كتاب الأم/كتاب الطهارة/باب المني

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: باب المني


[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: بدأ الله عز وجل خلق آدم من ماء وطين وجعلهما معا طهارة وبدأ خلق ولده من ماء دافق فكان في ابتدائه خلق آدم من الطهارتين اللتين هما الطهارة دلالة أن لا يبدأ خلق غيره إلا من طاهر لا من نجس ودلت سنة رسول الله على مثل ذلك.

[قال الشافعي]: أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن (عائشة قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله ).

[قال الشافعي]: والمني ليس بنجس فإن قيل: فلم يفرك أو يمسح؟ قيل: كما يفرك المخاط، أو البصاق، أو الطين والشيء من الطعام يلصق بالثوب تنظيفا لا تنجيسا فإن صلى فيه قبل أن يفرك، أو يمسح فلا بأس ولا ينجس شيء منه من ماء ولا غيره

أخبرنا الربيع بن سليمان قال: [قال الشافعي]: إملاء كل ما خرج من ذكر من رطوبة بول، أو مذي أو ودي أو ما لا يعرف، أو يعرف فهو نجس كله ما خلا المني والمني الثخين الذي يكون منه الولد الذي يكون له رائحة كرائحة الطلع ليس لشيء يخرج من ذكر رائحة طيبة غيره وكل ما مس ما سوى المني مما خرج من ذكر من ثوب أو جسد، أو غيره فهو ينجسه وقليله وكثيره سواء فإن استيقن أنه أصابه غسله ولا يجزئه غير ذلك فإن لم يعرف موضعه غسل الثوب كله وإن عرف الموضع ولم يعرف قدر ذلك غسل الموضع وأكثر منه إن صلى في الثوب قبل أن يغسله عالما، أو جاهلا فسواء إلا في المأثم فإنه يأثم بالعلم ولا يأثم في الجهل وعليه أن يعيد صلاته ومتى قلت يعيد فهو يعيد الدهر كله؛ لأنه لا يعدو إذا صلى أن تكون صلاته مجزئة عنه فلا إعادة عليه فيما أجزأ عنه في وقت ولا غيره، أو لا تكون مجزئة عنه بأن تكون فاسدة وحكم من صلى صلاة فاسدة حكم من لم يصل فيعيد في الدهر كله وإنما قلت في المني إنه لا يكون نجسا خبرا عن رسول الله ومعقولا فإن قال قائل: ما الخبر؟ قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن (عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله ثم يصلي فيه).

[قال الشافعي]: أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة أو الأسود " شك الربيع " عن (عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله ثم يصلي فيه)

[قال الربيع]: وحدثنا يحيى بن حسان: [قال الشافعي]: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وابن جريج كلاهما يخبر عن عطاء عن ابن عباس أنه قال في المني يصيب الثوب أمطه عنك قال أحدهما بعود، أو إذخرة وإنما هو بمنزلة البصاق، أو المخاط.

[قال الشافعي]: أخبرنا الثقة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد قال أخبرني مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه كان إذا أصاب ثوبه المني إن كان رطبا مسحه وإن كان يابسا حته ثم صلى فيه.

[قال الشافعي]: فإن قال قائل فما المعقول في أنه ليس بنجس فإن الله عز وجل بدأ خلق آدم من ماء وطين وجعلهما جميعا طهارة، الماء، والطين في حال الإعواز من الماء طهارة، وهذا أكثر ما يكون في خلق أن يكون طاهرا وغير نجس وقد خلق الله تبارك وتعالى بني آدم من الماء الدافق فكان جل ثناؤه أعز وأجل من أن يبتدئ خلقا من نجس مع ما وصفت مما دلت عليه سنة رسول الله والخبر عن عائشة وابن عباس وسعد بن أبي وقاص مع ما وصفت مما يدركه العقل من أن ريحه وخلقه مباين خلق ما يخرج من ذكر وريحه فإن قال قائل فإن بعض أصحاب النبي قال: اغسل ما رأيت وانضح ما لم تر فكنا نغسله بغير أن نراه نجسا ونغسل الوسخ والعرق وما لا نراه نجسا ولو قال بعض أصحاب النبي : إنه نجس لم يكن في قول أحد حجة مع رسول الله ومع ما وصفنا مما سوى ما وصفنا من المعقول وقول من سمينا من أصحاب رسول الله فإن قال قائل فقد يؤمر بالغسل منه قلنا: الغسل ليس من نجاسة ما يخرج إنما الغسل شيء تعبد الله به الخلق - عز وجل - فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل أرأيت الرجل إذا غيب ذكره في الفرج الحلال ولم يأت منه ماء فأوجبت عليه الغسل، وليست في الفرج نجاسة وإن غيب ذكره في دم خنزير، أو خمر، أو عذرة وذلك كله نجس أيجب عليه الغسل؟ فإن قال: لا قيل: فالغسل إن كان إنما يجب من نجاسة كان هذا أولى أن يجب عليه الغسل مرات ومرات من الذي غيبه في حلال نظيف ولو كان يكون لقذر ما يخرج منه كان الخلاء والبول أقذر منه ثم ليس يجب عليه غسل موضعهما الذي خرجا منه ويكفيه من ذلك المسح بالحجارة ولا يجزئه في وجهه ويديه ورجليه ورأسه إلا الماء ولا يكون عليه غسل فخذيه ولا أليتيه سوى ما سميت ولو كان كثرة الماء إنما تجب لقذر ما يخرج كان هذان أقذر وأولى أن يكون على صاحبهما الغسل مرات وكان مخرجهما أولى بالغسل من الوجه الذي لم يخرجا منه ولكن إنما أمرنا بالوضوء لمعنى تعبد ابتلى الله به طاعة العباد لينظر من يطيعه منهم ومن يعصيه لا على قذر ولا نظافة ما يخرج فإن قال قائل فإن عمرو بن ميمون روى عن أبيه عن سليمان بن يسار (عن عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله ) قلنا: هذا إن جعلناه ثابتا فليس بخلاف لقولها كنت أفركه من ثوب رسول الله ثم يصلي فيه كما لا يكون غسله قدميه عمره خلافا لمسحه على خفيه يوما من أيامه وذلك أنه إذا مسح علمنا أنه تجزئ الصلاة بالمسح وتجزئ الصلاة بالغسل وكذلك تجزئ الصلاة بحته وتجزئ الصلاة بغسله لا أن واحدا منهما خلاف الآخر مع أن هذا ليس بثابت عن عائشة هم يخافون فيه غلط عمرو بن ميمون إنما هو رأي سليمان بن يسار كذا حفظه عنه الحفاظ أنه قال غسله أحب إلي وقد روي عن عائشة خلاف هذا القول ولم يسمع سليمان علمناه من عائشة حرفا قط ولو رواه عنها كان مرسلا.

