراك الأجزاء في الكل فإنه يجب الفرق بين قسمة الكلي إلى جزئياته كقسمة الحيوان إلى ناطق وغير ناطق، وقسمة الإنسان إلى مسلم وكافر، وقسمة الاسم إلى معرب ومبني، وقسمة الكل إلى أجزائه كقسمة العقار بين الشركاء وقسمة الكلام إلى اسم وفعل وحرف، ففي الأول إنما اشتركت الأقسام في أمر كلي فضلا عن أن يكون الخالق والمخلوقون مشتركين في شيء موجود في الخارج وليس في الخارج صفة لله يماثل بها صفة المخلوق، بل كل ما يوصف به الرب تعالى فهو مخالف بالحد والحقيقة لما يوصف به المخلوق أعظم مما يخالف المخلوق المخلوق، وإذا كان المخلوق مخالفا بذاته وصفاته لبعض المخلوقات في الحد والحقيقة فمخالفة الخالق لكل مخلوق في الحقيقة أعظم من مخالفة أي مخلوق فرض لأي مخلوق فرض، ولكن علمه ثبت له حقيقة العلم ولقدرته حقيقة القدرة ولكلامه حقيقة الكلام كما ثبت لذاته حقيقة الذاتية ولوجوده حقيقة الوجود، وهو أحق بأن تثبت له صفات الكمال على الحقيقة من كل ما سواه، فهذا هو المراد بقولنا: علمه علم المخلوق في الحقيقة، فليس ما يسمع من العباد من أصواتهم مشابها ولا مماثلا لما سمعه موسى من صوته إلا كما يشبه ويماثل غير ذلك من صفاته لصفات المخلوقين، فهذا في نفس تكلمه سبحانه وتعالى بالقرآن، والقرآن عند الإمام أحمد وسائر أئمة السنة كلامه تكلم به وتكلم بالقرآن العربي بصوت نفسه وكلم موسى بصوت نفسه الذي لا يماثل شيئا من أصوات العباد.

ما يقوم من الكلام بنفس المتكلم وما يقوم بنفس المبلغ له

ثم إذا قرأنا القرآن فإنما نقرأه بأصواتنا المخلوقة التي لا تماثل صوت الرب، فالقرآن الذي نقرأه هو كلام الله مبلغا عنه لا مسموعا منه، وإنما نقرأه بحركاتنا وأصواتنا، الكلام كلام البارئ، والصوت صوت القارئ، كما دل على ذلك الكتاب والسنة مع العقل، قال الله تعالى: " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ". وقال النبي : " زينوا القرآن بأصواتكم ". وقال الإمام أحمد في قول النبي : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " قال: يزينه ويحسنه بصوته كما قال: " زينوا القرآن بأصواتكم " فنص أحمد على ما جاء به الكتاب والسنة أنا نقرأ القرآن بأصواتنا والقرآن كلام الله كله لفظه ومعناه، سمعه جبريل من الله وبلغه إلى محمد وسمعه محمد منه، وبلغه محمد إلى الخلق، والخلق يبلغه بعضهم إلى بعض ويسمعه بعضهم من بعض، ومعلوم أنهم إذا سمعوا كلام النبي وغيره فبلغوه عنه كما قال: " نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه كما سمعه " فهم سمعوا اللفظ من الرسول بصوت نفسه بالحروف التي تكلم بها وبلغوا لفظه بأصوات أنفسهم، وقد علم الفرق بين من يروي الحديث بالمعنى لا باللفظ واللفظ المبلغ لفظ الرسول وهو كلام الرسول، فإن كان صوت المبلغ ليس صوت الرسول وليس ما قام بالرسول من الصفات والأعراض فارقته وما قامت بغيره، بل ولا تقوم الصفة والعرض بغير محله، وإذا كان هذا معقولا في صفات المخلوقين فصفات الخالق أولى بكل صفة كمال وأبعد عن كل صفة نقص، والتباين الذي بين صفة الخالق والمخلوق أعظم من التباين الذي بين صفة مخلوق ومخلوق، وامتناع الاتحاد والحلول بالذات للخالق وصفاته في المخلوق عظم من الاتحاد والحلول بالذات للمخلوق وصفاته في المخلوق، وهذه جمل قد بسطت في مواضع أخر.

شبهة الجهمية والمعتزلة في {يا يحيى خذ الكتاب}

هذا مع أن احتجاج الجهمية والمعتزلة بأن كلام المخلوق بقوله " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " مثل كلام الخالق غلط باتفاق الناس حتى عندهم، فإن الذين يقولون هو مخلوق يقولون إنه خلقه في بعض الأجسام أما الهواء أو غيره، كما يقولون إنه خلق الكلام في نفس الشجرة فسمعه موسى، ومعلوم أن تلك الحروف والأصوات التي خلقها الله ليست مماثلة لما يسمع من العبد وتلك هي كلام الله المسموع منه عندهم، كما أن أهل السنة يقولون الذي تكلم هو الله بمشيئته وليس ذلك مماثلا لصوت العبد، وأما القائلون بعدم الكلام المعين سواء كان معنى أو حروفا أو أصواتا فيقولون خلق لموسى إدراكا أدرك به ذلك القديم، وبكل حال فكلام المتكلم إذا سمع من المبلغ عنه فكيف يكون ذلك في كلام الله تعالى.

فيجب على الإنسان في مسألة الكلام أن يتحرى أصلين: أحدهما: تكلم الله بالقرآن وغيره، هل تكلم به بمشيئته وقدرته أم لا؟ وهل تكلم بكلام قائم بذاته أم خلقه في غيره؟

والثاني: بتبليغ ذلك الكلام عن الله وأنه ليس مما يتصف به الثاني وإن كان المقصود بالتبليغ الكلام المبلغ. وبسط هذا له موضع آخر.

سبب ترك الصحابة لنقط المصحف ونقط التابعين له وشكله وكيف كان

وأيضا فهذان المتنازعان إذا قال أحدهما: إنها قديمة وليس لها مبتدأ وشكلها ونقطها محدث، وقال الآخر: إنها ليست بكلام الله وإنها مخلوقة بشكلها ونقطها، قد يفهم من هذا أنهما أرادا بالحروف الحروف المكتوبة دون المنطوقة، والحروف المكتوبة قد تنازع الناس في شكلها ونقطها، فإن الصحابة لما كتبوا المصاحف كتبوها غير مشكولة ولا منقوطة لأنهم إنما كانوا يعتمدون في القرآن على حفظه في صدورهم لا على المصاحف، وهو منقول بالتواتر محفوظ في الصدور، ولو عدمت المصاحف لم يكن للمسلمين بها حاجة، فإن المسلمين ليسوا كأهل الكتاب الذين يعتمدون على الكتب التي تقبل التغير، والله أنزل القرآن على محمد فتلقاه تلقيا وحفظه في قلبه، لم ينزله مكتوبا كالتوراة، وأنزله منجما مفرقا ليحفظ فلا يحتاج إلى كتاب، كما قال تعالى: " وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة " الآية، وقال تعالى: " وقرآنا فرقناه " الآية، وقال تعالى: " ولا تعجل بالقرآن " الآية. وقال تعالى: " إن علينا جمعه وقرآنه " الآية

وفي الصحيح عن ابن عباس قال: كان النبي يعالج من التنزيل شدة وكان يحرك شفتيه، فقال ابن عباس: أنا أحركهما لك كما كان النبي يحركهما؛ فحرك شفتيه فأنزل الله تعالى: " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه " قال جمعه في صدرك ثم تقرأه " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " قال: فاستمع له وأنصت " ثم إن علينا بيانه " أي نبينه بلسانك، فكان النبي إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي كما أقرأه، فلهذا لم تكن الصحابة ينقطون المصاحف ويشكلونها، وأيضا كانوا عربا لا يلحنون فلم يحتاجوا إلى تقييدها بالنقط، وكان في اللفظ الواحد قراءتان يقرأ بالياء والتاء مثل: يعملون، وتعملون، فلم يقيدوه بأحدهما ليمنعوه من الآخرة، ثم إنه في زمن التابعين لما حدث اللحن صار بعض التابعين يشكل المصاحف وينقطها، وكانوا يعلمون ذلك بالحمرة، ويعملون الفتح بنقطة حمراء فوق الحرف، والكسرة بنقطة حمراء تحته، والضمة بنقطة حمراء أمامه، ثم مدوا النقطة وصاروا يعملون الشدة بقولك شد، ويعملون المدة بقولك مد، وجعلوا علامة الهمزة تشبه العين لأن الهمزة أخت العين، ثم خففوا ذلك حتى صارت علامة الشدة مثل رأس السين، وعلامة المدة مختصرة كما يختصر أهل الديوان ألفاظ العدد وغير ذلك، وكما يختصر المحدثون أخبرنا وحدثنا فيكتبون أول اللفظ وآخره على شكل أنا وعلى شكل ثنا.

وتنازع العلماء هل يكره تشكيل المصاحف وتنقيطها؟ على قولين معروفين وهما روايتان عن الإمام أحمد، لكن لا نزاع بينهم أن المصحف إذا شكل ونقط وجب احترام الشكل والنقط كما يجب احترام الحرف ولا تنازع بينهم أن مداد النقطة والشكل مخلوق كما أن مداد الحرف مخلوق، ولا نزاع بينهم أن الشكل يدل على الإعراب والنقط يدل على الحروف وأن الإعراب من تمام الكلام العربي.

ويروى عن أبي بكر وعمر أنهما قالا: حفظ إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، ولا ريب أن النقطة والشكلة بمجردهما لا حكم لهما ولا حرمة ولا ينبغي أن يجرد الكلام فيهما، ولا ريب أن إعراب القرآن العربي من تمامه ويجب الاعتناء بإعرابه، والشكل يبين إعرابه كما تبين الحروف المكتوبة للحرف المنطوق، كذلك يبين الشكل المكتوب للإعراب المنطوق.