[قال الشافعي]: رضي الله عنه وإذا استيقن الرجل أن قد أصابت النجاسة ثوبا له فصلى فيه ولا يدري متى أصابته النجاسة فإن الواجب عليه إن كان يستيقن شيئا أن يصلي ما استيقن وإن كان لا يستيقن تأخى حتى يصلي ما يرى أنه قد صلى كل صلاة صلاها وفي ثوبه النجس، أو أكثر منها ولا يلزمه إعادة شيء إلا ما استيقن والفتيا والاختيار له كما وصفت والثوب والجسد سواء ينجسهما ما أصابهما.

والخف والنعل ثوبان فإذا صلى فيهما وقد أصابتهما نجاسة رطبة ولم يغسلها أعاد فإذا أصابتهما نجاسة يابسة لا رطوبة فيها فحكهما حتى نظفا وزالت النجاسة عنهما صلى فيهما.

فإن كان الرجل في سفر لا يجد الماء إلا قليلا فأصاب ثوبه نجس غسل النجس وتيمم إن لم يجد ما يغسل النجاسة تيمم وصلى وأعاد إذا لم يغسل النجاسة من قبل أن الأنجاس لا يزيلها إلا الماء فإن قال قائل: فلم طهره التراب من الجنابة ومن الحدث ولم يطهر قليل النجاسة التي ماست عضوا من أعضاء الوضوء أو غير أعضائه قلنا: إن الغسل والوضوء من الحدث والجنابة ليس؛ لأن المسلم نجس ولكن المسلم متعبد بهما وجعل التراب بدلا للطهارة التي هي تعبد ولم يجعل بدلا في النجاسة التي غسلها لمعنى لا تعبدا إنما معناها أن تزال بالماء ليس أنها تعبد بلا معنى.

ولو أصابت ثوبه نجاسة ولم يجد ماء لغسله صلى عريانا ولا يعيد ولم يكن له أن يصلي في ثوب نجس بحال وله أن يصلي في الإعواز من الثوب الطاهر عريانا.

[قال]: وإذا كان مع الرجل الماء وأصابته نجاسة لم يتوضأ به وذلك أن الوضوء به إنما يزيده نجاسة.

وإذا كان مع الرجل ماءان أحدهما نجس والآخر طاهر ولا يخلص النجس من الطاهر تأخى وتوضأ بأحدهما وكف عن الوضوء من الآخر وشربه إلا أن يضطر إلى شربه فإن اضطر إلى شربه شربه وإن اضطر إلى الوضوء به لم يتوضأ به؛ لأنه ليس عليه في الوضوء وزر ويتيمم وعليه في خوف الموت ضرورة فيشربه إذا لم يجد غيره.

ولو كان في سفر أو حضر فتوضأ من ماء نجس، أو كان على وضوء فمس ماء نجسا لم يكن له أن يصلي وإن صلى كان عليه أن يعيد بعد أن يغسل ما ماس ذلك الماء من جسده وثيابه.

كتاب الأم - كتاب الطهارة
الماء الذي ينجس والذي لا ينجس | الماء الراكد | فضل الجنب وغيره | ماء النصراني والوضوء منه | باب الآنية التي يتوضأ فيها، ولا يتوضأ | الآنية غير الجلود | باب الماء يشك فيه | ما يوجب الوضوء وما لا يوجبه | الوضوء من الملامسة والغائط | الوضوء من الغائط والبول والريح | باب الوضوء من مس الذكر | باب لا وضوء مما يطعم أحد | باب الكلام والأخذ من الشارب | باب في الاستنجاء | باب السواك | باب غسل اليدين قبل الوضوء | باب المضمضة والاستنشاق | باب غسل الوجه | باب غسل اليدين | باب مسح الرأس | باب غسل الرجلين | باب مقام الموضئ | باب قدر الماء الذي يتوضأ به | باب تقديم الوضوء ومتابعته | باب التسمية على الوضوء | باب عدد الوضوء والحد فيه | باب جماع المسح على الخفين | باب من له المسح | باب وقت المسح على الخفين | باب ما ينقض مسح الخفين | باب ما يوجب الغسل ولا يوجبه | باب من خرج منه المذي | باب كيف الغسل | باب من نسي المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة | باب علة من يجب عليه الغسل والوضوء | جماع التيمم للمقيم والمسافر | باب متى يتيمم للصلاة | باب النية في التيمم | باب كيف التيمم | باب التراب الذي يتيمم به ولا يتيمم | باب ذكر الله عز وجل على غير وضوء | باب ما يطهر الأرض وما لا يطهرها | باب ممر الجنب والمشرك على الأرض ومشيهما عليها | باب ما يوصل بالرجل والمرأة | باب طهارة الثياب | باب المني