ما ينبغي لمن تبين له الحق في المسألة ولمن خفي عليه

فهذه المسائل إذا تصورها الناس على وجهها تصورا تاما ظهر لهم الصواب، وقلت الأهواء والعصبيات، وعرفوا موارد النزاع، فمن تبين له الحق في شيء من ذلك اتبعه ومن خفي عليه توقف حتى يبينه الله له، وينبغي له أن يستعين على ذلك بالدعاء لله، ومن أحسن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة أن النبي كان إذا قام من الليل يصلي يقول: " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ".

وأقول: القائل الآخر كلامه: "كتب بها" يقتضي أنه أراد بالحروف ما يتناول المنطوق والمكتوب كما قال النبي : " من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ". قال الترمذي: حديث صحيح. فهنا لم يرد النبي بالحرف نفس المداد وشكل المداد وإنما أراد الحرف المنطوق، وفي مراده بالحرف قولان: قيل هذا اللفظ المفرد، وقيل أراد بالحرف الاسم كما قال ألف حرف ولام حرف وميم حرف.

معنى الحرف في اللغة وفي اصطلاح النحاة

ولفظ الحرف والكلمة له في لغة العرب التي كان النبي يتكلم بها معنى، وله في اصطلاح النحاة معنى، فالكلمة في لغتهم هي الجملة التامة، الجملة الاسمية أو الفعلية، كما قال النبي في الحديث المتفق على صحته: " كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ".

وقال : " إن أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ". وقال " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب له بها رضوان الله إلى يوم القيامة، وأن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب له بها سخطه إلى يوم القيامة " وقال لأم المؤمنين: " لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضاء نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته ".

ومنه قوله تعالى: " كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ". وقوله: " وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ".

وقوله تعالى: " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله " وقوله: " وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون " وقوله: " وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا ".

وقول النبي : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " ونظائره كثيرة، ولا يوجد قط في الكتاب والسنة وكلام العرب لفظ كلمة إلا والمراد به الجملة التامة، فكثير من النحاة أو أكثرهم لا يعرفون ذلك بل يظنون أن اصطلاحهم في مسمى الكلمة ينقسم إلى اسم وفعل وحرف هو لغة العرب، والفاضل منهم يقول:

  • وكلمة بها كلام قد يؤم *

ويقولون: العرب قد تستعمل الكلمة في الجملة التامة وتستعملها في المفرد، وهذا غلط لا يوجد قط في كلام العرب لفظ الكلمة إلا للجملة التامة.

مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية
الهجر الجميل والصفح الجميل والصبر الجميل | الشفاعة الشرعية والتوسل | أهل الصفة وأباطيل بعض المتصوفة فيهم | إبطال وحدة الوجود | مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية | لباس الفتوة والخرقة عند المتصوفة | كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الشيخ نصر المنبجي | مسألة صفات الله تعالى وعلوه على خلقه | فتاوى لابن تيمية | الصحابة لا يجتمعون على ضلالة | قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة مثل قصر الصلاة والفطر | مختارات من المسائل الكيلانية | مذهب السلف وأئمة الأمصار في كلام الله | مسألة الأحرف التي أنزلها الله على آدم | الجهمية المعطلة كاليهود والحلولية كالنصارى والمسلمون وسط | اصطلاحات المتكلمين والفقهاء المخالفة للغة ومنها القديم والمحدث | اختلاف أدلة المتكلمين على إثبات الصانع وما ترتب عليه من البدع | فيما قاله في مسألة اللفظ | كفير من أنكر تكليم الله لموسى مع العلم بالنص فيه | حقيقة مذهب الاتحاديين | حقيقة مذهب الاتحاديين/حقيقة مذهب الاتحاديين أو وحدة الوجود وبيان بطلانه بالبراهين النقلية والعقلية | معاني العموم والخصوص والإطلاق والتقييد | رد قول بعض طواغيتهم إن العالم حدقة عين الله | كلام ابن عربي في خاتم النبوة وخاتم الولاية | بيان كفر الاتحادية وفساد قولهم | زعمهم أن الدعوة إلى عبادة الله مكر بالعباد | قاعدة في المعجزات والكرامات وأنواع خوارق العادات | تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال | رسالة العبادات الشرعية | مسألة في الغيبة | أقوم ما قيل في المشيئة والحكمة والقضاء والقدر والتعليل وبطلان الجبر والتعطيل | شرح حديث عمران بن حصين المرفوع كان الله ولم يكن شيء قبله | أهل البدع والمعاصي ومشاركتهم في صلاة الجماعة | وضع الجوائح في المبايعات والضمانات والمؤجرات | عرش الرحمن وما ورد فيه من الآيات والأحاديث وكونه فوق العالم كله